تعريف موجز للقانون الدستوري
إنه نشأ حديثاً في أوربا وأمريكا الشمالية بعد ظهور ورواج نظرية العقد الاجتماعي علي يد (جون لوك ) و(جان جاك روسو) ،ومضمون هذه النظرية بصورة مبسطة ،أن هناك عقداً ينشأ بين الحاكم والمحكومين يتم بموجبة تنازل المحكومين من بعض حقوقهم وحرياتهم لصالح الحاكم مقابل تولي إدارة شؤون الجماعة.
ثم ظهر مبدأ الفصل بين السلطات والذي يعتبر أساس الدساتير الحديثة المرتكزة على توزيع السلطات داخل الدولة بشكل يحفظ التوازن بينها ويحقق أهداف مجتمع الدولة .وبناء على ذلك عملت الدول الأوربية وفي مقدمتها فرنسا بعد الثورة الفرنسية سنة 1789م ، والولايات المتحدة الأمريكية قبل ذلك على إصدار دساتير تنظم شؤونها الداخلية من توزيع السلطات وإقرار الحريات والحقوق والواجبات وتحديد نظام الحكم وغيرها في شكل عقد اجتماعي بين الحاكم والمحكومين .
ثم انتقلت ثقافة الدساتير إلى الدول الإسلامية مع الاحتلال الأجنبي لها ،فطبقت فيها ،وبعد الاستقلال تمسك بهذه الدساتير قادة المسلمين وبالتالي بحثوا عن مبررات شرعية للعمل بها ،فوجدوا أن مصلحة المسلمين تقتضي وجود دستور في كل دولة .
وقد سلم علماء المسلمين بأهمية الدستور وضرورته لتنظيم شؤون الدولة الإسلامية بخاصة في مسألة الحكم ، ولكن اشترطوا موافقته للكتاب والسنة أو على الأقل عدم مخالفته لأحكام للكتاب والسنة. بل وذهب بعض العلماء إلى إسقاط مصطلح الدستور على وثيقة المدينة التي أقرها الرسول صلى الله عليه وسلم ،فسمي بدستور المدينة . وقد اهتم كثير من علماء المسلمين بخاصة منهم في عصر النهضة مثل : جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وأبو الأعلى المودودي وغيرهم ،بل كتب بعضهم عن الدستور الإسلامي مثل أبو الأعلى المودودي . ومن الفقهاء المعاصرين كتب الشيخ محمد عزة دروزة كتاباً أسماه"الدستور القرآني والسنة النبوية في شؤون الحياة " ...الخ .
هكذا أصبح الدستور واقعاً معاشاً ومعترفاً به بل مرحباً به في معظم الدول الإسلامية دون منكر أو معترض .
والدستور يعتبر من المصادر الاجتهادية التي تخضع لسلطة الحاكم في الدولة الإسلامية . ويعتبر أعلي قانون في الدول الحديثة يستمد قوتة من الشعب صاحب السيادة ولا يجوز لأحد مخالفته مطلقاً .
أما في الدولة الإسلامية فالدستور يعتبر المصدر الذي يلي الكتاب والسنة ،أو بمعنى آخر هو أعلى قانون اجتهادي في الدولة الإسلامية ، لأن قواعد الشريعة الإسلامية تنقسم إلى ثلاثة : أولها الكتاب وهو القرآن الكريم وثانيها السنة النبوية المطهرة وثالثها الاجتهاد ، فكل مسألة لم يرد بشأنها نص في المصدرين الأولين يعتبر من قبيل المسائل الاجتهادية التي تخضع لسلطة الحاكم أو من يفوضه التشريع فيها . فالقوانين تعبِّر عن اجتهاد الحاكم وكذلك المراسيم والقرارات وغيرها .
فالقانون الدستوري يهتم أساساً بنظام الحكم في الدولة : هل هو نظام رئاسي أم برلماني أم مجلسي أم ملكي أم غير ذلك ، ففي كل دولة يحدد الدستور نظام الحكم فيها بالإضافة إلى تحديد الحقوق والحريات والواجبات ،ثم توزيع المهام داخل الدولة وفق ما ذكرنا .
وإقرار الدستور شأن داخلي لكل دولة على حدة . فبعض الدول تنشئ هيئة تأسيسية لإعداد وإقرار الدستور ‘ والبعض الآخر تكلف السلطة التشريعية بهذه المهمة ، والبعض تكون لجنة لإعداد مشروع الدستور ثم تعرضه للاستفتاء ، وقد يتم الخلط بين إقرار السلطة التشريعية والاستفتاء أو بالطريقة التي تراها كل دولة على حدة .