بسم الله الرحمن الرحيم
موقف الرسول r من الغيب
موقف الرسول r من الغيب
فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (3 / 1410)
إنما يمثل موقف البشرية أمام الغيب المجهول. ومهما يعلم الإنسان ومهما يتعلم ، فإن موقفه أمام باب الغيب الموصد ، وأمام ستر الغيب المسدل ، سيظل يذكره ببشريته المحجوبة أمام عالم الغيب المحجوب .
والرسول - r - وهو من هو وقربه من ربه هو قربه ، مأمور أن يعلن للناس أنه أمام غيب اللّه بشر من البشر ، لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ، لأنه لا يطلع على الغيب ، ولا يعرف الغايات قبل المذاهب ، ولا يرى مآل أفعاله ومن ثم لا يملك أن يختار عاقبة فعله بحيث إن رأى العاقبة المغيبة خيرا أقدم ، وإن رآها سوءا أحجم. إنما هو يعمل ، والعاقبة تجيء كما قدر اللّه في غيبه المكنون :
«قُلْ : لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا - إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ - وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ» ..
وبهذا الإعلان تتم لعقيدة التوحيد الإسلامية كل خصائص التجريد المطلق ، من الشرك في أية صورة من صوره. وتتفرد الذات الإلهية بخصائص لا يشاركها البشر في شيء منها. ولو كان هذا البشر محمدا رسول اللّه وحبيبه ومصطفاه - عليه صلوات اللّه وسلامه - فعند عتبة الغيب تقف الطاقة البشرية ، ويقف العلم البشري.
وعند حدود البشرية يقف شخص رسول اللّه - r - وتتحدد وظيفته « «إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» ..
والرسول - r - نذير وبشير للناس أجمعين. ولكن الذين «يؤمنون» هم الذين ينتفعون بما معه من النذارة والبشارة فهم الذين يفقهون حقيقة ما معه وهم الذين يدركون ما وراء هذا الذي جاء به.
ثم هم بعد ذلك خلاصة البشرية كلها ، كما أنهم هم الذين يخلص بهم الرسول من الناس أجمعين ..
إن الكلمة لا تعطي مدلولها الحقيقي إلا للقلب المفتوح لها ، والعقل الذي يستشرفها ويتقبلها ، وإن هذا القرآن لا يفتح كنوزه ، ولا يكشف أسراره ، ولا يعطي ثماره ، إلا لقوم يؤمنون. ولقد ورد عن بعض صحابة رسول اللّه - r - : كنا نؤتى الإيمان قبل أن نؤتى القرآن .. وهذا الإيمان هو الذي كان يجعلهم يتذوقون القرآن ذلك التذوق ، ويدركون معانيه وأهدافه ذلك الإدراك ، ويصنعون به تلك الخوارق التي صنعوها في أقصر وقت من الزمان.
لقد كان ذلك الجيل المتفرد يجد من حلاوة القرآن ، ومن نوره ، ومن فرقانه ، ما لا يجده إلا الذين يؤمنون إيمان ذلك الجيل. ولئن كان القرآن هو الذي أخذ بأرواحهم إلى الإيمان ، لقد كان الإيمان هو الذي فتح لهم في القرآن ما لا يفتحه إلا الإيمان! لقد عاشوا بهذا القرآن ، وعاشوا له كذلك .. ومن ثم كانوا ذلك الجيل المتفرد الذي لم يتكرر - بهذه الكثرة وبهذا التوافي على ذلك المستوي - في التاريخ كله .. اللهم إلا في صورة أفراد على مدار التاريخ يسيرون على أقدام ذلك الجيل السامق العجيب!
لقد خلصوا لهذا القرآن فترة طويلة من الزمان ، فلم تشب نبعه الرائق شائبة من قول البشر ، اللهم إلا قول رسول اللّه - r - وهديه .. وقد كان من نبع القرآن ذاته كذلك .. ومن ثم كان ذلك الجيل المتفرد ما كان.
وما أجدر الذين يحاولون أداء ما أداه ذلك الجيل أن ينهجوا نهجه ، فيعيشوا بهذا القرآن ولهذا القرآن فترة طويلة من الزمان ، لا يخالط عقولهم وقلوبهم غيره من كلام البشر ليكونوا كما كان!
===============