كيف نتقي النار؟
إن المتأمل ببصرٍ وبصيرة في أحوال الكثير من المسلمين اليوم يجد أنهم أصبحوا يعيشون لدنياهم فقط,لانهاغرتهم بزخرفها الزائف وأعمت بصائرهم بنعيمها الزائل,فنسوا وتناسوا الآخرة ونعيم الجنة الدائم,وكأن الموت وسكراته والقبروضمته,والقيامة وأهوالها,والنار وزفراتها,والجنة ونعيمها,كلها مجرد أوهام ليست وأقعاً سنصير إليه لامحالة عاجلاً أم أجالاً,وإلا فما سبب تقاعدهم عن الكثيرمن الطاعات وتكاسلهم عن أداء الكثير من العبادات وتقاعسهم عن العديد من أعمال الخيروالتي بمقدورهم القيام بها دون كبير كلفة أو بالغ عناء أومشقة.
فيجب علينا أن لا ننخدع بنعيم الدنيا الزائل وأن نحاول أن نقي أنفسنامن النار ما أستطعنا إلى ذلك سبيلا وقد أرشدنا رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم إلى الطريقة التي نتقي بها النار,حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من أستطاع منكم أن يتقي النار فليتصدق ولو بشق تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة) رواه أحمد ومسلم فالإنفاق في سبيل الله والصدقة على الفقراء والمساكين والأرامل تعتبر من أفعال الخير العظيمة التي تقي مصارع السوء وتقي من النار وقد أمر المولى عزوجل المسلمين بالتصدق والإنفاق حيث قال تعالى (يا أيها الذين أمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلةٌ ولا شفاعةٌ والكافرون هم الظالمون) سورة البقرة الأية رقم (254) وقال جل جلاله (وانفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير) كما أمرنا رسولنا الكريم بالتصدق كل يوم حيث قال صلى الله عليه وسلم (على كل مسلم صدقة.فقالوا يا نبي الله فمن لم يجد؟ قال يعين ذا الحاجة الملهوف. قالوا فإن لم يجد؟ قال:فليعمل بالمعروف وليمسك عن الشر,فإنها له صدقة) رواه البخاري.
كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أكد لنا أيضا أن الصدقة في الدنيا تطفئ غضب الرب وتقي من ميتة السوء أي أنها تقي المسلم من الخاتمة السئية , قال صلى الله عليه وسلم (إن الصدقة تطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء)رواه الترمذي وحسنه.
وكيف لا تقي من النار الصدقة التي يخرجها صاحبها للفقراء أو المساكين أو الأيتام أو الأرامل أو الغارمين أو في سبيل الله أو في إحدى طرق الخير والصدقات الجارية, وقد غفر الله عزوجل ذنوب إحدى بغايا بني اسرائيل بسبب سقيها لكلب كان يلهث من العطش؟
روى البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (بينما كلب يطيف برَكِيَّةٍ,قد كان يقتله العطش إذ رأته بَغِىٍّ من بغايا بني اسرائيل فنزعت مَوقها, فاستقت له به,فسقته فَغُفرَ لها به)
وإذا كانت الصدقة تقي من النار وتطفئ غضب العزيز الجبار وتقي ميتة السوء فأنها مع ذلك لا تنقص من مال المتصدق شئ مهما كان مقدارها بل أنها تزيده وتنميه وتكثره وتبارك فيه, روى الترمذي عن أبى كبشة الأنماري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ثلاثة أقسم عليهن وأحدثكم حديثاً فأحفظوه :ما نقص مال من صدقة, ولاظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلازاده الله بها عزا,ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر), وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً(ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما:اللهم أعط منفقاً خلفاً,ويقول الآخر:اللهم أعط كل ممسك تلفاً)رواه مسلم.
وقد ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية وكتب التاريخ العديد من القصص لأشخاص بخلوا بأموالهم ولم ينفقوها في سبيل الله فهلكت تلك الأموال, كقارون وأصحاب الجنة وغيرهم, وأناس تصدقوا بأموالهم إبتغاء وجه الله الكريم فازدادت ونمت .
ولو نظرنا إلى أحوال الكثير من المسلمين لوجدنا أنه بإمكان الكثير منا الإنفاق في سبيل الله في كل يوم والتصدق بما يقدرعليه ولو بشق تمرة, فيتقي بصدقته النار, بل أنه بمقدور كل مسلم منا إنشاء صندوق توفيرفي منزله يسميه صندوق الوقاية من النار, يضع فيه كل شهرولو جزءاً بسيطاً من مرتبه أو دخله الشهري, ولن ينقص ذلك من رزقه شئ ثم يقوم إما بالتصدق على الفقراء والمساكين والأرامل والأيتام من أقاربه, فإن لم يجد من يستحق الصدقة من أقاربه فيتصدق على القراء والمحتاجين من جيرانه فإن لم يجد فمن أبناء قريته أو بلده أو حارته التي يسكن فيها, فإن لم يجد فيسلم ذلك المبلغ الذي يضعه في الصندوق نهاية كل شهر إلى إحدى المؤسسات والجمعيات الخيرية التي تقوم بالعديد من أفعال الخير والتي منها:
دعم أبناء فلسطين المجاهدين في سبيل الله الذين يواجهون الإحتلال الصهيوني
أننا نعيش اليوم في هناء وسعادة مع أبنائنا وأهلنا وزوجاتنا نتناول ألذ الأطعمة والأشربة وننام ساعات طويلة من الليل,وننفق الكثير من الأموال كل شهرعلى الغذاء والشراب وعلى ملذات الدنيا بل وقد ننفقها أحيانا في المعاصي والذنوب والكبائر والأثام بينما نرى الكثير من أطفال فلسطين يواجهون دبابات اليهود بالحجارة ومنهم من فقدوا أبائهم وأمهاتهم على أيدي اليهود وفقدوا منازلهم وبيوتهم فأصبحوا أيتام مشردين بلا ماوى ولا عائل يعولهم أوينفق عليهم أويعتني بهم,ومنهم من نراهم جرحى يرقدون على الأَّسرِّة في المستشفيات ملطخون بدمائهم,لا يجدون أقل الخدمات الطبية أو الأدوية لكي يعالجون بها جروحهم الدامية,أليس لهولاء حق في أموالنا وفي ما رزقنا ويرزقنا الله من ماله وفضله كل يوم أو كل شهر؟ولماذا نبخل بجزء بسيط من دخلنا ومرتبنا الشهري ننفقه في أبواب الخير بينما ننفق كل دخلنا في ملذات الدنيا أو في المعاصي والذنوب؟وكأننا نسينا أو تناسينا أن ما ننفقه في سبيل الله ومن أجل مرضات الله عزوجل يتضاعف أضعافاً بل عشرات الأضعاف بل المئات أو أكثر لمن يشاء الله تعالى من عباده, يقول الله سبحانه وتعالى (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم,الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله لا يتبعون ما أنفقوا مناً ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون,قول معروف ومغفرة خيرٌ من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم) سورة البقرة الآيات رقم(261, 262, 263)
بناء المساجد في العديد من بلدان العالم
كلنا نعلم عظمة أجر وثواب بناء بيوت الله عزوجل وتعميرها, فمن يبني لله مسجداً أو يشارك في بناء مسجد بماله خالصاً لوجه الله عزوجل وابتغاء مرضاته, لا رياء ولا شهرة , فأن الله عزوجل يرزقه بيت في الجنة, عقد بيعه وشراءه قول رسول الله صلى عليه وسلم(من بنى مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة)..
وهل هناك أغلى وأعظم وأفضل من إمتلاك بيت في الجنة, لا ينازعك في ملكيته أحد ولا تتركه لأحد إطلاقاً؟؟ فقصور الدنيا كلها لا تساوي غرفة واحدة من غرف الجنة....
فلماذا نبخل على أنفسنا بتوفير جزء بسيط من مرتبنا الشهري وإعطاءه لإحدى المؤسسات والجمعيات الخيرية للمساهمة في بناء مسجد مقابل بيت في الجنة؟
مع أننا ننفق الملايين من أجل بناء بيت في الدنيا نعيش فيه سنوات ثم نرحل ونتركه ورائنا لمن قد يبخل عنا حتى بدعوة صالحة, بل وقد ننتهي من بناء منزل الدنيا ولا نقيم فيه حتى يوماً واحداً أو ننام فيه ليلة واحدة, بينما نبخل بأقل القليل من أجل بيت في الجنة ننعم فيه بنعيم دائم لا يفنى ولا يبلى.
كفالة الأيتام والأرامل
والحقيقة أنه لا يخفى على كل مسلم مقدار ثواب وأجر كافل اليتيم فقد بين لنا ذلك المصطفى صلى عليه وسلم في حديث ما معناه(أنا وكافل اليتيم كاهتين في الجنة)ولفظ(كهاتين)أشارة إلى اصبعي رسول الله صلى الله عليه وسلم الشريفتين مبينا لنا أن كافل اليتيم سيكون يوم القيامة مع رسولنا الكريم في الجنة.
د-المساهمة الفعلية في إغاثة أخواننا المسلمين اللائجين والمنكوبين ومتضرري الكوارث في العديد من الدول التي تنشب فيها الحروب أو تحدث فيها الكوارث الطبيعية أو تعاني من القحط والمجاعة,حيث تقوم تلك الجمعيات والمؤسسات الخيرية بالعديد من المشاريع والأنشطة الأغاثية والتي يتم فيها تقديم الخيام والمواد الغذائية والأدوية والملابس والمفروشات لأخواننا المسلمين سواء اللائجين منهم في المخيمات هرباً من نيران القذائف والصواريخ في البلدان التي تنشب فيها الحروب أو المنكوبين والمتضررين منهم في البلدان التي تتعرض لكوارث طبيعية.
بناء مراكز تحفيظ القرآن الكريم وعلومه ومعاهد العلوم الشرعية والفقهية ورعاية طلابها
أننا نرى العديد من المؤسسات والجمعيات الخيرية تقوم ببناء المراكز الدينية التي تقوم بتحفيظ القرآن الكريم وعلومه وأحكامه وتدرس فيها تعاليم الإسلام الصحيحة والسنة النبوية الشريفة والفقه والسيرة واللغة العربية وغيرها من العلوم الدينية الصحيحة, وتقوم تلك الجمعيات بالإنفاق على طلاب العلم الدارسين في تلك المراكز كما تقوم بإنشاء الحلقات القرآنية ودعم مشاريع التنشئة الإسلامية القويمة من أجل الحفاظ على الهوية الإسلامية وحماية شباب وفتيات المسلمين من الحملات التنصيرية والتبشيرية التي يوجهها الصليبيون ضدهم من أجل القضاء على الهوية الإسلامية في العديد من دول العالم.
القيام بالعديد من المشاريع والأنشطة الخيرية
إننا نلتمس على الواقع العديد من المشاريع والأنشطة الخيرية التي تقوم بها المؤسسات والجمعيات الخيرية كمشروع الأضاحي ومشروع أفطار الصائم ومشروع كسوة العيد ومشروع الحقيبة المدرسية وغيرها من المشاريع والأنشطة الخيرية.
الرعاية الصحية للمرضى والعاجزين والمصابين بعاهات مستديمة
نرى على واقعنا العديد من الجمعيات لدعم المرضى كمرضى السرطان ومرضى الفشل الكلوي ومرضى, كما نرى العديد من الجمعيات التي تكفل رعاية العاجزين من ذوي العاهات المستديمة كجمعية رعاية المكفوفين ورعاية الصم والبكم وجمعية وغيرها من العاهات التي تجعل الفرد عاجزاً عن العيش كغيره من الأصحاء, وتقوم هذه الجمعيات بتأهيل المصابين بتلك العاهات وتعليمهم لكي يتمكنوا من العيش حياة طبيعية, فتتمكن المرآة من القيام بأعمال المنزل لتصبح في المستقبل أم وربة بيت ناجحة أو القيام بأعمال أخرى تكسب من وراءها الرزق, ويتمكن الرجل من العمل وكسب الرزق لنفسه وزوجته وأبنائه كغيره من أفراد المجتمع الأصحاء ..
ولا شك أن الأجر والثواب كبير لكل من يساهم في دعم هذه الجمعيات وبذل المال بسخاء لتقوم تلك الجمعيات بأعمالها في رعاية المنتسبين إليها وتحقيق أهدافها.
بقلم المحامي: محمد قايد الصايدي - اليمن - إب- بيت الصايدي
عدل سابقا من قبل alsaidilawyer في الإثنين 28 يناير 2013 - 13:00 عدل 1 مرات