مقدمة الكتاب
إن الحمد لله نحمده ونستعين به ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، إنه من يهدي الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم نسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحداً من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ، أن تجعل القرآن ربيع قلوبنا ، ونور صدورنا ، وجلاء حزننا ، وذهاب همنا..
أما بعد..
فإن نعمة القرآن العظيم من أعظم النعم التي منّ الله بها على عباده المؤمنين..لدرجة أن الله سبحانه وتعالى قدم هذه النعمة على خلق الإنسان أصلاً..وذلك كما جاء في سورة الرحمن ، حيث قال سبحانه: "الرحمن، علم القرآن، خلق الإنسان".. وكأن الإنسان الذي لا يتعلم القرآن لم يخلق أصلاً.. وكأنه ليست فيه حياة..
ورد هذا المعنى أيضاً في سورة الأنفال حيث قال ربنا عز وجل: "يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم".. وكأن الإنسان الذي لا يستجيب لكلام الله ولا لكلام رسوله إنسان ميت لا حياة له..
وقد اختص الله عز وجل طائفة من عباده المؤمنين بنعمة جليلة، ومنة غالية وهي أن جعلهم يحفظون هذا الكتاب القيم عن ظهر قلب..ورفع جداً من قدرهم، وعظم جداً من أجرهم.. وأمر المؤمنين جميعاً أن يجلوا أمرهم، ويقدموهم على غيرهم.. وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الأمر في أكثر من حديث.. حيث قال على سبيل المثال:
"إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين"..
ونحن في هذا الكتاب نحاول أن نضع أيدينا على بعض الأسباب التي تساعد في هذه المهمة العظيمة، والغاية الجليلة.. "مهمة حفظ القرآن الكريم"..
وقد أحصيت لكم في هذا الكتاب عشر قواعد أساسية - لا غنى عنها أبداً - لمن أراد أن يحفظ هذا الكتاب الكريم، ثم أضفت إليها عشر قواعد أخرى مساعدة، وهي ـ وإن كانت أيضاً في غاية الأهمية ـ فإنها لا تغني أبداً عن القواعد الأساسية..
فتلك عشرون كاملة!..
أسأل الله عز وجل أن يمن علينا بحفظ كتابه وتدبر معانيه والعمل بما فيه، وأن يجعلنا ممن حفظوا للقرآن حرمته، وممن عظموا منزلته، وبمن تأدبوا بآدابه، والتزموا بأحكامه.. وأسأل الله عز وجل أن يجعل هذا العمل في ميزان حسناتي وحسناتكم أجمعين.. إنه على كل شئ قدير، وبالإجابة جدير..
والآن مع صفحات الكتاب..
إن حفظ القرآن الكريم لمهمة من أجل المهام التي من الممكن أن يقوم بها مسلم.. وأجل من ذلك وأعظم أن تعمل بما تحفظ، وأن تدعو إلى الله عز وجل بهذا الكتاب الكريم.. قال تعالى: "ألمص، كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه ، لتنذر به وذكرى للمؤمنين"..
ولكي ندرك عظمة هذه المهمة علينا أن نتدبر قليلاً في أجر من يقرأ القرآن.. فإذا علمت أن هذا الأجر الجزيل يعطي للقارئ..فما بالكم بالذي يحفظ؟!.. ذلك لأنه من المعلوم أن الذي يحفظ قد داوم على قراءة كثيرة.. وما زال يداوم حتى يثبت حفظه، ويراجع ما قد نساه على مر الأيام..
روى الترمذي عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"من قرأ حرفاً من كتاب الله تعالى فله حسنة ، والحسنة بعشر أمثالها ، لا أقول ألم حرف ، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف".. قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح
فالعقل القاصر لا يمكن أن يتخيل حجم الثواب الهائل الذي يأخذه القارئ _ ومن ثم الحافظ ـ للقرآن.
ثم إن القرآن سيأتي يوم القيامة يدافع عن أصحابه!!.. نعم!!.. يأتي يدافع عن من اعتاد قراءته وحفظه والعمل به والدعوة إليه.. وتخيل يوم القيامة أن القرآن يأتي سورة سورة يدافع عنك!!.. فهذه البقرة تشفع لك..وهذه آل عمران تطلب لك..وهذه الأعراف ترجو لك..وهذه الأنفال تتمنى لك!..
أمر هائل أن تتخيل أن كلام الله عز وجل هو الذي يدافع عنك يوم القيامة!..
روى الإمام مسلم عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ ، اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا"
لا شك ـ إخواني في الله ـ أن حفظ هذا الكتاب العظيم معجزة!.. هي فعلاً معجزة حقيقية أن تجد الألوف بل الملايين من أمة الإسلام يحفظون هذا الكتاب العظيم ، مع كبر حجمه ، وتعدد سوره ، وتشابه آياته..
ولا أعلم كتاباً على ظهر الأرض - سماوياً كان أو غير سماوي - حفظه الناس بهذه الصورة.. فهي خاصية فريدة جعلها الله عز وجل لكتابه العظيم..
ويزداد عجبك عندما ترى بعض الطوائف من المسلمين - والذين لا تتخيل لهم أن يحفظوا هذا الكتاب الكريم - قد حفظوه بالفعل!!..
· فالأطفال دون العاشرة ـ وأحياناً دون السابعة _ يحفظون القرآن الكريم وقد يتمون حفظه بالكامل في هذا السن!!.. هذا مع العلم طبعاً أن غالب الكلمات التي يقرأها الأطفال لا يدركون معناها!..
· تجد أيضاً أن كثيراً من الأميين الذين لا يعرفون القراءة والكتابة، يحفظون هذا الكتاب العجيب..فقط عن طريق السماع والتلقين!..
· تجد أيضاً كثيراً ممن فقدوا نعمة البصر قد أبدلهم الله عز وجل بنعمة القرآن..فهم وإن كان يتعذر عليهم مطالعة المصحف، وحفظ شكل الصفحة ، إلا أن الله عز وجل يمن عليهم بحفظ القرآن الكريم ، وبصورة قد تكون أرسخ وأقوى من الذين يتمتعون بنظر صحيح ثاقب!..
· بل أعجب من ذلك وأغرب، أنك تجد قوماً لا يتحدثون اللغة العربية أصلاً، يحفظون هذا الكتاب عن ظهر قلب!!.. بل ويرتلونه كما أنزل.. وبصورة قد تكون أفضل جداً من كثير من العرب الذين يتكلمون العربية..
كل هذا يشير إلى أن تيسير حفظ هذا الكتاب الكريم هو معجزة إلهية..وآية ربانية
وصدق الله العظيم القائل:
"إنا نحن نزلنا الذكر، وإنا له لحافظون".
وأعظم وسائل حفظ هذا الكتاب الجليل في الأرض، هو أن يحفظ في قلوب الرجال والنساء والأطفال!!.. فهذه أماكن آمنة لا يصل إليها عدو ولا حاقد.. وقد يأتي على المسلمين زمان يُحارب فيه الإسلام، وتُحرق فيه كتب القرآن، ولكن يبقى القرآن في الصدور.. حدث ذلك على سبيل المثال في الجمهوريات الإسلامية أيام احتلالها بالاتحاد السوفيتي.. فهم كانوا يحرقون كل المصاحف، ويعاقبون بالقتل كل من يجدون عنده مصحفاً في بيته أو في عمله.. ومع ذلك فإن أهل هذه البلاد حفظوا القرآن الكريم في صدورهم، ونقلوه من واحد إلى واحد عن طريق التلقين، وكانوا يدرسونه في المخابئ والكهوف والخنادق.. ومرت الأيام..وانقشع الظلام الروسي ، وبقي القرآن الكريم في صدور المسلمين!!..
وصدق الله عز وجل إذ يقول :
"بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم، وما يجحد آياتنا إلا الظالمون ".