موجز اعـتـقـاد أهـل السـنـة و الجـماعـة ومستلزمـاته
ويشمل :
1 – موجـز اعتـقـاد أهل السنة والجـماعـة .
2 – الاعتصام بعـقيدة أهل السنة أمـر متعيـن .
3 – حـقيـقة الانتماء إلى أهل السنة والجماعة ومستلزماته .
4 – أمثلة لواقع الدعوات المعاصرة حيال عقيدة أهل السنة .
5 – بين أهل السنة والأشاعرة .
6 – من أهـم المسائل التي خالف فيها الأشاعرة أهل السنة .
7 – أيـن أهـل السنة ؟ .
( 1 )
موجـز اعتـقـاد أهل السنة والجـماعـة
موجـز اعتـقـاد أهل السنة والجـماعـة
أولاً : قـواعـد عامة :
1- مصادر عـقيدة أهل السنة والجماعة
:
نظراً لأن عقيدة أهل السنة والجماعة توقيفية ، فهي تقوم على التسليم بما
جاء عن الله وعن رسوله - صلى الله عليه وسلم - دون تحريف ، ولا تأويل ، ولا تعطيل
، ولا تمثيل .
ولها مصدران أساسيان ، هما :
أ – القرآن الكريم .
ب – ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
والإجماع المعتبر في تقرير العقيدة مبنى على الكتاب والسنة أو أحدهما .
والفطرة والعقل السليم : رافدان مؤيدان لا يستقلان بتقرير تفصيلات العقيدة
وأصول الدين ، فهما يوافقان الكتاب والسنة ولا يعارضهما .
وإذا ورد ما يوهم التعارض بين النقل والعقل ، اتهمنا عقولنا ، فإن النقل
الثابت مقدم ومُحَـكـّم في الدين ، فتقديم عقول الناس وأرآئهم الناقصة على كلام
الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه
، ضلال وتعسف .
2- ما صح عن رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - ، وإن كان من خبر الآحاد ، وجب قبوله
.
3- ما اختلف فيه في أمور الدين
فمردّه إلى الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ، ( الكتاب والسنة ) كما فهمها الصحابة والتابعون ، والتابعون لهم
من أئمة الهدى المتبعين .
فالمرجع في فهم نصوص العقيدة الواردة في الكتاب والسنة هم الصحابة
والتابعون ، ومن اقتفى أثرهم من أئمة الهدى والدين ، ولا عبرة بمن خالفهم ، لأنه
متبع غير سبيل المؤمنين .
4 - أصول الدين والعقيدة توقيفية ( قد بينها رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - بالقرآن والسنة ) :
- فإن كل محدثة في الدين بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، كما صح عن الرسول - صلى
الله عليه وسلم .
- فليس لأحد أن يحدث أمراً من أمور الدين ، زاعماً أنه يجب التزامه أو
اعتقاده ، فإن الله - تعالى - أكمل الدين ، وانقطع الوحي ، وختمت النبوة ، لقوله -
تعالى :
{ الْيَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } [ سورة المائدة ، الآية : 3 ] .
وقوله - صلى الله عليه وسلم- : " من أحدث من أمرنا هذا ما ليس منه فهو
ردّ " ، وهذا الحديث قاعدة من قواعد
الدين ، وأصل من أصول العقيدة .
- ومن اعتقد أنه يسعه الخروج عما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - من
شرع
ودين ، فـقد خلع ربقة الإسلام من عنقه .
5 - يجـب التـزام الألفـاظ الواردة
من الكتـاب والسنـَّة في العـقـيدة ، واجتـناب الألفــاظ
المحدثة التي ابتدعها المتكلمون والفلاسفة وسواهم ، لأن
العقيدة توقيفية، فهي مما لا يعلمه إلا الله - سبحانه .
6 - أمور العـقيدة غـيب ، ومبناها على التسليم بما جاء عن الله تعالى، وعن
رسوله - صلى الله عليه وسلم - ظاهراً وباطناً ، ما عـقلناه منها وما لم نعـقله
. فمن لم يُسلّم فيها لله - تعالى-
ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - ، لم يَسْـلـَم دينه .
- والتسليم لله وللرسول - صلى الله عليه وسلم- يتمثل في التسليم بالكتاب
والسنة .
7 - لا يجوز الخوض والجدل والمراء في العقيدة ونصوصها لأنها غيب ، إلا بقدر
البيان وإقامة الحجة مع التزام منهج السلف في ذلك
.
8 - لايجوز تأويل نصوص العقيدة ،
ولا صرفها عن ظاهرها بغير دليل شرعي ثابت عن المعصوم - صلى الله عليه وسلم .
9 - من لوازم العقيدة العمل بالشريعة :
فالحكم بغير ما أنزل الله - تعالى - ينافي التوحيد والتسليم لله - تعالى -
وللرسول - صلى الله عليه وسلم ، فالتزام غير شرع الله - تعالى - والعدول المطلق
عنه أو تجويز الحكم بغير ما أنزل الله - تعالى - كفر أكبر ، أما العدول عن شرع
الله في واقعة معينة لهوى أو إكراه مع
التزام بشرع الله فهو كفر أصغر أو ظلم أو فسق !!
ثانـياً : قواعـد تفـصيلية :
1 - عقيدتهم في أسماء الله وصفاته :
إثبات ما أثبته الله لنفسه ، وما أثبته له رسوله - صلى الله عليه وسلم -
ونفي ما نفاه الله عن نفسه ، وما نفاه رسوله - صلى الله عليه وسلم- من غير تمثيل
ولا تكليف، ( و لا تشبيه ) ، ولا تحريف ، ( ولا تأويل ) ، ولا تعطيل . كما قال -
تعالى :
{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ
الْبَصِيرُ } [
سورة الشورى ، الآية : 11 ] .
والله - تعالى - وصف نفسه ووصفه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنه :
سميع، بصير، عالم ، متكلم ، حيّ ، قدير، مريد ، وأنه مستوعلى عرشه ، فوق
عباده ، وأنه - تعالى : يرضى ويسخط ، ويغضب ويحب ويكره ، ويجئ وينزل ، ويضحك ويعجب
، كما يليق بجلاله وعظمته ( مع الجزم بنفي التشبيه ) ، كما وصف نفسه - تعالى ووصفه
رسوله - صلى الله عليه وسلم : بالنفس ،
والوجه ، واليد ، والعين ، وغير ذلك مما جاء في القرآن وصحيح السنة ، فأهل السنة
يصفونه بما وصـف نفسه ووصفـه به رسوله - صلى الله عـليه وسلم - من غـير تشبـيه ولا
تمثيل ولا تكييف ولا تعطيل ولا تأويل .
2- عـقيدتهم في مسائل الإيمان وسائر المغـيبات :
ومن ذلك :
أولاً : من أصول أهل السنة أن الإيمان قول وعمل ، يزيد وينقص ، ويشمل الإيمان بكل ما أخبر الله به في كتابه
، أو أخبر عنه رسوله صلى الله عليه وسلم -
من أمور الغيب والشهادة جملة وتفصيلا ، ومن ذلك :
( أ ) الإيمان بالله تعالى وتوحيده بالربوبية والألوهية والأسماء
والصفات .
( ب) الإيمان بالملائكة وأنهم عباد مُكرّمون ، لا يعصون الله ما أمرهم ،
ويفعلون ما
يُؤمرون، وأنهم موكلون بعبادة الله
تعالى ، ومنهم من له وظائف وأعمال أخرى ، من إنزال الوحي، وكتابة الأعمال،
والمقادير، وقبض الأرواح ، ونصر المؤمنين ، وتسيير
السحاب ، وإنزال المطر ، ومنهم
حملة العرش . ... إلخ .
( جـ ) الإيمان بالكتب المنزلة من الله تعالى إلى رسله هداية للعباد ،
ومنها :
الزبور ، والتوراة ، والإنجيل ،
والقرآن الكريم ، وهو أكملها وناسخها .
( د ) الإيمان بالأنبياء والمرسلين جميعاً ، ومن جاء ذكره منهم في القرآن
الكريم وصحيح السنة ; وجب الإيمان به على وجه الخصوص ، وأنهم كلهم بلَغوا
رسالات الله ودعوا إلى توحيده ، وحذروا من الشرك
.
{ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } [ سورة النحل ، الآية : 36 ] .
وأن محمداً - صلى الله عليه وسلم - هو أفضل الخلق وخاتم النبيين بعثه الله
إلى الناس جميعاً ، وبموته - صلى الله عليه وسلم - انقطع الوحي وأكمل الله
الدين .
( هـ ) الإيمان باليوم الآخر وأن الموت حق ، وبنعيم القبر وعذابه ، والبعث
والنفخ في الصور ، والنشور والعرض ، والحساب والجزاء ، والصحف والميزان ، والصراط
والحوض ، والجنة ونعيمها ، والنار وعذابها
. ... إلخ .
ويُؤمنون بالساعة وأشراطها ، ومنها : خروج الدجال ، ونزول عيسى- عليه
السلام - وخروج المهدي ، ويأجوج ومأجوج ، وطلوع الشمس من مغربها ، وخروج
الدابة ، وغير ذلك مما ثبت في الأخبار .
( و ) الإيمان بالقـدر خيره وشره من الله - تعالى- وأن الله علم كل شيئ قبل
أن يكون ، وكتب ذلك في اللوح المحفوظ ، وأنه - تعالى – ما شاء كان وما لم يشأ لم
يكن ، وأنه خالق كل شيئ ، وقد قدر الأرزاق والآجال ، والسعادة والشقاء ، والهداية
والضلال ، وأنه - تعالى - فعـّـال لما يريد
، وأنه - تعالى - أخذ الميثاق على بني آدم وأشهدهم
على أنفسهم أنه ربهم .
ثانـياً القـرآن : من أصول أهل السنة : أن القرآن الكريم كلام الله مُنزل غير
مخلوق ،
وأن من زعم أنه مخلوق فقد كفر .
ثالثـاً : الـرؤيـة ، وأن المؤمنون يرون ربهم يوم القيامة بأبصارهم من غير
كيف ولا إحاطة .
رابعاً : الشفاعـة ، ويؤمنون بسائر الشفاعات التي ثبتت في القرآن والسنة
بشروطها يوم القيامة ، وأعظمها شفاعة محمد - صلى الله عليه وسلم - العظمى لخلائق
يوم القيامة ، وشفاعته - صلى الله عليه وسلم - لأهل الكبائر من أمته ، وغير ذلك من
الشفاعات له - صلى الله عليه وسلم - ولغيره من الملائكة والنبيين والمؤمنين وغيرهم
، كما جاءت بذلك الآثار الصحيحة .
خامساً : الإسراء والمعراج - الإسراء إلى بيت المقدس ، والمعراج إلى السماء
السابعة - وسدرة المنتهى ، ثابت للنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - كما جاءت بذلك
الآيات والأحاديث الثابتة .
3 – عقيدتهم في بقيـة الأصول والأحكام الاعتقادية :
أولاً : من أصول الدين عند أهل السنة : حبّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم
- حتى يكون أحبّ للمرء من نفسه و ولده ، والناس أجمعين ، ثم حب أصحاب رسول الله -
صلى الله عليه وسلم- وزوجاته أمهات المؤمنين ، والترضي عنهم، وأنهم أفضل الأمة،
والكف عما شجر بينهم ، وأن بغضهم أو الطعن في أحد منهم ضلال ونفاق .
وأفضلهم - رضي الله عنهم جميعاً - أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم عليّ ،
والعشرة
المبشرون بالجنة .
كما يدين أهل السنة بحب آل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويستوصون
بهم
خيراً ، ويرعون لهم حقوقهم ، كما أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم .
ثانيـاً : مجانبـة أهل البدع والنفاق ، والأهواء ، وأهل الكلام ، وبغضهم ،
والتحذير منهم ، كالرافضة ، والجهمية ، والخوارج ، والقدرية ، وغلاة المرجئة ،
وغلاة الصوفية ، والفلاسفة ، وسائر الفرق والطوائف ، التي جانبت السنة والجماعة .
ثالثـاً : لزوم الجماعـة ،
الاجتماع والاعتصام بحبل الله ، ( القرآن والسنة ) ، فإن الفرقة عن أهل الحق شذوذ
وهلكة وضلال .
قال تعالى : { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ
جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا } [ سورة آل عمران ، الآية : 103] .
رابعـاً : وجوب السمع والطاعة لولاة الأمور بالمعروف ، ما لم يأمروا بمعصية
، ولا يجوز الخروج عليهم ، وإن جاروا ، إلا أن يرى منهم كفرٌ بواحٌ عليه من الله
برهان .
خامساً : وجوب النصيحة لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم- ثم لأئمة
المسلمين ،( و هم ولاة الأمور من الأمراء والعلماء ) وعامتهم .
سادساً : الجهاد مع الإمام - براً كان أو فاجراً ، وهو ( أي الجهاد ) من
شعائر الدين وذروة سنام الإسلام ، وأنه قائم إلى يوم القيامة .
سابعاً : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصل من أصول الدين ، ومن أعظم
شعائر الإسلام ، وهو واجب على الاستطاعة .
ثامناً : أحكام المسلمين وحقوقهم :
1- من شهد أن لا إله إلا الله وأن
محمداً رسول الله ، وصلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأظه شعائر الإسلام ، فهو مسلم
له ما للمسلمين ، وعليه ما عليهم ، حرام الدم والمال والعرض ، وحسابه على
الله ، واختبار مجهول الحال ، وإساءة الظن
به ، أو التوقف في إسلامه بدعة وتنطع في الدين .
2 - لايجوز تكفير أحد من أهل القبلة بذنب يرتكبه ، إلا من جاء تكفيره بالكتاب والسنة ، وقامت
عليه الحجة، وانتفت في حقه عوارض الإكراه ، أو الجهل ، أوالتأول . كما لا يجوز
الشك في كفر من حكم الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - بكفره ، من المشركين
واليهود والنصارى وغيرهم .
3 - لانجزم لأحد بجنةٍ أو نار إلاّ من شهد له رسول الله صلى الله عليه
وسلم .
4 - ومرتكب الكبيرة في الدنيا فاسق وعاص ، وفي الآخرة تحت مشيئة الله ، إن
شاء عذبه، وإن شاء غفر له ، ولا يُخلد في النار، ونرجو للمحسن، ونخاف على المسئ .
5 - الصلاة خلف أئمة المسلمين - برهم وفاجرهم - والجهاد معهم ، والصلاة على
من مات على الإسلام من أهل القبلة برهم وفاجرهم .
6 - وجوب الحب في الله، والبغض في الله، ومن ذلك الولاء للمؤمنين الصالحين
، والبراء من المشركين والكافرين والمنافقين، وكل مسلم له من الولاية بقدرما لديه
من الإيمان والاتباع للرسول- صلى الله عليه وسلم-
، ومن البرآءة بقـدر ما فيه من فسـق ومعصية .
7 - كرامات الأولياء حق ، وليس كل كرامة دليلاً على التوفيق والصلاح ، إلاّ
لمن كان على هدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ظاهراً وباطناً .
وقد تكون الكرامة ابتلاء ، وليس كل خارق يكون كرامة . والله أعلم .
( 2 ) الاعتصام بعـقيدة أهل السنة
والجماعة أمر متعـين
والجماعة أمر متعـين
لئن كانت عقيدة أهل السنة والجماعة مستمدة من كتاب الله ورسوله - صلى الله
عليه وسلم - فهذا يعني أنها الأسلم والأعلم والأحكم ، وهذا يعني - أيضاً - أنها
بالضرورة هي الأولى بالاتباع ، وأن التزامها متعين ، لأنها الحق ، والحق أحق أن
يُتبع ، فهي العروة الوثقى والدين الخالص ، والصراط المستقيم ، وهي وصية رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - ، وهي سبيل المؤمنين ، والله تعالى توعد من خالف الرسول -
صلى الله عليه وسلم - ، واتبع غير سبيلهم ، فقال الله تعالى :
{ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا
تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا
تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } [ سورة النساء ، الآية : 115 ] .
وسبيل المؤمنين لاشك أنه سبيل الصحابة والتابعين ، والقرون الفاضلة في
الدين ، الذين أثنى الله عليهم ، وأثنى عليهم المعصوم - صلى الله عليه وسلم-
وأمرنا باتباعهم .
كما أن مخالفة غير سبيل المؤمنين مشاقة لله تعالى ، ولرسوله - صلى الله
عليه وسلم - كما ورد في الآية نفسها .
وإذا كان الأمر كذلك ، فإن التمسك بهذه العقيدة الحق ، عقيدة أهل السنة
والجماعة ، أمر متعين شرعاً ، بأمر من الله تعالى ، وأمر رسوله - صلى الله عليه
وسلم - ، قال الله تعالى :
{ اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ } [ سورة الأعراف ، الآية : 3 ] .
وقد بيّن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سيكون بعده اختلاف وافتراق
كثير، وأن الحق مع المتمسكين بسنته ، وسنة الخلفاء الراشدين ، حيث قال - صلى الله
عليه وسلم - في حديث العرباض : " اتقوا الله وعليكم بالسمع والطاعة وإن عبداً
حبشياً ، وإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء
الراشدين المهديين ،
عضّوا عليها بالنواجذ ، وإياكم
ومحدثات الأمور ، فإن كل بدعة ضلالة "
.
ولا ريب أن الذين تمسكوا بسنته - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الراشدين ،
واجتنبوا البدع هو أهل السنة والجماعة .
وقال - صلى الله عليه وسلم : " لقد جئتكم بها بيضاء نقية فلا تختلفوا
بعدي " .
وقال - صلى الله
عليه وسلم : " لقد تركتم على مثل البيضاء ، ليلها كنهارها ، لا يزيغ عنها
بعدي إلا هالك " .
والبيضاء هي عقيدة أهل السنة والجماعة ، وسائر ما جاء به الرسول - صلى الله
عليه وسلم - من الشرع والدين ، حيث لم تتغير ولم تتبدل منذ عهد السلف في القرون
الفاضلة حتى اليوم ، بألفاظها وأسانيدها ، كما جاءت في القرآن والسنة ، وكما تلفظ
بها أئمة الهدى .
بخلاف معتقدات المتكلمين من
المعتزلة ثم الأشاعرة والماتريدية والكلابية ، ونحوهم ، فإنك تجد الكثير من
ألفاظهم ومعتقداتهم لا يطابق في لفظه
ومعناه ما جاء عن أئمة السلف في القرون الفاضلة - إلا القليل - ولا تجد - كثيراً
مما يعتقدونه مسنداً إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه والتابعين ،
وبخاصة في مسألة الصفات والقدر ، بل لا تجدهم - في الغالب - متفقين على لفظ ولا
معنى في المسائل التي ابتدعوها .
فلتراجع كتبهم ، ففيها البرهان على ذلك ، والله المستعان .
( 3 ) حـقيـقـة
انتساب الجمــاعات المعــاصرة
إلى أهل السنة والجماعة ومستلزماته
انتساب الجمــاعات المعــاصرة
إلى أهل السنة والجماعة ومستلزماته
إن المتأمل لواقع الدعوات والحركات الإسلامية القائمة اليوم يجد أن غالبها
يدعي الانتماء إلى أهل السنة والجماعة .
وهذه الدعوى ( ترويجية ) قد يدعيها الصادق والكاذب ، ويدعيها من لا يعي
معناها وهو الأغلب ، فمثلها كمثل ادعاء الإسلام من قبل سائر الفرق التي نشات في
الإسلام حديثاً وقديماً ، فكما أن الرافضة تدعي الإسلام - والإسلام منها براء -
وكذلك الجهمية والخوارج و الباطنية ، وغلاة الصوفية ، وغلاة الفلاسفة ... وكذلك
القاديانية ، والبهائية ، والبريلوية ، والبهرة ، و النصيرية ، والإسماعيلية ،
وغيرهم كثير ، كل هؤلاء يدعي الإسلام ، وربما بعضهم يدعي أنه وحده الجدير بالإسلام
.
فكما توجد هذه الدعوى ; كذلك توجد دعوى الانتساب إلى أهل السنة والجماعة من
الكثيرين من الدعاة والحركات والدعوات المعاصرة ، مع الفارق في نوع الدعوى .
ولا شك أن منها - أعني الدعوات والحركات المعاصرة - ما هوجدير بالانتماء
لأهل السنة، ومنها ما هو بعيد منها كل البعدعن أهل السنة ، ومنها من يعني بأهل
السنة ، الأشاعرة أو الماتريدية، ونحوهم من الفرق التي هي أقرب إلى أهل السنة في
الجملة ، ومنها من لايدري ما يعني تماماً
، ومنها من لا يهمه إلى أي عقيدة ينتمي .
هذا وسأذكر - بإيجاز - أهم ما يحضرني من المستلزمات التي تترتب على
الانتماء لأهل السنة والجماعة ، فمن ذلك :
1 - من أهم ما يلزم لمن انتمى إلى أهل السنة - لا سيما إن كان داعية - أن
يتعلم عقيدتهم ، وأن يتشبع بها ، ويكون ملماً بأصولها في الجملة، وأن يطلب العلم
الشرعي ، ويتفقه في الدين على العلماء والمشايخ ، ليدعو على بصيرة وهدى ، وأن يوجه
أتباعه إلى أخد العلم الشرعي عن المشايخ .
2 - وبعد ذلك ، لابد أن يدعو إليها ويبينها للناس ويذود عنها ، لأنها الحق
.
3 - كما يتحتم على من انتمى لعقيدة
أهل السنة والجماعة وهو داعية ، أن يُظهر أثرها على أفكاره وأهدافه ، وأقواله
وكتاباته ، بل وعلى سلوكه وأعماله ، بحيث يكون ملماً بتفصيلاتها في العموم ( في
الأصول) ، كالإيمان ، والتوحيد ، والأسماء ، والصفات ، والقدر، وحقوق الصحابة ،
وأن يكون متمسكاً بالسنن والأخلاق الفاضلة ، والهدى النبوي ، وعليه سمة السلف
مخبراً ومظهراً .
4 - ويجب على الداعي أن يقتفي منج أهل السنة في الدعوة ، والأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر ، والنصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم ، وتربية الدعاة والمنتسبين
للدعوة على ذلك بكل حزم وقوة .
5 - ولابد للمنتسب لأهل السنة أن يوالي دعوتهم ودعاتهم وأئمتهم الماضين و
المعاصرين ، وذلك مثل : دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب ، ومن سار على نهجها من
جماعات وأفراد ، فهي أطهر الدعوات المعاصرة التي سلكت سبيل أهل السنة والجماعة ،
مُعـتـقَداً وسلوكاًً في العصر الحاضر ، لذلك تنبغي موالاتها من قِــَبل كل من
ينتسب لأهل السنة .
( 4 ) أمثلة لواقـع الدعـوات
المعـاصرة
حيال عـقيدة أهل السنة
المعـاصرة
حيال عـقيدة أهل السنة
وحيث أن هذه المستلزمات تحتاج إلى تطبيق على الواقع لتبيين الماراد منها ،
فإني أبيّن شيئاً من الأمثلة بما عليه كثير من الدعوات والحركات على وجه العموم ،
من مخالفات بينة لعقيدة أهل السنة اعتقاداً ومنهجاً وسلوكاً .
وخوفي من مغبـّة التشهير، ومظنة الشماتة بالآخرين ، يجعلني أعرض شيئاً من
الأخطاء ، دون ذكر للأسماء أو العناوين ، انطلاقاً من قاعدة ( ما بال أقوام ) .
وسأطرح بعض التساؤلات حول واقع الدعوات ومواقفها حيال هذا الأمر العظيم ،
فأقول :
* كيف ينتمي لأهل السنة من يؤَول صفات الله ، ويقول على الله بغير علم ،
ويقع فيما حذر منه السلف من تقديم العقل على كلام الله وكلام رسوله - صلى الله
عليه وسلم - في صفات الله والقدر وسائر أمور الغيب ؟!
إن بعض الدعوات القائمة ، تقوم على هذا الأساس ، وتدعي أنها هي أهل
السنة .
* ثم كيف ينتسب لأهل السنة من يرى أن الطرق الصوفـية المبتدعة منهجاً
سليماً للدعوة ؟!
* والعجب كل العجب .. أن يدعي الانتساب لأهل السنة من الدعاة من يدافع عن
البدع أو يروج لها أو يرضى بها ، أو يرى أن أمرها يسير ، وانها ليست من مسائل
الدين المهمة ، مثل بدع الموالد ، والاحتفالات الدينية البدعية ، وأين هذا من
عقيدة السلف ، لإن من الدعاة من يعمل هذه البدع ، ومنهم من يستهين بأمرها ويهون من
خطرها .
* والأدهي من ذلك أن يوجد من الدعاة الكبار الذي ينتمون إلى حركات إسلامية
مشهورة من يتمسّح بالقبور والأولياء من
الأموات والأحياء ، ويطلب منهم كشف الضرّ ، وجلب النفع ، ويلجأ إليهم في السراء
والضراء ! .
* وكيف يدعي رفع شعار أهل السنة من يتصدّر للدعوة وهو لا يعرف عقيدة السلف
، وربما سُئل أحدهم عن بدهيات العقيدة فلا يُجيب ، وإن أجاب خلط ! .
* وهل يكون من أهل السنة من لم يكف لسانه ولا قلمه عن التعرض بالنقيصة
واللمز أو السباب لبعض الصحابة ، والتابعين وأئمة الهدى المعتبرين وسلف الأمة
الماضيين ، خاصة علماء السنة والحديث ؟!! .
* وهناك - مع كل أسف - من كبار الدعاة أو ممن يزعمون أنهم دعاة من يُؤخر الصلاة الفريضة عن وقتها دون ضرورة ،
أو لا يهتم بصلاة الجماعة ، ومن يستحل أكل الربا ، ومن يستحل سماع الأغاني
والموسيقى ، أو يقتني الصور المجسّمة ، أو يدخّـن ، ومنهم من يحلق لحيته ( دون
ضرورة ) . أو يتشبه بالكفار في لباسه
ومظهره وسائر تصرفاته المعاشية ، ومنهم من لا يهتم بالحجاب الشرعي للنساء ، أو يقرّ
الاختلاط المحرم ويرضى به.. إلخ من الأمور التي تخل بالدين، أو تجرح العدالة ، أو
تنافي الفضيلة ، ولا ُتقبل ممن يتصدر الدعوة ويكون قدوة .
* وهل يجوز أن ينتسب لأهل السنة من لا يجعل من أهدافه وأهداف دعوته تعلم
وتعليم عقيدة أهل السنة ، ورفع لوائها ، والدعوة إليها ، والدفاع عنها ؟!
لأنها هي النهج السليم والصحيح للإسلام .
* بل كيف يكون من أهل السنة من
يجعل من أهدافه تحاشي التظاهر باعتقاد أصول أهل السنة ، وتحاشي الرد على الفرق
المخالفة ، وبدع المبتدعين بدعوى تفادي إثارة الخلافات بين المسلمين .
* ومن الدعاة من يسعى إلى جمع المسلمين على غير كلمة سواء ، إنما على
ما افترقوا به من اختلاف المعتقدات
والضلالات والبدع ، كحاطب ليل !
ولا شك أن جمع كلمة المسلمين هدف عظيم ، بل هو من أعظم أصول الدين ، ولا
ينكره إلا ضال أو جاهل ، لكن جمع المسلمين يجب أن يكون على الحق ، وعلى الكتاب
والسنة ، والاعتصام بالله ، لا على مجرد الشعارات الإسلامية الفارغة من الاعتقاد
الحق .
* ومنهم من يستهين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومناصحة ولاة الأمور
، ويزعم أن هذا من القشـور والتوافه ، وهذا مخالف لمنهج أهل السنة والجماعة
وأصولهم ، كما أسلفت .
وأخيراً ...
فإن هذه الأمور التي أشرت إلي شيئ منها ليست في واقع الدعوة اليوم مجرد
ظواهر أو تصرفات فردية ، بل هي سمات ومواقف ومناهج وأهداف ، وسلوك عام لدى بعض
الجماعات والدعوات والدعاة .
وأشعر أن واجب النصح يتطلب مني أن أفصّـل في الأمر أكثر من ذلك ، وأن أبرهن
على ما أدعيه ، لكن هذا لم يتأت لي في هذه العجالة ، ولكني عازم - بإذن الله - على
أن أفعل - إن تمكنت - ، كما إني متيقن أن هناك من هو أقدر مني وأجدر مني بذلك ،
لكني أشعر أن هذا لا يمنع أن أسهم بما أستطيعه وما يسعني . والله الموفق .