منتديات فرسان المعرفة

أهلا وسهلا زائرنا الكريم ومرحبا بك في منتديات فرسان المعرفة منتديات التميز والابداع ونتمنى أن تكون زيارتك الأولى مفتاحا للعودة إليه مرة أخرى والانضمام إلى أسرة المنتدى وأن تستفيد إن كنت باحثا وتفيد غيرك إن كنت محترفا

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات فرسان المعرفة

أهلا وسهلا زائرنا الكريم ومرحبا بك في منتديات فرسان المعرفة منتديات التميز والابداع ونتمنى أن تكون زيارتك الأولى مفتاحا للعودة إليه مرة أخرى والانضمام إلى أسرة المنتدى وأن تستفيد إن كنت باحثا وتفيد غيرك إن كنت محترفا

منتديات فرسان المعرفة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات الشمول والتنوع والتميز والإبداع

قال تعالى ( يا أيها الذين أمنوا اذكروا الله كثيراً وسبحوه بكرة وأصيلا)أ
عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال(من قال صبيحة يوم الجمعة قبل صلاة الغداة , أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ثلاث مرات غفرالله ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر)
عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه كان يدعو بهذا الدعاء "اللهم! اغفر لي خطيئتي وجهلي. وإسرافي في أمري. وما أنت أعلم به مني. اللهم! اغفر لي جدي وهزلي. وخطئي وعمدي. وكل ذلك عندي. اللهم! اغفر لي ما قدمت وما أخرت. وما أسررت وما أعلنت. وما أنت أعلم به مني. أنت المقدم وأنت المؤخر. وأنت على كل شيء قدير". رواه مسلم في صحيحه برقم (2719)
عن عقبة بن عامر رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ويصلي ركعتين يقبل بقلبه ووجهه عليهما إلا وجبت له الجنة)رواه مسلم وأبو داود وابن ماجة وابن خزيمة في صحيحة
عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "اللهم! أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري. وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي. وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي. واجعل الحياة زيادة لي في كل خير. واجعل الموت راحة لي من كل شر". رواه مسلم في صحيحه برقم (2720)
عن أبي الأحوص، عن عبدالله رضى الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه كان يقول "اللهم! إني أسألك الهدى والتقى، والعفاف والغنى". رواه مسلم في صحيحه برقم(2721)
عن زيد بن أرقم رضى الله عنه. قال: لا أقول لكم إلا كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كان يقول "اللهم! إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والهرم وعذاب القبر. اللهم! آت نفسي تقواها. وزكها أنت خير من زكاها. أنت وليها ومولاها. اللهم! إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها". رواه مسلم في صحيحه برقم(2722)
عن عبدالله رضى الله عنه قال: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا أمسى قال "أمسينا وأمسى الملك لله. والحمد لله. لا إله إلا الله وحده لا شريك له". قال: أراه قال فيهن "له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. رب! أسألك خير ما في هذه الليلة وخير ما بعدها. وأعوذ بك من شر ما في هذه الليلة وشر ما بعدها. رب! أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر. رب! أعوذ بك من عذاب في النار وعذاب في القبر". وإذا أصبح قال ذلك أيضا "أصبحنا وأصبح الملك لله". رواه مسلم في صحيحه برقم(2723)
عن عبدالرحمن بن يزيد، عن عبدالله رضى الله عنه . قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمسى قال "أمسينا وأمسى الملك لله. والحمد لله. لا إله إلا الله وحده. لا شريك له. اللهم! إني أسألك من خير هذه الليلة وخير ما فيها. وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها. اللهم! إني أعوذ بك من الكسل والهرم وسوء الكبر. وفتنة الدنيا وعذاب القبر". رواه مسلم في صحيحه برقم(2723)
عن أبي موسى رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره مثل الحي والميت) رواه البخاري.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله, ورجل قلبه معلق بالمساجد إذا خرج منه حتى يعود إليه, ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه, ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه, ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله , ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه) متفق عليه
عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ) روه الشيخان والترمذي.
عن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(الطهور شطر الإيمان والحمدلله تملأ الميزان وسبحان الله والحمدلله تملأ أو تملآن ما بين السماء والأرض والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه أو موبقها) رواه مسلم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم(من قال سبحان الله وبحمده في يومه مائة مرة حُطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر)رواه البخاري ومسلم.
عن أبي سعيد رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( استكثروا من الباقيات الصالحات ) قيل وما هن يارسول الله؟ قال ( التكبير والتهليل والتسبيح والحمدلله ولا حول ولاقوة إلابالله ) رواه النسائي والحاكم وقال صحيح الاسناد.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أحب الكلام إلى الله أربع- لا يضرك بأيهن بدأت: سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر ). رواه مسلم

4 مشترك

    سياسة الملك

    أريج الورد
    أريج الورد
    مشرف
    مشرف


    الجنس : انثى
    الابراج : الحمل
    عدد المساهمات : 66
    نقاط : 5288
    السٌّمعَة : 12
    تاريخ التسجيل : 24/02/2012
    العمر : 27
    الموقع : الوطن العربي
    المزاج المزاج : اجتماعية

     سياسة الملك Empty سياسة الملك

    مُساهمة من طرف أريج الورد الأربعاء 18 أبريل 2012 - 22:01


    سياسة الملك
    من كتاب
    تسهيل النظر وتعجيل الظفر في أخلاق الملك
    أبو الحسن علي بن محمد الماوردي


    تمهيد
    قال أقضى القضاة رحمه الله
    حق على من مكنه الله تعالى من أرضه وبلاده وائتمنه على خلقه وعباده أن يقابل جزيل نعمته بحسن السريرة ويجري من الرعية بجميل السيرة
    قال الله تعالى 30 آ

    يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى
    وقال عز وجل
    ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما احسن الله إليك
    وروي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال
    ( من سار فيمن بين ظهريه بسيرة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن سار فيمن بين ظهريه بسيرة سيئة كان عليه وزرها ووزر العاملين بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أوزارهم شيء )
    وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال
    لو ضاعت سخلة على شاطئ فرات لخشيت أن يسألني الله عليها
    وحكي أن عثمان بن عبد الله وقف على محمد بن سماعة القاضي وهو في مجلس قضائه يحكم بين الناس فقال
    إسمع لا سمعت يا ابن سماعة وأنشد يقول
    لقد كلفت يا مسكين أمرا
    تضيق له قلوب الخائفينا
    أتعلم أن رب العرش قاض
    وتقضي أنت بين العالمينا
    من الوافر
    فقام ابن سماعة من مجلسه ودموعه تجري على خديه
    فليس أحد أجدر بالحذر والإشفاق وأولى بالنصب والاجتهاد ممن تقلد امور الرعية لأنها أمانة الله التي أمنه عليها ورعيته التي استرعاه فيها واستخلفه على أمورها وهو تعالى ولي السؤال عنها
    ولأنه سبحانه حسم مواد الاعتراض منها على أفعاله وكف ألسنتها عن رد ما رآه في اجتهاده وأوجب عليها طاعته وألزمها الانقياد لحكمه وأمرهم أن يتصرفوا بين أمره ونهيه فقال تعالى
    يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم
    وجعل صلاح جماعتهم بصلاحه وفساد أمورهم بفساده لأنه قلب وهم أطراف وقطب وهم أكناف
    30 ب
    قال بعض العقلاء
    رشاد الوالي خير من خصب الزمان

    وأرشد الولاة من حرس بولايته الدين وانتظم بنظره صلاح المسلمين لأن الدين يصلح سرائر القلوب ويمنع من ارتكاب الذنوب ويبعث على التأله والتناصف ويدعو إلى الألفة والتعاطف وهذه قواعد لا تصلح الدنيا إلا بها ولا يستقيم الخلق إلا عليها وإنما السلطنة زمام لحفظها وباعث على العمل بها ولو أهملوا ونوازع الأهواء جاذبة واختلاف الآراء متقاربة لتمارحوا وتغالبوا ولما عرف حق من باطل ولا تميز صحيح من فاسد وليس في العقل ما يجمعهم على حكم يتساوى فيه قويهم وضعيفهم ويتكافأ فيه شريفهم ومشروفهم فلذلك وقفت مصالحهم على دين يقودهم إلى جمع الشمل واتفاق الكلمة وينقطع به تنازعهم وتنحسم به مواد أطماعهم واختلافهم وتصلح به سرائرهم وتنحفظ به أمانتهم
    وربما أهمل بعض الملوك الدين وعول في أموره على قوته وكثرة أجناده وليس يعلم أن أجناده إذا لم يعتقدوا وجوب طاعته في الدين كانوا أضر عليه من كل ضد مباين لاقتراحهم عليه ما لا ينهض به وتحكمهم عليه بما لا يثبت له فإن سمعوا بنابغ نبغ عليه قوي طمعهم في اجتياح أمواله ولم يقنعهم استيعاب حاله وكان منهم على شفا جرف هار لا يأمن سطوتهم به
    وقد قيل
    من جعل ملكه خادما لدينه انقاد له كل سلطان ومن جعل دينه خادما لملكه طمع فيه كل إنسان
    الفصل التاسع عشر
    أن يكون الملك أفضل الناس دينا
    الدين والملك
    ينبغي للملك أن يأنف من أن يكون 31 آ في رعيته من هو أفضل دينا منه كما يأنف أن يكون في رعيته من هو أنفذ أمرا منه
    وقال أردشير بن بابك في عهده إلى ملوك فارس
    إن الدين والملك توأمان لا قوام لأحدهما إلا بصاحبه لأن الدين أس والملك حارس ولا بد للملك من أسه ولا بد للأس من حارسه لأن ما لا حارس له ضائع وما لا اس له منهدم
    الدفع عن الدين بالملك
    وكتب حكيم الروم إلى الإسكندر
    إدفع عن دينك بملكك ولا تدفع بدينك عن ملكك وصير دنياك وقاية لآخرتك ولا تصير آخرتك وقاية لدنياك

    وكيف يرجو من تظاهر بإهمال الدين استقامة ملك وصلاح حال وقد صار أعوان دولته أضدادها وسائر رعيته أعداءها مع قبح أثره وشدة ضرره وبذلك قال النبي {صلى الله عليه وسلم}
    ( إنكم ستحرصون على الإمارة ثم تكون حسرة وندامة يوم القيامة فنعمت المرضعة وبئست الفاطمة ) 151
    وقد قيل
    الملك خليفة الله في بلاده ولن يستقيم أمر خلافته مع مخالفته
    فالسعيد من وقى الدين بملكه ولم يوق الملك بدينه وأحيى السنة بعدله ولم يمتها بجوره وحرس الرعية بتدبيره ولم يضعها بتدميره ليكون لقواعد ملكه موطدا ولأساس دولته مشيدا ولأمر الله في بلاده ممتثلا فلن يعجز الله استقامة الدين عن سياسة الملك وتدبير الرعايا 152
    الفصل العشرون
    قواعد الملك
    ثم أقول
    إن قواعد الملك مستقرة على أمرين
    تأسيس
    وسياسة
    وقد قيل
    الملك خليفة الله في بلاده ولن يستقيم أمر خلافته مع مخالفته
    فالسعيد من وقى الدين بملكه ولم يوق الملك بدينه وأحيى السنة بعدله ولم يمتها بجوره وحرس الرعية بتدبيره ولم يضعها بتدميره ليكون لقواعد ملكه موطدا ولأساس دولته مشيدا ولأمر الله في بلاده ممتثلا فلن يعجز الله استقامة الدين عن سياسة الملك وتدبير الرعايا 152
    الفصل العشرون قواعد الملك
    ثم أقول
    إن قواعد الملك مستقرة على أمرين
    تأسيس
    وسياسة
    الفصل العشرون قواعد الملك
    ثم أقول
    إن قواعد الملك مستقرة على أمرين
    تأسيس
    وسياسة
    تأسيس الملك وأقسامه
    فأما تأسيس الملك فيكون في تثبيت أوائله ومباديه وإرساء قواعده ومبانيه
    وتنقسم ثلاثة أقسام
    تأسيس دين
    وتأسيس قوة 31 ب
    وتأسيس مال وثروة
    تأسيس الملك على الدين
    فأما القسم الأول وهو تأسيس الدين فهو أثبتها قاعدة وأدومها مدة وأخلصها طاعة
    وليس يخلو انتقال الملك به من ثلاثة أسباب
    أحدها
    أن يخرج الملك من منصيب الدين حتى يتولى عليه غير أهله ويظهر منه خلاف عقده فتنفر منه النفوس إن لان وتعانده إن خشن تعصيه

    القلوب وإن أطاعته الأجساد فيتطلب الناس للخلاص منه أسبابا ويفتحون للوثوب عليه أبوابا يستهلون فيها بذل النفوس والأموال حفظا لدينهم فيصير ملكه عرضة للطالب وحريمه غنيمة للسالب وقد قال حكيم الروم
    لا يزال الجائر من الملوك ممهلا حتى يتخطى إلى أركان العمارة ومباني الشريعة فإذا قصدها اقتربت مدته
    والسبب الثاني
    أن يكون الملك ممن قد استهان بالدين وهون أهله فأهمل أحكامه وطمس أعلامه حتى لا تؤدى فروضه وتوفى حقوقه إما لضعف عزمه في الدين وإما لانهماكه في اللذات فيرى الناس أن الدين أقوم ولحقوقه وفروضه ألزم فيصير دينه مذحولا وملكه محلولا
    قال بعض الحكماء
    إذا أقبلت الدولة خدمت الشهوات للعقول وإذا أدبرت خمدت العقول للشهوات
    والسبب الثالث
    أن يكون الملك ممن قد احدث بدعة في الدين شنعة واختار فيه أقوالا بشعة يفضي استمرارها إلى تبديله ويؤول إلى تغييره وتعطيله فتأبى نفوس الناس بغير دين قد صح لهم معتقده واستقرت في القلوب أصوله وقواعده فيصير دينه مرفوضا وملكه منقوضا
    فإذا طرأ على الدين هذه الأسباب الثلاثة ونهض إلى طلب الملك
    من يقوم بنصرة الدين ويدفع 32 آ تبديل المبتدعين ويجري فيهم على السنن المستقيم أذعنت النفوس لطاعته واشتدت في مؤازرته ونصرته ورأوا أن بذل النفوس له من حقوق الله المفترضة وأن النصرة له من أوامره الملتزمة فملك القلوب والأجساد واستخلص الأعوان والأجناد فإن نالوا معه من الدنيا حظا وجمعوا به بين صلاحي الدين والدنيا صار مجتذبا إلى الملك لا جاذبا ومرغوبا إليه لا راغبا ولان له كل صعب وهان عليه كل خطب وتوطد له من اس الملك ما لا يقاوم سلطانه ولا تغل أعوانه لفرق ما بين ملك الطالب والمطلوب وتباين ما بين طاعة الخاطب والمخطوب
    تأسيس الملك على القوة

    وأما القسم الثاني وهو تأسيس القوة فهو أن يحل نظام الملك إما بالإهمال والعجز وإما بالظلم والجور فينتدب لطلب الملك أولو القوة ويتوثب عليه ذو القدرة إما طمعا في الملك حين يضعف وإما دفعا للظلم حين استمر
    وهذا إنما يتم لجيش قد اجتمعت فيهم ثلاث خلال
    كثرة العدد
    وظهور الشجاعة
    وتفويض الأمر الى مقدم عليهم إما لنسب وأبوة وإما لفضل رأي وشجاعة
    فإذا توثبوا على الملك بالكثرة واستولوا عليه بالقوة كان ملك قهر فإن عدلوا مع الرعية وساروا فيهم بالسيرة الجميلة صار ملك تفويض وطاعة فرسا وثبت
    وإن جاروا وعسفوا فهي حولة توثب ودولة تغلب يبيدها الظلم ويزيلها البغي بعد أن تهلك بهم الرعايا وتخرب بهم البلاد
    تأسيس الملك على المال والثروة
    وأما القسم الثالث فهو تأسيس المال والثروة فهو أن يكثر المال في 32 ب قومه فيحدث لهم بعلو الهمة طمعا في الملك وقل أن يكون هذا الأمر إلا فيمن له بالسلطنة اختلاط وبأعوان الملك امتزاج فيبعث مطامع الراغبين فيه على طاعته وتسليم الأمر إلى زعامته
    وبعيد أن يتم ذلك إلا عند ضعف الملك ووهائه وفساد أعوانه وزعمائه
    وقيل في منثور الحكم
    المال ربما سود غير السيد وقوى غير الأيد
    فإذا انتقل به الملك كان أوهى الأسباب قاعدة وأقصرها مدة لأن المال ينفذ مطامع طالبيه ويذهب باقتراح الراغبين فيه
    وقد قيل
    من ودك لأمر ولى مع انقضائه
    قال سليمان بن داود عليه السلام
    الذي يتوكل على غنائه سقوطه سريع
    فإن اقترن بسبب يقتضي ثبوت الملك ثبت وإلا فهو وشيك الزوال سريع الانتقال
    واعلم أن الدولة تبتدئ بخشونة الطباع وشدة البطش لتسرع النفوس إلى بذل الطاعة ثم تتوسط باللين والاستقامة لاستقرار الملك وحصول الدعة ثم تختم بانتشار الجور وشدة الضعف لانتقاض الأمر وقلة الحزم
    وبحسب هذه الأحوال الثلاثة يكون ملوكها في الآراء والطباع

    وقد شبه المتقدمون الدولة بالثمرة فإنها تبدو حسنة الملمس مرة الطعم ثم تدرك فتلين وتستطاب ثم تنضج فتكون أقرب للفساد والاستحالة
    وكما تبتدأ الدولة بالقوة وتختم بالضعف كذلك تبتدأ بالوفاء وتختم بالغدر لأن الوفاء مشيد والغدر مشرد
    أريج الورد
    أريج الورد
    مشرف
    مشرف


    الجنس : انثى
    الابراج : الحمل
    عدد المساهمات : 66
    نقاط : 5288
    السٌّمعَة : 12
    تاريخ التسجيل : 24/02/2012
    العمر : 27
    الموقع : الوطن العربي
    المزاج المزاج : اجتماعية

     سياسة الملك Empty رد: سياسة الملك

    مُساهمة من طرف أريج الورد الأربعاء 18 أبريل 2012 - 22:02

    الفصل الحادي والعشرون
    قواعد سياسة الملك

    وأما سياسة الملك بعد تأسيسه واستقراره 33 آ فتشتمل على أربع قواعد وهي
    عمارة البلدان
    وحراسة الرعية
    وتدبير الجند
    وتقدير الأموال
    1 عمارة البلدان
    فأما القاعدة الأولى وهي عمارة البلدان فالبلاد نوعان
    مزارع
    و**ار
    آ عمارة المزارع
    فأما المزارع فهي أصول المواد التي يقوم بها أود الملك وتنتظم بها أحوال الرعايا فصلاحها خصب وثراء وفسادها جدب وخلاء وهي الكنوز المدخورة والأموال المستمدة وأي بلد كثرت ثماره ومزارعه استقل بخيره وفاض على غيره فصارت الأموال إليه تجلب والأقوات منه تطلب وهو بالضد إن قلت أو اختلت
    فلزم مدبر الملك فيها ثلاثة حقوق
    أحدهما القيام بمصالح المياه التي هو عليها أقدر ولها أقهر حتى تدر فلا تنقطع وتعم فلا تمتنع ويشترك فيها القريب والبعيد ويستوي في الانتفاع بها القوي والضعيف
    فإن أهملت حتى قلت وتغالب الناس عليها بسطوة وقوة اختل نظامها وفسد التئامها واستبد فيها من استطال وتحكم في الأموال والأقوات فضيق على الناس لسعته وهزهم لمنفعته وصار خصبه جدبا وخطبه صعبا
    والحق الثاني عليه أن يحميهم من تخطف الأيدي لهم ويكف الأذى عنهم فإنهم مطامع أولي السلاطة ومأكلة ذوي القوة ليأمنوا في مزارعهم ولا يتشاغلوا بالذب عن أنفسهم ولا يكون لهم غير الزراعة عملا لأن لكل صنعة أهلا فيستكثروا من العمارة ويتسعوا في الزراعة فيكونوا عونا وعوانا لمن عداهم
    وقال النبي {صلى الله عليه وسلم}
    ( التمسوا الرزق في خبايا الأرض الزرع )

    والحق الثالث عليه تقدير ما يؤخذ منهم بحكم الشرع وقضية العدل 33 ب حتى لا ينالهم في قدرها حيف ولا يلحقهم في أخذها عسف فإنهم لا يصلون إلى إنصافه إلا بعدله لتذعن نفوسهم ببذل الحق منها طوعا ويكون لهم في تخفيف الكلف عنهم فضل فإن الزمان باتساعهم خصب والملك باستقامة أمورهم ملتئم
    فإن حيف عليهم في القدر أو عسف بهم في الأخذ انعكس الصلاح إلى ضده فدانوا وأدانوا وصارت ولاية فهر تخرج من سيرة العدل والإنصاف
    ثم هم لإخلالهم واختلالهم من وراء نفور وجلاء
    قال سليمان بن داود عليه السلام
    اشرب الماء من ينبوعك وليفض ماؤك في أسواقك ليكون ينبوعك مباركا
    قال بزرجمهر
    من عمر بيت المال من ظلم رعيته كمن طين سطحه من قواعد بيته
    وكتب زياد إلى عماله على السواد
    أحسنوا إلى المزارعين فإنكم لا تزالون سمانا ما سمنوا
    ب عمارة ال**ار
    وأما ال**ار فهي الأوطان الجامعة
    والمقصود بها خمسة أمور
    أحدها أن يستوطنها أهلها طلبا للسكون والدعة
    والثاني حفظ الأموال فيها من استهلاك وإضاعة
    والثالث صيانة الحريم والحرم من انتهاك ومذلة
    والرابع إلتماس ما تدعو إليه الحاجة من متاع وصناعة
    والخامس التعرض للكسب وطلب المادة
    فإن عدم فيها أحد هذه الأمور الخمسة فليست من مواطن الاستقرار وهي منزل قيعة ودمار
    قال الزبير بن العوام رضي الله عنه سمعت رسول الله {صلى الله عليه وسلم} يقول
    ( إن البلاد بلاد الله فحيث ما وجدت خيرا فاحمد الله وأقم )
    وحظ السلطان في عمارة 34 آ البلدان والأوطان أوفى من حظ رعيته لأنه أصل هم فروعه ومتبوع هم أتباعه
    شروط إنشاء ال**ار
    والذي يعتبر في إنشائها ستة شروط
    أحدهما سعة المياه المستعذبة
    والثاني إمكان الميرة المستمدة
    والثالث اعتدال المكان الموافق لصحة الهوى والتربة
    والرابع قربة مما تدعو الحاجة إليه من المراعي والأحطاب
    والخامس تحصين منازله من الأعداء والزعار
    والسادس أن يحيط به سواد يعين أهله بمواده

    فإذا تكاملت هذه الشروط الستة في إنشاء مصر استحكمت قواعد تأبيده ولم يزل إلا بقضاء محتوم وأجل معلوم
    ما على منشيء المصر في حقوق ساكنيه
    ثم على منشيء المصر في حقوق ساكنيه ثمانية شروط
    أحدها أن يسوق إليه ماء السارية إن بعدت أطرافه إما في أنهار جارية أو حياض سائلة ليسهل الوقوف إليه من غير تعسف
    والثاني تقدير طرقه وشوارعه حتى تتناسب ولا تضيق بأهلها فيستضر المار بها
    والثالث أن يبني جامعا للصلوات في وسطه ليقرب على جميع أهله ويعم شوارعه بمساجده
    والرابع أن يقدر أسواقه بحسب كفايته وفي مواضع حاجته
    والخامس أن يميز خطط أهله وقبائل ساكنيه ولا يجمع بين أضداد متنافرين ولا بين أجناس مختلفين والسادس إن أراد الملك أن يستوطنه سكن منه في أفسح أطرافه وأطاف به جميع خواصه ومن يكفيه من أمر أجناده وفرق باقيهم في بقية أطرافه ليكفوه من جميع جهاته وخص أهله بالعدل وجعل وسطه بعوام أهله 34 ب ليكونوا مكنوفين بهم وليقل ركوبه فيهم حتى لا يلين في أعينهم
    والسابع أن يحوطهم بسور إن تاخموا عدوا أو خافوا اغتيالا حتى لا يدخل عليهم إلا من أرادوه ولا يخرج عنهم إلا من عرفوه لأنه دار لساكنيه وحرز لمستوطنيه
    والثامن أن ينقل إليه من أعمال أهل العلوم والصنائع ما يحتاج أهله إليه حتى يكتفوا بهم ويستغنوا عن غيرهم
    فإذا قام منشئه بهذه الشروط الثمانية فيه فقد أدى حق مستوطنيه ولم يبق لهم عليه إلا أن يسير فيهم بالسيرة الحسنى ويأخذهم بالطريقة المثلى وقد صار من أكمل ال**ار وطنا وأعدلها مسكنا
    أنواع ال**ار
    وال**ار نوعان
    مصر مزارع وسواد
    ومصر فرصة وتجارة
    مصر المزارع والسواد
    فأما مصر المزارع والسواد فهو أثبت المصرين أهلا وأحسنهما حالا وأولاهما استيطانا لوجود مواده فيه واقتناء أصولهما منه
    من شروط مصر المزارع والسواد
    ومن شرطه أن يكون في وسط سواده وبين جميع أطرافه حتى تعتدل مواده منها وتتساوى طرقه إليها وهو موفور العمارة ما كان سواده عامرا

    فإن نال أهله فيه حيف فرقهم الحيف في سواده فأصابوا عيشا ودافعوا من زمان الحيف وقتا
    وإن جار السواد على أهله كان لهم في المصر أمن وملاذ ويكون كل واحد منهما للآخر معاذا
    مصر الفرصة والتجارة
    وأما مصر الفرصة والتجارة فهو من كمال الإقليم وزينة الملك لأنه مقصود بتحف البلاد وطرف 35 آ الأقاليم فلا يعوذ فيه مطلوب ولا ينقطع عنه مجلوب
    شروط هذا النوع من ال**ار
    والمعتبر فيه ثلاثة شروط
    أحدها أن يتوسط **ار الريف ويقرب من بلاد المتاجر فلا يبعد على طالبه ولا يسبق على قاصده
    والثاني أن يكون على جادة تسهل مسالكها ويمكن نقل الأثقال فيها إما في نهر أو على ظهر
    فإن توعرت مسالكه وأجدبت مفاوزه عدل الناس عنه إلا من ضرورة
    والثالث أن يكون مأمون السبل لأهل الطرقات خفيف الكلف قليل الأثقال فانه ليس يأتيه إلا جالب مجتاز يطلب من البلاد أجداها فإن توعر هجر
    وهذا أكثر البلدين طالبا وأنشرهما في الأقاليم ذكرا
    وهو معد لمطالب الملوك لا لموادهم فإن استمدوه وتحيفوه بالمكوس والأعشار نفروا عنه
    وإن وجدوا سواه صار لأهل الضرورات دون الاختيار ولا دوام لأوطان الإضرار ولا يبعد أن يندرس فيلحق المضطر بالمختار وإن لم يستدركه سلطانه بتخفيف وإنصاف لأن أمواله أموال تجارة منتقلة
    لا يشق عليهم تحويلها فهم يستوطنون من البلاد أعدلها ويقصدون من المتاجر والمعاملات أسهلها فإن نبا بهم وطن فكل البلاد لهم وطن
    قال الشاعر
    واترك محل السوء لا تحلل به
    وإذا نبا بك منزل فتحول
    من الكامل
    حراسة الرعية

    وأما القاعدة الثانية وهي حراسة الرعية فلأنهم لأمانات الله التي استودعه حفظها واسترعاه القيام بها لا يقدرون على الدفع عن أنفسهم إلا بسلطانه ولا يصلون إلى العدل والتناصف إلا بإحسانه وهو منهم بمنزلة ولي اليتيم المندوب لكفالته والقيم بمصالحه يلزمه بحكم الاسترعاء والأمانة أن يقوم زلله ويصلح خلله ويحفظ أمواله ويثمر مواده كذلك مكانه من رعيته في الذب عنهم والنظر لهم والقيام 35 ب بمصالحهم فإن النفع بصلاح أحوالهم عائد عليه والضرر بفسادها متعد إليه فلن توجد استقامة ملك فسدت فيه أحوال الرعايا
    ما يلزم الملوك في حق الاسترعاء
    والذي يلزم الملك في حقوق الاسترعاء عليهم عشرة أشياء
    أحدها تمكين الرعية من استيطان مساكنهم وادعين
    والثاني التخلية بينهم وبين مساكنهم آمنين
    والثالث كف الأذى والأيدي الغالبة عنهم
    والرابع استعمال العدل والنصفة معهم
    والخامس فصل الخصام بين المتنازعين منهم
    والسادس حملهم على موجب الشرع في عباداتهم ومعاملاتهم
    والسابع إقامة حدود الله تعالى وحقوقه فيهم
    والثامن أمن سبلهم ومسالكهم
    والتاسع القيام بمصالحهم في حفظ مياههم وقناطرهم
    والعاشر تقديرهم وترتيبهم على أقدارهم ومنازلهم فيما يتميزون به من دين وعمل وكسب وصيانة
    فإذا قام فيهم بهذه الحقوق فهي السياسة العادلة والسيرة الفاضلة التي تستخلص بها طاعة الرعية وينتظم بها صلاح المملكة
    وإن أخل بها كان وإياهم على ضدها
    قال أردشير بن بابك
    سعادة الرعية في طاعة الملك وسعادة الملك في طاعة المالك
    قال بعض الألباء
    إذا لم يكن في سلطان الملك سرور لرعيته كان ملكه ظلما
    حكي أن أنوشروان أنفذ رسولا إلى ملك قد أزمع على محاربته وأمره أن يتعرف سيرته في نفسه ورعيته فرجع إليه وقال
    وجدت عنده الهزل أقوى من الجد والكذب أكثر من الصدق والجور أرفع من العدل
    فقال أنوشروان رزقت الظفر عليه سر إليه وليكن عملك في
    محاربته بما هو أضعف عنده وأقل وأوضع فإنك منصور عليه وهو مخذول

    فسار إليه فظفر به واستولى على ملكه
    3 تدبير الجند
    وأما القاعدة الثالثة وهي تدبير الجند فلأن بهم ملك 36 آ حتى قهر واستولى على قدر فإن صلحوا كانت قوتهم له وإن فسدوا صارت قوتهم عليه
    وبعيد ممن كان معه فصار عليه أن يرى معه رشدا
    شروط تدبير الجند
    وتدبيرهم الذي يحقط عليهم طاعتهم ويستخلص به نصرتهم يكون بأربعة شروط إن استكملها صلحوا به واستقاموا له وإن أخل بها فسدوا عليه وأفسدوا ملكه
    أحدها تقويمهم بالأدب الذي يحفظ عليه وفور نجدتهم وكمال تجنيدهم ليصلحهم بذلك لأنفسهم ثم لنفسه ثم لرعيته
    فأما صلاحهم لأنفسهم فيكون بثلاثة أشياء
    أحدها معطاة ما يحتاج إليه أجناد الملوك من الارتياض بالركوب والخبرة بالحروب لأنها صناعة تجمع بين علم وعمل
    والثاني اختصاصهم بالجندية واقتصارهم عليها حتى لا ينقطعوا عنها بكسب سواها فيصيروا مقصرين فيها
    والثالث أن يقفوا في اللذات على اعتدال مباح لا يقطعون إليها فتلهيهم ولا يمنعون منها فتغريهم
    وأما صلاحهم لنفسه فيكون بثلاثة أشياء
    أحدها أن تستقر محبته في نفوسهم حتى ينصحوه
    والثاني أن تعظم هيبته في قلوبهم حتى يطيعوه
    والثالث أن يعتقدوا أن صلاح ملكه عائد عليهم وفساده متعد إليهم
    وأما صلاحهم لرعيته فيكون بثلاثة أشياء
    أحدها أن يكف نفسه عن أذاهم
    والثاني أن يذب عنهم من أرادهم
    والثالث أن يكون عونا لهم على منافعهم
    فإذا صح له حملهم على هذا التأديب واستقاموا على هذا التهذيب كانوا أصلح جند لأسعد ملك
    كتب الإسكندر إلى معلمه يسترشده في جنده فكتب إليه
    تفقد جندك فإنهم أعداء ينتقم بهم من أعداء
    ومعناه أنهم اعداء إذا فسدوا ينتقم بهم من أعداء إذا صلحوا
    والشرط الثاني
    أن يرتبوا على حسب عنائهم في الحروب وذبهم عن الملك ومسارعتهم إلى الطاعة حتى يعلموا أن سعيهم مشكور ونصحهم مذخور 36 ب يتقدمون به ويتجازون عليه فإن ذلك مفض بهم إلى ثلاث خصال تصلح بها أمورهم وينتظم بها تدبيرهم

    إحداهن أن يزداد محسنهم طاعة ونصحا طلبا للزيادة في التقديم ورغبة مضاعفة الجزاء
    والثانية أن يرغب من قصر منهم أو أساء في مثل ما ناله المحسن من منزلة وجزاء فيتأسى به في الطاعة ويساويه في المناصحة
    والثالثة أن يكف المقصر عن طلب ما لا يستحقه ويتأخر عن مقام لا يستوجبه ويرضى بالخمول إن صغرت همته ويقنع بالتقصير إن ضعفت منته فإن حركته حمية لم يتردد إن لم يزد
    والشرط الثالث
    أن يقوم بكفاياتهم حتى لا يحتاجوا فإن الحاجة تدعوهم إلى خصلة من ثلاث لا خير في واحدة منهن
    إما أن يتسلطوا على أموال الرعية
    وإما أن يعدلوا إلى من يقوم لهم بالإكفاء
    وإما أن يشتغلوا بمكسب فيوهنوا وإذا احتيج إليهم لم يغنوا ما بذلوا انفسهم إلا لقيامه بكفايتهم
    وقد قيل
    من وثق بإحسانك أشفق على سلطانك
    ومتى اقتطعهم طلب الكسب ضعف في أنفسهم رجاؤه وقل في أعينهم عطاؤه ثم إن بدر عليهم العطاء فلا يحوجون إلى المطالبة فإن المطالب جرئ وفي جرأتهم خرق للحشمة ووهن للهيبة وقل ما يختل الملك إلا بمثله لأن بهم تدفع الخطوب الملمة فإذا كانوا هم الخطب الملم فبمن يدفعون إلا بالتلطف والإنصاف فهم كالمثل السائر في قول الشاعر
    بالملح يصلح ما يخشى تغيره
    فكيف بالملح إن حلت به الغير
    من البسيط
    وقد كانوا يرون القصد في إعطائهم قدر الكفاية أولى من التوسعة عليهم بالزيادة لأن الزيادة تؤول بهم إلى إحدى خصلتين مذمومتين
    إما إلى صرفها في الفساد ليفسدوا
    وإما إلى الاستغناء بها فيتقاعدوا
    حكى ابن ابن قتيبة أن أبرويز 37 آ قال لابنه شيرويه وهو في حبسه
    لا توسعن على جندك فيستغنوا عنك ولا تضيقن عليهم فيضجوا منك وأعطهم عطاء قصدا وامنعهم منعا جميلا ووسع لهم في الرجاء ولا توسع عليهم في العطاء
    والشرط الرابع
    أن لا تنطوي عنه أخبارهم ولا تخفى عليه آثارهم وهم رعاة دولته وحماة رعيته
    فإن تدلس سقيمهم وستر جميلهم للقبيح سرى فيهم أخبث الأمرين لأن الشر أنفر بين الخير فمالوا وأمالوا

    وتلحقهم ثلاث آفات خطرة تقدح في صلاحهم وتمنع في فلاحهم إحداهن أن يكرهوا زمن السلامة والمسالمة ويستقلوا مدة الدعة لبوار نفاقهم وفتور أسواقهم فيجعلوا لفتق الرتوق أسبابا ويفتحوا لمخارجة العدو أبوابا يتوصلون بها إلى مطامع حسمها السلام والدعة فإن استدركت غوائلهم وإلا فهم الخطب الأطم والفدح الأعم
    والثانية
    أن يتوصل العدو إلى استمالتهم لفرصة الغفلة عنهم فإذا لم يمنعه التيقظ ولم يكفه التحفظ وسهام الرغائب صائبة ظفر بكيده فاصطلم ومال به فاحتكم
    والثالثة
    أن يبعثهم الإغفال على التسلط ويدعوهم الإهمال إلى التبسط
    تطاولا للسلطنة فلا يقبضوا يدا عن إرادة يستهلكون بها الأموال ويستأصلون بها الأحوال فتكثر بهم الرزايا وتهلك بهم الرعايا ويكونوا أضر بالملك من كل متغلب وأذكى فيه من كل متوثب وهذا لا ينحسم إذا استمر إلا بالزواجر القاهرة وهم يده الباطشة فيستعين بمستقيمهم إن ظفر بتسليم مستقيم وإلا فإلى عطب يؤول إلى الفساد فبعيد أن يعم فسادهم وفي الملك ثبات
    فإن 37 ب أسعده الفضل بصلاحهم استدرك ما يستأنفه بالبحث عن أحوالهم المستقلة ولم يغفل عن صغير لكبير فإن كبار الأمور تبدو صغارا كالنار يصير إغفال قليلها ضرا ما لم يستدرك
    وأصعب ما يعانيه المدبر للدولة سياسة الجند لأن بهم يقهر حتى يسوس وإذا عجز بفسادهم صار مقهورا وإن ساسهم بحزمه حتى انقادوا كان لهم بالقوة سلطانا وكانوا له بالطاعة أعوانا وقد قيل
    من علامات الدولة قلة الغفلة
    4 تقدير الأموال
    وأما القاعدة الرابعة وهي تقدير الأموال فلأنها المواد التي يستقيم الملك بوفورها ويختل بقصورها

    وتقديرها على الملوك مستصعب
    لأنهم يرون بفضل القدرة بلوغ كل غرض ودرك كل مطلب فإن وصلوا إليه بالأسهل الألطف وإلا توصلوا بالأصعب الأعنف وإن استباحوه شرعا وإلا ارتكبوا محذوره وكابدوا معسوره

    فإن أقاموا بفضل الحزم على السياسة العادلة حتى وقفت بهم القدرة على تقدير الأموال أن يعتبر بما استدام حصوله ويسهل وصوله ولم يحتج معه إلى التماس معذر وارتياد متعذر اعتدلت ممالكهم وتعدلت مطالبهم فلم يعجزوا عن حق ولم يتعدوا إلى باطل وكان الظافر بهذه الحال منهم هو الملك السعيد ورعيته به أسعد الرعايا وكان المقصر فيها على ضدها
    قال لي بعض الملوك وقد توفر على لذته ولام غيره من الملوك عليها وكنت سفيرا بينهما إني قدرت خرجي بدخلي وجعلت لكل خرج دخلا كافيا واستنبت فيه أمناء 38 آ كفاة وأذنت لمن قصر دخله عن خرجه أن يقترض من غيره ما يقضيه عند وفور دخله ثم صرفت زمان التشاغل به إلى اللذة بعد إحكامه ونفسي ساكنة إلى انتظامه فإن الملك يراد للالتذاذ به ولو لم أفعل هذا لكنت في التشاغل باللذة ملوما
    فإن كان هذا الملك قبل توفره على لذته قد أحكم ما أحكمته لم يلم وإن كان قد أهمله فهو الملوم دوني
    فقلت له قد لمت غيرك بذنب خلصت منه نفسك فجعلته لنفسك عذرا ولغيرك جرما ولعمري إن المستظهر أعذر من المسترسل
    وأحجمت عن استيفاء مناظرته التزاما لحشمته وإن كان حجاجه معتلا وعذره مختلا لأن قليل الذل لا يعري من قليل العذل
    وجه تقدير الأموال
    وإن كان تقدير الأموال قاعدة فتقديرها معتبر من وجهين
    أحدهما تقدير دخلها
    وذلك مقدر من أحد وجهين
    إما بشرع ورد النص فيه بتقديره فلا يجوز أن يخالف
    وإما باجتهاد ولاه العبد فيما أداهم الاجتهاد إلى وضعه وتقديره ولا يسوغ أن ينقض
    وإذا ردت إلى القوانين المستقرة ثمرت بالعدل وكان إضعافها بالجور ممحوقا
    والثاني تقدير خرجها
    وذلك مقدر من وجهين أحدهما بالحاجة فيما كانت أسبابه لازمة أو مباحة
    والثاني بالمكنة حتى لا يعجز منها دخل ولا يتكلف معها عسف
    مقابلة الدخل بالخرج
    ثم لا يخلو حال الدخل إذا قوبل بالخرج من ثلاثة أحوال
    أحدها
    أن يفضل الدخل عن الخرج

    فهو الملك السليم والتقدير المستقيم ليكون فاضل الدخل معدا لوجوه النوائب 38 ب ومستحدثات العوارض فيأمن الرعية عواقب حاجته ويثق الجند بظهور مكنته ويكون الملك قادرا على دفع ما طرأ من خطب أو حدث من خرق فإن للملك فنونا لا ترتقب وللزمان حوادث لا تحتسب
    والحال الثانية
    أن يقصر الدخل عن الخرج
    فهو الملك المعتل والتدبير المختل لأن السلطان بفضل القدرة يتوصل إلى كفايته كيف قدر فتأول ما وجب ويطالب بما لا يجب وتدعو الحاجة إلى العدول عن لوازم الشرع وقوانين السياسة إلى حرف يصل به إلى حاجته ويظفر بإرادته فيهلك معه الرعايا وينبسط عليه الأجناد وتدعوهم الحاجة إلى مثل ما دعته فلا يمكن قبضهم عن التسلط وقد تسلط ولا منعهم من الفساد وقد أفسد
    فإن استدرك أمره بالتقنع وساعده أجناده على الاقتصاد وإلا فإلى عطب ما يؤول الفساد
    والحال الثالثة
    أن يتكافأ الدخل والخرج حتى يعتدل ولا يفضل ولا يقصر فيكون الملك في زمان السلم مستقلا وفي زمان الفتوق والحوادث مختلا فيكون لكل واحد من الزمانين حكمه
    فإن ساعده القضاء بدوام السلم كان على
    دعته واستقامته وإن تحركت به النوائب كده الاجتهاد وثلمه الأعوان فيجعل الملك ذخيرة نوائبه في مثل هذه الأحوال الإحسان إلى رعيته وتحكيم العدل في سياسته ليكون بالرعية مستكثرا وبالعدل مستثمرا
    أريج الورد
    أريج الورد
    مشرف
    مشرف


    الجنس : انثى
    الابراج : الحمل
    عدد المساهمات : 66
    نقاط : 5288
    السٌّمعَة : 12
    تاريخ التسجيل : 24/02/2012
    العمر : 27
    الموقع : الوطن العربي
    المزاج المزاج : اجتماعية

     سياسة الملك Empty رد: سياسة الملك

    مُساهمة من طرف أريج الورد الأربعاء 18 أبريل 2012 - 22:07

    الفصل الثاني والعشرون
    أصل ما تبنى عليه السياسة العادلة
    وأصل ما تبنى عليه السياسة العادلة في سيرة الرعية بعد حراسته الدين وتخير الأعوان أربعة
    الرغبة
    والرهبة
    39 آ
    والإنصاف
    والانتصاف
    فأما الرغبة
    فتدعو إلى التآلف وحسن الطاعة وتبعث على الإشفاق وبذل النصيحة وذلك من أقوى الأسباب في حراسة المملكة
    فإن قبضها عنهم زال حكمها معهم وتصنعوا بالطاعة تربصا للدوائر وسارعوا إلى المعصية عند هجوم النوائب فهو منهم بين نفاق وإن ساتروه وبين شقاق وإن جاهروه ولا خير في ما تردد بين نفاق وشقاق
    وقال أبرويز

    أجهل الناس من يعتمد في أموره على من لا يأمل خيره ولا يأمن شره
    وأما الرهبة
    فتمنع خلاف ذوي العناد وتحسم سعي أهل الفساد حذرا من
    السطوة وإشفاقا من المؤاخذة وذلك أقوى الأسباب في تهذيب المملكة
    فإن زالت عنهم زال حكمها معهم فلان واشتدوا وهان واعتزوا فاستسهلوا معصيته واستقلوا طاعته وصارت أوامره فيهم لغوا وزواجره لهوا وقد قيل
    من إمارات الجد حسن الجد
    وإذا جمع بين الرغبة والرهبة قادهم الرجاء إلى طاعته وصدهم الخوف عن معصيته وانبسط فيهم الأمل وكثر منهم الوجل فعز سلطانه واستقام اعوانه
    قال بعض الحكماء
    من أعرض عن الحذر والاحتراس وبنى أمره على غير أساس زال عنه العز واستولى عليه العجز
    وأما الإنصاف
    فهو عادل يفصل بين الحق والباطل ويستقيم به حال الرعية وتنتظم به أمور المملكة فلا ثبات لدولة لا يتناصف أهلها ويغلب جورها على عدلها فإن الندرة من الجور تؤثر فكيف به إذا كثر
    ولو لم يتناصف أهل الفساد لما تم لهم فعل الفساد فكيف بملك قد استرعاه الله صلاح عباده ووكل إليه عمارة بلاده إذا لم يحمل على التناصف والتعاطف ومزجت 39 ب فيه الأهواء بالخرف وتحكمت القوة في منع الحق أن لا يوفى وفي إحداث ما لا يستحق أن يستوفى وتهارج الناس فيها بالتغالب وتمازجوا فيها بالتطاول والتغاضب هل يقترب بهذا الملك وقد تعطلت هذه الأصول به صلاح كلا لن يكون الباطل حقا والفساد صلاحا وقد قال أردشير بن بابك
    إذا رغب الملك عن العدل رغبت الرعية عن الطاعة
    قال الإسكندر لحكماء الهند
    أيما أفضل العدل أم الشجاعة
    قالوا
    إذا استعمل العدل استغني عن الشجاعة
    قال بعض العلماء
    الملك يبقى على الكفر ولا يبقى على الظلم
    فأخذه بعض الشعراء فقال في ذلك
    عليك بالعدل إن وليت مملكة
    واحذر من الجور فيها غاية الحذر
    فالملك يبقى على الكفر البهيم ولا
    يبقى مع الجور في بدو وفي حضر

    ولا ينقض هذا القول ما قدمناه من اعتبار الدين في قواعد الملك لأن الكفر تدين بباطل والإيمان تدين بحق وكلاهما دين معتقد وإن صح أحدهما وبطل الآخر
    وربما ظن من تسلط بالسطوة من الولاة أنه بالجور أقدر وأقهر وأن أمواله بالحيف أكثر وأوفر ويخفى عنه أن الجور مستأصل يقطع قليل باطله كثير الحق في الأجل ثم إلى زوال يكون المآل فقد قيل في حكم الفرس
    ستة أشياء لا ثبات لها
    ظل الغمام وخلة الأشرار وعشرة النساء والثناء الكاذب والسلطان الجائر والمال الكثير
    وقالوا
    إن الجور يرفع نفسه
    وعلة هذا صحيحة لأن الجور مدرسة ولايبقى مع الدارس ما يتوجه الجور إليه والعدل ثابت الأصول نامي الفروع مكين القوانين فهو كالغرس في الأرض يعلو شجره ويتوالى ثمره والجور 40 آ مستأصل لما أنشأه العدل فلا يدع له أصلا ثابتا ولا فرعا نابتا
    ثم الإنصاف استثمار والعدل استكثار فيصير الإنسان بالإنصاف مستثمرا وبالعدل مستكثرا
    وما نقص ملك من إنصاف ولا جاه من إسعاف وهما بالمزيد أجدر
    وفرق ما بين العدل والإنصاف في الحقوق الخاصة
    وليس يخرجان بهذا الفرق من الاشتراك في الحق كما أن بمثله يكون فرق ما بين الجور والحيف ولا يمنع من الاشتراك في الباطل
    وقد قيل
    من عدل في سلطانه استغنى عن أعوانه
    وقال جعفر بن يحيى
    الخراج عمود الملك وما استغزر المال بمثل العدل وما استنزر بمثل الجور
    وأما الانتصاف
    فهو استيفاء الحقوق الواجبة واستخراجها بالأيدي العادلة فإن فيه قوام الملك وتوفير أمواله وظهور عزه وتشييد قواعده وليس في العدل ترك مال من وجهة ولا أخذه من غير وجهة بل كلا الأمرين عدل لا استقامة للملك إلا بهما
    وكما أن الانتصاف عدل في حقوق الملك ولما كان الحيف في حقوق الرعية قبيحا كان الحيف في حقوق الملك أقبح لأن يده أعلى ونفع ماله أعم
    وإن لم ينتصف لعجز كان ذلك من وهاء ملكه
    وإن لم ينتصف لإهمال كان ذلك من ضعف سياسته

    وإن لم ينتصف لترك كان ذلك من تبذيره وسرفه إلا أن يكون عفوا لموجب يندب إلى مثله لا يخرج عن قانون السياسة وهو منها وليس بعام فيلام
    فإذا ذهبت الأموال أموال الملك بأحد هذه الأسباب القاطعة لمواده زال عنه الرجاء واشتد فيه الطمع وصار على شفا جرف إن صدعه خطب أو قارعه 40 ب ضد فتلجئه الحوادث إذا ترك ما يستحق إلى أن يأخذ ما لا يستحق فيصير في الترك جائرا على ملكه
    وفي الأخذ جائرا على رعيته فلا ينفك في الحالين من أن يكون خاطئا ملوما وجائرا مذموما
    قال بعض البلغاء
    لا يستغني الملك عن الكفاة ولا الكفاة عن الإفضال والإفضال عن المادة ولا المادة عن العدل
    فالملك بغير الكفاة مختل والكفاة بغير الإفضال مسلطون والإفضال بغير المادة منقطع وإنما يقيم المواد تسليط العدل وفي تسليط العدل حياة الدنيا وبهاء الملك
    وفي هذا التنزيل تعليل للعدل فإنه من قواعد الملك
    فإنك لن تجد صلاحا كان الجور علة وجوده ولا فسادا كان العدل علة ظهوره وإنما تجتذب العلل إلى الأصول نظائرها
    شروط استقامة الملك بهذه القواعد الأربع
    ولاستقامة الملك بهذه القواعد الأربع ثلاثة شروط
    أحدها
    أن يقف منها على الحد المقصود وينتهي فيها إلى العرف المعهود
    فإن تجاوز فيها مسرفا أو مقصرا كان باللوم جديرا فإن الزيادة في الرغبة صرع والزيادة في الرهبة سلاطة وكذلك النقصان منهما يكون على ضدهما
    والثاني
    أن يستعملها في مواضعها ولا يعدل بالرغبة إلى موضع الرهبة ولا يستعمل الرهبة في موضع الرغبة فيصير تاركا للرغبة والرهبة وقد تكلف عناء ضاعت مغارمه وبطلت مغانمه فهو كآكل الطعام من الظمأ وشارب الماء من المجاعة لا يرتوي بما أكل ولا يشبع بما شرب شرب
    ثم هو على وجل من ضرره وحذر من خطره وقد أحسن المتنبي في قوله
    ووضع الندى في موضع السيف بالعلى
    41 آ مضر كوضع السيف في موضع الندى
    من الطويل
    قال بعض الحكماء

    من سكرات السلطان الرضا عن بعض من يستوجب السخط والسخط على بعض من يستحق الرضا
    والثالث
    أن يترجى لها زمانها ويتوقع إبانها حتى لا تضيع الرغبة والرهبة إن قدمهما ولا يقر بأن آن آخرهما فإن فعل الشيء في غير زمانه كصلاح المرض في غير أوانه لا يقع من الانتفاع موقعا ولا يكون العمل فيه إلا ضائعا
    وقد قيل
    من أخر العمل عن وقته فليكن على ثقة من فوته
    وليسير ذلك في وقته أنفع من كثيره في غير وقته
    وربما ضر كما يستضر بالدواء في الصحة وإن كان نافعا في المرض
    وإذا صادف بالرغبة زمانها ووافق بالرهبة أوانها سعد بحزمه وحظي بعزمه وطبق مفاضل أغراضه وبلغ كنه مراده
    الفصل الثالث والعشرون تهذيب الأعوان والحاشية
    سياسة الملك بالأعوان والحاشية
    وليعلم الملك أنه لا استقامة له ولرعيته إلا بتهذيب أعوانه وحاشيته لأنه لا يقدر على مباشرة الأمور بنفسه وإنما يستنيب فيها الكفاة من أصحابه لأن سياسات الملوك مقصورة في مباشرتهم لها على أمرين
    أحدهما تدبير أمور الجمهور بآرائهم
    والثاني استنابة الكفاة في تنفيذها على أوامره
    وما سوى ذلك فالأعوان هم كفلاء مباشرتها وزعماء القيام بأعوامها
    وقد شبه المتقدمون السايس المدبر للمملكة في السلم والحرب بالطبيب المدبر للجسد في حفظ الصحة وعلاج الأمراض اليدين في بطشهما بالجند والأعوان والرجلين بالكراع 41 ب والظهر والعينين بالحجاب والحرس والأذنين بأصحاب البريد والأخبار واللسان في نطقه بالوزراء والكتاب والأعضاء المجاورة في القلب بحاشية الملك على طبقاتهم في القرب والبعد
    وحاجة الخاصة للعامة في الاستخدام كحاجة الأعضاء الشريفة إلى التي ليست بشريفة لأن بعض الأمور لبعض سبب وعوام الناس لخواصهم عدة وبكل صنف منهم إلى الآخر حاجة

    وإذا كان أعوانه منه بمنزلة أعضائه التي لا قوام للجسد إلا بها ولا يقدر على التصرف إلا بصحتها واستقامتها وجب عليه تقويم عوجهم وإصلاح فاسدهم ليستقيموا فيستقيم الملك بهم كما لا تستقيم أفعاله إلا باستقامة أعضائه من جسده
    قال النبي {صلى الله عليه وسلم}
    ( العينان دليلان والأذنان قمعان واللسان ترجمان واليدان جناحان والكبد رحمة والطحال ضحك والرئة نفس والكليتان مكر والقلب ملك فإذا صلح الملك صلحت رعيته وإذا فسد الملك فسدت رعيته )
    فتشابهت أعضاؤه في حق نفسه بحواشيه في حق ملكه ومن لم يستقم منهم من عوجه بعد التقويم ولا كف عن زيغة بعد التهذيب كان إبعاده منهم أسلم لبقية أعوانه كالسلع التي تقطع من الجسد
    قال أبرويز
    من اعتمد على كفاة السوء لم يخل من رأي فاسد وظن كاذب وعدو غالب
    أصل ما يبنى عليه قاعدة أمره في اختيارهم
    وأصل ما يبنى عليه قاعدة أمره في اختيار أعوانه وكفاته أن يختبر أهل مملكته ويسبر جميع حاشيته بتصفح عقولهم وآرائهم ومعرفة هممهم وأخلاقهم حتى يعرف به 42 آ باطن سرائرهم وما يلائم كامن شيمهم فإنه سيجد طباعهم مختلفة وهممهم متباينة ومننهم متفاضلة
    وقد قيل
    الهمة رائد الجد
    فيصرف كل واحد منهم فما طبع عليه من خلق وتكاملت فيهم الآلة وتخصصت به من همة فهي أحوال ثلاث يجب اعتبارها في كل مستكف وهي
    الخلق والكفاية والهمة
    فلا يعطي أحدهم منزلة لا يستحقها لنقص أو خلل ولا يستكفيه أمر ولايتة ولا ينهض بها لعجز أو فشل فإنهم آلات الملك فإذا اختلت كان تأثيرها مختلا وفعلها معتلا
    قيل لبزرجمهر
    كيف اضطربت أمور آل ساسان وفيهم مثلك
    قال
    لأنهم استعانوا بأصاغر العمال على أكابر الأعمال فآل أمرهم إلى ما آل
    وقيل في منثور الحكم
    من استعان بأصاغر رجاله على أكابر أعماله فقد ضيع العمل وأوقع الخلل
    وقيل

    من استوزر غير كاف خاطر بملكه ومن استشار غير أمين أعان على هلكه ومن أسر إلى غير ثقة ضيع سره ومن استعان بغير مستقل أفسد أمره ومن ضيع عاقلا دل على ضعف عقله ومن اصطنع جاهلا أعرب عن فرط جهله
    قال عبيد الله بن عبد الله بن طاهر
    لا بد للشاة من راع يدبرها
    فكيف بالناس إن كانوا بلا وال
    وإن أضيف إلى الأذناب أمرهم
    دون الرؤوس فهم في حال إهمال
    من البسيط
    وكما أنه لا يزيد أحدهم على قدر استحقاقه فكذلك لا ينقصه عن المنزلة التي يستحقها بكفايته ويستوجبها بكمال آلته ويترقى إليها بعلو همته فتضاع كفايته وتبطل 42 ب آلته فيصير لأنفه من عمله متهاونا وباستقلاله واحتقاره متوانيا فيختل العمل بكماله كما اختل عمل العاجز بنقصه فيصير الكمال فيه نقصا في عمله والكفاية فيه عجزا في نظره
    وإذا وافق بهم قدر استحقاقهم فصرف أكابر العمال في أكابر الأعمال وأصاغرهم في أصاغرها استقلت أعماله واستقام عمله
    وإن خالف فالخلل بالأمرين واقع وكلاهما بالعمل مضر وبالسياسة معر
    وتدبير هذا على امتيازه حتى يوافق قدر استحقاقه صعب إلا على من كان صائب الفكرة حسن الفطنة صادق الفراسة ثم ساعده القضاء في تقديره وأعانه التوفيق في تدبيره وإن كان تقدير الحظوظ بحسب الفضائل متعذرا وإنما هي أقسام جرها قدر محتوم وساقها حظ مقسوم
    قال بزرجمهر
    يجب للعاقل أن لا يجزع من جفاء الولاة وتقديمهم الجهال عليه
    إذا كانت الأقسام لم توضع على قدر الأخطار وإن حكم الدنيا أن لا تعطى أحدا ما يستحقه لكن تزيده أو تنقصه
    وليحذر الملك تولية أحد بشفاعة شفيع أو لرعاية حرمة إذا لم يكن مضطلعا بثقل ما ولي ولا ناهضا بعبء ما استكفي فيختل العمل لعجز عامله ويفتضح العامل بانتشار عمله فيصير الحزم بهما مضاعا والهوى فيهما مطاعا وليقض حقوق الحرمة بأمواله في معونتهم وتقريبهم ومنزلتهم ففيهما حفاظ وأجزاء وقد سلمت أعماله من خلل العجز وضياع التقصير
    قال بعض الحكماء
    من قلد لذي الرعاية ندم

    ومن قلد لذي الكفاية سلم
    قيل في 43 آ حكم الفرس
    لا تستكفين مخدوعا عن عقله والمخدوع من بلغ به قدرا لا يستحقه أو أثيب ثوابا لا يستوجبه
    وعلى هذا الاعتبار لا يورث الأبناء منازل الآباء إذا لم يتناسبوا في الطباع كما لا يرث الأشرار مراتب الأخيار
    ولا يستعمل في الكتبة من كان أبوه كاتبا إذ كان هو غير كاتب
    فإن أحب مكافأة واحد من هؤلاء لحقوق آبائهم كافأه بما قدمناه من المال والتقريب دون الولاية والتقليد ليكون قاضيا لحقوقهم بماله ولا يكون قاضيا لحقوقهم بملكه
    حكي أنه كان على باب كسرى ساجة عليها مكتوب
    العمل للكفاة وقضاء الحقوق على بيوت الأموال
    ومن رآه قد تصدى للمعالي وليس من أهلها وقد تطاول للرتب ولم يؤهل لها فلا بأس باستكفائه إذ كان على ما تصدى له مطبوعا ولما
    تطاول له مستحقا إذا نهزته الهمة وساعدته الآلة فلا سبيل إلى نجباء الأولاد نجباء على الأبد وقد قيل
    من فاته حسب نفسه لم ينفعه حسب أبيه
    وعير رجل سقراط بنسبه فقال سقراط
    نسبك إليك انتهى ونسبي مني ابتدا
    قال أبو تمام الطائي
    إذا ما شئت حسن العلم
    منك بصالح الأدب
    فممن شئت كن فلقد
    فلحت بأكرم النسب
    فنفسك قط أصلحها
    ودعني من قديم أب
    من الوافر
    أريج الورد
    أريج الورد
    مشرف
    مشرف


    الجنس : انثى
    الابراج : الحمل
    عدد المساهمات : 66
    نقاط : 5288
    السٌّمعَة : 12
    تاريخ التسجيل : 24/02/2012
    العمر : 27
    الموقع : الوطن العربي
    المزاج المزاج : اجتماعية

     سياسة الملك Empty رد: سياسة الملك

    مُساهمة من طرف أريج الورد الأربعاء 18 أبريل 2012 - 22:08


    وحكي في سيرة الأكاسرة أن بعض ملوكهم مر بغلام يسوق حمارا غير منبعث وهو يعنف عليه بالسوق فقال
    ياغلام أرفق به
    فقال أيها الملك في الرفق به مضرة عليه وفي العنف به إحسان إليه
    قال 43 ب وما في الرفق به من المضرة
    قال يطول طريقه ويشتد جوعه
    قال وما في العنف من الإحسان
    قال يخف حمله ويطول أكله
    فأعجب الملك بكلامه
    قال قد أمرت لك بألف درهم
    قال رزق مقدور وواهب مأجور
    قال وقد أمرت بإثبات اسمك في حشمي
    قال كفيت مؤونة ورزقت معونة
    قال ولولا أنك حدث السن لاستوزرتك
    قال لن يعدم الفضل من رزق العدل
    قال فهل تصلح ذلك
    قال إنما يكون الحمد والذم بعد التجربة ولا يعرف الإنسان نفسه حتى يبلوها

    فاستوزره فوجده ذا رأي صليب وفهم رحيب ومشورة تقع مواقع التوفيق
    ولقل ما يتكامل للملك الظفر بكفاة أعماله لكثرة الأعمال وقلة الكفاة

    فإذا ظفر بذي الكفاية لمنصب اغتنمها ولم يعطلها وأن استغنى في الحال عنها فإنه لا يدري متى يحتاج إليها ليكون ذخرا لحاجته ومعدا لطوارقه كما لا يضيع أمواله إذا استغنى عنها ويعدها ذخرا للحاجة والكفاة أعوز من الأموال والأموال أوجد من الكفاة وبهم تجتذب الأموال وتستجر الأعمال وإن تراد الأعمال للكفاة دون النسب وإن كانت الكفاية هي النسب وحسب صاحبها ما يبلغ بها إذا ساعده الجد وإن كانت الكفاية من الجد
    قيل في منثور الحكم
    من علامة الإقبال اصطناع الرجال
    وإن نفرت النفوس من هجوم رتبته ولم تذعن بالانقياد لطاعته وطنت له النفوس بتدريجه فيها إلى رتبة بعد رتبة حتى تصل إلى الكفاية من أقرب مراقيها فلا تنفر منه النفوس إذا 44 آ رقاها ولا تقف عن الطاعة له إذا علاها ليكون على عمله معانا والعمل بتدريجه فيه مصانا فما أحد يحم إلا عن غمض ولا ارتفع إلا عن خفض ولا يقدم إلا من تأخير ولا كمل إلا عن تقصير ومن خبر الزمان لم يستجهل أخباره ولم يستهول آثاره
    وقد قال النبي {صلى الله عليه وسلم}
    ( الناس بأزمنتهم أشبه )
    من يتفقدهم الملك من أعوانه
    وبالملك أشد الحاجة إلى أن يتفقد أربع طبقات لا يستغني عن تفقد أحوالهم بنفسه لأنهم عماد مملكته وقواعد دولته ليستكفيهم وهو على ثقة من سدادهم وأمانتهم ويستعملهم بعد علمه بكفايتهم وشهامتهم
    فالطبقة الأولى الوزراء
    لأنهم خلفاؤه في سلطانه وسفراؤه في أعوانه وشركاؤه في تدبيره وأمناؤه على أسراره
    ثم لهم مزية الاستيلاء والتفويض لأن على ألسنتهم تظهر أقواله وعلى أيديهم تصدر أفعاله
    فإذا باشروا عنه الأمور عاد عليه خيرها وشرها وكان له نفعها وضرها وبقي عليه صفوها وكدرها فإن أحسنوا نسب إليه إحسانهم وإن أساءوا أضيفت إليه مساوئهم فيصير بإحسانهم محمودا وبإساءتهم مذموما وبسدادهم مشكورا وبالتوائهم موتورا يخفي صلاحه بفسادهم ويبطل عدله بجورهم ويقل خيره بشرهم مع عظم الضرر الداخل على مملكته

    والقدح الموهن لدولته والخلل العائد على رعيته فهو وملكه معهم على استقامة ما استقاموا وعلى اختلال إذا فسدوا
    قال النبي {صلى الله عليه وسلم}
    ( إذا أراد الله بالملك خيرا جعل له وزير صدق إن نسي ذكره وإن ذكر أعانه وإذا أراد به 44 ب غير ذلك جعل له وزير سوء إن نسي لم يذكره وإن ذكر لم يعنه )
    ووصى سابور بن أردشير ابنه في عهده فقال
    ليكن وزيرك مقبول القول عندك مكين المحل من نفسك يمنعه مكانه منك من الضراعة إلى غيرك حتى تبعثه بك إلى محض النصيحة لك والتجريد في منابذة عن عنتك أو نقض عهد حقك
    وذكر حكماء الملك من صفات اختباره أن يكون وافر العقل سليم الطبع أديب النفس معتدل الأخلاق مناسب الأفعال عالي الهمة قوي المنة سريع البديهة مقبول الصورة جزل الرأي صائب الفكرة كثير التجربة شديد النزاهة قليل الشرة حسن التدبير تام الصناعة
    وهذه أوصاف كمال يوفق الله تعالى لها من شاء ويسعد بها من الملوك من أحب
    والطبقة الثانية القضاة والحكام
    الذين هم موازين العدل وتفويض الحكم إليهم وحراس السنة باتباعها في أحكامهم وبهم ينتصف المظلوم من الظالم في رد ظلامته والضعيف من القوي في استيفاء حقه
    فإن قل ورعهم وكثر طمعهم فأماتوا السنة بأحكام مبتدعة وأضاعوا الحقوق بأهواء متبعة فكان قدحهم في الدين أعظم من قدحهم في المملكة وإضرارهم بالمملكة في إبطال العدل أعظم من إضرارهم بالمتحاكمين إليهم في إبطال الحق
    وقد قيل
    من أقبح الأشياء سخف القضاة وظلم الولاة
    وقال أنوشروان
    ما عدل من جارت قضاته ولا صلح من فسدت كفاته
    والذي تقتضيه السياسة في اختيارهم بعد الشروط المعتبرة فيهم بالشرع أن يكون القاضي حسن العلانية مأمون السريرة كثير الجد

    قليل الهزل شديد الورع قليل الطمع قد صرفته القناعة عن الضراعة ومنعته النزاهة من الشرة 45 آ وكفه الصبر عن الضجر وصده العدل عن الميل يستعين بدرسه على علمه وبمذاكرته على فهمه لطيف الفطنة جيد التصور مجانبا للشبه بعيدا من الريب يشاور فيما أشكل ويتأنى فيما أعضل فلا معدل عمن تكاملها ولا رغبة فيمن أخل بها
    والطبقة الثالثة أمراء الأجناد
    الذين هم أركان دولته وحماة مملكته والذابون عن حريم رعيته والمالكون أعنة أجناده والعاطفون بهم على صدق نصرته وموالاته
    فإن استقامت له هذه الطبقة استقام له جميع أعوانه
    وإن اضطربت عليه فسد نظام تدبيره مع سائر أجناده لأنهم إلى طاعة أمرائهم أسرع ولقول زعمائهم أطوع فإن خاف سطوة من به يسطو ولم يأمن جانب من به ينجو كان بملكه مغررا وبنفسه مخاطرا
    وقيل
    إن الوفاء لك بقدر الجزاء منك
    والمعتبر فيهم النجدة والحمية والوفاء والمودة وظهور الطاعة منهم ولهم ليكونوا بطاعتهم منقادين وبالطاعة لهم قائدين
    والطبقة الرابعة عمال الخراج
    الذين هم جباة الأموال وعمار الأعمال والوسائط بينه وبين رعيته
    فإن نصحوه في أمواله وعدلوا في أعماله توفرت خزائنه بسعة الدخل وعمرت بلاده ببسط العدل
    وقد قيل
    فضيلة السلطان عمارة البلدان
    وإن خانوه في ما اجتنبوه من أمواله وجاروا في ما تقلدوه من أعماله نقصت مواده وخربت بلاده وتغير عليه لقلة دخله أعوانه وأجناده وتولد منه ما يكون محل فساد
    قال بعض العلماء 45 ب
    ظلم العمال ظلمة الأعمال
    وحكي أن المأمون جلس ذات يوم وأحضر العمال فقبلهم أعمال السواد واحتاط في العقود فلما فرغ قام إليه بعض قضاته فقال
    يا أمير المؤمنين إن الله قد دفعها إليك أمانة فلا تخرجها من يدك قبالة فقال صدقت وفسخ ذلك
    وإنما أراد القاضي أن تقبيل الأعمال ذريعة إلى تحكم العمال وتحكمهم سبب لخراب الأعمال
    فتنبه المأمون على مراده وعمل برأيه

    والمعتبر في أخيارهم أن يكون فيهم إنصاف وانتصاف وعمارة وخبرة ونزاهة لتدر أموال الرعية وتتوفر أموال السلطنة
    والطبقة الخامسة من يستخدمهم في شؤونه الخاصة
    وها هنا طبقة أخرى يجب أن يتفقد أحوالهم بنفسه غير أنهم يختصون بحراسة نفسه لا بسياسة ملكه وهم الذين يستخدمهم في مطعمه
    ومشربه وملبسه ومن يقرب منه في خلوته فإنهم حصنه من الأعداء وجنته من الأسواء
    وقد اختار حكماء الملوك أن لا يستخدموا في مثل هذه الحال إلا أحد ثلاثة
    إما من تربى مع الملك وألفه
    وإما من رباه الملك على أخلاقه
    وإما من ربى الملك في حجره
    فإن هؤلاء أهل صدق في موالاته ونصح في خدمته وعلو في حفاظه وحياطته ومن أجل ذلك وجب أن يكون إحسانه إليهم أفضل وتفضله عليهم أظهر ويتولى فعل ذلك بنفسه ولا يكل مراعاتهم إلى غيره كما لم يكل مراعاته إلى غيرهم حتى لا يلجئهم إلى من يجتذب قلوبهم بنفقته فيما يلوه ويكون من تقلبهم على عرض ومن تنكرهم على خطر
    فقد قيل في سالف الحكم 46 آ
    ليس من استكره نفسه في حظك كمن كان حظه في طاعتك
    تفقده لمن سوى هؤلاء
    ثم يتفقد في من سوى هذه الطبقات بحسب منازلهم من خدمته فقد قيل
    من قضيت واجبه أمنت جانبه
    وليكن اعتناؤه بمراعاته من استبطنه منهم أكثر ليكونوا أخيارا مهذبين وأصفياء مأمونيين فيسلم من مكرهم ويأمن من شرهم فقد روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال
    ( ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه والمعصوم من عصمه الله تعالى )
    ويمنع كل أحد من أعوانه أن يتجاوز قدر رتبته أو يتعدى إلى غير عمله فيكون بعمله منفردا وعلى رتبته مقتصرا
    وربما دل بعضهم بحظوة نالها فتخطى بها إلى غير عمله وتجاوز بها قدر رتبته ثقة بحسن رأي الملك فيه وتعويلا على مكانه منه
    وقد روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال
    ( ما هلك امرؤ عرف قدره فانتشر بجناح مهيض وزاحم بجسد مريض )

    فلا يلبث أن يهبط سريعا أو يخط صريعا بعد مضرة إفراطه وهجنة انبساطه
    وكذا عاقبة من عدل طوره وجهل قدره ثم قد اختلفت به الرتب حتى هانت واعتلت به المملكة حتى لانت فصار عزها مسكونا وملكها متهونا
    من يحذر الملك أن يجعلهم في بطانته
    وليحذر الملك أن يستبطن أو يسترسل إلى أحد من عدد معاينهم مفترقة وأحكامهم متفقة بالأعداء المباينين أشبه منهم بالأعوان المساعدين فإن صرعة الاسترسال لا تقال
    أحدهم 46 ب شرير مظاهر بالخير لأنه ذو نفاق ومكر
    والثاني مطرح للدين والمراقبة لأنه قليل الوفاء سريع الغدر
    والثالث حرص شره لأنه ينبى باليسير ويطمع في التافه الحقير
    والرابع مضرور ذو فاقة فإنه لا يصفو لمن لا يجر فاقته ويسد خلته
    والخامس محطوط عن رتبة بلغها أو ممنوع من حقوق استوجبها وهو ساخط متنكر
    والسادس مهاجر بذنب لم يعف عنه ولم ينتقم منه فهو خائف حذر
    والسابع مذنب مع جماعة عفي عنهم وعوقب فصار موتورا
    والثامن محسن مع جماعة جوزوا ومنع فصار محروما
    والتاسع ذو كفاءة من حسدة وأعداء قدموا عليه وأخر فصار حنقا
    والعاشر مستضر بما ينفعك أو منتفع بما يضرك فلا يكون إلا مباينا
    والحادي عشر من كان لعدوك أرجى منه لك فيكون لعدوك ممايلا
    والثاني عشر من بغى عليه أعداؤه فسوعدوا عليه فتنتقل عداوته إلى من صار له مساعدا
    فلا حظ للملك في استكفاء أحدهم ولا أقاربه إن هزته الرتب ولزته النوائب كان بين مراقبة مختلس أو مواثبة مفترس
    وليحذر الملك من استدنائهم فإنه معهم على خطر من اغتيال أو احتيال
    قال حكيم الروم
    ينبغي للملك أن يصرف حذره إلى الأشرار واستنامته إلى الأخيار
    فإن زالت أسباب الحذر وعادوا إلى أحوال السلامة صاروا كأهلها في جواز الاستكفاء والاصطناع فليس المأمون أن يصلح الفاسد كما ليس بمأمون أن يفسد الصالح وللعلل نتائج يرتفع معلولها 47 آ بزوال تعليلها ونتائج الأضداد متباينة
    وقد قيل في منثور الحكم
    من حسن صفاؤه وجب اصطفاؤه
    قال الشاعر

    وقد تقلب الأيام حالات أهلها
    وتعدو على أسد الرجال الثعالب
    من الطويل
    وإذا اكتفى من استكفاه اقتصر ولم يستكثر فحسبه في العمل من كفاه فما في الاستكثار بعد الاكتفاء إلا مال مضاع وسر مذاع وكلا الأمرين خلل وزلل
    قال بعض البلغاء
    ليس العمل بكثرة الإخوان ولكن بصالح الأعوان
    وإن وجد كافيا ولم يجد عملا لاستيلاء الكفاة على الأعمال تمسك به ولم يهمله وراعاه بقدر كفايته وادخره لوقت حاجته فلا غنى بالملك عن ادخار أعوان يعدهم لما يطغى ويستظهر بهم على من استكفى حتى لا تفجأه الحاجة وأعوانها متعذرون ويكفي أن يسترسل أو يدل عليه الناظرون
    فإذا ادخر الأموال لنوائب الملك كان ادخار الأعوان أحق لتماثل الأموال وتفاضل الأعوان
    أريج الورد
    أريج الورد
    مشرف
    مشرف


    الجنس : انثى
    الابراج : الحمل
    عدد المساهمات : 66
    نقاط : 5288
    السٌّمعَة : 12
    تاريخ التسجيل : 24/02/2012
    العمر : 27
    الموقع : الوطن العربي
    المزاج المزاج : اجتماعية

     سياسة الملك Empty رد: سياسة الملك

    مُساهمة من طرف أريج الورد الأربعاء 18 أبريل 2012 - 22:09


    الفصل الرابع والعشرون
    أشد ما يمنى به الملك في سياسة ملكه
    وأشد ما يمنى به الملك في سياسة ملكه شيئان
    أحدهما أن يفسد عليه الزمان
    والثاني أن يتغير عليه الأعوان
    فساد الزمان
    فأما فساد الزمان فنوعان
    نوع حدث عن أسباب إلهية
    ونوع حدث عن عوارض بشرية
    ما حدث عن أسباب إلهية
    فأما الحادث عن الأسباب الإلهية فيجب أن يقابلها الملك بأمرين
    أحدهما إصلاح سريرته وسرائر رعيته
    فقد روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال
    ( إذا جارت الولاة قحطت السماء )
    وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه
    من حاول أمرا بمعصية الله كان أبعد لما رجا وأقرب لمجيء ما اتقى
    والثاني 47 ب أن يتطامن لها إذا طرقت ويتلطف في تلاقيها إذا هجمت حتى تنجلي عنه وهو سليم من لفحتها معان في شدتها فما عن أقضية الله صاد ولا عن أوامره راد فالسلم فيها أسلم ودفاع الله عنها أقوم
    وجد في عضد الإسكندر صحيفة فيها مكتوب
    قلة الاسترسال إلى الدنيا أسلم والاتكال على القدر أروح وعند حسن الظن تقر العين
    وقد قيل في منثور الحكم
    لا تجهدن في ما لا درك فيه تربح التعب وادحض البخل وإلا كنت خازن غيرك ولا تدخرن المال لبعل عرسك ولا تظهرن إنكار ما لا عدة معك لدفعه ولا يلهينك قدره عن كيد وحيلة

    قال الشاعر
    ما للرجال مع القضاء تحيل
    ذهب القضاء بحيلة المحتال
    من الكامل
    ما حدث عن العوارض البشرية
    وأما الحادثات عن العوارض البشرية من أفعال العباد فهي التي يساس فسادها بالحزم حتى تنحسم وبالاجتهاد حتى تنتظم فليس ينشأ الفساد إلا عن أسباب خارجة عن العدل والاقتصاد ولا تنحسم إلا بحسم أسبابها
    قال الشاعر
    وقلما يفجأ المكروه صاحبه
    إذا رأى لوجوه الشر أسبابا
    منالبسيط
    فيراعي الملك سبب الفساد فإن كان حادثا عن شدة وعسف وعنف حسمه باللين واللطف وإن حدث عن لين وضعف حسمه بالشدة والعنف وكذلك ما عداهما من الأسباب تنحسم بأضدادها فإن حسم الداء بضده من الدواء فقد قال الشاعر
    فالنار بالماء الذي هو ضدها
    تعطي النضاج وطبعها الإحراق
    من الكامل
    وربما اختلفت الأسباب لامتزاج أنواع الفساد فتحسم الأسباب المتنوعة بأضداد متنوعة كما تعالج الأمراض المضادة بأدوية متضادة فيستخرج حسم كل فساد من سببه وما يصعب من هذه السياسة إلا معرفة الأسباب فإذا عرفها وقف على الصواب وإن أشكلت عليه التبس عليه الصواب فتاه عن قصده وذهل عن رشده
    قال الشاعر 48 آ من الطويل
    إذا ما أتيت الأمر من غير بابه
    ضللت وإن تقصد إلى الباب تهتد
    من الطويل
    وتقلب الزمان بأحوال أهله يعود عليهم بخيره وشره
    روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال
    ( إذا كان أمراؤكم خياركم وأغنياؤكم سمحاءكم وكان أمركم بينكم فظهر الأرض خير لكم من بطنها وإذا كان أمراؤكم شراركم وكان اغنياؤكم بخلاءكم وكان أمركم إلى نسائكم فبطن الأرض خير لكم من ظهرها
    تغير الأعوان
    وأما تغير الأعوان فنوعان
    أحدهما أن يكون لفساد تعدى إليهم
    والثاني أن يكون لفساد حدث منهم
    تغير الأعوان لفساد تعدى إليهم
    فإذا كان تغيرهم لفساد تعدى إليهم عوجلوا بحسم أسبابه قبل تفاقمها فسيجدهم بعد حسمها على السداد
    فإن أهملوا فلكل برهة تمضي من زمانهم تأثير في استحكام فسادهم حتى يفضي إلى غاية لا تستدرك لأن حسم ما استحكم متعذر مستبعد

    وسبب هذا الفساد واحد من ثلاثة أسباب
    إما أن يكون لتقصير بهم فيستدرك بالتوفر عليهم
    وإما أن يكون لعدوان عليهم فيستدرك بالكف عنهم
    وإما أن يكون لمفسد أطمعهم فهو أخبثها لأن الطمع مصائل للعقول ومفسدة للقلوب
    فإن لم يصده حزم أو حذر خبثت به السرائر فهيج من النفوس سواكنها وأبرز من القلوب كوامنها وصار كأجيج النار في يابس الحطب
    وقد روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال
    ( استعيذوا بالله من طمع يؤدي إلى طبع )
    وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه
    إن الطمع فقر وإن اليأس غنى وإن المرء إذا يئس من شيء استغنى عنه
    وحسم هذا الطمع يكون بمعالجة إرغاب من اشتد حتى ينسى وإرهاب من لان حتى ينتهي لتمتزج 48 ب الرغبة بالرهبة ففي انفراد أحدهما فساد
    قال الشاعر
    والنفس راغبة إذا رغبتها
    وإذا ترد إلى قليل تقنع
    من الكامل
    تغير الأعوان لفساد حدث منهم
    وأما تغير الأعوان لفساد حدث منهم عدلوا به عن الإستقامة وزالوا عن أحوال السلامة فهو الدغل والقرح النغل والخطب العضل
    والفرق ما بين الفساد الطارئ عليهم والفساد الناشئ منهم من وجهين
    أحدهما أن الطارئ منفصل والناشئ متصل ونكاية المتصل أبلغ من نكاية المنفصل
    والثاني أن الطارئ ظهر قبل حلوله فيهم فأمكن تعجيل استدراكه والناشئ ظهر بعد استحكامه فيهم فتعذر تعجيل استدراكه فلزم لدغل دائه وعضل دوائه أن تقرر في تلافيه وحسم دواعيه قواعد كل حالة على قاعدتها ويدبر بموجبها
    الفصل الخامس والعشرون
    سياسة الملك وأحواله
    بم يساس الملك
    وإذا كان كذلك فالملك يساس بثلاثة أمور
    أحدهما بالقوة في حراسته وحفاظه
    والثاني بالرأي في تدبيره وانتظامه
    والثالث بالمكيدة في فل أعدائه
    فتكون القوة مختصة بالعقل
    والرأي مختصا بالتدبير
    وهما على العموم في جميع الأحوال والأعمال
    فأما المكيدة فمختصة بفل الأعداء فإن من ضعف كيده قوي عدوه وهذا أصل يعتمد عليه مدار السياسة ويحمل عليه تدبير الملك
    أحوال الملك
    وللملك ثلاث أحوال فالحال الأول تثبيت قواعده

    والحال الثانية تدبير رعيته
    والحال الثالثة استقامة أعوانه
    تثبيت قواعد الملك
    فأما الحال الأولى في تثبيت قواعده وحراسته من الأعداء المنازعين فيه فضربان
    أحدهما 49 آ حاله قبل استقراره عند المنازعة فيه والمحاربة عليه فيساس بالأمور الثلاثة
    أحدها بالقوة في حراسته والذب عنه حتى تستقر قواعده
    والثاني بالرأي في تدبيره حتى ينتظم على اعتداله
    والثالث بالمكيدة في انتهاز فرصته ودفع غوائله
    والثاني حاله بعد استقراره في السلم والدعة فيساس بأمرين أحدهما بالقوة الحافظة لقواعده المستقرة
    والثاني بالرأي الجامع للسياسة العادلة
    ولا حاجة إلى استعمال المكيدة فيه عند السلم والموادعة
    تدبير الرعية
    وأما الحال الثانية في تدبير الرعية فضربان
    أحدهما حالهم في السلامة والسكون فيساس بالرأي وحدة المحافظة لتدبيرهم على السيرة العادلة
    والضرب الثاني حالهم في الاضطراب والفساد فيساسون بأمرين
    أحدهما بالقوة في كف مفسدهم وكف الفساد عنهم
    والثاني بالرأي في تدبير أمورهم على السيرة العادلة
    ولا وجه لاستعمال المكيدة فيهم لأن حقوق الأموال مستمدة منهم فإن كيدوا صار الملك بهم مكيدا فكان الضرر عليه أعود والفساد فيه أزيد
    أحوال الملوك مع رعيتهم
    وقد تنقسم أحوال الملوك مع رعيتهم أربعة أقسام يعلم بتفصيلها أسباب الصلاح ومواد الفساد
    فالقسم الأول ملك صلحت سريرته واستقامت رعيته فأعين على صلاح السيرة باستقامة رعيته وأعينت الرعية على الاستقامة بصلاح سيرته فهذا هو العدل منهما فصارت السعادة شاملة لهما وقد روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال
    ( خير أمرائكم الذين تحبونهم ويحبونكم وشر أمرائكم 49 ب الذين تبغضونهم ويبغضونكم )

    والقسم الثاني ملك صلحت سيرته وفسدت رعيته فقد أضاعت الرعية بفسادها صلاح ملكها وخرجوا من سكون الدعة إلى زواجر السياسة فاحتاج إلى تقويمهم بالشدة بعد لينه وبالسطوة بعد سكونه ليقلعوا عن الفساد إلى السداد فيكف عنهم والعدل في الحالين مستعمل معهم لأن الزجر تأديب والرهبة تهذيب
    قال بعض الألباء
    لا تعادوا الدول المقبلة فإنكم تدبرون بإقبالها
    والقسم الثالث ملك فسدت سيرته واستقامت رعيته
    فإن استدرك صلاح ملكه بعدل سيرته وصحة سياسته وإلا تطاولت عليه الرعية بقوة الاستقامة وكان معهم على أمرين
    أحدهما أن يصلحوه حتى يستقيم فيصير مأمورا بعد أن كان آمرا ومقهورا بعد أن كان قاهرا وتزول هيبته وتبطل حشمته ولا يبقى له من الملك إلا اسم مستعار قد استبقوه عليه تفضلا
    قيل من كثر تعديه كثر أعاديه
    والثاني أن يعدلوا إلى غيره فيملكوه عليهم فيكونوا له أعوانا إن نوزع وأنصارا إن قورع فيصير بفساد سيرته مزيلا لملكه ومعينا على هلكه
    والقسم الرابع ملك فسدت سيرته وفسدت رعيته فاجتمع الفساد في السايس والمسوس فظهر العدوان من الرئيس والمرؤوس فلم يتقاصد عن فساد ولا داع إلى صلاح فخرجت الأمور عن سبيل السلامة وزالت عن قوانين الاستقامة ولا ثبات لملك زالت عنه السلامة 50 آ وعدمت فيه الاستقامة وهو بمرصد من ثائر يصطلم وقاهر ينتقم
    وقد قال أردشير بن بابك
    بمثل هذا الملك وهذه الرعية تختم الدول وتستقبل الفتنة وتذال الدهور
    3 استقامة الأعوان
    وأما الحال الثالثة في استقامة الأعوان فضربان
    أحدهما حالهم في السكون والدعة فيساسون بالرأي وحده في تدبيرهم بالرغبة والرهبة حتى تستقر أمورهم على السيرة العادلة
    قال سابور في عهده إلى ابنه هرمز
    اعلم أن جندك لم يغنوا عنك وإن كثروا وكملت عدتهم حتى تكمل فيهم ثلاث خصال ليس عنهن عوض محض المودة وصدق الناس وسلس الطاعة فإنهم يؤدون بهن حقك ويدفعون بهن عدوك
    والضرب الثاني حالهم في تغيرهم وفسادهم
    وفسادهم على ضربين

    أحدهما أن يكون الفساد خاصا في بعضهم فيساس من فسد منهم بأمرين
    بالقوة في إصلاحهم بمن سلم
    وبالرأي في تدبير أمورهم كالمسالم ليسيروا جميعا على السيرة العادلة فإن انتشار فسادهم من كثرة رؤسائهم المتنافسين في الرتب فيجتذب كل رئيس حزبا يدعوهم إلى طاعته ويبعثهم على نصرته فيصيرون أحزابا مختلفين وأضدادا متنافرين
    فهذه حالهم إن كثروا وهم بالضد منها إن قلوا
    والضرب الثاني أن يكون الفساد عاما في جميعهم فلا يخلو حالهم في الفساد العام من أن يتظاهروا به أو يستروه
    فإن ستروه فقد استبقوا بالمساترة شطرا فيساسون بالرأي وحده لإعواز القوة بفسادهم ولا يساسون بالمكيدة لمساترتهم
    فإن جاهروا بالفساد 50 ب فهو الوهن الواصم والخطب القاصم
    ويتنوع ثلاثة أنواع
    أحدها أن يكون فسادهم مختصا بانتهاك الرعايا واستباحة الأموال فقد سلبوه القوة بمتاركته ومنعوه الطاعة بمخالفته وجعلوه كالصنم الذي لا يزاد على التعظيم فاستبقوا يسير حشمته واستولوا على جميع مملكته فيسوسهم بالرأي واللين واجتذاب فريق فعساه يقوى فيمنع ويشتد فيدفع وإلا فالملك واه والفساد متناه وهو كالمثل المضروب بقول الشاعر
    كم ترى يلبث الرصاص على النار
    ومنها يكون ذوب الرصاص
    من الخفيف
    قال بعض البلغاء
    أضعف الحيلة خير من أقوى الشدة وأقل التأني أجدى من أكثر العجلة والدولة رسول القضاء المبرم وإذا استبد الملك برأيه عميت عليه المراشد
    والنوع الثاني أن يكون فسادهم مختصا بالإسراف في مطالبته بما لا يستحقونه والإقتراح عليه في التماس ما لا يستوجبونه فلا يخلو فيه من أحد أمرين
    إما أن يكون قادرا عليه
    أو عاجزا عنه
    فإن كان قادرا عليه كان هذا منهم طمعا فيه قد اطرحوا فيه مراقبته واستبدلوا فيه الاستطالة بحشمته وأوهنوا بالاستطالة ملكه فصار مسلوب القوة باستطالتهم

    منهوب المال بمطالبتهم قد جعلوه مأكلة مطامعهم فهو معهم كذي المال المستضعف مع البغاة الأقوياء محروب ومسلوب لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا فيساسون بالرأي والخداع فما استبقوا من حشمته إلا حشاشته فلا يعرضها لنفور مهلك ويتوصل إلى رضاهم سرا وجهرا بما يختلفون 51 آ في أسبابه وهم لا يشعرون لتمتزج أسباب الرضا من وجوه متغايرة فيكون به أرفق ولهم أوفق كما قال الشاعر
    وإذا عجزت عن العدو فداره
    وامزح له إن المزاح وفاق
    فالنار بالماء الذي هو ضدها
    تعطي النضاج وطبعها الإحراق
    من الكامل
    أريج الورد
    أريج الورد
    مشرف
    مشرف


    الجنس : انثى
    الابراج : الحمل
    عدد المساهمات : 66
    نقاط : 5288
    السٌّمعَة : 12
    تاريخ التسجيل : 24/02/2012
    العمر : 27
    الموقع : الوطن العربي
    المزاج المزاج : اجتماعية

     سياسة الملك Empty رد: سياسة الملك

    مُساهمة من طرف أريج الورد الأربعاء 18 أبريل 2012 - 22:10


    فإذا سكنوا من فورة الاشتطاط توصل إلى حسم مطامعهم وإن حسمت سلم ملكه بعد السقم وإن لم تحسم فهو ذاهب الملك وشيك الهلك إن لم يعضده نصر من الله وفتح قريب
    وإن كان عاجزا عما اقترحوه وطمعوا فيه فهو عنت مستحيل قد جعلوا العنت فيه سببا لغيره فيساسون بأمرين بالرأي والمكيدة فإنهم لا يقفون على حالهم المستحيلة وسينقلون عنها إلى خصلة من ثلاث
    إما أن يكفوا عن عنتهم فيكفي أمرهم ويدبرهم بعد كفهم
    وإما أن يختلفوا فيقوى بمن وافقه منهم على باقيهم
    وإما أن ينتقلوا إن لم يعنه القدر عليهم إلى ما يقع فيه التسليم والاستسلام والله يقضي فيه بما يشاء وهو القوي العزيز
    والنوع الثالث أن يكون فسادهم مختصا بالتعريض لنفسه وهو الشر المغتلم والبلاء المصطلم وقل أن يكون إلا لسبب من أحد ثلاثة أوجه
    أحدها أن يكون لسوء سيرته فيهم فهو الملوم دونهم وليس يرجى زواله مع بقائه على سوء السيرة
    فإن أقلع عنها فرجعوا عنه وإلا ساسهم بما اقتضاه الرأي من لين ولطف ثم لله الأمر من قبل ومن بعد
    والسبب الثاني أن يكون تغيرهم عليه لملل منهم له حدث بطول مكثه فيهم
    فليس الملل من لوازم العلل ولئن لم 51 ب يزده المكث حقا لم ينقصه
    وقل أن يكون ذلك إلا عند حدوث ناشئة لم ينالوا من دولته حظا فهم يأملون بتقلب الأمور أن يستحدثوا نقما ويرجون بانتقالها توجيها وتقدما

    فإن لم يفسد بهم غيرهم كان الخطب بهم أيسر للظفر ببقية منهم ليستعان بها عليهم
    وإن عم بهم الفساد فهو أصعب الخطبين فيسوسهم باللطف والتأمين واستصلاح فريق بعد فريق
    فإن ظفر منهم بظهور الأمل وإلا فهو بمرصاد من بغي قد استولى وملك قد تولى إلا أن يمده الله تعالى بلطف غير مرتقب وعون غير محتسب
    والسبب الثالث أن يكون تغيرهم عليه لانحرافهم إلى عدو قد مايلوه وإغرائهم إلى ضد قد استبدلوه فهو أسوأ الخطوب حالا
    وأعظمها وبالا لأنه قد بلي بانحراف أعوانه واستطالة أعدائه لأن لكل واحد منهما نكاية لا تطاق فكيف إذا اجتمعا
    قال الشاعر
    إن البلاء يطاق غير مضاعف
    فإذا تضاعف صار غير مطاق
    من الكامل
    ولم يبق ما يستدفع به خطبه إلا المكيدة فإنها علاج ما أعضل من دائهم فيعالجهم بها قبل أن يستأصلوه ويظهر معها إن تراخت له المدة بإجمال سيرته واحتماله رعيته ففي كل واحد منهما عون
    فإن سرت المكيدة في عدوه لان أعوانه
    وإن سرت في أعوانه لان عدوه لأن أعوانه يسر في واحد منهم فهو موكول متوقع لما تجري به الأقدار ويتقلب به الليل والنهار ولئن كان في غاية متناهية فليس بمأيوس أن يظفر
    روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} 52 آ أنه قال
    ( الدنيا دول فما كان منها لك أتاك على ضعفك وما كان منها عليك لم تدفعه بقوتك ومن انقطع رجاؤه مما فات استراح بدنه ومن رضي بما رزقه الله قرت عينه )
    وقيل
    ربما كان اليأس إدراكا والحرص هلاكا
    وقيل
    رب مستسلم سلم ومتحرز ندم
    قال الشاعر
    وحذرت من أمر فمر بجانبي
    لم يبكني ولقيت ما لم أحذر
    من الكامل
    وليس يطرأ أمثال هذه الحوادث على الممالك إلا من استرسال الملوك في حالتين
    إحداهما أن يغفلوا عن الحزم حتى ينتشر من الإهمال ما يطغى
    والثانية أن يسترسلوا في العدل حتى يظهر من الجور ما يوحش
    قال أردشير بن بابك
    إذا رغب الملك عن العدل رغبت الرعية عن الطاعة

    وهما أسان للملك فإذا خلا منهما فاجتمع فيه طغيان الإهمال واستيحاش الجور تقوضت قواعد صلاحه وتهدمت أركان سداده فلم تبعد عليه نتائج فساده بحوادث لا تحتسب لأن عواقب الفساد أدهى وأمر ونتائج الشر أعدى وأضر
    كما قال لقمان لابنه
    يا بني اعتزل الشر يعتزلك فإن الشر للشر خلق
    قال بعض الألباء
    من فعل الخير فبنفسه بدا ومن فعل الشر فعلى نفسه جنى
    قال الشاعر
    ( الخير لا يأتيك مجتمعا
    والشر يسبق سيله مطره
    استعمال الحزم وبسط العدل
    وإذا أحكم الملك قواعد ملكه باستعمال الحزم وبسط العدل ولم يغفل عن الحزم في صغير ولا كبير ولم يترخص في الجور من قليل ولا كثير أحاطت السلامة بملكه وحفت السعادة بدولته فأمن غوائل الفساد وسلم 52 ب من ظهور الفساد وكان الناس معه من بين حامد لعدله وإحسانه وحذر من بأسه وسلطانه فشكره الأخيار واتقاه الأشرار ولم يتطرق إلى ملكه خلل ولا على نفسه وجل فصح أن الحزم والعدل أدفع لشوائب الملك ومخاوف الملوك من كل عدة وأبلغ في صلاحهم من كل نجدة فيستنجد للملك حزمه ويستعد عدله فإنه يستغنى بهما عن كل عدة ويستعان بهما في حراسته من الخطر وحفظ ملكه من الغير
    قال بعض العلماء
    بالعدل والإنصاف تكون مدة الائتلاف
    قيل لأنوشروان أي الخير أوفى قال الدين قيل وأي العدد أقوى قال العدل
    تصفح أحوال الحاشية في زمان السلم
    وليعلم الملك أن من الحزم أن يتصفح أحوال حاشيته وأعوانه في زمان السلم وأوقات السكون لأن القدرة أشد والمكيدة أمد فإن لكل صنف من الحواشي والأعوان آفة مفسدة وبلية قادحة تجعل الصلاح بهم فسادا والميل منهم عنادا فيقف عليها يتصفح أحوالهم ليسلموا فيصير منهم سليما ويستقيموا فيصير بهم مستقيما فقد قيل في منثور الحكم
    آفة الملوك سوء السيرة
    وآفة الوزراء خبث السريرة
    وآفة الأمراء مفارقة الطاعة
    وآفة الجند مخالفة القادة
    وآفة الرعية ضعف السياسة
    وآفة العلماء حب الرياسة
    وآفة القضاة حب الطمع
    وآفة العدول قلة الورع

    وآفة الملك تضاد الحماة
    وآفة العدل ميل الولاة
    وآفة الجرئ إضاعة الحزم
    وآفة القوي استضعاف الخصم
    وآفة المجد عوائق القضاة
    وآفة المشاورة انتقاض الارآء
    وآفة المنعم قبح المن
    وآفة المذنب سوء الظن
    وآفة الزعماء قلة السياسة 53 آ
    وليس أسباب الفساد في هؤلاء الأصناف مقصورة على هذه الأوصاف حتى لا يتعداها إلى ما سواها وإنما ذكر الأغلب من فساد كل صنف وإن جاز أن يفسد بغيره فيتوصل إليه بتصفحه وسبره
    حسم مواد الفساد
    فإذا وقف الملك على مواد فسادهم وأسباب آفاتهم قطع أسبابها وحسم موادها لتسلم له مصادر الأمور فتستقيم مواردها ويأمن نتائج التقصير فتحمد عواقبها فإن مبادئ الأمور أس إن رسا تشيد وإن وهي تقوض
    أريج الورد
    أريج الورد
    مشرف
    مشرف


    الجنس : انثى
    الابراج : الحمل
    عدد المساهمات : 66
    نقاط : 5288
    السٌّمعَة : 12
    تاريخ التسجيل : 24/02/2012
    العمر : 27
    الموقع : الوطن العربي
    المزاج المزاج : اجتماعية

     سياسة الملك Empty رد: سياسة الملك

    مُساهمة من طرف أريج الورد الأربعاء 18 أبريل 2012 - 22:12

    الفصل السادس والعشرون
    دوام تفقد الملك الأحوال العامة
    تفقد الملك سيرة حماة البلاد وولاة الأطراف
    وليكن كثير الاعتناء بسير حماة البلاد وولاة الأطراف الذين فوض إليهم أمانات ربه واستخلفهم على رعاية خلقه فيندب لذلك من أمنائه من حاز خصال التفويض واستحق بحزمه وشهامته الولاية والتقليد
    قال أردشير بن بابك من بعض حكمه
    لا يصلح لسد الثغور وقود الجيوش وتدبير الجنود وحراسة الأقاليم إلا من تكاملت فيه خمس خصال
    حزم يتيقن به عند موارد الأمور حقائق مصادرها
    وعلم يحجزه عن التهور في المشكلات إلا عند تجلي فرصتها
    وشجاعة لا تنقصها الملمات بتواتر حوائجها وعظم هولها
    وصدق في الوعد والوعيد يوثق منه بالوفاء عليهما
    وجود يهون عنده تبذير الأموال عند ازدحام السؤال عليه
    وأقول
    إن كمالها فيه مقيد باعتبار خصلتين معها
    إحداهما أن يقدم مصالح ما تقلده على مصالح نفسه لعود صلاحه إليه ورجوع فساده عليه
    والثانية أن يرى أن اكتساب الأجر والحمد أفضل مكاسبه فإن لم يجذبه الميل إلى نفسه فهو موثوق بخيره مأمون على غيره وإلا فلا خير فيه
    فهذه خصال إن لم يحزها 53 ب سائس الملك ومدبر الرعايا كان اختلال عمله بحسب اختلال كماله لأن لكل ثلم مسدا ولكل وهي مردا

    وقد يقترن بهذه الخصال ما يختلف باختلاف الزمان فربما حمد في بعض الأحيان اللين واللطف وفي بعضها الخشونة والعنف فإن لكل وقت حكما ولكل قوم تدبيرا
    وقد وصف عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخلاق الولاة فقال
    لا يصلح لمن يلي أمر الأمة إلا أن يكون حصيف العقدة قليل العزة بعيد الهمة شديدا من غير عنف لينا من غير ضعف جوادا من غير سرف لا يخشى في الله لومة لائم
    وهذه الأخلاق التي وصفها يجب أن تكون لازمة في كل وال مطبوعة في كل مدبر وقد ذكر الإيادي مع إعرابيته أوصاف الولاة في شعره فقال
    وقلدوا أمركم لله دركم
    رحب الذراع بأمر الحرب مضطلعا
    لا مترفا إن رخاء العيش ساعده
    ولا إذا عض مكروه به خشعا
    ما زال يحلب در العيش أشطره
    يكون متبعا يوما ومتبعا
    حتى استمرت على شزر مريرته
    مستحكم الرأي لا قحما ولا ضرعا
    من البسيط
    ثم عليه أن يحفظ مراتب جماعتهم وينزل كل واحد منهم المنزلة التي يستحقها بكفايته وحسن أثره
    وإن حفظ المراتب في المملكة كحفظ السمع والبصر لعظم المنافسة فيها وانتشار العداوة منها وقد تدلس عليها كتدليس البهرج ويترشج لها من ليس لها كفوا ولا من أهلها غاصبا أو مغالطا فتصفر منها أيدي أربابها وينفذ فيها حكم غصابها وليس كل من تعظم بعظيم ولا كل من تنسك بناسك ولا كل من تسود بسيد والناسك غير المتناسك 54 آ والشريف غير المشرف ولا خير في مملكة صار الرؤوس فيها أذنابا والأذناب فيها رؤوسا
    عهد بعض ملوك الفرس إلى ابنه فقال
    لا تكونن في شيء من الأشياء أشد خشية منك من رأس صار ذنبا أو ذنب صار رأسا أو يد مشغولة أحدثت فراغا أو كريم حال إلى ضر أو لئيم صار إلى فرح فإنه يتولد من تنقل الناس عن حالاتهم فساد مضر
    وحفظ المراتب معتبر من وجهين
    أحدهما في الولاية والتقليد
    والثاني في الإكرام والتقريب
    فلا يتجاوز بأحدهم قدر الاستحقاق في أحدهما فإنه يطغى بالزيادة ويستوحش من النقصان

    وهذا أمر يجب صرف الاهتمام إليه لما في نظامه من نضارة وغضارة وحفظ مراتبه وحشمته إذ لا شيء أعظم إيحاشا ولا أكثر تنكرا أو فسادا من حط مراتب الكفاة ورفع السفلة والدناة
    حكي أن أنوشروان وقع إلى ولاة الحسبة من أعماله أن لا يدعوا أولاد السفلة أن يقعدوا في المكاتب وأن يطردوا عن مجالس القضاة
    لأنهم متى ما تعلموا الجدال قدحوا في الدين ومتى ما تمكنوا من أعمال السلطان عملوا في بوار أهل البيوتات فقال فيه
    لله در أنوشروان من ملك
    ما كان أعرفه بالدون والسفل
    نهاهم أن يمسوا بعده قلما
    وأن يروموا ركوب الخيل والإبل
    من البسيط
    وإذا حمد سعي صاحب في ولايته أقره على عمله فإنه وإن حسن أن ينقل الحمد من مدينة إلى أخرى وهو الأولى حتى لا يستقر بهم وطن يأسون إلى فراقه ولا يفتتنون فيه ما يطيبون نفسا بتركه فليس بصواب أن ينقل والي المدينة ولا صاحب الخراج بل يكون على ولايته ما بقي على حميد سيرته
    54 ب فإن أتى بمعصية أو خيانة صرف صرفا لا ولاة بعده إلا عن توبة وإقلاع وكذلك في الحواشي والحكام
    والعلة في ذلك أنه متى عرف من السلطان أنه يرى الصرف والاستبدال اعتقد كل وال أن أيامه قصيرة فعمل لسوق يومه ولم يلتفت إلى صلاح غده واحتجن الأموال في صدر ولايته وتأهب عليها لزمان عطلته فإذا صرف عنها خلف البلاد على من بعده مختلة وزاده الثاني اختلالا على مثل حاله ولا يلبث الإهمال حتى تخرب بمناهبة العمال
    وإذا سكنت نفس الناظر إلى أن أعماله مقرة عليه ما أقام على

    نصيحته وجرى على جميل سيرته نظر فيها كنظر القنى في عمارة ضياعهم وتميز خلاتهم وفكره في صلاح غده قبل فكره في صلاح يومه لعلمه ببقاء العمل عليه وأن خير العاقبة وشرها عائد عليه ومنسوب إليه فتوفر نصحه واجتهاده وعم صلاحه وعفافه وليكن نزها عن أموالهم وإن توفرت غير طامع فيها وإن كثرت ما لم تظهر منهم خيانة واحتجان لأنهم قد يكسبون بجاه أعمالهم من مباحات الوجوه ما لا تبعة فيها عليهم ولئن يكونوا ذوي أحوال وأموال يستعينون بها على العفة والأمانة أولى من أن يكونوا ذوي فاقة تضطرهم إلى الخيانة فقد قيل
    لا أمانة لمحتاج
    وليعلم أنه متى طمع منهم في اليسير أطمعهم في الكثير وإن أخذ أموالهم جهرا بتأويل أخذوا منه أضعافها سرا بغير تأويل فيظن أنه قد ارتفق بمال غيره وهو قد أخذ بعض حقه ويصير معدودا من الظالمين وهو مظلوم ويصيروا معدودين في المظلومين وما منهم إلا ظلوم وإذا كف عنهم استكفهم فناصف ونوصف
    قال بعض العلماء
    من طمع في أموال عماله ألجأهم إلى اقتطاع أمواله
    وقال أنوشروان 55 آ
    من خاف شرك أفسد أمرك
    وقال أردشير
    لا ترجو خير من لا يرجو خيرك ولا تأمن جانب من لا يأمن جانبك
    فإن ظهر منهم على مال قد احتجنوه وحق قد خانوه طالبهم به مطالبة المدين المنصف واستوفاه منهم استيفاء المحق المسعف بعد إقامة حججه وإظهار شواهده ولا يستغنى بالقدر عن إظهار الحجة ليكون معذورا وهم مذمومين ومنصفا وهم خائنين
    فإذا استوفى حقه واسترجع ماله كان من وراء تأديبهم تقويما لهم واستصلاحا لغيرهم
    وعلى حسب أقدارهم يكون التقويم
    وإذا وجد من بعض خدمه هفوة أو تقصيرا لم يأته عمدا لم يأخذه بذنب الدهر وعوائق الزمان مع حسن الثقة وجميل الظن فيه فليس من الزلل أمان ولا إلى العصمة سبيل وقد قيل
    أي عالم لا يهفو وصارم لا ينبو وجواد لا يكبو
    قال بعض العقلاء
    من كثر صوابه لم يطرح لقليل الخطأ
    قال الشاعر
    ولست بمستبق أخا لا تلمه
    على شعث أي الرجال المهذب
    من الطويل

    قال النبي {صلى الله عليه وسلم}
    ( لا حليم إلا ذو عثرة ولا حكيم إلا ذو تجربة )
    وفي تأويله وجهان
    أحدهما أن معناه أنه لا يخلو حليم من عثرة ولا حكيم أن يحتاج إلى تجربة
    والثاني أن لا يكون حليما ولا حكيما حتى تكثر عثراته وتجربته فيصير بعد كثرة التجارب والعثرات حليما حكيما
    وإذا قطعت بعضهم عن الخدمة قواطع قطع وظهرت بأعدارها ووضح برهانها لم يكلفه فعل ما ليس في وسعه وطاقته فقد رفع الله الحرج عن المعذور في حقه وقد تقطع الملوك القواطع عن حقوق أنفسهم وهم أقدر فكيف بأوليائهم وخدمهم وهم أعجز وقد قال الشاعر
    ما كلف الله نفسا فوق طاقتها
    ولا تجود يد إلا بما تجد
    من البسيط
    استخبار الملك عن رعيته وحاشيته والنائبين عنه
    وإن الملك لجدير أن لا يذهب عليه صغير ولا كبير من أخبار رعيته وأمور حاشيته وسير خلفائه والنائبين عنه في أعماله بمداومة الاستخبارعنهم وبث أصحاب الأخبار فيهم سرا وجهرا ويندب لذلك أمينا ويوثق بخبره وينصح الملك في مغيبه ومشهده غير شره فيرتشي ولا ذي هوى فيروي أو يعتدي لتكون النفس إلى خبره ساكنة وإلى كشفه عن حقائق الأمور راكنة فإنه لا يقدر على رعاية قوم تخفى عليه أخبارهم وتنطوي عنه آثارهم فربما ظن استقامة الأمور بتمويه الخونة فأفضى به حسن الظن إلى فساد مملكته وهلاك رعيته وأن ينتهز العدو فرصة غفلته فيستثير عن غوائل ضرره ما عساه يصعب بعد أن كان سهل المرام ويقوى بعد أن كان ضعيف القوام فإن كبار الأمور تبدأ صغارا
    قال بهرام جور
    لا شيء أضر على الملك من استكفاء من لا ينصح إذا دبر واستخبار من لا يصدق إذا خبر
    ولم يكن في طلب الأجناد أشد بحثا عنها من أردشير بن بابك في آل ساسان ومن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلفاء الإسلام فإنه كان علمهما بأحوال العامة كعلمهما بأحوال الخاصة وعلمهما بمن بعد عنهما كعلمهما بمن قرب منهما
    وبه استقامت سيرتهما وظهرت حرمتهما

    وإذا كان باحثا على الأخبار مطلعا على غوامض الأسرار جمع في الاستخبار بين معروف مجاهر يكون به في الناس محذورا وبين مجهول مساتر يصير به واثقا خبيرا لا يتعارفان فيتواطآن انكشف له غطاء الغفلة وانجلت شبه الحيرة فساس الأمور 56 آ بثقته وبصيرته وحرس الرعية بيقظته وصدق عزيمته وتهيب أعوانه فعل الخير فاستقاموا وتجنبوا قبح المكاسب فأنصفوا ووثقت الرعية بكف العوادي عنهم فأمنوا
    وإذا أنس بمطالعة الأخبار استلذ غرائبها واستمد فوائدها
    وقد قال المنصور رضي الله عنه
    عجبت للسلطان الذي لا يتخذ بقراءة الأخبار لهوا بماذا يلهو وللمدبر الذي لا يعلم ما حدث في عمله كيف يمضي تدبيره
    قال بعض العلماء
    إذا لها السلطان عن الأخبار ولم يله بها وانصرف عنها ولم ينصرف إليها فاسم العجز أولى به من اسم الحزم والتقصير عليه أغلب من الاستيفاء وجهل الواجب أبين فيه من علم الصواب
    ويجب أن تكون عنايته بأخبار من بعد عن حضرته كعنايته بأخبار من قرب منها بل ربما كان أهم لأن بعد الدار يبسط أيدي الظلمة فإذا وافق بعد دارهم قلة الاستخبار عن أحوالهم أمنوا في اتباع أهوائهم وسكنوا إلى
    الغفلة عن مذموم أفعالهم فكانت أيديهم مبسوطة في الرعايا وأهواؤهم مخلة في القضايا وربما أفضى ذلك إلى فسادهم في الطاعة لقبح آثارهم ومذموم أفعالهم فإن المسيء مستوحش والمهمل مسترسل فكم من عصيان كان هذا بدأه وانقراض ملك كان هذا بدره وقد قيل
    ليس بين الملك وبين أن يملك رعيته أو تملكه إلا الحزم والتواني
    ولا يغترر بمن سداده في حسن الثقة به ويترك الاستخبار عن حاله تعويلا على من يقدر من سداده فربما يصنع في الأول ويغتر في الآخر فإن تقلب الزمان يغير أهله فربما أفسد الصالح وأصلح الطالح
    فما تبقى الدنيا على حالة ولا تمنع من استحالة
    وإذا أخبر بمنكر لم يستعجل المؤاخذة والإنكار ويثبت لكشفه حتى يقف على حقه من باطله فما كل مخبر يصدق في 56 ب خبره

    وإذا عرف بالأناة للكشف لم يخبر إلا بالصدق ولم يعاقب إلا المستحق
    قال الشاعر
    تأن ولا تعجل بلومك صاحبا
    لعل له عذرا وأنت تلوم
    من الطويل
    3 مراعاة أخبار البلاد المتاخمة وملوكها
    ولئن كان من حقوق ما استرعى من بلاده أن يتعرف أخبار أعماله وعماله فمن حقوق السياسة أن يراعى أخبار ما تاخمها من بلاد وملوك يتصل به خيرهم وشرهم ويعود عليه نفعه وضرهم لأن الصلاح والفساد يسريان فيما جاوراه وربما روصد فاعتقل بالاهمال وعوجل بالاسترسال فيحم عليه الأعداء ويحجم عنه الأولياء لأن للغفلات فرصا ينتهزها المستيقظ من اللاهي ويدركها المتحفظ من الساهي لأن الفرصة لمن واثبها بحزمه وسابقها بعزمه فليستدفع بوادر الغفلة بالاستخبار ويتحذر منها بالاستظهار ولا يغفل فيستغفل ويهمل فيستعذر ليحرس ملكه ويحوط رعيته فإنه لم تطل مدة الملك إلا لمن يتيقظ ويتحفظ
    وقد ذكر الأوائل في مواعظ الملوك أن الملك تطول مدته إذا كان فيه أربع خصال
    إحداها أن لا يرضى لرعيته ما يرضاه لنفسه
    والثانية أن لا يسوف عملا يخاف عاقبته
    والثالثة أن يجعل ولي عهده من ترضاه رعاياه لا من تهواه نفسه
    والرابعة أن يفحص عن أحوال رعيته فحص المرضعة عن منام رضيعها
    4 حذر الملك قبول السعاية في أصحابه
    ومما ينبغي للملك أن يحذره قبول السعاية في أصحابه فذلك يوحش الناصح ويؤمن الخائن ويفتح للسعادة أبواب الرشا
    وليعلم أن الساعي لم يحمله على سعيه إفراط نصحه لسلطانه وإنما يفعله إما حسدا لمن سعى به وطلبا للتشفي به وإما تعرضا للكسب به وإما 57 آ التماسا للحظوة عند السلطان
    فإذا شرع في السعاية أعطى الملك الرشوة فأدخل عليه الشبهة حتى يتصور الأمين بصورة الخائن والمحسن بصورة المسيئ فتقل ثقته بأصحابه وإذا قلت ثقته بهم أوحشهم وإذا أوحشهم خافهم فيكون إضراره بمن سعى إليه أكثر من إضراره بمن سعى به
    وقد روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال
    ( إياك ومهلك الثلاثة )
    قيل وما مهلك الثلاثة
    قال

    ( الذي يسعى بأخيه إلى سلطانه فيهلك نفسه وسلطانه وأخاه )
    وروي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال
    ( شر الناس المثلث ) يعني الساعي
    قال بعض البلغاء
    الساعي كاذب لمن سعى إليه وخائن لمن سعى عليه
    ووقع المنصور في رقعة منتصح
    تقربت إلينا بما باعدك من الله عز وجل ولا ثواب عندنا لمن آثرنا عليه
    وإذا حسم قبول السعاية في أصحابه أكذب السعاة وأخلص نيات الولاة وتصفح أحوالهم بدلا من قبول السعاية فيهم
    وليوقظ عزمه في قلة الغفلة فيهم فإذا علموا أنه ليس يخفي عليه من أفعالهم خافية أقلع الخائن عن خيانته وازداد الناصح نعما في ولايته وعدل عن التكسب بها إلى ما تستطاب جدواه وتحمد عقباه وصلح به الفريقان مع استقامة الملك وإخماد السعاية
    وقيل
    انظر إلى المنتصح إليك فإن دخل من جهته مضار الناس فلا تقبل نصيحته وتحرز منه وإن دخل من جهته العدل والصلاح فاقبلها واستشره
    5 مراقبة أحوال النقود وأمر جبايتها
    وليعلم الملك أن الأمور التي يعم نفعها إذا صلحت ويعم ضررها إذا فسدت أمر النقود من الدرهم والدينار فإن ما يعود على الملك من نفع صلاحها لسعة دخله وقلة خرجه أضعاف 57 ب ما يعود من نفعها على رعيته
    قيل في منثور الحكم
    من فرطات العجز ترك الأفضل وهو مباح
    فإن سامح في غشها وأرخص في مزج الفضة بغيرها لم يف نفع صلاحها بضرر فسادها لأنه إذا خلط الفضة بمثلها وجعل في كل عشرة خمسة خرقا وخمسة غشا وأمر أن تؤخذ بقيمة الفضة كان محالا كما لو رام أخذ النحاس بالذهب
    وإن رام أن تؤخذ بقيمتها لم يجد في ذلك نفعا وكأنه غير مكيالا ووزنا مع فساد الفضة وخسران العمل ثم إذا طال مكثها وكثر لمسها قبحت عند الناس وتجنبوا قبض قبيحها ورغبوا في طريها ومليحها وبهرج أصحاب اللبس عليها بضرب كثير الرش ربما كان أحسن من عتيق تلك فتفسد النقود ويتجنب الناس قبض الدراهم ويمنعون من بيع الأمتعة إلا بالعين وإن كان سليما

    وإن كان كالورق في الغش عدل الناس عن مطبوعها إلى الفضة الخرق والذهب الخلاص وصار أدخال الناس أصول أموالهم واستحدثوا
    لمعاملات المهن نوعا من غير النقود المألوفة يدفعون به الأقوات وينالون به الحاجات وبطلت معاملات الناس فانتهك المستور المرق ولم تصل الأمتعة والأقوات إلى أهل القدرة وأرباب الأموال الجمة فعند ذلك تدعوه الحاجة إلى تغيير الضرب
    فإن غير بمثله كانت حالهما واحدة وكان حكمه في المستقبل حكمه في الأول
    وإذا عرف من السلطان تغير ضربه في كل عام عدل الناس عن ضربه إلى ضرب غيره حذرا من الوضيعة والخسران وكان عدولهم إلى ضرب غيره موهنا لسلطانه
    وإن كان النقد سليما من غش ومأمونا 58 أ من تغيير صار هو المال المدخور فدارت به المعاملات نقدا ونساء فعم النفع وتم الصلاح
    وقد كان المتقدمون يجعلون ذلك دعامة من دعائم الملك
    ولعمري إن ذلك كذلك لأنه القانون الذي يدور عليه الأخذ والعطاء ولست تجد فساده في العرف إلا مقترنا بفساد الملك فلذلك صار من دعائم الملك
    وليعلم الملك أن من أموال السلطنة شرعية قد قدر الشرع مقاديرها وبين وجوه مصرفها وجعلها وفق الكفاية وأغنى عما دعا إلى استزادة
    قال النبي {صلى الله عليه وسلم}
    ( نزلت المعونة على قدر المؤونة )
    فليكن الملك عليها مقتصرا ولأمر الله تعالى فيها ممتثلا فإنه نائب عن الكفاية فيها زعيم بتولي مصالحهم بها
    فإن اتبع أمره في أخذها وعطائها أجابت النفوس إلى بذلها طوعا ولم يلتمسها إلا مستحق وكفى أن لا يطالب بالمحال كما لم يطلبه فسلم دينه واستقام ملكه ورضي جنده وصلحت رعيته
    وإن تجاوز حكم الشرع في طلب ما لا يستحق نفرت منه النفوس فلم يجب إلى بذله إلا بالعنف الخارج عن قوانين السياسة وعاد بالنقص بالحقوق الواجبة وانفتحت عليه المطامع في المطالبة بما لا يجب كما طالب به لأن من جازف في الأخذ جوزف في الطلب ومن ناصف نوصف فلا يفي بزيادة أخذه بزيادة جزفه

    ثم هو بين نفور رعيته واشتطاط أعوانه وليس مع هذين ملك يستقر
    فليحذر الملك مما حذره الله من تحيف عباده وليمتثل أمره في مصالح بلاده وليقم رعيته مقام عباده وحشمه اللائذين به وبكنفه والداخلين في كفالته في ارتياد موادهم وانتظام اكتسابهم وكف الأذى عنهم فهم من أمانات الله 58 ب التي استودعه حفظها وكفله القيام بها فلا يهمل مراعاة أمانته ولا يغفل عن القيام بحقه فيصيروا رعية قهر وفرية دهر يستنفد أحوالهم تحيف السلطان وجوائح الزمان فسيؤاخذ بهم مع فساد ملكه
    قال النبي {صلى الله عليه وسلم}
    ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته )
    وكتب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري رحمه الله
    إن أسعد الرعاة من سعدت به رعيته وأشقاهم من شقوا به وإنك إن ترتع يرتع عمالك فيكون مثلك مثل البهيمة رأت أرضا خضرة ونباتا حسنا فرتعت تلتمس وإنما حتفها في سمنها
    وكتب الحجاج إلى عبد الملك بن مروان أن يحمله على أخذ أموال السواد فكتب إليه
    لا تكن على درهمك المأخوذ أحرص منك على درهمك المتروك وأبق لهم لحوما يعقدوا بها شحوما
    قال وهب بن منبه
    أحسن الناس عيشا من حسن عيش الناس في عيشه
    6 الاهتمام بأمن السبل والمسالك
    وليهتم الملك كل الاهنمام بأمن السبل والمسالك وتهذيب الطرق والمفاوز لينتشر الناس في مسالكهم آمنين ويكونوا على أنفسهم وأموالهم مطمئنين
    ولا يقتصر على حماية ما يستمده من بلاد وسواده فلم يستقم أمر بلاده كانت المسالك إليها مخوفة لأنها تفتقر إلى مجلوب إليها ومجتلب منها ليكثر جلبهم فيما ليس لهم وتخصب بلادهم بما ليس عندهم فيكون نفعهم عاما
    وخصبهم دارا ويصير رفق السلطان به أعظم من رفق رعيته وعقباه أنفع من مملكته لأنه ليس يعم صلاح إلا ونصيبه منه أكثر لأن عوام الأموال صادرة إليه وصلاح الجمهور عائد عليه 59 أ
    7 مداهنة الأعداء

    ليستعمل الملك مداهنة الأعداء قبل مكاشفتهم وليجعل محاربتهم آخر مكايدهم فإنه ينفق في المكايد من الأموال وينفق في المحاربة من النفوس ولذلك قيل
    أوهن الأعداء كيدا أظهرهم لعداوته
    قال الشاعر
    والسلم تأخذ منها ما رضيت به
    والحرب يكفيك من أنفاسها جرع
    من البسيط
    أريج الورد
    أريج الورد
    مشرف
    مشرف


    الجنس : انثى
    الابراج : الحمل
    عدد المساهمات : 66
    نقاط : 5288
    السٌّمعَة : 12
    تاريخ التسجيل : 24/02/2012
    العمر : 27
    الموقع : الوطن العربي
    المزاج المزاج : اجتماعية

     سياسة الملك Empty رد: سياسة الملك

    مُساهمة من طرف أريج الورد الأربعاء 18 أبريل 2012 - 22:13


    وليعلم أنهم منه على ثلاث مراتب لكل واحدة منهن حكم فليكن مع من علا منهم وتقدم على الملاطفة والملاينة ومع من دنا منهم وتأخر على التطاول والمباشرة ومع من كافأ منهم ومايل على المقابلة والمسالمة ليدوم السكون والدعة وتتم له السلامة والاستقامة فقد قال أبو عمرو بن العلاء
    من عرف فضل من فوقه عرف فضل من دونه فإن جحد جحد
    ولا يبتدي بالمنافرة ما وجد منها بدا وإذا ظفر بفرصة انتهزها ما لم ينقض بينه وبينهم عهدا فقد قيل في منثور الحكم
    غافص الفرص عند إمكانها وكل الأمور إلى أوليائها ولا تحمل نفسك هم ما لم يأتك ولا تحزن على ما فاتك ولا تعدن وعدا ليس في يدك وفاؤه ولا تجد في الحرص تعش ذا سرور
    وإذا كاشفه العدو بعد المساترة ونافره بعد المسالمة وتكافأت قوتاهما كان الحال معتبرا بسيرتهما وهما فيه على ثلاث أحوال
    أحداها
    أن يكون الملك أعدل من عدوه وأحسن سيرة في رعيته فليثق الملك بعدله أنه عونه ورعيته أنهم أنصاره وليستعن على عدوه بجوره فإنه موهنه وبرعيته فإنهم خاذلوه ويكونون أعوان الملك عليه ويقدم على مقارعته فإن الرجاء في ظفره أقوى ما لم يغلب قدر فقد قيل في منثور الحكم
    العدل أقوى جيش 59 ب والأمن أهنأ عيش
    والحال الثانية
    أن يكون العدو أعدل من الملك وأحسن سيرة في رعيته فليخش على نفسه من عدل عدوه أنه عونه ومن رعيته أنهم أنصاره وليحذر جور نفسه فإنه موهنه ومن تنكر رعيته فإنهم خاذلوه ويحجم عن مقارعته فالرجاء في ظفر عدوه أقوى ما لم يغلب قدر ويدفعه بالمقاربة والحذر وقد قيل

    من أعرض عن الحذر والاحتراس وبنى أمره على غير أساس زال عنه العز واستولى عليه العجز فصار من يومه في نحس ومن غده في لبس
    والحال الثالثة
    أن يكون الملك وعدوه متكافئين في العدل والسيرة فيعتبر أمرهما بحال الزمان والأعوان فإن كان الزمان صالحا فأصلحهما أعوانا أقوى رجاء للظفر لأن صلاح زمانهم مناسب لصلاحهم فكان عونا ما لم يغلب قدر
    وإن كان الزمان فاسدا فأفسدهما أعوانا أقوى رجاء للظفر لأن فساد زمانهم مناسب لفسادهم فكان عونا لهم ما لم يغلب قدر فيكون الإقدام من الراجي والحذر من الخائف
    فإن استوى الفريقان في الصلاح والفساد اعتبر بالجد والهزل في الزمان والأعوان فإن كان زمان جد فالرجاء لأهل الجد أقوى وإن كان زمان هزل فالرجاء لأهل الهزل أقوى اعتبارا بمناسبة الزمان لأهله ما لم يغلب قدر
    فإن استوى الفريقان في الجد والهزل فالبادي بالمنافرة بارع والباغي مصروع ما لم يغلب قدر
    قيل في منثور الحكم
    من سل سيف البغي اغمده في رأسه ومن أسس أساس السوء أسسه على 60 أ نفسه
    قال الشاعر
    والبغي يصرع أهله
    والظلم مرتعه وخيم
    من الكامل
    8 مساواة الملك نفسه مع الرعية
    وينبغي للملك وإن كان بالملك مفضلا معظما وبالسلطان مطاعا مقدما أن يساوي بين نفسه ورعيته في الحق لهم وعليهم ولا يقدم شريفا على مشروف ولا يمايل فيه قويا على ضعيف ويعدل بين جمعهم في القضاء ويجري الحكم على الخاصة والعامة بالسواء فإن الله تعالى قد سوى بين عباده من غير تفضيل وماثل فيه بين العزيز والذليل
    فإذا اقتدى فيه بأمره وقام فيه بحقه وأنصف فيه من نفسه وحسم مواد الظلم وكف عوادي الغلبة وتناصف الناس إذا أنصفوا رغبا ورهبا
    وقد قيل في منثور الحكم
    من جارت قضيته ضاعت رعيته
    وسأل ملك ناسكا عن الإخلاص فقال الناسك ثلاث
    أعدل في القضية
    واقسم بالسوية
    واعدد نفسك واحدا من الرعية
    وقال الوليد بن عبد الملك لأبيه
    يا أبه ما السياسة

    قال هيبة الخاصة مع صدق محبتها واستمالة قلوب العامة بالإنصاف لها واحتمال هفوات الصنائع فإن شكرها لأقرب الأيدي لها
    ويتعهد حال الفقير منهم بالبر والصدقة ويراعي خلة الكريم منهم بالرفد والصلة فإن إحسانه إلى الفقير يشكره عليه الأغنياء فلقل شكر وقف على الشاكر إلا تعداه ولقل بر اختص بالمبرور إلا تخطاه
    كان الموبذان إذا دخل على أنو شروان يقول
    يا ملك استدم النعم بالعطف على الرعية وأهن طعامك بإشباع
    60 ب الجائع وراء بابك وأنصف الناس من نفسك وأعط الحق منك يتعاطاه الناس وراء بابك واحذر النساء ولا تفتح للسعاة طريقا
    وقيل في منثور الحكم
    بالراعي تصلح الرعية وبالعدل تملك البرية
    وينبغي للملك أن يميز أخبار رعيته فيخصهم بالإكرام والتقريب ويقمع أشرارهم بالإبعاد والتأديب ليرغبوا في منازل الأخيار ويقلعوا عن أخلاق الغاغة الأشرار فإن لم يكونوا على الخير مطبوعين صاروا به متطبعين فقد يضعف الطبع بالتطبع وإن لم يزل وتتغير الأخلاق بالتصنع وإن لم تحد فقد قيل
    ليس في الطبع أن يكون ما ليس في التطبع
    وفرق ما بينهما إن الطبع جاذب متفاعل والتطبع مجذوب مفتعل تتفق نتائجها مع التكلف ويفترق تأثيرها مع الاسترسال فيظهر الطبع ويزول التطبع
    وتعليل هذا الفرق يقتضي أن يأمن أهل الورع والسلامة خوف عقوبته اكتفاء بزواجر طباعه في الخير ويخاف أهل البذاء والزعارة بادرة سطوته ليكون الخوف زاجرا لطباعهم عن الشر فيشاكل الفريقين في طلب الخير وتوقى الشر طبعا وتطبعا فإنه مندوب إلى صلاح المهج وتقويم العوج
    قال بعض الحكماء
    انقياد الأخيار بحسن الرغبة وانقياد الأشرار بطول الرهبة
    ووقع أنوشروان إلى عماله
    تفقدوا أمور الرعية فسدوا فاقة أحرارها وامنعوا بطر أشرارها فإنما يصول الكريم إذا جاع واللئيم إذا شبع
    وقيل
    من أبطرته النعمة وقره زوالها
    قال الشاعر 61 آ
    إذا كنتم للناس في الأرض سادة
    فسوسوا كرام الناس بالحلم والبذل
    وسوسوا لئام الناس بالذل وحده

    جميعا فإن الذل يصلح للنذل
    من الطويل
    ويراعي أهل النسك والصلاح يؤدي حق الله تعالى فيهم وحق نفسه في موافقتهم يجل أقدارهم ويعظم أخطارهم لأنهم أهل الآخرة التي هي أشرف من الدنيا دارا وأعز منها جوارا ليعترف لله بحقوق أوليائه وللدين بحقوق زعمائه فإن من الديانة إعظام أهل الدين وأن يرجع إليهم في ما أمروا به ونهوا عنه
    وليصلح من دينه ما اختل ومن دنياه ما اعتل فإنهم لا يأمرون إلا بطاعة ولا ينهون إلا عن معصية
    روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال
    ( استرشدوا العاقل ترشدوا ولا تعصوه فتندموا )
    وأن يتقرب إليهم بطاعة الله في خلقه والقيام فيهم بحقه ليكونوا له حزبا وعلى أعدائه إلبا يملك بهم القلوب ويستدفع بهم الخطوب فقد قيل لرسول الله {صلى الله عليه وسلم} إن الرجل يعمل العمل لله تعالى ويحبه للناس
    فقال
    ( تلك عاجل البشرى إذا أردتم أن تعلموا ما للعبد عند الله تعالى فانظروا ما يتبعه من ثناء الناس )
    ولا ينبغي أن يتصور في قوم منهم رياء أو سمعة فيسقطه بها فيسري ذلك إلى جميعهم فإن التظاهر بالصلاح أجل من التظاهر بالطلاح وقد أعطى من الأحماد بمظاهرته شطرا واستبقى منه في الباطن شطرا وهما يتنافران كتنافر الطبع والتطبع حتى يغلب أحدهما على الآخر فتصح سريرته فيسلم أو تفتضح علانيته فيسقم فإن تدليس الرياء لا يستمر حتى ينتهي إلى غاية من صلاح أو افتضاح كالمريض الذي يفضي مرضه إلى سلامة أو عطب فقد قيل
    قيل
    من طمع أن يذهب على 61 ب الناس عيبه فقد جهل
    قال الشاعر
    ومن يبتدع ما ليس من خيم نفسه
    يدعه ويغلبه على النفس خيمها
    من الطويل
    فليعمل على الظاهر لمن تظاهر بالصلاح فليس للناس من الناس إلا ظواهرهم ويتولى الله سرائرهم
    وقد روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال
    ( الناس كأسنان المشط وإنما يتفاضلون بالعلانية )
    فليعظم حق علانيتهم وليكل ضمائرهم إلى عواقبها فيستجلي عن أحد الأمرين فقد روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال
    ( المتشبع بما لا يملك كلابس ثوبي زور )

    يعني بالمتشبع بما لا يملك المتظاهر بما ليس فيه وقوله ( كلابس ثوبي زور ) هو الذي يلبس ثياب الصلحاء ويفعل أفعال الطلحاء
    روى أبو هريرة قال
    مر النبي {صلى الله عليه وسلم} على ناس وهم جلوس فقال
    ( ألا أخبركم بخيركم من شركم )
    فسكتوا
    فقال ذلك ثلاث مرات
    فقال له رجل بلى يا رسول الله
    فقال
    ( خيركم من يرجى خيره ويؤمن شره وشركم من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره
    9 رعاية العلم ومراعاة العلماء
    وأما العلم فينبغي للملك أن يعرف فضله ويستبطن أهله لأنهم للدين أركان وللشرع أعوان والدين أس الملك ونظامه وقد قاموا فيه بحقه ونابوا عن الملك في حفظه ولولاهم لما عرف حق أمر من باطله ولا صحة حكم من فاسده فليحفظ الملك نظام ملكه بمراعاتهم وليستظهر لدينه وملكه باستبطانهم ليكون بالعلم موسوما وإليه منسوبا فإن الإنسان موسوم بسيما من قارب ومنسوب إليه أفاعيل من صاحب ولذلك قال النبي {صلى الله عليه وسلم}
    ( المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل )
    وقال {صلى الله عليه وسلم}
    ( المرء مع من أحب )
    وقالت الحكماء
    يظن بالمرء ما ظن بقرينه
    وقد يخص الملوك من هذا بما يباينون 62 آ به من سواهم لخفاء أحوالهم عن الرعية فيقضون عليهم بما علموه من أحوال بطائنهم
    فإن استبطنوا العلماء قضوا عليهم بالعلم وإن جهلوا
    وإن استبطنوا الجهال قضوا عليهم بالجهل وإن علموا
    وليصر بمكانرتهم مستظهرا وبمذاكرتهم مستبصرا وهم أنفع له في دينه ودنياه لأنهم في الدين دعاة وفي الدنيا هداة مع ما ينشر من الفساد بإهمال العلماء وترك مراعاتهم وذلك أنهم ربما بعث بعضهم قلة المادة وضعف الحال على مسامحة النفس والتبذل وارتكاب الشبهة
    فإذا وافق ذلك إعراض السلطان عنهم فتحت آثارهم عند العامة وتقاصرت رتبهم عند الخاصة فهجروا هجر الأعداء وزجروا زجر السفهاء ثم سرى ذلك في خواصهم ومتصونيهم وعم في خيارهم ومتدينيهم لأن نقص الجنس يسري فيه فذهبت بهجة العلم وبهاؤه وقل طلابه وعلماؤه وصار ذريعة إلى انقراضه ودراسته

    ثم لا يبعد أن يظهر أهل نحل مبتدعة ومذاهب مخترعة يزوقون كلامهم مموها ويزخرفون مذهبا مشوها لأن ما صح من المذاهب قد اعتقد وما سلم منها قد استقر ولذلك قال النبي {صلى الله عليه وسلم}
    ( خير الأمور عوازمها وشر الأمور محدثاتها )
    فهم لا يستحدثون إلا ما ابتدعوه ولا ينصرونه إلا بما اخترعوه
    يعدلون به عن ظاهر جلي إلى باطن خفي يجلبون به قلوب الأعوام ويعتضدون على نصرته بالغاغة الأشرار فيشعرهم أنهم أظهروا لهم الحق بعد كمونه وأوصلوهم إلى ما استأثر الله به دينه فيصيبوا إليهم الغر المختدع ويميل معهم الجاهل المتبع إلى أن يتكاثر جمعهم بخلابة كلامهم ولطف بيانهم 62 ب مع أن لكل جديد لذة ولكل مستحدث صبوة وقد قال النبي {صلى الله عليه وسلم}
    ( إن من البيان لسحرا )
    وقال
    ( إن أخوف ما أخاف على أمتي منافق عليم اللسان )
    فتصير البدع حينئذ فاشية ومذاهب الحق واهية ثم يفضي بهم الأمر إلى التحزب ويؤول إلى التعصب لأن لكل مذهب شعارا ولكل شعار أنصارا ولكل أنصار صولة ولكل صولة دولة فإذا رأوا ظهور شعارهم وكثرة أنصارهم داخلهم عزة القوة ونخوة الكثرة فتضافر جهال نساكهم وفسقة علمائهم بالميل إلى مخالفتهم
    فإذا استتب ذلك لهم رابحوا السلطان في رياسته وقبحوا عند العامة جميل سيرته فربما انفتق منه ما لا يرتتق فإن كبار الأمور تبدو صغارا وقد روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال
    ( أهلك أمتي رجلان عالم متهتك وجاهل متنسك )
    وسئل عن شرار الأشرار فقال
    ( شرار العلماء )
    وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه
    قصم ظهري رجلان ناسك جاهل يدعو إلى الجهل بنسكه وعالم فاسق يدعو إلى الفسق بعلمه
    وقد قال المنصور في عهده إلى ابنه
    وكل همومك بأمورك وتفقد الصغير بعد الكبير وخذ أهبة الأمر قبل حلوله فإن ثمرة التواني الإضاعة وكن عند رأس أمرك لا عند ذنبه فإن المستقبل لأمره سابق والمستدبر له مسبوق
    قال الشاعر
    إن للدهر صولة فاحذرنها
    لا تبيتن قد أمنت الدهورا
    شط وصل الذي تريدين مني

    وصغير الأمور يجني الكبيرا
    من الخفيف
    وهذا أمر يجب على الملك مراعاته لما فيه من حراسة الدين وحفظ المملكة
    وحسم ذلك أن يراعي العلم وأهله ويصرف إليهم حظا من عنايته 63 آ ويعتمد أهل الكفاية منهم بالتقريب والصيانة وأهل الخلة منهم بالبر والمعونة ليكون العلم به أنشر والتوفر عليه أكثر والناس له أشكر ففي ذلك بهاء الملك وإعزاز الدين وخلود الذكر
    وقد قيل
    إن من إجلال الشريعة أن يجل أهل الشريعة ليكون المعروف من شيمه والمألوف من أخلاقه أنه يكافيء المحسن بالإحسان إليه ليألف الناس الإحسان رغبة في الجزاء من غير أن يجعل لجائزته حدا ولصلته قدرا فإن ذلك أبسط للأمل فيه ولا يعرف منه في المسيء شيمة مألوفة في عفو ولا عقوبة لأن المسيء إن عرف منه العفو اجترأ وإن عرف منه العقوبة قنط وإن لم يعرف منه واحدا منهما كان على رجاء من عفوه وخوف من عقوبته فإن ذلك أبلغ في تأديبه ومصلحته
    فإن رآه للعفو أهلا عفا عنه
    قال النبي {صلى الله عليه وسلم}
    ( عفو الملك بقاء الملك )
    وإن رآه للعقوبة أهلا مستحقا عاقبه أدبا له لا غضبا عليه
    قال أنوشروان
    إني بلغت هذه الرتبة بثماني خصال
    وذلك
    أني لم أهزل في أمر ولا نهي قط
    ولم أخلف في وعد ولا وعيد قط
    ووليت للكفاية
    وأثبت للعناء لا للهوى
    وعاقبت للأدب لا للغضب
    وأودعت في قلوب الرعية شدة المحبة من غير جرأة وقوة الهيبة من غير ضغينة
    وعممت بالفوت
    وحذفت الفضول
    وهذا أصح سيرة سار بها ملك في سياسة ملكه وتهذيب دولته
    قال النعمان بن المنذر وهو ملك العرب
    تعفو الملوك عن العظيم
    من الذنوب لفضلها
    ولقد تعاقب في اليسير
    وليس ذاك لجهلها
    إلا ليعرف فضلها
    ويخاف شدة نكلها
    الكامل 63 ب
    ولا يعلن عقوبة من لم يعلن بذنبه ويجعل لذنب السر عقوبة السر ولذنب العلانية عقوبة العلانية لأن عقوبة الذنب بحسبها والمقابلة في الجزاء معتبرة لتكون أشباها لها
    ولا يعاقب بالظن حتى يستيقن الذنب فإن أكثر الظنون كاذبة

    فإن عاجل بالعقوبة وضعها في غير حق وجنى على غير مستحق فصار الذنب متوجها الله واللوم عائدا عليه
    قال الشاعر
    إذا أنت لم تبرح تظن وتقتضي
    على الظن أردتك الظنون الكواذب
    من الطويل
    وليعلم الملك أن الذم في الظلم بقدر الحمد في العدل والزهد في ولاية الظالم بقدر الرغبة في ولاية العادل
    وكل مذموم ممقوت
    وكل محمود محبوب
    والممقوت مباعد
    والمحمود مساعد
    وناهيك بطرفيهما خيرا أو شرا وبعقباهما نفعا وضرا
    وقد روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال
    ( إذا أراد الله بعبد خيرا جعل له واعظا من نفسه )
    فينبغي للملك أن يختار لنفسه الرغبة في أيامه والحمد لسيرته بتسليط العدل على ملكه وتحكيم الدين على سلطانه
    قال الشاعر
    ( وما المرء إلا حيث يجعل نفسه
    ففي صالح الأخلاق نفسك فاجعل ) من الطويل
    0 الإحسان إلى الرعية
    وليحسن إلى رعيته إحسان من يؤدي حق الله فيهم ويملك به خالصة قلوبهم فإنه إن قدر على ملكة أجسادهم بسلطانه فليس يقدر على ملكة قلوبهم إلا بإحسانه
    وقيل قلوب الرعية خزائن ملكها فإن أودعها من شيء فليعلم أنه فيها 64 آ
    وقيل
    من خاف إساءتك اعتقد مساءتك
    فإن استقامت له ظواهر رعيته وأقاموا على أحكام طاعته لم يفتش سرائرهم ولم يؤاخذهم بما يخفونه في ضمائرهم فإن ضمائر القلوب لا يؤاخذ بها إلا علام الغيوب
    ومتى تكلف ذلك كثر ارتيابه وقلت ثقته ولم يقف على صحيحه من فاسده والتمس من العناء المضاع ما هو غنى عنه واستفسد من قلوب الأعوان ما هو حذر منه وعدل عما يستصلح به السرائر من الإحسان إلى ما يستفسد الظواهر من المكاشفة
    وحكى اليزيدي أن كسرى قباذ رفع إليه رجل من أصحابه أن في بطانة الملك جماعة قد فسدت نياتهم وخبثت ضمائرهم وقد هموا بما لم يفعلوا وهم غير مأمونين على الملك فوقع
    أنا ملك الأجساد لا النيات وأحكم بالعدل لا بالرضى وأفحص عن الأعمال لا عن السرائر
    قال سليمان بن داود عليه السلام
    كما أن الوجوه لا تشبه بعضها بعضا كذلك القلوب لا يشبه بعضها بعضا

    ليكن الملك بالظلم عسوفا وبالمظلوم رؤوفا لا يغلق عن المتظلمين بابا ولا يضيق عليهم حجابا فإن في عوادي النفوس سرا لا
    يكفه إلا الحذر ولا خير في ملك لا يتناصف أهله فإن أهملوا ارتبعوا وإن خافوا ارتدعوا
    فليوقظ عزمه في تصفح المظالم وإنصاف المظلوم من الظالم ليكون آمرا بالعدل كما كان به مأمورا وزاجرا عن الظلم كما كان عنه مزجورا فإن مراعاة المظالم من قواعد السياسة 64 ب في انتظام الملك ومصالح الرعايا
    حكى أن بعض الملوك ذهب سمعه فبكى وقال
    لم أبك من ذهابه إلا لأني كنت أسمع ظلامة المتظلم فأنصفه وقد صرت لا أسمعها وأنا أعتاض عن ذلك ببصري وقد حرمت لباس الحمرة إلا على متظلم لأعلم بحاله إذا رأيت لباسه فأنصفه
    فلا خير في ملك لا ينصف الرعية ولا تنتصف به الرعية
    وسن أردشير بن بابك في ملكه وعمل به أكثر ولده من بعده أن يجلس في يوم النيروز جلوسا عاما للخاصة والعامة ليتقدم الخاصة للتهنئة ويعقبهم العامة للمظالم فإذا وصلت إليه رقاعهم جمعها وميزها فإن كان التظلم فيها من غيره نظر فيه بنفسه وأوصل المتظلم إلى حقه وإن كان التظلم منه قام مع خصمه وجثا بين يدي الموبذ وقال
    أيها الموبذ ما من ذنب أعظم عند الله من ذنب الملوك وإنما خولكها الله تعالى برعاياها لتدفع عنها الظلم وتذب عن بيضة الملك جور
    الجائرين وظلم الظالمين فإذا كانت هي الظالمة الجائرة فحق لمن دونها أن يجور ويظلم ومجلسي هذا منك وأنا عبد ذليل يشبه مجلسك من الله تعالى غدا فإن آثرت الله تعالى آثرك وإن آثرت الملك عذبك
    فيقول له الموبذ إن الله تعالى إذا أراد سعادة عباده اختار لهم خير أهل أرضه وأجرى على لسانه ما أجرى على لسانك ثم ينظر في أمره مع خصومه بالحق والعدل
    فإن صح على الملك شيء أخذه بأدائه وإلا وكل بمن ادعى عليه باطلا ونادى عليه هذا جزاء من أراد شين 65 آ الملك والمملكة والقدح فيهما بالباطل

    ثم يقوم أردشير فيحمد الله تعالى ويضع التاج على رأسه ويقول لأهل بيته وخاصته
    إني لم أبدأ بنفسي فأنصفت منها إلا لئلا يطمع أحد في حيف فمن كان قبله حق فليخرج إلى خصمه منه
    فهذه السيرة أبقى فيها للعقل وتفرد فيها بالسياسة من كان الله تعالى أمره والوعيد زاجره
    1 فعله للخير دائما
    وليكن من دأبه فعل الخير إما ابتداء من نفسه أو اقتداء بالأخيار ليكون في الخير تابعا ومتبوعا وفي العمل به حامدا ومحمودا
    فقد قيل
    الناس في الخير على أربعة أقسام
    منهم من يفعله ابتداء
    ومنهم من يفعله اقتداء
    ومنهم من يتركه حرمانا
    ومنهم من يتركه استحسانا
    فمن يفعله ابتداء فهو كريم
    ومن يفعله اقتداء فهو حكيم
    ومن يتركه حرمانا فهو شقي
    ومن يتركه استحسانا فهو ردي
    ليكن ما يخلفه الملك من جميل الذكر وحسن السيرة إماما يقتدي به
    الأخيار ومثالا يزدجر به الأشرار فيكون بالحمد مذكورا وعلى الخير مشكورا قد أرشد بعد رشاده وسدد بعد سداده فسعد بعمله حيا ومفقودا وصار بعمل غيره مأجورا ومحمودا فإن ذلك أنفس ذخائره يوم معاده وأنفع ما يخلفه لمن اقتدى به فخير الناس أنفعهم للناس
    أمده الله عز وجل بتوفيقه وتسديده وتكفل بمعونته وتأييده وكان له على الخير ظهيرا مرشدا وعلى العدل معينا مسعدا 65 ب وهو حسبنا ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
    alsaidilawyer
    alsaidilawyer
    مدير المنتدى
    مدير المنتدى


    الجنس : ذكر
    الابراج : الدلو
    عدد المساهمات : 4030
    نقاط : 81110
    السٌّمعَة : 2684
    تاريخ التسجيل : 01/03/2010
    العمر : 53
    الموقع : الجمهورية اليمنية - محافظة إب

     سياسة الملك Empty رد: سياسة الملك

    مُساهمة من طرف alsaidilawyer الخميس 19 أبريل 2012 - 21:26

    شكرا
    مشاركـة موفقــــة
    جزاك الله خيراً في دنياك وأخرتك
    ووفقك لما يحبه ويرضاه
    وأعانك على طاعته
    وجنبك معصيته
    وأسكنك
    الجنة
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


    _________________

    *******************************************

    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
    d.ahmed
    d.ahmed
    إداري
    إداري


    الجنس : ذكر
    الابراج : الحمل
    عدد المساهمات : 995
    نقاط : 20798
    السٌّمعَة : 241
    تاريخ التسجيل : 15/03/2010
    العمر : 47
    أوسمه :  سياسة الملك Ououo_12

     سياسة الملك Empty رد: سياسة الملك

    مُساهمة من طرف d.ahmed الإثنين 9 يوليو 2012 - 20:45

    شكرا
    موضوع رائع
    والأروع
    تواصلك المستمر بالمنتدى
    ومشاركاتك الدائمة
    وجزاك الله خيراً


    _________________

    *******************************************
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
    قطرالندى
    قطرالندى
    مراقب
    مراقب


    الجنس : انثى
    الابراج : السرطان
    عدد المساهمات : 161
    نقاط : 7296
    السٌّمعَة : 10
    تاريخ التسجيل : 04/09/2012
    العمر : 27

     سياسة الملك Empty رد: سياسة الملك

    مُساهمة من طرف قطرالندى الأربعاء 5 سبتمبر 2012 - 21:07

    الله يعطيك العافية على هذه المشاركة الرائعة

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس 21 نوفمبر 2024 - 13:56