بسم الله الرحمن الرحيم
شرف التقوى وأهميتها
1- التقوى وصية الله عز وجل للأولين والأخرين
2- التقوى وصية النبى صلى الله علية وسلم لأمته
وعن ابى ذر رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى اله عليه وسلم ( أوصيك بتقوى الله فى سر أمرك وعلانيته ، وإذا اسأت فأحسن ، ولا تسالن احداً شيئاً ، ولا تقبض أمانة ولا تقض بين اثنين ) . (8)
وعن ابى هريره رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اوصيك بتقوى الله والتكبير على كل شرف) . (9)
3- التقوى هى وصية جميع الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام
قال تعالى : ] كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُون َ [( الشعراء : 105 – 106 )
وقال تعالى :] كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ [ ( الشعراء : 123 - 124)
وقال تعالى :] كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ [ ( الشعراء : 141 - 142 )
وقال تعالى : ] كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ [ ( الشعراء : 160 - 161 )
وقال تعالى : ] وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ [ …….. ( الشعراء : 10 - 11 )
ولا شك ان الرسل هم أزكى البشر وانصح الناس لهم ، فلو علموا أن هناك خصلة للناس انفع لهم من التقوى لما عدلوا عنها ، فلما اجمعوا عليها بان خطرها وعظم موقعها وشرفها نسأل الله أن يجعلنا من أهلها العاملين بها والمتعاونين عليها.
4- التقوى وصية السلف الصلح رضى الله عنهم
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله : ولم يزل السلف الصالحون يتواصون بها : كان أبو بكر رضى الله عنه يقول فى خطبته : أما بعد فإنى أوصيكم بتقوى لله ، وان تثنوا عليه بما هو أهله ، وان تخلطوا الرغبة بالرهبة ، وتجمعوا الإلحاف بالمسالة فإن الله عز وجل أثنى على زكريا وأهل بيته فقال: ] إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [ ........ ) الانبياء : 90 )
ولما حضرته الوفاة وعهد إلى عمر دعاه فوصاه بوصيته ، وأول ما قاله له : اتق الله يا عمر . وكتب عمر إلى ابنه عبد الله : أما بعد ، فإنى اوصيك بتقوى الله عز وجل ، فإنه من اتقاه وقاه ، ومن أقرضه جزاه ، ومن شكره زاده ، واجعل التقوى نصب عينيك ، وجلاء قلبك . وكتب عمر بن عبد العزيز إلى رجل : أوصيك بتقوى الله عز وجل ، والتى لا يقبل غيرها ، ولا يرحم إلا أهلها ، ولا يثاب إلا عليها ، فإن الواعظين بها كثير ، والعاملين بها قليل ، جعلنا الله وإياك من المتقين .
ولما ولى خطب فحمد الله وأثنى عليه وقال : أوصيكم بتقوى الله عز وجل ، فإن تقوى الله عز وجل خلف من كل شئ ، وليس من تقوى الله خلف.
وقال رجل ليونس بن عبيد : أوصنى ، فقال : أوصيك بتقوى الله والإحسان ، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون.
وكتب رجل من السلف إلى أخ له : أوصيك بتقوى الله فإنها من أكرم ما أسررت ، وأزين ما أظهرت ، وأفضل ما ادخرت أعاننا الله وإياك عليها وأوجب لنا ولك ثوابها.
وقال شعبه : كنت إذا أردت الخروج قلت للحكم : ألـك حاجة فقال : أوصيك بما أوصى به النبى صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل اتق الله حيث ما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن ) . (11)
وقال ابن القيم رحمه الله : ودع ابن عون رجلاً فقال : عليك بتقوى الله فإن المتقى ليست عليه وحشه .
وقال زيد بن أسد : كان يقال : من اتقى الله أحبه الناس وإن كرهوا .
وقال الثورى لابن أبى ذئب : إن اتقيت الله كفاك الناس ، وإن اتقيت الناس لن يغنوا عنك من الله شيئاً . (12)
5- التقوى أجمل لباس يتزين به العبد
قال الله تعالى : ] يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ [ ....... ( الاعراف : 26 )
فبعد ان تمنن الله عز وجل على عبادة بما جعل لهم من اللباس والريش .
واللباس ما يستر به العورات ، والريش والرياش ما يتجمل به – فالاول من الضروريات والثانى من الزيادات التكميليات – دلهم على أفضل لباس وهو ما يوارى عورات الظاهر والباطن ويتجمل به ، وهو لباس التقوى .
قال القرطبى رحمه الله : قوله تعالى : " وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ " يبين ان التقوى خير لباس
كما قيل (13):
اذا المرء لم ثيابا من التقى تقلب عريانا وان كان كاسيا
وخير لباس المرء طاعة ربه ولا خير فيمن كان عاصيا (14)
وروى قاسم بن مالك عن عوف عن معبد الجهنى قال : ( لباس التقوى) الحياء .
وقال ابن عباس : ( لباس لتقوى ) هم العمل الصالح. وعنه أيضا : السمت الحسن فى الوجه .
وقيل : ما علمه الله عز وجل وهدى به .
ومن قال إنه لبس الخشن من الثياب فإنه أقرب إلى التواضع وترك الرعونات فدعوى ، فقد كان الفضلاء من العلماء يلبسون الرفيع من الثياب مع حصول التقوى . (15)
6- التقوى هى أفضل زاد يتزود به العبد
قال الله عز وجل : ] وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ [ ...( البقرة : 197)
قال ابن كثير رحمة الله : وقوله : " فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى " لما أمرهم بالزاد للسفر فى الدنيا ، أرشدهم إلى زاد الأخرة ، وهو استصحاب التقوى إليها ، كما قال تعال : " وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ "
لما ذكر اللباس الحسى ، نبه مرشداً إلى اللباس المعنوى ، وهو الخشوع والطاعة والتقوى ، وذكر أنه خير من هذا وأنفع ، قال عطاء الخرسانى فى قوله :" فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى "
يعنى زاد الأخرة. (16)
وقال الزمخشرى رحمة الله : أى اجعلوا زادكم إلى الأخرة اتقاء القبائح ، فإن خير الزاد اتقائها وقيل : كان أهل اليمن لا يتزودون ويقولون نحن متوكلون ، ونحن نحج بيت الله أفلا يطعمنا فيكونون كلاً على الناس ، فنزلت فيهم ،
ومعناه : وتزودوا واتقوا الاستطعام وإبرام (17) الناس والتثقيل عليهم
فإن خير الزاد التقوى : " وَاتَّقُونِ " : وخافوا عقابى " يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ " يعنى : أن قضية اللب تقوى الله ومن لم يتقيه من الألباء فكأنه لا لب له . (18)
7- أهل التقوى هم أولياء الله عز وجل وهم اكرم الناس
قال تعالى :] أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ [ ....... ( يونس : 62 – 63 )
قال الشنقيطى رحمه الله : إن الفضل والكرم إنما هو بتقوى الله لا بغيره من الأنتساب إلى القبائل ، ولقد صدق من قال :
1- منهاج العابدين ( 72، 73) باختصار .
2- رواه أحمد (4 / 126 - 127) ، وأبو داود (4583) السنه، والترمذى (2676) العلم ، وابن ماجه (34) ، والدرامى (1 / 44 - 54) المقدمه ، والبغوى (1 / 205 ) شرح السنه وقال الترمذى : هذا حسن صحيح ، وصححه الألبانى
3- جامع العلوم والحكم ( 247) باختصار
4- رواه الترمذى (8 / 155) البر، وقال : هذا حسن صحيح ، وأحمد (5 / 158) وحسنه الألبانى (1618) صحيح الترمذى
5- رواه الترمذى (9 / 183 – 184) الزهد ، وقال : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن سليمان ، و رواه أحمد (2 / 310) ، وابن ماجه (4217) الزهد بمعناه وحسنه الألبانى ، وكذا فى تحقيق جامع الأصول
6- رواه الترمذى ( 6111 تحفة ) الصلاة ، وقال: هذا حديث حسن صحيح، رواه أحمد (5 / 251) ، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبى وصححه الألبانى .
7- رواه أحمد ( 3 / 82 ) وحسنه الألبانى بشاهده وهو فى الصحيحة رقم ( 555 ) .
8- رواه أحمد ( 5 / 181 ) وحسنه الألبانى فى صحيح الجامع رقم ( 2541 )
9- رواه أحمد ( 2 / 325 – 331) ، وابن ماجه (2771) الوصايا ، والحاكم ( 1 / 445-446 ) (2 / 98) وقال صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبى وقال الألبانى فى الصحيحة (1730) وهو كما قالا إلا أن أسامه بن زيد الليثى فيه كلام يسير حسن الأسناد
10- رواه مسلم ( 17 / 41 ) بزياده فى أوله وأخره ، وأحمد ( 4 / 371 ) ، ( 6 / 209 ) بلفظ رب أعط نفسى تقواها .
11- باختصار من جامع العلوم والحكم ( 150 – 151 ) والحديث تقدم تخريجه صفحة
12- باختصار من جامع العلوم والحكم ( 150 – 151 ) والحديث تقدم تخريجه صفحة
13- الفوائد (17) دار الدعوه الإسكندريه
14- البيتان منسوبان لأبى العتاهيه
15- الجامع لأحكام القرآن ( 3 / 2620 – 2621 ) باختصار
16- تفسير القرآن الكريم ( 1 / 239 ) دار المعرفه
17- أي إملالهم وإضجارهم
18- الكشاف ( 1 / 244 ) الريان .
19- رواه البخارى ( 6 / 417 ) أحاديث الأنبياء
20- أضواء البيان ( 7 / 635 ) بتصرف .
21- الجامع لأحكام القرآن ( 3 / 2044 ) والحديث رواه أبو داود ( 4507 ) الديات ، وابن ماجة ( 2683 ) الحدود وصححه الألبانى .
22- محاسن التأويل ( 6 / 25 ) بتصرف .
23- الرساله التبوكيه ( 12 )
شرف التقوى وأهميتها
منقول من كتاب التقوى – تأليف الشيخ أحمد فريد
1- التقوى وصية الله عز وجل للأولين والأخرين
قال الله تعالى :] وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ [
........ ( النساء: 131)
قال الغزالى :
أليس الله تعالى أعلم بصلاح العبد من كل أحد ، أو ليس هو أنصح له وارحم وأرأف من كل أحد ، ولو كانت فى العالم خصلة هى أصلح للعبد ، وأجمع للخير وأعظم للأجر ، وأجل فى العبودية ، واعظم فى القدر ، وأولى بالحال ، وأنجح فى المآل ،
من هذه الخصلة التى هى التقوى، لكان الله تعالى أمر بها عبادة ، وأوصى خواصه بذلك لكمال حكمته وسعة رحمته ،
فلما أوصى بهذه الخصله الواحده ، وجمع الأولين والأخرين من عباده فى ذلك واقتصر عليها ، علمت أنها الغاية التى لا متجاوز عنها ، ولا مقصود دونها ، وأنه عز وجل قد جمع كل نصح ودلالة وإرشاد وتنبيه وتأديب وتعليم وتهذيب فى هذه الخصلة التى هى التقوى هى الجامعة لخيرى الدنيا والأخرة الكافية لجميع المهمات المبلغة إلى أعلى الدرجات .
وهذا أصل لا مزيد عليه ، وفيه كفاية لمن أبصر النور واهتدى وعمل بذلك واستغنى
والله ولى الهداية والتوفيق بمنه. (1)
2- التقوى وصية النبى صلى الله علية وسلم لأمته
عن العرباض بن سارية قال : ( صلى بنا رسوله الله صلى الله علية وسلم الصبح فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال قائل : يا رسول الله كأنها موعظة مودع فاوصنا فقال : اوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن كان عبدا حبشياً ، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيراً ، فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل بدعة ضلاله ) (2)
قوله : " أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة ".
قال ابن رجب رحمه الله :
فهاتان الكلمتان تجمعان سعادة الدنيا والأخرة ، أما التقوى فهى كافلة سعادة الدنيا والأخرة لمن تمسك بها ، وهى وصية الله للأولين والأخرين ، وأما السمع والطاعة لولاة أمور المسلمين ففيها سعادة الدنيا ، وبها تنظم مصالح العباد فى معاشهم ، وبها يستعينون على إظهار دينهم وطاعة ربهم ". (3)
وعن أبى ذر جندب بن جنادة وابى عبد الرحمن معاذ بن جبل رضى الله عنهما عن رسول الله صلى الله علية وسلم اتق الله حيث ما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن ) (4) وقوله صلى الله عليه وسلم :"حيثما كنت" أى : فى السر والعلانية ، حيث يراه الناس وحيث لا يرونه.
وعن أبى هريره رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى علية وسلم يوماً لأصحابه ( من يأخذ عنى هؤلاء الكلمات فيعمل بهن ، أو يعلم من يعمل بهن ؟ قال أبو هريره: قلت : أنا يا رسول الله ، فأخذ بيدى وعد خمساً فقال : اتق المحارم تكن أعبد الناس ، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس ، وأحسن إلى جارك تكن مؤمناًً ، واحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما ، ولا تكثر الضحك ، فإن كثرة الضحك تميت القلب ). (5)
وعن أبى أمامه قال : سمعت رسول الله صلى عليه وسلم يخطب فى حجة الوداع فقال اتقوا الله وصلوا خمسكم ، وصوموا شهركم ، وادوا زكاة أموالكم ، وأطيعوا ذا أمركم تدخلوا جنة ربكم ) (6)
وعن أبى سعيد رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى اله عليه وسلم
( أوصيك بتقوى الله تعالى فإنه رأس كل شئ وعليك بالجهاد فإنه رهبانية الإسلام ، وعليك بذكر الله تعالى وتلاوة القرأن ، فإن روحك فى السماء وذكرك فى الأرض ). (7)
وعن ابى ذر رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى اله عليه وسلم ( أوصيك بتقوى الله فى سر أمرك وعلانيته ، وإذا اسأت فأحسن ، ولا تسالن احداً شيئاً ، ولا تقبض أمانة ولا تقض بين اثنين ) . (8)
وعن ابى هريره رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اوصيك بتقوى الله والتكبير على كل شرف) . (9)
.وكان دعاء النبى صلى الله عليه وسلم اللهم أت نفسى تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها ) . (10)
3- التقوى هى وصية جميع الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام
قال تعالى : ] كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُون َ [( الشعراء : 105 – 106 )
وقال تعالى :] كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ [ ( الشعراء : 123 - 124)
وقال تعالى :] كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ [ ( الشعراء : 141 - 142 )
وقال تعالى : ] كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ [ ( الشعراء : 160 - 161 )
وقال تعالى : ] وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ [ …….. ( الشعراء : 10 - 11 )
ولا شك ان الرسل هم أزكى البشر وانصح الناس لهم ، فلو علموا أن هناك خصلة للناس انفع لهم من التقوى لما عدلوا عنها ، فلما اجمعوا عليها بان خطرها وعظم موقعها وشرفها نسأل الله أن يجعلنا من أهلها العاملين بها والمتعاونين عليها.
4- التقوى وصية السلف الصلح رضى الله عنهم
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله : ولم يزل السلف الصالحون يتواصون بها : كان أبو بكر رضى الله عنه يقول فى خطبته : أما بعد فإنى أوصيكم بتقوى لله ، وان تثنوا عليه بما هو أهله ، وان تخلطوا الرغبة بالرهبة ، وتجمعوا الإلحاف بالمسالة فإن الله عز وجل أثنى على زكريا وأهل بيته فقال: ] إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [ ........ ) الانبياء : 90 )
ولما حضرته الوفاة وعهد إلى عمر دعاه فوصاه بوصيته ، وأول ما قاله له : اتق الله يا عمر . وكتب عمر إلى ابنه عبد الله : أما بعد ، فإنى اوصيك بتقوى الله عز وجل ، فإنه من اتقاه وقاه ، ومن أقرضه جزاه ، ومن شكره زاده ، واجعل التقوى نصب عينيك ، وجلاء قلبك . وكتب عمر بن عبد العزيز إلى رجل : أوصيك بتقوى الله عز وجل ، والتى لا يقبل غيرها ، ولا يرحم إلا أهلها ، ولا يثاب إلا عليها ، فإن الواعظين بها كثير ، والعاملين بها قليل ، جعلنا الله وإياك من المتقين .
ولما ولى خطب فحمد الله وأثنى عليه وقال : أوصيكم بتقوى الله عز وجل ، فإن تقوى الله عز وجل خلف من كل شئ ، وليس من تقوى الله خلف.
وقال رجل ليونس بن عبيد : أوصنى ، فقال : أوصيك بتقوى الله والإحسان ، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون.
وكتب رجل من السلف إلى أخ له : أوصيك بتقوى الله فإنها من أكرم ما أسررت ، وأزين ما أظهرت ، وأفضل ما ادخرت أعاننا الله وإياك عليها وأوجب لنا ولك ثوابها.
وقال شعبه : كنت إذا أردت الخروج قلت للحكم : ألـك حاجة فقال : أوصيك بما أوصى به النبى صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل اتق الله حيث ما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن ) . (11)
وقال ابن القيم رحمه الله : ودع ابن عون رجلاً فقال : عليك بتقوى الله فإن المتقى ليست عليه وحشه .
وقال زيد بن أسد : كان يقال : من اتقى الله أحبه الناس وإن كرهوا .
وقال الثورى لابن أبى ذئب : إن اتقيت الله كفاك الناس ، وإن اتقيت الناس لن يغنوا عنك من الله شيئاً . (12)
5- التقوى أجمل لباس يتزين به العبد
قال الله تعالى : ] يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ [ ....... ( الاعراف : 26 )
فبعد ان تمنن الله عز وجل على عبادة بما جعل لهم من اللباس والريش .
واللباس ما يستر به العورات ، والريش والرياش ما يتجمل به – فالاول من الضروريات والثانى من الزيادات التكميليات – دلهم على أفضل لباس وهو ما يوارى عورات الظاهر والباطن ويتجمل به ، وهو لباس التقوى .
قال القرطبى رحمه الله : قوله تعالى : " وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ " يبين ان التقوى خير لباس
كما قيل (13):
اذا المرء لم ثيابا من التقى تقلب عريانا وان كان كاسيا
وخير لباس المرء طاعة ربه ولا خير فيمن كان عاصيا (14)
وروى قاسم بن مالك عن عوف عن معبد الجهنى قال : ( لباس التقوى) الحياء .
وقال ابن عباس : ( لباس لتقوى ) هم العمل الصالح. وعنه أيضا : السمت الحسن فى الوجه .
وقيل : ما علمه الله عز وجل وهدى به .
ومن قال إنه لبس الخشن من الثياب فإنه أقرب إلى التواضع وترك الرعونات فدعوى ، فقد كان الفضلاء من العلماء يلبسون الرفيع من الثياب مع حصول التقوى . (15)
6- التقوى هى أفضل زاد يتزود به العبد
قال الله عز وجل : ] وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ [ ...( البقرة : 197)
قال ابن كثير رحمة الله : وقوله : " فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى " لما أمرهم بالزاد للسفر فى الدنيا ، أرشدهم إلى زاد الأخرة ، وهو استصحاب التقوى إليها ، كما قال تعال : " وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ "
لما ذكر اللباس الحسى ، نبه مرشداً إلى اللباس المعنوى ، وهو الخشوع والطاعة والتقوى ، وذكر أنه خير من هذا وأنفع ، قال عطاء الخرسانى فى قوله :" فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى "
يعنى زاد الأخرة. (16)
وقال الزمخشرى رحمة الله : أى اجعلوا زادكم إلى الأخرة اتقاء القبائح ، فإن خير الزاد اتقائها وقيل : كان أهل اليمن لا يتزودون ويقولون نحن متوكلون ، ونحن نحج بيت الله أفلا يطعمنا فيكونون كلاً على الناس ، فنزلت فيهم ،
ومعناه : وتزودوا واتقوا الاستطعام وإبرام (17) الناس والتثقيل عليهم
فإن خير الزاد التقوى : " وَاتَّقُونِ " : وخافوا عقابى " يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ " يعنى : أن قضية اللب تقوى الله ومن لم يتقيه من الألباء فكأنه لا لب له . (18)
7- أهل التقوى هم أولياء الله عز وجل وهم اكرم الناس
قال تعالى :] أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ [ ....... ( يونس : 62 – 63 )
وقال تعالى : ] هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مَّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ [ …..( الجاثية : 19 )
وقال عز وجل مبينا أنه لا يستحق الولاية إلا أهل هذه المنزلة العالية والرتبة السامية
فقال عز وجل :] إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ [ …….( الأنفال : 34)
وجعل الله عز وجل التقوى هى الميزان الحق الذى يوزن به الناس ، لا ميزان الحسب والنسب والمال والشهرة ، فقال عز وجل :] إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [ ……. ( الحجرات : 13)
وهذا الميزان كذلك هو ميزان النبى صلى الله علية وسلم .
عن أبى هريره رضى الله عنه قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أكرم الناس؟
قال ( اتقاهم لله ....) (19) ،
قال الشنقيطى رحمه الله : إن الفضل والكرم إنما هو بتقوى الله لا بغيره من الأنتساب إلى القبائل ، ولقد صدق من قال :
فقد رفع الإسلام سلمان فارس وقد وضع الكفر الشريف أبا لهب
وقد ذكروا أن سلمان رضى الله عنه كان يقول :
أبى الإسلام لا اب لى سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم
فأكرم الناس وافضلهم أتقاهم لله ولا كرم ولا فضل لغير المتقى ولو كان رفيع النسب . (20)
8- ولشرف التقوى أمر الله عز وجل المسلمين
بالتعاون عليها ونهاهم عن التعاون على ما يخالفها
قال تعالى :] وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [ …… ( المائدة : 2 )
قال القرطبى رحمة الله: قال الماوردى : ندب الله سبحانه إلى التعاون بالبر وقرنه بالتقوى لله ، لأن فى التقوى رضا الله تعالى ، وفى البر رضا الناس ، ومن جمع بين رضا الله تعالى ورضا الناس فقد تمت سعادته وعمت نعمته.
وقال بن خويذ منداد في احكامة : والتعاون على البر والتقوى يكون بوجوه ، فواجب على العالم ان يعين الناس بعلمه فيعلمهم ، ويعينهم الغنى بماله والشجاع بشجاعته فى سبيل الله ، وان يكون المسلمين متظاهرين كاليد الواحدة
قال رسول الله صلى الله علية وسلم : ( المسلمون تتكافأ دماؤهم ، ويسعى بذمتهم أدناهم ، وهم يد على من سواهم ) . (21)
وقال القاسمى رحمة الله :
وفى "الإكليل" استدل المالكية بالآية على بطلان إجارة الإنسان نفسه لحمل خمر ونحوه ، وبيع العنب لعصره خمراً ، والسلاح لمن يعصى به وأشباه ذلك انتهى وهو متجه. (22)
وقال ابن القيم رحمة الله:
وقد اشتملت هذه الاية على جميع مصالح العباد فى معاشهم ومعادهم فيما بينهم بعضهم بعضا وفيما بينهم وبين ربهم ، فإن كل عبد لا ينفك عن هاتين الحالتين ، وهذين الواجبين : واجب بينه وبين الله ، وواجب بينه وبين الخلق ،
فأما ما بينه وبين الخلق من المعاشرة والمعاونة والصحبة فالواجب عليه فيها أن يكون اجتماعه بهم وصحبته لهم متعاوناًً على مرضاة الله وطاعته ، التى هى غاية العبد وفلاحه ،
ولا سعادة له إلا بها ، وهى البر والتقوى ، الذين هما جماع الدين كله. (23)
-------------------------------------------
-------------------------------------------
الهوامش :
1- منهاج العابدين ( 72، 73) باختصار .
2- رواه أحمد (4 / 126 - 127) ، وأبو داود (4583) السنه، والترمذى (2676) العلم ، وابن ماجه (34) ، والدرامى (1 / 44 - 54) المقدمه ، والبغوى (1 / 205 ) شرح السنه وقال الترمذى : هذا حسن صحيح ، وصححه الألبانى
3- جامع العلوم والحكم ( 247) باختصار
4- رواه الترمذى (8 / 155) البر، وقال : هذا حسن صحيح ، وأحمد (5 / 158) وحسنه الألبانى (1618) صحيح الترمذى
5- رواه الترمذى (9 / 183 – 184) الزهد ، وقال : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن سليمان ، و رواه أحمد (2 / 310) ، وابن ماجه (4217) الزهد بمعناه وحسنه الألبانى ، وكذا فى تحقيق جامع الأصول
6- رواه الترمذى ( 6111 تحفة ) الصلاة ، وقال: هذا حديث حسن صحيح، رواه أحمد (5 / 251) ، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبى وصححه الألبانى .
7- رواه أحمد ( 3 / 82 ) وحسنه الألبانى بشاهده وهو فى الصحيحة رقم ( 555 ) .
8- رواه أحمد ( 5 / 181 ) وحسنه الألبانى فى صحيح الجامع رقم ( 2541 )
9- رواه أحمد ( 2 / 325 – 331) ، وابن ماجه (2771) الوصايا ، والحاكم ( 1 / 445-446 ) (2 / 98) وقال صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبى وقال الألبانى فى الصحيحة (1730) وهو كما قالا إلا أن أسامه بن زيد الليثى فيه كلام يسير حسن الأسناد
10- رواه مسلم ( 17 / 41 ) بزياده فى أوله وأخره ، وأحمد ( 4 / 371 ) ، ( 6 / 209 ) بلفظ رب أعط نفسى تقواها .
11- باختصار من جامع العلوم والحكم ( 150 – 151 ) والحديث تقدم تخريجه صفحة
12- باختصار من جامع العلوم والحكم ( 150 – 151 ) والحديث تقدم تخريجه صفحة
13- الفوائد (17) دار الدعوه الإسكندريه
14- البيتان منسوبان لأبى العتاهيه
15- الجامع لأحكام القرآن ( 3 / 2620 – 2621 ) باختصار
16- تفسير القرآن الكريم ( 1 / 239 ) دار المعرفه
17- أي إملالهم وإضجارهم
18- الكشاف ( 1 / 244 ) الريان .
19- رواه البخارى ( 6 / 417 ) أحاديث الأنبياء
20- أضواء البيان ( 7 / 635 ) بتصرف .
21- الجامع لأحكام القرآن ( 3 / 2044 ) والحديث رواه أبو داود ( 4507 ) الديات ، وابن ماجة ( 2683 ) الحدود وصححه الألبانى .
22- محاسن التأويل ( 6 / 25 ) بتصرف .
23- الرساله التبوكيه ( 12 )