ابن هانئ الأندلسي >> قصيدة ألا كلُّ آتٍ قريبُ المَدى
-----------------------------------
ألا كلُّ آتٍ قريبُ المَدى
و كلُّ حياة ٍ إلى منتهى
و ما غرّ نفساً سوى نفسها
وعُمْرُ الفتى من أماني الفتى
فأقْصَرُ في العينِ من لَفْتَة ٍ
و أسرعُ في السمعِ من ذا ولا
ولم أرَ كالمرْءِ وهو اللبيبُ
يرى ملءَ عينيهِ ما لا يرى
و ليسَ النَّواظرُ إلاّ القلوبُ
وأمّا العيونُ ففِيها العمى
ومنْ لي بمثلِ سلاح الزّمانِ
فأسْطو عليه إذا ما سطا
يجدُّ بنا وهو رسلُ العنانِ
و يدركنا وهو داني الخطى
برى أسهماً فنبا ما نبا
فلم يبقَ إلاَّ ارتهافُ الظُّبى
تراشُ فترمى فتنمي فلا
تَحِيدُ وتُصْمي ولا تُدَّرى
أأهضمُ لا نبعتي مرخة ٌ
و لا عزماتي أيادي سبا
على أنّ مِثلي رحيبُ اللَّبانِ
على ما ينوبُ سليمُ الشظى
و لو غيرُ ريبِ المنونِ اعتدى
عليّ وجرّبني ما اعتدى
خليليّ هل ينفعنّي البكاءُ
أوِ الوَجدُ لي راجعٌ ما مضى ؟
خليليّ سيرا ولا تَربعَا
عليّ، فهَمّيَ غيرُ الثَّوى
ولي زَفَراتٌ تُذيبُ المَطَيّ
و قلبٌ يسدُّ عليّ الفلا
سلا قبل وشك النوى مدنفاً
أقَضّتْ مضاجِعهُ فاشتكى
وراعى النّجومَ فأعشَيْنَه
فباتَ يظنُّ الثّريّا السُّهى
ضلوعٌ يضِقنَ إذا ما نَحَطنَ
و قلبٌ يفيضُ إذا ما امتلا
وقد قلتُ للعارض المكفَهِرِّ:
أفي السِّلم ذا البرقُ أم في الوغى ؟
وما بالُه قادَ هذا الرّعيلَ
و قلّدَ ذا الصّارمَ المنتضى
و أقبلهُ المزنُ في جحفلٍ
و أكذبَ أن صدّعني الكرى
أشيمكَ يا برق شيمَ النُّجيمْ
وما فيك لي بَلَلٌ من صَدى
كِلانا طَوى البيدَ في ليلِهِ
فأضعفنا يتشكّى الوجى
فجبتَ الغمامَ وجبتَ الغرامَ
حنانيك ليس سُرى ً من سُرى
أعِنّي على الليل ليلِ التّمامِ
و دعني لشاني إذا ما انقضى
فلو كنتُ أطوي على فتكهِ
تكشّفَ صبحي عن الشَّنفري
و ما العين تعشقُ هذا السّهادَ
ووَدّ القَطا لو ينَامُ القَطا
أقولُ وقد شقّ أعلى السحابِ
و أعلى الهضابِ وأعلى الرُّبى
أذا الوَدْقُ في مثل هذا الرّباب
وذا البْرقُ في مثل هذا السنا
ألا انهلّ هذا بماءِ القلوبِ
وأوقدَ هذا بنارِ الحشا
فيهْمي على أقْبُرٍ لو رأى
مكارمَ أربابها ما هَمَى
و في ذي النواويسِ موجُ البحارِ
وما بالبحارِ إليْهِ ظِما
هلمّوا فذا مصرَعُ العالمينَ
فمن كلّ قلبٍ عليهِ أسى
وإنّ التي أنْجَبَتْ للورى
كآلِ عليّ لأمُّ الورى
فلوْ عِزّة ٌ أنْطَقَتْ مُلحَداً
لأنطقَ ملحدها ما يرى
بكتْه المغاويرُ بِيضُ السيوفِ،
و هذي العناجيجُ قبُّ الكلى
ولّما أتينا سقَتْه الدموعُ
فما باتَ حتى سقاه الحيا
وعُمْرُ الفتى من أماني الفتى
ولكنْ لبيكِ النَّدى بالنَّدى
وقد خدّ في الشمس أخدودَه
فباتَ يظُنُّ الثّريّا السُّهَى
وما ضَرّ من لم يَطُفْ بالمقامِ
وفي ذي النواويسِ مْوجُ البحارِ
وقالوا الحَجونُ فثَمّ الحجونُ
وثمّ الحطيمُ وثمّ الصَّفا
وبينَ الشمالِ وبين الجنوبِ
في هَبوَة ٍ من مَهَبّ الصبَّا
فيهْمي على أقْبُرٍ لو رأى
أما كان في واحدٍ ما كفى
أما والركوعُ به والسجودُ
إذا ما بكى َ قانتٌ أو دعا
لَذاكَ الصّعيدُ وذاك الكديدُ
أحقُّ من الخيفِ بي أو منى
عليّ وجرّبني ما اعتدى
وفي الذاهبينَ وفى منْ وفى
أتَتْه الحجيجُ من الرّاقصاتِ
فمنها فُرادى ومنها ثُنا
فما لي لا أقتدي بالكرامِ
وأُوثِرُ سُنّة َ مَن قد خلا
إذا ما نحرتَ به أو عقرتَ
ولا عَزَماتي أيادي سَبا
ولا ترضَ إلاّ بعقرِ الثناءِ
ونَحْرِ القَوافي وإلاّ فلا
وقلْبٌ يَسُدُّ عليّ الفَلا
عليه تكوسُ ذواتُ الشَّوى
إذاً لم تغادرْ غريْريّة ً
تَخُبُّ ولا سابحاً يُمتطَى
وأمّا العيونُ ففِيها العمى
وأخوالُه فيه شِرْعاً سُوى
وإنّ حصاناً نمتْ جعفراً
ويحيى لعاديّة ُ المنتمى
فجاءتْ بهذا كشمسِ النهارِ
وجاءت بهذا كبدرِ الدّجى
تَرى بهما أسَدَيْ جَحْفَلٍ
وما أجأ إلاّ حِصانٌ ويعبوب
ألمْ تَك من قوْمها في الصّميم
ومن مجدها في أشمّ الذُّرى
فمن قومكَ الصِّيدُ صيدُ الملوكِ
ومن قومها الأسدُ أسدُ الشرى
فوارسُ تنضي المذاكي الجيادَ
إذا ما قرعنَ العُجا بالعجا
يُضيءُ عليهمْ سَنا الأكرمينَ
إذا ما الحديدُ عليهم دجا
فجئتَ كما شئتَ من جانبَيك
فأنتَ الحياة ُ وأنتَ الرّدى
فصِلُّكَ يُرقى ولا يستجيبُ
فلو كنتُ أطْوي على فتكِهِ
ومن ذاك أضنيتَ صرفَ الزمان
فلم يُخفِهِ عنْكَ إلا الضّنى
فلم تغمدِ السيفَ حتى انثنى
ولم تصرفِ الرُّمحَ حتى انحنى
وإنّ الذي أنتَ صنوٌ له
لماضي العزائمِ عردُ النَّسا
يُبيرُ عِداكَ إذا ما سَطَا
ويُعرَفُ فيهم إذا ما احتبى
ويحيَى لَعاديّة ُ المنتمى
إذا سألوا من فتى ً قيلَ ذا
بنو المنجِباتِ بنو المُنجِبينَ
فمن مُنجتباة ٍ ومنم مجتبى
لأماتنا نصفُ أنسابنا
فما ليَ لا أقتدي بالكِرامِ
دعائمُ أيامنا في الفخارِ
وأكْفاءُ آبائِنا في العُلى
ألمْ ترَ هنّ يباريننا
فيَمرُقْنَنَا ويَنَلْنَ المدى
كفلنَ لنا بظلالِ الخيام
وأكفَلَننَا بظِلالِ القَنا
وتغدو فمنهنّ أسماعُنا
وأبصارنا في حجالِ المها
فلو جازَ حكميَ في الغابرينَ
وعدّلْت أقسامَ هذا الوَرَى
لسمّيتُ بعض النساء الرجالَ
وسمّيتُ بعضَ الرجال النسا
إذا هي كانتْ لكشفِ الخطوبِ
فكيفَ البنون لضَرْبِ الطُّلى
تولّتْ مُرَقِّلَة ً للملوكِ
فمن مصطفى النجل أو مرتضى
وأكثرُ آمالِها فيكما
وفي القلبِ منها كجمرِ الغضا
فقد أدركتْ ما تمنّتْ فلا
تضيقا عليها بباقي المُنى
فلولا الضّريحُ لنادتكما
تُعيذُ كما من شماتِ العِدى
فإمّا تزيدانِ في أنسها
وإما تذودانِ عنها البِلى
فقد يُضحك الحيُّ سنّ الفقيدِ
فتهتَزُّ أعظُمُه في الثرى
ومهما طلبتَ دليلَ الكرامِ
فإنّ الدّليلَ ائتلافُ الهوى
وما فيك لي بَلَلٌ من صَدى
فما بيدٍ عن يدٍ من غنى
وليسَ الرّماحُ بغيرِ السيوفِ
وليس العمادُ بغيرِ البنا
ومن لا يُنادي أخاً باسمِهِ
فليس يخافُ ولا يُرتجى
-----------------------------------
ألا كلُّ آتٍ قريبُ المَدى
و كلُّ حياة ٍ إلى منتهى
و ما غرّ نفساً سوى نفسها
وعُمْرُ الفتى من أماني الفتى
فأقْصَرُ في العينِ من لَفْتَة ٍ
و أسرعُ في السمعِ من ذا ولا
ولم أرَ كالمرْءِ وهو اللبيبُ
يرى ملءَ عينيهِ ما لا يرى
و ليسَ النَّواظرُ إلاّ القلوبُ
وأمّا العيونُ ففِيها العمى
ومنْ لي بمثلِ سلاح الزّمانِ
فأسْطو عليه إذا ما سطا
يجدُّ بنا وهو رسلُ العنانِ
و يدركنا وهو داني الخطى
برى أسهماً فنبا ما نبا
فلم يبقَ إلاَّ ارتهافُ الظُّبى
تراشُ فترمى فتنمي فلا
تَحِيدُ وتُصْمي ولا تُدَّرى
أأهضمُ لا نبعتي مرخة ٌ
و لا عزماتي أيادي سبا
على أنّ مِثلي رحيبُ اللَّبانِ
على ما ينوبُ سليمُ الشظى
و لو غيرُ ريبِ المنونِ اعتدى
عليّ وجرّبني ما اعتدى
خليليّ هل ينفعنّي البكاءُ
أوِ الوَجدُ لي راجعٌ ما مضى ؟
خليليّ سيرا ولا تَربعَا
عليّ، فهَمّيَ غيرُ الثَّوى
ولي زَفَراتٌ تُذيبُ المَطَيّ
و قلبٌ يسدُّ عليّ الفلا
سلا قبل وشك النوى مدنفاً
أقَضّتْ مضاجِعهُ فاشتكى
وراعى النّجومَ فأعشَيْنَه
فباتَ يظنُّ الثّريّا السُّهى
ضلوعٌ يضِقنَ إذا ما نَحَطنَ
و قلبٌ يفيضُ إذا ما امتلا
وقد قلتُ للعارض المكفَهِرِّ:
أفي السِّلم ذا البرقُ أم في الوغى ؟
وما بالُه قادَ هذا الرّعيلَ
و قلّدَ ذا الصّارمَ المنتضى
و أقبلهُ المزنُ في جحفلٍ
و أكذبَ أن صدّعني الكرى
أشيمكَ يا برق شيمَ النُّجيمْ
وما فيك لي بَلَلٌ من صَدى
كِلانا طَوى البيدَ في ليلِهِ
فأضعفنا يتشكّى الوجى
فجبتَ الغمامَ وجبتَ الغرامَ
حنانيك ليس سُرى ً من سُرى
أعِنّي على الليل ليلِ التّمامِ
و دعني لشاني إذا ما انقضى
فلو كنتُ أطوي على فتكهِ
تكشّفَ صبحي عن الشَّنفري
و ما العين تعشقُ هذا السّهادَ
ووَدّ القَطا لو ينَامُ القَطا
أقولُ وقد شقّ أعلى السحابِ
و أعلى الهضابِ وأعلى الرُّبى
أذا الوَدْقُ في مثل هذا الرّباب
وذا البْرقُ في مثل هذا السنا
ألا انهلّ هذا بماءِ القلوبِ
وأوقدَ هذا بنارِ الحشا
فيهْمي على أقْبُرٍ لو رأى
مكارمَ أربابها ما هَمَى
و في ذي النواويسِ موجُ البحارِ
وما بالبحارِ إليْهِ ظِما
هلمّوا فذا مصرَعُ العالمينَ
فمن كلّ قلبٍ عليهِ أسى
وإنّ التي أنْجَبَتْ للورى
كآلِ عليّ لأمُّ الورى
فلوْ عِزّة ٌ أنْطَقَتْ مُلحَداً
لأنطقَ ملحدها ما يرى
بكتْه المغاويرُ بِيضُ السيوفِ،
و هذي العناجيجُ قبُّ الكلى
ولّما أتينا سقَتْه الدموعُ
فما باتَ حتى سقاه الحيا
وعُمْرُ الفتى من أماني الفتى
ولكنْ لبيكِ النَّدى بالنَّدى
وقد خدّ في الشمس أخدودَه
فباتَ يظُنُّ الثّريّا السُّهَى
وما ضَرّ من لم يَطُفْ بالمقامِ
وفي ذي النواويسِ مْوجُ البحارِ
وقالوا الحَجونُ فثَمّ الحجونُ
وثمّ الحطيمُ وثمّ الصَّفا
وبينَ الشمالِ وبين الجنوبِ
في هَبوَة ٍ من مَهَبّ الصبَّا
فيهْمي على أقْبُرٍ لو رأى
أما كان في واحدٍ ما كفى
أما والركوعُ به والسجودُ
إذا ما بكى َ قانتٌ أو دعا
لَذاكَ الصّعيدُ وذاك الكديدُ
أحقُّ من الخيفِ بي أو منى
عليّ وجرّبني ما اعتدى
وفي الذاهبينَ وفى منْ وفى
أتَتْه الحجيجُ من الرّاقصاتِ
فمنها فُرادى ومنها ثُنا
فما لي لا أقتدي بالكرامِ
وأُوثِرُ سُنّة َ مَن قد خلا
إذا ما نحرتَ به أو عقرتَ
ولا عَزَماتي أيادي سَبا
ولا ترضَ إلاّ بعقرِ الثناءِ
ونَحْرِ القَوافي وإلاّ فلا
وقلْبٌ يَسُدُّ عليّ الفَلا
عليه تكوسُ ذواتُ الشَّوى
إذاً لم تغادرْ غريْريّة ً
تَخُبُّ ولا سابحاً يُمتطَى
وأمّا العيونُ ففِيها العمى
وأخوالُه فيه شِرْعاً سُوى
وإنّ حصاناً نمتْ جعفراً
ويحيى لعاديّة ُ المنتمى
فجاءتْ بهذا كشمسِ النهارِ
وجاءت بهذا كبدرِ الدّجى
تَرى بهما أسَدَيْ جَحْفَلٍ
وما أجأ إلاّ حِصانٌ ويعبوب
ألمْ تَك من قوْمها في الصّميم
ومن مجدها في أشمّ الذُّرى
فمن قومكَ الصِّيدُ صيدُ الملوكِ
ومن قومها الأسدُ أسدُ الشرى
فوارسُ تنضي المذاكي الجيادَ
إذا ما قرعنَ العُجا بالعجا
يُضيءُ عليهمْ سَنا الأكرمينَ
إذا ما الحديدُ عليهم دجا
فجئتَ كما شئتَ من جانبَيك
فأنتَ الحياة ُ وأنتَ الرّدى
فصِلُّكَ يُرقى ولا يستجيبُ
فلو كنتُ أطْوي على فتكِهِ
ومن ذاك أضنيتَ صرفَ الزمان
فلم يُخفِهِ عنْكَ إلا الضّنى
فلم تغمدِ السيفَ حتى انثنى
ولم تصرفِ الرُّمحَ حتى انحنى
وإنّ الذي أنتَ صنوٌ له
لماضي العزائمِ عردُ النَّسا
يُبيرُ عِداكَ إذا ما سَطَا
ويُعرَفُ فيهم إذا ما احتبى
ويحيَى لَعاديّة ُ المنتمى
إذا سألوا من فتى ً قيلَ ذا
بنو المنجِباتِ بنو المُنجِبينَ
فمن مُنجتباة ٍ ومنم مجتبى
لأماتنا نصفُ أنسابنا
فما ليَ لا أقتدي بالكِرامِ
دعائمُ أيامنا في الفخارِ
وأكْفاءُ آبائِنا في العُلى
ألمْ ترَ هنّ يباريننا
فيَمرُقْنَنَا ويَنَلْنَ المدى
كفلنَ لنا بظلالِ الخيام
وأكفَلَننَا بظِلالِ القَنا
وتغدو فمنهنّ أسماعُنا
وأبصارنا في حجالِ المها
فلو جازَ حكميَ في الغابرينَ
وعدّلْت أقسامَ هذا الوَرَى
لسمّيتُ بعض النساء الرجالَ
وسمّيتُ بعضَ الرجال النسا
إذا هي كانتْ لكشفِ الخطوبِ
فكيفَ البنون لضَرْبِ الطُّلى
تولّتْ مُرَقِّلَة ً للملوكِ
فمن مصطفى النجل أو مرتضى
وأكثرُ آمالِها فيكما
وفي القلبِ منها كجمرِ الغضا
فقد أدركتْ ما تمنّتْ فلا
تضيقا عليها بباقي المُنى
فلولا الضّريحُ لنادتكما
تُعيذُ كما من شماتِ العِدى
فإمّا تزيدانِ في أنسها
وإما تذودانِ عنها البِلى
فقد يُضحك الحيُّ سنّ الفقيدِ
فتهتَزُّ أعظُمُه في الثرى
ومهما طلبتَ دليلَ الكرامِ
فإنّ الدّليلَ ائتلافُ الهوى
وما فيك لي بَلَلٌ من صَدى
فما بيدٍ عن يدٍ من غنى
وليسَ الرّماحُ بغيرِ السيوفِ
وليس العمادُ بغيرِ البنا
ومن لا يُنادي أخاً باسمِهِ
فليس يخافُ ولا يُرتجى