منتديات فرسان المعرفة

أهلا وسهلا زائرنا الكريم ومرحبا بك في منتديات فرسان المعرفة منتديات التميز والابداع ونتمنى أن تكون زيارتك الأولى مفتاحا للعودة إليه مرة أخرى والانضمام إلى أسرة المنتدى وأن تستفيد إن كنت باحثا وتفيد غيرك إن كنت محترفا

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات فرسان المعرفة

أهلا وسهلا زائرنا الكريم ومرحبا بك في منتديات فرسان المعرفة منتديات التميز والابداع ونتمنى أن تكون زيارتك الأولى مفتاحا للعودة إليه مرة أخرى والانضمام إلى أسرة المنتدى وأن تستفيد إن كنت باحثا وتفيد غيرك إن كنت محترفا

منتديات فرسان المعرفة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات الشمول والتنوع والتميز والإبداع

قال تعالى ( يا أيها الذين أمنوا اذكروا الله كثيراً وسبحوه بكرة وأصيلا)أ
عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال(من قال صبيحة يوم الجمعة قبل صلاة الغداة , أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ثلاث مرات غفرالله ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر)
عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه كان يدعو بهذا الدعاء "اللهم! اغفر لي خطيئتي وجهلي. وإسرافي في أمري. وما أنت أعلم به مني. اللهم! اغفر لي جدي وهزلي. وخطئي وعمدي. وكل ذلك عندي. اللهم! اغفر لي ما قدمت وما أخرت. وما أسررت وما أعلنت. وما أنت أعلم به مني. أنت المقدم وأنت المؤخر. وأنت على كل شيء قدير". رواه مسلم في صحيحه برقم (2719)
عن عقبة بن عامر رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ويصلي ركعتين يقبل بقلبه ووجهه عليهما إلا وجبت له الجنة)رواه مسلم وأبو داود وابن ماجة وابن خزيمة في صحيحة
عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "اللهم! أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري. وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي. وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي. واجعل الحياة زيادة لي في كل خير. واجعل الموت راحة لي من كل شر". رواه مسلم في صحيحه برقم (2720)
عن أبي الأحوص، عن عبدالله رضى الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه كان يقول "اللهم! إني أسألك الهدى والتقى، والعفاف والغنى". رواه مسلم في صحيحه برقم(2721)
عن زيد بن أرقم رضى الله عنه. قال: لا أقول لكم إلا كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كان يقول "اللهم! إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والهرم وعذاب القبر. اللهم! آت نفسي تقواها. وزكها أنت خير من زكاها. أنت وليها ومولاها. اللهم! إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها". رواه مسلم في صحيحه برقم(2722)
عن عبدالله رضى الله عنه قال: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا أمسى قال "أمسينا وأمسى الملك لله. والحمد لله. لا إله إلا الله وحده لا شريك له". قال: أراه قال فيهن "له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. رب! أسألك خير ما في هذه الليلة وخير ما بعدها. وأعوذ بك من شر ما في هذه الليلة وشر ما بعدها. رب! أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر. رب! أعوذ بك من عذاب في النار وعذاب في القبر". وإذا أصبح قال ذلك أيضا "أصبحنا وأصبح الملك لله". رواه مسلم في صحيحه برقم(2723)
عن عبدالرحمن بن يزيد، عن عبدالله رضى الله عنه . قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمسى قال "أمسينا وأمسى الملك لله. والحمد لله. لا إله إلا الله وحده. لا شريك له. اللهم! إني أسألك من خير هذه الليلة وخير ما فيها. وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها. اللهم! إني أعوذ بك من الكسل والهرم وسوء الكبر. وفتنة الدنيا وعذاب القبر". رواه مسلم في صحيحه برقم(2723)
عن أبي موسى رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره مثل الحي والميت) رواه البخاري.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله, ورجل قلبه معلق بالمساجد إذا خرج منه حتى يعود إليه, ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه, ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه, ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله , ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه) متفق عليه
عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ) روه الشيخان والترمذي.
عن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(الطهور شطر الإيمان والحمدلله تملأ الميزان وسبحان الله والحمدلله تملأ أو تملآن ما بين السماء والأرض والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه أو موبقها) رواه مسلم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم(من قال سبحان الله وبحمده في يومه مائة مرة حُطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر)رواه البخاري ومسلم.
عن أبي سعيد رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( استكثروا من الباقيات الصالحات ) قيل وما هن يارسول الله؟ قال ( التكبير والتهليل والتسبيح والحمدلله ولا حول ولاقوة إلابالله ) رواه النسائي والحاكم وقال صحيح الاسناد.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أحب الكلام إلى الله أربع- لا يضرك بأيهن بدأت: سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر ). رواه مسلم

2 مشترك

    الفجر المنير فى الصلاة على البشير النذير

    أطياف
    أطياف
    المشرفه المميزه
    المشرفه المميزه


    الجنس : انثى
    الابراج : السمك
    عدد المساهمات : 435
    نقاط : 14380
    السٌّمعَة : 251
    تاريخ التسجيل : 24/07/2011
    العمر : 34
    الموقع : الجزائر

    الفجر المنير فى الصلاة على البشير النذير Empty الفجر المنير فى الصلاة على البشير النذير

    مُساهمة من طرف أطياف الجمعة 4 مايو 2012 - 13:22

    الفجر المنير فى الصلاة على البشير النذير
    للفكهانى
    علي بن سالم بن صدقة اللخمي المالكي الشهير بتاج الدين الفاكهاني يكنى أبا حفص الإسكندري


    مقدمة المؤلف
    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وجعلنا من أمة خير الأنام، محمد بن عبد الله ابن عبد المطلب صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم. أرسله والكفر قد نشرت له الأعلام، واستولى سلطانه، وقوي شيطانه، حتى عبدت الأوثان والأصنام، وأظلم نور الحق أي ظلام، وتغيرت معالم الدين وتنكرت منه الأعلام، فلم يزل صلى الله عليه وسلم مجتهداً ومجاهداً باللسان والسنان، والحسام، مقاتلة معه الملائكة الكرام، حتى ظهر الحق واستبانت منه المعالم والأعلام، وأسفرت الشريعة المحمدية عن وجه كالبدر في التمام، وأشرف محلها غاية الشرف فحلت منه في ذروة السنام، واضمحل دين الكفر واستولى عليه الظلام، وحصحص الحق، فلا ارتياب ولا اتهام.
    أحمده حمد من توالت عليه النعم التوام، وأشكره، وشكري له من جملة الإفضال والإنعام.
    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة سماؤها مصحية ليس فيها غمام.
    وأصلي على أكرم رسله محمد المصطفى، وحبيبه المجتبى، المرسل رحمة لكل الأنام، مؤيد بالحجج البالغة، والأدلة القاطعة، والأنوار الساطعة الباهرة الدامغة لأعداء الإسلام.
    صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وأزواجه ما سح غمام، وهطل ركام، واستمرت الشهور، وتطاولت الأعوام.
    أما بعد


    فإن من أحب شيئاً أكثر من ذكره، ومن أحسن وأجمل فلا بد من ذكر إحسانه ونشره، والثناء عليه دائماً بشكره والاشتمال على محبته وبره، والانطواء على معاضدته ونصره، لا سيما من محبته فرض على القلوب حتماً، وموالاته مقدمة على كل الموالاة جزما، وكيف لا ؟ وقد أنقذنا الله تعالى به من النار قدماً قدما، وشرح به صدوراً ملئت هماً، وفتح به أعيناً عمياً، وآذاناً صما، هذا وقد كمله الله تعالى خَلْقَاً وخُلُقا، وفهماً وعلماً وحِلما، وفضله على سائر الخلق عرباً وعجما، فكان أقواهم يقيناً وعزما، وأعلاهم رتبة وأسمى، وأعز سلطاناً وأحمى، وأشدهم بهم رأفة ورحما، وأكثر المرسلين أتباعاً وأنمى، وأعود بالخير على الخليقة وأجدى، آياته تتلى، ومحاسنه تجلى، ومعجزاته تسمو وتسمى، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة تنمو وتنمى، ونحوز بها من مغنم السعادة قسما.
    ولا طريق إلى شكره عليه الصلاة والسلام سوى محبته وبره، والصلاة عليه والتسليم في مساء كل يوم وفجره، والتنويه بمحاسنه وذكره، والاشتياق إلى مشاهدة آثاره، وزيارة قبره، والتحلي بذكر أسمائه وصفاته الخَلْقِية والمعنوية في سر العبد وجهره، ونشر معجزاته، وبيان آياته على كر الزمان ومره.

    فتعين أن أذكر في هذا اثني عشر باباً:
    الباب الأول: في حكم الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم على التحرير، وذكر الخلاف في ذلك والتقدير.
    الباب الثاني: في فضل الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، وما في ذلك من الثواب، والتقرب إلى رب الأرباب.
    الباب الثالث: في كيفية الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم والتسليم، وما يترتب على ذلك من الأجر العظيم.
    الباب الرابع: في المواطن التي تستحب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيها، ويكثر ويعظم الأجر عليها.
    الباب الخامس: في ذم من لم يصل عليه، وتفويق سهام الملامة إليه.


    الباب السادس: في زيارة قبره عليه الصلاة والسلام، وما في ذلك من الآداب المرتب عليها كثرة الأجر والثواب.
    الباب السابع: في أسمائه المعظمة ونعوته المكرمة.
    الباب الثامن: في صفاته الخلقية وشمائله المرضية.
    الباب التاسع: في صفاته المعنوية وما اختصه به رب البرية.
    الباب العاشر: في معجزاته، وما اختصه به تعالى من آياته.
    الباب الحادي عشر: في من استغاث به عليه الصلاة والسلام فأغيث في القديم والحديث.
    الباب الثاني عشر: فيما ختم الله به أيام حياته، وذكر مرضه ووفاته.

    الباب الأول في حكم الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم على التحرير وذكر الخلاف في ذلك والتقدير
    اعلم أن الصلاة على نبينا صلى الله عليه وسلم فريضة واجبة على الجملة، غير مؤقتة بوقت معلوم.
    قال الله تعالى: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما}.
    وهذا محمول عند العلماء قاطبة على الوجوب، وإن كان أبو جعفر الطبري يقول: محمله على الندب، وادعى في ذلك الإجماع.
    قال القاضي أبو الفضل رحمه الله تعالى: ولعله (أراد) بذلك ما زاد على المرة الواحدة ككلمة الشهادة.
    قلت: وهو الظاهر المتعين وإلا فهو وهم، ولا ينعقد الإجماع دون مالك وأصحابه، والشافعي، على ما سيأتي بيانه وتحريره.
    قال القاضي أبو بكر: افترض الله تعالى على خلقه أن يصلوا على نبيه ويسلموا، ولم يجعل لذلك وقتاً معلوماً، فالواجب أن يكثر المرء منها، ولا يغفل عنها.
    قال القاضي أبو الحسن: المشهور عن أصحابنا أن ذلك واجب في الجملة على الإنسان، وفرض عليه أن يأتي بها مرة من دهره مع القدرة على ذلك.


    قلت: انظر قوله: المشهور هل له مفهوم بحيث يكون بإزائه قول شاذ بعدم الوجوب أم لا مفهوم له ؟، ويريد أن ذلك اشتهر من قول الأصحاب، لا أن ثم مخالف، والظاهر الأول، إن لم يتأول، ويحتمل أن يكون تحرز بقوله المشهور من قول الطبري إن لم يتأول، على ما قاله القاضي أبو الفضل رحمه الله تعالى.
    وقال الشافعي: إنما تجب بعد التشهد الأخير وقبل السلام.
    ولابن المواز من أصحابنا قول كقول الشافعي.
    وأنكره غير واحد من العلماء، وقالوا: إنه قول مخترع، لا سابق له فيه، ولا سنة.
    قلت: وظاهر كلام أحمد كمذهب الشافعي على ما نقله ابن هبيرة، وتابعه اسحق، إلا أنه فرَّق بين تركها عمداً، فلا تصح الصلاة، وبين تركها سهواً، فتصح الصلاة.
    قال الخطابي: ولا أعلم للشافعي في هذا قدوة .
    قلت: الظاهر أن الشعبي تقدمه، والله أعلم.
    وقيل: تجب كلما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، واختاره الطحاوي من الحنفية، والحليمي من الشافعية.
    ودليل الجمهور: الأحاديث الصحيحة الصريحة، كحديث ابن مسعود الآتي في التشهد وأنه لم يعلم الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، وحديث المسيء صلاته أيضاً كذلك.
    وقال ابن عطية: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في كل حال واجبة وجوب السنن المؤكدة التي لا يسع تركها، ولا يغفلها إلا من لا خير فيه.

    قلت: وهذا ينحو إلى ما نحا إليه الطبري من حمل الآية على الندب، إن لم يتأول قوله ما تقدم.
    ولنرجع إلى تفسير قوله تعالى: {إن الله وملائكته يصلون على النبي} الآية.
    قال ابن عباس: إن الله وملائكته يباركون على النبي.
    قلت: وقد فسرت البركة في الحديث بالزيادة من الخير، والكرامة، والتكثير.
    (وقد) تكون بمعنى الثبات على ذلك من قولهم:بركت الإبل. وتكون البركة بمعنى التطهر والتبرئة من المعايب، وكما قال الله تعالى: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا}.
    قال القاضي: وهو أحد التأويلات في تبارك الله .


    وقيل: إن الله يترحم على النبي وملائكته يدعون له.
    قال المبرد: وأصل الصلاة الترحم، فهي من الله: رحمة، ومن الملائكة: رقة واستدعاء للرحمة من الله تعالى.
    وقد ورد في الحديث صفة صلاة الملائكة على من جلس ينتظر الصلاة: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه ، فهذا دعاء.
    وقال أبو بكر القشيري: الصلاة من الله تعالى لمن دون النبي صلى الله عليه وسلم رحمة، وللنبي صلى الله عليه وسلم تشريف وزيادة تكرمة.
    قلت: واختلف في الرحمة، هل هي صفة ذات، أو صفة فعل؟، فمن فسرها بأنها إرادة نفع العبد قال: هي صفة ذات، وبه قال ابن فورك.
    ومن فسرها بأنها خلق نفع العبد قال: هي صفة فعل.
    وقال أبو العالية: صلاة الله تعالى هي ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة الدعاء.
    قال القاضي أبو الفضل رحمه الله تعالى: وقد فرَّق النبي صلى الله عليه وسلم في حديث تعليم الصلاة (بين لفظ الصلاة، ولفظ البركة؛ فدل أنهما بمعنيين).
    وقال ابن عطية: هذه الآية شرف الله تعالى بها رسوله صلى الله عليه وسلم وذكر منزلته.
    قلت: وليس في القرآن الكريم، ولا في غيره في ما علمت صلاة من الله تعالى على غير نبينا صلى الله عليه وسلم، فهي خصيصة اختصه الله تعالى بها دون سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
    وعن الأصمعي قال: سمعت المهدي على منبر البصرة يقول: إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه، وثنى بملائكته، فقال: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} آثره الله بها من بين الرسل، وأتحفكم بها من بين الأمم، فقابلوا نعمة الله بالشكر.


    وعن أبي عثمان الواعظ: سمعت الإمام سهل بن محمد يقول: هذا التشريف الذي شرف الله تعالى به نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بقوله: {إن الله وملائكته يصلون} الآية، أتم وأجمع من تشريف آدم عليه السلام بأمر الملائكة له بالسجود، لأنه لا يجوز أن يكون الله مع الملائكة في ذلك التشريف، فتشريف يصدر عنه أبلغ من تشريف يختص به الملائكة.
    وقوله تعالى:{يصلون}: قالت فرقة: الضمير لله تعالى، وللملائكة، وهذا قول من الله تعالى شرف به ملائكته، فلا يصحبه الاعتراض الذي جاء في قول الخطيب عند النبي صلى الله عليه وسلم:من أطاع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد ضل، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بئس الخطيب أنت).
    قالوا: لأنه ليس لأحد من البشر أن يجمع ذكر الله مع غيره في ضمير واحد، ولله سبحانه أن يفعل في ذلك ما يشاء.
    وقالت فرقة: في الكلام حذف تقديره: إن الله يصلي على النبي، وملائكته يصلون.
    وقالت فرقة: بل جمع الله الملائكة مع نفسه في ضمير واحد، وذلك جائز للبشر إن فعله ولم يقل صلى الله عليه وسلم: بئس الخطيب لهذا المعنى، وإنما قال لأن الخطيب وقف على: ومن يعصهما وسكت سكتة.
    ومما يؤيد هذا أن في كلام النبي صلى الله عليه وسلم في مصنف أبي داود:ومن يعصهما فجمع ذكر الله تعالى وذكر رسوله في ضمير.
    ومما يؤيد الأول: أن في كتاب مسلم: بئس الخطيب أنت، قل: ومن يعص الله ورسوله.
    قال ابن عطية: وهذا يحتمل أن يكون لما خطأه في وقفه وقال:بئس الخطيب أنت أصلح بعد ذلك كلامه، لأن فصل ضمير الله تعالى من ضمير اسمه أولى لا محالة، فقال له: بئس الخطيب لموضع خطئه في الوقف، وحملة على الأولى في فصل الضمير وإن كان جمعها جائز.


    وأورد بعض المعاصرين السؤال معتمداً على أن خطأ الخطيب إنما هو جمع الضميرين، لا لأجل الوقف المذكور، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما)؛ فقد جمع بينهما في الضمير كما جمع الخطيب، فما الفرق بينهما، وما الجواب؟.
    والجواب من وجهين:
    أحدهما: ذكره الشيخ عز الدين بن عبد السلام قدس الله روحه، فقال: إن منصب الخطيب حقير قابل للتذلل، فإذا نطق بهذه العبارة فقد يتوهم فيه لنقصه أنه إنما جمع بينهما في الضمير لأنه أهمل الفصل بينهما والفرق، فلذلك امتنع لما فيه من إيهام التسوية. ومنصب النبي صلى الله عليه وسلم في غاية الجلالة والبعد عن الوهم، فلا يقع بسبب جمعه عليه الصلاة والسلام إيهام التسوية.
    وثانيها: ذكره بعض الفضلاء فقال: كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم جملة واحدة، وتقدم الظاهر في الجملة الواحدة يبعد استعمال الظاهر مع موضع المضمر، بل المضمر هو الحسن، وكلام الخطيب جملتان؛ أحدهما مدح، والآخر ذم، فلذلك حسن استعمال الظاهر موضع المضمر.

    قلت: وهذا الجواب الثاني أمس بالقواعد العربية من حيث اللفظ، والأول لا بأس به من جهة المعنى.
    وجاء يصلون بصيغة المضارعة الدالة على الدوام والاستمرار، ولم يأت بصيغة الماضي التي يصدق بالمرة الواحدة.
    قالوا: فهذا يعطي أنه سبحانه وتعالى وجميع ملائكته يصلون على النبي دائماً أبداً، وغاية مطلوب الأولين والآخرين صلاة واحدة من الله تعالى، وأنى لهم بذلك؟.
    بل لو قيل للعاقل: أيما أحب إليك أن تكون أعمال جميع الخلائق في صحيفتك أو صلاة من الله تعالى عليك ؟ لما اختار غير الصلاة من الله تعالى، فما ظنك بمن يصلي عليه ربنا سبحانه وتعالى، وجميع ملائكته على الدوام والاستمرار؟، فكيف يحسن بالمؤمن أن لا يكثر من الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم أو يغفل عن ذلك ؟.


    فإن قلت: إذا كان الله صلى عليه وهو كذلك، فما فائدة طلب الحاصل، وإيجاد المحصول ؟.
    قلت: صلاتنا عليه صلى الله عليه وسلم عبادة لنا، وزيادة حسنات في أعمالنا، وتربي البركات المبثوثة فينا المنزلة علينا.
    وجواب آخر وفيه نكتة بديعة وهو: أنه عليه الصلاة والسلام أحب الخلق إلى الله تعالى على الإطلاق، وأعز الخلق عنده تعالى بالاتفاق، ونحن إنما نذكره صلى الله عليه وآله وسلم بأذكار الله تعالى، فكأنه سبحانه وتعالى هو الذاكر، و (من أحب شيئاً أكثر من ذكره)، فلذلك أمرنا بالصلاة عليه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم مع ما ينضاف إلى ذلك من موضوع العقيدة، وإخلاص النية، وإظهار المحبة، والمداومة على الطاعة، والاحترام للواسطة الكريمة التي أنقذنا الله بها من الهلكة، ونلنا بها كل خير وبركة، {وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها}.
    اللهم اجعلنا من خيار أمته، ولا تخالف بنا عن اتباع سنته، يا أكرم الأكرمين.
    وقوله: على النبيء بهمز، ولا يهمز، فمن همزه أخذه من النبأ الذي هو الخبر، لأن النبي مخبر عن الله تعالى. ومن لم يهمزه احتمال أن يكون من النَّبْوَة وهي الارتفاع، لارتفاع منزلته صلى الله عليه وسلم عند الله تعالى. أو من النبي على التسهيل.
    قالوا: والنبوة اختصاص العبد بكلام الله تعالى، واطلاعه على وحيه محتملاً للرسالة وعدمها. فالرسالة أخص من النبوة، كما أن الرسول أخص من النبي عند الجمهور.
    وأما الرسالة: فـ فعالة من أرسل، وهو اختصاص النبي بخطاب التبليغ.
    فإن قلت: الألف واللام في النبي من أي أقسامها العشرة ؟.

    قلت: هي للغلبة في قولك قرأت الكتاب العزيز، هذا هو الأليق بها في هذا المكان، ويحتمل أن تكون للعهد، وقد تقدم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قبل (و) الأول أولى لما يأتي بعد.
    هذا ما يتعلق بتفسير الصلاة .
    وأما التسليم: فقال القاضي أبو الفضل: فيه ثلاثة أوجه:


    أحدها: السلام لك ومعك، وتكون السلامة مصدراً (كاللذاذ) واللذاذة.
    الثاني: أي السلام على حفظك ورعايتك متول له، وكفيل به، ويكون هنا السلام اسم الله تعالى.
    الثالث: أن السلام بمعنى المسالمة والانقياد، كما قال تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما}، انتهى.
    وإذا ثبت هذا؛ فالظاهر من الآية تساوي حكم الصلاة والسلام في الوجوب، وأن الواجب من ذلك المرة الواحدة في العمر على المختار الذي عليه الجمهور كما تقرر.
    فإن قلت: لم أكد السلام بالمصدر دون الصلاة، وما الحكمة في ذلك ؟.
    قلت: الذي يظهر في ذلك والله أعلم أنه سبحانه لما علم بدوام صلاته عليه، وملائكته كذلك، ثم أمرنا بعد بالصلاة عليه، والمعنى: صلوا عليه كما صلى الله تعالى وملائكته عليه، كان ذلك أبلغ من التأكيد اللفظي، ولما لم يعلمنا بالتسليم عليه كما أعلمنا بالصلاة عليه حسن التأكيد، إذ ليس ثم ما يقوم مقامه، والله أعلم.
    تنبيه 0000
    اعلم أن الفخامة في هذه الآية الكريمة من سبعة أوجه:
    الأول: تصديرها بحرف التأكيد.
    الثاني: إيلاؤه اسم الذات وهو أعظم أسمائه تعالى وأهمها، وأهيبها.
    الثالث: عطف جميع الملائكة عليه بصيغة الإضافة الدالة على العموم، وعدد الملائكة لا يحصيه إلا الله تبارك وتعالى، فإن الملك كله ظاهراً وباطناً أقطار للعالم كله؛
    فمنهم: ملائكة موكلون بالأرض لا يحصي عددهم إلا الله تعالى، ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن لا تستدبر القبلة ببول أو غائط إكراماً للمصلين.
    ومنهم: ملائكة موكلون بالبحر.
    ومنهم: ملائكة موكلون بالهواء فيما بين السماء والأرض.
    ومنهم: السياحون الذين يتتبعون مجالس الذكر، كما هو في الصحيح، فإذا وجدوا مجلساً فيه ذكر، قعدوا معهم، وحف بعضهم بعضاً بأجنحتهم حتى يملؤوا ما بينهم وما بين السماء والأرض.


    ومنهم: الذين ينقلون الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم إليه ممن يصلي عليه صلى الله عليه دائماً أبداً.
    ومنهم: ساكن في السماوات السبع، وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء.
    ومنهم: خزنة الجنة.
    ومنهم: خزنة النار.
    ومنهم: حملة العرش.
    ومنهم: موكلون بالحجب.
    ومنهم: موكلون بالمطر، حتى أنه ورد أنه لا تنزل قطرة من السماء إلا ومعها ملك.
    ومنهم: موكلون بالأرحام وخلق النطف.
    وموكلون بنفخ الأرواح في الأجساد.
    وموكلون بخلق النبات.
    وبخلق تصريف الرياح.
    وجري الأفلاك والنجوم.
    ومنهم: حفظة على أعمال العباد.
    ومنهم: موكلون بحفظ بني آدم، يحفظونه من أمر الله تعالى.
    وبالجملة فإنهم عامرون للمُلك كله، حتى أنه ليس في العالم موضع شبر إلا وهو معمور بالملائكة المقربين الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، فجميع هؤلاء، وكل من يصدق عليه ملك دل ظاهر الآية أو نصها على أنهم يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم جميعاً أينما كانوا، وحيث كانوا، صلى الله عليه وسلم.
    الرابع: مجيء يصلون بصيغة المضارعة الدالة على الدوام والاستمرار كما تقرر.
    الخامس: التعبير عنه عليه الصلاة والسلام بـ النبي صلى الله عليه وسلم دون التصريح باسمه عليه الصلاة والسلام، وفيه من الفخامة ما لا يخفى، وكانت الألف واللام فيه للغلبة كما تقدم، وكأنه المعروف بذلك، الحقيق المقدم على سائر الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، كما كان القرآن المنزل عليه أشرف الكتب المنزلة، وكما كانت أمته خير الأمم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم دائماً أبداً.
    السادس: الختم بالصلاة عليه والتسليم صلى الله عليه وسلم.
    السابع: التوكيد بالمصدر كما تقدم، وقرأ الحسن: يا أيها الذين آمنوا (فصلوا) عليه. وهذه الفاء تقوي معنى الشرط أي: صلى الله عليه وسلم، فصلوا أنتم كما تقول: أعطيتك فخذ.


    في حرف عبد الله: صلوا عليه كما صلى الله عليه وسلموا تسليما. قاله ابن عطية.
    فائدة
    روينا في كتاب القربة لابن بشكوال بسنده إلى محمد بن عمر أن يونس اليماني قال: كنت (بصنعاء) فرأيت رجلاً، والناس مجتمعون عليه، فقلت: ما هذا ؟ قالوا: هذا رجل كان يؤمُّ بنا في شهر رمضان، فكان حسن الصوت بالقرآن، فلما بلغ:{إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} قرأ: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما}، فخرس وتجذم، وبرص، وأقعد، فهذا مكانه.

    الباب الثاني

    في فضل الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وما جاء في ذلك من الثواب والتقريب إلى رب الأرباب
    جاء في صحيح مسلم، وأبي داود: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي، فإن من صلى علي مرة، صلى الله بها عشرا، ثم سلوا لي الوسيلة، فإنها منزلة لا ينبغي إلا لعبد واحد، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة).
    سؤال: قال القاضي أبو بكر بن العربي: قال الله تعالى: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} فما فائدة هذا الحديث؟.
    قلنا: فيه أعظم فائدة؛ وذلك: أن القرآن اقتضى أن من جاء بحسنة تضاعف عشرا، والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم حسنة، فيقتضي القرآن أن يعطى عشر درجات في الجنة، فأخبر الله سبحانه وتعالى أنه يصلي على من صلى على رسوله صلى الله عليه وسلم عشراً، وذكرُ اللهِ العبدَ أعظمُ من الجنة مضاعفة، وتحقيق ذلك: أن الله تعالى لم يجعل جزاء ذكره إلا ذكره، لذلك جعل جزاء ذكر نبيه صلى الله عليه وسلم ذكره لمن ذكره.
    قلت: وهذه نكتة حسنة أجاد فيها وأفاد، رحمه الله تعالى.
    وخرّج أبو داود السلمي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن صلاتكم معروضة علي، قالوا: وكيف تعرض عليك وقد أرمت ؟ يعني: بليت قال: إن الله حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء).
    قال ابن العربي: ولم يثبت.
    قلت: ثبت بالإجماع فيما علمت أن الأرض لا تعدو على أجساد الأنبياء، وزاد بعضهم: الأنبياء، والصالحين، والشهداء، والمؤذنين.
    وقال أبو عيسى: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إن الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك صلى الله عليه وسلم، فإن فعلت انخرق الحجاب، ودخل الدعاء، وإن لم تفعل رجع ذلك الدعاء).
    وفي رواية: (إن الدعاء كله محجوب حتى يكون أوله ثناء على الله عز وجل، وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو يستجاب له).
    وهذه الترجمة صحيحة، خرّجها مالك، ومسلم، ولم يخرجها البخاري.
    ومثل هذا إذا قاله عمر لا يكون إلا توقيفاً لأنه لا يدرك بنظر.
    ويعضده ما خرجه مسلم: قال النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: (إذا سمعتم المؤذن 000)، خرجه العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه عن جده، عن عمر رضي الله عنه.
    وأنشد بعضهم:
    ومن يرتجي الرحما من الله والقربا

    أيا من أتى ذنباً وقارف زلة
    على خير مبعوث وأكرم من نبا
    تعاهد صلاة الله في كل ساعة
    ويكفيك ذنباً أعظم به ذنبا
    فيكفيك هماً أي هم تخافه
    يجد قبل أن يرقى إلى ربه حجبا
    ومن لم يكن يفعل فإن دعاءه
    وروى أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى علي صلاة صلى الله عليه عشر صلوات، وحط عنه عشر خطيئات، ورفع له عشر درجات).
    ومن رواية عبد الرحمن بن عوف عنه عليه الصلاة والسلام: (لقيت جبريل عليه السلام، فقال: إني أبشرك أن الله يقول: من سلَّم عليك سلمت عليه، ومن صلى عليك صليت عليه).
    ونحوه من رواية أبي هريرة، ومالك بن أوس بن الحدثان، وعبد الله بن أبي طلحة رضي الله عنهم.
    أطياف
    أطياف
    المشرفه المميزه
    المشرفه المميزه


    الجنس : انثى
    الابراج : السمك
    عدد المساهمات : 435
    نقاط : 14380
    السٌّمعَة : 251
    تاريخ التسجيل : 24/07/2011
    العمر : 34
    الموقع : الجزائر

    الفجر المنير فى الصلاة على البشير النذير Empty رد: الفجر المنير فى الصلاة على البشير النذير

    مُساهمة من طرف أطياف الجمعة 4 مايو 2012 - 13:27

    وأنشد الحافظ (أبو الحسن المصري) لنفسه:
    وتكفير ذنب سالف أثقل الظهرا
    ألا أيها الراجي المثوبة والأجرا
    على أحمد الهادي شفيع الورى طرا
    عليك بإكثار الصلاة مواظباً
    وأزكاهم فرعاً وأشرفهم نجرا
    وأفضل خلق الله من نسل آدم
    يصلي على من قالها عشرا
    فقد صح أن الله جل جلاله
    وأطلعت الأفلاك من بحرها فجرا
    صلى عليه الله ما جنت الدجا
    وعن زيد بن الحباب: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من قال: اللهم صلِّ على محمد وأنزله المنزل المقرب عندك يوم القيامة، وجبت له شفاعتي).
    قلت: وهذا الحديث، وما أشبهه من الصحيح نص في إثبات الشفاعة لنبينا صلى الله عليه وآله وسلم.
    وأنكرها المعتزلة وهم جديرون بحرمانها إلا الشفاعة العظمى التي هي في تعجيل الحساب، التي يحمده فيها الأولون والآخرون، فإنه لم ينكرها أحد من المعتزلة ولا غيرهم.
    ولتعلم أن لنبينا صلى الله عليه وآله وسلم شفاعات في القيامة غير هذه:
    منها: شفاعته صلى الله عليه وآله وسلم لأهل الكبائر من أمته.
    ومنها: شفاعته صلى الله عليه وسلم لأهل المراتب.
    ومنها: شفاعته صلى الله عليه وسلم لقوم استوجبوا النار فلا يدخلوها.
    ومنها: شفاعته صلى الله عليه وسلم في إدخال قوم الجنة بغير حساب.
    ومنها: شفاعته صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب في التخفيف عنه.
    والله أعلم بحال أبويه.
    وقد جاء: (أن البيت يشفع يوم القيامة فيمن زاره).
    وتشفع الأنبياء، والعلماء، والصالحون، والملائكة،

    والإخوان، وأهل القرآن.
    وأدلة أهل السنة في إثبات الشفاعة للمؤمنين أوسع من أن تحصى، وما أنكرها القدرية إلا تفريعاً على قاعدة هي شر من إنكارها الشفاعة، وتلك القاعدة الفاسدة: هي اعتقادهم وجوب الجزاء على الله للمطيع على الطاعة، والعاصي على المعصية إيجاباً عقلياً على زعمهم. فهذه الحالة في إنكارها نتيجة لتلك الضلالة فنسأل الله تعالى الهداية، وأن يجعلنا ممن سبقت له العناية.

    وعن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة).
    وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من صلى علي في كتاب لم تزل الملائكة تصلي عليه مادام اسمي في ذلك الكتاب).
    وعن أبي بن كعب: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ربع الليل قام فقال: يا أيها الناس اذكروا الله، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه فقال أبي بن كعب: إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال: ما شئت. قال: الربع ؟ قال: ما شئت وإن زدت فهو خير لك. قال: الثلثين؟. قال: ما شئت وإن زدت فهو خير لك. قال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أفأجعل صلاتي كلها لك؟. قال: إذاً تكفى همك ويغفر ذنبك).
    وعن عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من صلى علي صلاة صلت عليه الملائكة ما صلى، فليقلل (عبد) من ذلك أو ليكثر).
    وعن أبي طلحة رضي الله عنه قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فرأيت من بشره وطلاقته ما لم أره قط، فسألته؟ فقال: (وما يمنعني، وقد خرج جبريل آنفا، فأتاني ببشارة من ربي، فقال: إن الله تعالى بعثني إليك أبشرك أنه ليس أحد من أمتك يصلي عليك صلاة إلا صلى الله عليه وملائكته بها عشرا).
    وعن سعد بن أبي وقاص: (من قال حين يسمع المؤذن: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، رضيت بالله ربا، وبمحمد رسولا، وبالإسلام دينا غفر له).
    قلت: وفي رواية مكان رسولاً: نبياً.
    فينبغي أن يجمع بينهما فيقول: وبمحمد رسولاً ونبيا.
    وروى ابن وهب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سلم علي عشرا فكأنما أعتق رقبة).
    قلت: ومن أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضواً من النار حتى الفرج
    بالفرج، كما ثبت في الحديث الصحيح.
    وفي بعض الآثار: (ليردنَّ علي أقوام ما أعرفهم إلا بكثرة صلاتهم علي).

    وفي آخر: (إن أنجاكم يوم القيامة من أهوالها ومواطنها أكثركم علي صلاة).
    وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه: (الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أمحق للذنوب من الماء البارد للنار، والسلام عليه أفضل من عتق الرقاب).
    قلت: وإنما كان أفضل من عتق الرقاب والله أعلم لأن عتق الرقاب في مقابلة العتق من النار، ودخول الجنة، والسلام عليه في مقابلة سلام الله تعالى، وسلام من الله تعالى أفضل من مائة ألف ألف ألف جنة، فناهيك بها من منة، فنسأل الله العظيم أن (يشيد) من محبتنا في هذا النبي المنة، وأن يرزقنا مرافقته في الجنة، وأن يجعله وقايتنا من كل شر وجنة، آمين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
    وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ما جلس قوم مجلساً لا يصلون فيه على النبي صلى الله عليه وسلم إلا كان عليهم حسرة، وإن دخلوا الجنة، لما يرون للثواب).
    قلت: ويسبق بباديء الرأي سؤال في هذا الحديث وهو: أن الجنة لا تنغيص فيها، والحسرة تنغيص بلا إشكال؟.وقد كثر سؤالي عنه، وتردد البحث كثيراً فيه، ولم يتخلص فيه جواب يثلج به الصدر، وغاية ما قيل فيه: أن يكون معنى قوله عليه الصلاة والسلام وإن دخلوا الجنة أي: وإن كان مآلهم إلى الجنة، وتكون الحسرة قبل دخولهم، كما ترى، فتأمله .
    وعن بعض أهل العلم أنه قال: إذا صلى الرجل على النبي صلى الله عليه وسلم مرة في المجلس، أجزأت عنه ما كان في ذلك المجلس.
    وذكر أبو بكر بن أبي شيبة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى علي عند قبري سمعته، ومن صلى علي نائياً بُلِّغُْته).
    ويروى: (إن أنجاكم يوم القيامة من مواطنها وأهوالها أكثركم علي صلاة). صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وشرف وكرم.
    وقال عليه الصلاة والسلام: (إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام).

    وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تجعلوا قبري عيداً، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم).
    وعن فضالة بن عبيد قال: دخل رجل يصلي وقال: اللهم اغفر لي وارحمني. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعجلت أيها المصلي، إذا صليت فقعدت، فاحمد الله تعالى بما هو أهله، وصل علي، ثم ادعه. وقال: ثم صلى رجل آخر، فحمد الله تعالى وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أيها المصلي ادع تجب).

    وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: كنت أصلي، فلما جلست، بدأت بالثناء على الله تعالى، ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم دعوت لنفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تعطه، سل تعطه.
    وروينا في الترمذي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي، ورغم أنف رجل دخل رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة) قال الراوي: وأظنه قال: أو أحدهما .
    وروينا في الترمذي أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام).
    قلت: يؤخذ من هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم حي على الدوام، وذلك أنه محال أن يخلو الوجود كله من واحد يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم في ليل أو نهار.
    فإن قلت: فقوله عليه الصلاة والسلام (إلا رد الله علي روحي) لا يلتئم مع كونه عليه الصلاة والسلام حياً على الدوام، بل يلزم منه أن تتعدد حياته ووفاته في أقل من ساعة، إذ الوجود لا يخلو من مسلم يسلم عليه كما تقدم، بل يتعدد الكلام في الساعة الواحدة كثيراً ؟.
    فالجواب: والله أعلم أن نقول: المراد بالروح هنا: النطق مجازاً، فكأنه قال عليه الصلاة والسلام: إلا رد الله إلي نطقي وهو حي على الدوام كما تقدم، لكن لا يلزم من حياته نطقه، فالله سبحانه وتعالى يرد عليه النطق عند سلام كل مسلم.

    وعلاقة المجاز أن النطق من لازمه وجود الروح، كما أن الروح من لازمه وجود النطق بالفعل أو القوة، فعبر عليه الصلاة والسلام بأحد المتلازمين عن الآخر. ومما يحقق ذلك أن عود الروح لا يكون إلا مرتين، عملاً بقوله تعالى: {قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين}.
    فائدة 0000
    اختلف في معنى هذه الآية ؛ فقيل: الموتة الأولى كونهم نطفة في أصلاب آبائهم، لأن النطفة ميتة، والحياة الأولى في الأصل، والحياة الثانية إحياء الله تعالى إياهم للبعث، فهاتان موتتان، وحياتان.
    ويقال: الموتة الأولى: التي تقع بهم في الدنيا بعد الحياة.
    والحياة الأولى: إحياء الله تعالى إياهم في القبر لمساءلة منكر ونكير.
    والموتة الثانية: إماتة الله تعالى إياهم بعد المساءلة.
    والحياة الثانية: إحياء الله تعالى إياهم للبعث.
    وقيل: الموتة الأولى هي التي كانت بعد إحياء الله تعالى إياهم في الذر، إذ سألهم: {ألست بربكم قالوا بلى}، ثم أماتهم بعد ذلك، فهذه هي الموتة الأولى، ثم أحياهم بعد إخراجهم إلى الدنيا، ثم أماتهم ثانية، ثم بعثهم إذ شاء، فهاتان موتتان وحياتان، والله سبحانه وتعالى أعلم.

    وروينا عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من عبد يصلي علي صلاة تعظيماً لحقي، إلا خلق الله من ذلك القول ملكاً له جناح بالمشرق، وجناح بالمغرب، ويقول الله له صل على عبدي كما صلى على نبيي، فهو يصلي عليه إلى يوم القيامة).
    وروينا فيه أيضاً، عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أيما عبد كسب مالاً حلالاً، فأطعم نفساً، أو كساها، ممن دونه من خلق الله تعالى، فإن له زكاة، وأيما رجل لم يكن عنده صدقة فليقل: اللهم صل على محمد عبدك ورسولك وصل على المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات فإنه كفارة له).

    وفيه أيضاً: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى علي من أمتي صلاة مخلصاً بها من نفسه صلى الله عليه بها عشر صلوات، ورفعه بها عشر درجات، وكتب له بها عشر حسنات، ومحا عنه بها عشر سيئات).
    وفيه أيضاً: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى علي في يوم
    ألف مرة لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة).
    وروينا فيه أيضاً عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من مسلمين يلتقيان فيصافح أحدهما الآخر، ويصليان على النبي صلى الله عليه وسلم إلا لم يبرحا حتى تغفر ذنوبهما).
    وفي رواية: إلا لم يتفرقا حتى تغفر ذنوبهما ما تقدم منها وما تأخر.
    وأخبرني بعض الفقراء المباركين قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرى النائم، فقلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت قلت: ما من عبدين متحابين في الله يلتقيان ويصافح أحدهما صاحبه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إلا لم يتفرقا حتى تغفر ذنوبهما ما تقدم منها وما تأخر، والدعاء بين الصلاتين علي لا يرد صلى الله عليه وسلم.
    وفيه أيضاً: عن عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد عن أبيه، عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لا صلاة لمن لا يصلي علي).
    قال المعمري: وحدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا شريك عن أبي جعفر، قال: قال أبو مسعود الأنصاري: ما أرى صلاة لي تمت إلا أصلي فيها على محمد النبي صلى الله عليه وسلم، وآل محمد صلى الله عليه وسلم.
    وعن عبد المهيمن أيضاً، أسنده إلى جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه، ولا صلاة لمن لم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم).

    قلت: معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه أي: لا وضوء كامل الفضيلة، والتسمية عندنا من الفضائل، ولا أعلم من قال بوجوبها، فتعين حمل الحديث على ما تقدم، فهذا مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد). وكذا قوله: (لا صلاة لمن لم يصل علي).

    والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم سنة، لا يسجد لها من تركها، والله أعلم.
    فصل
    في من رئي في المنام على حالة حسنة بسبب الصلاة على النبي
    صلى الله عليه وسلم وشرف وكرّم ومجّد وعظّم ووالى عليه وأنعم
    ذكر شيخ المسلمين أبو عبد الله محمد الشهير بابن النعمان قدس الله روحه في كتابه الملقب بـ مصباح الظلام: أن جماعة من العلماء لا يحصون، رؤوا في المنام على حالة حسنة بسبب صلاتهم على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم لما رأوهم على تلك الحالة الحسنة سئلوا، فقالوا: ذلك بكثرة صلاتنا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
    منهم: الإمام الشافعي رضي الله عنه: رئي في المنام؛ فقيل له: ما فعل الله بك؟.
    قال: نعّمني وغفر لي، وزففت إلى الجنة كما تزف العروس، ونثر علي كما ينثر على العروس. فقلت: بم بلغت هذا؟. فقال قائل: بقوله في كتاب الرسالة: وصلى الله على محمد، عدد ما ذكره الذاكرون، وعدد ما غفل عنه الغافلون.
    قال: فلما أصبحت، نظرت إلى الرسالة فوجدت الأمر كما رأيت.
    قلت: وهكذا رويناه في كتاب القربة لابن بشكوال.
    قال: ورئي أبو العباس أحمد بن منصور الحافظ في النوم؛ عليه حلة، وعلى رأسه تاج مكلل بالجوهر. فقيل له: ما فعل الله بك؟. قال: غفر لي، وأكرمني، وتوجني، وأدخلني الجنة. فقيل له: بم ذا ؟. قال: بكثرة صلاتي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

    وقال خلف صاحب الخلقان: كان لي صديق يطلب معي الحديث، فمات. فرأيته في منامي، وعليه ثياب خضر جدد، يجول فيها، (فقلت له:) ألست كنت تطلب معي الحديث؟ فما الذي أرى؟. قال: كنت أكتب معكم الحديث، فلم يمر حديث فيه ذكر محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلا كتبت في أسفله: صلى الله عليه وسلم ؛ فكافأني ربي بهذا الذي ترى.
    وقال عبد الله القواريري: مات رجل جار لنا، وكان ورّاقاً، فرأيته في المنام فقلت له: ما فعل الله بك؟.قال: غفر لي. (قلت:) بم ذا؟.
    قال: كنت إذا كتبت النبي صلى الله عليه وسلم، كتبت: صلى الله عليه وسلم.
    و رئي (علي بن)الحسن بن شقيق بعد موته في المنام على حالة حسنة. فقيل له: بم نلت هذا؟.
    قال: بكثرة صلاتي على النبي صلى الله عليه وسلم.
    وروينا في كتاب القربة لابن بشكوال: أن أبا بكر بن مجاهد المقريء أتى إليه الشبلي، فدخل إليه إلى مسجده، فقام إليه. فتحدث أصحاب ابن مجاهد بحديثهما، وقالوا: أنت لم تقم لعلي بن عيسى الوزير، وتقوم للشبلي؟.

    فقال: ألا أقوم لمن يعظمه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟. رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم، فقال لي: يا أبا بكر إذا كان في غد فسيدخل (عليك) رجل من أهل الجنة، فإذا دخل فأكرمه.
    قال ابن مجاهد: فلما كان بعد ذلك بليلتين، فقال لي: يا أبا بكر أكرمك الله كما أكرمت رجلاً من أهل الجنة. فقلت: يا رسول الله بم استحق الشبلي هذا منك؟. فقال: هذا رجل يصلي الصلوات، يذكرني إثر كل صلاة، ويقرأ: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم}، منذ ثلاثين سنة، أفلا أكرم من فعل هذا ؟.

    ورئي مسطح الصوفي بعد وفاته؛ فقيل له: ما فعل الله بك؟. فقال: غفر لي. قيل: بأي شيء؟. قال: استمليت على بعض المحدثين مسنداً، فصلى الشيخ على النبي صلى الله عليه وسلم، فصليت أنا، ورفعت صوتي، فصلى أهل المجلس عليه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، فغفر لنا في ذلك اليوم.
    وعن عبد الواحد بن زيد قال: خرجت حاجاً؛ فصحبني رجل كان لا يقوم ولا يقعد، ولا يذهب ولا يجيء، إلا صلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فقلت له في ذلك؟، فقال: أخبرك. خرجت منذ سنوات إلى مكة، ومعي أبي، فلما انصرفنا، قِلْنا في بعض المنازل. فبينا أنا نائم؛ إذ أتاني آت، فقال: قم، فقد مات أبوك، وسود وجهه. فقمت مذعوراً، فكشفت الثوب عن وجهه، فإذا هو أسود الوجه، فدخلني من ذلك رعب عظيم، فبينا أنا على ذلك من الغم إذ غلبتني عيناي؛ فنمت، فإذا أنا على رأس أبي أربعة سودان معهم أعمدة من حديد عند رأسه، وعند رجليه، وعن يمينه، وعن شماله، إذ أقبل رجل حسن الوجه بين ثوبين أخضرين، فقال لهم: تنحوا. فرفع الثوب عن رأسه، فمسح بيده وجهه، ثم أتاني فقال: قم، قد بيَّض الله وجه أبيك. فقلت: من أنت بأبي أنت وأمي؟. قال: أنا محمد صلى الله عليه وسلم، فكشفت عن وجه أبي، فإذا هو أبيض الوجه، فأصلحت من شأنه، ودفنته.
    وروينا في كتاب القربة لابن بشكوال بسنده إلى أبي نعيم قال: حدثنا سفيان الثوري قال: بينما أنا حاج، إذ دخل شاب حاج لا يرفع قدماً ولا يضع أخرى إلا وهو يقول: اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد. فقلت: أتعلم ما تقول يا هذا؟. قال: من أنت؟. قلت: أنا سفيان الثوري. قال: سفيان العراقي؟. قلت: نعم. قال: وهل عرفت الله؟. قلت: نعم. قال:وكيف عرفته؟. قلت: بأنه يولج الليل في النهار، ويولج النهار في الليل، ويصور الولد في الرحم. قال: يا سفيان ما عرفت الله حق معرفته. قلت: فكيف تعرفه؟. قال: يفسخ العزم والهم، ونقض العزيمة، هممت ففسخ همتي، وعزمت فنقض عزمي، فعرفت أن لي رباً يدبرني. قال: قلت: فما صلاتك على النبي صلى الله عليه وسلم؟. قال: كنت حاجاً، ومعي والدتي، فسألتني أن أدخلها البيت، فأدخلتها، فوقعت وتورّم بطنها، واسودَّ وجهها، فجلست عندها وأنا حزين، فرفعت يدي نحو السماء، فقلت: يا رب هكذا تفعل بمن دخل بيتك؟، فإذا غمامة قد ارتفعت من قبل تهامة، وإذا رجل عليه ثياب بيض، فدخل البيت، فأمرّ يده على وجهها فابيضَّ، وأمرّها على بطنها فسكن الورم، ثم مضى ليخرج؛ فتعلقت بثوبه؛ فقلت: من أنت الذي قدر فرّجت عني؟، فقال: أنا نبيك محمد صلى الله عليه وسلم. فقلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصني. قال: لا ترفع قدماً، ولا تضع أخرى إلا وتقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد.

    وروينا فيه أيضاً: بسنده إلى أحمد بن محمد الصوفي قال: وعن حذيفة قال: إن الصلاة (على) النبي صلى الله عليه وسلم لتدرك الرجل وولده وولد ولده.
    وعن عبد الله بن عيسي قال: كان يقال: من قرأ القرآن، وصلى على محمد صلى الله عليه وسلم، ودعا الله، فقد التمس الخير من مظانه.


    _________________

    *******************************************
    الفجر المنير فى الصلاة على البشير النذير 164440077484592284
    أطياف
    أطياف
    المشرفه المميزه
    المشرفه المميزه


    الجنس : انثى
    الابراج : السمك
    عدد المساهمات : 435
    نقاط : 14380
    السٌّمعَة : 251
    تاريخ التسجيل : 24/07/2011
    العمر : 34
    الموقع : الجزائر

    الفجر المنير فى الصلاة على البشير النذير Empty رد: الفجر المنير فى الصلاة على البشير النذير

    مُساهمة من طرف أطياف الجمعة 4 مايو 2012 - 13:32



    الباب الثالث في كيفية الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، والتسليم وما جاء في ذلك، ويترتب عليه من الأجر العظيم

    روينا في الصحيحين، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدي لك هدية؟، إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج علينا فقلنا: يا رسول الله، قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على ابراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على ابراهيم إنك حميد مجيد).
    وعن أبي حميد الساعدي أنهم قالوا: يا رسول الله كيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته، كما صليت على ابراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل ابراهيم، إنك حميد مجيد.
    وفي رواية مالك عن أبي مسعود الأنصاري قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آله، كما صليت على آل ابراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل ابراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.
    قال القاضي أبو الفضل: اختلف أرباب المعاني في فائدة قوله صلى الله عليه وسلم: كما صليت على ابراهيم وآل ابراهيم على تأويلات كثيرة أظهرها: أن نبينا صلى الله عليه وسلم سأل ذلك لنفسه وأهل بيته ليتم النعمة عليهم، والبكرة، كما أتمها على ابراهيم.وقيل: بل سأل لأمته ليثابوا على ذلك.وقيل: ليبقى لهم ذلك إلى يوم الدين، ويجعل لسان صدق في الآخرين، كما فعله لابراهيم.وقيل: بل سأله ذلك له ولأمته.وقيل: كان ذلك قبل أن يعرف عليه الصلاة والسلام بأنه أفضل ولد آدم، ويطلع على منزلته. وقيل: بل سأل أن يصلى عليه صلاة يتخذه بها خليلاً، وقد قال صلى الله عليه وسلم في الصحيح، في آخر أمره: ولكن صاحبكم خليل الرحمن. وقد جاء أنه حبيب الرحمن. وقال أيضاً: أنا حبيب الله ولا فخر. ذكره الترمذي، فهو الخليل والحبيب.
    وقد اختلف العلماء أيهما أشرف، أو هما سواء، أو بمعنى؟. وفضل أكثرهم رتبة المحبة.

    قلت: ثم لم يزل الناس يوردون في هذا الحديث السؤال المشهور وهو: أن المشبه به أعلى من المشبه، ونبينا عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم أفضل الأنبياء والمرسلين إجماعاً، فكيف تكون الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم مشبهة بالصلاة على ابراهيم عليه الصلاة والسلام؟.
    وقد اختلفت الأجوبة في ذلك، وقد استودعتها في رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام فلينظرها هناك من أرادها، لكن نذكر هنا بعضها:

    فقيل: التشبيه إنما وقع في الصلاة على الآل، لا على النبي صلى الله عليه وسلم، فكان قولنا: اللهم صل على محمد مقطوع من التشبيه، وقوله:وعلى آل محمد متصل بما بعده، والله أعلم.
    وعن عقبة بن عامر من حديثه: اللهم صل على محمد عبدك ورسولك وذكر معناه.
    وروينا لابن بشكوال قال: أخبرنا الإمام أبو بكر بن محمد بن عبد الله، وعدّهنّ في يدي بمدينة إشبيلية أول ما لقيته بها، قال: أخبرنا أبو الحسين المبارك ابن عبد الجبار، وعدّهنّ في يدي قال: أخبرنا الحسن بن محمد الخلال، وعدّهنّ في يدي، قال: حدثنا أبو القاسم علي بن الحسين ابن (العوزفي) الكوفي، وأنا سألته عنه، فحدثنا لفظاً، وعدّهنّ في يدي، قال الخلال:وحدثنا العوزفي أيضاً قال: وحدثنا أبو الهيثم أحمد بن محمد بن عون الكندري، وعدّهنّ في يدي، أخبرنا علي بن أحمد، والحسين العجلي، وعدّهنّ في يدي، حدثنا حرب بن الحسين الطحاوي، وعدّهنّ في يدي، حدثني عمرو بن خالد، وعدّهنّ في يدي، حدثنا زيد ابن علي، وعدّهنّ في يدي، حدثنا الحسين بن علي، وعدّهنّ في يدي، حدثنا علي بن أبي طالب، وعدّهنّ في يدي، حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعدّهنّ في يدي، قال: عدّهنّ في يدي جبريل عليه السلام، قال جبريل: هكذا نزلت من عند رب العزة: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم، إنك حميد مجيد.

    اللهم وترحم على محمد وعلى آل محمد كما ترحمت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم إنك حميد مجيد.
    اللهم وتحنن على محمد وعلى آل محمد كما تحننت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم إنك حميد مجيد).
    (اللهم وسلم على محمد وعلى آل محمد كما سلمت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم، إنك حميد مجيد).
    وروينا في كتاب الشفا: عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا أهل البيت فليقل: اللهم صل على محمد (النبي)، وأزواجه أمهات المؤمنين، وذريته، وأهل بيته، كما صليت على ابراهيم، إنك حميد مجيد.
    وفي رواية زيد بن خارجة الأنصاري: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: كيف نصلي عليك؟.
    فقال: صلوا واجتهدوا في الدعاء، ثم قولوا: اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على ابراهيم إنك حميد مجيد.
    وعن سلامة الكندي: كان علي رضي الله عنه يعلمنا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم داحي المدحوات، وباريء المسموكات، وجبار القلوب على فطرتها، شقيها وسعيدها، اجعل شرائف صلواتك، ونوامي بركاتك، ورأفة تحننك على محمد عبدك ورسولك، الفاتح لما أغلق، والخاتم لما سبق، والمعلن الحق بالحق، والدامغ لجيشات الأباطيل، كما حمل فاضطلع بأمرك لطاعتك، مستوفزاً في مرضاتك، بغير نكل في قدم، ولا وهن في عزم، واعياً لوحيك، حافظاً لعهدك، ماضياً على نفاذ أمرك، حتى أورى قبساً لقابس، آلاء الله تصل بأهله أسبابه، به هديت القلوب بعد خوضات الفتن والإثم، وأنهج موضحات الأعلام، ونائرات الأحكام، ومنيرات الإسلام، فهو أمينك المأمون، وخازن علمك المخزون، وشهيدك يوم الدين، وبعيثك نعمة، ورسولك بالحق رحمة.

    اللهم افسح له في عدنك، واجزه مضاعفات الخير من فضلك، مهنّئات له غير مكدرات، من فوز ثوابك المحلول، وجزيل عطائك المعلول.

    اللهم أعل على بناء الناس بناءه، وأكرم مثواه لديك ونزله، وأتم له نوره، واجزه من ابتعاثك له مقبول الشهادة، ومرضي المقالة، ذا منطق عدل، وخطة فصل، وبرهان عظيم.
    وعنه أيضاً: في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:
    {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما}.
    لبيك اللهم ربي وسعديك، صلوات الله البر الرحيم، والملائكة المقربين، والنبيين والصديقين، والشهداء والصالحين، وما سبح لك من شيء يا رب العالمين، على محمد بن عبد الله، خاتم النبيين، وسيد المرسلين، وإمام المتقين، ورسول رب العالمين، الشاهد البشير الداعي إليك بإذنك السراج المنير، وعليه السلام .
    وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: اللهم اجعل صلواتك، وبركاتك، ورحمتك على سيد المرسلين، وإمام المتقين، وخاتم النبيين، محمد عبدك ورسولك، إمام الخير، ورسول الرحمة.
    اللهم ابعثه مقاماً محموداً يغبطه فيه الأولون والآخرون.
    اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على ابراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم إنك حميد مجيد.
    وكان الحسن البصري يقول: من أراد أن يشرب بالكأس الأوفى من حوض المصطفى صلى الله عليه وسلم فليقل: اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه، وأولاده، وأزواجه، وذريته، وأهل بيته، وأصهاره، وأنصاره، وأشياعه، ومحبيه، وأمته، وعلينا معهم أجمعين، يا أرحم الراحمين.
    وعن طاووس، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقول: اللهم تقبل شفاعة محمد الكبرى، وارفع درجته العليا، وآته سؤله في الآخرة والأولى، كما آتيت ابراهيم وموسى.
    وعن وهيب بن الورد أنه كان يقول في دعائه: اللهم أعط محمداً أفضل ما سألك لنفسه، وأعط محمداً أفضل ما سألك له أحد من خلقك، وأعط محمداً أفضل ما أنت مسئول له إلى يوم القيامة.

    وعن ابن مسعود رضي الله عنه، أنه كان يقول: إذا صليتم على النبي صلى الله عليه وسلم؛ فأحسنوا الصلاة عليه، فإنكم لا تدرون لعل ذلك يعرض عليه، وقولوا: اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين، وإمام المتقين، وخاتم النبيين محمد عبدك ورسولك إمام الخير وقائد الخير، ورسول الرحمة.

    اللهم ابعثه مقاماً محموداً يغبطه فيه الأولون والآخرون، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على ابراهيم إنك حميد مجيد.
    اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على ابراهيم إنك حميد مجيد.
    قال صاحب علم الأعلام: وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه إذا فرغ من صلاته حمد الله، وأثنى عليه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يقول:
    اللهم إني أسألك بأفضل مسألتك، وبأحب أسمائك إليك، وأكرمها عليك، وبما مننت به علينا بمحمد نبينا صلى الله عليه وسلم، واستنقذتنا به من الضلالة، وأمرتنا بالصلاة عليه، وجعلت صلاتنا عليه درجة وكفارة، ومنّاً من عطائك، فأدعوك تعظيماً لأمرك، واتباعاً لوصيتك، وتنجيزاً لموعودك، بما يجب لنبينا صلى الله عليه وسلم علينا في أداء حقه قبلنا، وأمرت العباد بالصلاة عليه فريضة افترضتها، فنسألك بجلال وجهك، ونور عظمتك، أن تصلي أنت وملائكتك على محمد عبدك ورسولك، ونبيك، وصفيك، أفضل ما صليت به على أحد من خلقك، إنك حميد مجيد.
    اللهم ارفع درجته، وأكرم مقامه، وثقل ميزانه، وأجزل ثوابه، وأفلج حجته، وأظهر ملته، وأضيء نوره، وأدم كرامته، وألحق به من ذريته وأهل بيته ما تقر به عينه، وعظمه في النبيين الذين خلوا قبله.

    اللهم اجعل سيدنا محمداً أكثر النبيين تبعاً، وأكثرهم أزراء، وأفضلهم كرامة ونوراً، وأعلاهم درجة، وأفسحهم في الجنة منزلا، وأفضلهم ثوابا، وأقربهم مجلساً، وأثبتهم مقاماً، وأصوبهم كلاما، وأنجحهم مسألة، وأفضلهم لديك نصيباً، وأعظمهم فيما عندك رغبة، وأنزله الفردوس من الدرجات العلا.
    اللهم اجعل محمداً أصدق قائل، وأنجح سائل، وأول شافع، وأفضل مشفع، وشفعه في أمته شفاعة يغبطه فيها الأولون والآخرون، وإذا ميزت بين عبادك بفصل القضاء اجعل سيدنا محمداً في الأصدقين قيلا، والأحسنين عملا، وفي المهديين سبيلا.
    اللهم اجعل نبينا لنا فرطا، وحوضه لنا موردا.
    اللهم احشرنا في زمرته، واستعملنا بسنته، وتوفنا على ملته، واجعلنا في زمرته وحزبه.
    اللهم اجمع بيننا وبينه كما آمنا به ولم نره، ولا تفرق بيننا وبينه حتى تدخلنا مدخله، وتجعلنا من رفقائه، مع المنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.
    اللهم صل على سيدنا محمد نور الهدى، والقائد إلى الخير، والداعي إلى الرشد، نبي الرحمة، وإمام المتقين، ورسول رب العالمين، كما بلغ رسالتك، وتلا آياتك، ونصح لعبادك، وأقام حدودك، ووفى بعهدك، وأنفذ حكمك، وأمر بطاعتك، ونهى عن معصيتك، ووالى وليك الذي تحب أن تواليه، وعادى عدوك الذي تحب أن تعاديه، وصلى الله على محمد.

    اللهم صل على جسده في الأجساد، وعلى روحه في الأرواح، وعلى موقفه في المواقف، وعلى مشهده في المشاهد، وعلى ذكره إذا ذكر، صلاة منا على نبينا.
    اللهم أبلغه منا السلام، كما ذكر السلام، والسلام على النبي ورحمة الله وبركاته.
    اللهم صل على ملائكتك المقربين، وعلى أنبيائك المطهرين، وعلى رسلك المرسلين، وعلى حملة عرشك أجمعين، وعلى جبريل وميكائيل، وملك الموت، ورضوان، ومالك، وصلِّ اللهم على الكرام الكاتبين، وعلى أهل طاعتك أجمعين، من أهل السماوات وأهل الأرضين.

    اللهم آت أهل بيت نبيك صلى الله عليه وسلم أفضل ما آتيت بيوتات المرسلين، واجز أصحاب نبيك صلى الله عليه وسلم أفضل ما جزيت أحداً من أصحاب المرسلين.
    اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم.
    وعن زين العابدين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم: أنه صلى في الملتزم بين الحجر، ثم دعا، ثم قال:
    اللهم صل على آدم بديع فطرتك، وبكر حجتك، ولسان قدرتك، الخليفة في بسيطتك، والمستعيذ بذمتك من متين عقوبتك، وساحب شعر رأسه تذللاً في حرمك لغوثك، والمنشأ من التراب فنطق إعراباً بوحدانيتك، وأول مجتبى للتوبة برحمتك، صلِّ على نبيك الخالص من صفوتك، العابد المأمون على مكنون سريرتك، بما أوليته من نعمتك ومعونتك، وعلى من بينهما من النبيين والصديقين المكرمين.
    وأسألك اللهم حاجتي التي بيني وبينك، لا يعلمها أحد دونك.
    وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً.
    وفيما يؤثر عن الصادق، عن الباقر قال: كان زين العابدين علي بن الحسين إذا أراد أن يصلي على جده صلى الله عليه وسلم يقول والناس يسمعونه:
    اللهم صل على محمد في الأولين والآخرين، وصل على محمد إلى يوم الدين، اللهم صل على محمد شاباً فتيا، وصل على محمد كهلاً مرضيا، وصل على محمد رسولاً نبيا.
    اللهم صل على محمد حتى ترضى، وصل على محمد بعد الرضا، وصل على محمد أبداً أبدا.
    اللهم صل على محمد كما أمرتنا بالصلاة عليه، وصل على محمد كما تحب أن يصلى عليه، وصل على محمد كما أردت أن يصلى عليه.
    اللهم صل على محمد عدد خلقك، وصل على محمد رضا نفسك، وصل على محمد زنة عرشك، وصل على محمد مداد كلماتك التي لا تنفد.

    اللهم وأعط محمداً الوسيلة والفضل والفضيلة، والدرجة الرفيعة.

    اللهم عظِّم برهانه، وأفلج حجته، وأبلغه مأموله في أهل بيته، وأمته.
    اللهم اجعل صلواتك وبركاتك ورأفتك ورحمتك على سيدنا محمد حبيبك، وصفيك، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
    اللهم صل على سيدنا محمد بأفضل ما صليت على أحد من خلقك، وبارك على سيدنا محمد مثل ذلك، وارحم سيدنا محمداً مثل ذلك، وسلم على سيدنا محمد مثل ذلك.
    اللهم صل على سيدنا محمد في الليل إذا يغشى، وصل على سيدنا محمد في النهار إذا تجلى، وصل على سيدنا محمد في الآخرة والأولى.
    اللهم صل على سيدنا محمد الصلاة التامة، وبارك على سيدنا محمد البركة التامة، وسلم على سيدنا محمد السلام التام.
    اللهم صل على سيدنا محمد إمام الخير، وقائد الخير، ورسول الرحمة.
    اللهم صل على سيدنا محمد أبد الآبدين، ودهر الداهرين.
    اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي العربي القرشي الهاشمي، الأبطحي التهامي، المكي صاحب التاج والهراوة، والجهاد والمغنم، صاحب الخير والمنبر، صاحب السرايا والعطايا، والآيات المعجزات، والعلامات الباهرات، والمقام المحمود، والحوض المورود، والشفاعة والسجود للرب المعبود.
    اللهم صل على سيدنا محمد بعدد من صلى عليه، وبعدد من لم يصل عليه.
    قلت: وفي الشفا لابن سبع رحمه الله تعالى: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يُجلس بينه وبين أبي بكر أحداً، فجاء رجل يوماً فأجلسه عليه الصلاة والسلام بينهما؛ فتعجب الصحابة من ذلك. فلما خرج، قال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا يقول في صلاته علي:
    اللهم صلِّ على محمد كما أمرتنا أن نصلي عليه، اللهم صلِّ على سيدنا محمد كما هو أهله، اللهم صلِّ على سيدنا محمد كما تحب وترضى له.
    أو نحو هذا.
    وروينا في كتاب القربة لابن بشكوال بسنده إلى أبي بكر بن الكاتب الصوفي قال: سمعت أبا الحسن الكرخي صاحب معروف الكرخي يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويقول في صلاته:
    اللهم صل على سيدنا محمد ملء الدنيا وملء الآخرة.

    وقد تقدم في الباب الذي قبل هذا أن الشافعي رحمة الله عليه كان يقول في صلاته على النبي صلى الله عليه وسلم:
    اللهم صلِّ على سيدنا محمد عدد ما ذكره الذاكرون، وصلِّ على سيدنا محمد كلما غفل عن ذكره الغافلون.
    ولما قاربنا المدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام ألهمت إلى هذه الصلاة التي أذكرها وهي في خصائصه صلى الله عليه وسلم أو جلها، وهي:

    اللهم صلِّ على سيدنا محمد الذي أشرقت بنوره الظلم. اللهم صلِّ على سيدنا محمد المبعوث رحمة لكل الأمم. اللهم صلِّ على سيدنا محمد المختار للسيادة والرسالة قبل خلق اللوح والقلم. اللهم صلِّ على سيدنا محمد الموصوف بأفضل الأخلاق والشيم. اللهم صلِّ على سيدنا محمد المخصوص بجوامع الكلم وخواص الحكم. اللهم صلِّ على سيدنا محمد الذي كان لا تنتهك في مجالسه الحرم، ولا يعفى عمن ظلم.
    اللهم صلِّ على سيدنا محمد الذي كان إذا مشى تظلله الغمامة حيث ما تيمم. اللهم صلِّ على سيدنا محمد الذي انشق له القمر وكلمه الحجر وأقر برسالته وصمم. اللهم صلِّ على سيدنا محمد الذي أثنى عليه رب العزة نصاً في سالف القدم. اللهم صلِّ على سيدنا محمد الذي يصلي عليه ربنا في محكم كتابه وأمر أن يُصَلَّى عليه ويُسَلَّم.
    صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وأزواجه، ما انهَلَّتِ الدِّيَم، وما جرَّت على المذنبين أذيال الكرم، وسلم تسليماً، وشرّف، وكرّم.
    وكتبها جماعة، وحفظوها، ثم أخبرت بعد ذلك: أن بعض طلبة العلم المباركين من أصحابنا المالكية، رأى في المنام أنه يصلي بها على منبر النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، والحمد لله.
    وأخبرني الشيخ الصالح موسى الضرير رحمه الله تعالى: أنه ركب في البحر؛ قال: وقامت علينا ريح تسمى: الأقلابية قلَّ من ينجو منها من الغرق، وضج الناس خوفاً من الغرق، قال: فغلبتني عيناي، فنمت، فرأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول: قل لأهل المركب يقولون ألف مرة:

    اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا صلاة تنجينا بها من جميع الأهوال والآفات، وتقضي لنا بها جميع الحاجات، وتطهرنا بها من جميع السيئات، وترفعنا بها عندك أعلى الدرجات، وتبلغنا بها أقصى الغايات من جميع الخيرات في الحياة وبعد الممات.
    قال: فاستيقظت، وأعلمت أهل المركب بالرؤيا، فصلينا بها نحو ثلاثمائة مرة؛ ففرج عنا، هذا أو قريب منه، صلى الله عليه وسلم.
    فصل
    وأما السلام، فكما علَّمه صلى الله عليه وآله وسلم في التشهد: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
    قال القاضي أبو الفضل:(و)في تشهد علي رضي الله عنه:
    السلام على نبي الله، السلام على أنبياء الله ورسله، السلام على رسول الله، السلام على محمد بن عبد الله، السلام علينا وعلى المؤمنين والمؤمنات، من غاب منهم، ومن شهد.

    اللهم اغفر لمحمد وتقبل شفاعته، واغفر لأهل بيته، واغفر لي ولوالدي وما ولدا، وارحمهما.
    السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.
    قال القاضي: جاء في هذا الحديث عن علي: الدعاء للنبي صلى الله عليه وسلم بالغفران.
    قلت: وفيه الدعاء أيضاً لوالدي علي بالمغفرة والرحمة؛ أما أمه فاطمة بنت أسد، فأسلمت في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلى عليها، ونزل في قبرها رضي الله عنها.
    وأما أبو طالب فلا إشكال في كفره، فتأمله.

    الباب الرابع في المواطن التي تستحب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيها ويعظم الأجر عليها
    اعلم أن المواطن التي تستحب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيها قسمان ؛ زمانية ومكانية: أما الزمانية:
    فمنها: ليلة الجمعة ويوم الجمعة:

    روينا في كتاب القربة لابن بشكوال، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان يوم الخميس بعث الله ملائكة معهم صحف من فضة، وأقلام من ذهب يكتبون يوم الخميس وليلة الجمعة أكثر الناس صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم).
    وفيه: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصلاة علي نور على الصراط؛ فمن صلى علي يوم الجمعة ثمانين مرة غفرت له ذنوب ثمانين سنة).
    وفيه أيضاً: عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جده، عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أكثروا الصلاة علي في الليلة الزهراء واليوم الأزهر، فإن صلاتكم تعرض علي فأدعو لكم وأستغفر). الليلة الزهراء ليلة الجمعة، واليوم الأزهر يوم الجمعة.
    وفيه أيضاً قال: كتب عمر بن عبد العزيز: انشروا العلم فإن (غائلة) العلم النسيان، وأكثروا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (يوم الجمعة).
    وفيه أيضاً: قال لنا ابن وضاح: بلغني أن من قال عشية يوم الخميس بعد العصر: اللهم رب الشهر الحرام، والمشعر الحرام، والركن والمقام، ورب الحل والحرم، أقريء سيدنا محمداً منا السلام إلا بعث الله ملكاً يبلغه عنه يقول: إن فلان بن فلان يبلغك السلام.
    قال: وروينا عن سهل بن عبد الله أنه قال: من قال يوم الجمعة بعد العصراللهم صل على محمد النبي الأمي وعلى آله وسلم ؛ ثمانين مرة، غفرت له ذنوب ثمانين سنة.

    وعن أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أكثركم علي صلاة في الدنيا، من صلى علي في يوم الجمعة وليلة الجمعة (مائة مرة) قضى الله له مائة حاجة؛ سبعين من حوائج الآخرة، وثلاثين من حوائج الدنيا، ثم يوكل الله بذلك ملكاً يدخله في قبري كما تدخل عليكم الهدايا، يخبرني من صلى علي باسمه ونسبه إلى عشيرته، فأثبته عندي في صحيفة بيضاء).
    وروينا في كتاب: الشفا للقاضي أبي الفضل رحمه الله تعالى: عن أوس الثقفي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي، قالوا: يا رسول الله، وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ أي: بليت فقال: إن الله عز وجل حرّم على الأرض تأكل أجساد الأنبياء).

    وقال بعضهم: (أن تأكل أجساد الأنبياء).
    رواه أبو داود وابن ماجة، وقد تقدم أن العلماء والشهداء كذلك، وقد صح وقد كشف عن غير واحد من العلماء والشهداء فوجدوا لم تتغير أجسادهم؛ حتى الحناء وجدت في بعضهم لم تتغير عن حالها.
    ومنها: عند سماع الأذان: كما تقدم؛ فيقال:
    اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت سيدنا محمداً الوسيلة والفضيلة والدرجة العالية الرفيعة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد.
    ومنها: تشهد الصلاة بعد التشهد الأخير وقبل السلام: كما تقدم.

    وروى فضالة بن عبيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو في صلاة لم يحمد الله، ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجل هذا، ثم دعاه، فقال له: أو لغيره: إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد ربه والثناء عليه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو بعد بما شاء.
    ويروى: بحمد الله وهو واضح.
    وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: الصلاة والدعاء معلق بين السماء والأرض، لا يصعد منه إلى الله تعالى شيء حتى يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم.
    وعن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه، قال: وعلى آل محمد .
    وعن ابن مسعود رضي الله عنه: إذا أراد أحدكم أن يسأل الله تعالى شيئاً فليبدأ بمدحه والثناء عليه بما هو أهله، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يسأل، فإنه أجدر أن ينجح.
    وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تجعلوني كقدح الراكب، إن الراكب يملأ قدحه، فإذا فرغ وعلّق معاليقه، فإن كان فيه ماء شرب حاجته، أو الوضوء توضأ، وإلا أهراق القدح، فاجعلوني في أول الدعاء، وفي أوسطه، ولا تجعلوني في آخره).
    وقال ابن عطاء اللهرضي الله عنه: للدعاء أركان، وأجنحة، وأسباب، وأوقات؛ فإن وافق أركانه قوي، وإن وافق (أجنحته طار في السماء، وإن وافق مواقيته فاز، وإن وافق) أسبابه أنجح.
    فأركانه: حضور القلب، والرقة، والاستكانة، والخشوع، وتعلق القلب بالله تعالى، وقطعه من الأسباب.
    وأجنحته: الصدق.
    ومواقيته: الأسحار.
    وأسبابه: الصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
    (وفي الحديث: (الدعاء بين الصلاتين علي لا يرد).

    وفي حديث آخر: (كل دعاء محجوب دون السماء؛ فإذا جاءت الصلاة علي صعد الدعاء).

    وفي حديث ابن عباس الذي رواه حنش: فقال في آخره: واستجب دعائي، ثم تبدأ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم،(فتقول: اللهم إني أسألك) أن تصلي على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك أفضل ما صليت على أحد من خلقك أجمعين، (آمين).
    ومنها: عند ذكره وسماع اسمه، أوكتابته، (أو عند الأذان):
    لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي).
    وكره ابن حبيب ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند الذبح.
    وكره سحنون الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند التعجب؛ وقال: لا يصلى عليه إلا على طريق الاحتساب وطلب الثواب.
    وقال أصبغ عن ابن القاسم: موطنان لا يذكر فيهما إلا الله: الذبيحة، والعطاس؛ فلا تقل فيها بعد ذكر الله: محمد رسول الله.
    ولو قال عبد بعد ذكر الله: وصلى الله على محمد، لم يكن تسمية له مع الله.
    وقاله أشهب ؛ وقال: لا ينبغي أن تجعل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه استناناً.
    أطياف
    أطياف
    المشرفه المميزه
    المشرفه المميزه


    الجنس : انثى
    الابراج : السمك
    عدد المساهمات : 435
    نقاط : 14380
    السٌّمعَة : 251
    تاريخ التسجيل : 24/07/2011
    العمر : 34
    الموقع : الجزائر

    الفجر المنير فى الصلاة على البشير النذير Empty رد: الفجر المنير فى الصلاة على البشير النذير

    مُساهمة من طرف أطياف الجمعة 4 مايو 2012 - 13:35


    فصل
    وأما المكان:
    فعند دخول المسجد: قال أبو اسحق بن شعبان: وينبغي لمن دخل المسجد أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى آله، ويترحم عليه، وعلى آله، ويبارك عليه وعلى آله، ويسلم تسليماً؛ ويقول: اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك.
    وإذا خرج فعل مثل ذلك، وجعل موضع رحمتك: فضلك.
    تنبيه
    جاء قوله عند الخروج من المسجد: وافتح لي أبواب فضلك موافقاً لقوله تعالى: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله}.
    قال المفسرون: إنه للإباحة لطلب الرزق، وهو مثل قوله تعالى: {فإذا حللتم فاصطادوا}.
    وروي عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ذلك الفضل المبتغى طلب العلم.
    والذي يظهر لي أن في الآية حثاً على الصلاة، وترغيباً فيها، وأنه يكون بسببها تتيسر الأرزاق، وأن المعنى: وابتغوا من (فضل) الله تنالوه ميسراً بسبب الصلاة المتقدمة.
    قيل: وقد جاء أن البركة بين أقدام المصلي، والله سبحانه وتعالى أعلم.

    وقال عمرو بن دينار في قوله تعالى:{فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم}. قال: إن لم يكن فيها أحد فقل: السلام على النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، السلام على أهل البيت ورحمة الله وبركاته. (قال ابن عباس: المراد بالبيوت هنا المساجد).

    وقال النخعي: إذا لم يكن في المسجد أحد فقل: السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وإذا لم يكن في البيت أحد فقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
    وعن علقمة: إذا دخلتُ المسجد أقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، صلى الله وملائكته على محمد.
    ونحوه عن كعب: إذا دخل، وإذا خرج، ولم يذكر الصلاة.
    واحتج ابن شعبان لما ذكره بحديث فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله إذا دخل المسجد.
    وروينا في كتاب القربة عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن للمساجد أوتاداً جلساؤهم الملائكة إن غابوا فقدوهم، وإن مرضوا عادوهم، وإن رأوهم ترحبوا بهم، وإن طلبوا حاجة أعانوهم، فإذا جلسوا حفت بهم الملائكة من لدن أقدامهم إلى عنان السماء، بأيديهم قراطيس الفضة، وأقلام من الذهب يكتبون الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، يقولون: اذكروا رحمكم الله، زيدوا زادكم الله، فإذا استفتحوا الذكر، فتحت أبواب السماء، واستجيب لهم الدعاء، واطلع عليهم الحور العين، ما لم يخوضوا في حديث غيره أو يتفرقوا، فإذا تفرقوا قام الزوار يلتمسون حلق الذكر).
    ومن مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم التي مضى عليها عمل الأمة، ولم ينكروها، الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وآله، في الرسائل، وما يكتب عند البسملة:
    قال القاضي أبو الفضل: ولم يكن هذا في الصدر الأول؛ وأحدث عند ولاية بني هاشم، فمضى به عمل الناس في أقطار الأرض.
    ومنهم من يختم به أيضاً الكتب.

    وقد تقدم قوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: (من صلى علي في كتاب لم تزل الملائكة تستغفر له ما دام اسمي في ذلك الكتاب).
    فصل
    ومن مواطن السلام على النبي صلى الله عليه وسلم: تشهد الصلاة:
    عن عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا صلى أحدكم فليقل: التحيات لله، والصلاة والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين؛ فإنكم إذا قلتموها أصابت كل عبد صالح في السماء والأرض).
    وقد روى مالك عن ابن عمر أنه كان يقول ذلك إذا فرغ من تشهده، وأراد أن يسلم.
    واستحب مالك في المبسوط أن يسلِّم بمثل ذلك قبل السلام.
    قال محمد بن مسلمة: أراد ما جاء عن عائشة وابن عمر رضي الله عنهما أنهما كانا يقولان عند سلامهما: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. السلام عليكم .

    واستحب أهل العلم أن ينوي (الإنسان) حين سلامه كلَّ عبد صالح في السماء والأرض من الملائكة وبني آدم والجن.
    قال مالك في المجموعة: وأحب للمأموم إذا سلَّم إمامه أن يقول: السلام على النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. السلام عليكم.

    الباب الخامس في ذم من لم يصل عليه، وتفويق سهام اللائمة إليه
    روينا في كتاب القربة لابن بشكوال قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: ((البخيل كل البخيل الذي ذكرت عنده فلم يصل علي)).
    قلت: وهذا أقبح بخل، وأسوأ شح، لم يبق بعده بخل إلا بكلمة الشهادة، أعاذنا الله من ذلك.
    وهذا يقوي قول من قال بوجوب الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم كلما ذكر كما تقدم، وهو الذي أميل إليه.
    وفيه أيضاً: عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: (من ذكرت عنده فلم يصل علي خطيء طريق
    الجنة).

    وروينا في كتاب الشفا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي، ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة).
    قلت: و رغم روايتان فيه؛ بالكسر. وذكر الجوهري فيه الفتح والكسر. يقال: رغَم أنف فلان بالفتح إذا لم يقدر على الانتصاف، ويقال: رغِم أنفي لله عز وجل: بالكسر والفتح، رُغْماً (ورَغْماً)و رِغْماَ، والمُرَاغَم: المذهب والمهرب.
    وفي حديث آخر؛ أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صعد المنبر فقال: آمين. ثم صعد فقال: آمين. (ثم صعد فقال: آمين.)؛ فسأله معاذ عن ذلك؟، فقال: إن جبريل أتاني فقال: يا محمد من سُمِّيت بين يديه فلم يصلِّ عليك فمات فدخل النار، فأبعده الله؛ قل: آمين؛ فقلت: آمين.
    وقال فيمن أدرك رمضان فلم يقبل منه فمات مثل ذلك.
    ومن أدرك أبويه أو أحدهما فلم يبرهما فمات مثله).
    وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وآله وسلم: (أيما قوم جلسوا مجلساً ثم تفرقوا قبل أن يذكروا الله، ويصلوا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانت عليهم من الله ترة، إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم).
    وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من نسي الصلاة علي نُسِّيَ طريق الجنة).
    وعن قتادة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من الجفاء أن أذكر عند الرجل فلا يصلي علي).
    وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما جلس قوم مجلساً ثم تفرقوا على غير صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إلا تفرقوا على أنتن من ريح الجيفة).

    وعن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يجلس قوم مجلساً لا يصلون فيه على النبي صلى الله عليه وسلم إلا كانت عليهم حسرة وإن دخلوا الجنة لما يرون من الثواب).

    وحكى أبو عيسى الترمذي: عن بعض أهل العلم؛ قال: إذا صلى الرجل على النبي صلى الله عليه وسلم مرة في المجلس أجزأ عنه ما كان في ذلك المجلس.
    صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيرا.

    الباب السادس في زيارة قبره عليه الصلاة والسلام وما جاء في ذلك من الآداب المرتب عليها كثرة الأجر
    اعلم أن زيارة نبينا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إن لم تكن من الواجبات؛ فهي عند الله تعالى من أَجَلِّ القربات، وأعلى الطاعات، والسبيل إلى أعلى الدرجات في أعلى الجنان، ومن اعتقد غير هذا فقد انخلع من ربقة الإسلام، وخالف الله تعالى ورسوله(عليه أفضل الصلاة والسلام)، وجماعة العلماء الأعلام، ومحكوم عليه بحكم الجهلة الطغام، لتنقيصه سيدَ الأنام، ومصباحَ الظلام، والشفيعَ المشفَّعَ في ذلك المقام صلى الله عليه وعلى آله الأتقياء الكرام.
    وإنما كره مالك رحمه الله تعالى أن يقال: زرنا قبر النبي صلى الله عليه وسلم لإضافة الزيارة إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم على الأصح من التأويلات، وأنه لو قال: زرنا النبي صلى الله عليه وسلم لم يكرهه، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد بعدي، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد).
    فحمى إضافة هذا اللفظ إلى القبر، والتشبه بفعل أولئك؛ قطعاً للذريعة وحسماً للباب، والله أعلم.
    قال اسحق بن إبراهيم الفقيه: ومما لم يزل من شأن من حج المرور بالمدينة، والقصد إلى الصلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتبرك برؤية روضته، ومنبره، وقبره، ومجلسه، وملامس يده، ومواطيء قدميه، والعمود الذي كان يستند إليه، وينزل جبريل بالوحي فيه عليه، وبمن عمره وقصده من الصحابة وأئمة المسلمين، والاعتبار بذلك كله.

    وقال ابن أبي فُدَيك: سمعت بعض من أدركت يقول: بلغنا أنه من وقف عند قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فتلا هذه الآية: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} ثم قال: صلى الله عليك يا محمد من يقولها سبعين مرة؛ ناداه ملك: صلى الله عليك يا فلان؛ ولم تسقط له حاجة.
    وروينا في كتاب الشفا قال القاضي عياض أبو الفضل رحمه الله تعالى: وزيارة قبره صلى الله عليه وآله وسلم سنَّة من سنن المسلمين مجمع عليها، وفضيلة مرغَّب فيها:
    روي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من زار قبري وجبت له شفاعتي).
    وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من زارني في المدينة محتسباً كان في جواري، وكنت له شفيعاً يوم القيامة).

    وفي حديث آخر: (من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي).
    وعن يزيد بن أبي سعيد المهري: قدمت على عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، فلما ودّعته قال لي: إليك حاجة ؛ إذا أتيت المدينة سترى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأقره مني السلام.
    وقال غيره: وكان يبرد إليه البريد من الشام.
    وعن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من زارني كنت له شفيعاً أو شهيداً، ومن مات في أحد الحرمين بعثه الله يوم القيامة من الآمنين).
    وعن حاطب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي، ومن مات في أحد الحرمين بعثه الله يوم القيامة من الآمنين).
    وعن سالم عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من جاءني زائراً لم تنزعه حاجة إلا زيارتي كان حقاً علي أن أكون له شفيعاً يوم القيامة).
    وفي إحدى روايات الدارقطني: (من حج فزار قبري بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي، ومن مات بأحد الحرمين بعث من الآمنين يوم القيامة).

    وفي حديث علي رضي الله عنه: (من لم يزر قبري فقد جفاني).
    وفي حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من زارني ميتاً فكأنما زارني حياً، ومن زار قبري وجبت له شفاعتي يوم القيامة، ومن مات من أمتي له سعة ثم لم يزرني فليس له عذر).
    وعن كعب الأحبار رضي الله عنه قال: ما من فجر يطلع إلا نزل سبعون ألفاً من الملائكة حتى يَحُفُّوا بالقبر يضربون بأجنحتهم، ويُصَلُّون على النبي صلى الله عليه وسلم، حتى إذا أمسوا عرجوا، وهبط مثلهم، فصنعوا مثل ذلك، حتى إذا انشقت الأرض يخرج في سبعين ألفاً من الملائكة يوقرونه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
    فصل
    ينبغي لمن قصد زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يجتهد أولاً في إخلاص النية، وتصحيح العقيدة في ذلك لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنما الأعمال بالنية وإنما لكل امرىء ما نوى).
    وليحرص على تحصيل رفيق موافق، رَفِقٍ، مرغِّبٍ في الخير، كاره للشر، إن نسي ذكّره، وإن ذكر أعانه، جعلنا الله كذلك.
    ثم ينوي زيارته صلى الله عليه وآله وسلم، فإن من حج ولم يزره فقد جفاه، ولم يحسن فيما أتاه، لما تقدم من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (من حج ولم
    يزرني فقد جفاني).
    قال صاحب إتحاف الزائر : ويضيف إلى نيته القرب إلى الله عز وجل بالمسافرة إلى مسجده صلى الله عليه وآله وسلم بشد الرحال إليه، والصلاة فيه، لئلا يفوته ما دل عليه الحديث: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاث مساجد المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى).

    والحديث الآخر: (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد).
    قال لنا شيخنا أبو عمرو رحمه الله تعالى: ولا يلزم من هذا خلل في زيارته على ما لا يخفى، والله أعلم.

    ومعنى لا تشد الرحال أنه إذا نذر الصلاة في بقعة غير هذه المساجد الثلاثة لا يلزمه أي: لا ينعقد نذره فيجب عليه أن يشد إليه الرحال، ويقطع إلى قصدها المسافة بالرحال.
    وقد تشد الرحال إلى المسجد الحرام فرضاً للحج والعمرة.وكانت تشد إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم للهجرة.
    وكانت واجبة على الكفاية في قول أهل العلم.
    فأما إلى البيت المقدس فإنها فضيلة واستحباب، والحديث يتأوّل على أنه: لا يعتكف إلا في هذه المساجد الثلاثة، فيرحل إليها إذا نذر الاعتكاف فيها، وهو قول بعض السلف، ولو عين الاعتكاف في غير هذه المساجد الثلاثة، هل يتعين أم لا؟. فيه خلاف، والله أعلم، انتهى كلامه.
    وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه منالمساجد إلا المسجد الحرام، ومنبري على ترعة من ترع الجنة).
    وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن منبري على حوضي وإن ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة).
    خرجه مسلم في صحيحه من طرق.
    والاختلاف في تفضيل مكة على المدينة أو العكس مشهور، وليس هو هنا من غرضنا، قالوا: ولا خلاف أن البقعة التي ضمت أعضاء النبي صلى الله عليه وسلم أفضل البقاع على الإطلاق، حتى موضع الكعبة المعظمة.
    وأقول أنا: وأفضل من بقاع السماوات أيضاً، ولم أر من تعرّض لذلك، والذي أعتقده أن ذلك لو عرض على علماء الأمة لم يختلفوا فيه، والله أعلم.
    وقد جاء أن السماوات تشرف بمواطيء قدميه صلى الله عليه وسلم.
    شعر:
    تريد أم الدنيا وما في طواياها
    ولو قيل للمجنون ليلى ووصلها
    أحب إلى نفسي وأشفى لبلواها
    لقال: غبار من تراب نعالها
    بل لو قال قائل: إن جميع بقاع الأرض أفضل من بقاع السماء لشرفها بكون النبي صلى الله عليه وسلم حالاّ فيها، لم يبعد، بل هو عندي الظاهر المعين، والله أعلم.
    فصل

    وينبغي لمن قصد الزيارة أن يكثر من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم عند توجهه، وإذا وقع بصره على معالم المدينة وأشجارها فليزد من الصلاة عليه والتسليم صلى الله عليه وسلم، وليسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعه بزيارته، ويسعده بها في الدنيا والآخرة.

    واستحب بعضهم أن يقول: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وارزقني في زيارة نبيك ما رزقت أولياءك وأهل طاعتك، واغفر لي، وارحمني، يا خير مسؤول وأكرم مأمول.
    فصل
    قال بعض أهل العلم: يستحب الاغتسال لدخول المدينة، ولبس النظيف من الثياب، ثم إذا دخلها ينبغي أن يستحضر في قلبه شرف المدينة وفضلها، وأنها أشرف أمكنة الدنيا عند بعض العلماء بعد مكة، وعند بعضهم على الإطلاق.
    قلت: وهو مذهب مالك رحمه الله تعالى، ومن تابعه، وأن الذي شرفت به المدينة هو خير البشر، وأفضل الخلائق أجمعين.
    فليكن أول ما يقدم وإلى أن يرحل عنها مستشعراً لتعظيمه عليه الصلاة والسلام، ممتليء القلب من هيبته، كأنه يشاهده ويراه، محضراً في قلبه رأفته بأمته، وشفقته على من آمن منهم، واهتمامه لما يصلحهم في الدارين، حتى تكون زيارته زيارة المحب المبجِّل للحبيب المعظم صلى الله عليه وسلم، وشرّف وكرّم.
    فصل
    فإذا أراد دخول المسجد فليقل: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وسلم، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك، أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم .
    ثم يقصد الروضة المعظمة؛ فيصلي فيها ركعتين تحية المسجد، إلى جانب المنبر.
    وفي كتاب الإحياء: أن الواقف يجعل عمود المنبر حذو منكبيه، ويستقبل السارية التي إلى جانبها الصندوق، فذلك موقف رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، ثم يشكر الله تعالى على هذه النعمة، ويسأله إتمام ما قصد له.
    ثم يأتي الضريح المقدس؛ فيستدبر القبلة، ويستقبل جداره على نحو ثلاثة أذرع من السارية التي رأس القبر في زاوية جداره.

    وعن ابن أبي مليكة أنه كان يقول: من أحب أن يقوم وجاه النبي صلى الله عليه وسلم فليجعل القنديل الذي في القبلة عند القبر على رأسه، واستدبار القبلة ههنا هو المستحب، كما في نظائر له كاستدبارها في القيام لخطبة الجمعة وسائر الخطب المشروعة.
    ومناظرة الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه أبا جعفر المنصور مشهورة، وقول المنصور: يا أبا عبد الله أأستقبل القبلة وأدعو، أم أستقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟. فقال له مالك: ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام إلى يوم القيامة.
    قال صاحب إتحاف الزائر: وعن بعض مشايخ مكة وعلماء وقته بها: أن الزائر المسلِّم يأتي القبر من ناحية قبلته، ويقف محاذاة أربعة أذرع من رأس القبر، ويجعل القنديل على رأسه ناظراً إلى أسفل ما يستقبل من جدار القبر، غاضّ الطرف في مقام الهيبة والإجلال، ثم يسلِّم، ولا يرفع صوته، بل يقتصر فيقول:

    السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا نبي الله، السلام عليك يا خيرة الله من خلقه، السلام عليك يا حبيب الله، السلام عليك يا صفوة الله، السلام عليك يا سيد المرسلين، وخاتم النبيين، السلام عليك يا قائد الغر المحجلين، السلام عليك وعلى أهل بيتك الطاهرين، السلام عليك وعلى أزواجك الطاهرات أمهات المؤمنين، السلام عليك وعلى أصحابك أجمعين، السلام عليك وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وسائر عباد الله الصالحين، جزاك الله عنا يا رسول الله أفضل ما جزى نبياً ورسولاً عن أمته، وصلى الله عليك كلما ذكرك الذاكرون، وغفل عن ذكرك الغافلون، وصلى الله عليك في الأولين والآخرين، أفضل وأكمل وأطيب ما صلى على أحد من الخلق أجمعين، وأنقذنا بك من الضلالة، وبصرنا بك من العماية والجهالة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وأمينه، وخيرته من خلقه، وأشهد أنك بلّغت الرسالة، وأدّيت الأمانة، ونصحت الأمة، وجاهدت في سبيل الله حق جهاده، اللهم آته نهاية ما ينبغي أن يسأل السائلون، وخصه بالمقام المحمود، والوسيلة، والفضيلة، والدرجة الرفيعة، وبغاية ما ينبغي أن يؤتاه الآملون، آمين، آمين، آمين.
    ومن ضاق وقته عن قول ذلك، أو لم يحفظه، فليقل ما تيسر منه.
    قلت: والذي كان عليه السلف الأول الاختصار والإيجاز في هذا جداً، كابن عمر وغيره.
    وعن مالك إمام دار الهجرة وناهيك به خبرة بهذا الشان أنه قال في رواية ابن وهب عنه يقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.
    وعن ابن عمر أنه كان إذا قدم من سفر، دخل المسجد، ثم (أتى) القبر فقال: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبتاه.
    ويستحب أن يقرأ هذه الآية: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما}، ثم يقول: صلى الله عليك يا محمد سبعين مرة كما تقدم.

    ثم إن كان قد أوصاه أحد بإبلاغ صلاته للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فليقل: السلام عليك يا رسول الله من فلان بن فلان أو نحو هذا من القول.
    ثم يتأخر عن يمينه قدر ذراع للسلام على أبي بكر رضي الله عنه لأن رأسه تحت منكب النبي صلى الله عليه وسلم، ويقول:
    السلام عليك يا أبا بكر صفي رسول الله، وثانيه في الغار، جزاك الله عن أمة رسوله خيراً، ولقّاك في الآخرة منّاً وبِرّا.
    ثم يتأخر عن صوب يمينه قدر ذراع للسلام على عمر رضي الله عنه، فإن رأسه حذو منكب أبي بكر رضي الله عنهما وعن الصحابة أجمعين؛ فيقول:

    السلام عليك يا عمر الذي أعز الله بك الإسلام، جزاك الله عن أمة نبيه خيراً (ورضي عنك وأرضاك).
    ثم يرجع إلى موقفه الأول قبالة وجه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويتوسل به إلى الله تعالى في حوائجه، ويستشفع به إليه، ويجدد التوبة، ويسأل الله تعالى أن يجعلها توبة نصوحاً، ويكثر الاستغفار، ويديم التضرع والاستشفاع به إلى الله سبحانه وتعالى، ويدعو لوالديه، وإخوانه، وللمسلمين أجمعين.
    وقيل: من أحسن ما يقول؛ قول الأعرابي الذي حكاه جماعة عن العتبي واسمه محمد بن عبد الله قال: كنت جالساً عند قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فجاء أعرابي، فقال: السلام عليك يا رسول الله، سمعت الله تعالى يقول: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيما}. وقد جئت مستغفراً من ذنوبي، مستشفعاً بك إلى ربي، ثم أنشأ يقول:
    فطاب من طيبهن القاع والأكم
    يا خير من دفنت في الترب أعظمه
    فيه العفاف وفيه الجود والكرم
    نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه
    (قال: ثم استغفر وانصرف) فحملتني عيناي، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لي: يا عتبي إلحق الأعرابي، وبشره أن الله تعالى قد غفر له ذنوبه.

    ثم يتقدم إلى رأس القبر المقدّس، ويقف بينه بين الأسطوانة التي هناك، ويستقبل القبلة، ويحمد الله سبحانه وتعالى، ويمجده، وحسن أن يقول:
    الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافيء مزيده، سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، فلك الحمد حتى ترضى.
    وليكثر من الصلاة والتسليم على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإنه يسمعه، ويرد عليه، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى علي عند قبري سمعته، ومن صلى علي نائياً بُلِّغتُه).
    وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من صلى علي عند قبري وكل الله عز وجل بها ملكاً يبلغني، وكفي أمر دنياه وآخرته وكنت له شفيعاً وشهيداً يوم القيامة).
    وعن سليمان بن حكيم قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم؛ فقلت: يا رسول الله هؤلاء الذين يأتونك ويسلِّمون عليك، أتعلم سلامهم؟، قال: نعم، وأرد عليهم.
    أطياف
    أطياف
    المشرفه المميزه
    المشرفه المميزه


    الجنس : انثى
    الابراج : السمك
    عدد المساهمات : 435
    نقاط : 14380
    السٌّمعَة : 251
    تاريخ التسجيل : 24/07/2011
    العمر : 34
    الموقع : الجزائر

    الفجر المنير فى الصلاة على البشير النذير Empty رد: الفجر المنير فى الصلاة على البشير النذير

    مُساهمة من طرف أطياف الجمعة 4 مايو 2012 - 13:43


    فصل
    وليس من السنة أن يمس جدار القبر، ولا أن يقبلِّه، ولا أن يطوف به، كما يفعله جهلة الزوار، بل ذلك مكروه، وبدعة قبيحة شنيعة لا تجوز، والوقوف من البعد أليق بالاحترام.

    وينهى بعض أهل العلم عن إلصاق الظهر والبطن بجدار القبر مع مسحه باليد، وذكر أن ذلك من البدع، وكذلك الانحناء للقبر المقدس عند التسليم فإنه بدعة يظن من لا علم له أنه من شعائر التعظيم.
    قلت: ومما ابتدعه العوام أكل التمر بين القبر والمنبر؛ فقد نص العلماء على أنه بدعة شنيعة قبيحة، وذلك من وجوه:
    أحدها: الاشتغال بالأكل بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عليه والتسليم، وتضييع ذلك الزمان العزيز فيما لا ينفع، ولعله لا يدرك مثله في بقية عمره.
    الثاني: تزبيل المسجد النبوي وقد جاء: يؤذي المسجد ما يؤذي العين.

    الثالث: أن فيه ترك الأدب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والتشاغل بالنهمة عن تذكر النعمة، وإهمال شكرها في ذلك الوقت الشريف الذي هو أقصى غاية مراد كثير من الناس، إذ يوهم العوام أن ذلك سنة لمن زار النبي صلى لله عليه وسلم، ولقد رأيتهم ينكرون على من ينكر عليهم ذلك، ويعتقدون أنه الأولى والأحسن جهالة وعمى بصيرة، وكذلك بلغني أنهم يقطعون شعورهم ويرمونها في القنديل الذهب الذي في الحجرة المكرمة، وذلك من البدع التي لا أصل لها، رزقنا الله حسن الاتباع، وجنبنا الابتداع، بمنه وكرمه.
    فصل
    وفي كتاب أحمد بن سعيد الهندي فيمن وقف بالقبر: لا يلصق به ولا يمسه، ولا يقف عنده طويلاً.
    قلت: ولا ينبغي لأحد رفع صوته بمسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
    قال القاضي أبو الفضل: والعلماء كلهم متفقون على أن حكم سائر المساجد هذا الحكم.
    قال محمد بن مسلمة: ويكره في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الجهر على المصلين بما يخلط عليهم صلاتهم.
    قلت: حتى بالعلم كرهه مالك.
    مسألة: إذا دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقد تعارض هنا مندوبان؛
    أحدهما: مبادرة تحية المسجد.
    والثاني: السلام على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأيهما يبدأ به؟. وقد وسع له مالك أن يبدأ بالسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل الركوع.
    وقال في القبلية يبدأ بالصلاة قبل السلام. واستحبه ابن القاسم؛ فإن السلام على النبي صلى الله عليه وسلم لا يفوت بتحية المسجد؛ فإنه يصلي الركعتين ثم يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فغاية ما فاته المبادرة، وذلك خفيف، ولأن من جملة إكرام النبي صلى الله عليه وسلم كما في السلام عليه صلى الله عليه وسلم.

    قال مالك في كتاب محمد: ويسلم على النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل وخرج يعني في المدينة وفيما (بين ذلك).

    وقال (محمد): وإذا خرج (جعل) آخر عهده الوقوف بالقبر، وكذلك من خرج مسافراً.
    قلت: وليكن وقوفه بالقبر على غاية التواضع والخشوع، فيصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويثني عليه بما يحضره، فإنه عليه الصلاة والسلام يسمع أقواله، ويرى أفعاله، لا ينكر ذلك إلا جاهل بقدر النبي صلى الله عليه وسلم، ويقول إذا دخل مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم: بسم الله، والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، السلام علينا من ربنا، وصلى الله وملائكته على محمد، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك وجنتك، واحفظني من الشيطان الرجيم.
    ثم اقصد الروضة؛ وهي ما بين القبر والمنبر، وصل فيها ركعتين قبل وقوفك بالقبر، على ما تقدم بحمد الله تعالى وتسأله تمام ما خرجت إليه، والقوة عليه، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على ترعة من ترع الجنة).
    قيل: يحتمل أن يكون منبره المعهود.
    ويحتمل: أن ينصب له منبر على ترعة من ترع الجنة غير منبره المعهود.
    وقد قيل: أن قصد منبره، والحضور عنده لملازمة الأعمال الصالحة، يورد الحوض، ويوجب الشرب منه.
    قال (الداودي): وقوله عليه الصلاة والسلام: روضة من رياض الجنة يحتمل أن تكون البقعة نفسها، تنتقل فتصير من رياض الجنة.
    ويحتمل أن يكون المعنى: أن زيارتها والكون فيها، والصلاة فيها سبب لدخول الجنة، ويكون ذلك كقوله عليه الصلاة والسلام: الجنة تحت ظلال السيوف)، إن صح ذلك، والله أعلم.
    وإن كان في غير الروضة أجزأتك، ولكن في الروضة أفضل.
    ثم تقف بالقبر متوقراً متواضعاً، كما تقدم، وتسلم على أبي بكر، وعمر، وتدعو لهما، وأكثر من الصلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليل والنهار.
    فصل

    ولا تدع أن تأتي مسجد قباء، وقبور الشهداء، وتزور القبور الظاهرة في البقيع؛ كقبر إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم، وقبر عثمان بن مظعون. روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: دفن ابنه إبراهيم إلى جنب عثمان بن مظعون، وقبره حذو زاوية دار عقيل ابن أبي طالب من ناحية دار محمد بن زيد، وقبر عبد الرحمن بن عوف أيضاً،إلى جنب قبر عثمان بن مظعون، وكذلك تزور قبر الحسن بن علي، والعباس عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتنوي زيارة قبر فاطمة رضوان الله عليها، وتزور قبر صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو عند المسجد الذي بالبقيع، وقبر صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند نحو دار المغيرة بن شعبة.
    وتنوي زيارة قبور أزواج النبي صلى الله عليه وسلم؛ قيل: إن قبورهن عند خوخة بيته إلى الزقاق الذي إلى المعالي مستطيره.
    روى مالك بن أنس رضي الله عنه: أن زينب بنت جحش توفيت في زمن عمر؛ فدفنها بالبقيع، وضرب عليها فسطاطاً، ثلاثاً.
    وقبر الحسن بن علي، إلى جانب قبر أمه فاطمة رضوان الله عليهم أجمعين، قالوا: وهو مواجه للخوخة التي في دار (000) ابن وهب، وأن طريق الناس بين قبر فاطمة وبين خوخة بيته.
    فصل
    ولتعلم أن أكثر الصحابة رضي الله عنهم مدفونون بالبقيع؛ وكذلك أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، ما خلا خديجة رضوان الله عليها؛ فإنها بالحجون.
    وكذلك فيه أيضاً جماعة من سادات التابعين ومن بعدهم من العلماء والزهاد المشهورين، لا تعرف قبورهم؛ فينبغي للزائر أن يسلم عليهم أجمعين، فيقول:السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.

    قالوا: وليس بالبقيع قبر يعرف غير سبعة قبور: العباس، وقبر الحسن بن علي، ومعه في القبر ابن أخيه علي بن الحسين زين العابدين، وأبو جعفر محمد بن علي الباقر، وابنه جعفر الصادق، رضوان الله عليهم أجمعين، وعليهم قبة عالية قديمة البناء في أول البقيع. وقبر عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه في قبة أيضاً، ومعه في القبر ابن أخيه عبد الله بن جعفر الطيار الجواد المشهور، وقبر إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبر صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبر فاطمة بنت أسد أم الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، في آخر البقيع، عند نخل يعرف.
    وقبر مالك بن أنس الإمام، في قبة في أول البقيع.
    وتزور قبر عثمان بن عفان رضي الله عنه؛ فإنه ظاهر عليه قبة عالية، لكنه ليس في البقيع، وإنما هو في حش كوكب؛ فالحش البستان، وفيه لغتان؛ فتح الحاء، وضمها، وكان عثمان رضي الله عنه قد اشتراه، وزاده في البقيع، وكان يقول: يدفن هاهنا رجل صالح. وكان أول من دفن فيه.
    فصل
    ويستحب أن يأتي قبور الشهداء بأحد، يوم الخميس.
    ويبدأ بسيد الشهداء حمزة رضي الله عنه وأرضاه وعنا به عمِّ النبي صلى الله عليه وسلم.
    ويستحب استحباباً مؤكداً أن يأتي قباء.
    والأولى أن يكون يوم السبت، ناوياً التقرب إلى الله تعالى بزيارته، والصلاة فيه.
    والأحاديث فيه صحيحة كثيرة.
    فصل
    وينبغي للزائر أن يتبع المواضع التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فيها.

    والسواري التي كان يجلس إليها، ومصلاه في الليل من المسجد.
    وبيت فاطمة رضوان الله عليها.
    وكذلك السواري التي كان الصحابة يجلسون إليها، ويصلون إليها، ومصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي كان يصلي فيه قبل أن يتحول إلى مصلاه المعروف اليوم، وموضع معتكفه صلى الله عليه وسلم.
    وكذلك الاسطوانة التي ربط فيها أبو لبابة نفسه إليها.

    والاسطوانة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس إليها إذا جاءته الوفود. وأسطوانة علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
    كل هذه المواضع تستحب الصلاة فيها، والدعاء لديها، وأن يحمد الله تعالى، ويشكره، ويتوب إليه، ويستغفره، ويتضرع إليه، ويسأله أن يعيد بركة من حل بها من السلف الماضين، والسلف الهادين من سادات أهل البيت، والصحابة، والتابعين، وعلماء الأمة، وصالحيهم، وزهادهم أجمعين.
    فصل
    روينا في كتاب الشفا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المدينة: (لا يصبر على لأوائها وشدة حرها أحد، إلا كنت له شهيداً، أو شفيعاً يوم القيامة). وقال: (إنما المدينة كالكير تنفي خبثها، وينصع طيبها).
    وقال فيمن تحمَّل عن المدينة: (والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون).
    وقال: (لا يخرج أحد من المدينة رغبة عنها إلا أبدلها الله خيراً منه).
    وروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم: (من مات في أحد الحرمين حاجاً أو معتمراً، بعثه الله يوم القيامة لا حساب عليه، ولا عذاب).
    وفي طريق آخر: بعث من الآمنين يوم القيامة.
    وعن ابن عمر رضي الله عنهما: (من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها، فإني أشفع لمن يموت بها).
    فصل
    قال القاضي أبو الفضل عياض في حديث: أن أبا الفضل الجوهري رضي الله عنه، لما ورد المدينة وقرب من بيوتها، ترجل ومشى باكياً، منشداً، شعراً:
    فؤاداً لعرفان الرسوم ولا لبا
    ولما رأينا رسم من لم يدعوا لنا
    لمن بان عنه أن نلم به ركبا
    نزلنا عن الأكوار نمشي كرامة
    وحكي عن بعض المريدين: أنه لما أشرف على مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنشد يقول (متمثلاً):
    قمر تقطع دونه الأوهام
    رفع الحجاب لنا فلاح لناظري
    فظهورهن على الرجال حرام
    وإذا المطي بنا بلغن محمداً
    فلها علينا حرمة وذمام
    قربننا من خير من وطيء الثرا

    وحكي عن بعض المشايخ: أنه حج ماشياً، فقيل له في ذلك؟ فقال: العبد الآبق يأتي إلى بيت مولاه راكباً؟، لو قدرت أن أمشي على رأسي ما مشيت على قدمي.

    قال القاضي رضي الله عنه: وجدير بمواطن عُمِّرت بالوحي والتنزيل، وتردد بها جبريل وميكائيل، وعرجت منها الملائكة والروح، وضجت عرصاتها بالتقديس والتسبيح، والتهليل، واشتملت تربتها على جسد سيد البشر صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وانتشر عنها من دين الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ما انتشر، مدارس آيات، ومساجد وصلوات، ومشاهد الفضائل والخيرات، ومعاهد البراهين والمعجزات، ومناسك الدين ومشاعر المسلمين، ومواقف سيد المرسلين، ومتبوأ خاتم النبيين، حيث انفجرت النبوة، وأين فاض عبابها؛ ومواطن مهبط الرسالة؛ وأول أرض مسَّ جلد المصطفى ترابها، أن تعظَّم عرصاتها، وتُتَنَسَّم نفحاتها، وتُقَبَّل ربوعها وجدرانها:شعر:
    هدي الأنام وخصَّ بالآيات
    يا دار خير المرسلين ومن به
    وتشوقٌ متوقد الجمرات
    عندي لأجلك لوعة وصبابة
    من تلكم الجدرات والعرصات
    وعليَّ عهدٌ إن ملأت محاجري
    من كثرة التقبيل والرشفات
    لأعفِّرن مصون شيبي بينها
    أبداً ولو سحباً على الوجنات
    لولا العوادي والأعادي زرتها
    لقطين تلك الدار والحجرات
    لكن سأهدي من حفيل تحيتي
    تغشاه بالآصال والبكرات
    أزكى من المسك المفتق نفحة
    ونوامي التسليم والبركات
    وتخصه بزواكي الصلوات

    الباب السابع

    في أسمائه المعظمة، ونعوته المكرمة صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم
    قال رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: (لي خمسة أسماء؛ أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي، الذي يمحو الله تعالى بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب،(الذي ليس بعده أحد)). وفي رواية: وأنا المقفى، ونبي التوبة، ونبي الرحمة. وفي رواية: ونبي الملحمة.

    وسماه الله تعالى في كتابه:بشيراً، ونذيراً، وسراجاً منيراً، ورؤوفاً رحيما، ورحمة للعالمين، ومحمداً، وأحمد، وطه، وياسين، ومزملاً، ومدثراً.
    وعبداً، في قوله تعالى: {وأنه لما قام عبد الله يدعوه}.
    ونذيراً مبينا: في قوله تعالى:{وقل إني أنا النذير المبين}.
    ومنذراً: في قوله تعالى:{إنما أنت منذر من يخشاها}.صلى الله عليه وسلم، وشرف وكرم، ومجد وعظم، ووالى عليه وأنعم.
    وقد ذكرت له صلى الله عليه وسلم أسماء كثيرة؛منها: المتوكل، والفاتح، والخاتم،
    والضحوك، والأمين، والمصطفى، والرسول، والنبي الأمي، والقثم.
    ومعلوم أن أكثر هذه الأسماء صفات، وقد تقدم شرح الحاشر والعاقب والمقفى، في معنى العاقب.
    والمرحمة: يعني الرحمة، والملاحم: الحروب، والضحوك: صفته في التوراة.
    قال ابن فارس: وإنما سمي بذلك لأنه صلى الله عليه وسلم كان طيب النفس، فكهاً.
    والقثم: من معنيين:
    أحدهما: العطاء، يقال: قثم له يقثم قثماً، إذا أعطاه عطاء. وكان صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة.
    والثاني: من القثم، وهو الجمع، يقال للرجل الجامع للخير: قثوم، وقثم، وهو صلى الله عليه وسلم جمع خير الدنيا والآخرة، واشتمل على كل صفة جميلة، وحاز كل فضيلة، صلى الله عليه وسلم.

    الباب الثامن في صفاته الخلقية، وشمائلة المرضية صلى الله عليه وسلم، وشرَّفَ وكرَّم، ومجَّد وعظَّم، ووالى عليه وأنعم
    كان صلى الله عليه وسلم رَبْعَةً من القوم، قال البراء: ما رأيت من ذي لمة في حلة حمراء أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، له شعر يضرب منكبيه، بعيد ما بين المنكبين، لم يكن بالقصير ولا بالطويل. لما ثبت من أن: خير الأمور أوسطها.




    وكان صلى الله عليه وسلم خير الخليقة، فناسبت صورته معناه، فكان وسطاً في الطول، وإن كان أطول الأطولين في الطول، فكمَّله الله تعالى خَلْقاً وخُلُقَاً، ورقَّاه من درج الجمال والكمال أي مرقى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وشرف وكرّم.
    وكان صلى الله عليه وسلم لا بائناً من طول، ولا متردداً من قصر، غصناً بين غصنين، أبيض اللون، مشرباً بحمرة، وقيل: أزهر، ليس بالأمهق، ولا بالأدم، له شعر رجل، يبلغ شحمة أذنيه إذا طال، وإذا قصر إلى أنصافهما، لم يبلغ شيبه في رأسه ولحيته عشرين شعرة.
    فائدة 0000
    قال الشيخ عبد الجليل في شعب الإيمان: وإنما كان كذلك لأن النساء يكرهن الشيب غالباً، ومن كره من النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً كفر، هذا أو نحوه.
    وكان عنقه صلى الله عليه وسلم كأنه جيد دمية، في صفاء الفضة، ظاهر
    الوضاءة، أبلج الوجه، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر، حسن الخلق، معتدل القامة، وسيماً قسيماً، في عينيه دعج، في بياضهما عروق رقاق حمر، وفي أجفانه غَطَف، وفي صوته صهل، وتروى: صحل، وفي عينيه سطع، وفي لحيته كثافة، إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سما وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاهم من بعيد، وأحلاهم وأحسنهم من قريب، حلو المنطق، فصل، لا نزر، ولا هذر، كأن منطقه خرزات نظمن، يتحدرن.
    (وسيأتي في الفصل التالي بيان بتفسير غريب الألفاظ).

    (وكان صلى الله عليه وسلم) واسع الجبين، أزجَّ الحواجب، من غير قرن بينهما، أقنى العرنين، له نور يعلوه، يحسبه من لم يتأمله أتم، سهل الخدين، ضليع الفم، أشنب، مفلج الأسنان، دقيق المسربة، من لبته إلى سرته شعر يجري كالقضيب، ليس في بطنه ولا صدره شعر غير شعر الذراعين والمنكبين، بادِن، متماسك، سواء البطن والصدر، مسيح الصدر، ضخم الكراديس، أنور المتجرد، عريض القدِّ، طويلَ الزند، رحب الراحة، شثن الكفين، والقدمين، سائل الأطراق، سبط العصب، خمصان الأخمصين، مسيحَ القدمين، ينبو عنهما الماء، إذا زال زال تقلعاً، ويخطو تكفُّؤاً، ويمشي هوناً، دريع المشية، إذا مشى كأنما ينحط من صبب، وإذا التفت التفت جميعاً، بين كتفيه خاتم النبوة، كأنه زر حجلة، أو بيضة حمامة، لونه كلون جسده عليه خيلان، كأنه عرق اللؤلؤ، وريح عرقه أطيب من ريح المسك الأذفر، يقول ناعته: لم أر قبله ولا بعده مثله.

    وعن أنس رضي الله عنه: ما مسست ديباجاً، ولا حريراً، ألين من كفِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شممت قط رائحة كانت أطيب من ريح رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    فصل
    في غريب هذا الباب ومشكله
    البائن: الطويل في نحافة.
    ومعنى: تقتحمه: تزدريه.
    وأزهر اللون: نيره. وقيل:أزهر:حسن.
    والدمية: الصورة من الرخام، تشبه العرب المرأة الحسناء.
    والأمهق: الناصع البياض.
    والأدم: هو الأسمر اللون.
    والشعر الرجل:كأنه مشط فتكسر قليلاً ليس بسبط ولا جعد.
    وأبلج الوجه: أي مشرقه.
    والصحل: الصغير الرأس من الرجال والنعام.
    قسيم الوجه: وسيم.
    والدعج: شدة سواد العينين، يقال: عين دعجاء.
    والغطف: طويل شعر الأجفان. ويروى بالمهملة.
    والصحل: البحوحة. والصهل: صوت الفرس.
    والسطع: البريق.
    والكثافة: الغلظ.
    والحاجب الأزج: المقوس الطويل الوافر الشعر.
    والأقنى: السائل الأنف، المرتفع وسطه.
    والأشم: الطويل قصبة الأنف.
    والضليع: الواسع.
    والفلج: فرق بين الثنايا.

    ودقيق المسربة: خيط الشعر الذي بين الصدر والسرة.
    وبادن: ذو لحم.
    ومتماسك: معتدل الخلق، يمسك بعضه بعضاً. مثل قوله في الحديث الآخر: لم يكن بالمطهم ولا المكلثم أي: الكثير اللحم، والمكلثم: القصير الذقن.
    وسواء الصدر والبطن: أي مستويهما.
    ومشيح الصدر: إن صحت هذه اللفظة فيكون من الإقبال، وهو أحد معاني:أشاح أي: أنه كان بادي الصدر، ولم يكن في صدره قعس، وهو تطامن فيه،وبه يتضح قوله قبل:سواء البطن والصدر. أي ليس بمتقاعس الصدر. قال القاضي: ولعل اللفظ مسيح بالسين، وفتح الميم، بمعنى: عريض، كما وقع في الرواية الأخرى، وحكاه ابن دريد.
    والكراديس: رؤوس العظام، وهو مثل قوله في الحديث: جليل المشاش والكتد.
    والمشاش: رؤوس المناكب.
    والكتد: مجتمع الكتفين.
    ورحب الراحة: أي واسعها. وقيل: كناية عن سعة العطاء والجود.
    وشثن القدمين: أي: لحيمهما.
    وسائل الأطراف: أي: طويل الأصابع. وذكر ابن الأنباري أنه روي: سائل الأطراف. أو قال: سابن بالنون، وهما بمعنى تبدل اللام من النون، إن صحت الرواية بها. وأما على الرواية الأخرى، وسائر الأطراف: فإشارة إلى فخامة جوارحه، كما وقعت مفصلة في الحديث، قاله القاضي.

    والزندان: عظما الذراعين.
    وخمصان الأخمصين: أي متجافي أخمص القدم، وهو الموضع الذي لا تناله الأرض من وسط القدم.
    ومسيح القدمين: أي أملسهما، وكذلك قال:ينبو عنهما الماء،وفي (رواية)أبي هريرة خلاف هذا. فإنه قال:إذا وطيء بقدمه وطيء بكلها، ليس له أخمص قال القاضي: وهذا يوافق معنى قوله:مسيح القدمين.وبه قالوا: سمي المسيح عيسى بن مريم، أي: لم يكن له أخمص. وقيل: مسيح: لا لحم عليها. وهذا أيضاً بخلاف قوله: شثن القدمين.
    والتقلع: رفع الرجل بقوة.
    والتكفؤ: الميل إلى سنن المشي وقده.
    والهون: الرفق والوقار.

    والذريع: الواسع الخطو، أي أن مشيه كان يرفع فيه رجليه بسرعة، ويمد خطوه بخلاف المختال، ويقصد سمته، وكل ذلك برفق وتثبت، دون عجلة. كما قال: كأنما ينحط من صبب صلى الله عليه وسلم، إذا التفت التفت جميعاً، بين كتفيه خاتم النبوة، كأنه زر حجلة، أو بيضة حمامة، لونه كلون جسده، عليه خيلان، كأن عرقه اللؤلؤ، والريح أطيب من ريح المسك الأذفر.يقول ناعته: لم أر قبله ولا بعده مثله.
    وعن أنس رضي الله عنه: ما مسست ديباجاً ولا حريراً ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وعنه قال أبو بكر رضي الله عنه، إذا رأى النبي صلى الله عليه وسلم، يقول:
    أمين مصطفى للخير يدعو
    كضوء البدر زايله الظلام
    وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ينشد قول زهير بن أبي سلمى:
    لو كنت من شيء سوى بشر
    كنت المنور ليلة البدر
    ثم يقول عمر وجلساؤه: كذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وفيه يقول عمه أبو طالب:
    وأبيض يستسقى الغمام بوجهه
    ثمال اليتامى عصمة للأرامل
    يلوذ به الهلاّك من آل هاشم
    فهم عنده في رحمة وفواضل
    بميزان صدق لا يخيس شعيرة
    له شاهد من نفسه غير عائل
    أطياف
    أطياف
    المشرفه المميزه
    المشرفه المميزه


    الجنس : انثى
    الابراج : السمك
    عدد المساهمات : 435
    نقاط : 14380
    السٌّمعَة : 251
    تاريخ التسجيل : 24/07/2011
    العمر : 34
    الموقع : الجزائر

    الفجر المنير فى الصلاة على البشير النذير Empty رد: الفجر المنير فى الصلاة على البشير النذير

    مُساهمة من طرف أطياف الجمعة 4 مايو 2012 - 13:47



    الباب التاسع

    في صفاته المعنوية، وما اختصه به رب البرية
    قال الله تعالى:{وإنك لعلى خلق عظيم}.
    قال العلماء: وما قال الله فيه: عظيم لا يحاط بصفته.
    سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلقه صلى الله عليه وسلم؛ فقالت:كان خلقه القرآن، يرضى لرضاه، ويغضب لغضبه.
    قلت: لا يتصور أن يجاب عن هذا السؤال بأحسن ولا أجمع ولا أكمل ولا أجود من هذا الجواب، فتأمله إن كنت من أهل التأمل.
    وقالت: رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق بما قيل:شعر:
    كريم لا يغيره صباح
    عن الخلق السخي ولا المساء
    إذا أثنى عليه المرء يوماً
    كفاه من تعرضه الثناء
    قلت: وأحسن من هذا وأليق بهذا المعنى قول الشاعر:
    طول التأمل بهجة
    كأن العيون الناظرات صياقل

    قالت: وكان صلى الله عليه وسلم لا ينتقم لنفسه، ولا يغضب لها إلا أن تنتهك حرمة من حرمات الله، فيكون لله ينتقم، وإذا غضب لم يقم لغضبه أحد.
    قلت: وقد ذكر الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى في كتاب خلق النبوة ما جمعه بعض العلماء من معرفة بعض أحواله عليه الصلاة والسلام، والتقطه من أخباره، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحلم الناس.
    قلت: ومن حلمه صلى الله عليه وسلم ما روى ابن إسحاق بسند بلغ به محمد بن المنكدر، قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له: إن قريشاً يتواعدونك ليقتلوك، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من باب الصفا، حتى وقف عليها، فأتاه جبريل عليه السلام، فقال: يا محمد، إن الله قد أمر السماء أن تطيعك، وأمر الأرض أن تطيعك، وأمر الجبال أن تطيعك، فإن أحببت فمر السماء أن تنزل عليهم عذاباً منها، وإن أحببت فمر الأرض أن تخسف بهم، وإن أحببت فمر الجبال أن تنضم عليهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أؤخر عن أمتي لعل الله أن ينعم عليهم.
    قال: وكان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس.
    قلت: قال علي رضي الله عنه: كنا إذا اشتد البأس اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم.
    قال:وكان أعدل الناس، وأعف الناس،لم تمس يده قط يد امرأة لا يملك رقها، أو عصمة نكاحها، أو تكون ذات محرم منه.
    وكان أسخى الناس، لا يبيت عنده دينار، ولا درهم، وإن فضل ولم يجد من يعطيه وفجأه الليل لم يأو إلى منزله حتى يتبرأ منه إلى من يحتاج إليه، لا يأخذ مما آتاه الله إلا قوت عامه فقط من أيسر ما يجد من التمر والشعير، ويضع سائر ذلك في سبيل الله،

    لا يسأل شيئاً إلا أعطاه، ثم يعود على قوت عامه، فيؤثر منه حتى إنه ربما احتاج قبل انقضاء العام، إن لم يأته شيء، وكان صلى الله عليه وسلم يخصف النعل، ويرقع الثوب، ويخدم في مهنة أهله،ويقطع اللحم معهن.
    وكان أشد الناس حياء لا يثبت بصره في وجه أحد.

    ويجيب دعوة العبد والحر،ويقبل الهدية ولو أنها جرعة لبن، أو فخذ أرنب، ويكافيء عليها، ويأكلها ولا يأكل الصدقة، ولا يستكبر عن إجابة الأَمَة والمسكين، يغضب لربه ولا يغضب لنفسه، وينفذ الحق وإن عاد ذلك عليه بالضرر، أو على أصحابه، عرض عليه الانتصار بالمشركين على المشركين وهو في قلة وحاجة إلى إنسان واحد يزيده في عدد من معه فأبى، وقال: أنا لا أنتصر بمشرك.
    ووجد من فضلاء أصحابه وخيارهم قتيلاً بين اليهود فلم يحف عليهم، ولم يزد على مر الحق، بل وداه بمائة ناقة، وإن بأصحابه لحاجة إلى بعير واحد يتقوون به.
    وكان صلى الله عليه وسلم يعصب الحجر على بطنه من الجوع،يأكل ما حضر، ولا يرد ما وجد، ولا يتورع عن مطعم حلال، وإن وجد تمراً دون خبز أكله، وإن وجد شواء أكله، وإن وجد خبز بر أو شعير أكله، وإن وجد حلوى أو عسلاً أكله، وإن وجد لبناً دون خبز اكتفى به، وإن وجد رطباً و بطيخاً أكله، لا يأكل متكئاً ولا على خوان، منديله باطن قدميه.
    لم يشبع من خبز بر ثلاثة أيام متوالية، حتى لقي الله تعالى، إيثارا على نفسه لا فقراً ولا بخلاً. يجيب الوليمة، ويعود المرضى، ويشهد الجنائز، ويمشي وحده بين أعدائه بلا حارس.
    وكان صلى الله عليه وآله وسلم أشد الناس تواضعاً، وأسكنهمفي غير
    كبر، وأبلغهم في غير تطويل،وأحسنهم بشراً،لا يهوله شيء من أمور الدنيا، يلبس ما وجد فمرة شملة،ومرة برد حبرة يمانياً، ومرة جبة صوف،ما وجد من المباح لبس، وخاتمه فضة، يلبسه في خنصره الأيمن، وربما لبسه في الأيسر.
    شعر:
    كف الرسالة ليس يخفي حسنها
    وتمام حسن الكف لبس الخاتم
    يردف خلفه عبده أو غيره، يركب ما أمكنه، مرة فرساً، ومرة بعيراً، ومرة بغلة شهباء، ومرة حماراً،ومرة يمشي راجلاً، (ومرة يمشي)حافياً، (ومرة) بلا رداء، ولا عمامة، ولا قلنسوة.
    يعود صلى الله عليه وسلم المرضى في أقصى المدينة،يحب الطيب ويكره الرائحة الرديئة.

    وكان صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم يجالس الفقراء، ويؤاكل المساكين، ويكرم أهل الفضل في أخلاقهم، ويتألف أهل الشرف بالبر لهم، ويصل ذوي رحمه من غير أن يؤثرهم على من هو أفضل منهم، لا يجفو على أحد، يقبل معذرة المعتذر إليه، يمزح ولا يقول إلا حقاً. وقال غيره: ودخل يوماً على أم سليم وقد مات نغير ابنها من أبي طلحة فقال: يا أبا عمير ما فعل النغير؟.
    قلت: ويظهر من ذلك فوائد خمسة: الأولى: تكنية الصغير. الثانية: الانبساط مع الصبي. الثالثة: تصغير النغر، وهو خلق من خلق الله. الرابعة: جواز السجع. الخامسة: جواز لعب الصغير بالنغير. والله أعلم.
    وجاءته امرأة؛ فقالت: يا رسول الله إن زوجي مريض وهو يدعوك. فقال: لعل زوجك الذي في عينيه بياض؟، فرجعت المرأة وفتحت عين زوجها لتنظر، فقال: ويحك، وهل أحد إلا وفي عينيه بياض؟.
    وجاءته أخرى فقالت: يا رسول الله، ادع الله أن يدخلني الجنة. فقال: يا أم فلان إن الجنة لا تدخلها عجوز، قال: فولّت تبكي. فقال: أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز، إن الله تعالى يقول:{إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عرباً أترابا لأصحاب اليمين}. وقالت عائشة رضي الله عنها: سابقته فسبقته، فلما كثر لحمي سابقته فسبقني؛ فضرب كتفي وقال: هذه بتلك.
    وجاء صلى الله عليه وسلم إلى السوق من وراء رجل اسمه زاهر،وكان صلى الله عليه وسلم يحبه، فوضع يديه على عينيه وما كان يعرف أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم،قال: من يشتري العبد؟، فجعل يمسح ظهره برسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: إذن تجدني كاسداً يا رسول الله. فقال صلى الله عليه وسلم: لكنك عند ربك لست بكاسد.
    ورأى صلى الله عليه وسلم حسيناً مع صبية في السكة، فتقدم صلى الله عليه وسلم أمام القوم، ولحق الحسين، ففر هارباً، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضاحكه، حتى أخذه فجعل إحدى يديه تحت ذقنه، وجعل الأخرى فوق رأسه.

    وكان صلى الله عليه وسلم يدخل إلى عائشة رضي الله عنها،والجواري يلعبن عندها، فإذا رأينه تفرقن، فيسيرهن إليها.
    وقال لها يوماً وهي تلعب بلعبتها: ما هذه يا عائشة؟ قالت: خيل سليمان بن داود. فضحك صلى الله عليه وسلم، وطلب الباب، فابتدرته واعتنقته، فقال: مالك يا حميراء؟، فقالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ادع الله لي أن يغفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر.
    قال: فرفع يديه، حتى بدا بياض إبطيه وقال: اللهم اغفر لعائشة بنت أبي بكر مغفرة ظاهرة وباطنة، لا تغادر ذنباً تكتسب بعدها خطيئة، ولا إثما. وقال صلى الله عليه وسلم: أفرحت؟ قالت: إي والذي بعثك بالحق، فقال:والذي بعثني بالحق، ما خصصتك بها من بين أمتي، وإنها صلاتي لأمتي في الليل والنهار، فيمن مضى منهم، ومن بقي،ومن هو آت إلى يوم القيامة، وإنما أدعو لهم، والملائكة يؤمنون على دعائي، صلى الله عليه وسلم، انتهى.

    يضحك من غير قهقهة،يرى اللعب المباح فلا ينكره ويسابق أهله، وترتفع الأصوات عليه في مجلسه فيصبر، وكان له لقاح وغنم، يتقوت هو وأهله من ألبانها،وكان له عبيد وإماء لا يرتفع عليهم في مأكل ولا ملبس،ولا يمضي له وقت في غير عمل لله تعالى، أو فيما لا بد له منه لصلاح نفسه، يخرج إلى بساتين أصحابه، لا يحقر مسكيناً لفقره وزمانته، ولا يهاب ملكاً لملكه، يدعو هذا وهذا إلى الله دعاء واحداً، قد جمع الله له السيرة الفاضلة، والسياسة التامة، وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب، نشأ في بلاد الجهل والصحاري في فقر، وفي رعاية الغنم، يتيماً لا أب له، ولا أم، فعلَّمه الله تعالى جميع محاسن الأخلاق، والطرق الحميدة، وأخبار الأولين والآخرين، وما فيه النجاة والفوز في الآخرة، والغبطة والخلاص من الدنيا، ولزوم الواجب وترك الفضول.
    فائدتان:000
    الأولى: سئل محمد بن جعفر الصادق رضي الله عنه: لم يُتِّم النبي صلى الله عليه وسلم؟. فقال: لئلا يكون عليه حق لمخلوق.

    الثانية: كونه صلى الله عليه وسلم أمياً لا يقرأ ولا يكتب؛ يظهر سره من ثلاثة أوجه:
    الوجه الأول: أن يتحقق الأئمة العارفون بأنه عليه أفضل الصلاة والسلام لم يكتب قط كتاباً، ولا يتعاطى ذلك ولا تعلَّمه، وأن القرآن العظيم، والكتاب العزيز، منزل بلا علاج ولا اكتساب، فيتضح وجه الصواب، وينتفي اللبس والارتياب.
    الوجه الثاني: أن الكتابة علاج ضروري لأجل قصور الأذهان عن استيعاب حفظ ما يتعين حفظه، والكتابة تنفع في حصول هذا الغرض، فإذا أعطى الله نبيه من الحفظ والذكاء ما يستغني به عن الواسطة كان ذلك أشرف في حقه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليمات، وأرفع لقدره، قال الله تعالى:{لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه}، وقال تعالى:{سنقرئك فلا تنسى}، فكان الضمان لحفظ القرآن، والعصمة من النسيان، والوعد بالقدرة على البيان أجل من التسبب في ذلك بكتابة يغسلها الماء، وتأكلها الأرضة، وهي هدف لأسباب كثيرة، وعريضة.
    الوجه الثالث:أن الكتابة تصوير وتشكيل وتخطيط، ومقامه صلى الله عليه وآله وسلم أعلى من أن يتعاطى بنفسه ما ينطلق عليه اسم التصوير،وقد نهى عليه الصلاة والسلام على التصوير، وشدد في النهي، وإن كانت فضيلة، فإنما كانت فضيلة لحاجة من اتصف بها إليها، فهي فضيلة تستلزم نقيصة، وغضاً منه، ثم يكون الأفضل لمن رفع الله قدره عن هذه الطبقة عدم تلك الفضيلة بغضاضة الحاجة حتى تكون فضائله متمحضة متخلصة.
    وأيضاً: فإن الكتابة صناعة، وليست بعلم، وقد نزَّه الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم عنها فقال تعالى:{وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذاً لارتاب المبطلون}.
    فإن قلت: فقد أطلق الله تعالى على الكتابة علماً، فقال:{ولا يأب كاتب أن يكتب كما علَّمه الله فليكتب}. فجعل الكتابة علماً، وأضاف تعليمه إليه؟.
    قلت: المراد هنا أحكام العقود المكتوبة، والعلم بشروط الوثائق المحررة، لا رسم نفس الخط.

    فإن قلت: قوله تعالى:{علَّم بالقلم علَّم الإنسان ما لم يعلم}، ما هو؟.
    قلت: المراد علمه المعلومات المكتوبة بالقلم، لا نفس الكتابة، هذا معنى كلام ابن المنير رحمه الله تعالى، وأكثر لفظه.
    (بيان جملة أخرى من آدابه وأخلاقه صلى الله عليه وسلم)
    وما شتم رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً من المؤمنين إلا قال: اللهم اجعل ذلك كفارة ورحمة. وما لعن امرأة قط ولا خادماً بلعنة. وقيل له (وهو) في القتال: لو لعنتهم يا رسول الله؟، فقال: إنما بعثت رحمة ولم أبعث لعّاناً. وكان إذا سئل الدعاء على أحد مسلم أو كافر أو عام أو خاص عدل من الدعاء عليه ودعا له.وما ضرب صلى الله عليه وسلم بيده أحداً قط إلا أن يضرب بها في سبيل الله، وما انتقم من شيء صنع له قط إلا أن تنتهك حرمة الله.
    وما خُيِّر صلى الله عليه وآله وسلم بين شيئين إلا اختار أيسرهما، إلا أن يكون فيه إثم أو قطيعة رحم، فيكون أبعد الناس من ذلك.
    وما كان يأتيه أحد(حرٌ) أو عبد، أو أمة إلا قام معه في حاجته.
    وقال أنس: والذي بعثه بالحق ما قال (لي) في شيء كرهه قط: لم فعلته؟، ولا لامني أحد من أهله إلا قال: دعوه، إنما كان هذا بكتاب، وقدر.
    وما عاب صلى الله عليه وآله وسلم مضجعاً، إن فرشوا له اضطجع، وإن لم يفرشوا له اضطجع على الأرض.
    وقد وصفه الله تعالى في التوراة، قبل أن يبعثه في السطر الأول فقال: محمد رسول الله عبدي المختار، لا فظ، ولا غليظ، ولا صخاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح، مولده بمكة، وهجرته بطابة، وملكه بالشام، يأتزر على وسطه، هو ومن معه، رعاة للقرآن والعلم، يتوضأ على أطرافه.
    وكذلك نعته في الإنجيل.
    وكان من خلقه صلى الله عليه وسلم أن يبدأ من لقيه بالسلام.
    ومن قاومه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف.
    وما أخذ أحد بيده فيرسل يده، حتى يرسلها الآخذ.

    وكان صلى الله عليه وسلم إذا لقي أحداً من أصحابه بدأه بالمصافحة، ثم أخذ بيده فشابكه، ثم شد قبضته عليها. وكان صلى الله عليه وسلم لا يقوم ولا يجلس إلا على ذكر الله تعالى.
    وكان صلى الله عليه وسلم لا يجلس إليه أحد وهو يصلي إلا خفف صلاته وأقبل عليه، وقال:ألك حاجة؟. فإذا فرغ من حاجته عاد إلى صلاته.
    وكان صلى الله عليه وسلم أكثر جلوسه أن ينصب ساقيه جميعاً ويمسك بيديه عليهما شبه الحبوة.
    ولم يكن يعرف مجلسه صلى الله عليه وسلم من مجلس أصحابه رضي الله عنهم، لأنه كان حيث انتهى به المجلس جلس.
    وما رئي صلى الله عليه وسلم قط مادّاً رجليه بين أصحابه حتى لا يضيق بهما على أحد إلا أن يكون المكان واسعاً لا ضيق فيه.
    وكان صلى الله عليه وسلم أكثر ما يجلس مستقبل القبلة.
    وكان صلى الله عليه وسلم يكرم من يدخل عليه،حتى ربما بسط ثوبه لمن ليست بينه وبينه قرابة ولا رضاع، يجلسه عليه.
    وكان صلى الله عليه وسلم يؤثر الداخل عليه بالوسادة التي تحته، فإن أبى أن يقبلها عزم عليه حتى يفعل.
    وما استصفاه صلى الله عليه وسلم أحد إلا ظن أنه أكرم الناس عليه،حتى يعطي كل من جلس إليه نصيبه من وجهه، حتى كان مجلسه، وسمعه، وحديثه، ولطيف محاسنه، وتوجهه للمجالس إليه، ومجلسه مع ذلك مجلس حياء، وتواضع، وأمانة.قال الله تعالى:{فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك}.
    ولقد كان صلى الله عليه وسلم يدعو أصحابه بكناهم إكراماً لهم،واستمالة لقلوبهم.ويكني من لم تكن له كنية؛ فكان يدعى بما كناه به. وكان صلى الله عليه وسلم يكني أيضاً النساء اللاتي لهن الأولاد، واللاتي لم يلدن، يبتديء لهن الكنى. ويكني الصبيان؛ فيستلين به قلوبهم.
    وكان صلى الله عليه وسلم أبعد الناس غضباً، وأسرعهم رضا.
    وكان صلى الله عليه وسلم أرأف الناس بالناس، وخير الناس للناس، وأنفع الناس للناس. ولم تكن ترفع في مجلسه صلى الله عليه وسلم الأصوات.

    وكان صلى الله عليه وسلم إذا قام من مجلسه قال: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، ثم يقول: علمنيهن جبريل.
    وكان صلى الله عليه وسلم طويل السكوت، لا يتكلم في غير حاجة.
    و(كان صلى الله عليه وسلم) لا يقول المنكر، ولا يقول في الرضا والغضب إلا الحق، ويعرض عمن تكلم بغير جميل، ويكني عما اضطره الكلام إليه مما يكره.

    وكان صلى الله عليه وسلم إذا سكت تكلم جلساؤه، ولا يتنازع عنده في الحديث.
    ويعظ بالجد والنصيحة، ويقول: لا تضربوا القرآن بعضه ببعض فإنه أنزل على وجوه.
    وكان صلى الله عليه وسلم أكثر الناس تبسماً وضحكاً في وجوه أصحابه، وتعجباً مما تحدثوا به، وخلطاً لنفسه بهم، ولربما ضحك حتى تبدو نواجذه، (وكان ضحك أصحابه عنده التبسم اقتداء به وتوقيراً له،قالوا: ولقد جاءه أعرابي يوماً وهو عليه الصلاة والسلام متغير اللون ينكره أصحابه، فأراد أن يسأله فقالوا: لا تفعل يا أعرابي فإننا ننكر لونه، فقال: دعوني، فو الذي بعثه بالحق نبياً لا أدعه حتى يبتسم، فقال: يا رسول الله بلغنا أن المسيح يعني الدجال يأتي الناس بالثريد وقد هلكوا جوعاً أفترى لي بأبي أنت وأمي أن أكف عن ثريده تعففاً وتنزهاً حتى أهلك هزالاً أم أضرب في ثريده، حتى إذا تضلعت شبعاً آمنت بالله وكفرت به؟ قالوا: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، ثم قال: لا بل يغنيك الله بما يغني به المؤمنين.قالوا: وكان صلى الله عليه وسلم من أكثر الناس تبسماً وأطيبهم نفساً) ما لم ينزل عليه قرآن، أو يذكر الساعة، أو يخطب بخطبة عظة.
    وكان ضحك أصحابه صلى الله عليه وسلم عنده التبسم، اقتداء به، وتوقيراً له. وكان صلى الله عليه وسلم إذا سُرَّ ورضي فهو أحسن الناس رضاً، فإن وعظ، وعظ بجد، وإن غضب وليس يغضب إلا لله لم يقم لغضبه شيء، وكذلك كان في أموره كلها.

    وكان إذا نزل به الأمر فوّض الأمر إلى الله تعالى، وتبرأ من الحول والقوة، واستنزل الهدى فيقول: اللهم أرني الحق حقاً فأتبعه، وأرني المنكر منكراً وارزقني اجتنابه، وأعذني من أن يشتبه علي فأتبع هواي بغير هدى منك، واجعل هواي تبعاً لطاعتك، وخذ رضا نفسك من نفسي في عافية، واهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
    (بيان أخلاقه وآدابه صلى الله عليه وسلم في الطعام)
    وكان صلى الله عليه وسلم أحب الطعام إليه ما كان على ضفف. والضفف: ما كثرت عليه الأيدي. وكان إذا وضعت المائدة قال:بسم الله اللهم اجعلها نعمة مشكورة تصل بها نعمة الجنة.وكان صلى الله عليه وسلم كثيراً إذا جلس يأكل بجمع بين ركبتيه وبين قدميه، كما يجلس المصلي، إلا أن الركبة تكون فوق الركبة، والقدم فوق القدم، ويقول: إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد.
    وكان صلى الله عليه وسلم لا يأكل الحارويقول: إنه غير ذي بركة، وإن الله لم يطعمنا ناراً فأبردوه.

    وكان صلى الله عليه وسلم يأكل مما يليه، ويأكل بأصابعه الثلاث، وربما استعان بالرابعة. ولم يكن يأكل بإصبعين، ويقول: إن ذلك أكلة الشيطان.
    قلت: وإن الأكل بإصبع واحدة من المقت، وبإصبعين من الكبر، وبثلاث من السنة، وبأربع من الشره.
    وجاءه عثمان رضي الله عنه بفالوذجف أكل منه وقال: ما هذا يا أبا عبد الله؟ قال: بأبي أنت وأمي نجعل السمن والعسل في البرمة ونضعها على النار، ثم نغليه، ثم نأخذ مخ الحنطة إذا طحنت؛ فنقليه على السمن والعسل، ثم نسوطه حتى ينضج، فيأتي كما ترى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:إن هذا الطعام طيب.
    وكان صلى الله عليه وسلم يأكل خبز الشعير غير منخول.
    وكان صلى الله عليه وسلم يأكل القثاء بالرطب، وبالملح.

    وكان صلى الله عليه وسلم أحب الفواكه الرطبة إليه البطيخ والعنب.وكان صلى الله عليه وسلم يأكل البطيخ بالخبز، والسكر، وربما أكله بالرطب.
    وكان صلى الله عليه وسلم يستعين باليدين جميعاً. وأكل صلى الله عليه وسلم يوماً رطباً كان في يمينه، وكان يحفظ النوى في يساره، فمرت به شاة فأشار إليها بالنوى؛ فجعلت تأكل من كفه اليسرى، وهو يأكل بيمينه حتى فرغ وانصرفت الشاة.
    وكان صلى الله عليه وسلم ربما أكل العنب خرطاً.وكان أكثر طعامه صلى الله عليه وسلم الماء والتمر، وكان يتمجع اللبن بالتمر، ويسميهما الأطيبين.
    قال الجوهري: التمجع ضرب من الطعام، وهو تمر يعجن بلبن.
    وكان أحب الطعام إليه صلى الله عليه وسلم اللحم، ويقول: هو يزيد في السمع، وهو سيد الطعام في الدنيا والآخرة، ولو سألت ربي أن يطعمنيه كل يوم لفعل.
    وكان صلى الله عليه وسلم يأكل الثريد باللحم والقرع. وكان صلى الله عليه وسلم يحب القرع ويقول:إنها شجرة أخي يونس عليه السلام. قالت عائشة رضي الله عنها: وكان صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم يقول:يا عائشة إذا طبختم قدراً فأكثروا فيها من الدباء، فإنه يشد قلب الحزين.
    وكان صلى الله عليه وسلم يأكل لحم الطير الذي يصاد، وكان لا يتبعه ولا يصيده،
    ويحب أن يصاد له، ويؤتى به فيأكله.
    وكان صلى الله عليه وسلم إذا أكل اللحم لم يطأطيء رأسه إليه، ويرفعه إلى فيه رفعاً ثم ينتهسه انتهاساً.
    قلت: النهس بالسين المهملة، الأكل بأطراف الأسنان، يقال:نهست اللحم وانتهسته، وبالمعجمة: نهش الحية.
    وكان صلى الله عليه وسلم يأكل الخبز والسمن.

    وكان صلى الله عليه وسلم يحب من الشاة الذراع والكتف، ومن القدير الدباء، ومن الصِّباغ الخل، ومن التمر العجوة.
    ودعا صلى الله عليه وآله وسلم في العجوة بالبركة وقال: هي من الجنة، وشفاء من السم والسحر.

    وكان صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم يحب من البقول الهندباء، والباذروج، والبقلة الحمقاء، التي يقال لها الرجلة.
    وكان يكره الكليتين، لمكانهما من البول.
    وكان صلى الله عليه وسلم لا يأكل من الشاة سبعاً: الذكر، والأنثيين، والمثانة، والمرارة، والغدد، والحياء، والدم، ويكره ذلك.
    وكان صلى الله عليه وسلم لا يأكل الثوم، ولا البصل، ولا الكراث.
    وما ذم صلى الله عليه وسلم طعاماً قط، لكن إن أعجبه أكله، وإن كرهه تركه، وإن عافه لم يبغِّضه إلى غيره.
    وكان صلى الله عليه وسلم يعاف الضب والطحال، ولا يحرمهما.
    وكان صلى الله عليه وسلم يلعق بأصابعه الصحفة ويقول: آخر الطعام أكثر بركة.
    وكان صلى الله عليه وسلم يلعق أصابعه (من الطعام حتى تحمر.
    وكان صلى الله عليه وسلم لا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه) واحدة واحدة، ويقول:إنه لا يدرى في أي الطعام البركة.
    و(كان صلى الله عليه وسلم) إذا فرغ قال: الحمد لله اللهم لك الحمد، أطعمت فأشبعت، وسقيت فأرويت، لك الحمد غير مكفور، ولا مودَّع، ولا مستغنى عنه.
    وكان صلى الله عليه وسلم إذا أكل اللحم والخبز خاصةً غسل يديه غسلاً جيداً، ثم يمسح بفضل الماء على وجهه.
    وكان صلى الله عليه وسلم يشرب في ثلاث دفعات، وله فيها ثلاث تسميات، وفي أواخرها ثلاث تحميدات.
    وكان صلى الله عليه وسلم *** الماء مصاً، ولا يعب عباً.
    وكان صلى الله عليه وسلم يدفع فضل سؤره إلى من على يمينه، فإن كان من على يساره أجل رتبة، قال للذي على يمينه:السنة أن تعطى فإن أحببت أثرتهم.
    وربما (كان صلى الله عليه وسلم) يشرب بنفس واحد حتى يفرغ.
    وكان صلى الله عليه وسلم لا يتنفس في الإناء بل ينحرف عنه.
    وأتي صلى الله عليه وسلم بإناء فيه عسل ولبن؛ فأبى أن يشربه، وقال:شربتان في شربة، وإدامان في إناء واحد.ثم قال صلى الله عليه وسلم:لا أحرمه ولكني أكره الفخر، والحساب بفضول الدنيا غداً، وأحب التواضع؛ فإن من تواضع لله رفعه الله.

    وكان صلى الله عليه وسلم في بيته أشد حياء من العاتق، لا يسألهم طعاماً، ولا يتشهاه عليهم، إن أطعموه أكل، وما أعطوه قبل، وما سقوه شرب.

    وكان صلى الله عليه وسلم ربما قام فأخذ ما يأكل بنفسه أو يشرب.
    (بيان جملة من آدابه وأخلاقه صلى الله عليه وسلم في اللِّباس)
    وكان صلى الله عليه وسلم يلبس من الثياب ما وجد،من إزار، أو رداء، أو قميص، أو جبة، أو غير ذلك.
    وكان صلى الله عليه وسلم يعجبه الثياب الخضر.
    وكان صلى الله عليه وسلم أكثر لباسه البياض ويقول: ألبسوها أحياءكم، وكفنوا فيها موتاكم.
    وكان صلى الله عليه وسلم يلبس القباء المحشو للحرب، وغير الحرب.
    وكان صلى الله عليه وسلم له قباء سندس؛ فيلبسه فتحسن خضرته على بياض لونه.
    وكانت ثيابه صلى الله عليه وسلم كلها مشمرة فوق الكعبين، ويكون الإزار فوق ذلك إلى نصف الساق.
    وكان صلى الله عليه وسلم قميصه مشدود الإزار، وربما حلَّ الإزار في الصلاة وغيرها.
    وكانت له صلى الله عليه وسلم ملحفة مصبوغة بالزعفران، وربما صلى بالناس فيها وحدها. وربما لبس صلى الله عليه وسلم الكساء وحده، وما عليه غيره.
    وكان له صلى الله عليه وسلم كساء ملبد يلبسه ويقول:إنما أنا عبد ألبس كما يلبس العبد.
    وكان له صلى الله عليه وسلم ثوبان لجمعته خاصة، سوى ثيابه في غير الجمعة.
    وربما لبس صلى الله عليه وسلم الإزار الواحد ليس عليه غيره، ويعقد طرفيه بين كتفيه، وربما أمَّ به الناس على الجنائز.
    وكان صلى الله عليه وسلم يتختم، وربما خرج وفي خاتمه خيط مربوط يتذكر به الشيء. وكان يختم به على الكتب، ويقول: الخاتم على الكتاب خير من التهمة.
    وكان صلى الله عليه وسلم يلبس القلانس تحت العمائم وبغير عمامة، وربما نزع قلنسوته من رأسه فجعلها سترة بين يديه، ثم يصلي إليها، وربما لم تكن العمامة؛ فيشد العصابة على رأسه وعلى جبهته.

    وكانت له صلى الله عليه وسلم عمامة تسمى السحاب، فوهبها من علي ؛ فربما طلع
    علي فيها فيقول صلى الله عليه وسلم:أتاكم علي في السحاب.
    وكان صلى الله عليه وسلم إذا لبس ثوباً لبسه من قبل ميامنه، ويقول:الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي، وأتجمل به في الناس. وإذا نزع ثوبه أخرجه من مياسره.وكان صلى الله عليه وسلم إذا لبس جديداً، أعطى خَلِقَ ثيابه مسكيناً، ثم يقول:ما من مسلم يكسو مسلماً من سمل ثيابه لا يكسوه إلا لله إلا كان في ضمان الله وحرزه وخيره ما واراه حياً وميتاً.
    وكان له صلى الله عليه وسلم فراش من أدم حشوه ليف، طوله ذراعان، أو نحوه،

    وكان صلى الله عليه وسلم ربما قام فأخذ ما يأكل بنفسه أو يشرب.
    (بيان جملة من آدابه وأخلاقه صلى الله عليه وسلم في اللِّباس)
    وكان صلى الله عليه وسلم يلبس من الثياب ما وجد،من إزار، أو رداء، أو قميص، أو جبة، أو غير ذلك.
    وكان صلى الله عليه وسلم يعجبه الثياب الخضر.
    وكان صلى الله عليه وسلم أكثر لباسه البياض ويقول: ألبسوها أحياءكم، وكفنوا فيها موتاكم.
    وكان صلى الله عليه وسلم يلبس القباء المحشو للحرب، وغير الحرب.
    وكان صلى الله عليه وسلم له قباء سندس؛ فيلبسه فتحسن خضرته على بياض لونه.
    وكانت ثيابه صلى الله عليه وسلم كلها مشمرة فوق الكعبين، ويكون الإزار فوق ذلك إلى نصف الساق.
    وكان صلى الله عليه وسلم قميصه مشدود الإزار، وربما حلَّ الإزار في الصلاة وغيرها.
    وكانت له صلى الله عليه وسلم ملحفة مصبوغة بالزعفران، وربما صلى بالناس فيها وحدها. وربما لبس صلى الله عليه وسلم الكساء وحده، وما عليه غيره.
    وكان له صلى الله عليه وسلم كساء ملبد يلبسه ويقول:إنما أنا عبد ألبس كما يلبس العبد.
    وكان له صلى الله عليه وسلم ثوبان لجمعته خاصة، سوى ثيابه في غير الجمعة.

    وربما لبس صلى الله عليه وسلم الإزار الواحد ليس عليه غيره، ويعقد طرفيه بين كتفيه، وربما أمَّ به الناس على الجنائز.
    وكان صلى الله عليه وسلم يتختم، وربما خرج وفي خاتمه خيط مربوط يتذكر به الشيء. وكان يختم به على الكتب، ويقول: الخاتم على الكتاب خير من التهمة.
    وكان صلى الله عليه وسلم يلبس القلانس تحت العمائم وبغير عمامة، وربما نزع قلنسوته من رأسه فجعلها سترة بين يديه، ثم يصلي إليها، وربما لم تكن العمامة؛ فيشد العصابة على رأسه وعلى جبهته.
    وكانت له صلى الله عليه وسلم عمامة تسمى السحاب، فوهبها من علي ؛ فربما طلع
    علي فيها فيقول صلى الله عليه وسلم:أتاكم علي في السحاب.
    وكان صلى الله عليه وسلم إذا لبس ثوباً لبسه من قبل ميامنه، ويقول:الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي، وأتجمل به في الناس. وإذا نزع ثوبه أخرجه من مياسره.وكان صلى الله عليه وسلم إذا لبس جديداً، أعطى خَلِقَ ثيابه مسكيناً، ثم يقول:ما من مسلم يكسو مسلماً من سمل ثيابه لا يكسوه إلا لله إلا كان في ضمان الله وحرزه وخيره ما واراه حياً وميتاً.
    وكان له صلى الله عليه وسلم فراش من أدم حشوه ليف، طوله ذراعان، أو نحوه،

    وعرضه ذراع وشبر، أو نحوه.
    وكانت له صلى الله عليه وسلم عباءة تفرش له حيثما تنقل، تثنى طاقين تحته.
    وكان صلى الله عليه وسلم ينام على الحصير ليس تحته شيء غيره.
    وكان صلى الله عليه وسلم تنام عيناه، ولا ينام قلبه انتظاراً للوحي، وإذا نام نفخ ولا يغط غطيطاً، وإذا رأى في منامه ما يروعه قال: هو الله لا شريك له. وإذا أخذ مضجعه وضع كفه اليمنى تحت خده وقال: رب قني عذابك يوم تبعث عبادك.
    وكان يقول: اللهم باسمك أموت وأحيا، وإذا استيقظ قال:الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور.
    أطياف
    أطياف
    المشرفه المميزه
    المشرفه المميزه


    الجنس : انثى
    الابراج : السمك
    عدد المساهمات : 435
    نقاط : 14380
    السٌّمعَة : 251
    تاريخ التسجيل : 24/07/2011
    العمر : 34
    الموقع : الجزائر

    الفجر المنير فى الصلاة على البشير النذير Empty رد: الفجر المنير فى الصلاة على البشير النذير

    مُساهمة من طرف أطياف الجمعة 4 مايو 2012 - 13:50


    (بيان صفة كلامه صلى الله عليه وسلم)

    وكان صلى الله عليه وسلم إذا تكلم بيَّن كلامه حتى يحفظه من جلس إليه، ويعيد الكلمة ثلاثاً، لتعقل عنه، ويخزن لسانه لا يتكلم في غير حاجة، ويتكلم بجوامع الكلم، فصل لا فضول ولا تقصير.
    وكان صلى الله عليه وسلم يتمثل بشيء من الشعر، ويتمثل بقوله:
    ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً
    ويأتيك بالأخبار من لم تزود
    وبغير ذلك، صلى الله عليه وسلم.
    وكان صلى الله عليه وسلم يكتحل بالإثمد ثلاثا في كل عين، وربما اكتحل ثلاثاً في اليمين، واثنين في اليسار، وربما اكتحل وهو قائم، وكان يقول:عليكم بالإثمد فإنه يجلو البصر، وينبت الشعر.
    وكان صلى الله عليه وسلم يكثر دهن رأسه ولحيته.وكان صلى الله عليه وسلم يترجل غباً.أي: يسرح شعره(وقتاً بعد وقت)، صلى الله عليه وسلم.
    وكان يحب التيمن في تنعله، وترجله،وطهوره، وفي شأنه كله، هكذا قالت عائشة رضي الله عنها، والحديث في الصحيحين، انتهى.
    ومعنى التيمُّن هنا: الابتداء باليمين قبل الشمال، وهو من الألفاظ المشتركة لأن التيمن أيضاً مصدر تيمن إذا تبرك به، والتيمن النسب إلى اليمين.
    والتنعُّل: لبس النعال، وهي الحذاء، مؤنثة.

    والترجُّل: التسريح. والتيمُّن فيه: الابتداء بالشق الأيمن من الرأس في تسريحه، ودهنه. و(التيمُّن) في الطهور: البداءة باليد اليمنى، والرجل اليمنى في الوضوء. والشق الأيمن في الغسل، وهذه قاعدة مستمرة في الشرع، وهي إنما كان من باب التشريف والتكريم كلبس الثوب، والسراويل، والخف، والنعل، ودخول المسجد، والسواك،وتقليم الأظفار، وقص الشارب، وترجيل الشعر، وحلق الرأس، والسلام من الصلاة، وغسل أعضاء الطهارة، والخروج من الخلاء، والأكل، والشرب، والمصافحة، واستلام الحجر، وغير ذلك مما هو في معناه، يستحب التيامن فيه؛ فأما ما كان بضده كدخول الخلاء والخروج من المسجد، والامتخاط، والاستنجاء، وخلع النعل، والسراويل، والخف وما أشبه ذلك، يستحب فيه التياسر، وذلك كله لكرامة اليمين، وشرفها، والله أعلم.

    وأجمع العلماء على أن تقديم اليمين على اليسار من اليدين والرجلين في الوضوء سنة لو خالفه فاته الفضل، وصح وضوؤه. وقالت الشيعة: هو واجب، ولا اعتداد بخلاف الشيعة.ولتعلم أن من أعضاء الوضوء ما لا يستحب فيه التيامن؛ وهو الأذنان، والكفان، والخدان، بل يغسلن دفعة؛ فإذا تعذر ذلك كما في حق الأقطع ونحوه، قدمت اليمين.فقد علمت أن قول عائشة رضي الله عنها: وفي شأنه كله، من العام المخصوص بما تقدم من دخول الخلاء، أو الخروج من المسجد، خلع النعل، وما أشبه ذلك، والله أعلم.
    وكان صلى الله عليه وسلم ينظر في المرآة، وربما نظر في الماء في حجرة عائشة رضي الله عنها وسوَّى جمته.
    وكان صلى الله عليه وسلم لا تفارقه قارورة الدهن في سفره، والمكحلة، والمرآة، والمشط، والمقراض، والسواك، والخيوط، والإبرة، فيخيط ثيابه، ويخصف نعله.
    وكان صلى الله عليه وسلم يستاك بالأراك.
    وكان إذا قام من النوم يشوِّص فاه بالسواك، فيستاك في الليل ثلاث مرات؛ قبل النوم وبعده، وعند القيام لورده، وعند الخروج لصلاة الصبح.
    فصل
    في آداب السواك

    ولنذكر هنا شيئاً من آداب السواك؛ فإن الحاجة ماسة لذلك. فنقول:
    الكلام على السواك يتعلق بستة أطراف؛
    الأول: حكمه.
    الثاني: فضله.
    الثالث: في كيفيته.
    الرابع: في سر مشروعيته.
    الخامس: في وقته.
    السادس: فيما يستاك به.
    والجواب عن الأول: أن السواك مطلوب في الشرع على جهة الندب، بإجماع من يعتد بإجماعه.
    وحكي عن داود وجوبه.
    قيل: ولا يصح على مذهبه أنه سنة كالجماعة.
    قالوا: ولو صح لم تضر مخالفته، لانعقاد الإجماع الذي عليه المحققون، والأكثرون.
    وحكي الوجوب أيضاً عن إسحق. وقالوا: لا يصح ذلك عنه.
    وهو عندنامن فضائل الوضوء، والشافعية يسمونه سنة على اصطلاحهم، إذ لا فرق عندهم بين السنة والفضيلة، والرغيبة والنافلة، ونحن نفرق بين ذلك على ما هو مقرر في مذهبنا.
    وعن الثاني: جاء في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم، أنه قال:لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة.
    أي: لأمرتهم أمر إيجاب وإلزام، وإلا فمعلوم أننا مأمورون به على طريق الندب.
    وقال ابن عباس رضي الله عنه: في السواك عشر خصال:
    يذهب الحفر، ويجلو البصر، ويشد اللثة، وينقي البلغم، ويطيب الفم، وتفرح له الملائكة، ويرضي الرب تبارك وتعالى، ويوافق السنة، ويزيد في حسنات الصلاة، ويصح الجسم. وزاد الحكيم الترمذي: ويزيد الحافظ حفظاً، وينبت الشعر، ويصفي اللون.

    وعن الشافعي رضي الله عنه: أربع تزيد في العقل؛ ترك الكلام من الفضول، والسواك، ومجالسة العلماء والصالحين، والعمل بالعلم.
    ويروى عن كعب أنه قال: من أحب أن يحبه الله فليكثر من السواك، والتخلل، فالصلاة بهما تعدل مائة صلاة. قال: وروي عن خالد عن أبيه قال: السواك شطر الوضوء، والوضوء شطر الصلاة، والصلاة شطر الإيمان.
    قلت: وهذه آداب حسنة ينبغي تعاهدها في السواك، فإن ذلك لا يجلب إلا خيراً.
    وعن الثالث: ينبغي أن يستاك عرضاً؛ فإن الشيطان يستاك طولاً، إلا في اللسان؛ فإنه يستاك فيه طولاً.

    وينبغي أن يبدأ بالسواك من الجانب الأيمن من فيه، قال الترمذي الحكيم رضي الله عنه: وتجعل الخنصر من يمينك أسفل السواك، وتحته البنصر والوسطى، والسبابة فوق السواك، واجعل الإبهام من أسفل رأس السواك تحته، كذلك السنة فيه كما روي عن عبد الله بن مسعود. ولا تقبض القبضة على السواك؛ فإن ذلك يورث البواسير.
    قالت الشافعية: ويستحب أن يمر بالسواك على أطراف أسنانه، وكراسي أضراسه، وسقف حلقه، إمراراً لطيفاً.
    قال الترمذي الحكيم: وابلع ريقك من أول ما تستاك؛ فإنه ينفع من الجذام والبرص، وكل داء سوى الموت، ولا تبلع بعده شيئاً فإنه يورث الوسوسة.
    قال: ولا تمص السواك مصا فإن ذلك يورث العمى، ولا تضع السواك إذا وضعته عرضاً، وانصبه نصباً، فإنه يروى عن سعيد بن جبير رضي الله عنه أنه قال: من وضع سواكه بالأرض فجنَّ من ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسه.
    وعن الرابع: أما سر مشروعية السواك؛ فقيل: إن العبد إذا قام إلى الصلاة يقرأ القرآن؛ لا يزال الملك يدنو منه إعجاباً منه بالقرآن؛ فيضع فاه على فيه، فلا تخرج آية إلا في جوفه، فأمر بالسواك لتطييب الفم للملائكة الذين معك حافظيك، والملك الذي يستقبلك ويضع فاه على فيك.
    وقد قال صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: من أكل من هاتين الشجرتين يعني الثوم والكراث فلا يقرب مسجدنا قيل:يا رسول الله فإذا كان أحدنا خالياً؟ قال عليه الصلاة والسلام: إن الملائكة لتتأذى مما يتأذى منه بنو آدم.
    وقال الحكيم الترمذي أيضاً ما معناه إن الإنسان إذا نام ارتفعت معدته وانتفخت وتصعد بخارها إلى الفم والأسنان، فينتن ويغلظ، ويرى أن الشيطان ذلك طعامه، ويمسح لسانه عليه، ويرمي به.
    فهذا أصل استحباب السواك عند القيام من النوم، والله أعلم.
    وعن الخامس: الاستياك عندنا في كل وقت للصائم وغيره، أول النهار ووسطه وآخره.

    وقالت الشافعية: يكره الاستياك للصائم بعد الزوال، خوف إزالة رائحة الخلوف المستحبة.

    قالوا: ويتأكد استحباب السواك في خمسة أوقات:
    الأول: عند الصلاة، سواء كان متطهراً بماء أو بتراب، أو غير متطهر كمن لم يجد ماء ولا تراباً.
    الثاني: عند الوضوء.
    الثالث: عند قراءة القرآن.
    الرابع: عند الاستيقاظ من النوم.
    الخامس: عند تغير الفم.
    وتغييره يكون بأشياء؛ منها: ترك الأكل والشرب. ومنها: ما له رائحة كريهة. ومنها: طول السكوت. ومنها: كثرة الكلام. والله أعلم.
    وعن السادس: قال العلماء: أحسن ما يستاك به الأراك، رطباً ويابساً.
    قال أصحابنا: إلا الصائم فإنه يكره أن يستاك بالأخضر،وأما الجوزة المحمرة فحرام للصائم، وأما العود المبلول بالماء فلا كراهة فيه.
    فإن لم يجد الأراك فبشيء خشن، ويجزي عندنا الأصبع.
    وللشافعية فيها خلاف بتفصيل؛ قالوا: إن كانت لينة لم يحصل بها السواك، وإن كانت خشنة؛ فثلاثة أوجه: المشهور أنه لا تجزي، والثاني: تجزي، والثالث: إن لم يجد غيرها.
    ويستحب أن تكون بين اليبوسة والليونة، وهذا ما أردنا الكلام على السواك، والله تعالى أعلم.
    وكان صلى الله عليه وسلم يحتجم في الأخدعين، وبين الكتفين.
    والأخدع: عرق في موضع المحجمتين، وهو شعبة من الوريد، وهما أخدعان، قاله الجوهري.
    واحتجم صلى الله عليه وسلم وهو محرم، على ظهر القدم.
    وكان يحتجم لسبع عشرة، وتسع عشرة، وإحدى وعشرين.
    وكان صلى الله عليه وآله وسلم خاتم النبيين وسيد المرسلين، وآتاه الله علم الأولين، والآخرين، وفضّله على سائر الخلق أجمعين، ولا يحصي مناقبه أحد من العالمين، صلى الله عليه وسلم وعلى آله، وصحبه أجمعين، وعلى أزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين، وعلينا معهم يا رب العالمين.

    الباب العاشر في معجزاته وما خصه به تعالى من آياته صلى الله عليه وسلم، ومجَّد وكرَّم، وشرَّف وعظَّم، ووالى عليه وأنعم
    المعجزات جمع معجزة، مفعلة من العجز، إنما يتحدى به النبي عن الإتيان بمثله.

    هذا معنى المعجزة، وتسمى أيضاً: آية. قال عليه الصلاة والسلام:ما من نبي إلا وقد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة.
    وقد اختلف المتكلمون في حد المعجزة؛ فقال الإمام في الإرشاد: لفظة تطلق على الآية الدالة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم. واعترض على الحد بما لا نطول بذكره، وأولى عبارة حررت في حدها أن يقال: المعجزة معلوم خارق للعادة، ظاهر على حسب سؤال مدعي النبوة، غير مكذب ممتنع وقوعه عقلاً من غير النبي إذا كان ينبغي معارضة يعقبه وقوع العلم بالتصديق ضرورة للحاضرين بشرط تقدم علمهم بما يتوقف عليه تلك الضرورة.
    فقولنا: معلوم احتراز من الإعدام.
    وقولنا: خارق احتراز من العادي.
    وقولنا:ظاهر على حسب سؤال المدعي احتراز من وقوعها على عكس سؤاله. وقولنا: غير مكذب احتراز من تكذيب المعجز له.
    وقولنا: ممتنع وقوعه من غيره إذا كان ينبغي معارضةاحتراز من وقوعها من نبي آخر مصدق له أو ولي. وقولنا:يعقبها علم ضروري بالتصديق احتراز من عدم ذلك؛ فلا يكون ذلك حجة.
    وقولنا:بشرط تقدم علم الحاضرين بما يتوقف عليه صحة هذه الضرورة لأن من يعلم ذلك لا يحصل له العلم، ولا يعلم وجه دلالة المعجزة.
    قال صاحب لباب النقول:وتتساوى المعجزات والكرامات في كونها ناقضة للعادات، والفرق بينهما بالتسمية، لأن صاحب المعجزة يتحدى بها خصومه مبالغة في الإظهار، وصاحب الكرامة لا يتحدى ولا يدعي، بل يجتهد في الكتمان، والإسرار، وصاحب المعجزة بعد ظهورها عليه مأمون عليه، معصوم من الكفر والمعاصي، بخلاف صاحب الكرامة، وذكر عن بعض العلماء ما يشعر بجواز تحدي الولي بالكرامة كما يتحدى النبي بالمعجزة. واستيعاب ذلك في فين الكلام.




    فمن أفضل معجزاته صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم، الذي أعجز الفصحاء، وأخرس البلغاء لانطوائه على وجوه من الإعجاز كثيرة، ونحصيها ونلخصها من جهة ضبط أنواعها دون مفرداتها في أربعة أوجه؛
    الوجه الأول: حسن تأليفه والتئام كلمه، وفصاحته ووجوه إيجازه، وبلاغته الخارقة عادة العرب الفصحاء البلغاء.

    الوجه الثاني: صورة نظمه العجيب وأسلوبه الغريب المخالف لأساليب كلام العرب ومناهج نظمها ونثرها الذي جاء عليه،(ووقفت) مقاطع آيه، وانتهت فواصل كلمه إليه، ولم يوجد قبله ولا بعده نظير له ولا استطاع أحد مماثلة شيء منه؛ بل حارت فيه عقولهم، وتدلهت دونه أحلامهم، ولم يهتدوا إلى مثله في جنس كلامهم؛ من نظم أو نثر، أو سجع أو رجز، أو شعر.
    الوجه الثالث: ما انطوى عليه من الإخبار بالمغيبات، وما لم يكن ولم يقع؛ فوجد؛ كما ورد على الوجه الذي أخبر به؛ كقوله تعالى:{لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين}.وقوله تعالى:{وهم من بعد غلبهم سيغلبون}.
    وقوله تعالى:{ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون}.
    وقوله تعالى:{وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون} الآية.
    وقوله تعالى:{إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا}؛ فكان جميع هذا، كما قال؛ فغلبت الرومُ فارسَ في بضع سنين،ودخل الناس في الإسلام أفواجا؛فما مات صلى الله عليه وسلم وفي بلاد العرب كلها موضع لم يدخله الإسلام. واستخلف الله المؤمنين في الأرض، ومكَّن فيها دينهم، وملّكهم إياها من أقصى المشارق إلى أقصى المغارب، كما قال عليه الصلاة والسلام:زويت لي الأرض؛ فأريت مشارقها ومغاربها، وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها.

    وقوله تعالى:{إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} ؛ فكان كذلك، لا يكاد يُعَدُّ
    من سعى في تغييره وتبديل محكمه من الملحدة والمعطِّلة، لا سيما القرامطة؛ فأجمعوا كيدهم وحولهم وقوتهم، اليوم نيِّفاً على مدة سبعمائة عام وتسع وعشرين سنةلأول نزوله، إلى وقتنا هذا، فما قدروا على إطفاء شيء من نوره، ولا تغيير كلمة من كلامه، ولا تشكيك المسلمين في حرف من حروفه، وغير ذلك مما لا يحصى، والحمد لله.
    الوجه الرابع: في إعجازه من إنبائه من أخبار القرون السالفة، والأمم البائدة، والشرائع الدائرة، مما كان لا يعلم منه القصة الواحدة إلا الفذ من أحبار أهل الكتاب الذي قطع عمره في تعلُّم ذلك؛ فيورده النبي صلى الله عليه وسلم على وجهه، ويأتي به على نصه؛ فيعترف العالم بذلك بصحته وصدقه، وأن مثله لم ينله بتعليم.

    وقد علموا أنه صلى الله عليه وسلم أمي لا يقرأ ولا يكتب، ولا اشتغل بمدارسةٍ، ولا مثافنة، ولم يغب عنهم، ولا جهل حاله أحد منهم.
    وقد كان أهل الكتاب كثيراً ما يسألونه صلى الله عليه وسلم عن هذا فينزل عليه من القرآن ما يتلو عليهم منه ذكراً؛ كقصص الأنبياء مع قومهم، وخبر موسى والخضر، ويوسف وإخوته، وأصحاب الكهف، وذي القرنين، (ولقمان وابنه، وأشباه ذلك من الأنبياء والقصص، وبدء الخلق، وما في التوراة، والإنجيل، والزبور)، وصحف ابراهيم وموسى، مما صدقه فيه العلماء بها، ولم يقدروا على تكذيب ما ذكر منها؛ بل أذعنوا لذلك غاية الإذعان، ولا يحتاج النهار إلى بيان. هذا معنى كلام القاضي أبي الفضل رحمه الله تعالى وأكثر لفظه. قال: وقد جاءت آي بتعجيز قوم في قضايا، وإعلامهم أنهم لا يفعلونها، فما فعلوا ولا قدروا على ذلك؛ كقوله لليهود:{قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولن يتمنوه أبداً بما قدمت أيديهم}.

    قال أبو إسحاق الزجاج:في هذه الآية أعظم حجة وأظهر دلالة على صحة الرسالة لأنه قال:{فتمنوا الموت}؛ وأعلمهم أنهم لن يتمنوه أبداً، فلم يتمنه واحدٌ منهم.
    وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: والذي نفسي بيده لا يقولها رجل منهم إلا غص بريقه يعني يموت مكانه .
    فصرفهم الله تعالى عن تمنيه وجزَّعهم ليظهر صدق رسوله صلى الله عليه وسلم، وصحة ما أوحي إليه، إذ لم يتمنه أحد منهم؛ وكانوا على تكذيبه أحرص لو قدروا؛ ولكن الله يفعل ما يريد؛ فظهرت بذلك معجزته، وبانت حجته.
    قال أبو محمد الأصيلي: من أعجب أمرهم أنه لا يوجد منهم جماعة، ولا واحد، من يوم أمر الله بذلك نبيه يُقدم عليه، ولا يجيب له.
    وهذا موجود مشاهد لمن أراد أن يمتحنه منهم.
    وكذلك آية المباهلة من هذا المعنى، حيث وفد عليه صلى الله عليه وسلم أساقفة نجران، وأبَوا الإسلام؛ فأنزل الله تعالى عليه آية المباهلة بقوله:{فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين}.
    فامتنعوا منها، ورضوا بأداء الجزية؛ وذلك أن العاقب عظيمَهم قال لهم: قد علمتم أنه نبي، وأنه ما لاعن قوماً نبيٌ قط فبقي كبيرهم ولا صغيرهم.
    ومثله قوله تعالى:{وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا} الآية.

    فأخبرهم أنهم لا يفعلون؛ كما كان.
    وهذه الآية تدخل في باب الإخبار عن الغيب، ولكن فيها من التعجيز ما في التي قبلها، والله عز وجل أعلم.
    فصل
    ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم انشقاق القمر
    ومنها: انشقاق القمر له فرقتين حين سألته قريش؛ فرقة فوق الجبل، وفرقة دونه، فقال صلى الله عليه وسلم: اشهدوا.
    وأنزل الله تعالى:{اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر}.
    فصل

    ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم نبع الماء وتكثيره ببركته
    ومنها: نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم، وتكثيره ببركته صلى الله عليه وسلم.
    عن أنس رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحانت صلاة العصر، فالتمس الناس الوَضوء، فلم يجدوه، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بوَضوء؛ فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده في ذلك الإناء، وأمر الناس أن يتوضؤوا منه. قال: فرأيت الماء ينبع من بين أصابعه، فتوضأ الناس حتى توضؤوا من عند آخرهم.
    فائدة00000
    مما جرى على ألسنة الناس قديماً أنهم إذا بالغوا في وصف إنسان بالكرم قالوا: هذا ندي الكف، يكنون بذلك عن كرمه مجازاً؛ فما هو لغيره صلى الله عليه وسلم مجاز فعله الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم حقيقة.
    فصل
    ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم تكثير الطعام ببركته ودعائه
    ومنها: تكثير الطعام ببركته صلى الله عليه وسلم ودعائه صلى الله عليه وسلم.
    روينا في كتاب الشفا عن جابر أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستطعمه؛ فأطعمه شطر وسق شعير؛ فما زال يأكل منه وامرأته وضيفه حتى كاله، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره، فقال: لو لم تكله لأكلتم منه ولقام بكم.
    ومن ذلك حديث أبي طلحة المشهور، وإطعامه صلى الله عليه وسلم ثمانين أو سبعين رجلاً من أقراص من شعير جاء بها أنس تحت يده؛ أي إبطه، فأمر بها ففتت، وقال فيها ما شاء الله أن يقول.
    وحديث جابر في إطعامه صلى الله عليه وسلم يوم الخندق ألف رجل من صاع شعير وعناق.
    وقال جابر: فأقسم بالله لأكلوا حتى تركوه وانحرفوا، وإن برمتنا لتغط كما هي، وإن عجيننا ليخبز.
    وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بصق في العجين والبرمة وبارك. رواه عن جابر سعيد بن ميناء، و(عبد الواحد بن)أيمن.
    وأنشد:
    أشبع ألفاً بقدر صاع

    بر ولم ينقصوا قلامه
    وكيف يفنى طعام بر
    صير من ريقه ختامه

    وحديث أبي أيوب رضي الله عنه، أنه صنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأبي بكر من الطعام زهاء ما يكفيهما، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:ادع بثلاثين من أشراف الأنصار، فدعاهم فأكلوا حتى تركوا؛ ثم قال: ادع ستين؛ فكان مثل ذلك؛ ثم قال: ادع سبعين فأكلوا حتى تركوا، وما خرج منهم أحد حتى أسلم وبايع.
    قال أبو أيوب: فأكل من طعامي مائة وثمانون رجلاً.
    وعن سمرة بن جندب: أتي النبي صلى الله عليه وسلم بقصعة فيها لحم، فتعاقبوها من غدوة حتى الليل، يقوم قوم ويقعد آخرون.
    وغير ذلك مما لا يحصى كثرة.
    فصل
    في كلام الشجرة وشهادتها له صلى الله عليه وسلم بالنبوة وإجابتها دعوته
    ومنها: كلام الشجرة وشهادتها له بالنبوة وإجابتها دعوته صلى الله عليه وسلم:
    عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فدنا منه أعرابي، فقال: يا أعرابي، أين تريد؟، قال: إلى أهلي، قال: هل لك إلى خير؟، قال: وما هو؟ قال: تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله.
    قال: من يشهد لك على ما تقول؟. قال: هذه الشجرة السمرة، وهي بشاطيء الوادي، وادعها فإنها تجبك.
    فأقبلت تخد الأرض حتى قامت بين يديه، فاستشهدها ثلاثاً، فشهدت أنه كما قال، ثم رجعت إلى مكانها.
    وعن بريدة: سأل أعرابي النبي صلى الله عليه وسلم أية، فقال له: قل لتلك الشجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك.
    قال: فمالت الشجرة عن يمينها وشمالها وبين يديها وخلفها، فتقطّعت عروقها، ثم جاءت تخدُّ الأرض، تجر عروقها، مغبرّة حتى وقفت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: السلام عليك يا رسول الله. قال الأعرابي: مرها فلترجع إلى منبتها، فرجعت، فدلت عروقها فاستوت.
    فقال الأعرابي: ائذن لي أسجد لك.
    قال: لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها.
    قال: فأذن لي أن أقبل يديك ورجليك، فأذن له.

    وفي الصحيح في حديث جابر بن عبد الله ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته، فلم ير شيئاً يستتر به، فإذا بشجرتين في شاطيء الوادي، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إحداهما، فأخذ بغصن من أغصانها، فقال: انقادي عليّ بإذن الله، فانقادت معه كالبعير المخشوشالذي يصانع قائده.

    فصل
    في قصة حنين الجذع وأنينه لفراقه صلى الله عليه وسلم

    ومنها: حنين الجذع له صلى الله عليه وسلم:
    روينا في كتاب الشفا:
    قال جابر بن عبد الله رضي الله عنه: كان المسجدمسقوفاً على جذوع نخل؛ فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب يقوم إلى جذع منها،فلما صنع له المنبر سمعنا لذلك الجذع صوتاً كصوت العشار.
    وفي رواية أنس: حتى ارتج المسجد بخواره.
    وفي رواية سهل: وكثر بكاء الناس لما رأوا به.
    وفي رواية المطلَّب وأبيّ: حتى تصدع وانشق، حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليه فسكت.
    زاد غيره: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن هذا بكى لما فقد من الذكر.
    وزاد غيره: والذي نفسي بيده لو لم ألتزمه لم يزل هكذا إلى يوم القيامة؛ تحزُّناً على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأمر به صلى الله عليه وسلم فدفن تحت المنبر.
    هكذا في حديث المطَّلب، وسهل بن سعد، وإسحاق؛ عن أنس.
    وفي حديث أبي: فكان إذا صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلى إليه؛ فلما هدم المسجد أخذه أبي، فكان عنده إلى أن أكلته الأرض، وعاد رفاتاً.
    وذكر الاسفرائيني: أن النبي صلى الله عليه وسلم دعاه إلى نفسه، فجاء يخرق الأرض، فالتزمه، ثم أمره فعاد إلى مكانه.
    وفي حديث بريدة:فقال يعني النبي صلى الله عليه وسلم: إن شئت أردك إلى الحائط الذي كنت فيه تنبت لك عروقك، ويكمل خلقك، ويجدد لك خوص وثمرة، وإن شئت أغرسك في الجنة فيأكل أولياء الله من ثمرك؛ ثم أصغى له النبي صلى الله عليه وسلم يسمع ما يقول.

    فقال: تغرسني في الجنة، فيأكل مني أولياء الله، وأكون في مكان لا أبلى فيه.
    فسمعه من يليه.
    فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد فعلت؛ ثم قال: اختار دار البقاء على دار الفناء.
    فكان الحسن إذا حدث بهذا بكى، وقال: يا عباد الله إن الخشبة تحن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شوقاً لمكانه؛ فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى لقائه.
    فصل
    ومثل هذا في سائر الجمادات
    ومنها: تسبيح الطعام.
    عن ابن مسعود رضي الله عنه:كنا نأكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الطعام، ونحن نسمع تسبيحه.
    ومنها: تسبيح الحصى في كفه صلى الله عليه وسلم.
    قال أنس رضي الله عنه: أخذ النبي صلى الله عليه وسلم كفاً من حصى، فسبَّحن في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا التسبيح، ثم صبَّهنّ في يد أبي بكر رضي الله عنه فسبَّحن، ثم في أيدنا فما سبَّحن.

    وروى مثله أبو ذر، وذكر أنهنّ سبَّحن في كف عمر وعثمان.
    ومنها: ما روي عن علي رضي الله عنه قال:كنا بمكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج إلى بعض نواحيها، فما استقبله شجرة، ولا جبل، إلا قال له: السلام عليك يا رسول الله.
    وعن جابر بن سمرة عنه صلى الله عليه وسلم:إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلِّم علي(ليالي بعثت، إني لأعرفه إذا مررت عليه) ؛ قيل: إنه الحجر الأسود.
    وعن عائشة رضي الله عنها، أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: لما استقبلني جبريل عليه السلام بالرسالة جعلت لا أمرُّ بحجر ولا شجر إلا قال: السلام عليك يا رسول الله.
    أطياف
    أطياف
    المشرفه المميزه
    المشرفه المميزه


    الجنس : انثى
    الابراج : السمك
    عدد المساهمات : 435
    نقاط : 14380
    السٌّمعَة : 251
    تاريخ التسجيل : 24/07/2011
    العمر : 34
    الموقع : الجزائر

    الفجر المنير فى الصلاة على البشير النذير Empty رد: الفجر المنير فى الصلاة على البشير النذير

    مُساهمة من طرف أطياف الجمعة 4 مايو 2012 - 13:54


    فصل
    في الآيات في ضروب الحيوانات

    ومنها: ما رويناه في كتاب الشفا عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في محفل من أصحابه إذ جاء أعرابي قد صاد ضبَّاً، فقال: ما هذا؟، قالوا: نبي الله. فقال: واللات والعزى لا آمنت بك أو يؤمن هذا الضب؛ وطرحه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا ضبُّ؛ فأجابه بلسان مبين يسمعه القوم جميعاً: لبيك وسعديك يا زين من وافى القيامة. قال: من تعبد؟. قال: الذي في السماء عرشه، وفي الأرض سلطانه، وفي البحر سبيله، وفي الجنة رحمته، وفي النار عقابه.
    قال: فمن أنا؟. قال: رسول رب العالمين، وخاتم النبيين، وقد أفلح من صدّقك، وخاب من كذّبك. فأسلم الأعرابي.
    ومنها:ما روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: بينا راع يرعى غنماً له عرض الذئب لشاة منها فأخذها الراعي منه، فأقعى الذئب، وقال للراعي: ألا تتقي الله حلت بيني وبين رزقي.
    قال الراعي: العجب من ذئب يتكلم بكلام الإنس، فقال الذئب: ألا أخبرك بأعجب من ذلك؟. رسول الله بين الحرَّتين يحدِّث الناس بأنباء ما قد سبق.
    فأتى الراعي النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قم فحدِّثهم؛ ثم قال: صدق.
    وفي بعض الطرق عن أبي هريرة رضي الله عنه: فقال الذئب: أنت أعجب واقفاً على غنمك، وتركت نبياً لم يبعث الله نبياً قط أعظم منه عنده قدراً، قد فتحت له أبواب الجنة، وأشرف أهلها على أصحابه، ينظرون قتالهم،وما بينك وبينه إلا هذا الشِّعب، فتصير من جنود الله.
    قال الراعي: من لي بغنمي؟. قال الذئب: أنا أرعاها حتى ترجع.
    فأسلم الرجل إليه غنمه ومضى.
    وذكر قصته وإسلامه ووجوده النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقاتل؛ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: عد إلى غنمك تجدها بوفرها.

    فوجدها كذلك، وذبح للذئب شاة منها.
    ومنها: حديث الظبية.

    وذلك ما روت أم سلمة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم في صحراء، فنادته ظبية: يا رسول الله، قال: ما حاجتك؟، قالت: صادني هذا الأعرابي، ولي خشفان في ذلك الجبل، فأطلقني حتى أذهب فأرضعهما وأرجع.
    قال: أو تفعلين؟، قالت: نعم. فأطلقها، فذهبت ورجعت، فأوثقها،فانتبه الأعرابي، وقال: يا رسول الله ألك حاجة؟، قال: تطلق هذه الظبية. فأطلقها، فخرجت تعدو في الصحراء، وتقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله.
    ومنها: تسخير الأسد لسُفَينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    إذ وجهه صلى الله عليه وسلم إلى معاذ باليمن، فلقي الأسد فعرّفه أنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه كتابه،فهمهم وتنحى عن الطريق، وذكر في منصرفه مثل ذلك.
    وفي رواية أخرى عنه أن سفينة تكسرت به، فخرج إلى جزيرة فإذا الأسد؛ فقلت له: أنا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فجعل يغمزني بمنكبه حتى أقامني على الطريق.
    وللتفتازاني رحمه الله تعالى شعر:
    وحسبك من دلائله حديث
    تواتره لمولاه سفينه
    نجا من أسره فأصاب ليثاً
    له من بابه درع حصينه
    فقال: إليك فما تعدى
    وأبعد بعد زأرته حنينه
    أليس من العجائب أن حالاً
    تخاف عدىً لخائفها معينه
    ومنها: أنه صلى الله عليه وسلم دخل حائط أنصاري ومعه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، ورجل من الأنصار، رضي الله عنهم، وفي الحائط غنم فسجدت له، فقال أبو بكر: نحن أحق بالسجود لك منها000، الحديث.
    ومنها: أن حمام مكة أظلّت النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتحها، فدعا لها صلى الله عليه وسلم بالبركة.
    ومنها: أن الله تعالى أمر ليلة الغار شجرة فنبتت تجاه النبي صلى الله عليه وسلم، فسترته، وأمر حمامتين فوقفتا بفم الغار.
    وفي حديث آخر: وأن العنكبوت نسجت على بابه؛ فلما أتى الطالبون له، ورأوا ذلك قالوا: لو كان فيه أحد لم تكن الحمامتان ببابه، والنبي صلى الله عليه وسلم يسمع كلامهم؛ فانصرفوا.

    ومنها: أنه قُرِّب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بدناتٌ خمس، أو ست، أو سبع، لينحرها يوم عيد، فازدلفن إليه بأيِّهن يبدأ.
    ومنها: أن يهودية أهدت للنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر شاة مصليَّةً سمَّتها، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها، وأكل القوم، فقال: ارفعوا أيديكم، فإنما أخبرتني أنها مسمومة.

    فمات بشر بن البراء.
    وقال لليهودية: ما حملك على ما صنعت؟، قالت: إن كنت نبياً لم يضرك الذي صنعت، وإن كنت ملكاً أرحت الناس منك.
    قال: فأمر بها فقتلت. وقد روى هذا الحديث أنس، وفيه: قالت: أردت قتلك. فقال: ما كان الله ليسلطك على ذلك. فقالوا: نقتلها؟ قال: لا.
    قال ابن سحنون: أجمع أهل الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل اليهودية التي سمَّته.
    وقد ذكر القاضي اختلاف الروايات عن أبي هريرة وأنس وجابر.
    قال(القاضي رحمه الله تعالى): واختلف أئمة النظر في هذا الباب؛ فمن قائل يقول: هو كلام يخلقه الله تعالى في الشاة الميتة، والحجر، أو الشجر، وحروف وأصوات يحدثها الله فيها، ويسمعها منها دون تغيير أشكالها، ونقلها عن هيئتها.
    وهو مذهب الشيخ أبي الحسن، والقاضي أبي بكر رحمهما الله تعالى.
    وآخرون ذهبوا إلى إيجاد الحياة بها، ثم الكلام بعده.
    وحكي هذا أيضاً عن شيخنا أبي الحسن، وكلٌ محتمل، والله أعلم؛ إذ لم نجعل الحياة شرطاً لوجود الحروف والأصوات؛إذ لا يستحيل وجودها مع عدم الحياة بمجردها. فأما إذا كانت الحياة عبارة عن الكلام النفسي فلا بد من شرط الحياة لها؛ إذ لا يوجد كلام النفس إلا من حي، خلافاً للجبَّائيمن بين سائر متكلمي الفرق في إحالةوجود الكلام اللفظي والحروف والأصوات إلا من حي مركب على تركيب من يصح منه النطق بالحروف والأصوات.
    والتزم ذلك في الحصى، والجذع، والذراع؛ وقال: إن الله خلق فيها حياة، وخرق لها فماً ولساناً، وآلة، أمكنها بها من الكلام.

    وهذا لو كان (لكان) نقله والتهمُّم به أكد من التهمّم بنقل تسبيحه أو حنينه، ولم ينقل أحد من أهل السير والرواية شيئاً من ذلك؛ فدلَّ على سقوط دعواه،مع أنه لا ضرورة إليه في النظر، والله أعلم.
    ومنها: أنه صلى الله عليه وسلم أتي بصبي قد شب لم يتكلم قط؛ فقال:من أنا؟. فقال: رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
    ومنها: ما روي عن معرِّض بن معيقيب: رأيت من النبي صلى الله عليه وسلم عجباً؛ جيء بصبي يوم ولد فقال له: من أنا؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وهو حديث مبارك اليمامة، ويعرف بحديث شاصونة: اسم راويه، وفيه: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدقت، بارك الله فيك.
    (ثم إن الغلام لم يتكلم بعدها حتى شب، فكان يسمى مبارك اليمامة. وكانت هذه القصة بمكة في حجة الوداع.).
    ومنها: أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر أنه طرح بنية له في وادي كذا، فانطلق معه إلى الوادي، وناداها باسمها: يا فلانة، أجيبي بإذن الله؛ فخرجت وهي تقول: لبيك وسعديك، فقال لها: إن أبويك قد أسلما؛ فإن أحببتِ أن أردَّكِ عليهما؟ قالت: لا حاجة لي فيهما؛ وجدت الله خيراً منهما.

    ومنها: ما روي عن عبد الله بن عبيد الله الأنصاري قال: كنت فيمن دفن ثابت بن قيس بن شماس،وكان قتل باليمامة،فسمعناه حين أدخلناه القبر يقول: محمد رسول الله، أبو بكر الصديق، عمر الشهيد، عثمان البر الرحيم؛ فنظرنا فإذا هو ميت.
    ومنها: أن زيد بن خارجة خرَّ ميتاً في بعض أزقّة المدينة، فرفع وسجي إذ سمعوه بين العشاءين والنساء يصرخن حوله يقول: أنصتوا، أنصتوا؛ فحسر عن وجهه فقال: محمد رسول الله، النبي الأمي، وخاتم النبيين، كان ذلك في الكتاب الأول؛ ثم قال: صدِّق صدِّق، وذكر أبا بكر، وعمر، وعثمان؛ ثم قال: السلام عليك يا رسول الله، ورحمة الله وبركاته؛ ثم عاد ميتاً كما كان.

    ومنها:أن عين قتادة بن النعمان وقعت على وجنته، فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فكانت أحسن عينيه.
    ومنها: أن أعمى قال: يا رسول الله؛ ادع الله أن يكشف عن بصري.
    قال: فانطلِقْ فتوضأْ: ثم صلِّ ركعتين؛ ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيي محمد نبي الرحمة؛ يا محمد؛ إني أتوجه بك إلى ربك أن يكشف عن بصري، اللهم شفِّعه فيّ.
    قال: فرجع وقد كشف الله عن بصره.
    قلت: وقد أخبرني شيخ بمصر: أنه قد كان عمي ودعا بهذا الدعاء المذكور فأبصر؛ ورأيته مبصراً.
    ومنها: ما روي أن ملاعب الأسنة أصابه استسقاء، فبعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ بيده حثوة من الأرض، فتفل عليها؛ ثم أعطاها رسوله، فأخذها متعجباً؛ يرى أن قد هزيء به؛ فأتاه بها، وهو على شفاً فشربها، فشفاه الله.
    ومنها: أن فديكاً، ويقال: فريكاً، أن أباه ابيضت عيناه؛ فكان لا يبصر بهما شيئاً، فنفث رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه فأبصر، فرأيته يدخل الخيط في الإبرة وهو ابن ثمانين.
    ومنها: أن كلثوم بن الحصين رمي يوم أحد في نحره؛ فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه، فبرأ.
    وتفل على شجَّة عبد الله بن أنيس فلم تُمِدّ.
    وتفل في عيني علي يوم خيبر، وكان رمداً، فأصبح بارئاً.
    ونفث على ضربة بساق سلمة بن الأكوع يوم خيبر فبرئت.
    وفي رجل زيد بن معاذ حين أصابها السيف إلى الكعب،حين قتل ابن الأشرف، فبرئت.
    و نفث على ساق علي بن الحكم يوم الخندق إذ انكسرت، فبريء مكانه، وما نزل عن فرسه.
    وقطع أبو جهل يوم بدر يد معوِّذ بن عفراء، فجاء يحمل يده، فبصق عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وألصقها فلصقت.

    فصل
    في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم

    ومنها: إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم: (جاء في حديث حذيفة رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم) إذا دعا لرجل أدركت الدعوة ولده وولد ولده.

    وروينا في كتابالشفا عن أنس رضي الله عنه قال: قالت أمي: يا رسول الله، خادمك أنس؛ ادع الله له، قال: اللهم أكثر ماله وولده، وبارك له فيما رزقته.
    قال أنس: فو الله، إن مالي لكثير، وإن ولدي وولد ولدي ليعادّون اليوم على نحو المائة.
    وفي رواية: وما أعلم أحداً أصاب من رخاء العيش ما أصبت، ولقد دفنت بيدي هاتين مائة من ولدي، لا أقول سقطاً ولا ولد ولد.
    ودعا لعبد الرحمن بن عوف بالبركة؛ قال عبد الرحمن:فلو رفعت حجراً لرجوت أن أصيب تحته ذهباً أو فضة.
    وفتح الله عليه، ومات فحفر الذهب من تركته بالفؤوس، حتى مجلت فيه الأيدي، وأخذت كل زوجة ثمانين ألفاً وكن أربعاً.وقيل: مائة، وقيل: بل صولحت إحداهن؛ لأنه طلقها في مرضه، على نيف وثمانين ألفاً، وأوصى بخمسين ألفاً بعد صدقاته الفاشية في حياته، وعوارفه العظيمة: أعتق يوماً ثلاثين عبداً، وتصدّق مرة بعِير فيها سبعمائة بعير، وردت عليه تحمل من كل شيء، فتصدق بها وبما عليها، وبأقتابها وأحلاسها.
    ودعا لمعاوية رضي الله عنه بالتمكين في البلاد، فنال الخلافة.
    ولسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن يجيب الله دعوته، فما دعا على أحد إلا استجيب له.
    ودعا بعز الإسلام بعمر رضي الله عنه، أو بأبي جهل، فاستجيب له في عمر.
    قال ابن مسعود: ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر.
    وأصاب الناس في بعض مغازيه عطش، فسأله عمر الدعاء، فدعا؛ فجاءت سحابة، فسقتهم حاجتهم، ثم أقلعت.
    ودعا في الاستسقاء فسقوا، ثم شكوا إليه المطر؛ فدعا، فصحوا.
    وقال للنابغة: لا يفضض الله فاك؛ فما سقطت له سن.
    وفي رواية: فكان أحسن الناس ثغراً؛ إذا سقطت له سن نبتت له أخرى، وعاش عشرين ومائة سنة، وقيل: أكثر من هذا.
    ودعا لابن عباس رضي الله عنهما: اللهم فقهِّه في الدين، وعلّمه التأويل. فسمي بعد الحبر، وترجمان القرآن.
    ودعا لعلي أن يكفى الحر والقر، فكان يلبس في الشتاء ثياب الصيف، وفي الصيف ثياب الشتاء، ولا يصيبه حر ولا برد.




    ودعا على مضر فأقحطوا، حتى استعطفته قريش، فدعا لهم فسقوا.
    ودعا على كسرى حين مزّق كتابه أن يمزِّق الله ملكه؛ فلم تبق له باقية ولا بقيت لفارس رياسة في أقطار الدنيا.

    ودعا على الحكم بن أبي العاص وكان يختلج بوجهه ويغمز عند النبي صلى الله عليه وسلم، أي لا، فرآه؛ فقال: كذلك كن، فلم يزل يختلج إلى أن مات.
    وقال لعتبة بن أبي لهب: اللهم سلط عليه كلباً من كلابك؛ فأكله الأسد.
    ودعا على سراقة لما اتبعه حين هاجر فارتطمت فرسه.
    وهذا الباب أكثر من أن يحاط به.
    فصل
    ومن ذلك ما أطلع عليه من الغيوب وما يكون وإخباره بذلك
    ومنها: أنه أخبر أن طوائف من أمته يغزون في البحر وأن أم حرام بنت ملحان منهم، وكان كما قال صلى الله عليه وسلم.
    ومنها: إخباره يوم بدر بمصارع المشركين؛ فلم يعد واحد منهم مصرعه
    الذي عينه.
    ومنها: قوله لعثمان رضي الله عنه:إنه سيصيبه بلوى شديدة، فكانت، وقتل رضي الله عنه.
    وقوله صلى الله عليه وسلم للأنصار: إنكم سترون بعدي أثرة، فكانت في ولاية معاوية رضي الله عنه.
    ومنها: قوله: إن ابني هذا سيد، ولعل الله يصله به بين فئتين من المسلمين عظيمتينفكان كذلك.
    ومنها: أنه أخبر بقتل العنسي الكذاب ليلة قتله، وبمن قتله، وهو بصنعاء اليمن، فكان كذلك.
    ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: زويت لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها.فكان كما قال صلى الله عليه وسلم، فبلغ ملكهم من أول المشرق من بلاد الترك إلىآخر المغرب من أرض الأندلس.
    ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس: يا ثابت؛ أما ترضى أن تعيش حميداً، وتقتل شهيداً، وتدخل الجنة؛ فقتل يوم اليمامة.
    ومنها: أن رجلاً ارتد ولحق بالمشركين؛ فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم أنه مات؛ فقال:إن الأرض لا تقبله. قال أبو طلحة: فأتيت تلك الأرض التي مات فيها؛ فوجدته منبوذاً، فقلت: ما شأن هذا؟ فقالوا: إنا دفناه فلم تقبله الأرض.




    ومنها: كتاب حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة، كان قد بعثه مع امرأة إليهم، فأطلعه الله عليه؛ فبعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه والزبير رضي الله عنه فأدركاها، فاستخرجاه من قرونها.
    ومنها: أن رجلاً كان في عسكره لا يدع شاذة ولا فاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه، وقال أصحابه: ما أجزى منا اليوم أحد كما أجزى فلان. فقال صلى الله عليه وسلم:إنه من أهل النار فأصابته جراحة؛ فاستعجل الموت؛ فاتكأ على ذؤابة سيفه؛ فقتل نفسه.
    ومنها: قوله: لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة.

    قيل: هم العرب لأنهم المختصون بالسقي بالغرب، وهو الدلو.
    وقيل: هم أهل المغرب، وقد ورد المغرب كذا في الحديث بمعناه.
    وفي حديث آخر: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، قاهرين لعدوهم، حتى يأتيهم أمر الله. قيل: يا رسول الله وأين هم؟ قال: ببيت المقدس.
    ومنها: إخباره صلى الله عليه وسلم بملك بني أمية، وولاية معاوية ووصاه، واتخاذ بني أمية مال الله دولاًوخروج ولد العباس بالرايات السودوملكهم أضعاف ما ملكوا، وخروج المهدي، وما ينال أهل بيته وتقتيلهم وتشريدهم، وقتل علي رضي الله عنه، وأن الفتن لا تظهر ما دام عمر حياً،وبمحاربة الزبير لعلي؛ وبنباح كلاب الحوأب على بعض أزواجه، وأنه يقتل حولها قتلى كثيرة، وتنجو بعدما كادت؛ فنبحت على عائشة رضي الله عنها، عند خروجها إلى البصرة.
    وقال لعبد الله بن الزبير:ويل للناس منك، وويل لك من الناس.
    وأن عماراً تقتله الفئة الباغية؛ فقتله أصحاب معاوية.
    وقال: الخلافة في قريش.
    ولن يزال هذا الأمر في قريش ما أقاموا الدين.
    وأنذر بالردة، وبأن الخلافة بعده ثلاثون سنة، ثم تكون ملكاً؛ فكانت كذلك بمدة الحسن بن علي.
    وقال: إن هذا الأمر بدا نبوة ورحمة، ثم يكون رحمة وخلافة. ثم يكون ملكاً عضوضاً، ثم يكون عتواً وجبروتاً وفساداً في الأمة.

    وأخبر بشأن الخوارج وصفتهم، والمُخْدَج الذي فيهم، وأن سيماهم التحليق.
    ويُرى رعاء الغنم رؤوسَ الناس، والعراة الحفاة يتبارون في البنيان، وأن تلد الأمة ربتها.
    وأخبر بالمال الذي تركه عمه العباس رضي الله عنه عند أم الفضل بعد أن كتمه؛ فقال: ما علمه غيري وغيرها، فأسلم.
    وأخبر بقتل أهل مؤتة يوم قتلوا، وبينهم مسيرة شهر أو أزيد.
    وبموت النجاشي يوم أن مات بأرضه.
    وأخبر فيروز إذ ورد عليه رسولاً من كسرى بموت كسرى ذلك اليوم، فلما حقق فيروز القصة أسلم.
    وقال في الذين كانوا معه على حراء: اثبت، فإنما عليك نبي وصدِّيق، وشهيد؛ فقتل علي،وعمر، وعثمان، وطلحة،والزبير، وطعن سعد.
    وأعلم قريشاً بأكل الأرضة ما في صحيفتهم التي تظاهروا بها على بني هاشم وقطعوا بها رحمهم، وأنها أبقت فيها كل اسم لله؛ فوجدوها كما قال.ووصفه لكفار قريش بيت المقدس حين كذبوه في خبر الإسراء، ونعته إياه نعت من عرفه.
    هذا ما انتخبته من كلام القاضي وغيره.
    وبالجملة فمعجزاته صلى الله عليه وسلم لا تحصى، ولا يحاط بها ولا تستقصى، وقد قال القاضي: وبحسب هذا الفصل أن يكون ديواناً مفرداً يشتمل على أجزاء وحده. وصدق رحمه الله تعالى، ومن ذا يحيط بالبحر الزخار، ولو أجهد نفسه آناء الليل وأطراف النهار. زاده الله شرفا، وغفر لنا ببركاته وعفا.
    أطياف
    أطياف
    المشرفه المميزه
    المشرفه المميزه


    الجنس : انثى
    الابراج : السمك
    عدد المساهمات : 435
    نقاط : 14380
    السٌّمعَة : 251
    تاريخ التسجيل : 24/07/2011
    العمر : 34
    الموقع : الجزائر

    الفجر المنير فى الصلاة على البشير النذير Empty رد: الفجر المنير فى الصلاة على البشير النذير

    مُساهمة من طرف أطياف الجمعة 4 مايو 2012 - 13:59



    فصل

    وها أنا أنبهك أيها المحب لهذا النبي صلى الله عليه وسلم شرح الله صدري وصدرك، وضاعف به حبي وحبك على نكتة بديعة، وروضة مريعة، تشفي الغليل، وتنقذ العليل؛ وهي: أنك ترى العالم الحاذق ذا العقل الفائق، والذهن الرائق، الذي أفنى عمره ليله ونهاره في درس العلوم وتفهمهاوأجهد نفسه في تعليمها وتعلمها لا يحصل من ذلك بعد التعب الجليل والفكر الطويل، إلا على النزر القليل، بل لو اعتكف على علم واحد من علوم الشريعة وغيرها، لا يبلغ منتهاه ولا يحيط بجمع معناه، وأنت ترى هذه الكتب المصنفات وسائر العلوم المؤلفات،والحكم المسموعات، إنما هي مستفادة من النبي صلى الله عليه وسلم، ومفرعة عما جاء به عن ربه عز وجل من الكتاب والسنة، ثم هو مع ذلك نبي أمي لا يقرأ كتاباً،ولا خط بقلم،{وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذاً لارتاب المبطلون} ولا اشتغل بدراسة ولا مباحثة، ولا ارتحل عن بلده في طلب شيء من ذلك، فأي معجزة أعظم من هذه؟وأي برهان أعظم من هذا البرهان، وأي حجة أفلح من هذه الحجة، وأي محجة أهدى من هذه المحجة؟.
    شعر:
    علوم الورى في لفظه من كلامه
    ولا بدع في أن يعدل الفرد بالجمع
    {وما يذّكّر إلا أولو الألباب}، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
    وأنت ترى إذا نظرت في الكتاب العزيز أو في السنة، وكلاهما من عند الله؛ فإنه صلى الله عليه وسلم:{ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى}،رأيت العجب العجاب، وما يذهل ذوي الألباب.
    أما النظر في الكتاب العزيز، فقال بعض المتأخرين: إما أن يتعلق بألفاظه، أو بمعانيه، أو بهما:
    أما الألفاظ: فإما في كيفية كتبها، أو في كيفية النطق بها.
    أما كيفية كتبها: فيتفرع عنه علم الخط جملة، وعلم خط المصحف.

    وأما كيفية النطق بها: فيتفرع عنه علم مخارج الحروف وعلم النحو، وعلم الاشتقاق، وعلم الوقف والابتداء، وعلم القراءات السبعة وما يتعلق بذلك كله؛ من معرفة الرواة، ومن أخذوا عنه، وإسناد روايتهم عن شيوخهم إلى الصحابة رضي الله عنهم، الذين أخذوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن جبريل عليه السلام، عن رب العزة.
    نكتة في التنبيه عليها: وهي أن انحصار القراءات في سبع، واشتهار ذلك في ال**ار كلها، واتفاق الأمة على العمل بها وعلى إلغاء ما سواها، فيه معجزة من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، وهي الإعلام بالغيب؛ فإنه صلى الله عليه وسلم قال: (إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا ما تيسر منه).

    فدل على أن مراده بسبعة أحرف هذه القراءات السبع التي وقع الاتفاق عليها، وإلغاء ما سواها في جميع ال**ار،وكذلك أجرى الله عز وجل الألسنة بقولهم:قرأت حرف نافع، وقرأت حرف ابن كثير، فعبر عن ذلك بالحروف، وموافقة للفظه المبارك صلى الله عليه وسلم.وإن كان قد اختلف في ذلك.
    ويتعلق بذلك أيضاً معرفة الأسباع، والأعشار، والأخماس، وعدد الآي، وعدد الكلمات، وعدد الحروف، ومعرفة أعلام النحو، وأئمته وأخبارهم.
    وأما النظر في معانيه: فإما في معاني الألفاظ المركبة، أو المفردة.
    أما المفردة: فيتفرع منه علم أسماء الله الحسنى، وعلم غريب القرآن، وعلم اللغة، وعلم الأدب، وعلم أشعار العرب. ويتفرع من علم أشعار العرب علم العروض وغير ذلك من شروحها، وتفسير ما اشتملت عليه من غريب وقصص، ووقائع، وغير ذلك من طبقات النحويين، واللغويين، وطبقات الكتاب الوزراء، وطبقات الشعراء.

    وأما النظر في معانيه المركبة: فيتفرع منها علم أصول الدين، والرد على الملحدين، وعلم أصول الفقه، وعلم الفرائض، وعلم الفقه، وعلم الخلاف، وعلم الجدل، وعلم الأدلة والبراهين، وعلم أحكام القرآن، وعلم أمثال القرآن، وعلم تشبيهات القرآن، وعلم متشابه القرآن، وعلم مجاز القرآن، وعلم لطائف القرآن وإشاراته، وعلم أسباب النزول، وعلم الناسخ والمنسوخ، وعلم المكي والمدني، وعلم القصص والأنبياء عليهم السلام، وعلم الأدعية، وعلم الأخلاق، وعلم السياسة الربانية، وعلم الورع والتقوى، وفضائل السور، وفضائل الآي، ومنافع الآي، والرقى وغير ذلك، وعلم الحساب من الحروف المقطعة في أوائل السور، وتفرع علم الحساب أيضاً من علم الفرائض، وتفرع منه كذلك علم طبقات الفقهاء، وعلم الطب، وعلم الساعات والأوقات،وتفرع من ذلك أيضاً علم تعبير الرؤيا، وعلم المواعظ، وعلم الزهد في الدنيا، والرغبة في الآخرة، وعلم أحوال الآخرة، وأوصاف الجنة والنار، وأوصاف كل واحد منهما.
    وأما النظر فيهما معا: فيتفرع منه علم البيان، والفصاحة، والبلاغة، وعلم صناعة البديع، ويتفرع عن ذلك علم النظر، وحسن التلاؤم والتوافق.
    وأما السنة: فالنظر فيها؛ إما في المتن، وهو نص الحديث. وإما في الطريق؛ وهو السند.
    أما الطريق فتفرع عنه: معرفة الرواية، وكيفيتها وشروطها، وكيفية الأخذ والتعبير عنه، على ما هو معروف عند المحدثين.

    وتفرع عنه: علم السند، والمرسل، والمقطوع، والموقوف، وغير ذلك. وما يتعلق بها من التدليس، وغيره، ومعرفة الصحاح، والغرائب، والحسان، ومعرفة المسلسلات، وغيرها، ومعرفة الصحابة رضي الله عنهم، ومعرفة التابعين، ومعرفة من دونهم من الرواة، ومن بعدهم، ومعرفة التعديل والتجريح، ومعرفة الضعفاء والمتروكين، والمجاهيل، ومن ينسب إلى وضع الحديث واختلافه، وعلم تاريخ الرواة، وأنسابهم، وإسنادهم وأسماءهم، وكناهم، وألقابهم، والمؤتلف والمختلف من أسمائهم، ومشتبه النسبة فيها، وعلم طبقات المحدثين.

    وأما المتن فتفرع عنه: بيان الكتاب العزيز، لقوله تعالى:{لتبين للناس ما نزل إليهم}، فجاء فيه تفسير مجمل القرآن، كتفسير الإيمان، والإسلام،والإحسان، والصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وأوقاتها، وشروطها، وأحكامها.
    وتفرع أيضاً من علم متن الحديث: علم غريب الحديث، وعلم مختلفه، وعلم ناسخه ومنسوخه، وعلم أحكامه، وعلم فقهه، وأمثاله، وفوائده، وحكمه، وعلم مشكله، وعلم شعب الإيمان، وجميع ما تقدم ذكره، مما يحتاج فيه إليه في فهم الكتاب العزيز، من النحو وغيره، فهو محتاج إليه في علم السنة أيضاً.
    وتفرع عنه أيضاً: علم السير، وعلم المعاني، وعلم شمائل المصطفى صلى الله عليه وسلم، وعلم نسبه، وعلم صفاته، وأخلاقه، وعلم فتوح البلاد التي وعده الجليل جل جلاله، وعلم أخبار مكة زادها الله شرفاً، وعلم أحكامها، وعلم أحكام دورها، وعلم الأموال، وأحكام الصلح والعنوة، وما اشتملت عليه كتب الأربعين لقوله صلى الله عليه وسلم: (من حفظ على أمتي أربعين حديثاً دخل الجنة)، وعلم أسماء الله الحسنى، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة).
    وفي حاشية البخاري: (من حفظها دخل الجنة).

    وعلم طريق الحديث، وعلم ما اشتملت عليه كتب الرقائق، والزهد، وعلم حلي الأولياء، وعلم طبقات النساك، وطبقات الصوفية، وعلم الفرق؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة)، وعلم الطب، وعلم عبارة الرؤيا، وعلم الحق والحقيقة لقوله صلى الله عليه وسلم لحارثة بن مالك الأنصاري الزرقي: (إن لكل حق حقيقة فما حقيقة إيمانك؟).
    إلى غير ذلك مما يطول تعداده، وكل علم من هذه العلوم إذا شغل الإنسان به نفسه، وعمر أوقاته بطلبه، وأفنى قوته في درسه وتحصيله وجعل ذلك ديدنه طول عمره لم يبلغ منتهاه، ولا أدرك غايته، ولا أقصاه، بل لو جمع الكتب المصنفة في فن من هذه الفنون، وشغل نفسه بمطالعتها دون درسها وتحصيلها لذهب عمره في ذلك، والله عز وجل أعلم.
    قال الإمام المازري: قال شيخنا أبو الحسن اللخمي: اختصرت المدونة نحواً من اثنين وثلاثين اختصاراً، ليس فيها أحسن من المهذب للباجي،قال: يريد في موافقة ألفاظ المدونة، وأما مختصر أبي محمد بن أبي زيد فلا يلحق به أحد، فهذا اختصار كتاب واحد من كتب الفقه بلغت عدته هذه الجملة.ويحتمل أن يكون هناك اختصارات أخر لم يقف عليها الفقيه أبو الحسن مما صنف بالمشرق والمغرب، والأندلس، وغيرها من البلاد.

    فإذا عرفت هذه الجملة صار عندك كونه صلى الله عليه وسلم، أوتي جوامع الكلم أوضح من الشمس؛ فسبحان من خصه بهذا الشرف الذي لا تدرك غايته، والعلم الذي لا يبلغ رايته، والفضل الذي لا يعلم كنهه، ولا نهايته، سيدنا ومولانا وشفيعنا، ونبينا، وحبيبنا، محمد صلى الله عليه، وعلى آله الطيبين الطاهرين، صلاة لا يفنى عددها، ولا ينقضي أمدها.

    ومما ينبغي أن ينبه عليه، ويعتمد في إعجاز القرآن العظيم عليه،وإن كان لا يخطر في الغالب بالبال، وهو باد في تأمل أحسن من سمط اللآل، وذاك أن الحروف المقطعة في أول سور القرآن الدالة على صدق من جاء به، فأفرغ الحق في غالبه، فإن أمرها غريب وسرها عجيب، إذا أعطيت من التأمل حقها.
    قال ابن خطيب زملكافي برهانه:وسأوضِّح لك ذلك بشيء من دقيق المسالك يشير إلى إعجاز القرآن منه فواتح السور التي هي حروف هجاء،وإذا نظرتها ببادي الرأي وجدتها مما يكاد يمجه السمع، ويقل به النفع، مع أنها من الحسن ترفل في أثواب الحبر، ويقصر عنها دقيق النظر، وذلك من وجوه:
    الأول: أنها كالمهيجة لمن سمعها من الفصحاء،والموقظة للهمم الراقدة من البلغاء لطلب التساجل والأخذ في التفاضل.ألا تراها بمنزلة زمجرة الراعد قبل الماطر في الإعلام لتعي الأرض فضل الغمام،وتحفظ ما أفيض عليها من الإنعام، وتخاف مواقع الانتقام بما فيه العجمة (التي لا تؤلف في الكلام. وما هذا شأنه خليق بالنظر فيه، والوقوف)على معانيه بعد حفظ مغانيه، بل حكم الدواعي الجبلية أن تبعث على ذلك اضطراراً لا اختياراً، لاسيما وهي صادرة عن رجل عليه مهابة وجلالة، قد قام مقام أولي الرسالة، وكشف ما هم عليه من الجهالة والضلالة، وتواعدهم بأن الهلكات نازلة بهم لا محالة.
    الثاني: التنبيه على أن تعداد هذه الحروف ممن لم يمارس الخط، ولم يعانِ النظر فيه، على ما قال تعالى:{وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك} متنزل منزلة الأقاصيص عن الأمم السالفة ممن (ليس) له اطلاع على ذلك.
    الثالث: انحصارها في نصف (أسماء)حروف المعجم؛ لأنها أربعة عشر حرفاً، وهي:الألف، واللام، والميم، والصاد، والراء، والكاف، والهاء، والياء، والعين، والطاء، والسين، والحاء، والقاف، والنون.
    قلت: يجمعها قولك: نص حكيم قاطع له سر.

    قال: وهذا واضح على من عدَّ حروف المعجم ثمانية وعشرين حرفاً. وقال: لا مركَّبة من اللام والألف، وإن كان بعيداً من الصواب، مع أنه المشهور في التهجي.

    والصحيح إنها تسعة وعشرون (حرفاً)، والنطق بلا في (التهجي) كالنطق بـ(لا في):لا رجل في الداروذلك أن الواضع جعل كل حرف من حروف التهجي صدر اسمه إلا الألف (فإنه) لما لم يمكن أن يبدأ به لكونه مطبوعاً على السكون ولا يقبل الحركة أصلاً توصل إليه باللام لأنه يناسبه في الامتداد والانتصاب (ولذلك يكتب على صورة الألف إذا اتصل بما بعده).
    وذكر ابن عصفور أن منشأ الخلاف عند النحويين في عدد حروف المعجم،هل الهمزة من قبل الحروف، أو من قبل الضبط؟.
    الرابع: مجيئها في تسع وعشرين سورة بعدد الحروف.
    الخامس: كما روعي تنصيفها باعتبار هجائها، روعي تنصيفها باعتبار أجناسها.
    قلت: يريد أن كل جنس من أجناس الحروف كالمجهورة، والمهموسة، والرخوة، والشديدة، وغير ذلك من أجناسها، قد نصفت غالباً؛ فاستعمل نصفها في القرآن، وأهمل نصفها الآخر، وإذا تأملت ذلك وجدته. ثم إن النصف المستعمل في القرآن هو الأخف والأكثر استعمالاً من النصف المهمل.
    ثم قال: ومن وقف على ذلك علم أن القرآن ليس من كلام البشر، وجزم بأنه كلام خالق القوى والقدر، فإن المتبحر في معرفة الحروف وتصرف مخارجها؛ الخفيف والثقيل، وعدد أجناسها، لا يهتدي إلى هذا النظر الدقيق.

    ومما يشد من عضد ما ذكرناه أن الألف واللام والميم يكثرن في الفواتح، ما لم يكثر غيرها من الحروف لكثرتها في الكلام، ولأن الهمزة من الرئة فهي من أعمق الحروف، واللام مخرجها من طرف اللسان، ملصقة بصدر الغار الأعلى من الفم، فصوتها يملأ ما وراءها من هواء الفم،والميم مطبقة لأن مخرجها من الشفتين إذا أطبقتا فرمز بهنَّ إلى باقي الحروف كما رمز صلى الله عليه وآله وسلم بقوله:(أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله) إلى الإتيان بالشهادتين وغيرهما مما هو من لوازمهما،وكذلك لسائر الحروف الفواتح شأن ليس لغيرها، ووراء ذلك من الأسرار الإلهية ما لا تستقل بفهمه البشرية ولهذا استخرج بعض أئمة المغرب رحمه الله تعالى من قوله تعالى:{الم غلبت الروم في أدنى الأرض}، فتوح بيت المقدس، واستنقاذه من يد العدو في سنة معينة، وكان كما قال، انتهى.
    ولو جئنا نتتبع ما أعطي عليه الصلاة والسلام من المعجزات، وما ظهر علي يديه من الآيات الباهرات، لاحتجنا إلى كثير من المجلدات المطولات، ولقصرت عن إدراكه العبارات، من ذا الذي يحصي موج البحر الزخار؟ ولو أجهد نفسه آناء الليل وأطراف النهار دائماً أبداً،{قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا}.

    فلنقتصر على هذه النبذة اليسيرة ونفوض التعداد في ذلك إلى عالم السريرة؛ فإنه لا يحصيه إلا هو تعالى.
    اللهم اجعلنا من خيار أمته، وضاعف لنا الأجر على ولايته ومحبته، وارزقنا العمل بكتابك وسنته، واحشرنا يوم القيامة تحت لوائه وفي زمرته،آمين يا رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين إنك عزيز حكيم.

    الباب الحادي عشر

    في من استغاث به صلى الله عليه وسلم وأغيث في القديم والحديث
    اعلم أن أول من استغاث بنبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم أبونا آدم، عليه السلام، وذكر شيخ الإسلام والمسلمين أبو عبد الله محمد الشهير بابن النعمان، بسنده في كتاب مصباح الظلام إلى جابر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله متى كنت نبياً؟ قال: لما خلق الله الأرض واستوى إلى السماء، فسواهن سبع سموات،وخلق العرش، كتب على ساق العرش محمد رسول الله خاتم النبيين، وخلق الله الجنة التي أسكنها آدم وحواء، فكتب اسمي على الأبواب والأوراق والقباب، والخيام، وآدم بين الروح والجسد، فلما أحياه الله تعالى، نظر إلى العرش؛ فرأى اسمي؛ فأخبره تعالى: إنه سيد ولدك. فلما غرهما الشيطان، تابا واستشفعا باسمي إليه.
    وأخرج البيهقي فيدلائله من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جده، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما اقترف آدم الخطيئة، قال: يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي، فقال الله عز وجل: يا آدم، وكيف عرفت محمداً ولم أخلقه؟، قال: لأنك يا رب لما خلقتني بيدك ونفخت فيَّ من روحك، رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوباً لا إله إلا الله محمد رسول الله؛ فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك،فقال الله عز وجل: صدقت يا آدم، إنه لأحب الخلق إلي، وإذ سألتني بحقه فقد غفرت لك ولولا محمد ما خلقتك.
    قال البيهقي: تفرد به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، من هذا الوجه عنه، وهو ضعيفوالله أعلم.
    وذكره الطبراني: وزاد فيه: وهو آخر الأنبياء من ذريتك.
    وذكر السمرقندي ومكي وغيرهما: أن آدم عند معصيته قال: اللهم بحق محمد اغفر لي خطيئتي.
    ويروى: تقبل توبتي. قال الله: من أين عرفت محمداً؟ قال: رأيت في كل موضع من الجنة مكتوباً: لا إله إلا الله محمد رسول الله.

    وفي رواية: محمد عبدي ورسولي، فعلمت أنه أكرم خلقك عليك؛ فتاب الله عليه وغفر له. قال القاضي: هذا تأويل عند من تأول قوله تعالى:{فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه}.
    وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: اختصم ولد آدم عليه السلام؛ فقال بعضهم: أبونا آدم أكرم الخلق على الله، خلقه بيده، وأسجد له ملائكته، وقال بعضهم: جبريل أكرم الخلق على الله؛ فخرج آدم عليه السلام فقال: فيم أنتم؟ فأخبروه، فقال: يا بني إن الله عز وجل لما نفخ فيّ الروح فأول ما فتح مني عيناي، رأيت على العرش مكتوباً لا إله إلا الله محمد رسول اللهفلما وقعت في الخطيئة قلت: يا رب أسألك بحق محمد لما تبت علي. فتاب علي، محمد أكرم الخلق على الله عز وجل.

    وأنشد أبو الحسن علي بن هارون في هذا المعنى من قصيدة له:
    من نور رب العرش كون نوره
    والناس في خلق التراب سواء
    خرت له شرفات كسرى هيبة
    وليوم مولده اضمحل بناء
    وبه توسل آدم من ذنبه
    وتشفعت بمقامه حواء
    وبه توسل نوح في طوفانه
    وأجيب حين طغى عليه الماء
    وبه دعا إدريس فارتفعت له
    عند الإجابة رتبة علياء
    وبه استجيب دعا أيوب وقد
    أودى به عند المصاب بلاء
    وبه نجا من بطن حوت يونس
    لما دعا وتجلت الظلماء
    وبه تمكن يوسف في مصر
    من بعد ما أودت به الضراء
    وبه محا الإله خطا داود
    وله استجيب تضرع ودعاء
    وبه سليمان استجار فعاد عن
    لبث لملك أبيه كيف يشاء
    وبه الخليل نجا من النار التي
    أذكى ضرام لهيبها الأعداء
    وبه الذبيح فدي بذبح جاءه
    فله كما شهد الكتاب فداء
    بمحمد فاز الكليم بطوره
    لما أتاه من الإله نداء
    وببعثه التوراة يشهد لفظها
    بالمصطفى وبها عليه ثناء
    وكذلك يحي عاد معصوماً به
    وله عن الذنب الدني إباء
    وبه استجارت مريم في حملها
    فأجاء عن لبس وزال عناء
    وبسره عيسى توسل فانثنى
    من شأنه بين الورى الإحياء
    وللإمام زكي الدين عبد العظيم بن أبي الإصبع في قصيدة له شعراً:
    ونجى أباه آدم من خطيئة له


    أصبحت عن جنة الخلد تبعد
    ونجى نوحاً في السفين بنوره
    غداة التقى الماآن والموج مزبدا
    وقد سال الله العظيم خليله
    به (00) والنار وهي توقد
    فصارت عليه النار برداً بيمنه
    ونمروذ مع ما رأى متمردا
    ولصالح بن الحسين من قصيدة له شعر:
    وكان له الفردوس في زمن الرضا
    وأثواب شمل الأنس محكمة السدا
    يشاهد في عدن ضياء مشعشعاً
    يزيد على الأنوار في الضوء والهدى
    فقال إلهي ما الضياء الذي أرى
    جنود السما تغشوا إليه ترددا
    فقال نبي خير من وطيء الثرا
    وأفضل من في الخير راح واغتدى
    تخيرته من قبل خلقك سيداً
    وألبسته قبل النبيين سؤددا
    وأعددته يوم القيامة شافعاً
    مطاعاً إذا ما (000) وحسدا
    فيشفع في إنقاذ كل موحد
    ويدخله جنات عدن مخلدا
    وإن له أسماء سميته بها
    ولكنني أحببت منها محمدا

    بحرمة هذا الاسم والزلفة التي
    خصصت لها دون الخليقة أحمدا
    أقل عثراتي يا إلهي فإن لي
    عدواً جار في القصد واعتدى
    فتاب عليه ربه وحماه من
    جناية ما أخطا به أو تعمدا
    ولشيخ المسلمين أبي عبد الله بن النعمان قدس الله روحه، ونور ضريحه:
    شفيعي إلى ربي محمد
    لقد فاز من كان الشفيع له غدا
    كما شفع الله النبي لآدم
    به في جنان الخلد مما به غدا
    فنادى إلهي إنني لك لائذ
    بجاه رسول الله خلاً وسيدا
    تقبل إليه توبتي بالذي به
    ختمت بإرسال النبي أحمدا
    فتاب عليه ربه إذ لجا له
    جناية ما أخطى به أو تعمدا
    قال: ويشهد لما قلناه أن موسى وعيسى عليهما السلام بشرا به أمتهما، وأجده في التوراة والإنجيل، كما أخبر الله تعالى في كتابه المجيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، فكانا يتوسلان به، وكذلك كل نبي مفتقر في الآخرة إليه. وأنشد:
    جميع الورى في الحشر تحت لوائه
    وأعناقهم طراً إليه تعرج


    قال: ولقد أحسن الإمام ناصر الدين بن المنير حيث قال في بعض خطبه:وأصلي على نبيك الذي بعثته خاتماً للرسل وإن كان في حلبة مسابقتهم مجليا، ونعته بسيد ولد آدم فكان كل نبي مصليا، وعليه مصليا.
    فصل
    في ما جاء في المستغيثين به صلى الله عليه وسلم
    عند القحط وعدم الإمطار
    وما جاء في ذلك في صحيح الأخبار
    روينا في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه أن رجلاً دخل المسجد يوم الجمعة من باب كان نحو دار القضاء ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب، فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً ثم قال: يا رسول الله هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله يغثنا. قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه، ثم قال: اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا،قال أنس فلا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار. قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس،فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت قال: فلا والله ما رأينا الشمس سبتاً. قال: ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب، فاستقبله قائماً، فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع الله يمسكها عنا. قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال:حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب، وبطون الأودية، ومنابت الأشجار قال: فأقلعت، وخرجنا نمشي في الشمس. قال شريك: فسألت أنس بن مالك: أهو الرجل الأول؟. قال: لا أدري.
    أطياف
    أطياف
    المشرفه المميزه
    المشرفه المميزه


    الجنس : انثى
    الابراج : السمك
    عدد المساهمات : 435
    نقاط : 14380
    السٌّمعَة : 251
    تاريخ التسجيل : 24/07/2011
    العمر : 34
    الموقع : الجزائر

    الفجر المنير فى الصلاة على البشير النذير Empty رد: الفجر المنير فى الصلاة على البشير النذير

    مُساهمة من طرف أطياف الجمعة 4 مايو 2012 - 14:03



    فصل
    في تفسير غريب هذا الحديث
    وما يتعلق به من حيث المعنى

    قوله: دار القضاء سميت بذلك لما بعث في قضاء دين عمر بن الخطاب الذي كتب على نفسه لبيت مال المسلمين، أوصى أن يباع فيه ماله، ولما عجز استعان ببني عدي، ثم قريش، القصة إلى آخرها.....

    والأموال جمع مال.وألفه منقلبة عن واو،بدليل ظهورها في الجمع،وليس له جمع كثرة، وجمع، وإن كان جنساً لاختلاف أنواعه، وهو: كل ما يتملك وينتفع به، والمراد هنا مال مخصوص، وهو كل ما يتضرر بعدم المطر؛ من حيوان ونبات، والله أعلم.
    وقوله: انقطعت السبل: واحدها سبيل، وهو هنا الطريق، يذكّر ويؤنث، فمن التذكير قوله تعالى:{وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا}، ومن التأنيث قوله تعالى:{قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني}.
    وانقطاعها إما لعدم المياه التي يعتاد المسافرون ورودها، وإما باشتغال الناس وشدة القحط عن الضرب في الأرض، والله أعلم.
    قوله:فادع الله أن يغيثنا: وقوله عليه الصلاة والسلام: اللهم أغثنا: هكذا هو في جميع نسخ مسلم، أغثنا بالألف، ويغيث بضم الباء، من أغاث يغيث، رباعي. والمشهور في كتب اللغة إنما يقال في المطر: غاث الله الناس والأرض يغيثهم، بفتح الياء: أنزل الله المطر. وقد تأوله القاضي عياض كما في إكماله على أن هذا المذكور في الحديث بمعنى المغوثة وليس من طلب الغيث. قال: وإنما يقال في طلب الغيث: اللهم غثنا وارزقنا غيثاً. قال: ويحتمل أن يكون من طلب الغيث، أي: هب لنا غيثاً وارزقنا، كما يقول: سقاه الله وأسقاه، أي جعل له سقيا، على لغة من فرق بينهما.
    قلت:ويجوز فيهما الرفع والجزم؛ فالرفع على استئناف، والجزم على جواب ادع، وهو الأصل.
    وقوله: فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال: اللهم أغثنا: فيه جواز الاستسقاء في خطبة الجمعة، والدعاء بذلك، وكون ذلك على غير سنة الاستسقاء إذ ليس فيه تحويل عن القبلة، ولا تحويل رداء، والظاهر أن هذا مجرد دعاء للسقي كسائر الأدعية للمسلمين في الخطبة.
    قال صاحب الإكمال: وبهذا اعتبر الحنفي أنه لا صلاة للاستسقاء، وفاته معرفة تلك السنن المتقدمة.

    قال: وفيه جواز الاقتصار على الاستسقاء يوم الجمعة في خطبتها، دون البروز، وهو معنى قول الشافعي رحمه الله تعال، ومن أجازه بغير صلاة، وبه احتج بعض السلف؛ إذ الخروج إليها بعد الزوال، إذ كان دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحال يوم الجمعة، والناس كلهم على خلافه،وأنها بكرة.

    قلت: انظر قوله والناس كلهم على خلافه والخلاف في ذلك موجود عن ابن شعبان وغيره، وقد ذكرتها في رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام.
    وقوله صلى الله عليه وسلم: اللهم أغثنا ثلاثاً: فيه استحباب تكرار الدعاء، وقد جاء في بعض الأحاديث: (إن الله تعالى يحب الملحّين في الدعاء)؛ فالأولى أن لا يقتصر على واحدة.
    وقوله: فلا والله ما نرى في السماء سحاب ولا قزعة: السحاب:جنس واحده سحابه، وهي الغيم، ويجمع أيضاً على سُحُب وسحايب.
    والقزعة: بفتح القاف والزاي، وهي القطعة من السحاب (دقيقة) وجمعها: قزع، كقصبة وقصب. قال أبو عبيدة: وأكثر ما يكون ذلك في الخريف.
    وقوله: وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار: يحتمل والله أعلم ليحمل الناس على تلك الجهة لشدة الجدب، وطلب الكلأ والخصب.
    وسَلْع: جبل مشهور بقرب المدينة، بفتح السين وسكون اللام.
    قال في البخاري: هو الجبل الذي بالسوق.
    وقوله: مثل الترس: قال صاحب الإكمال: قال ثابت لم يرد والله أعلم في قدره، ولكن في استدارتها وهو أجمل السحاب عند العرب.
    وقوله: ثم أمطرت، قيل: إن مطرت ثلاثياً:في الرحمة، وأمطرت رباعياً: في النقمة، قال الله تعالى:{وأمطرنا عليها حجارة من سجيل}، وقيل: هما سواء بدليل قوله تعالى:{هذا عارض ممطرنا} اسم فاعل من أمطر وهم إنما زعموا مطر الرحمة وهذا هو المعروف في كلام العرب أي التسوية بينهما.

    والسبت القطعة من الدهر. قال: سابت والناس يحملونه على أنه أراد من سبت إلى سبت، وإنما هو القطعة من الزمان، يقال: سبت من الدهر، وسبته، وقد رواه الداوردي سبتاً، وفسره أي ستة أيام، أي من الدهر، أي من الجمعة إلى الجمعة، قالوا: وهو تصحيف.
    قلت: السبت من الألفاظ المشتركة؛ فالسبت: الدهر. والسبت: الراحة. والسبت: حلق الرأس. والسبت: إرسال الشعر عن العقص. والسبت: ضرب من سير الإبل. قال (أبو) عمرو: وهو العنق.
    وأنشد الجوهري لحميد بن ثور:
    ومطوية الأقراب أما نهارها
    فسبت وأما ليلها فذميل
    والسبت: القطع. وسبت علاوته سبتاً: إذا ضرب عنقه. قيل: ومنه سمي يوم السبت لانقطاع الأيام عنده. قال الله تعالى:{ويوم لا يسبتون}.والسبت: قيام اليهود بأمر سبتها، وقيل: لأن الله تعالى أمر بني إسرائيل بقطع الأعمال فيه، والجمع: أسبت، وسبوت.
    وقوله عليه الصلاة والسلام: حوالينا ولا علينا: هكذا في النسخ من كتاب العمدة لعبد الغني، وهكذا رويناه بإثبات الألف بعد الواو، وجاء فيه أيضاً: حولنا بغير ألف، وكلاهما صحيح فيه جواز الاستصحاء كما استحب الاستسقاء.

    وفيه معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في إجابة دعائه في الحال، حتى خرجوا يمشون في الشمس.
    وفيه: حسن أدبه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم في الدعاء إذ لم يسأل رفع المطر من أصله، بل سأل رفع ضرره، وكشفه عن البيوت والمرافق والطرق بحيث لا يتضرر به ساكن ولا ابن سبيل، وسأل بقاءه في موضع الحاجة، بحيث يبقى نفعه وخصبه، وهي بطون الأودية والآكام والضراب.
    وقوله عليه الصلاة والسلام: اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية:
    أما الآكام: فيقال فيه بالفتح والمد، وإكام بالكسر، ويقال أيضاً: أَكم، وأُكم، بالفتح والضم، والأكمة: الموضع الغليظ الذي لا يبلغ أن يكون حجراً يرتفع على ما حوله. وقال الخليل: هو تل من حجر واحد. وقال الثعالبي: الأكمة ما علا من الرابية.

    والظراب الروابي الصغار، واحدها ظَرِب، مثل كتف. ومنه الحديث: (فإذا حوت مثل الظرب).
    والأوديةجمع واد. قالوا: وليس في كلام العرب جمع فاعل على أفعلة إلا واد وأودية؛ فهو من النوادر.
    وقوله: فأقلعت: هكذا في أكثر نسخ مسلم، وفي بعض النسخ المعتمدة: فقلعت، وهما بمعنى واحد.
    وقوله: أهو الرجل الأول؟ قال: لا أدري: قد جاء في رواية البخاري وغيرها: أنه الأول، وقوله: لا أدري، قد يقال:لا أدرِ بحذف الياء تخفيفاً لكثرة الاستعمال، كما قالوا: لم يكُ، فحذفوا النون أيضاً لكثرة الاستعمال، والله أعلم.
    وخرج البيهقي في دلائله: بسنده إلى يزيد بن عبيد السلمي قال: لما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أتاه وفد بني فزارة بضعة عشر رجلاً، فيهم خارجة بن حصن، والحر بن قيس وهو أصغرهم، ابن أخي عيينة ابن حصن، فنزلوا في دار رملة بنت الحارث من الأنصار، وقدموا على إبل صغار عُجاف وهم مسنتون، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقرِّين بالإسلام، فسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بلادهم؟؛ فقالوا: يا رسول الله أسنتت بلادنا، وأجدب جنابنا، وحَرَبَت عيالنا،وهلكت مواشينا، فادع ربك أن يغيثنا، وتشفع لنا إلى ربك ويشفع ربك إليك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبحان الله ويلك، أنا شفعت إلى ربي فمن ذا الذي يشفع ربنا إليه؟ لا إله إلا الله العظيم، وسع كرسيه السماوات والأرض وهو يئط من عظمته وجلاله كما يئط الرجل الجديد.

    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله ليضحك من شعثكم وأذاكم، وقرب غياثكم، فقال الأعرابي: أو يضحك ربنا يا رسول الله؟، قال: نعم. فقال الأعرابي: لن نعدم يا رسول الله من رب يضحك خيراً، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله،فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصعد المنبر وتكلم بكلمات،ورفع يديه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا في الاستسقاء، فرفع يديه حتى رئي بياض إبطيه، وكان مما حفظ من دعائه: اللهم اسق بلدك وبهيمتك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت، اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً مريئاً مريعاً، طبقاً واسعاً عاجلاً غير آجل، نافعاً غير ضار، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب، ولا هدْمٍ ولا غرق ولا محق، اللهم اسقنا الغيث وانصرنا على الأعداء. فقام أبو لبابة بن عبد المنذر، فقال: يا رسول الله إن التمر في المرابد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم اسقنا، فقال أبو لبابة: التمر في المرابد ثلاث مرات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:اللهم اسقنا حتى يقوم أبو لبابة عرياناً يسد ثعلب مربده بإزاره، قال: فلا والله ما في السماء من قزعة ولا سحاب، وما بين المسجد وسَلْعٍ من بناء ولا دار، فطلعت من وراء سلع سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت وهم ينظرون ثم أمطرت، فو الله ما رأوا الشمس ستاً، وقام أبو لبابة عرياناً يسد ثعلب مربده بإزاره لئلا يخرج التمر منه.
    فقال الرجل: يا رسول الله يعني الذي سأله أن يستسقي لهم: هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فدعا، ورفع يديه مداً، حتى رئي بياض إبطيه، ثم قال: اللهم حوالينا ولا علينا،على الآكام والظراب،وبطون الأودية ومنابت الشجر، فانجابت السحابة عن المدينة كانجياب الثوب.
    فصل
    في من استغاث به صلى الله عليه وسلم من الجوع

    عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء أبو سفيان بن حرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغيث من الجوع، لأنهم لم يجدوا شيئاً يأكلونه حتى أكلوا العلهز بالدم، فأنزل الله عز وجل:{ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون}،قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فرج عنهم.
    وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل في غزوة غزاها؛ فأصاب أصحابه جوع وفنيت أزوادهم، فجاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكون ما أصابهم، ويستأذنونه في أن ينحروا بعض رواحلهم، فدعا بفضل أزوادهم؛ فمنهم الآتي بالقليل، ومنهم الآتي بالكثير، فجعلون في شيء ثم دعا عليه ما شاء الله أن يدعو، ثم قسمه بينهم، فما بقي في القوم أحد إلا ملأ ما كان معه من وعاء، وفضل فضل. فقال عند ذلك: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاك أدخله فيهما، إلا دخل الجنة.

    وفي صحيح مسلم من حديث جابر الطويل: شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع؛ فقال: عسى الله أن يطعمكم، فأتينا سيف البحر، فزخر البحر فألقى دابة، فأورينا على شقها النار، فاطَّبخنا واشتوينا، وأكلنا حتى شبعنا، الحديث.
    قلت: السِّيف بالكسر: ساحل البحر، والجمع أسياف، والسيف أيضاً ما كان ملتزقاً بأصول السعف، وكالليف، وليس به. قاله الجوهري.

    وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض بني سهم ممن أسلم بخيبر، فقالوا: يا رسول الله لقد جهدنا، وما بيدنا شيء، فلم يجدوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً يعطيهم إياه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم إنك قد علمت حالهم، وأنهم ليست لهم قوة، وليس بيدي ما أعطيهم إياه، فافتح عليهم أعظم حصن بها غنىً أكثره طعاماً وودكاً. فغدا الناس ففتح الله عليهم حصن الصعب بن معاذ،وما بخيبر حصن أكثر طعاماً وودكاً منه، فلما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصونهم ما افتتح، وجاز من الأموال ما جاز، انتهوا إلى حصينهم ا****ح والسلالم، وكان آخر حصون خيبر افتتاحاً فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، بضع عشرة ليلة.
    وروي عن الشريف أبي محمد عبدالسلام بن عبد الرحمن الحسني القابسي أنه قال: أقمت بمدينة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام،لم أستطعم فيها، فأتيت منبره صلى الله عليه وسلم، فركعت ركعتين، ثم قلت: يا جدي جعت وأتمنى عليك ثريداً. ثم غلبتني عيناي، فبينما أنا نائم وإذا برجل يوقظني، فانتبهت؛ فرأيت معه قدحاً من خشب فيه ثريد ولحم وسمن، وقال لي: كل، قلت: من أين هذا؟، قال: إن صغاري لهم ثلاث أيام يتمنون هذا الطعام، فلما كان اليوم فتح لي بشيء عملته به، فنمت فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم وهو يقول: إن أحد إخوانك تمنى هذا الطعام فأطعمه منه.
    وهذا باب واسع اقتصرنا منه على هذه النبذة، والله أعلم.
    فصل
    في من استغاث به صلى الله عليه وسلم
    من شدة العطش

    عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر؛ فأصابنا عطش، فجهشنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فوضع يده في تور من ماء بين يديه، قال:فجعل الماء ينبع من بين أصابعه كأنه العيون، قال: خذوا بسم الله فشربنا، فوسعنا وكفانا، ولو كنا مائة ألف لكفانا، قلت لجابر: كم كنتم؟ قال: ألفاً وخمسمائة.

    هكذا أخرجه البيهقي في دلائله.

    وخرج البخاري، وقال فيه: قال جابر: عطش الناس يوم الحديبية. وأخرجه ابن شاهين في دلائله، من حديث جابر، وقال: أصابنا عطش يوم الحديبية0000 الحديث.
    قال الجوهري: الجهش أن يفزع الإنسان إلى غيره، وهو مع ذلك يريد البكاء، كالصبي يفزع إلى أمه وقد تهيأ للبكاء، يقال:جهش إليه يجهش، وذكر باقي الحديث، قال: وكذلك الإجهاش، يقال: جَهِشَت نفسي، وأجهشت، أي: نهضت.
    وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة تبوك، فقال المسلمون: يا رسول الله عطشت دوابنا وإبلنا، فقال: عليّ من فضلة ماء، فجاء رجل بشيء من الماء في شيء، فقال: هاتوا صحفة، فصب الماء، ثم وضع راحته في الماء، قال: فرأيتها تخلل عيوناً بين أصابعه، قال: فسقينا إبلنا ودوابنا، وتزودنا، فقال: أكفيتم؟، فقالوا: نعم اكتفينا يا نبي الله، فوضع يده فارتفع الماء.
    وذكر مسلم في صحيحه من حديث أبي قتادة الطويل:أنه قال: احفظ علي ميضأتك، وذكر أن الناس انتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم،حين امتد النهار، وحمي كل شيء، وهم يقولون: يا نبي الله هلكنا عطشاً، فقال: لا هلك عليكم.
    قال: ودعا بالميضأة؛ فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصب، وأبو قتادة يسقيهم، فلما رأى الناس ما في الميضأة تكابوا عليها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحسنوا الملأ كلكم سيروى.
    قال: ففعلوا، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصب، وأسقيهم حتى ما بقي غيري وغير رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    قال: ثم صب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لي: اشرب، فقلت:لا أشرب حتى يشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:إن ساقي القوم آخرهم شرباً، قال: فشربت وشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فأتى الناس الماء جامّين رواء.

    وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد، فنزلنا منزلاً فأصابنا فيه عطش، حتى ظننا أن رقابنا ستقطع، حتى إن كان الرجل ليذهب يلتمس الرجل فلا يرجع حتى يظن أن رقبته ستقطع، حتى إن كان الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ويجعل ما بقي على كبده، فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: يا رسول الله إن الله قد عودك في الدعاء خيراً، فادع الله لنا. قال: أتحب ذلك؟. قالوا: نعم. فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه، فلم يرجعهما حتى قالت السماء، فأظلت، ثم سكبت، فملؤوا ما معهم، ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر.

    قال الحافظ المنذري: أخرجه البيهقي في دلائله كذلك.
    واشتد العطش بالحسن والحسين رضي الله عنهما وعن أبيهما وأمهما،فجعلا يبكيان، فأعطاهما النبي صلى الله عليه وسلم لسانه فمصاه، فسكتا.
    وعن عمرو بن شعيب أن أبا طالب قال: كنا مع ابن أخي بذي المجاز، يعني النبي صلى الله عليه وسلم؛ فأدركني العطش، فشكوت إليه، فقلت: يا ابن أخي عطشت، وما قلت له ذلك وأرى عنده شيئاً إلا الجزع. فثنى وركه، ثم نزل، وقال: يا عم عطشت؟، فقلت: نعم. فأهوى بعقبه في الأرض؛ فإذا بالماء. فقال: اشرب يا عم.

    وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن أبا بكر كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار، فعطش أبو بكر،فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:اذهب إلى صدر الغار فاشرب. قال أبو بكر: فانطلقت إلى صدر الغار، فشربت ماء أحلى من العسل، وأبيض من اللبن، وأزكى رائحة من المسك. ثم عدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أشربت؟ فقلت: شربت يا رسول الله، فقال: ألا أبشرك؟، فقال: بلى، فداك أبي وأمي يا رسول الله. قال: إن الله أمر الملك الموكل بأنهار الجنة أن يخرق نهراً من جنة الفردوس إلى صدر الغار لتشرب يا أبا بكر، فقال أبو بكر: أولي عند الله هذه المنزلة؟ قال: نعم، وأفضل. والذي بعثني بالحق نبياً لا يدخل الجنة مبغضك، ولو كان له عمل سبعين نبياً.
    وهذا باب واسع نقتصر منه على ما ذكروا، والله سبحانه وتعالى أعلم.
    فصل
    في استغاثة من لاذ بقبره واشتكى إليه بفقره وضرره

    صلى الله عليه وسلم وشرَّف وكرَّم ومجَّد وعظَّم ووالى عليه وأنعم
    روى أبو الحسن علي بن هبة الله الشافعي فقيه مصر ومفتيها، بسنده إلى المنكدر بن محمد أن رجلاً من أهل اليمن أودع أباه ثمانين ديناراً وخرج الرجل يريد الجهاد، وقال: إن احتجت إليها فأنفقها إلى أن آتي إنشاء الله تعالى.
    وخرج الرجل وأصاب أهل المدينة سنة وجهد، قال: فأخرجها أبي وأنفقها. قال: فلم يلبث الرجل أن قدم فطلب ماله، فقال له أبي عد إلي غداً. قال: وبات في المسجد متلوذاً بقبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرة، وبمنبره مرة، حتى كاد يضج، فإذا شخص في السواد يقول: دونك ها يا محمد؛ فمد يده فإذا صرة فيها ثمانون ديناراً. قال: وغدا عليه الرجل فدفعها إليه.

    وعنه قال: حدثنا أبو الطاهر السلفي، حدثنا الطريف أبو علي محمد بن محمد عبد العزيز المهتدي العدل، حدثنا والدي أبو الفضل محمد قال: كان أبي يقترض مني طول الأسبوع، فأقرضه، فيجعل لي عليه المائة فأكثر،فأطالبه، فيحلف بالله إنه يوفيني يوم السبت، ففعل ذلك دفعات، فسألته من أين لك؟ فبكى، وقال: يا بني أجمع ختماتي فأختمها يوم الجمعة، وأجعل ثوابها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقول: يا رسول الله دَيني، فيجيئني من حيث لا أحتسب يوم السبت ما أقضي به ديني.



    وكان بعض المتصدرين في القراءات في الجامع العتيق بمصر قد حلف بالطلاق والثلاث، أنه لا يجيز أحداً يقرأ عليه القرآن مستحقاً للإجارة إلا بعشرة دنانير، فاتفق أن قرأ عليه رجل فقير، فلما أكمل سأله الإجازة، فأخبره بيمينه، فتألم خاطره، فاجتمع بأصحابه، فجمعوا له خمسة دنانير، فأتى بها إليه، فلم يأخذها، فخرج من عنده فرأى المحمل يدار به، فقال: والله لا أنفقت هذه إلا في الحج، فاشترى ما يحتاجه، وسار حتى وصل إلى مكة، فلما قضى أربه منها رحل عنها إلى المدينة، فلما وصل إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم،قال: السلام عليك يا رسول الله، ثم قرأ عشراً جمع فيه الأئمة السبعة، وقال:هذه قراءتي على فلان بن فلان، عنك، عن جبريل عليكما السلام،عن الله عز وجل، وقد سألت شيخي الإجازة فأبي، وقد استغثت بك يا رسول الله في تخليصها، ثم نام، فرأى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: سلِّم على شيخك، وقل له: الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لك:أجزني بلا شيء، فإن لم يصدِّقْك، فقل له: بأمارة (زمراً زمراً)، فلما وصل الفقير إلى مصر اجتمع بشيخه، وبلَّغه الرسالة عريَّة عن الأمارة، فلم يصدِّقه، فقال: بأمارة: زمراً زمرا، فصاح الشيخ وخرَّ مغشياً عليه،فلما أفاق قال أصحابه:يا سيدنا ما الخبر، قال: كنت كثيراً ما تتلو القرآن فمررت يوماً على قوله:{ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون}، فحلفت أن لا أقرأ القرآن إلا متدبرا، فأقمت لا أتجاوز من القرآن إلا اليسير مدة طويلة حتى نسيته، فكفَّرت عن يميني، وشرعت في حفظه، فحفظته، فبينما أنا أتلو ذات يوم إذ مررت على قوله عز وجل:{ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات}، الآية. فقلت: ليت شعري من أي الأقسام؟ ثم قلت: لست من الثاني، ولا من الثالث بيقين، فتعين أن أكون من القسم الأول، فنمت تلك الليلة فرأيت النبي صلى الله عليه
    وسلم،فقال:بشِّر قراء القرآن أنهم يدخلون الجنة زمراً زمرا، ثم أقبل على الفقير فقبَّل وجهه، ثم قال: أشهدكم أني قد أجزته ليقرأ ويقريء من شاء، أين شاء، وكل ذلك ببركة الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم.
    وحدثت عن الشيخ أبي إبراهيم ذي الكرامات المستفيضة بالمغرب؛ أنه حج مع رفقة؛ فلما وصلوا إلى مكة وقضوا حجَّهم وزاروا، سافر أصحابه وتركوه،لقلة ما بيده؛ فأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم، واستغاث به، وقال: يا رسول الله أما ترى أصحابي سافروا وتركوني؟، قال: فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم؛ فقال له: اذهب إلى مكة، فإذا أتيت إلى زمزم تجد عليها رجلاً يسقي الناس فقل له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك: احملني إلى أهلي. قال: فجئت إلى مكة، فأتيت زمزم، فلما رآني قال لي قبل أن أسأله: ترفق علي قليلاً حتى يفرغ الناس؛ فلما فرغ ودخل البيت، قال لي: ودِّع البيت، واخرجْ بنا إلى أعلى مكة؛ ففعلت،وخرجت معه أتبع أثره. فلما كان عند الصباح إذا أنا بواد فيه أشجار ومياه، فقلت: ما أشبه هذا بوادي شفشاده، فإذا هووادي شفشاده، فجئت إلى أهلي فأخبرتهم، فتعجبوا من ذلك، وعجب الناس، فسألوني عن الرفقة؟ فأخبرتهم أنهم تركوني عند النبي صلى الله عليه وسلم، فمنهم المصدِّق، ومنهم المكذِّب. فبعد مدة وصل رفاقي فأخبروهم الخبر، هذا أو معناه.

    ولما نزل أبو عزيز قتادة المدينة ورام أخذها؛فدخل من باب البلاط إلى باب الجديد، وتملك نصف المدينة، وجاء بعض الخدام اسمه بشري؛ فأخذ صبيان الكتاب، ودخل بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل العمامة في أعناقهم،فجعلوا يقولون: استجرنا بك يا رسول الله. ثم إن رجلين شريفاً ومولى، ردَّا العسكر إلى أن رجع عن المدينة، ولو تبع هذا وصرفت إليه العناية لانصرفت عنه العناية.
    فصل
    في استغاثة الأسرى ممن كان في أيد الظلمة والكفار بالنبي المختار


    صلى الله عليه وسلَّم ومجَّد وكرَّم وشرَّف وعظَّم ووالى عليه وأنعم
    ذكر الواحدي في قوله تعالى:{ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب} أنها نزلت في عوف بن مالك الأشجعي وذلك أن المشركين أسروا ابناً له، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشكا إليه، وقال: إن العدو أسر ابني، وجزعت الأم، فما تأمرني؟، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اتق الله واصبر، وآمرك وإياها أن تستكثروا من قول لا حول ولا قوة إلا بالله، فقال: نعم ما أمرتنا، فجعلا يقولان ذلك؛ فغفل العدو عن ابنه، فساق غنمه وجاء بها إلى أبيه، وهي أربعة آلاف شاة.
    وكان بالأندلس رجل صالح يعرف بكحَّال، قد أسر له ولد، فخرج من بلده وهو قاصد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر ولده، فلقيه بعض معارفه، فقال: إلى أين؟ فقال: إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتشفع به، فقال: إن التشفع بالنبي صلى الله عليه وسلم نافع في كل مكان؛فلم يفعل إلا الوصول إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلما جاء المدينة، تقدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبره بحاجته، وتوسَّل به؛ فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وهو يقول: ارجع إلى بلدك. فعاد إلى بلده، فوجد ولده قد خلَّصه الله تعالى، فسأله عن حاله؟ فقال: بينا أنا الليلة الفلانية خلَّصني الله تعالى وجماعة كثيرة (من)الأسرى، وإذا تلك الليلة: ليلة وصول والده إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
    وحكي عن الحافظ أبي الطاهر إسماعيل بن الأنماطي قال: حكى لي (سمجول) هكذا الناسخ: أنه أسرته الروم، فبقي عندهم زماناً؛ ففكر في نفسه، فقال: ليس لي مال، ولا أهل يفكُّوني من هذا الأسر، فما لي إلا أن أكتب ورقة أذكر فيها قصتي، وأسيّرها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فكتبت ورقة بقصة حالي،وسيَّرتها مع بعض التجار الذين كانوا في البلد الذي كنت فيه مأسوراً، وقلت له: إذا وصلت إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فعلِّق هذه الورقة على قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم. ففعل ذلك الرجل؛

    فلما كان بعد عود الناس من الحج، قدم بعض التجار إلى البلدة التي أنا مأسور بها، وطلبني من الملك، فبينما أنا ذات يوم إذ جاءني رسول الملك، واستدعاني، وأخذني، ومضى بي إليه، فلما دخلت عليه وجدت عنده رجلاً أظنه من العجم،فقال له الملك: هو هذا؟. قال: ما أدري. فسألني عن اسمي؟ فأخبرته، قال: اكتب خطك حتى أنظر إليه، فلما رأى خطي قال: هو هذا، واشتراني وأخذني، وأخرجني من بلاد الكفار،فسألته ما السبب الموجب لما فعلته معي؟، قال: إني حججت هذه الحجة، وجئت إلى المدينة المنورة لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فلما زرته، جلست عند قبره، وقلت في نفسي: وددت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان حياً وأمرني بحاجة أقضيها له. فبينما أنا كذلك مفكراً، إذ نظرت إلى ورقة معلقة يلعب بها الهواء، فقلت في نفسي: قد رآني رأيته فأمرني بهذه الورقة فأخذتها، ووجدت فيها اسمك وأنت تستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلم في خلاصك من الأسر، فقصدت البلد الذي ذكرت أنك فيه، فدخلته، وطلبتك من مَلِكِه؛ فلما حضرت وسألتك تحققت أنك كاتب الورقة فاشتريتك، وقلت: هذا الأمر لأجل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    أطياف
    أطياف
    المشرفه المميزه
    المشرفه المميزه


    الجنس : انثى
    الابراج : السمك
    عدد المساهمات : 435
    نقاط : 14380
    السٌّمعَة : 251
    تاريخ التسجيل : 24/07/2011
    العمر : 34
    الموقع : الجزائر

    الفجر المنير فى الصلاة على البشير النذير Empty رد: الفجر المنير فى الصلاة على البشير النذير

    مُساهمة من طرف أطياف الجمعة 4 مايو 2012 - 14:07


    فصل
    في استغاثة من شكا إليه ذهاب بصره أو وجعه
    صلى الله عليه وسلم وشرَّف وكرَّم ومجَّد وعظَّم ووالى عليه وأنعم

    روي عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن عمه عثمان بن حنيف رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءه ضرير، فشكا إليه ذهاب بصره، فقال: يا رسول الله ليس لي قائد، وقد شق علي،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ائت الميضأة فتوضأ، ثم صل ركعتين، ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فيجلي لي بصري، اللهم شفعه فيَّ وشفعني في نفسي، قال عثمان: فو الله ما تفرقنا ولا طال الحديث، حتى دخل الرجل وكأنه لم يكن به ضرٌّ قط.
    قلت: وقد تقدم هذا الحديث في باب المعجزات، وذكرت فيه أن بعض الناس أخبرني أنه عمي، ودعا بهذا الدعاء فأبصر.
    وقد شكا إليه جماعة من أصحابه صلى الله عليه وسلم وجع أعينهم، فصحوا بريقه ونفثه.
    جاء إليه قتادة وقد وقعت عينه على وجنتيه،فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت أحسن عينيه.
    ونفث صلى الله عليه وسلم في عين فديك لما ابيضت وكان لا يبصر بها شيئاً، فكان بعد ذلك يدخل الخيط في الإبرة وهو ابن ثمانين.

    وجاء علي رضي الله عنه وهو أرمد يوم خيبر، قد عصب عينيه ببقية برد قطري، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مالك؟ قال: رمدت بعدك، قال: ادن مني، فتفل في عينيه، فما وجعها حتى مضى لسبيله، فكان بعد ذلك يقول: ما رمدت، ولا صدعت من يوم خيبر.
    وفي ذلك يقول صالح الشافعي:
    وردَّ عيوناً جمة بعدما وهت
    فألبسها الرحمن نوراً مجددا
    وكان علي أرمداً يوم خيبر
    فما عاد مذ داواه بالرفق أرمدا
    وعن محمد بن المبارك قال:كان أبي ضريراً فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فأمرّ يده على عينيه؛ فأصبح وهو يبصر.

    وعن الشيخ أبي القاسم بن يوسف الاسكندري قال: كان لي صاحب؛ فعمي فاجتمع أهل الطب عليه، فلم يجدوا له دواء، قال لي:فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، فتحسبت به؛ فقال: تبصر،فاستيقظت وأقمت خمسة عشر يوماً؛ فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم مرة ثانية، فقلت:وعدك يا رسول الله، فقال: اكتحل بدم القنفذ، ومرارة الثعلب. فاستيقظت وأخذت مرارة الثعلب، وأخذت قنفذاً وذبحته، وأخذت من دمه، واكتحلت به، فرأيت النور لوقتي.
    ورأيت عينيه صحيحة كأن لم يكن به ضرر قط.
    فصل
    في من اشتكى إليه صلى الله عليه وسلم
    وجع الضرس والحلق، وضيق النفس

    روى البيهقي بسنده إلى يزيد بن نوح بن ذكوان، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث عبد الله بن رواحة مع زيد وجعفر إلى مؤتة، فقال: يا رسول الله إني أشتكي ضرسي آذاني، واشتد علي، فقال: ادن مني، والذي بعثني بالحق لأدعون لك بدعوة لا يدعو بها مؤمن مكروب إلا كشف كربه، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على الخد الذي فيه الوجع، وقال: اللهم أذهب عنه سوء ما يجد وفحشه بدعوة نبيك المبارك المكين عندك سبع مرات، قال: فشفاه الله عز وجل، قبل أن يبرح.
    وعن الشيخ الفقيه عبد السلام بن سلطان القليبي معنى لا لفظاً قال: كان أخي ابراهيم به خنازير في حلقه قد آلمته، فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال له: ألا ترى ما حلَّ بي؟، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:(000).

    وقال أيضاً:سمعت الوجيه ابن البوني بدمشق يقول:كان بوالدي ضيق نَفَس منعه من النزول من أعلى بيته، وكان الناس يقرؤون عليه، وكنت أنا مريضاً في أسفل البيت، فرأيت في النوم النبي صلى الله عليه وسلم قد جاء إلي فقدَّمت إليه الوسادة، فجلس عليها، فقلت: يا رسول الله إني شيخ كبير، وبه ضيق نَفَس منعه من النزول إلي، وامتنعت من الطلوع إليه، فطلع من عندي إليه، فلما كان صلاة الصبح، سمعته يتأوه وهو نازل في الدرج، حتى دخل علي، فقال: يا بني جاءني النبي صلى الله عليه وآله وسلم الليلة، فقلت له ما بنا،(وخرج) من عندي إليك، فطهَّرنا جميعاً.

    فصل
    في من استغاث به صلى الله عليه وسلم

    H من ذوي العاهات والأرق والنسيان
    عن خارجة بن زيد (قال: قال أسامة بن زيد): خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحجة التي حجها؛ إذا كنا ببطن الروحاء، نظر إلى امرأة تؤمه، فحبس راحلته؛ فلما دنت منه، قالت: يا رسول الله هذا ابني،والذي بعثك بالحق ما أفاق من يوم ولدته إلى يومي هذا. قال: فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ؛ فوضعه ما بين صدره وواسطة الرجل، ثم تفل في فيه، وقال: اخرج يا عدو الله، فإني رسول الله. ثم ناولها إياه؛ فقال: خذيه فلا بأس عليه.
    قال أسامة: فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حجته،انصرف حتى إذا نزل ببطن الروحاء أتته تلك المرأة بشاة قد شوتها فقالت: يا رسول الله، أنا أم الصبي، والذي بعثك بالحق ما رابني منه شيء بعد.
    الحديث بطوله.
    وجاءته امرأة أخرى بابن لها؛ فقالت: يا رسول الله إن بابني هذا جنوناً يأخذه عند غدائنا وعشائنا، ويفسد علينا.
    قال: فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه، ودعا له، فثعّ ثعّة فخرج من جوفه مثل الجرو الأسود، فشفي.

    وجاءته امرأة أخرى بابن لها قد تحول فقالت: يا رسول الله أن ابني هذالم يتكلم منذ ولد. فقال: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أدنيه، فأدنته منه، فقال: من أنا؟، فقال: أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وجاءته امرأة بابن لها فقالت: هذا ابني وقد أتى عليه كذا وكذا، وهو كما ترى، فادع الله أن يميته، فقال: أدعو الله أن يشفيه، ويشب ويكون رجلاً صالحاً، ويقاتل في سبيل الله، فيقتل، فيدخل الجنة. فدعا له صلى الله عليه وسلم، فشفاه الله، وكان رجلاً صالحاً، وقاتل في سبيل الله فقتل.
    وقال يعلى بن مرة: رأيت من النبي صلى الله عليه وسلم عجباً، خرجت معه في سفر، فنزلنا منزلاً فأتته امرأة بصبي لها به لمم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:اخرج عدو الله أنا رسول الله.قال: فبرأ،فلما رجعنا جاءت أم الغلام بكبشين وشيء من أقط وسمن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا يعلى، خذ أحد الكبشين، ورد عليها الآخر، وخذ السمن والأقط، قال: ففعلت.
    وعن طاووس رضي الله عنه قال:لم يؤت النبي صلى الله عليه وسلم بأحد به مس، فصكَّ صدره إلا ذهب (ما به).
    وشكا إليه أبو هريرة رضي الله عنه النسيان؛ فأمره ببسط ثوبه، وغرف له بيده فيه، ثم أمره بضمه، ففعل، فما نسي شيئاً بعد.

    وشكا زيد بن ثابت رضي الله عنه أرقاً يجده، فقال له: إذا أردت أن تنام، وأخذت مضجعك، فقل: هدأت العيون وغارت النجوم، وأنت الحي القيوم قال: فقلتها، فأذهب الله عني ما كنت أجد.
    وقال ابراهيم بن طريف: سمعت أبي يقول: ظهرت لي لمعة برص في كتفي؛ فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فقلت: يا رسول الله ألا ترى ما حل بي؟ فمسح بيده على كتفي؛ فانتبهت وقد ذهب البرص عني.
    فصل
    في استغاثة الجمل بالنبي صلى الله عليه وسلم
    واستكانته إليه

    عن تميم بن أوس الداري قال: كنا جلوساً مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل بعير يعدو حتى وقف على هامة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فرغا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيها البعير اسكن، فإن تك صادقاً فعليك صدقك،وإن تك كاذباً فعليك كذبك،مع أن الله تعالى قد أمن عائذنا، وليس بخائب لائذنا. فقلنا: يا رسول الله ما يقول هذا البعير؟، فقال: هذا بعير همَّ أهله بنحره، وأكل لحمه، فهرب منهم، فاستغاث بنبيكم صلى الله عليه وسلم، فبينما نحن كذلك إذ أقبل أصحابه يتعادون، فلما نظر إليهم البعير عاد إلى هامة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلاذ بها، فقالوا: يا رسول الله هذا بعيرنا، هرب منا منذ ثلاثة أيام، فلم نلقه إلا بين يديك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما أنه يشكو؛ فبئست الشكاية. فقالوا: يا رسول الله ما يقول؟، قال: إنه يقول: إنه رُبِّيَ في أمنكم أحوالاً أي سنين وأعواما، وكنتم تحملون عليه في الصيف، إلى موضع الكلأ، فإذا كان في الشتاء رحلتم عليه إلى موضع الدفاء، فلما كبر استفحلتموه، فرزقكم الله به إبلاً سليمة، فلما أدركتم هذه السنة الخصيبة، هممتم بنحره، وأكل لحمه. فقالوا: والله يا رسول الله قد كان ذلك، يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:ما هذا جزاء المملوك الصالح من مواليه.فقالوا: يا رسول الله لا نبيعه ولا ننحره. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذبتم، قد استغاث بكم فلم تغيثوه، وأنا أولى بالرحمة منكم، لأن الله قد نزع الرحمة من قلوب المنافقين، وأسكنها في قلوب المؤمنين، فاشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم بمائة درهم. وقال: يا أيها البعير انطلق، فأنت حر لوجه الله تعالى، فرغا على هامة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: آمين، ثم رغا الثانية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: آمين، ثم رغا الثالثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: آمين، ثم رغا الرابعة فبكى رسول الله صلى
    الله عليه وسلم،فقلنا له: يا رسول الله ما يقول هذا البعير؟، فقال: قال: جزاك الله أيها النبي عن الإسلام والقرآن خيراً، قلت: آمين. قال: حقن الله دم أمتك من أعدائها كما حقنت دمي، قلت: آمين. ثم قال: سكَّن الله رعب أمتك يوم القيامة كما سكَّنت رعبي، فقلت: آمين. قال: لا جعل الله بأسها بينها، فبكيت، وقلت: هذه خصال سألت ربي فأعطانيها، ومنعني هذه. وأخبرني جبريل: ألا إن فناء أمتك بالسيف، جرى القلم بما هو كائن.

    قلت: قال الجوهري: رغا البعير، يرغو رغاءً، إذا ضج. وفي المثل: كفى برغائها منادياً، أي إن رغاء بعيره يقوم مقام ندائه في التعرض للضيافة والقِرَى.
    وقد رغّى اللبن ترغيةً، أي: أزبد. انتهى.
    والبعير إنما يرغو عن ذل واستكانة.
    قال الأصمعي: الإبل إذا نشطت صرفت بأنيابها، فإذا ضجرت رغت.
    ولصالح الشافعي شعر:
    وجاء بعير يشتكي جور أهله
    إليه فأشكاه فأعفوه أحمدا
    (وروى الإمام أحمد أبو عبد الله محمد بن حامد الفقيه في كتابه (الدلائل)، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: انطلقنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء، فأشرفنا على حائط، فإذا نحن بناضح فلما أقبل الناضح، رفع رأسه فأبصر النبي صلى الله عليه وسلم، فوضع جرانه على الأرض، فقال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: فنحن أحق أن نسجد لك من هذه البهيمة، فقال: سبحان الله أدون الله؟، ما ينبغي لأحد أن يسجد لشيء دون الله عز وجل، ولو أمرت أحداً أن يسجد لشيء من دون الله عز وجل لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها).
    فصل
    في استغاثة الظبية وملاذها بالنبي
    صلى الله عليه وسلَّم وشرَّف وكرَّم ومجَّد وعظَّم ووالى عليه وأنعم

    (روى الطبراني، والبيهقي، وأبو نعيم عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن زيد بن أرقم رضي الله عنه، والبيهقي من طريق علي بن قادم، وأبو العلاء خالد بن طهمان، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري، والطبراني وأبو نعيم عن أم سلمة، وأبو نعيم عن أنس بن مالك، وهو غريب، ورجاله خُرِّج لهم في الكتب الستة)، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ على قوم قد اصطادوا، ولفظ أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض سكك المدينة، فمررنا بخباء أعرابي، فإذا ظبية مشدودة في الخباء؛ فقالت: يا رسول الله إن هذا الأعرابي اصطادني، ولي خشفان في البرية،وقد انعقد اللبن في أخلافي؛ فلا هو يذبحني فأستريح، ولا يدعني فأرجع إلى خشفي في البرية. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن تركتك ترجعين؟. قال: نعم. وإلا عذبني الله عذاب العشار. فأطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلم تلبث أن جاءت تلمظ؛ فشدها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخباء. وأقبل الأعرابي، ومعه قربة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتبعنيها؟،قال: هي لك يا رسول الله؛ فأطلقها النبي صلى الله عليه وسلم.قال زيد بن أرقم: فأنا والله رأيتها تسيح في البرية وهي تقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله.

    وفي ذلك يقول صالح الشافعي:
    وجاء امرؤ قد صاد يوماً غزالة
    لها ولد خشف تخلف بالكدى
    فنادت رسول الله والقوم حوله
    فأطلقها والقوم قد سمعوا الندا
    قلت: وفي هذا الحديث من الغريب:
    الأخلاف: جمع خلف بكسر الخاء وهي حلمة ثدي الناقة القادمان والأخيران، هذا أصله.
    والخشفان: ولداها.
    والعشار: المكَّاس الذي يأخذ العشار ظلماً، وهو معروف.
    وقوله: تلمظ: يقال: لمظ (يلمُظُ) بالضم، لمظاً إذا تتبع بلسانه بقية الطعام في فمه، أوأخرج لسانه فمسح به شفتيه.
    وكذلك التلمُّظ، يقال: تلمَّظت الحية؛ إذا أخرجت لسانها كتلمُّظ الآكل. قاله الجوهري.

    وعن الشيخ أبي زكريا: سمعت سيدهم الشريف يقول: كنت بحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإذا ظبية قد أقبلت من باب الرحمة في وسط القائلة، حتى واجهت قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فوقفت من بعيد، وهي توميء برأسها كالمسلِّمة عليه صلى الله عليه وسلم، وذرفت عيناها بالدموع، ثم تأخرت على عجزها حتى خرجت ولم تولِّ ظهرها تعظيماً وتوقيراً للنبي صلى الله عليه وسلم، حتى خرجت من الحرم ونحن نشاهد ذلك.
    قال شيخ المسلمين أبو عبد الله بن النعمان قدس الله روحه:أرى هذه من نسل تلك الظبية التي أطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    فصل
    في ملاذ الحمّرة لما فجعت بفرخيها بالنبي
    صلى الله عليه وسلم

    عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن أبيه رضي الله عنه، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فنزلنا منزلاً فيه قرية نمل، فأحرقناها، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تعذبوا بالنار، فإنه لا يعذب بالنار إلا ربها).
    قال: ومررنا بشجرة فيها (فرخا)حمَّرة؛ فأخذناهما، قال: فجاءت الحمرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهي تَعَرَّضُ، فقال: من فجع هذه بفرخيها؟، قال: فقلنا: نحن.
    قال: فقال: ردوهما؛ قال: فرددناهما إلى مواضعهما.
    وفي رواية البيهقي: ترفُّ على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، فقال: أيكم فجع هذه؟، فقال رجل من القوم: أنا أخذت بيضها، فقال: ردَّه، ردَّه رحمة لها.
    هكذا أخرجه البيهقي في دلائله من حديث الأصم.
    كذا في كتابي:تعرّض، وقال غيره: تفرّش: يعني تقرّب للأرض وترفرف بجناحيها.
    هكذا ذكر هذا الحرف جماعة من المحدّثين. قيل: وصوابه: تقوص بالقاف والواو، ومعناه تجيء وتذهب، ولا تقر، وقد ذكر ذلك الهروي فيغريبه والله تعالى أعلم.

    فصل
    اعلم أن كل ما ذكرته في هذا الباب الحادي عشر وهو باب من استغاث بالنبي صلى الله عليه وسلم فأغيث في القديم والحديث فمن كتاب مصباح الظلام لشيخ الإسلام والمسلمين أبي عبد الله محمد بن النعمان المتقدم ذكره رحمه الله تعالى، وقد انتخبت أكثر عيونه، وأجود ما فيه، معرضاً عن ذكر الأسانيد المطولة؛ فكأني في الحقيقة اختصرته؛ فكان كتابي هذا يشتمل على تصنيفين: الفجر المنير، واختصار مصباح الظلام.
    والله تعالى الموفق للصواب.
    أطياف
    أطياف
    المشرفه المميزه
    المشرفه المميزه


    الجنس : انثى
    الابراج : السمك
    عدد المساهمات : 435
    نقاط : 14380
    السٌّمعَة : 251
    تاريخ التسجيل : 24/07/2011
    العمر : 34
    الموقع : الجزائر

    الفجر المنير فى الصلاة على البشير النذير Empty رد: الفجر المنير فى الصلاة على البشير النذير

    مُساهمة من طرف أطياف الجمعة 4 مايو 2012 - 14:10



    الباب الثاني عشر

    في ما ختم الله به أيَّام حياته، وذكر مرضه، ووفاته صلَّى الله عليه وسلَّم، وشرَّف وكرَّم، ومجَّد وعظَّم، ووالى عليه وأنعم
    ولما استكمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مدى عمره بعد أن أقام لله بأمره، بإظهار الدين ونشره، والاشتمال على طاعة الله وبره، وهو مؤيد بالفتح المبين، والنصر والتمكين، قد شرع لأمته ونصحها، وأظهر مناهج الحق وأوضحها وعفى معالم الشرك وطمسها، ونسخ أحكامها ودرسها، وخفض أعلامها ونكسها، وأبان الحلال والحرام، وأقام المعالم والأحكام،وبلَّغ ما حُمِّل وأدَّاه، ونقل ما استحفظ ووفَّاه، وأعزَّ الله به الحقَّ وأعلاه، كما أدحض به الباطل وأخزاه، نقله إلى دار كرامته وقدس رحمته ومحلِّ رضوانه وأدناه، سعيداً شهيداً، مباركاً حميداً، بعد أن أعلمه فيما أنزل عليه أنه قادم عليه، وسائرٌ إليه، فعهد إلى الناس وودَّعهم، وحذَّرهم، وبشّرهم، ونصحهم، وعلّمهم، ووصَّاهم، وردعهم، وأنذرهم.
    قال الحافظ ابن عبد البر رضي الله عنه: ثم بدأ برسول الله صلى الله عليه وسلم مرضه الذي مات فيه، يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر، سنة إحدى عشر في بيت ميمونة، ثم انتقل حين اشتد وجعه إلى بيت عائشة رضي الله عنها.

    وقال غيره: ابتدأ برسول الله صلى الله عليه وسلم صداع في بيت عائشة، قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي بدأ فيه؛ فقلت: وارأساه، فقال: بل أنا وارأساه، ثم اشتد أمره في بيت ميمونة؛ فاستأذن نساءه أن يمرَّض في بيت عائشة رضي الله عنها وعنهن، فأذنَّ له، وكانت مدة مرضه اثني عشر يوماً. وقيل: أربعة عشر يوماً، خرج ويده على الفضل بن العباس، ويده الأخرى على عليّ عليهم السلام أجمعين.
    ولما اشتد وجعه قال: صُبُّوا عليّ من سبع قرب لم تحل أوكيتهن، لَعَلِّي أستريح، وأعهد إلى الناس.
    قالت عائشة: فأجلسناه في مخضب لحفصة من نحاسوسكبنا عليه الماء حتى طفق يشير إلينا أن قد فعلتن. ثم خرج فقام يومئذ خطيباً؛ فحمد الله، وأثنى عليه، واستغفر للشهداء الذين قتلوا يوم أحد، ثم قال:إنكم يا معشر المهاجرين تريدون، وأن الأنصار لا يريدون، وإن الأنصار عيني التي أويت إليها، فأكرموا كريمهم، وتجاوزوا عن مسيئهم.
    ولما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، جعل يلقي بخميصة له على وجهه؛ فإذا اغتم كشفها عن وجهه، وهو يقول: لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد.

    قالت عائشة رضي الله عنها: يحذر مثل الذي فعلوا.
    ثم قال في مرضه: إن عبداً خُيِّرَ بين الدنيا والآخرة، فاختار ما عند ربه.
    ففطن أبو بكر رضي الله عنه أنه يريد نفسه؛ فبكى، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: على رسلك، ثم قال: سدوا هذه الأبواب الشوارع إلى المسجد إلا باب أبي بكر؛ فإني لا أعلم أحداً أحسن يداً عندي في الصحابة منه.

    وروي أيضاً: أن الذي كان ابتدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجعه الذي لزمه أن دخل على عائشة رضي الله عنها، وهو يجد صداعاً، فوجدها تُصَدَّعُ، وتقول: وارأساه، فقال:بل أنا والله يا عائشة وارأساه. قالت عائشة رضي الله عنها: فو الله لطار عني ما أجد،وكدت أستطار، فسكَّنني رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمزاح على تجشُّم منه. فقال: وما ضرَّكِ يا عائشة لو مُتِّ قبلي، فأقوم عليك وأليك، وأصلي عليك، فقالت له: فما نجاني مما خشيت الحذر، فقلت: أجل والله لكأني بك لو قد فعلت قد أعرست ببعض نسائك في بيتي من آخر ذلك اليوم، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    ثم عاد به وجعه، وهو في ذلك يدور على نسائه حتى اجتمعن برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في بيت ميمونة، قالت: فلما رأوا ما به، اجتمع رأي من في البيت على أن يلدّوه، وتخوفوا أن يكون به ذات الجنب، ففعلوا.
    ثم فرج عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد لدّوه، فقال: من صنع هذا؟ فهبنه واعتللن بالعباس، فاتخذ جميع من في البيت العباس سبباً، ولم يكن له في ذلك رأي، فقالوا: يا رسول الله عمك العباس أمر بذلك وتخوفنا أن يكون بك ذات الجنب، فقال: إنها من الشيطان،ولم يكن الله عز وجل ليسلِّطه علي ولا ليرميني بها، ولكن هذا عمل النساء، لا يبقى في البيت أحد إلا لُدَّ، إلا عمي العباس، فإن يميني لا يناله، فلُدُّوا كلهم، ولُدَّت ميمونة وكانت صائمة (لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم).
    ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت عائشةوكان يومها بين العباس وعلي عليهما السلام، والفضل بن العباس ممسك بظهره، ورجلاه تخطان في الأرض،حتى دخل على عائشة رضي الله عنها، فلم يزل عندها مغلوباً لا يقدر على الخروج من بيتها إلى غيره.
    ولما رأت الأنصار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يزداد ثقلاً أطافوا بالمسجد، فدخل العباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعلمه بمكانهم، وإشفاقهم.

    ثم دخل عليه الفضل فأعلمه بمثل ذلك،ثم دخل عليه علي فأخبره بمثل ذلك، فمد يده وقال: ها فتناولوه، فقال: ما يقولون؟، قال: يقولون: نخشى أن يموت.

    وتصايح نساؤهم لاجتماع رجالهن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فسار النبي صلى الله عليه وسلم متوكئاً على عليَ والفضل، والعباس أمامهم، والنبي صلى الله عليه وسلم معصوب الرأس يخط برجليه، حتى جلس على أسفل مرقاة من المنبر، وثاب الناس إليه؛ فحمد الله وأثنى عليه، وقال: أيها الناس بلغني أنكم تخافون عليَّ الموت، كأنه استنكار منكم للموت، وما تنكرون من موت نبيكم،ألم أُنْعَ إليكم، وتُنْعَ لكم أنفسكم؟ هل خلِّد نبي قبلي فيمن بعث إليه؟؛ فأخلد فيكم؟، ألا إني لاحقٌ بربي، وإنكم لاحقون به، وإني أوصيكم بالمهاجرين الأولين خيراً(وأوصي المهاجرين) فيما بينهم، فإن الله تعالى يقول:{والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}، وإن الأمور تجري بأمر الله، فلا يحملنكم استبطاء أمر على استعجاله، فإن الله عز وجل لا يعجل لعجلة أحد، ومن غالب الله غلبه، ومن خادع الله خدعه، {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم}.

    أوصيكم بالأنصار خيراً، فإنهم الذين تبوَّؤا الدار والإيمان من قبلهم، أن تحسنوا إليهم، ألم يشاطروكم في الثمار؟ ألم يوسعوا لكم في الديار؟ ألم يؤثروكم على أنفسهم وبهم الخصاصة؟، ألا فمن وُلِّي أن يحكم بين رجلين؛ فليقبل من محسنهم، وليتجاوز عن مسيئهم، ألا ولا تستأثروا عليهم، ألا وإني فرط لكم، وأنتم لاحقون بي، ألا وإن موعدكم الحوض، حوضٌ أعرض مما بين بصرى الشام وصنعاء اليمن، يَصُبُّ فيه ميزاب الكعبة ماءً أشدَّ بياضاً من اللبن، وألين من الزبد وأحلى من الشهد، من شرب منه لم يظمأ أبداً، حصباؤه اللؤلؤ، وبطحاؤه في مسك، من حرمه في الموقف حرم الخير كله، ألا فمن أحب أن يرده علي غداً فليكفف (يده ولسانه)إلا فيما ينبغي.
    قال العباس: يا رسول الله أوص بقريش.
    قال: إني إنما أوصي بهذا الأمرِ قريشاً، الناس تبع لقريش، بَرُّهم لِبَرِّهم، وفاجرهم لفاجرهم، فاستوصوا آل قريش بالناس خيراً.
    يا أيها الناس إن الذنوب تغير النعم، وتبدل القِسَم، فإذا بَرَّ الناسُ برَّهم أئمتهم، وإذا فجر الناس عقّوهم. وقال الله عز وجل:{وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون}.
    ذكر هذا سيف بن عمر في كتاب الفتوح.
    وذكر الواقدي بسند وصله بعبد الله بن مسعود قال: نعى لنا سيدنا ونبينا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم نفسه قبل موته بشهر،بأبي وأمي ونفسي، له الفداء، فلما دنا الفراق جمعنا في بيت أمنا عائشة رضي الله عنها،وتشدد فقال: حياكم الله بالسلام، رحمكم الله، حفظكم الله، جبركم الله، رزقكم الله، نفعكم الله، رفعكم الله، آواكم الله، وقاكم الله، أوصيكم بتقوى الله، وأوصي الله بكم، وأستخلفه عليكم، وأحذركم الله، إني لكم نذير مبين، أن لا تعلوا على الله في عباده وبلاده، فإن الله قال لي ولكم:{تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فسادا، والعاقبة للمتقين}.

    وقال: {أليس في جهنم مثوى للمتكبرين}.

    قلنا: يا رسول الله متى أجلك؟.
    قال: (قد دنا الأجل)، والمنقلب إلى الله، (والسدرة المنتهى والكأس الأوفى) وإلى جنة المأوى.
    قلنا: يا رسول الله من يغسلك؟.
    قال:رجال من أهلي، الأدنى فالأدنى،(مع ملائكة كثيرة يرونكم من حيث لا ترونهم).
    قلنا: يا رسول الله فيم نكفنك؟.
    قال: في ثيابي هذه إن شئتم، أو ثياب مصر، أو حلة يمانية.
    قلنا: يا رسول الله من يصلي عليك؟ بآبائنا وأمهاتنا أنت وبكينا، وبكى.
    فقال: مهلاً رحمكم الله، وجزاكم عن نبيكم خيراً، إذا أنتم غسلتموني، (وحنَّطُّموني)وكفَّنتموني، فضعوني على سريري هذا، على شفير قبري، ثم اخرجوا عني ساعة، فإن أول من يصلي عليّ حبيبي وخليلي جبريل، ثم ميكائيل، ثم اسرافيل، ثم ملك الموت، ومعه جنود من الملائكة بأجمعهم، ثم ادخلوا عليّ فوجاً فوجاً، فصلوا علي، وسلموا تسليماً. ويبتديء بالصلاة عي رجال أهل بيتي، ثم نساؤهم، ثم أنتم، ثم اقرؤوا السلام على من غاب من أصحابي، واقرؤوا السلام على من تبعني على ديني من يومي هذا إلى يوم القيامة.
    قلنا: يا رسول الله من يدخلك قبرك؟.
    قال: (رجال أهل بيتي الأدنى فالأدنى) مع ملائكة كثيرة يرونكم من حيث لا ترونهم.
    وقبض صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين ضحى، في مثل الوقت الذي دخل فيه المدينة، لاثني عشر ليلة من شهر ربيع الأول، سنة إحدى عشرة من الهجرة.
    قلت: وقد بلغ صلى الله عليه وسلم من السن ثلاثاً وستين سنة، على الأصح.
    وقيل: خمساً وستين. وقيل: ستين.
    قال ابن عباس رضي الله عنهما: ولد نبيكم صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، وخرج من مكة يوم الاثنين، ودخل المدينة يوم الاثنين.
    ودفن صلى الله عليه وسلم يوم الثلاثاء، حين زاغت الشمس. وقيل: بل دفن يوم الأربعاء.
    (الصلاة على الحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم)
    وصلى عليه علي والعباس وبنو هاشم، ثم دخل المهاجرون، ثم الأنصار، ثم الناس، يصلون عليه فذاذاً لا يؤمهم أحد، ثم النساء والغلمان.

    وروى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما اجتمع القوم لغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس في البيت إلا عمه العباس وعلي بن أبي طالب، والفضل بن العباس، وقثم بن العباس، وأسامة بن زيد، وصالح مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلما اجتمعوا لغسله نادى من وراء الباب أوس ابن خَوَلِيّ الأنصاري، وكان بدرياً، علي ابن أبي طالب:ننشدك الله حظنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم.فقال له علي: ادخل؛ فدخل، فحضر غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يل من غسله شيئاً.قال: فأسنده علي إلى صدره، وعليه قميصه (يدلكه من ورائه، لا يفضي بيده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وكان العباس والفضل وقُثَم يقلبونه مع علي، وكان أسامة و(شقران مولاه هما اللذان) يصبان الماء.وجعل علي رضي الله عنه يغسله،ولم ير من رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم شيء مما يرى من الميت،وهو يقول: بأبي أنت وأمي ما أطيبك حياً وميتاً.حتى إذا فرغوا من غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم،وكان يُغَسَّل بالماء والسدر، ثم يصنع به ما يصنع بالميت، ثم أدرج في ثلاثة أثواب؛ ثوبين أبيضين، وبردة حبرة.

    قال: ثم دعا العباس رجلين ليذهب أحدهما إلى أبي عبيدة ابن الجراح،وكان أبو عبيدة يضرح لأهل مكة،ويذهب الآخر إلى أبي طلحة بن سهل الأنصاري، وكان أبو طلحة يلحد، ثم قال العباس حين سرحهما: اللهم خِرْ لرسولك.
    قال: فذهب (صاحب) أبي عبيدة فلم يجده، ووجد صاحب أبي طلحة، فَلَحَّد لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وذكر ابن الجوزي: أنه روي عن جعفر بن محمد رضي الله عنه قال: كان الماء يستنقع في جفون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان علي رضي الله عنه يحسوه.

    قال الحافظ ابن عبد البر: وقد أكثر في ذكر من أدخله قبره، وفي هيئة كفنه، وفي صفة خلقه وخُلُقه، وسنه، وغزواته، وسيره، وما لا سبيل في كتابنا هذا إلى ذكره،وأصح ذلك أنه نزل في قبره العباس عمه، وعلي، وقثم بن العباس، والفضل بن العباس، وكان آخر الناس عهداً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قثم بن العباس.ذكر ذلك ابن عباس رضي الله عنهما، وغيره، وهو الصحيح.
    وألحداه، وبنى في قبره اللبن، يقال: تسع لَبِنَاتٍ.
    وطرح في قبره صلى الله عليه وسلم سمل قطيفة، كان يلبسهما صلى الله عليه وسلم.
    فلما فرغوا من وضع اللبن أخرجوهما، وهالوا التراب على لحده صلى الله عليه وسلم، وجعل قبره مسطوحاً، ورش عليه الماء.
    وروي عن جعفر بن محمد رضي الله عنه قال: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين؛ فمكث ذلك اليوم، وليلة الثلاثاء، ودفن من الليل(ليلة الأربعاء).
    (موضع قبر النبي صلى الله عليه وسلم)
    واختلفوا أين يدفن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟،فقال أبو بكر رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:لم يقبر نبي إلا حيث يموت فأخَّروا فراشه، فحفر له تحت فراشه.
    (موقف أبي بكر رضي الله عنه من وفاة الحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم)
    ولما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل أبو بكر وهو مغشى بثوب حبرة، فكشف عن وجهه، ثم أكب عليه فقبله وبكى ثم قال: بأبي أنت وأمي،لا يجمع الله عليك موتتين، أما الموتة الأولى التي عليك فقد مُتَّها.
    (دهشة عمر رضي الله عنه والمسلمين لوفاة الحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم)
    وكان عمر رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمت ولكنه صعق كما صعق موسى بن عمران، وإني أرجو أن يعيش رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقطع أيادي رجال وألسنتهم من المنافقين الذين يقولون:رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات.

    فقام العباس بن عبد المطلب فقال: أيها الناس هل عند أحد منكم عقد أو عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم(في وفاته فليحدِّثنا)؟.
    قالوا: اللهم لا.قال: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى (ترك السبيل نهجاً واضحاً، أحلَّ الحلال، وحرَّم الحرام، ونكح وطلّق،وحارب وسالم)وترككم على محجة بينة، وطريق ناهجة.
    وخرج أبو بكر إلى المسجد وعمر يكلم الناس؛ فقال له أبو بكر: اجلس يا عمر؛ فأبى أن يجلس، فكلَّمه مرتين، أو ثلاثاً فأبى أن يجلس، فقام أبو بكر، فأقبل الناس على أبي بكر، وتركوا عمر.
    (خطبة أبي بكر رضي الله عنه في وفاة حبيبنا الأعظم صلى الله عليه وسلم)
    فلما قضى أبو بكر تشهده قال: أما بعد ؛ فمن كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن يعبد الله فإن الله حي لا يموت، ثم تلا هذه الآية:{وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين}.
    فلما تلا أبو بكر رضي الله عنه هذه الآية أيقن الناس بموت النبي صلى الله عليه وسلم،وتلقوها من أبي بكر حتى قال القائل من الناس:لم يعلموا أن هذه الآية أنزلت حتى تلاها أبو بكر رضي الله عنه.
    وروى سعيد بن المسيب أن عمر رضي الله عنه قال: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرتحتى ما تقلني رجلاي،وحتى هويت إلى الأرض حين سمعته تلاها.
    تفرد بإخراجه البخاري.
    (آخر ما تكلم به الحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم)
    وقال قتادة:(آخر)ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله في النساء، وما ملكت أيمانكم).
    وقالت عائشة رضي الله عنها: لما اشتد مرضه قال: في الرفيق الأعلى ثم فتر.
    (أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه أن يصلي بالمسلمين)
    وروى عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: دخلت على عائشة رضي الله عنها فقلت: ألا تحدثيني عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم؟.

    فقالت: بلى؛ ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال: أصلى الناسُ؟ فقلنا له: (لا)، هم ينتظرونك يا رسول الله. قال: ضعوا لي ماء في المخضب، قالت: ففعلنا، فاغتسل، ثم ذهب لينوء، فأغمي عليه، ثم أفاق، فقال: أصلى الناس؟، فقلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله. (قال: ضعوا لي ماء في المخضب قالت: فقعد فاغتسل ثم ذهب لينوء، فأغمي عليه، ثم أفاق، فقال:أصلى الناس؟ قلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله، فقال:ضعوا لي ماء في المخضب فقعد فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمي عليه، ثم أفاق، فقال: أصلى الناس؟، فقلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله. قالت: والناس عكوف في المسجد ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة؛ فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر أن يصلي بالناس، (فأتاه الرسول، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تصلي بالناس، فقال أبو بكر) وكان رجلاً رقيقاً، فقال: يا عمر صلِّ بالناس؛ فقال له عمر: أنت أحق بذلك؛ فصلى بهم أبو بكر رضي الله عنه، تلك الأيام.

    قال عبد الرزاق: قال عمر: قال الزهري: قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن زمعة: مر الناس فليصلوا؛ فخرج عبد الله بن زمعة فلقي عمر بن الخطاب، فقال: صل بالناس. قال: فصلى عمر بالناس، فجهر بصوته، وكان جهير الصوت، فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته؛ فقال: أليس هذا عمر؟، قالوا: بلى يا رسول الله. فقال: يأبى الله ذلك والمؤمنون،ليصلِّ بالناس أبو بكر، قال: فقال عمر لعبد الله بن زمعة:(ماذا صنعت بي يا ابن زمعة؟ والله ما ظننت حين أمرتني إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك بذلك، ولولا ذلك ما صليت بالناس، قال: قلت: والله ما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، ولكني حين لم أر أبا بكر رأيتك أحق من حضر بالصلاة بالناس.

    قال الزهري: وأخبرني حمزة بن عبد الملك، عن عمر، عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيتي قال: مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس. قالت: قلت: يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق، إذا قرأ القرآن لا يملك دمعه؛ فلو أمرت غير أبي بكر، قالت: والله ما بي إلا كراهة أن يتشاءم الناس بأول من يقوم مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فراجعته مرتين، أو ثلاثاً، فقال: ليصل أبو بكر، فإنكن صواحبات يوسف.
    ولم يزل أبو بكر يصلي بهم تلك الأيام.
    (آخر صلاة حضرها الحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم مع المسلمين)
    ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد خفة؛ فخرج بين رجلين: (أحدهما)العباس، ورجل آخر، لصلاة الظهر،(وأبو بكر يصلي بالناس)؛ فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر،فأومأ إليه (النبي صلى الله عليه وسلم)بأن لا يتأخر، وأمرهما فأجلساه إلى جنبه.
    فجعل أبو بكر يصلي (وهو يأتمُّ بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم، والناس بصلاة أبي بكر) والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد.
    قال عبيد الله بن عبيد الله بن عتبة في حديثه: فدخلت على عبد الله بن عباس رضي الله عنهما؛فقلت: ألا أعرض عليك ما حدثتني (عائشة عن)مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هات. فعرضت عليه حديثها فما أنكر منه شيئاً غير أنه قال: أَسمَّت لك الرجل الذي كان مع العباس؟ (قلت: لا)، قال: هو علي.
    وحديث عبيد الله هذا أخرج في الصحيحين.
    وروي أن أبا بكر صلى بالناس في مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع عشرة صلاة، ويقال: ثلاثة أيام.
    (خروج النبي صلى الله عليه وسلم صبيحة يوم وفاته)

    وفي الصحيحين أيضاً أن أنس بن مالك الأنصاري رضي الله عنه (وكان تبع النبي صلى الله عليه وسلم وخدمه وصحبه)، قال: إن أبا بكر كان يصلي بهم في وجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي توفي فيه، حتى إذا كان يوم الاثنين وهم صفوف في الصلاة،فكشف النبي صلى الله عليه وسلم ستر الحجرة ينظر إلينا وهو قائمٌ كأن وجهه ورقةُ مصحف، ثم تبسم يضحك؛فهممنا أن نفتتن من الفرح برؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصفَّ، وظن أن النبي صلى الله عليه وسلم خارجٌ إلى الصلاة، فأشار إلينا النبي صلى الله عليه وسلم: أن أتموا صلاتكم، وأرخى الستر، فتوفي من يومه.
    (استئذان ملك الموت على الحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم وآخر عهد جبريل عليه السلام بالدنيا)
    وروى أبو هريرة رضي الله عنه قال: إن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي قبض فيه، فقال: إن الله عز وجل يقرئك السلام، ويقول لك: كيف تجدك؟ قال: أجدني يا أمين الله وجعاً، من هذا الذي معك؟ قال: هذا ملك الموت، وهذا آخر عهدي بالدنيا بعدك، وإني لا أهبط إلى الأرض إلى أحد بعدك أبداً.
    (معالجة الحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم سكرات الموت)
    فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم سكرات الموت وعنده قدح فيه ماء، فكلما وجد سكرة أخذ من ذلك الماء فمس به وجهه ويقول: اللهم أعنّي على سكرات الموت.
    (تأثر فاطمة رضي الله عنها لمعاناة أبيها صلى الله عليه وسلم)
    وروى ثابت عن أنس رضي الله عنه، قال: لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم جعل يتغشاه الكرب، فقالت فاطمة رضي الله عنها: واكرب أبتاه. فقال لها عليه الصلاة والسلام: ليس على أبيك كرب بعد اليوم.

    فلما مات قالت: يا أبتاه أجاب رباً دعاه، يا أبتاه جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه إلى جبريل أنعاه. فلما دفن، قالت فاطمة رضي الله عنها: يا أنس أطابت أنفسكم أن تحثوا على نبيكم رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب؟. انفرد بإخراجه البخاري.
    (غسل النبي صلى الله عليه وسلم وتسمية من حضر غسله)
    قال صاحب لباب النقول: ومن عجائب ما اتفق بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، ما رواه عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما أخذنا في جهازه أُمِرَ بالباب فأغلق دون الناس جميعاً، فنادت الأنصار: نحن أخواله، ومكاننا في الإسلام مكاننا، وهو ابن أختنا. ونادت قريش: نحن عصبته.
    فصاح أبو بكر: يا معشر المسلمين كل قوم أحق بجنازتهم من غيرهم، (فننشدكم الله، فإنكم إن دخلتم أخَّرتموهم عنه، والله لا يدخل عليه إلا من دعي).

    فانطلقوا إلى العباس فكلموه، فكلمته الأنصار، فأدخلوا أوس بن خَوْلِي، فكان في ناحية من البيت.
    قال ابن عباس رضي الله عنهما: فبينا هم يختلفون في غسله صلى الله عليه وسلم، وقد أحضروا الماء من بئر غرس، وأحضروا سدراً وكافوراً، أرسل الله عليهم النوم، فما منهم رجل إلا واضعاً لحيته على صدره، وقائل يقول ما يدرى من هو: اغسلوا نبيكم وعليه قميصه، فَغُسِّل في القميص، وغُسِّلَ الأولى بالماء القراح، وغُسِّلَ في الثانية بالماء والسدر، والثالثة بالكافور.
    وغسّله علي والفضل بن العباس، وكان الفضل رجلاً أيِّداً، وكان يقلبه شقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وروي عن عائشة رضي الله عنها قالت: لو استقبلت من أمري ما استدبرت، ما غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا نساؤه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قبض اختلف أصحابه في غسله، فقال بعضهم: اغسلوه وعليه ثيابه، فبينما هم كذلك أخذتهم نعسة، فوقع لحي كل إنسان على صدره، قال: فقال قائل لا يدرى من هو: اغسلوه وعليه ثيابه.

    وما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سأله ماهان الحنفي قال: قلت: كيف غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: (ضرب عليه العباس كِلَّةً له من ثيابه يمانية صفاق فصارت سنة هنا، وفي كثير من صالحي الناس، ثم أذن لرجال بني هاشم، فقعدوا بين الحيطان والكِلَّة،وسأله الأنصار أن يدخل لهم رجلاً، فأدخل أوس بن خَوْلِيّ، ثم دخل العباس الكِلَّة ودعا علياً والفضل وأبا سفيان وأسامة رضي الله عنهم،فكان الفضل يصب الماء، والمعونية في أسفله الصب، فإذا شغله الصب أعقبه أبو سفيان وأسامة،فلما اجتمعوا في الكِلَّة ألقى الله عليهم النعاس وعلى من وراء الكِلَّة في البيت حتى ما منهم أحد إلا وذقنه في صدره يغط، فناداهم مناد: أن انتبهوا، وهو يقول: ألا لا تغسلوا النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان طاهراً. فقال العباس: ألا بلى. وقال أهل البيت: صدق، فلا تغسلوه. فقال العباس: لا ندع سنة لصوت لا ندري ما هو.
    وغشيهم النعاس ثانية، فناداهم مناد(فانتبهوا) وهو يقول:اغسلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم(وعليه ثيابه)، فقال أهل البيت: ألا لا. فقال العباس: ألا نعم. وقد كان العباس حين دخل قعد متربعاً وأقعد علياً متربعاً، فتواجها، وأقعد النبي صلى الله عليه وسلم على حجرهما، فنودوا: أن أضجعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم (على ظهره)، ثم اغسلوه، واستروا، فبازوا عن الصفيح، وأضجعاه، فغرَّبا رجل الصفيح وشرَّقا رأسه الشريف صلى الله عليه وسلم، ثم أخذوا في غسله، وما يريان أنه ينبغي لهما أن يأتيا على شيء (إلا قلب لهما) ورفع لهما، وعليه قميص ومِجْوَلمفتوح الشق ولم يغسل إلا بالماء القراح، وطيبوه بالكافور، ثم اعتصروا قميصه ومجوله، وحنطوا مساجده ومفاصله، ووضؤوا به ذراعيه، ووجهه، وكفيه، وقدميه، ثم أدرجوا أكفانه على قميصه ومجوله، وجمَّروه عوداً ونداً، ثم احتملوه حتى وضعوه على سريره، وسجوه.

    وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب يمانية بيض سحولية (من كرسف)، ليس فيها قميص ولا عمامة.
    وقد كان شقران حين وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرته أخذ قطيفة قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها ويفرشها،فدفنها معه في القبر، وقال: والله لا يلبسها أحد بعدك.
    (أحدث الناس عهداً بالحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم)
    قال صاحب لباب المنقول: ولا خلاف أن قثم بن العباس رضي الله عنهما كان آخر عهد برسول الله صلى الله عليه وسلم،لأنه آخر من صعد من قبره عليه أفضل الصلاة وأتم التسليمات.وقد كان المغيرة بن شعبة يدّعي أنه أحدث الناس عهداً برسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أخذت خاتمي فألقيته في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلت حين خرج القوم: إن خاتمي قد سقط في القبر، وإنما طرحته لأمسّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكون آخر الناس عهداً به.
    وهذا الحديث غير صحيح، أُخبر به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ فردّه على من رواه عن المغيرة بن شعبة من أهل العراق، وقال: كذب المغيرة، وكان أحدث الناس عهداً برسول الله صلى الله عليه وسلم قثم بن العباس.
    عظم المصيبة وما نزل بالمسلمين بموته صلى الله عليه وسلم
    وبعض ما رثي به صلى الله عليه وسلم من الشعر
    (عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيعزي الناس بعضهم بعضاً من بعدي تعزية نبي وكان الناس يقولون: ما هذا؟، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي بعضنا بعضاً يعزي بعضهم بعضاً برسول الله صلى الله عليه وسلم).

    وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، عزَّتهم الملائكة يسمعون الحسَّ، ولا يرون الشخص، فقالت: السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته، إن في الله عزاء من كل مصيبة، وخلفاً من كل فائت، فبالله فثقوا، وإياه فارجوا، فإنما المحروم من حرم الثواب، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    ورثى جماعة من الآل والأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مراثي كثيرة:
    فمنها: ما روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه:
    لما رأيت نبينا متجدلا
    ضاقت علي بعرضهن الدورُ
    فارتاع قلبي عند ذاك لهلكه
    والعظم مني ما حييت كسير
    أعتيق ويحك إن حبك قد ثوى
    وبقيت منفرداً وأنت حسيرُ
    يا ليتني من قبل مهلك صاحبي
    غيبت في جدث علي صخور
    فلتحدثن بدائع من بعده
    تعيا بهن حوائج وصدور
    ورثته عمته صفية رضي الله عنها بمراثي كثيرة منها هذه الأبيات مختصرة
    من أبيات طويلة:
    فقدت أرضنا هناك نبيا
    كان يروى به النبات زكيا
    خلقاً عالياً وديناً كريماً
    وصراطاً يهدي الأنام سويا
    وسراجاً يجلو الظلام منيراً
    ونبياً مسدًّداً عربيا
    حازماً عازماً كريماً حليماً
    عائداً بالنوال براً تقيا
    إن يوماً أتى عليك ليوم
    كورت شمسه وكانت جليا
    فعليك السلام منا ومن
    ربك بالروح بكرة وعشيا
    وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعوا صوتاً ولم يروا شخصاً وهو يقول: السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته، كل نفس ذائقة الموت، وإنما توفون أجوركم يوم القيامة، وإن في الله عز وجل لعزاء من كل هالك، ودركاً من كل فائت، فبالله فثقوا، وإياه فارجوا، واعلموا أن المصاب من حرم الثواب، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    وبكى أبو سفيان بن الحارث رضي الله عنه (ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم) فقال:
    أرقت وبات ليلي لا يزول
    وليل أخي المصيبة فيه طول

    وأسعدني البكاء وذاك فيما
    أصيب المسلمون به قليل
    فقد عظمت مصيبتنا وجلّت
    عشية قيل قد قبض الرسول
    فظل الناس منقطعين فيها
    كأن الناس ليس لهم حويل
    كأن الناس إذ فقدوه عمي
    أضر بلبّ حازمهم غليل
    وحق لتلك مرزئة علينا
    وحق لها تطير لها العقول
    وأضحت أرضنا مما عراها
    تكاد بنا جوانبها تميل
    فقدنا الوحي والتنزيل فينا
    يروح به ويغدو جبرئيل
    وذاك أحق ما سالت عليه
    نفوس الناس أو كادت تسيل
    أصبنا بالنبي وقد رزانا
    مصيبتنا فمحملها ثقيل
    نبي كان يجلو الشك عنا
    بما يوحى إليه وما يقول
    ويهدينا فلا نخشى ضلالاً
    علينا والرسول لنا دليل
    يخبرنا بظهر الغيب عما
    يكون فلا يخون ولا يحول
    فلم نر مثله في الناس حياً
    وليس له من الموتى عديل
    وفاطمُ إن جزعت فذاك عذر
    وإن لم تجزعي فهو السبيل
    فعوذي بالعزاء فإن فيه
    ثواب الله والفضل الجزيل
    وقولي في أبيك ولا تملي
    وهل يجزي بفعل أبيك قيل
    فقبر أبيك سيد كل قبر
    وفيه سيد الناس الرسول
    صلاة الله من رب رحيم
    عليه لا تحول ولا تزول
    قال الله عز وجل:{إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين}.
    الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
    نحمده حمداً يوافي نعمه، ويكافيء مزيده.
    اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ورسولك النبي الأمي، وعلى آل سيدنا محمد وأزواجه وذريته، كما صليت على سيدنا ابراهيم، وعلى آل سيدنا ابراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
    اللهم اجزه عنا أفضل ما جزيت نبياً عن أمته، واحشرنا في زمرته، واجعلنا من خيار أمته، ولا تخالف بنا عن ملته، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته.
    تامرعبدالرحمن
    تامرعبدالرحمن
    مشرف
    مشرف


    الجنس : ذكر
    الابراج : الجوزاء
    عدد المساهمات : 247
    نقاط : 10749
    السٌّمعَة : 280
    تاريخ التسجيل : 10/10/2011
    العمر : 31
    الموقع : اليمن

    الفجر المنير فى الصلاة على البشير النذير Empty رد: الفجر المنير فى الصلاة على البشير النذير

    مُساهمة من طرف تامرعبدالرحمن الجمعة 4 مايو 2012 - 14:24

    مشكور على هذا الموضوع الرائع
    وجزاك الله خير الجزاء


    _________________

    *******************************************
    الفجر المنير فى الصلاة على البشير النذير ?img=27b11127efc3ae0

    الفجر المنير فى الصلاة على البشير النذير 940904856956135589

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس 21 نوفمبر 2024 - 4:34