طوق الحمامة في التداوي بالحجامة
عونك اللهمَّ وتأييدك ، وإرشادك إيَانا وتسديدك
الحمد لله الذى خلق الإنسان فأحسن خلقه وسوَّاه ، وهداه لما فيه سعادته فى دنياه وأخراه ، ويسَّر له سبل السلامة من الهلاك والعطب ، وفطره على محبة العافية فهى غاية المراد ومنتهى الأرب ، وابتلاه بالأدواء والأوجاع لتكون تكفيراً لذنوبه وتطهيراً ، وحذره من اتلاف نفسِه وجسدِه تحذيراً كبيراً ، فقال سبحانه ومن أصدقُ من الله قيلاً ، (( إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً )) .
وبعد ..
فالحجامة من العلاجات الطبية القديمة لدى الكثير من المجتمعات البشرية ، من مصر القديمة غرباً ، إلى الصين شرقاً ، فقد عرفها وألفها الصينيون والبابليون والفراعنة ، والهنود والعرب ، ولا يغيبن عنك أن الحجامة مع الإبر الصينية من أهم ركائز طب الصين التقليدى . وقد كان الحجامون القدماء يقطعون أطراف القرون المجوفة لبعض الحيوانات ، والفروع القوية لأشجار البامبو ، ويستعملونها كمحاجم ، يضعونها على مواضع الحجامة من أبدان المرضى . ومع مرور الزمن ، وتطور الألات ، استعملوا بدلاء من الكئوس الزجاجية التى تفرغ من الهواء بحرق قطعة من القطن أو الورق داخلها .
ولقد عرفها العرب قبل الإسلام ، ربما تأثراً بالمجتمعات المجاورة ، بل واستعملوا فى الحجامة طريقةً لعلهم لم يسبقوا إليها ، كانت تعرف بـ (( حجامة دودة العلق Blood-****ing Leech )) ، وهى دويدة حمراء تكون بالماء ، تعلَّق بالبدن لتمص الدم المحتقن فى أماكن الورم كالحلق ، فكانوا يجمعون ذلك الدود ، ويحبسونه يوما أو يومين بلا طعام ، ويستخرجون جميع ما بأجسامها لتشتد وتجوع ، ثم يعلِّقونها على مواضع الورم ، لتمصه مصاً قوياً .
ولما جاء الإسلام أقرَّ الحجامة ، بل وجعلها فرعاً من فروع الطب النبوى المتلقى بالوحى عن الله ، فقد احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلَّم وأعطى الحجام أجره ، وندب أمته إلى التداوى بالحجامة ، وقال (( خير ما تداويتم به الحجامة )) ، وقال (( إن أمثل ما تداويتم الحجامة والقسط البحرى )) ، فى طائفةً من الأحاديث النبوية التى تناهز المائة ، كما سيأتى بيانه فى باب : الحجامة فى الطب النبوى .
وربما مثلت الحجامة الجزء الأكبر من الطرائق العلاجية للعديد من بلدان العالم إلى وقت ليس بالبعيد ، خاصةً فى البلاد الحارة ، والأمزجة الحارة ، التى دم أصحابها فى غاية النضج ، حيث تميل الطبائع إلى تهيج الدم وميله إلى ظاهر البدن ، لجذب الحرارة الخارجة له إلى سطح البدن ، واجتماعه فى نواحى الجلد . غير أنه لما استشرى أمر الطب الغربى ، وصار مهيمنا على معظم الطرق العلاجية ، وانتشرت شركات الأدوية اللاهثة وراء المال كالغول الكاسر ، الذى يحطم كل ما يعترضه لتحقيق مآربه وغاياته ، وأيدته أنظمة لا دينية شاركته فى الغاية والهدف ، تقلصت هاتيك الممارسات التقليدية وتولت إلى الظل ، اللهم إلا بقايا فى بعض البلاد العربية ، كالسعودية وسوريا ودول الخليج العربى ، وبلاد الصين وبعض بلاد شرق أسيا ، وذلك كجزء من التراث الشعبى لهذه البلدان ، وخاصةً الصين ، فهى من أوثق الدول ارتباطاً بتراثها ومعارفها القديمة .
ظل الأمر كذلك ، حتى بدت فى أفق الغرب الأوروبى ، خاصةً ألمانيا وفرنسا ، مظاهر الاعتراض على التطبيقات الطبية الحديثة ، وتقلصت دائرة التقديس والحفاوة بها ، سيما وقد أبدت عجزها عن علاج الكثير من الأدواء المستحدثة ، مع تراكم الآثار الجانبية والسلبية للأدوية المركبة ، فراحوا يبحثون عن النظم البديلة والمكملة ، وعادت الممارسات التقليدية لتحتل جزءاً من تفكيرهم وتطبيقاتهم ، فدخلت الحجامة على استحياءٍ تلك المجتمعات ، وتربعت على عرش التطبيقات والممارسات البديلة والمكملة ، بفضل جهود العلماء والأطباء العرب الغيورين على تطبيقات الطب النبوى .
فقد شاء اللطيف الخبير أن يجدِّد للحجامة حيويتَها وشبابَها ، ويُجَلِّى للناس أثرَها فى علاج الكثير من الأمراض الدموية التى عجز الطب الحديث عن علاجها ، ووقف حائراً بآلاته وتقنياته المذهلة أمام غاراتها وضراوتها ، وخاصة السرطان والهيموفيليا واللوكيميا وغيرها من الأمراض الفتاكة القاتلة ، فقيَّض لها الشيخ الدمشقى محمد أمين شيخو ، والذى حمل على عاتقه مسئولية البحث والتنقيب عن الأسس العلمية التى تنبنى عليها ، فأدَّاه اجتهاده وبحثه الدوؤب إلى كشف النقاب عن الأصول العلمية الدقيقة لتأثير الحجامة على الدم والجهاز الدورى ، حيث تنقيه من الشوائب والأخلاط والنفايات ، وتخلصه من المواد الرديئة ، واللزوجة التى ربما أحدثت سدداً لمجراه ، وتستحثه على تجديد وتعويض كمياته المستنزفة ، وما يترتب على ذلك من نشاط سائر أجهزة البدن ، والتى تعمل بتعاونٍ وانسجام مع الدم : كالكبد والطحال والكلى والعظام .
ولقد سخر الله عزَّ وجلَّ لهذا الشيخ فريقاً من أكابر أطباء سوريا المتخصصين فى أدق فروع الطب الإنسانى ، والذين اقتنعوا بنظريته وتأصيلاته الدقيقة فى تطبيقات الحجامة بنوعيها : الوقائية والعلاجية ، فأثمر هذا التعاون الجاد نتائج باهرةً أدهشت عقول أكابر أطباء الدنيا المعاصرين ، وجعلت الدوائر الطبية العالمية تتجه بأنظارها إلى سوريا للإطلاع على نتائج هذه الجهود الفذة ، ونقلتها إلى بلادها وأوصت بتطبيقها فى مجالات الطب البديل والتكميلى .
وليس من العجيب الآن أن نسمع عن تدريس طرائق الحجامة فى الجامعات الأوروبية والأمريكية ، بل وتعطى فيها أعلى الدرجات العلمية ، وأن يصير مصطلح Cupping Therapy متداولا فى الأوساط الأكاديمية والإكلينيكية . ومن شهود العيان لهذا الواقع الذى يعد مفخرةً يعتز بها الممارسون للحجامة خاصةً ، ولتطبيقات الطب النبوى عامةً ، أساتذة العلاج الطبيعى فى هذه الجامعات .
هذا ما أكده الدكتور أمير محمد صالح ؛ الأستاذ الزائر فى جامعة شيكاغو ، والحاصل على البورد الأمريكى فى العلاج الطبيعى ، وعضو الجمعية الأمريكية للطب البديل ، والذى يؤكد صراحةً أنه لم يكن يعرف شيئاً كثيراً عن الحجامة قبل سفره إلى أمريكا ، قال : (( من خلال رحلاتى العلمية التى امتدت لعدة سنوات فى أمريكا وبعض الدول الأوروبية ، وجدت أنهم يعرفون هذا النوع من العلاج كفرع مهم فى الجامعات ، ويسمى عندهم Cupping Therapy يعنى الشفط )) .
ولقد تطورت طرائق الحجامة وأدواتها تطوراً مذهلاً ، وشاركت فى ذلك ألمانيا والصين ، وبادرت الشركات المتخصصة فى صناعة الأجهزة التكنولوجية بتحديث آلات الحجامة ، بحيث صارت تلك الأجهزة تقوم بالشفط آلياً بدلا من الطريقة التقليدية القديمة ، والتى طالما أجهدت الحجَّام والمحجوم ، مع ما لها من آثار سلبية فى تلويث الجروح ونقل العدوى ، كما أجريت الحجامات على مراكز خطوط الطاقة التى تعمل عليها الإبر الصينية ، فكانت النتائج مذهلة للغاية ، حتى قال أحد خبراء العلاج الطبيعى الألمانى : (( كانت نتائج الحجامة عشرة أضعاف الإبر الصينية )) .
وبعد .. فهل يمكن لبلادنا : ديار الإسلام وحماة ذماره ، وهى صاحبة هذا الطب الباهر الأثر ، أن تشهد عوداً حميداً للحجامة ، فتمارس علناً بأيدى الأطباء المتخصصين ؟ ، وتنشئ لها عيادات متخصصة .
يومئذٍ ونسأل الله أن يـكون قريباً ، نقول (( هذه بضاعتنا ردت إلينا )) ، فنحن أحق بها ، وأولى الناس بأن نجنى قطوفها .
الحجامة فى أوثق وأصح (( كتب السنة ))(1)
( أولاً ) فى (( صحيح البخارى ))
***
قال إمام المحدثين فى (( كتاب الطب )) من (( الجامع الصحيح )) :
بَـاب الشِّـفَاءُ فِي ثَلاثٍ
(5681) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ أَخْبَرَنَا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ أَبُو الْحَارِثِ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ شُجَاعٍ عَنْ سَالِمٍ الأَفْطَسِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( الشِّفَاءُ فِي ثَلاثَةٍ : فِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ أَوْ كَيَّةٍ بِنَارٍ ، وَأَنَا أَنْهَى أُمَّتِي عَنِ الْكَيِّ )) .
بَـاب أَيَّ سَاعَةٍ يَحْتَجِمُ وَاحْتَجَمَ أَبُو مُوسَى لَيْلاً
(5694) حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : احْتَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ صَائِمٌ .
بَـاب الْحَجْمِ فِي السَّفَرِ وَالإِحْرَامِ قَالَهُ ابْنُ بُحَيْنَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(5695) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ طَاوُسٍ وَعَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : احْتَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ .
بَـاب الْحِجَامَةِ مِنَ الدَّاءِ
(5696) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ أَنَسٍ : أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ أَجْرِ الْحَجَّامِ ، فَقَالَ : احْتَجَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، حَجَمَهُ أَبُو طَيْبَةَ ، وَأَعْطَاهُ صَاعَيْنِ مِنْ طَعَامٍ ، وَكَلَّمَ مَوَالِيَهُ ، فَخَفَّفُوا عَنْهُ . وَقَالَ : (( إِنَّ أَمْثَلَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ وَالْقُسْطُ الْبَحْرِيُّ )) ، وَقَالَ : (( لا تُعَذِّبُوا صِبْيَانَكُمْ بِالْغَمْزِ مِنَ الْعُذْرَةِ ، وَعَلَيْكُمْ بِالْقُسْطِ )) .
(5697) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ تَلِيدٍ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو وَغَيْرُهُ أَنَّ بُكَيْرًا حَدَّثَهُ أَنَّ عَاصِمَ ابْنَ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ عَادَ الْمُقَنَّعَ ، ثُمَّ قَالَ : لا أَبْرَحُ حَتَّى تَحْتَجِمَ ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (( إِنَّ فِيهِ شِفَاءً )) .
ـــــــ
(1) هذا البيان رد على من زعم أن أحاديث الحجامة لم تبلغ درجة الصحة ، وأنه لا يَعرفُ ـ مبلغ علمه ـ فى جوازها أو منـعها نصاً صحيحاً ، وأن الحكم الفصل فيها إنما مرجعه إلى الطب والأطباء !! .
بَـاب الْحِجَامَةِ عَلَى الرَّأْسِ
(5699) حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ عَنْ عَلْقَمَةَ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجَ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ ابْنَ بُحَيْنَةَ يُحَدِّثُ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ بِلَحْيِ جَمَلٍ مِنْ طَرِيقِ مَكَّةَ ، وَهُوَ مُحْرِمٌ ، فِي وَسَطِ رَأْسِهِ . وَقَالَ الأَنْصَارِيُّ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ فِي رَأْسِهِ .
بَـاب الْحِجَامَةِ مِنَ الشَّقِيقَةِ وَالصُّدَاعِ
(5701) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال : احْتَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَأْسِهِ ، وَهُوَ مُحْرِمٌ ، مِنْ وَجَعٍ كَانَ بِهِ ، بِمَاءٍ يُقَالُ لَهُ لُحْيُ جَمَلٍ . وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ ، وَهُوَ مُحْرِمٌ فِي رَأْسِهِ ، مِنْ شَقِيقَةٍ كَانَتْ بِهِ .
(5702) حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ حَدَّثَنَا ابْنُ الْغَسِيلِ قَال حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (( إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ خَيْرٌ ، فَفِي شَرْبَةِ عَسَلٍ ، أَوْ شَرْطَةِ مِحْجَمٍ ، أَوْ لَذْعَةٍ مِنْ نَارٍ ، وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ )) .
( ثانياً ) فى (( صحيح مسلم ))
***
قال الإمام أبو الحسين مسلم النيسابورى فى (( كتاب الحج )) من (( صحيحه ))(8/123. نووى) :
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ إِسْحَقُ أَخْبَرَنَا وقَالَ الآخَرَانِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَـنْ عَمْرٍو عَــنْ طَاوُسٍ وَعَطَاءٍ عَـنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ ، وَهُوَ مُحْرِمٌ .
وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا الْمُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ عَنِ ابْنِ بُحَيْنَةَ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ بِطَرِيقِ مَكَّةَ ، وَهُوَ مُحْرِمٌ وَسَطَ رَأْسِهِ .
وقال فى (( كتاب المساقاة ))(10/232،243:241. نووى ) :
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ قَالَ سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ يُحَدِّثُ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (( شَرُّ الْكَسْبِ : مَهْرُ الْبَغِيِّ ، وَثَمَنُ الْكَلْبِ ، وَكَسْبُ الْحَجَّامِ )) .
حَدَّثَـنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ قَالُوا حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ـ يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ ـ عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ : سُئِلَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ كَسْبِ الْحَجَّامِ ؟ ، فَقَالَ : احْتَجَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، حَجَمَهُ أَبُو طَيْبَةَ ، فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعَيْنِ مِنْ طَعَامٍ ، وَكَلَّمَ أَهْلَهُ ، فَوَضَعُوا عَنْهُ مِنْ خَـرَاجِهِ ، وَقَالَ : (( إِنَّ أَفْضَلَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ ، أَوْ هُوَ مِنْ أَمْثَلِ دَوَائِكُمْ )) .
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ ـ يَعْنِي الْفَزَارِيَّ ـ عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ : سُئِلَ أَنَسٌ عَنْ كَسْبِ الْحَجَّامِ ؟ فَذَكَرَ بِمِثْلِهِ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ : (( إِنَّ أَفْضَلَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ وَالْقُسْطُ الْبَحْرِيُّ ، وَلا تُعَذِّبُوا صِبْيَانَكُمْ بِالْغَمْزِ )) .
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ ح وحَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا الْمَخْزُومِيُّ كِلاهُمَا عَنْ وُهَيْبٍ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ ، وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ ، وَاسْتَعَطَ .
حَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَاللَّفْظُ لِعَبْدٍ قَالا أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَاصِمٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : حَجَمَ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدٌ لِبَنِي بَيَاضَةَ ، فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْرَهُ ، وَكَلَّمَ سَيِّدَهُ فَخَفَّفَ عَنْهُ مِنْ ضَرِيبَتِهِ ، وَلَوْ كَانَ سُحْتًا لَمْ يُعْطِهِ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وقال فى (( كتاب السلام )) من (( صحيحه )(14/194:191. نووى ) :
حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ وَأَبُو الطَّاهِرِ قَالا حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو أَنَّ بُكَيْرًا حَدَّثَهُ أَنَّ عَاصِمَ بْنَ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ عَادَ الْمُقَنَّعَ ، ثُمَّ قَالَ : لا أَبْرَحُ حَتَّى تَحْتَجِمَ ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (( إِنَّ فِيهِ شِفَاءً )) .
حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ قَالَ : جَاءَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ فِي أَهْلِنَا ، وَرَجُلٌ يَشْتَكِي خُرَاجًا بِهِ ، أَوْ جِرَاحًا ، فَقَالَ : مَا تَشْتَكِي ؟ ، قَالَ : خُرَاجٌ بِي قَدْ شَقَّ عَلَيَّ ، فَقَالَ : يَا غُلامُ ائْتِنِي بِحَجَّامٍ فَقَالَ لَهُ : مَا تَصْنَعُ بِالْحَجَّامِ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ؟ ، قَالَ : أُرِيدُ أَنْ أُعَلِّقَ فِيهِ مِحْجَمًا ، قَالَ : وَاللهِ إِنَّ الذُّبَابَ لَيُصِيبُنِي ، أَوْ يُصِيبُنِي الثَّوْبُ ، فَيُؤْذِينِي وَيَشُقُّ عَلَيَّ ، فَلَمَّا رَأَى تَبَرُّمَهُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ : إِنِّي سَمِعْتُ رَسُــولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (( إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ خَيْرٌ ، فَفِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ أَوْ شَرْبَةٍ مِنْ عَسَلٍ أَوْ لَذْعَةٍ بِنَارٍ )) ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ )) ، قَالَ : فَجَاءَ بِحَجَّامٍ فَشَرَطَهُ ، فَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ .
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْـنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا لَيْثٌ ح وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ أَخْبَـرَنَا اللَّيْثُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ : أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ اسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحِجَامَةِ ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا طَيْبَةَ أَنْ يَحْجُمَهَا .
قَالَ : حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ : كَانَ أَخَاهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ ، أَوْ غُلامًا لَمْ يَحْتَلِمْ .
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ صَخْرٍ الدَّارِمِيُّ حَدَّثَنَا حَبَّانُ بْنُ هِلَالٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ ، وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ ، وَاسْتَعَطَ .
وحَدَّثَنَاه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنَا وَكِيـعٌ وقَالَ أَبُو كُرَيْبٍ وَاللَّفْظُ لَهُ ، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ : احْتَجَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَانَ لا يَظْلِمُ أَحَدًا أَجْرَهُ .
( ثالثاً ) فى (( الموطأ )) لإمام دار الهجرة مالك بن أنس(1)
***
قال يحيى بن يحيى فى (( موطأ مالك ))(1/278) :
بَـاب مَا جَاءَ فِي حِجَامَةِ الصائمِ
عَنْ مَالِك عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ : أَنَّهُ كَانَ يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ ، قَالَ : ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ بَعْدُ ، فَكَانَ إِذَا صَامَ لَمْ يَحْتَجِمْ حَتَّى يُفْطِرَ . وعَنْ مَالِك عَنِ ابْنِ شِهَابٍ : أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ كَانَا يَحْتَجِمَانِ ، وَهُمَا صَائِمَانِ . وعَنْ مَالِك عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ : أَنَّهُ كَانَ يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ ثُمَّ لا يُفْطِرُ ، قَالَ : وَمَا رَأَيْتُهُ احْتَجَمَ قَطُّ ، إِلا وَهُوَ صَائِمٌ .
قَالَ مَالِك : لا تُكْرَهُ الْحِجَامَةُ لِلصَّائِمِ إِلا خَشْيَةً مِنْ أَنْ يَضْعُفَ ، وَلَوْلا ذَلِكَ لَمْ تُكْرَهْ . وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً احْتَجَمَ فِي رَمَضَانَ ، ثُمَّ سَلِمَ مِنْ أَنْ يُفْطِرَ ، لَمْ أَرَ عَلَيْهِ شَيْئًا ، وَلَمْ آمُرْهُ بِالْقَضَاءِ لِذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي احْتَجَمَ فِيهِ ، لأَنَّ الْحِجَامَةَ إِنَّمَا تُكْرَهُ لِلصَّائِمِ ، لِمَوْضِعِ التَّغْرِيرِ بِالصِّيَامِ . فَمَنِ احْتَجَمَ وَسَلِمَ مِنْ أَنْ يُفْطِرَ ، حَتَّى يُمْسِيَ ، فَلا أَرَى عَلَيْهِ شَيْئًا ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ .
وقال (3/141) :
بَـاب مَا جَاءَ فِي الْحِجَامَةِ وَأُجْرَةِ الْحَجَّامِ
عن مَالِك عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ ابْنِ مُحَيِّصَةَ الأَنْصَارِيِّ أَحَدِ بَنِي حَارِثَةَ : أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ رَسُــولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِجَارَةِ الْحَجَّامِ ، فَنَهَاهُ عَنْهَا ، فَلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُهُ وَيَسْتَأْذِنُهُ ، حَتَّى قَالَ : اعْلِفْهُ نُضَّاحَكَ ـ يَعْنِي رَقِيقَكَ ـ .
ــــــ
(1) اقتـصرت فى هذه العجالة على الثلاثة المصنفات المشهورة والمتداولة بأيدى أهل العلم ، بإعتبارها أمهات كتب الحديث والفقه ، وهى (( الصحيحين )) و (( الموطأ )) ، وسيأتى مزيد بيان لتخريجات صحاح أحاديث الحجامة فى أبوابها .
الحجامة : مصادرها ومواردها فى اللغة
ورد فى (( لسان العرب ))(12/117) للعلامة ابن منظور : (( الحَجْمُ : المصُّ ؛ يقال : حَجَمَ الصبيُّ ثَدي أُمه : إذا مصه . وما حَجَمَ الصبيُّ ثدي أُمه : أي ما مَصَّه . وَثَدْيٌ مَحْجوم : أَي مَمْصوص . والحَجَّامُ : المَصَّاص . قال الأزهري : يقال للحاجم حَجَّامٌ ؛ لامْتِصاصه فم المِحْجَمَة ، وقد حَجَمَ يَحْجِمُ ويَحْجُم حَجْماً ، وحاجِمٌ حَجُومٌ ، ومِحْجَمٌ رَفيقٌ .
والمِحْجَمُ والمِحْجَمَةُ : ما يُحْجَم به . قال الأزهري : المِحْجَمَةُ قارُورَتُهُ ، وتطرح الهاء ، فيقال : مِحْجَم ، وجمعه مَحَاجِمِ . قال زهير :
ولم يُهَريقُوا بينهم مِلْءَ مِحْجَمِ
وفي الحديث : (( أَعْلَقَ فيه مِحْجَماً )) . قال ابن الأثـير : المِحْجَمُ ـ بالكسر ـ الآلة التي يجمع فيها دم الحِجامة عند المصّ . قال : والمِحْجَمُ أَيضاً مِشْرَطُ الحَجَّام . ومنه الحديث (( لَعْقَةُ عَسلٍ أو شَرْطةُ مِحْجَمٍ )) . وحِرفَتُه وفعلُه الحِجامةُ . والحَجْمُ : فعل الحاجم وهو الحَجَّامُ . واحْتَجَمَ : طلب الحِجامة ، وهو مَحْجُومٌ ، وقد احْتَجَمْتُ من الدم . وفي حديث الصوم (( أَفْطَرَ الحاجمُ والمَحْجومُ )) ، قال ابن الأثـير : معناه : أنهما تَعَرَّضا للإِفْطار ، أَما المَحْجومُ ، فللضعف الذي يلحقه من خروج دمه ، فربما أَعجزه عن الصوم ، وأَما الحاجِمُ فلا يَأْمَنُ أَن يصل إلى حلقه شيء من الدم فيبلعَهُ أَو من طَعْمِه ، قال : وقيل هذا على سبيل الدعاء عليهما أَي بطل أَجْرُهما ، فكأنهما صارا مفطرين ، كقوله (( من صام الدَّهْرَ فلا صامَ ولا أَفطرَ )) .
والمَحْجَمَة من العنق : موضع المِحْجمةِ . وأَصل الحَجْم المصّ ، وقولهم : أَفْرَغُ من حَجَّام ساباطَ ، لأنه كان تَمُرُّ به الجيوش فَيَحْجُمهم نَسيئةً من الكساد حتى يرجعوا فضربوا به المَثَل .
قال ابن دريد : الحِجامةُ من الحَجْمِ الذي هو البَداءُ لأن اللحم يَنْتَبِرُ أَي يرتفع )) اهـ
ومما دلَّ على معرفة أهل الجاهلية من العرب بالحجامة ؛ ورودها على ألسنة شعرائها . قال زهير بن أبى سلمى فى معلقته الشهيرة ، يمدح هرم بن سنان والحارث بن عوف :
تداركتما عبسا وذبـيان بعدمـا تفانـوا ودقوا بينهم عطر منـشمِ
وقد قلتما إن نُدرك السلمَ واسـعاً بمالٍ ومعروفٍ من الـقولِ نسلمِ
فأصبحتما منها على خير موطنِ بعيدين فيها مـن عـقوقٍ ومأثمِ
عظيمين فى علـيا معدٍ هديـتما ومن يستبح كنزاً من المجد يعظمِ
تعـفى الكـلوم بالمئين فأصبحت ينجمها فيها مـن ليـس بمجرمِ
ينجـمها قـوم لقـومٍ غـرامةً ولم يهريـقوا بينهم مـلءَ محجمِ
ومن شعر المحدثين ، قول بشار بن برد يهجو قوماً :
بلوت بني زيد فما في كبارهم حلوم ولا في الأصغرين مطهَّرُ
فأبلغ بني زيد وقـل لسراتهم وإن لم يكن فيهم سـراة توقرُ
لأمِّكم الويـلاتُ إن قصائـدي صـواعقُ منها منجد ومغوِّرُ
يريدون مسعاتي ودون لقائها قناديلُ أبـوابِ السمواتِ تزهرُ
فقل في بني زيد كما قال معربٌ قـوارير حجَّامٍ غـداً تتكسَّرُ
وفى (( جمهرة الأمثال ))(2/107/1346) : (( أفرغ من حجَّام ساباط : قالوا : كان حجاما ملازما لساباط المدائن ، يحجم الجندي نسيئةً بدانق واحد إلى وقت قفولهم ، وربما تمر به الأيام لا يدنو منه أحد فيها ، فتخرج أمُّه فيحجمها ، ليرى الناس أنه غير فارغ ، فما زال ذلك دأبه حتى أنزف دم أمَّه ، فماتت فجأة ، فسار مثلا . قال شاعر محدث :
دارُ أبي القاسم مفروشةٌ ما شئت من بُسُطٍ وأنماطِ
وبُعْدُ ما يأتيك من خيرِه كبُعـْدِ بلخٍ مـن سُميْساطِ
مطبخُه قـفرٌ وطـباخه أفـرغ مـن حجام ساباط )) اهـ .
وقال كثير عزة يمدح عمر بن عبد العزيز الأموى :
ولـيت فلم تـشتم عليا ولـم تخف برياً ولم تقبل إشارة مجرمِ
وصدقت بالفعل المقالَ مع الذي أتـيت فأمسى راضيا كلُّ مسلمِ
وقد لبست تسعى إليك ثـيابها تـراءى لك الدنيا بكفٍ ومعصمِ
وتومض أحيانا بعـينٍ مريضة وتبسم عـن مثل الجمان المنظمِ
فأعرضتَ عنها مشمئزا كأنَّـها سقتك مدوفا مـن سمام وعلقم
وقد كنت من أجبالها في ممنع ومن بحرها في مزبد الموج مفعمِ
وما زلت تواقا إلى كل غـاية بلغت بـها أعلى البـناء المـقدمِ
فلما أتـاك الملك عفوا ولـم يكن لطالـب دنيا بعده مـن تكلمِ
تركت الذي يفنى وإن كان مونقا وآثرت ما يبقى بـرأي مصـممِ
فما بين شرق الأرض والغرب كلـها مناد ينادي من فصيح وأعجمِ
يـقول أمـير المؤمنين ظلمتني بأخذك ديـناري ولا أخـذ درهمِ
ولا بسط كفٍ لامرئ غيرِ مجرمِ ولا السفك منه ظالما ملء محجمِ
فالحجم والحجامة اسمان لفعلٍ واحدٍ ، هو مص الدم من البدن بآلة خاصة تعرف بالمحجم أو المحجمة ، وهى قارورة من زجاج أو نحوه ذات فوهتين ؛ توضع إحداهما وهى الواسعة على موضع الحجامة من البدن ، ويلتقم الحجام الأخرى وهى الضيقة بفمه ويشفط الهواء بقوة النفس ، بعد عمل خدوش بسيطة على سطح الجلد بمشرط أو شفرة ، فيتجمعُ الدمُ فى المحجمِ .
فالحجامة إذن ، هى تفريغ للدم المتجمع فى نواحى الجلد من مسامه الدقيقة أو الخدوش التى أحدثها مشرط الحجام . فإن قيل : وما فى هذا من التداوى أو حفظ الصحة ؟ ، فنقول : قد روى الإمام أحمد عن سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَدَعَا حَجَّامًا ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَحْجُمَهُ ، فَأَخْرَجَ مَحَاجِمَ لَهُ مِنْ قُرُونٍ فَأَلْزَمَهُ إِيَّاهُ ، فَشَرَطَهُ بِطَرَفِ شَفْرَةٍ ، فَصَبَّ الدَّمَ فِي إِنَاءٍ عِنْدَهُ ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ فَقَالَ : مَا هَذَا يَا رَسُولَ اللهِ عَلامَ تُمَكِّنُ هَذَا مِنْ جِلْدِكَ يَقْطَعُهُ ؟ ، فَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (( هَذَا الْحَجْمُ )) ، قَالَ : وَمَا الْحَجْمُ ؟ ، قَالَ : (( هُـوَ مِنْ خَيْرِ مَا تَدَاوَى بِهِ النَّاسُ ))(1) .
فللحجامة فى ترويق الدم وتصفيته من الشوائب والأخلاط والنفايات ، ما للنار فى الحديد من تصفية جوهره ، ونفى خبثه ، فهى أشبه الأشياء بالكير الذى ينفى خبث الحديد . وهى أنفع العلاجات للقلب وجهازه الدورى ، بما تخلصه من المواد الرديئة والنفايات اللزجة التى ربما أحدثت سدداً لمجراه ، وبما تستحثه من تجديدٍ وتعويض لكمياته المستنزفة ، وهى مع هذا كله أشد أمناً من الفصد ، وخاصة للعروق التى لا يمكن فصدها بحالٍ ، ولفصد كلٍّ منها فائدة خاصة .
وبسط هذه المعانى سيرد ذكرها فى باب الحجامة فى الطب الحديث .
ومع تقدم وسائل المعرفة بمكونات الدم ، ودورته فى البدن ، وحمله للغذاء ونفاياته ، وتأثيره الحيوى فى حفظ طبيعة البدن ومزاجه ، اختلفت نظرتنا عن أسلافنا الذين ربما عبروا عن فائدتها تعبيراً غامضاً يخفى تصور دلالته على الكثيرين ، ومن أعجب ذلك ما نقله المناوى فى (( فيض القدير ))(3/403) عن التوربشتى حيث قال : (( ووجه منفعة الحجامة الأبدان : أن الدم مركب من القوى النفسانية الحائلة بين العبد وبين الترقي إلى ملكوت السموات ، والوصول إلى الكشوف الروحانية ، وبغلبته يزداد جماح النفس وصلابتها ، فإذا نزف الدم أورثها ذلك خضوعاً وخموداً وليناً ورقةً ، وبذلك تنقطع الأدخنة الناشئة من النفس الأمارة ، وتنحسم مادتها فتزداد البصيرة نورا إلى نورها )) . وهذا الذى قاله التوربشتى أشبه بالألغاز والأحاجى منه بالمعرفة الواعية عن الدم : ذلك الكائن الحيوى الفعال الذى يحفظ على البدن حياته وحيويته وبقاءه !! .
ولعلك إذا تأملت كلام أهل المعرفة بالطب الإنسانى ، والكيمياء الحيوية ، وأنظمة إيصال الأدوية إلى أجهزة الجسم الإنسانى ؛ لوجدت بوناً شاسعاً بينه وبين ما ذكره التوربشتى . ولنكتفى من ذلك ، بما ذكره صاحب كتـاب (( معجرة القرن العشرين : الدواء العجيب )) عن منفعة الحجامة : (( إن زيادة الدم الفاسد والهرم فى جسم الرجل البالغ ، الذى تخطى سن العشرين ، إثر توقف النمو ، ينعكس سلباً بتمركزه فى أهدأ منطقة فى الجسم ، وهى الظهر ، فإذا ما ازدادت الكريات الهرمة ــــــــ
(1) سيأتى تحقيقه برقم (10) .
سببت عرقلة عامة لسريان الدم فى الجسم ، وأدى ذلك إلى شبه شللٍ بعمل الكريات الفتية ، وبالتالى يصبح الجسم بضعفه عرضةً ، وفريسةً سهلة للأمراض .
فإذا احتجم المرء أعاد الدم إلى نصابه ، وأزال الفاسد منه ، وزال الضغط عن الجسم ، فاندفع الدم النقى العامل من الكريات الحمراء الفتية ، ليغذى الخلايا والأعضاء كلها ، ويزيل عنها الرواسب الضارة والفضلات وغاز الفحم والبولينا ، وغيرها ، فينشط الجسم ، وتزول الأمراض ، ويرفل المرء بالصحة والعافية )) اهـ .
يقول الأستاذ الدكتور أحمد غياث جبقجى ، اختصاصى الجراحة العصبية المجهرية والدماغ والنخاع الشوكى ، وعضو جمعية جراحى الأعصاب الأوروبية : (( كان لابد لتلك الأجهزة المعقدة ، التى تعمل بتواتر إلهى معجز ، على مدار اليوم ، والعام ، وحتى نهاية عمر الإنسان ، كان لابد لها من الصيانة ، وتنقية تلك المصافى الموجودة فى جسم الإنسان بشكل دورى ، للمحافظة على تلك الأجهزة ، ومدها بالقدرة الإضافية لدورانها بشكل معطاء ومفيد .
والحجامة لها دور فعال فى تنقية الدم ، ومد الجسم بقدرة إضافية كامنة فى الدم ، وتلك القدرة لابد أن تحرر عن طريق الحجامة كما أوصى الرسول الكريم صلَّى الله عليه وسلَّم ، فهى مدخل صريح وواضح إلى الصحة والعافية التامة ، بما تمد الجسم بقدرة وطاقة عظمى عن طريق فتح وتنظيف الأوعية الدموية الدقيقة ، التى يركد داخلها الدم ، ويشكل ترسبات على جدرانها ، وهذا من الأسباب المؤدية لأمراض الشقيقة والقلب والكبد وغيرها من أمراض العصر ، لأنه والحالة هذه يسبب عبئاً على القلب ، فيضعف من تروية الدماغ ، والجملة العصبية ، وباقى الأجهزة بشكل جيد .
ولكى يصل الدم بمكوناته الغذائية المختلفة إلى الأجهزة كلها ، ولكى تعمل وتنمو وتؤدى وظائفها بشكل صحيح ، ولكى تساعد الإنسان على العيش الصحيح ، يأتى دور عملية الحجامة هاهنا )) .