منتديات فرسان المعرفة

أهلا وسهلا زائرنا الكريم ومرحبا بك في منتديات فرسان المعرفة منتديات التميز والابداع ونتمنى أن تكون زيارتك الأولى مفتاحا للعودة إليه مرة أخرى والانضمام إلى أسرة المنتدى وأن تستفيد إن كنت باحثا وتفيد غيرك إن كنت محترفا

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات فرسان المعرفة

أهلا وسهلا زائرنا الكريم ومرحبا بك في منتديات فرسان المعرفة منتديات التميز والابداع ونتمنى أن تكون زيارتك الأولى مفتاحا للعودة إليه مرة أخرى والانضمام إلى أسرة المنتدى وأن تستفيد إن كنت باحثا وتفيد غيرك إن كنت محترفا

منتديات فرسان المعرفة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات الشمول والتنوع والتميز والإبداع

قال تعالى ( يا أيها الذين أمنوا اذكروا الله كثيراً وسبحوه بكرة وأصيلا)أ
عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال(من قال صبيحة يوم الجمعة قبل صلاة الغداة , أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ثلاث مرات غفرالله ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر)
عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه كان يدعو بهذا الدعاء "اللهم! اغفر لي خطيئتي وجهلي. وإسرافي في أمري. وما أنت أعلم به مني. اللهم! اغفر لي جدي وهزلي. وخطئي وعمدي. وكل ذلك عندي. اللهم! اغفر لي ما قدمت وما أخرت. وما أسررت وما أعلنت. وما أنت أعلم به مني. أنت المقدم وأنت المؤخر. وأنت على كل شيء قدير". رواه مسلم في صحيحه برقم (2719)
عن عقبة بن عامر رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ويصلي ركعتين يقبل بقلبه ووجهه عليهما إلا وجبت له الجنة)رواه مسلم وأبو داود وابن ماجة وابن خزيمة في صحيحة
عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "اللهم! أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري. وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي. وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي. واجعل الحياة زيادة لي في كل خير. واجعل الموت راحة لي من كل شر". رواه مسلم في صحيحه برقم (2720)
عن أبي الأحوص، عن عبدالله رضى الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه كان يقول "اللهم! إني أسألك الهدى والتقى، والعفاف والغنى". رواه مسلم في صحيحه برقم(2721)
عن زيد بن أرقم رضى الله عنه. قال: لا أقول لكم إلا كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كان يقول "اللهم! إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والهرم وعذاب القبر. اللهم! آت نفسي تقواها. وزكها أنت خير من زكاها. أنت وليها ومولاها. اللهم! إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها". رواه مسلم في صحيحه برقم(2722)
عن عبدالله رضى الله عنه قال: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا أمسى قال "أمسينا وأمسى الملك لله. والحمد لله. لا إله إلا الله وحده لا شريك له". قال: أراه قال فيهن "له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. رب! أسألك خير ما في هذه الليلة وخير ما بعدها. وأعوذ بك من شر ما في هذه الليلة وشر ما بعدها. رب! أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر. رب! أعوذ بك من عذاب في النار وعذاب في القبر". وإذا أصبح قال ذلك أيضا "أصبحنا وأصبح الملك لله". رواه مسلم في صحيحه برقم(2723)
عن عبدالرحمن بن يزيد، عن عبدالله رضى الله عنه . قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمسى قال "أمسينا وأمسى الملك لله. والحمد لله. لا إله إلا الله وحده. لا شريك له. اللهم! إني أسألك من خير هذه الليلة وخير ما فيها. وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها. اللهم! إني أعوذ بك من الكسل والهرم وسوء الكبر. وفتنة الدنيا وعذاب القبر". رواه مسلم في صحيحه برقم(2723)
عن أبي موسى رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره مثل الحي والميت) رواه البخاري.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله, ورجل قلبه معلق بالمساجد إذا خرج منه حتى يعود إليه, ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه, ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه, ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله , ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه) متفق عليه
عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ) روه الشيخان والترمذي.
عن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(الطهور شطر الإيمان والحمدلله تملأ الميزان وسبحان الله والحمدلله تملأ أو تملآن ما بين السماء والأرض والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه أو موبقها) رواه مسلم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم(من قال سبحان الله وبحمده في يومه مائة مرة حُطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر)رواه البخاري ومسلم.
عن أبي سعيد رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( استكثروا من الباقيات الصالحات ) قيل وما هن يارسول الله؟ قال ( التكبير والتهليل والتسبيح والحمدلله ولا حول ولاقوة إلابالله ) رواه النسائي والحاكم وقال صحيح الاسناد.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أحب الكلام إلى الله أربع- لا يضرك بأيهن بدأت: سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر ). رواه مسلم

5 مشترك

    أخلاق الملك

    أريج الورد
    أريج الورد
    مشرف
    مشرف


    الجنس : انثى
    الابراج : الحمل
    عدد المساهمات : 66
    نقاط : 5090
    السٌّمعَة : 12
    تاريخ التسجيل : 24/02/2012
    العمر : 27
    الموقع : الوطن العربي
    المزاج المزاج : اجتماعية

     أخلاق الملك Empty أخلاق الملك

    مُساهمة من طرف أريج الورد الأربعاء 18 أبريل 2012 - 13:38

    أخلاق الملك

    من كتاب
    تسهيل النظر وتعجيل الظفر في أخلاق الملك
    أبو الحسن علي بن محمد الماوردي


    تمهيد
    الأخلاق غرائز كامنة تظهر بالاختيار وتقهر بالاضطرار
    وللنفس أخلاق تحدث عنها بالطبع ولها أفعال تصدر عنها بالإرادة فهما ضربان لا تنفك النفس منهما
    أخلاق الذات
    وأفعال الإرادة
    الفصل الأول
    أخلاق الذات
    فأما أخلاق الذات فهي من نفائج الفطرة وسميت أخلاقا لأنها تصير كالخلقة والإنسان مطبوع على أخلاق قل ما حمد جميعها أو ذم سائرها وإنما الغالب أن بعضها محمود وبعضها مذموم لاختلاف ما امتزج من غرائزه ومضادة ما تنافر من نحائزه فتعذر لهذا التعليل أن يستكمل فضائل الأخلاق طبعا وغريزة ولزم لأجله أن تتخللها رذائل الأخلاق طبعا وغريزة فصارت الأخلاق غير منفكة في جبلة الطبع وغريزة الفطرة من فضائل محمودة ورذائل مذمومة كما قال الشاعر
    وما هذه الأخلاق إلا طبائع
    فمنهن محمود ومنها مذمم
    من الطويل
    قال بعض الحكماء
    لكل خلق من الفضل رقيب من الدناءة لا يمتنع منه إلا مؤثر للفضل على ما سواه
    من هو الفاضل
    وإذا استقرت هذه الأخلاق على هذه القاعدة فالفاضل من غلبت فضائله رذائله فقدر بوفور الفضائل على قهر الرذائل فسلم من شين النقص وسعد بفضيلة التخصيص ولذلك قال علي عليه السلام أول ما تبتدئون به من جهادكم جهاد أنفسكم
    وهذا واضح لأن صلاح النفس يصلح ما عداها فكانت أحق بالتقديم 2 ب وأولى بالتقويم
    إلى أي شيء تعود الأخلاق
    واختلف في الأخلاق هل هي عائدة إلى الفضائل والرذائل أو إلى النفس التي تصدر عنها الفضائل والرذائل لظهور الأخلاق بهما
    وذهب بعضهم إلى أنها عائدة إلى الذات التي حدوث النفس عنها
    لأي شيء تراد فضائل الذات
    واختلفوا في فضائل الذات هل تراد لذواتها أو للسعادة الحادثة عنها
    فذهب بعض الحكماء إلى أن المراد بالفضائل ذواتها لأنها المكسبة للسعادة
    وذهب بعضهم إلى أن المراد بها السعادة الحادثة عنها لأنها الغاية المقصودة بها
    إلى أي شيء تتوجه السعادة
    واختلفوا في السعادة هل تتوجه إلى الفضائل المحمودة أو إلى ما يحدث عن الفضائل من الحمد
    فذهب بعض الحكماء إلى توجه السعادة إلى الفضائل المحمودة لأنها نتيجة أفعاله
    وذهب بعضهم إلى توجه السعادة إلى ما يحدث عن الفضائل من الحمد لأنها ثمرة فضائله
    وجوب اهتمام ذي الإمرة بمراعاة أخلاقه

    فحق على ذي الأمرة والسلطان أن يهتم بمراعاة أخلاقه وإصلاح شيمه لأنها آلة سلطانه وأس إمرته وليس يمكن صلاح جميعها بالتسليم إلى الطبيعة والتفويض إلى النحيزة إلا أن يرتاض لها بالتقويم والتهذيب رياضة تهذيب وتدريج وتأديب فيستقيم له الجميع بعضها خلق مطبوع وبعضها خلق مصنوع لأن الخلق طبع وغريزة والتخلق تطبع وتكلف كما قال الشاعر
    يا أيها المتحلي غير شيمته
    ومن سجيته الإكثار والملق
    عليك بالقصد فيما أنت فاعله
    إن التخلق يأتي دونه الخلق
    قال بعض الحكماء ليس شيء عولج إلا نفع وإن كان ضارا ولا شيء أهمل إلا ضر وإن كان نافعا
    أنواع الأخلاق
    فتصير الأخلاق نوعين
    غريزية طبع عليها
    ومكتسبة تطبع لها
    والملوك 3 آ بالفضائل الغريزية أخص بها من العامة لأنها فيهم أوفر وعليهم أظهر لما خصوا به من كرم المنشأ وعلو الهمة
    والعامة بالفضائل المكتسبة أخص من الملوك لأنهم إلى التماسها أسرع ولكلالها أطوع لكثرة فراغهم لها وتوفرهم عليها إما لرغبة في جدواها وإما لرغبة في عدواها
    وهذان المعنيان في الملوك معدومان إلا من شرفت نفسه فمال إليها لعلو همته وتوفر عليها لكرم طبعه لأنه لا يعرى من فضل مكتسب ولا يخلو من فعل مستصوب ليتفرد بفضائل النفس كما تفرد بعز السلطان والأمر فيصير بتدبير سلطانه أخبر وعلى سياسة رعيته أقدر والحمد يستحق على الفضائل المكتسبة لأنها مستفادة بفعله ولا يستحق على الفضائل المطبوعة فيه وإن حمدت لجودها بغير فعله
    تفاضل الأخلاق
    واختلف في أفضلهما ذاتا
    ففضل بعض الحكماء أخلاق الطبع الغريزي على أخلاق التطبع المكتسب لقوة الغريزي وضعف المكتسب
    وفضل آخرون أخلاق التطبع المكتسب على أخلاق الطبع الغريزي لأنها قاهرة لأضدادها بالانتقال إلى ما ضادها
    وقال آخرون كل واحد منهما محتاج إلى الآخر لأن الأخلاق لا تنفك منهما بمنزلة الروح والجسد

    وكما لا يظهر أعمال الروح إلا الجسد ولا ينهض الجسد إلا بحركة الروح كذلك الغريزة والاكتساب متقابلان في الفعل ومتشاركان في الفضل فتساويا في الطبع والغريزة كما قال البحتري
    ولست أعتد للفتى حسبا
    حتى يرى في فعاله حسبه
    من المنسرح
    وفرق بعض أهل اللغة بينهما في الاسم فقال
    الطبع هو الختم والتطبع هو الخلق

    الفصل الثاني
    أوائل الفضائل وأواخرها
    مبادئ الفضائل
    وللفضائل مبادئ هي أوائل وأواخر
    وأول الفضائل العقل
    وآخرها العدل
    لأن العقل أصل الفضائل بحدوثها عنه وتدبيرها به فلذلك كان أولها
    والعدل نتيجة الفضائل لأنها مقدرة به فلذلك صار آخرها
    وهما قرينان مؤتلفان وما ائتلف أمران إلا كان أحدهما محتاجا إلى الآخر اضطرارا وما سواهما من الفضائل واسطة بين العقل والعدل يختص العقل بتدبيرها والعدل بتقديرها فيكون العقل مدبرا والعدل مقدرا وليس تنفك الفضائل بواحد منهما وإنما تنفك بالنفس المطيقة لهما فإن كانت النفس زكية صافية تهيأت للفضائل فعملت بها
    وإن كانت خبيثة تهيأت
    للرذائل فعدلت إليها وصار ما وافقها منهما سهلا عليها في سرعة انفعاله بحكم المناسبة وما خالفها صعبا عليها في تأخر انفعاله بحكم المنافرة
    لأن موافقة الأشكال مركوزة في الطباع كما قيل
    المودة مشاكلة طبيعية في أنواع شخصية يماثل بعضها بعضا من حيث يعلم ومن حيث لا يعلم
    قال بعض الحكماء المتقدمين
    إن قواعد الأخلاق الفاضلة أربع يتفرع عنها ما عداها من الفضائل وهي التمييز والنجدة والعفة والعدل ويتفرع عن أضدادها الكثير من الرذائل
    أوائل الرذائل وأواخرها
    وللرذائل مبادئ هي أوائل وغايات هي أواخر
    فأول الرذائل الحمق
    وآخرها الجهل
    وفي الفرق بينهما وجهان
    أحدهما أن الأحمق هو الذي يتصور الممتنع بصورة الممكن والجاهل هو الذي لا يعرف الممتنع من الممكن
    والوجه الثاني أن الأحمق هو الذي يعرف الصواب ولا يعمل به والجاهل هو الذي 4 آ لا يعرف الصواب ولو عرفه لعمل به

    وقد روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال( الأحمق أبغض خلق الله إليه إذ حرمه أعز الأشياء إليه وهو العقل )
    والعرب تقول الأحمق مأخوذ من حمقة السوق إذا نقصت وكأنه إشارة إلى ذهاب عقله
    وللجاهل حالتان
    الحال الأولى أن يجهل ويعلم أنه يجهل
    وهذا يجوز أن يسترشد فيعلم ما جهل إن أمد بحمية باعثة وأعين بنفس قابلة كما قيل
    لولا الخطأ ما أشرق نور الصواب
    قال الشاعر
    إذا صح حس المرء صح قياسه
    وليس يصح العقل من فاسد الحس
    من الطويل
    والحال الثانية أن يجهل ويجهل أنه يجهل
    فهو أسوأهما حالا وأقبحهما خصالا لأنه إذا جهل جهله صار جهلين متشاكلين في الصور مختلفين في الأثر
    أحدهما سالب لهدايته
    والآخر جالب لغوايته
    فطاح بالأول في سكراته
    ومرح بالآخر في هفواته
    فلم يختر له فاقه
    ولم ترج له إفاقة
    وقد قال جالينوس
    الجهل بالجهل جهل مركب
    لأن أجهل وأعلم أنني أجهل أحب إلي من أن أجهل وأجهل أنني أجهل
    قال سليمان بن داود عليه السلام
    النائحة على الميت سبعة أيام وعلى الجاهل كل أيام حياته والموت خير من الحياة الردية
    وقيل في منثور الحكم
    الجاهل وإن توفرت عليه الأيام فكأنه ابن يومه وتلاد ساعته
    وقال بعض العرب
    لو صور العقل لاظلمت معه الشمس ولو صور الجهل لأضاء معه الليل
    قال الشاعر
    للعقل ما خلق الإنسان فالتمسن
    بالعقل حظك لا بالجهل والرتب
    لا يلبث الجهل أن يجني لصاحبه
    ذما ويذهب عنه بهجة الحسب
    من البسيط
    ما هي الفضائل
    والفضائل توسط محمود بين رذيلتين مذمومتين من نقصان يكون تقصيرا أو زيادة تكون سرفا فيكون فساد كل فضيلة من طرفيها
    فالعقل واسطة بين الدهاء والغباء
    والحكمة واسطة بين الشر والجهالة
    والسخاء واسطة بين التقتير والتبذير
    والشجاعة واسطة بين الجبن والتهور
    والحياء واسطة بين القحة والحصر
    والوقار واسطة بين الهزء والسخافة
    والسكينة واسطة بين السخط وضعف الغضب
    والحلم واسطة بين إفراط الغضب ومهانة النفس
    والعفة واسطة بين الشره وضعف الشهوة

    والغيرة واسطة بين الحسد وسوء العادة
    والظرف واسطة بين الخلاعة والفدامة
    والمودة واسطة بين الخلابة وحسن الخلق
    والتواضع واسطة بين الكبر ودناءة النفس
    تركيب الفضائل مع غيرها
    وقد يحدث من تركيب فضائل مع غيرها من الفضائل فضائل أخر
    فيحدث من تركيب العقل مع الشجاعة الصبر في الملمات والوفاء بالإيعاد
    وعن تركيب العقل مع السخاء إنجاز المواعيد والإسعاد بالجاه
    وعن تركيب العقل مع العفة النزاهة والرغبة عن المسألة
    وعن تركيب الشجاعة مع السخاء الإملاق والأخلاق
    وعن تركيب الشجاعة مع القوة إنكار الفواحش والغيرة على الحرم
    وعن تركيب السخاء مع العفة الإسعاف بالقوت والإيثار على النفس
    نتائج كثير من الأخلاق تؤول إلى رذائل
    ولكثير من الأخلاق نتائج تؤول إلى رذائل
    حكي عن علي عليه السلام أنه قال
    أعجب ما في الإنسان نفسه وما فيها من التضاد ما أذكره
    إن سنح لها الرجاء أذلها الطمع
    وإن أهاجها الطمع أهلكها الحرص
    وإن ملكها اليأس قتلها الأسف
    وإن عرض لها الغضب اشتد بها الغيظ
    وإن أسعدها الرضا أنسيت التحفظ
    وإن نالها خوف شغلها الحذر
    وإن اتسع لها الأمن استلبتها العزة
    وإن جددت لها نعمة أحدثت لها مرحا
    وإن أصابتها مصيبة فضحها الجزع
    وإن نالت مالا أطغاها الغي
    وإن أفرط عليها الشبع كظتها البطنة
    فكل تقصير بها مضر
    وكل إفراط لها مفسدة وقال غيره
    الإفراط في التواضع مذلة
    والإفراط في التكبر يستحر البغضة
    والإفراط في الحذر يدعو إلى إيهام الخلق
    والإفراط في الأنس يكسب قرناء السوء
    والإفراط في الإنقاص يوحش ذوي النصيحة
    قال ابن المعتز
    لو ميزت الأشياء لكان الكذب مع الجبن والصدق مع الشجاعة والراحة مع اليأس والذل مع الطمع والحرمان مع الحرص
    أقسام الخلق الذاتي
    وقد ينقسم قسمين
    أحدهما ما أوجب ثناء المخلوقين
    وهو ما عدا نفعه عليهم
    والثاني ما اقتضى ثناء الخالق
    وهو ما قصد به وجه الله تعالى
    روى جعفر بن محمد قال

    ناجى الله بعض أنبيائه فقال يا رب أي خلقك أحب إليك
    قال أكثرهم لي ذكرا
    قال يا رب فأي خلقك أصبر
    قال أكظمهم للغيظ
    قال يا رب فأي خلقك أعدل
    قال من أدان نفسه
    قال يا رب فأي خلقك أغنى
    قال أقنعهم برزقه
    قال يا رب فأي خلقك أسعد
    قال من آثر أمري على هواه
    قال يا رب فأي خلقك أشقى
    قال من لم تنفعه الموعظة

    فهذا ما تعلق بأخلاق الذات
    أريج الورد
    أريج الورد
    مشرف
    مشرف


    الجنس : انثى
    الابراج : الحمل
    عدد المساهمات : 66
    نقاط : 5090
    السٌّمعَة : 12
    تاريخ التسجيل : 24/02/2012
    العمر : 27
    الموقع : الوطن العربي
    المزاج المزاج : اجتماعية

     أخلاق الملك Empty رد: أخلاق الملك

    مُساهمة من طرف أريج الورد الأربعاء 18 أبريل 2012 - 13:39

    الفصل الثالث
    أفعال الإرادة
    أسبابها
    وأما أفعال الإرادة فتصدر عن أسباب باعثة عليها داعية إليها وهي
    العقل
    والرأي
    والهوى
    فأما الارادة فليست حادثة إلا عن أحدها
    وأما العقل والرأي فمؤتلفان وهما علة الفضائل
    الفرق بين العقل والرأي
    وفي الفرق بينهما وجهان
    أحدهما أن العقل ما تيقن به الصواب من الخطأ والرأي غلبة الظن في ترجيح الصواب على الخطأ
    والوجه الثاني أن العقل هو الموجب لأمر لا يجوز خلافه والرأي هو سكون النفس إلى ترجيح أمر يجوز خلافه
    ثم يتفقان في النعت والصفة ويختلفان في العلة والنتيجة
    فالعقل لازم لمحله ومستقل بحكمه والرأي معترض يستمد العقل ويستضيء بنوره ولذلك قيل
    ظن العاقل أصدق من يقين الجاهل
    وقال علماء العرب
    سمي العقل عقلا لأنه يعقل صاحبه عن القبائح
    وكان المأمون ينشد كثيرا قول الشاعر
    يعد عظيم الناس من كان عاقلا
    وإن لم يكن في قومه بحسيب
    وإن حل أرضا عاش فيها بعقله
    وما عاقل في بلدة بغريب
    من الطويل
    ولئن كان العقل مستقلا ببصيرته فقد يزداد بالتجارب تيقظا وبممارسة الأمور تحفظا فلا يلتبس عليه حزم ولا ينتقص عليه عزم
    وقيل
    كل شيء يحتاج إلى العقل والعقل يحتاج إلى التجارب
    وقد قيل
    استر عورة الحداثة بدراية كتب المتقدمين
    واستعن على إدراك الأحوط بحفظ آثار الماضين
    قال بعض الحكماء
    من لم تلقح رأيه التجارب عقمت همته
    فنظمه بعض الشعراء
    من لم تلقحه نوائب دهره
    وحوادث الأيام فهو عقيم
    من الكامل
    الهوى
    6 آ وليجهدن أن لا يجعل لنفسه في الهوى نصيبا
    وقد قيل
    من أذل هواه عز
    وقال بعض الحكماء

    لنعم أخو التقوى فتى طاهر الحجى
    خميص من الفحشاء عف المسالك
    فتى ملك اللذات أن يعتبدنه
    وما كل ذي لب لهن بمالك
    من الطويل
    وقال آخر
    وألتذ ما أهواه والموت دونه
    كشارب سم في إناء مفضض
    فتوشك أمراضي تؤوب بمرضة
    تفرق ما بيني وبين ممرضي
    من الطويل


    الفصل الرابع
    الكرم والمروءة
    بين الكرم والمروءة
    فأما الكرم والمروءة فهما قرينان في الفضل ومتشاكلان في العقل
    والفرق بينهما مع التشاكل من وجهين
    أحدهما أن الكرم مراعاة الأحوال أن يكون على أنفعها وأفضلها
    والمروءة مراعاة الأحوال أن يكون على أحسنها واجملها
    والوجه الثاني أن الكرم ما تعدى نفعه إلى غير فاعله والمروءة قد تقف على فاعلها ولا تتعدى إلى غيره
    فإن استعملها في غيره ما زجت الكرم ولم ينفرد بالمروءة وصار بالاجتماع أفضل وإن افترقا كان الكرم أفضل لتعدي نفعه وتعدي النفع أفضل
    وليس واحد من الكرم والمروءة خلقا مفردا ولكنه يشتمل على أخلاق يصير مجموعها كرما ومروءة
    المروءة
    روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال
    ( من عامل الناس فلم يظلمهم وحدثهم فلم يكذبهم ووعدهم فلم يخلفهم فهو ممن كملت مروءته وظهرت عدالته ووجبت أخوته )
    قال بعض البلغاء 6 ب
    من شرائط المروءة أن تعف عن الحرام وتتصلف عن الآثام وتنصف في الحكم وتكف عن الظلم ولا تطمع في ما لا تستحق ولا تستطيل على من لا تسترق ولا تعين قويا على ضعيف ولا تؤثر دنيا على شريف ولا تسر ما يعقب الوزر والإثم ولا تفعل ما يقبح الذكر والاسم
    قال سليمان بن عبد الملك لأبي حازم
    أي عباد الله أكرم
    قال أولو المروءة والنهي الذين نهوا النفس عن الهوى ولم يقولوا لعل وعسى
    قال أنوشروان لابنه
    من الكامل المروءة
    قال من حصن دينه ووصل رحمه وأكرم إخوانه
    وفي اشتقاق اسم المروءة من كلام العرب ما يدل على فضيلتها عندهم وعظم خطرها في نفوسهم ففيه وجهان
    أحدهما مشتقة من المروءة والإنسان فكأنها مأخوذة من الإنسانية

    والوجه الثاني أنها مشتقة من المريء وهو ما استمرأه الإنسان من الطعام لما فيه من صلاح الجسد فأخذت منه المروءة لما فيها من صلاح النفس
    انقسام الفضائل مع الكرم والمروءة
    فكل كرم ومروءة فضيلة وليس كل فضيلة كرما ومروءة بل تنقسم الفضائل مع الكرم والمروءة إلى أربعة أقسام
    القسم الأول ما يدخل من الفضائل في الكرم والمروءة كالعفو والعفة والأمانة
    والقسم الثاني ما يدخل في الكرم ولا يدخل في المروءة كالحمد والرحمة والحمية والبذل والمساعدة
    والقسم الثالث ما يدخل في المروءة ولا يدخل في الكرم كعلو الهمة وحسن المعاشرة ومراعاة المنازل والملابس 7 آ
    والقسم الرابع ما لا يدخل في الكرم ولا المروءة كالشجاعة والصبر على الشدة
    فاجتمع الكرم والمروءة في بعض الفضائل وافترقا في بعضها فصار الكرم أعم من المروءة في بعض الفضائل والمروءة أعم من الكرم في بعض الفضائل فلم يتعين عموم أحدهما وخصوص الآخر وإن تناسب ما ميز به احدهما
    الفصل الخامس السجايا والأخلاق
    هذا ما استقرت عليه قواعد الأخلاق
    الفرق بين السجايا والأخلاق
    أما السجايا فقد اختلف في الفرق بينها وبين الأخلاق على وجهين
    أحدهما أن السجايا ما لم يظهر الطبائع والأخلاق ما أظهرتها فكانت قبل ظهورها سجايا وصارت بعد ظهورها أخلاقا
    والوجه الثاني أن السجايا ما لم يتغير لطبع ولا تطبع والأخلاق ما يجوز أن يتغير بطبع وتطبع
    وزعم بعض علماء الطب أن السجايا والأخلاق تابعة لمزاج البدن في أحوال الطباعة بالزيادة والنقصان تزيد بزيادتها وتنقص بنقصانها فزعموا أن الغضب يسرع بكثرة المرة الصفراء ويضعف بقلتها وتكثر الحرارة والقحة والشجاعة مع وفور الدم وتقل لقلته ويكثر الخبث والدهاء والمكر لغلبة المرة ويقل إن قلت ويكثر الحلم والاناة لغلبة البلغم ويقل إن قل فاذا اعتدلت فيه هذه الأمزجة اعتدلت أخلاقه فكانت فضائل وإن تجاوزت الاعتدال إلى زيادة أو نقصان خرجت عن الفضائل إلى الرذائل في الزيادة والنقصان
    والذي عليه المتدينون أن الله تعالى ركبها في النفوس وطبعها في الفطر 7 ب بحسب إرادته على ما قدره من أحوال عباده وجعل اختلاف الأخلاق كاختلاف الخلق والصور التي لها علة غير إرادية
    وأما الشيم فكالسجايا في قول الأكثرين وكالأخلاق في قول الأقلين
    والفرق بين الغرائز والنحائز أن الغرائز ما امتزج بالطبع والنحائز ما ظهر بالقوة
    أحوال الإنسان في أخلاقه
    فإذا وضح ما ذكرناه من أحوال الأخلاق من صلاح وفساد وحمد وذم فليس يخلو الإنسان من إحدى ست أحوال
    إحداهن أن تكون أخلاقه كلها صالحة في الأحوال كلها فهي النفس الزاكية وصلاحها هو الخير التام وصاحبها هو السيد بالاستحقاق فيحفظ صلاح أخلاقه كما يحفظ صلاح جسده ولا يغفل عن مراعاتها ثقة بصلاحها فإن الهوى مراصد والمهمل معرض للفساد
    قال بعض الحكماء
    النفس عروف عزوف ونفور ألوف متى ردعتها ارتدعت ومتى حملتها حملت وإن أهملتها فسدت
    قال علي بن عبيدة الريحاني
    إن من شأن النفس أنها كلما أعطيت رخصة في الغفلة والنسيان ازدادت أكثر مما أعطيت وردها قبل العادة أهون من ردها بعد الحاجة
    ولذلك قالت العرب في أمثالها
    لو نهيت الأولى لانتهت الأخرى
    قال عمر بن عبد العزيز لمولاه مزاحم
    إن الولاة جعلوا العيون على العوام وأنا أجعلك عينا على نفسي فإن سمعت كلمة وبخني عليها وفعالا لا تحبه مني فعظني عنده
    والاستظهار بمثل 8 آ هذه الأحتياط
    قال بعض الحكماء
    إن للناس أفهاما يحفظون عليك أفهامك فربما ذكروك ما قد أنسيت وأتاك عنهم ما قد سقط عن علمك فعلى حسب ذلك فليكن حذرك من ذمهم وقهرك لهم بصيانة نفسك عندهم
    والحال الثانية

    أن تكون أخلاقه كلها فاسدة في الأحوال كلها فهي النفس الخبيثة وفسادها هو الشر التام وصاحبها هو الشقي بالاستحقاق فيعالج فساد نفسه كعلاج مرض جسده وهو أصعب أحوالها علاجا وأبطؤها صلاحا لأنها تنتقل إلى ضد بغير ضد وترد عن طبع بغير طبع
    قال بعض الحكماء
    لا مرض أوجع من قلة العقل
    ولأن يداوي المرء عقله من الجهل أحرى به أن يداوي بدنه من المرض فتلين بشماسها وتتدرج في مراسها لينقلها بالتدريج عن أحوال متقاربة إلى غاية متناهية
    فرائض الفيل الوحشي يقوده بالتدريج إلى ضد طباعه قال الشاعر
    والنفس راغبة إذا رغبتها
    وإذا ترد إلى قليل تقنع
    من الكامل فيحكم العقل عليها فكفى به مدبرا ناصحا وسفيرا مصلحا كما قيل
    القلوب خواطر بالهوى
    والعقول تزجر وتنهى
    وفي التجارب علم مستفاد والاعتبار يفيدك الرشاد وكفاك أدبا ما تكره من غيرك فعظ نفسك بالعبرة
    وقيل لبعض الحكماء متى بدأت بطلب الشرف والفضل فقال منذ الوقت الذي بدأت فيه بمعاتبة نفسي على ما أنا فيه من القبائح
    والحال الثالثة
    أن تكون أخلاقه صالحة في كل الأحوال فتنقلب كلها إلى الفساد 8 ب في كل الأحوال فهو المستعاذ به من الحور بعد الكور
    وليس تكون إلا عن أسباب ناقلة لا تنفك فيها من أحد ثلاثة أمور إما من سوء منشأ
    وإما من غلبة شهوة
    وإما من إهمال وقلة تحفظ
    فيعالجه بالضد من سببه فان في صلاح الطبع عونا على فساد الاكتساب ولن يستصعب انقياد طبع طرأ عليه عارض
    قال الشاعر
    وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى
    فإن أعطيت تاقت وإلا تسلت
    من الطويل
    ولئن تغير الطبع بالإهمال فهو إلى أصله أبرع وإذا أنقصته الحمية كان إلى الاستقامة أسرع
    قال بزرجمهر
    من طباع النفس استدامة المعاذير لصاحبها فيما مضى والوجالة فيما بقى
    فليعلم العاقل أنها إن سهلت له العذر في قبيح أتاه أنه قد اكتسب في قبوله فيها مثله
    قال الشاعر
    وإن امرءا لا ينتهي عن غواية
    إذا ما اشتهتها نفسه لجهول
    من الطويل
    والحال الرابعة

    أن تكون كل أخلاقه فاسدة في كل الأحوال فتنقلب إلى الصلاح في كل الأحوال فما ذاك إلا لداع غلب على الطبع فاجتذبه وقوي عليه حتى قلبه فيراعي حفظ أسبابه وتقوية مواده ولا يغفله فيجذبه الطبع كما اجتذبه فإن نوازع الطباع أجذب وهي إلى ما ناسبها أقرب وقليل لفساد صلح أن يكون محفوظ الصلاح
    قال بعض الحكماء
    كل متأدب من غيره متى لم يدم عليه الأدب اختل ما يستفيد منه ورجع 9 آ إلى طبعه
    وملاك صلاحها أن تكاثر من وافقه في الصلاح وتجانب من خالفه فيه فإن للصحبة تأثيرا في اكتساب الأخلاق واجتذاب الوفاق لقصور الطرف عليها وسكون النفس إليها ولذلك قال النبي {صلى الله عليه وسلم}
    ( المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل )
    وقال عبد الله بن طاهر
    إن لكل شيء حياة وموتا فمما يحيي اللب محادثة الألباء ويحيي الود محادثة الأوداء ويحي العز مضافرة الأعزاء ويحي الذل مظاهرة الأذلاء ويحي الشجاعة مصاحبة الشجعاء ويحي الكرم مواصلة الكرماء ويحيي الحياء مكاثرة أهل الحياء ويحيي اللؤم معاشرة اللئام
    قال بعض البلغاء
    صلاح الشيم بمعاشرة الكرام وفسادها بمخالطة اللئام
    والحال الخامسة
    أن تكون بعض أخلاقه صالحة في كل الأحوال وبعضها فاسدة فقد أعطته نفسه من صلاحها شطرا ومنحته من فسادها شطرا وهما فيه متنافران
    وفيما أعطت عون على ما منعت إن روعيت وفيما منعت فساد لما أعطت إن أهملت
    وقد قال علي بن عبيدة من كانت فيه خصلة حسنة فليواظب عليها فإن لها دولة تعود إليها ما أدبر عنها فليستعن بشطر صلاحها على شطر
    فسادها فإن كل واحد منهما مجذوب والقوة لما احد وأعين فامدد صرحها بإرشادك وأعنه باجتهادك فلن يبقى لفسادها مع التظاهر عليه لبس وهو بالضد إن انعكس
    حكي عن علي رضي الله عنه أنه قال

    إذا رأيتم في الإنسان خلة من الشر رابعة فاجتنبوه وإن 9 ب كانت عند الناس خيرا فلها أخوات ونظائر وإذا رأيتم في الإنسان خلة من الخير رابعة فلا تجتنبوه وإن كان عند الناس رجل سوء فلها عنده نظائر وأخوات
    والحال السادسة
    أن تكون كل أخلاقه صالحة في بعض الأوقات وبعضها فاسدة في بعض الأوقات فقد ترددت النفس بينهما وتوطأت لهما والفساد داخل عليها وليس منها والعقل مساعد والهوى معتد وكل واحد منهما جاذب للنفس وهي تنقاد إلى ما وافقها فإن توفرت فضائلها انقادت للعقل في صلاح الأخلاق وإن توافرت رذائلها مايلت الهوى في فساد الأخلاق لأن العقل علم روحاني يقود إلى الخير والشهوة خلق بهيمي يقود إلى الشر فأطلق عنان النفس إذا انقادت للعقل واقبضه إذا ما يلت الهوى تجدها على الصلاح مساعدة وللفساد معاندة فحسبك بها للعقل عونا وظهيرا
    قال الرشيد
    قبح الله المرء لا واعظ له من عقله ولا مطيع له من نفسه
    مر أبو نواس بأبي العتاهية فوعظه فقال أبو نواس
    لن تقلع الأنفس عن غيها
    ما لم يكن منها لها واعظ
    من السريع
    فقال أبو العتاهية وددت أني قلتها بجميع شعري
    وقيل بل النفس خلية الذات من الفضائل والرذائل وإنما هي آلة لهما يتجاذبها العقل والهوى فإن غلبها العقل استعملها في الفضائل وإن غلبها الهوى استعملها في الرذائل
    وقال علي بن عبيدة
    العقل والهوى ضدان فمؤيد العقل التوفيق وقرين الهوى الخذلان والنفس بينهما فأيهما ظفر كانت في حيزه
    وقال وهب بن منبه
    إن العقل والهوى يصطرعان في القلب فأيهما صرع صاحبه 10 آ كانت الغلبة له
    وقد نظم ابن الرومي في النفس شعرا خالف فيه الوجهين فقال
    كن مثل نفسك في السمو إلى العلى
    لا مثل طينة جسمك الغدار
    فالنفس تسمو نحو علو مليكها
    والجسم نحو السفل هاو هار
    فأعن أحقهما بعونك واقتسر
    طبع السفال بطبعك السوار
    والنفس خيرك إنها علوية
    والجسم شرك ليس فيه تمار
    فانفذ لخيرك لا لشرك واتبع
    أولاهما بالقادر الغفار

    فالأرض في أفعالها مضطرة
    والحي فيه فضيلة المختار
    فإذا جريت على طباعك مثلها
    فكأن طبعك بعد من فخار
    من الكامل

    أريج الورد
    أريج الورد
    مشرف
    مشرف


    الجنس : انثى
    الابراج : الحمل
    عدد المساهمات : 66
    نقاط : 5090
    السٌّمعَة : 12
    تاريخ التسجيل : 24/02/2012
    العمر : 27
    الموقع : الوطن العربي
    المزاج المزاج : اجتماعية

     أخلاق الملك Empty رد: أخلاق الملك

    مُساهمة من طرف أريج الورد الأربعاء 18 أبريل 2012 - 13:41

    الفصل السادس
    الأفعال الشريقة بالأخلاق الشريفة

    شريف الأفعال وشريف الأخلاق
    فإذا وضح ما استقرت عليه قواعد الأخلاق من محمود الفضائل ومذموم الرذائل فشريف الأفعال لا يتصرف فيه إلا بشريف الأخلاق سواء كان طبعا أو تطبعا لأن الأفعال نفائج الأخلاق ونوازع الهمم وقد نبه الله تعالى على ذلك في كتابه العزيز بقوله لنبيه {صلى الله عليه وسلم}
    وإنك لعلى خلق عظيم
    لأن النبوة لما كانت أشرف منازل الخلق لاشتمالها على مصالح الدين والدنيا ندب الله تعالى لها من قد أكمل فضائل الأخلاق وحاز أشرف الأعراق ولذلك قال النبي {صلى الله عليه وسلم}
    ( بعثت بمكارم الأخلاق )
    كذلك الإمارة والإمامة لما كانت تالية لحالها وجب أن تكون
    مشاكلة لخصالها فلزم أن ينتدب لها من قد أنهضته الفضائل حتى تهذب واستقل بحقوقها حتى تدرب ليسوس الرعايا بآلته ويباشر التدبير بصناعته فلذلك كان الخلفاء الراشدون رضوان الله عليهم أحق من تكاملت فيهم فضائل 10 ب الأخلاق طبعا وتطبعا وأولى من صدرت عنهم محاسن الأفعال سجية وتصنعا لأنهم رعاة مطاعون ودعاة إلى الحق مجابون ليكون الأفضل سائسا للمفضول والأعدل مقوما للجهول فيجتذبهم بكمال فضائله إلى الاقتداء بأخلاقه وطرائقه فأكثر الرعايا أتباع لأمرائهم وملوكهم في الخير والشر والجهل والجد والهزل
    قال النبي {صلى الله عليه وسلم}
    ( إثنان من الناس إذا صلحا صلح الناس وإذا فسدا فسد الناس العلماء والأمراء )
    قال بعض الحكماء
    الملك كالبحر تستمد منه الأنهار فإذا كان عذبا عذبت وإذا كان مالحا ملحت
    أول ما يبدأ به الملك سياسة نفسه وتقويمها
    فلزم ذا الإمرة والسلطان أن يبدأ بسياسة نفسه ليحوز من الأخلاق أفضلها ويأتي من الأفعال أجملها فيسوس الرعية بعد رياضته ويقومهم بعد استقامته
    قال بعض العلماء
    ينبغي للملك أن يبتديء بتقويم نفسه قبل أن يبتديء بتقويم

    رعاياه وإلا كان بمنزلة من أراد تقويم ظل معوج قبل تقويم عوده الذي هو ظل له
    فإذا بدأ بسياسة نفسه كان على سياسة غيره أقدر وإذا أهمل مراعاة نفسه كان باهمال غيره أجدر فبعيد أن يحدث الصلاح عمن ليس فيه صلاح لأن ضرورة نفسه أمس وهو بتهذيبها أخص فإذا غلب عليه عنادها واستصعب عليه قيادها كان عناد المباين له أغلب وقياده عليه أصعب
    قال بعض الحكماء 11 آ
    من بدأ بسياسة نفسه أدرك سياسة الناس
    قال بعض البلغاء
    لا ينبغي للعاقل أن يطلب طاعة غيره وطاعة نفسه ممتنعة عليه
    وقيل
    إذا عجزت عن أدب نفسك فلا تلم من لا يطيعك
    قال الشاعر
    أتطمع أن يطيعك قلب سعدى
    وتزعم أن قلبك قد عصاكا
    من الوافر
    إساءة الظن بالنفس
    وربما حسن ظن الإنسان بنفسه فأغفل مراعاة أخلاقه فدعاه حسن الظن بها إلى الرضا عنها فكان الرضا عنها داعيا إلى الانقياد لها ففسد منها ما كان صالحا ولم يصلح منها ما كان فاسدا لأن الهوى أغلب من الرأي والنفس أجور من الاعداء لأنها بالسوء آمرة وإلى الشهوات مائلة كما قال الله عز وجل
    إن النفس لأمارة بالسوء
    ولذلك قال النبي {صلى الله عليه وسلم}
    ( الشديد من ملك نفسه )
    قال بعض الألباء
    من رضي عن نفسه أسخط عليه الناس
    أسباب حسن الظن بالنفس
    ولحسن الظن بها أسباب
    فمن أقوى أسبابه الكبر والإعجاب وهو بكل أحد قبيح وبالملوك أقبح لأنه من دواعي صغر الهمة وشواهد الاستكثار لعلو المنزلة وهذا من ضعف المنة الذي يجل الملوك عنه لأن قدرتهم تظهر بالقدرة والسلطان لا بالكبر والإعجاب وكفى بالمرء ذما أن تكون همته دون رتبته ومنته أضعف من قدرته
    قال بعض الحكماء
    لا ينبغي للعاقل أن يرى شيئا من الدنيا لنفسه خطرا فيكون به تائها
    وقال عبد الملك بن مروان
    أفضل الناس من تواضع عن رفعة وزهد عن قدرة 11 ب وأنصف عن قوة
    وقيل
    التواضع في الشرف أشرف من الشرف
    الكبر والإعجاب
    والملوك أعلى الناس همما وأبسطهم أملا فلذلك كان الكبر والإعجاب بهم أقبح ونقصه عليهم أفضح

    قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما
    سمعت أبا بكر رضي الله عنه يقول
    إذا أردت شريف الناس كلهم
    فانظر إلى ملك في زي مسكين
    ذاك الذي حسنت في الناس رأفته
    وذاك يصلح للدنيا وللدين
    من البسيط
    لكن السكينة والوقار أولى به من الكبر والإعجاب
    ومن الناس من لا يفرق بين الكبر والوقار
    وهذا جهل بمعناهما لأن الوقار اقتصار والكبر استطالة
    فأما الكبر والإعجاب فقد يجتمعان في الذم ويفترقان في المعنى
    فالإعجاب يكون في النفس وما يعتقده من فضائلها
    والكبر يكون بالمنزلة وما يتصوره من علوها
    فكانت علة الإعجاب من ذاته فصارت ألزم وعلة الكبر طارئة ألأم وهما رذيلتا ذي الفضل والمنزلة
    وقيل
    عظمة الإنسان تواضعه
    من أسباب الكبر والإعجاب
    وللكبر أسباب
    فمن أقوى أسبابه كثرة المتقربين وإطراء المتملقين
    الذين قد استبضعوا الكذب والنفاق واستحبوا المكر والخداع لدناءة أنفسهم وضعة أقدارهم فإذا وجدوا لنفاقهم سوقا ولكذبهم تصديقا جعلوه في ذمم النوكى سلما تسلقوه ومغنما أحرزوه فاعتاضوا به دينا وعوضوا منه شيئا وحكم الممدوح بكذب قولهم على صدق علمه بنفسه وجعل لهم طريقا إلى الاستهزاء به لأنهم صدعوه فانصدع وخدعوه فانخدع
    ومن 12 آ أجل ذلك قال النبي {صلى الله عليه وسلم}
    ( احثوا في وجوه المداحين التراب )
    وقال {صلى الله عليه وسلم}
    ( إياكم والمدح فإنه الذبح )
    وقيل لأنوشروان
    لم تتهاونون بالمدح إذا مدحتم
    فقال لأننا ربما رأينا ممدوحا هو بالذم أحق
    وقيل
    حب المدح واسطة بين الفضائل والرذائل فهي آخر الرذائل وأول الفضائل
    وحمل هذا على إطلاقه ذلك
    والصواب أن يعتبر فإن أحب المدح ليلتذ بسماع ما ليس فيه كان رذيلة ونقصا وإن أحبه ليفعل ما يمدح به كان فضيلة لأنه يبعث على فعل الفضائل وما بعث عليها كان منها
    وهذا أمر ينبغي لكل عاقل أن يراعيه من نفسه ويفرق بين متملقه احتيالا لما لديه وبين من يخلص له النصيحة من أهل الصدق والوفاء الذين هم مرايا محاسنه وعيونه وأمناء مشهده ومغيبه

    قال سليمان بن داود عليه السلام
    شفتا الصديق رحمتان وشفتا العدو تنطق بالعداوة
    وقيل لبعض الحكماء
    من أولى بك منك وأصدق في نصيحتك من نفسك لك
    قال
    من صدقني إن نزعت ونبهني إن غفلت
    فإن أغفل هذا الفرق والتمييز واستسهل الاغترار والتجويز داهن نفسه ونافق عقله واستفسد أهل الوفاء والصدق وصار مأكلة النفاق والملق فأعقبه أذى ومضرة وتورط به في شبهة وحيرة واكتسب به هجنة ومعرة
    وقد قيل
    المنافق نصف حسده بلا عقل
    والسلطان أولى من حذر ذلك وتوقاه لأن حضرته لكثرة الراغبين فيها كالسوق التي يجلب إليها ما ينفق فيها وكل داخل عليه إنما يريد التقرب إليه بقوله وفعله إما طالبا للمنزلة وإما 12 ب اجتذابا للمنفعة وإما حذرا من المخالفة
    فإذا لم يزجرهم عقل ولم يكفهم
    دين مرحوا في نفاقهم فخانوا وشانوا
    وقد روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال
    ( لا يمنعن أحدكم رهبة السلطان أن يقول بحق إذا رآه فإنه لا يقرب من أجل ولا يباعد من رزق )
    فإذا اتسق لهم النفاق ورأوه من أرفق الأرزاق عدلوا عن زواجر العقل والمناصحة إلى مساعدة الملك على رأيه لأنهم قد علموا منه إيثار الموافقة على الهوى وحب المدح والإطراء فجعلوا ذلك أربح بضائعهم لديه وألطف وسائلهم إليه وهو سهل التكلف لا يجد المتوسل المتقرب به مسا فيتصور ذمه حمدا وقد اكتسب به ذما ويتوهم قبيحه حسنا وقد أورثه قباحة وشينا ثم لا يجد ناصحا سليما ولا مراقبا رحيما لأن النصح عنده بائر مرذول والخداع إليه نافق مقبول فإن روقبت هفواته بالإغضا وسوعد عليها بالرضا طاح في إغوائه ومرح في غلوائه فطمس بهجة محاسنه وأوهى جلالة قدره وقد قال العتابي الشاعر
    لوم يعيذك من سوء تقارفه
    أبقى لعرضك من قول يداجيكا
    لقد رمى بك في تيهاء مهلكة
    من كان يكتمك العيب الذي فيكا
    من البسيط
    وهذا مما يجب أن يتوقاه الملك ويحذره ليكفى مخادعة الهوى ويميزه عن مداهنة النفس
    قال النبي {صلى الله عليه وسلم}
    ( إذا أراد الله بعبد خيرا جعل له واعظا من نفسه )

    قال بعض الحكماء
    من لم يكن له من نفسه واعظ لم تنفعه المواعظ
    الفصل السابع شواهد الفضل
    الوقار
    وإذا كان الوقار محمودا وكان ذو القدر به مأمورا فهو أول شواهد الفضل وأس 13 أ قواعده فوجب أن نوضح منه فصولا تدل على نظائرها يتبع بعضها بعضا
    التثبت والصمت
    فمن ذلك قلة السرع إلى الشهوات والتثبت عند الشبهات والإعراض عن الهفوات وضبط النفس عن سرعة الحركات ثم إطراق الطرف ولزوم الصمت إلا من ضرورة لا يجد فيها من الكلام بدا ليسلم من هذر الاسترسال ويأمن من معرة الطيش فإن الملك مرموق الألحاظ محفوظ الألفاظ تشيع زلاته وتنشر هفواته وبحسب ذلك تكون محاسنه أنشر وفضائله أشهر فهو بالسكوت ممدوح ومن الكلام على خطر وقد قيل
    الحصر خير من الهذر لأن الحصر يضعف الحجة والهذر يتلف المهجة
    قال بعض البلغاء
    إلزم الصمت فإنه يكسبك صفو المحبة ويؤمنك سوء المغبة ويلبسك ثوب الوقار ويكفيك مؤونة الاعتذار
    وتكلم أربعة من حكماء الملوك بأربع كلمات كأنها رمية عن قوس فقال ملك الروم
    أفضل علم العلماء السكوت
    وقال ملك الفرس
    إذا تكلمت بالكلمة ملكتني ولم أملكها
    وقال ملك الهند
    أنا على رد ما لم أقل أقدر مني على رد ما قلت
    وقال ملك الصين
    ندمت على الكلام ولم أندم على السكوت
    وليعلم أن الحاجة إلى الصمت أكثر من الحاجة إلى الكلام لأن الحاجة إلى الصمت عامة والحاجة إلى الكلام عارضة فلذلك ما وجب أن يكون صمت العاقل في الأحوال أكثر من الكلام في كل حال
    حكي عن بعض الحكماء أنه قال وقد رأى رجلا يكثر من الكلام ويقل السكوت فقال
    إن الله تعالى إنما جعل لك 13 ب أذنين ولسانا واحدا ليكون ما تسمعه ضعف ما تتكلم به
    فإذا دعته الحاجة إلى الكلام سبره قبل إطلاقه وروى فيه قبل إرساله ليكون وفق غرضه وفي إبان حاجته فإن كلامه ترجمان عقله وبرهان فضله وقد قيل
    كلام المرء وافد أدبه
    وقيل
    اللسان وزير الإنسان

    فلا يهتك بالاسترسال فيه فضائله ولا يمحو بالتجويز فيه محاسنه فظهور نقص الكلام يغلب على الخافي من فضله لأن الظاهر سابق منتشر والخفي مسبوق مستتر
    وقد قيل
    الصمت منام والكلام يقظة
    فإذا تكلم لوح بالمعنى وجاوز الإكثار فقل من كثر كلامه إلا ظهر خلله وبان زلله
    وقد قيل
    الجاهل الصامت يعد حكيما والممسك عما لا ينبغي يعد فهيما
    قال الشاعر
    قد يكشف القول عي اللسان
    فيبدو ويستره ما سكت
    فإن كنت تبغي ليان المعاش
    فلن للأمور إذا ما التوت
    من المتقارب
    ولا ينبغي أن يعجب بجيد كلامه ولا بصواب منطقه فإنه بالصواب أحق والعجب إنما يكون ببادر مستظرف وعلى أن سبب الاكثار منه
    وفي الإكثار عثار
    قال بعض الحكماء
    من أعجب بكلامه أصيب بعقله
    وقال الحسن البصري
    من لم يكن كلامه حكما فهو لغو ومن لم يكن سكوته تفكرا فهو سهو ومن لم يكن فكره اعتبارا فهو لهو
    وكما أن الملك مندوب إلى قلة الكلام فهكذا من أراد خطاب الملك يجب أن يحبس لسانه عن كلامه فإن دعته الحاجة إليه اختصر ففي الإكثار مع الإعثار إضجار
    وقيل
    إن كان قوم تقتلهم الحرب كثيرا فإن الذي يقتلهم اللسان أكثر
    والموت 14 أ والحياة باللسان هو مما يتجافاه الملك ولا يرخص فيه اليمين والحلف مصرحا أو معرضا فإن الحلف قبيح وهو بالملوك أقبح
    ومن قول النبي {صلى الله عليه وسلم}
    ( اليمين حنث أو مندمة )
    قال بعض العلماء
    كثرة الأيمان من قلة الإيمان
    ولأن اليمين يقصد بها أحد ثلاثة أوجه يجل الملك عنها إما ليصدق خبره والملك يجل قدره عن الإكذاب وإما ليتحقق وعده أو وعيده وقدرته تمنع من الارتياب وإما لاستراحة في كلامه فهي عي قبيح ولكن فاضح

    وإن دعته الضرورة إليها لشرط في عقد وتوثقة في عهد إلتزم حكمها في السياسة وإن لم يلزم حكمها في الديانة لفساد عقدها واختلال شرطها ولا يتطلب لفسخها مع الصحة تأويلا وإن كان له في الفسخ تأويل ولا يجعل لمخرجه منها تعليلا وإن كان له في الشرع تعليل لتكون عقوده محروسة من فسخ وعهوده محفوظة من نسخ فلا يختلج فيه ظن ولا يقدح فيه طعن فإنه وإن كان له في الدين مخرج منها فما يقف عليه كل من سمع بالتزامها ولا يعرفه إلا العلماء بأحكامها
    ولأن يراقب في دنياه بعد مراقبة الله تعالى في دينه فيجمع بين رضا الله تعالى وثناء خلقه أولى من تفرده بأحدهما واطراح الآخر
    وقيل
    دع ما يسبق إلى القلوب إنكاره وإن كان عندك اعتذاره فما كل من حكى عنك نكرا يطيق أن يوسعه منك عذرا
    فإن لم يجد إلى استدامة التزامها سبيلا أوضح من أسباب عذره وأشاع من وجوه مخرجه قبل شروعه في خلقه ونقضه ما يحفظ عليه سلامة دينه وعرضه فلا ينسب في 14 ب يمينه إلى حنث وفي عهده إلى نكث
    قال بعض الحكماء
    الكذب والغدر يشبهان أسنان الأسد ويفسدان قلوب الناس

    أريج الورد
    أريج الورد
    مشرف
    مشرف


    الجنس : انثى
    الابراج : الحمل
    عدد المساهمات : 66
    نقاط : 5090
    السٌّمعَة : 12
    تاريخ التسجيل : 24/02/2012
    العمر : 27
    الموقع : الوطن العربي
    المزاج المزاج : اجتماعية

     أخلاق الملك Empty رد: أخلاق الملك

    مُساهمة من طرف أريج الورد الأربعاء 18 أبريل 2012 - 13:43


    الفصل الثامن
    الصدق
    اعتماد الصدق
    ومما هو ألزم في أخلاق الملك وأليق اعتماد الصدق واجتناب الكذب فإنه سهل البادرة خبيث العاقبة لأنه يعكس الأمور إلى أضدادها ويستبدل الحقائق بأغيارها فيضع الباطل موضع الحق ويتخيل أن الكذب يتشبه بالصدق
    كلا فإن الزمان يكشف عن خباياه وينم على خفاياه وكذلك قال النبي {صلى الله عليه وسلم}
    ( رحم الله امرءا أصلح من لسانه وأقصر من عنانه وألزم طريق الحق مقوله ولم يعود الخطل مفصله
    الحذر من الكذب
    فيحذر الكذب جادا وهازلا ولا يرخص لنفسه محقا ولا مبطلا إلا على وجه التورية في خداع الحروب انتهازا للفرصة فيها واختداعا لمكيدتها فما للحرب مهلة ولا للظفر علة فأبيح في التوصل إليها رخص
    الكلام كما استعمل فيها رخص الأفعال ولذلك جاءت السنة بإرخاص الكذب فيها على وجه التورية دون التصريح
    قال النبي {صلى الله عليه وسلم}
    ( الحرب خدعة )

    وإذا أمكن أن يكون ذلك بمواضعة غيره كان أولى من أن يكون ذلك بمباشرته بنفسه فإن لم يجد من المباشرة بدا ورى وعرض ليكون التأويل لكلامه محتملا والتصريح بالكذب عنه مشفيا فيعذر إذا ظهر ولا يتصور بالكذب إذا اشتهر وليقلل منه إلا عند ضيق الخناق فإن أكثر منه افتضحت معاريضه فصار صريحا ورد عليه فاسدا وصحيحا
    وإن رخص لنفسه في التصريح بالكذب على غير ما قلناه في الحرب
    من التعريض المحتمل صار به موسوما 15 آ وإليه منسوبا لأن الإنسان بما يسبق إليه يعرف وبما يظهر من شيمه يوصف وبذلك جرت عادة الخلق أنهم يعدلون العادل بالغالب من أفعاله وربما أساء
    ويفسقون الفاسق بالغالب من أفعاله وربما أحسن
    وقل ما يمحض أحدهما في الإنسان وإن تمحض ندر قال الشاعر
    من لك بالمحض وليس محض
    يخبث بعض ويطيب بعض
    من الرجز
    وقال أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه
    لأن يضرني الصدق وقل ما يفعل أحب إلي من أن ينفعني الكذب وقل ما يفعل
    ولذلك قال النبي {صلى الله عليه وسلم}
    ( أعظم الخطايا اللسان الكذوب )
    قال بعض الحكماء
    كذب الملك وغدره من دلائل حادث يحدث في ملكه لأنه يشبه تخليط العليل في العلة يزيده مرضا وفي بدنه زهكا
    الترغيب والترهيب
    وإذا وسم بالصدق وقصر كلامه على المهم وكان تبشيره وتحذيره على حسب خطر الأمور التي يجري فيها وعده أو وعيده كانت الفاظه ألقابا وذمه عقابا فاستغنى عن كثير من الإرغاب والإرهاب
    وقد اختير للملوك في الترغيب عذوبة الكلام ولين الصوت لأنه أرغب وفي الجهارة بالترغيب تنجح وبالنعمة وهي عنده أحفز
    وفي الترهيب غلظة الكلام وجهارة الصوت لأنه أرهب وفي لين الصوت بالترهيب ضعف لمنه وقدرته
    ويجب أن يكون وعده ووعيده بقدر الاستحقاق من غير سرف ولا تقصير في ثواب أو عقاب لتكون أقواله وفق أفعاله التي تقدرت بشرع أو سياسة ولا تتجاوز محدودها ولا تفارق معهودها
    حكي أن أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه كتب إلى 15 ب عكرمة بن أبي جهل وهو عامله على عمان إياك أن توعد على معصية بأكثر من عقوبتها فإنك إن فعلت أثمت وإن تركت كذبت


    الفصل التاسع
    توقي الغضب

    الحذر من الغضب
    ويحذر الغضب ويتوقاه فإن نفور فورته واشتطاط حدته يسلبان صواب ذوي الألباب ولا يتهذب لهم خطاب ولا يتحصل لهم جواب ولا يتقدر لهم عقاب وقل ما يسلم مع الغضب رأي من زلل وكلام من خطل وفعل من عسف وحق من حرف ودين من جرح وعرض من قدح وجد من طيش وعدد من هيش فهو شر باهر متسلط وأضر معاند مورط لا تعصى بوادره إن غلب ولا تحصى فواقره إن وثب وما اشتملت عليه هذه الأخطار وتقابلت فيه هذه المضار كان التحرز من خطره حزما والسلامة من ضرره غنما وليس ذلك إلا من كان العقل قائده والتوفيق رائده فملك زمام نفسه حتى أطاعته وراض شماسها حتى أجابته فإن مني به الملك قبض نفسه عن الانقياد له حتى يزول عنه اختلاط نفرته واشتطاط قدرته
    ثم يتصفح الذنب الذي أغضبه بعد سكون جأشه ويقابل عليه بقدر استحقاقه إن لم ير له في العفو مدخلا ولا في الصفح والتجاوز وجها ليقف على الصواب في قضيته
    وعلى العدل في مؤاخذته فلا شيء أضر بالملك من أن تخفى عليه حقائق الذنوب ولا يقف منها على مقادير الحدود
    قال النبي {صلى الله عليه وسلم}
    ( إذا استشاط السلطان تسلط الشيطان )
    وقال سليمان بن داود عليه السلام
    غضب الملك كالأسد الذي يزأر
    وحكي أن بعض ملوك الفرس كتب كتابا ودفعه إلى وزيره وقال إذا أنا غضبت فناولني هذا وكان فيه مكتوبا 16 آ مالك والغضب إنما أنت بشر ارحم من في الأرض يرحمك من في السماء
    وكان يفعل هذا ليزول عنه الغضب فيستبين له الصواب حذرا من قبح آثاره وشدة إضراره
    فإذا استطفأ ثائر الغضب واستكف بادرة الاشتطاط ثم استعطفه المغضب واسترضاه فمن كرم الشيمة وحسن العاطفة أن يلين له ويرضى عنه
    قيل من أعجب شيء أن يكون الرجل يلتمس رضاه فلا يرضى وأعجب منه أن يلتمس رضاه فيغضب
    قال بعض الحكماء
    من لم يقبل التوبة عظمت خطيئته ومن لم يحسن إلى التائب قبحت إساءته

    فإن أحب أن يتدرج إلى الرضا لئلا يصل بين ضدين قدم مباديه وسهل دواعيه وكان في السر راضيا وفي الظاهر مغاضيا ليظهر الرضا عن أحوال متقاربة وتنتقل إليه بعد أمور متناسبة فليس بمستبعد إذا كان بطيء الرضا غير أن من أخلاق الملوك سرعة الغضب وليس من أخلاقهم سرعة الرضا
    والعلة في ذلك لما قد استقر في القلوب من هيبتهم وأذعنت به النفوس من طاعتهم لا يلاقون ما يكرهون ولا يرون إلا ما يؤثرون فإذا بدر ما يغضبهم خرج عن عرفهم فتعجل به غضبهم وما يرضيهم داخل في عرفهم فلم يتعجل فيه رضاهم
    ومن عداهم في الأمرين بخلافهم فلذلك وقع الفرق بين الملوك
    وغيرهم في الرضا والغضب فإن لم يظهر غضبهم فهو لسياسة وحزم هم فيه مع كونه فيهم بين أمرين
    إما أن يوطئوا أنفسهم للصفح عنه وإما أن يؤخروا 16 ب الأمر إلى وقت الانتقام
    والأول كرم ورأفة
    والثاني حمية وتقويم
    الحذر من المحل واللجاج
    ثم كذلك المحل واللجاج يجب أن يحذره فهو أليف الغضب وحليف العطب لأنه يركب من الأمور أصعبها ويفارق من الآراء أصوبها وقل ما أجدى اللجاج إلا شرا وأقل الأمرين خيرا وكفى بلجاجه مضرة ومعرة أنه إن أكذبه الظن تورك وإن ساعده القضاء شورك فيصير بالمتاركة معذورا وفي المشاركة ممكورا
    قال الشاعر
    وإذا رأيت أخاك لج فلن له
    حتى يعود إلى الطريق الأقصد
    إن اللجوج يلج إن لاججته
    مثل الشهاب يلج للمستوقد
    من الكامل
    فإذا انقاد إلى الأمر الأرفق وساعده الرأي الأوفق لم يعدم دركا إن أنجح وعاذرا إن أكدح
    قال الشاعر
    ليبلغ عذرا أو يصيب رغيبة
    ومبلغ نفس عذرها مثل منجح
    من الطويل
    وروي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال
    ( إن الرفق لم يكن قط في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه )
    وليكن مساهلا للزمان في طلبته مباشرا للقدر في إرادته
    ولا يطلب من الأمور متعورا ولا متعذرا ولا يطلب منها مدبرا ولا موليا فإن خاشنه الدهر لان وإن عارضه الدهر استكان فمطاول الدهر مغلول ومعاند القدر مخذول
    قال بعض الحكماء

    من استعان بالرأي ملك ومن كابر الأمور هلك
    قال الشاعر
    ومكلف الأيام ضد طباعها
    متطلب في الماء جذوة نار
    17 آ
    وإذا رجوت المستحيل فإنما
    تبني الرجاء على شفير هار
    من الكامل
    وليعلم أن الأمور التي تدبرها مما لا تمضي إلا بفرط الصرامة وشدة الهيبة التي هي قاعدة الملك وأس السلطنة وذلك لا يكون إلا لمن خيف غضبه وخشيت سطوته
    وليجعل بدل الغضب تغاضبا لا غضبا لأن التغاضب فعله يقدر أن يقف منه على الحد المطلوب ويعرف منه حقائق الذنوب والغضب انفعال فيه اضطر إليه لا يقدر أن يقف منه على قدر حاجته ولا يقتصر منه على قدر كفايته حتى يتجاوز إلى الحد المضر والطيش المعر
    ولقد أصاب من كانت عقوبته للأدب وأخطأ من كانت عقوبته للغضب وهذا مما ذكرنا في معنى الطبع والتطبع
    قال الشاعر
    فلم أر للسيادة كالعوالي
    ولا للثأر كالقوم الغضاب
    من الوافر وعلى هذا القياس لا ينبغي أن يستفزه السرور فتملأ البشائر قلبه وتخلب الأفراح لبه فيصير بها طائشا مرحا لا يلين إن صال ولا يستقيم إن مال فينسبه العدو إلى ضعف العزيمة ولين الهمة وإنه لحقيق بمناسبه إليه ووسمه به
    وإذا ضبط نفسه عن هذه الحال وتنزه عن رذل المقال وتصور أن جميع البشائر وإن جلت محتقرة إذا قيست بعلو منزلته وأضيفت إلى عظيم همته كفي استفزاز الفرح واهتزاز المرح فكان أشبه بكماله وأليق باعتداله
    قال الشاعر
    ولست بمفراح إذا الأمر سرني
    ولا جازع من صرفه المتقلب
    من الطويل
    الفصل العاشر
    الصبر
    الصبر والامتثال
    وكذلك الحوادث إذا طرقت والنوازل إذا ألمت كانت سهلة الوطأة 17 ب في جنب صبره وشهامته قليلة الأثر لسعة صدره وبعد همته

    فإن طرأ عليه منها طاريء بان فضله على من سواه بالصبر والمسكة عند جزعهم والأناة والوقار عند خذلهم فيكون بصبره ممتثلا أمر الله تعالى فيما أراد راجيا للظفر فيما يقصده ويتوخاه فإن تقلب الدنيا مألوف وأمنها مخوف ولقل ما تساعد أحدا إلا بعد شموس ولا تحسن إليه إلا بعد بوس ولأن يرجو السعادة أولى من أن يخاف فواتها ويختم بها أولى من الخاتمة بضدها
    قال بعض الأدباء بالصبر على مواقع الكره تدرك الحظوظ
    قال الشاعر
    إذا المرء لم يأخذ من الصبر حظه
    تقطع من أسبابه كل مبرم
    من الطويل
    أقسام الصبر
    وليعلم الملك أن الصبر ينقسم ثلاثة أقسام وهو في كل قسم محمود
    فأول أقسامه الصبر على ما فات إدراكه من نيل رغائب أو تقضت أوقاته من حلول مصائب وبالصبر في هذا يستفاد راحة القلب وهدوء الجسد
    وفقد الصبر فيه منسوب إلى شدة الأسى وإفراط الحزن
    فإن صبر طائعا مسلما ورضي بقضاء الله مستسلما أعين على خطبه ونفس عن كربه
    وإن ساعد جزعه احتمل هما لازما وصبر كارها آثما
    وحكم الصبر فيه أن لا يرى أسفا على رغبة ولاجزعا من ذنكبة فإن الزمان نحول والهموم نزول
    قال الشاعر
    وفي الصبر عند الضيق للمرء مخرج
    وفي طول تحكيم الأمور تجارب
    من الطويل
    وثاني أقسامه الصبر على ما نزل من مكروه أو حل من أمر مخوف 18 آ وبالصبر في هذا تتفتح وجوه الآراء وتستدفع مكايد الأعداء وفي مثله قال الله تعالى واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور
    قال بعض الحكماء
    بمفتاح عزيمة الصبر تعالج مغاليق الأمور
    وفقد الصبر فيه منسوب إلى الخرق والخور
    وحكم الصبر فيه أن لا يدهشه ما هجم ولا يذهله ما ألم فللنوائب قدر معترض وأجل مفترض
    قال الشاعر
    أرى كل ريح سوف تسكن مرة
    وكل سحاب عن قليل تقشع
    من الطويل
    وثالث أقسامه الصبر فيما ينتظر وروده من رغبة يرجوها أو يخاف حدوثه من رهبة يخشاها
    وبالصبر والتلطف يدفع عادية ما يخافه من الشر وينال نفع ما يرجوه من الخير
    قال بعض الحكماء

    من استعان بالصبر نال جسيمات الأمور
    وفقد الصبر فيه منسوب إلى الطيش والهلع وحكم الصبر فيه منسوب إلى سكون الجأش في أمله وقلة الاستيحاش من وجله فقضاء الله مقدور وأجله مسطور
    قال الشاعر
    اصبري أيتها النفس
    فإن الصبر أحجى
    ربما خاب رجاء
    وأتى ما ليس يرجى
    من الرمل
    فإذا اشتد الجزع والأذى تذكر بقايا النعمة عليه واعتبر بمن سلب ما هو فيه فسيرى منها عزاء يخفف أشجانه ويقلل أحزانه فصفو الدنيا مشوب بالكدر
    قال بعض العلماء
    من الدنيا على الدنيا دليل
    قال الشاعر
    ومن عادة الأيام أن خطوبها
    إذا سر منها جانب ساء جانب
    من الطويل وأنشد المعري للمأمون
    كذبتك نفسك أيها الدهر
    لك أن تجور وعندي الصبر
    آليت لا أنهاك عن خطل
    حتى يردك من له الأمر
    الطويل
    أريج الورد
    أريج الورد
    مشرف
    مشرف


    الجنس : انثى
    الابراج : الحمل
    عدد المساهمات : 66
    نقاط : 5090
    السٌّمعَة : 12
    تاريخ التسجيل : 24/02/2012
    العمر : 27
    الموقع : الوطن العربي
    المزاج المزاج : اجتماعية

     أخلاق الملك Empty رد: أخلاق الملك

    مُساهمة من طرف أريج الورد الأربعاء 18 أبريل 2012 - 13:44


    الفصل الحادي عشر
    كتمان السر
    الكتمان والإفشاء
    وليس يصح الصبر في الأمور بترك التسرع إليها دون كتمان السر فيها فهو أقوى أسباب الظفر بالمطالب وأبلغ في كيد العدو الموارب
    قال النبي {صلى الله عليه وسلم}
    ( استعينوا على الحاجات بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود )
    وقال أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه
    سرك أسيرك فإذا تكلمت به صرت أسيره
    قال أنوشروان
    من حصن سره فله بتحصينه خصلتان الظفر بحاجته والسلامة من السطوات
    وكتمان السر ما صينت به الأقوال من الإذاعة وسترت به الأفعال من الإشاعة فلم تر آثاره ولم تنم أخباره فإن لم تعم لم تنم ولقل ما أنجح من أفشى السر فرام أو خلا منه مرام فإن لها عن قبض
    عنانه وسها عن حفظ لسانه بدر سره فاستضر وألف إرساله فاستمر ولم يبق مصون إلا انهتك ولا مستور إلا افتضح فبودر قبل بداره وعوجل قبل حذاره وصار إفشاء سره أنكى فيه من مكر عدوه لانه إن اختص بإفشاء سره اختص بما قدمناه من ضره وإن كان مستودعا عنده لغيره صار مستودعه بعد المودة عدوا يطلب ثأره ويستقبل نفاره
    قال الشاعر
    فلا تأمنن الدهر حرا ظلمته
    فما ليل مظلوم كريم بنائم
    من الطويل

    ولهذا الحذر تواصى به الناس حزما وعزما واتفقوا عليه قولا وعملا
    19 آ حكي أنه تذاكر ناس من أهل الفضل كتمان السر في مجلس عبد الله بن طاهر فقال عبد الله بن طاهر
    ومستودعي سرا تضمنت سره
    فأودعته في مستقر الحشا قبرا
    فقال ابنه عبيد الله
    وما السر في قلبي كثاو بقبره
    لأني أرى المقبور ينتظر النشرا
    ولكنني أخفيه حتى كأنني
    من الدهر يوما ما أحطت به خبرا
    من يستودع السر
    واعلم أن من الأسرار ما لا يستغنى فيها عن مطالعة خليط مساهم واستشارة ناصح مسالم فليخترلها أمينا فإن الركون إلى حسن الظن ذريعة إلى إفشاء السر وأكثر ما يؤتى العاقل في أسراره من حسن ظنه واغتراره فليس كل من كان على الأموال أمينا يجب أن يكون على الأسرار مؤتمنا والعفة عن الأموال أيسر من العفة عن إذاعة الأسرار لأن الإنسان قد يذيع سر نفسه بمبادرة لسانه وسقط كلامه ويشح باليسير من ماله ضنا به وحفظا له ولا يرى ما أضاع من سره كبيرا في جنب ما حفظه من يسير ماله مع عظم الضرر الداخل عليه فمن أجل ذلك كأن أمناء الأسرار أشد تعذرا وأقل وجودا من أمناء الأموال
    ولذلك علتان
    أحدهما أن الضرر في إضاعة الأموال عاجل والضرر في إذاعة الأسرار آجل ونفس الإنسان موكلة بالأذى وإن حل ما مضى
    والثانية أن السر سهل الخروج مع البروز لا يوجد لإذاعته مس فهو ينطلق إن لم يحفظه حزم ولا يقهره عزم والمال صعب المنطلق وثيق المجمع لا يبدو إلا بسماحة نفس يتقابل فيها الشح والسخاء ويترجح فيها المنع والعطاء وفرق بين ما هو مبذول إلا بمانع وبين ما هو ممنوع إلا بباذل
    وإذا كان أمناء الأسرار بهذا العوز تلوم قبل الاختيار 19 ب حتى يظفر بمن تصفو ضمائره وتسلم سرائره ليقل حذره وإن لم يسلم من الحذر لأنه مستسلم والاستسلام غرر وقد قال النبي {صلى الله عليه وسلم}
    احذر ممن تثق به كأنك تحذر ممن لا تثق به
    التحفظ في إيداع السر

    فإذا ظفر بهذا الأمين المعوز أودعه سره إيداع منتحرز متحفظ فإن وجده متطلعا إليه ومؤثرا للوقوف عليه حذره وتوقاه فإن طالب الوديعة خائن ومستدعي الأمانة ظنين
    قال الشاعر
    ( لا تذع سرا إلى طالبه إنما الطالب للسر مذيع من الرمل
    ثم لا فسحة في إبداء الأسرار مع الاضطرار إلا لمستشير ليأمن عثارها ويتوقى أخطارها
    ويسرها إلى المستشار بالكناية دون الصريح ويشير إليها بالتعريض دون الفصيح إذا كانت أحوال التعريض ممكنة وشواهد الكناية فيها محتملة ليأمن عواقب الإذاعة من ذوي الظنة والاستطالة بالإدلال من ذوي العفة فإن للزمان تغيرا وللإخوان تنكرا
    قال بعض الحكماء
    من أفشى سره كثر عليه المتآمرون
    وفي منثور الحكم
    من ضاق صدره اتسع لسانه
    قال الشاعر
    إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه
    فصدر الذي يستودع السر أضيق
    من الطويل
    وقال بعض الشعراء
    ألم تر أن وشاة الرجال
    لا يتركون أديما صحيحا
    فلا تفش سرك إلا إليك
    فإن لكل نصيح نصيحا
    من المتقارب
    قال بعض البلغاء
    إذا وقفت الرعية على اسرار الملوك هان عليها أمرها
    ولا عذر لمن ظفر بسر لم يؤمن عليه أن يذيعه كما لا عذر لمن ظفر بمال لم يؤتمن عليه أن يستبيحه
    وليكن في حفظهما على حكم المؤتمن يقضي على نفسه 20 آ في الأمانة بالوفاء وفي اللقط والضوال الشاردة بالأداء
    ومما يجب على الملك أن يحفظه على نفسه من أسرارها أن يروضها بفضل حزمه ويأخذها بقوة عزمه حتى لا يظهر في وجهه إمارة سخط ولا رضا ولا يعرف منه آثار حزن ولا سرور فيظهر ما في نفسه وهوكامن وينم عليه وهو آمن فيظن أنه قد كتم سره وقد ذاع وطوى ما في نفسه وقد شاع
    وليكن متشاكل الأحوال متماثل الأوصاف ليكون كتوم النفس كما كان كتوم اللسان ولا يبدو من نفسه ما يكره أن يظهر على لسانه ليكمل كتمان أسراره في الحالين

    وإن أسوأ العيوب حالا وأظهرها وبالا أن يعرف ما في نفسه من غير اختباره فيعلمه الثقة والظنين ويشترك فيه الخائن والأمين وهو لو أسره إلى أحد فأذاعه لاستكبره منه ولرأى في موجب السياسة
    ومقتضى الحزم أن يؤاخذه به ويعاقبه عليه
    فكيف يرضى من نفسه ما يستكره من غيره ويتسامح في ما يعاقب عليه كلا
    ولئن كان مرامه صعبا فهو سهل على من ساعده الطبع ثم على من تطبع به عند نفور الطبع فيصير طبعا وتطبعا يسهل على ذي الحزم إذا صادف عزما فإن الكره يسهل بالمرون عليه
    فإذا ضبط من نفسه ما ينكر آثاره وينم أسراره كان أفضل حزما وأقوى عزما ممن كتم سره بلسانه فإذا ساعده الأمران لم ينم له سر ولم يعرف له غور
    الفصل الثاني عشر
    المشورة
    فوائد المشورة
    وينبغي للملك أن لا يمضي الأمور المستبهمة بهاجس رأيه ولا ينفذ عزائمه المحتملة ببداهة فكره تحرزا من إفشاء سره وأنفة من الاستعانة بغيره حتى يشاور ذوي الأحلام والنهى ويستطلع برأي ذوي الأمانة والتقى 20 ب ممن حنكتهم التجارب فارتاضوا بها وعرفوا موارد الأمور و حقائق مصادرها فإنه ربما كان استبداده برأيه أضر عليه من إذاعة سره وليس كل الأمور أسرار مكتومة ولا الأسرار المكتومة بمشاورة النصحاء فاشية معلومة
    قال النبي {صلى الله عليه وسلم}
    ( ما سعد أحد برأيه ولا شقى عن مشورة )
    وقال لمعاذ بن جبل
    ( استشر فإن المستشير معان والمستشار مؤتمن واحذر الهوى فإنه قائد الأشقياء )
    وقد قيل
    الاستشارة عين الهداية وقد خاطر من استغنى برأيه
    قال بعض الحكماء
    حق على العاقل أن يضيف إلى رأيه آراء العلماء ويجمع إلى عقله عقول الحكماء فالرأي الفذ ربما زل والعقل الفرد ربما ضل
    ويعتمد على استشارة من صلاحه يكون موصولا بصلاحه إذا كان عريا من الهوى فالهوى مخدعة الألباب ومضلة الصواب
    والعداوة تصد عن النصح والإنصاف وتبعث على الغش والإجحاف ولا يصح مع أحد هذين رأي لمشير ولا يخلص فيهما
    قال النبي {صلى الله عليه وسلم}
    ( حبك الشيء يعمي ويصم )

    أي يعمي عن الرشد ويصم عن الموعظة
    وكذلك حال البغض الذي هو ضده لأنها خروج من العدل إلى تقصير أو سرف
    وإذا ظفر بالرأي ممن لا يراه للمشورة أهلا أخفاه حتى لا يتخطى عليه غير أهله ولم يستنكف من العمل به فإن القرائح ليست على قدر الأخطار والرتب وإنما هي ذخائر مستودعة فيمن منحها من نبيه وخامل كما قال النبي {صلى الله عليه وسلم}
    ( الناس معادن كمعادن الذهب والفضة )
    فلا يتصور قبح الحاجة إلى رأي من قل فليس يراد للمباهاة والافتخار فتلتمس فيه أعيان ذوي الأخطار وإنما يراد للصواب والانتفاع كالضالة 21 آ لا يمنعه من أخذها مهانة ملتقطها وكاللؤلؤة لا يمنعه من لبسها ذلة غائصها وكفى بالإنسان سعادة أن تسهل عليه المطالب فيدرك مراده بأهون سعي وأقل عناء
    وليس عليه إذا عمل بالرأي أن يعزيه إلى قائله وينسبه إلى صاحبه فيوتهن بمهانته ويعاب بذلته وإنما يتنبه به على صواب ما يأتي وسداد ما يريد
    وقد روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال
    ( كلمة الحكمة ضالة الحكيم حيث ما وجدها فهو أحق بها )
    قال بعض البلغاء
    من كمال عقلك استظهارك على عقلك
    وقال بعض البلغاء
    إذا أشكلت عليك الأمور وتغير لك الجمهور فارجع إلى رأي
    العقلاء وافزع إلى استشارة العلماء ولا تأنف من الاسترشاد ولا تستنكف من الاستمداد فلأن تسأل وتسلم خير من أن تستبد وتندم
    قال بعض العلماء
    من استغنى برأيه ضل ومن اكتفى بعقله زل
    وإذا لم يأته الرأي عفوا ولا وصل إليه من غيره تبرعا أكثر من استشارة ذوي الألباب ولا سيما في الأمر الجليل والخطب المستبهم فإن لكل عقل ذخيرة من الصواب وحظا من التدبير ولقل ما فضل عن الجماعة رأي لا يعرف صوابه ويشكل عليهم أمر لا يفهم جوابه
    وليكن أهل المشورة متصافين في المحبة براء من عداوة أو بغضة ليعرف كل واحد منهم لصاحبه بالصواب إذا ظفر به ولا يبعثه الحسد والعناد على رده فإن تعاندوا شغلهم العناد عن الاجتهاد فلن يحظوا برأي ولم يظفروا بصواب لالتباس الرأي بنفور العناد

    وينبغي أن يجمعهم على المشورة في 21 ب بديهة الرأي ليجتهد
    كل واحد منهم رأيه ويستكمل خاطره ليتخصص برتبة المجيب ويجمع في حظوة المصيب
    فإن اجتمعوا في ابتداء الرأي كانوا فيه بين أمرين
    إما أن يقودهم أول رأي منهم إلى متابعته فيصيروا مفوضين لرأي واحد قلدوه وهم أكفاء وتابعوه وهم نظراء
    وإما أن يختلفوا فيتنابذوا ويتشاغل كل واحد منهم بنصرة رأيه حقا كان أو باطلا فيخرج بالمناظرة عن حكم المجتهد والمنابذة عن حكم المتأيد
    وكما أن الأصوب إفرادهم في ابتداء الرأي فكذلك الأصوب أن لا يطلع بعضهم على استشارة بعض ليجتهد كل واحد منهم فكره ويستنفد وسعه حتى إن حظي بدرك الصواب تخصص برتبة التعويل وتميز بنباهة القبول
    وليكن مع ذلك غير وان في الفكر ولا مقصر في الارتئاء تعويلا على رأي من شاوره لئلا يصير في الرأي مفوضا وفي الأمر مقلدا
    مباحثة ذوي الرأي
    قال بعض الحكماء
    الاستسلام إلى رأي المشير هو العدل الخفي
    وإذا أظهروا كوامل آرائهم عرضها على عقله وسبرها بفكره وتصفح مباديها وعواقبها وسألهم عن أسبابها ونتائجها وباحثهم عن أصولها وفروعها سؤال منصف لا متعنت وطالب للصواب لا للرد ليستوضح الحق من الباطل ويعلم الصحيح من الفاسد ولا يبدي لهم رأيه إن خالفهم ولا أنه يأخذ به ويعمل عليه إن وافقهم ليجري الأمر على
    استبهامه حتى يعمل به ليظهر بالفعل دون العزم ليستفيد بذلك أربع خصال
    إحداهن صواب رأيه وصحة رويته
    والثانية معرفة عقل المشير وصواب رأيه
    والثالثة وضوح ما استعجم 22 آ من الرأي وانفتاح ما استغلق من الصواب
    والرابعة طي عزمه عن الإشاعة والتحرز فيه من خطر الإشاعة

    فإذا تقرر له الرأي الذي لا يخالطه فيه ارتياب ولا تعارضه فيه شبهة أمضاه ولم يؤاخذهم بعواقب الإكداء ودرك الزلل فإنما على الناصح الاجتهاد وليس عليه ضمان النجح لأن أقضية الله خافية وأقداره غالبة لا يدفعها رأي مجتهد ولا يصد عنها روية مناصح فلم يتوجه إليه لوم إن أكدى ولم يقدح فيه ذم إن أخطأ
    قال بعض الحكماء
    الحوائج تطلب بالعناء وتدرك بالقضاء
    قال الشاعر
    ألم تر أن الدهر يلعب بالفتى
    ولا يملك الإنسان دفع المقادير
    من الطويل
    ومتى عرف منه تعقب المشير بلوم أو ذم أسلم إلى رأيه وهو ملوم ووكل إلى تدبيره وهو مذموم فبقي بالمتاركة فردا لا يعاضد ومهملا لا يساعد وبه من الحاجة إلى مشورة ذوي الرأي ما لا يجد منه بدا
    قال الشاعر
    من كان ذا عضد يدرك ظلامته
    إن الذليل الذي ليست له عضد
    من البسيط
    فضعفت منته بالمتاركة وقلت مساعدته بالإهمال فتموجت به الخطوب وتنكرت عليه القلوب
    قال بعض الحكماء
    لو كانت الملوك تعرف مقدار حاجتهم إلى ذوي الرأي من الناس مثل الذي يعرف أهل الرأي من حاجتهم إلى الملوك لم أر عجبا أن ترى مواكب الملوك على أبواب العلماء كما ترى مواكب العلماء على أبواب الملوك
    أريج الورد
    أريج الورد
    مشرف
    مشرف


    الجنس : انثى
    الابراج : الحمل
    عدد المساهمات : 66
    نقاط : 5090
    السٌّمعَة : 12
    تاريخ التسجيل : 24/02/2012
    العمر : 27
    الموقع : الوطن العربي
    المزاج المزاج : اجتماعية

     أخلاق الملك Empty رد: أخلاق الملك

    مُساهمة من طرف أريج الورد الأربعاء 18 أبريل 2012 - 13:46

    الفصل الثالث عشر
    الأخلاق المتقابلة في الملوك
    وليعلم الملك أن أربعة أخلاق متقابلة ليس يعرى منها أو من أبدالها ملك فإن استعملت في مواضعها ووقف منها على حدودها خمدت وإن استعملت في غير مواضعها أو خرجت عن حدودها إلى زيادة أو تقصير ذمت
    الرقة والرحمة
    فأحدها الرقة والرحمة تحمد عند اعتدالها وفي موضعها وتذم عند غلبتها وميلها لأنها إذا غلبت أفضت إلى ترك الحدود وإضاعة الحقوق وذلك داع إلى هياج طباع المفسدين وتحريك مطامع المتقلبين فينحل من عرى السياسة ما كان بالرهبة ملتئما وتخوف العقوبة منتظما

    ومن نسب إلى رحمة تبطل حدا أو تضيع حقا أو تحدث فسادا كان الفساد عليه أعود وهو لنظره وسياسته أفسد وصار كما قاله المتقدمون كالطبيب الذي يرحم العليل من مرارة الدواء وألم الحديد فتوديه رحمته إلى هلكته وتسوقه الشفقة إلى منيته فتصير رحمته له أبلى من قسوته ورفقه به اضر من غلظته
    والرحمة خلق مركب من الود والجزع
    القسوة والغلظة
    ثم الخلق الثاني المقابل لهذا الخلق وهو القسوة والغلظة فإنها إذا غلبت أفضت إلى مجاوزة الحدود في الحياة وعقوبة الأخيار المبراة والمواخذة بالتهم والظنون والتسوية بين الشك واليقين فلا يأمن سليم
    ولا يتميز سقيم وفي ذلك من فساد السياسة بإيحاش المؤانسين وخبث سرائر المناصحين ما يجعل كل ولي خصما وكل معين ألتا
    وربما ظن بعض الولاة أن القساوة صرامة فعدل عن الاقتصاد والسداد إلى ضدهما وتجاوز حكم الدين والسياسة إلى غيرهما ولا خير 23 آ في العدول عن واحد منهما وقد قال النبي {صلى الله عليه وسلم}
    ( أشد الناس عذابا يوم القيامة أشدهم عذابا للناس في الدنيا )
    وإنما الصرامة قلة الغفلة عن الجرائر ومعرفة الأمور على الحقائق حتى لا يتدلس عليه السقيم بالسليم والخائن بالأمين ولا يتصور الخالع بصورة الطائع
    والقساوة تهون في الحدود وتعد في الحقوق يبعثه عليه اتباع شهوته وتحكيم سطوته
    وإذا اعتدل فيه هذان الخلقان فرق لأهل الحق وعنف لأهل الباطل اعتدلت سيرته وصحت سياسته
    والقسوة خلق مركب من البغض والجرأة
    3 السماحة والعطاء
    ثم الخلق الثالث وهو السماحة والعطاء فإن وقف على حده
    وهو بذل ما يحتاج إليه عند الحاجة وإيصاله إلى مستحقه بحسب الطاقة كان محمود البذل مشكور العطاء
    وإن تجاوز هذا الحد فأعطى في غير حق وبذل من غير تقدير صار منسوبا إلى التبذير والإضاعة وصار بإزاء تبذيره حقوق مضاعة
    قيل كل شرف فبإزائه حق مضيع

    وإذا انتشر أن أمواله تنال بغير استحقاق وتدرك بغير سعي ثارت به مطامع المحتذين وتكاثرت عليه وفود السائلين الذين ألفوا كلف الاحتراف واستبدلوا به دني الاقتراف فإن رام رضى جميعهم لم يطق لاتساع آمالهم وقوة أطماعهم ولو أطاق لأفسد سعي اتباعه وتخبثت نيات أشياعه إذ سوى في العطاء بينهم وبين من لم يسع 23 ب سعيهم ولا سد في الموازرة والمظاهرة مسدهم
    قال بعض الحكماء
    لا خير في السرف ولا سرف في الخير
    وإن خص بالعطاء قوما وحرم قوما لم يكن بين من أعطاه وهو غير مستحق وبين من حرمه فرق ولحقه من ذم من حرمه أضعاف ما لحقه من حمد من وصله وليس يمنع هذا من التبرع بالصلة ومن مراعاة من أمت بجرمة إذا ظهرت أسبابها وتلوح صوابها لأن الملوك مطالب ذوي الحاجات وذخائر ذوي الحرمات
    وهذا في حقوق الساسة من الواجبات
    والسخاء خلق مركب من الحياء والإيثار
    4 البخل والإمساك
    ثم الخلق الرابع المقابل لهذا الخلق وهو البخل والإمساك المؤدي إلى تفريق النصحاء وتنكر الألباء واستطالة الأعداء فإن الأموال تصير إلى الملوك لتوضع في حقها وتفرق على مستحقها لا ليعدل بها عن العطاء إلى المنع وعن التفرقة إلى الجمع
    وقد قيل
    من جمع المال لنفع غيره أطاعوه ومن جمعه لنفع نفسه أضاعوه
    وإذا شح ومنع اعتقد كل ممنوع أنه غريم مماطل مستحق مدفوع لا يعذر إن منع ولا يشكر إن أعطي يرى أن أيام السلامة مغرم وأن أيام الاختلاط مغنم فهو على رصد من تقلب الزمان وتوقع الغير والحدثان ثم تدعوه الضرورة إن تطاولت به المدة إلى الخيانة في أمانته والغش في نصيحته وقبول الرشا في مضرته فيعكس عليه قواعد دولته ويفسد له نظام مملكته
    قال بعض الحكماء
    إذا بخل 24 آ الملك كثرت أراجيف الناس عليه وفسدت مودتهم له
    وإذا اعتدل فيه هذان الخلقان في العطاء والمنع فلم ينقبض في حق ولم ينبسط في باطل وسرف صلح واستصلح
    وقال هشام بن عبد الملك

    إنا لا نعطي تبذيرا ولا نمنع تقتيرا إنما نحن خزان الله عز وجل فإذا أحب أعطينا وإذا كره أبينا ولو كان كل قائل يصدق وكل سائل يستحق ما جبهنا قائلا ولا رددنا سائلا
    والبخل خلق مركب من القحة والأسف
    فهذه أخلاق إذا أخذ الملك نفسه بتعديلها فيه اتسقت له السياسة العادلة وانتظمت له السيرة الفاضلة
    فإن خرج الملك عن القصد والاعتدال المحمود في العطاء والمنع إلى أحد الطرفين المذمومين من زيادة في العطاء بسخائه أو زيادة في المنع ببخله فقد تنقسم أحوال الملوك فيها أربعة أقسام
    أحدهما ملك سخي على نفسه سخي على رعيته
    والثاني ملك بخيل على نفسه بخيل على رعيته
    والثالث ملك سخي على نفسه بخيل على رعيته
    والرابع ملك بخيل على نفسه سخي على رعيته
    وقد اختلفت طوائف الأمم أي الأربعة أقرب إلى الصواب وأبعد من العيب وإن لم يخل بالخروج عن الاعتدال من خطأ وعيب على أربعة آراء
    فرأي الروم أن أقربهم إلى الصواب وأبعدهم من العيب هو البخيل على نفسه وعلى رعيته لأنه مستبق وغير مستهلك
    ورأي الهند أن أقربهم إلى الصواب وأبعدهم من العيب هو السخي على نفسه السخي على رعيته لأنه منتفع ونافع
    ورأي الفرس أن أقربهم إلى الصواب وأبعدهم من العيب هو السخي على نفسه البخيل 24 ب على رعيته لأنهم يرون تنعيم النفوس من الواجبات فكان حق نفسه أحق به من حق غيره
    ورأي العرب أن أقربهم إلى الصواب وأبعدهم من العيب هو البخيل على نفسه السخي على رعيته لأنه إيثار غيره على نفسه
    وقد جاء القرآن بما يظهر هذا في قول الله عز وجل
    ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون
    وقد ظهر ذلك في أشعار العرب حتى قال بعضهم
    وإنك إن أعطيت بطنك همه
    وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا
    من الطويل
    وقد جاء القرآن بما يظهر هذا في قول الله عز وجل
    ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون
    وقد ظهر ذلك في أشعار العرب حتى قال بعضهم

    وإنك إن أعطيت بطنك همه
    وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا
    من الطويل
    الفصل الرابع عشر
    الوفاء بالعهد
    مزايا الوفاء بالعهد
    وليعلم الملك أن من قواعد دولته الوفاء بعهوده فإن الغدر قبيح وهو بالملوك أقبح ومضر وهو بالملوك اضر لأن من لم يوثق منه بالوفاء على بذله ولم يتحقق منه تصديق قوله بفعله ووسم بنقض العقود ونكث العهود قل الركون إليه وكثر النفور منه وعنه
    وانعقاد الملك إنما يكون بالركون الموجب للاستسلام والطاعة الباعثة على النصرة ليصير الناس مع الملك من بين مستسلم إليه وناصر له وبهذين يكون الملك منعقدا
    فإذا نفرهم الغدر انتقضت قواعده لزوال الاستسلام وقلة التناصر
    وإذا عرف الأعداء الوفاء منه لانوا وطال عليهم بالنصرة فهانوا وقوبل على غدره بمثله فدان له الناس بمثل ما دان
    وقد قال النبي {صلى الله عليه وسلم}
    ( كما تدين تدان )
    قال الشاعر
    وعندي قروض الخير والشر كلها
    فبؤسى لدى بؤسي ونعمى بأنعم
    من الطويل
    فإذا لا شيء أضر بالملك من الغدر ولا أنفع له من الوفاء
    مساوئ الغدر
    وربما استسهل غدره ينتهزها فرصة فسامح نفسه بها وجعلها من الذنوب المكفرة بالتوبة ولا يعلم أنها أنكى في مملكته من عدو 25 آ قاهر ومتغلب جائر لأنهم قد وسموه بها وإن ندرت واكتفوا بها وإن
    شذت ولا يقبلون توبته ويجعلون ما يعقبها من الوفاء اضطرارا ومن العذر اختيارا فلا يكون في وفائه مشكورا ولا في عذره معذورا
    وقد قيل
    ما لغادر عاذر
    وربما تأول الملك في غدره تأويلا بجعله عذرا لنفسه فلا يجد من الناس عاذرا ولا يكون عندهم إلا غادرا لأنهم يحملون الأمور على ظواهرها ولا يكشفون عن غوامضها فيقضون بسقم الظاهر على سلامة الباطن وبفساد العيان على صلاح الكامن تغليبا على السرائر
    وما ينفعه أن يعذر نفسه وهو عند الناس غير معذور ويشكرها وهو عندهم غير مشكور
    قال بعض الحكماء
    الوفاء من الملوك يجلب إليهم نفوس الرعايا وأموالها وقلة الوفاء يقبض نفوس الرعايا وأموالها
    الفصل الخامس عشر
    تجنب الحسد

    ومما يجب على الملك أن يحفظ نفسه من الحسد فإنه خلق دني وطبع ردي فهو في عموم الناس مذموم وفي أخلاق الملوك أذم لأن قدر الملك يجل عن دناءته ومنزلة المحسود مستصغرة في عظم همته
    قال بعض الحكماء
    حسد الملوك يخفي بهجة الملك
    ولو لم يكن في الحسد من الذم إلا ما يفضي إليه من تفضيل المحسود لكفى ذا القدر خمولا وذا الفضيلة نقصا فكيف بأثره إذا وصم وبضرره إذا قصم
    قال ابن المقفع
    الحسد والحرص يكثر الذنوب وأصل المهالك أما الحسد فأهلك إبليس وأما الحرص فأخرج آدم من الجنة
    وفي الحسد نوعا ذم يختص أحدهما بظاهره والآخر بباطنه
    فأما الأخص بالظاهر فهجنه إذا عرف وقبحه إذا وصف لأنه في
    الظاهر شدة الأسى على 25 ب الخير أن يكون للناس الأفاضل وظاهر هذا قبيح إذا ذكر وشائع إذا ستر وخاصة الملوك الذين هم أس الفضائل ومعدن الخيرات
    وأما الأخص بالباطن فكد القلب بغمه وهد الجسد بسقمه لا يجد لقلبه سلوا ولا لجسده هدوا وهذا عذاب جنته يداه والمحسود قرير العين وادع الجسد قد ضر ولم يستضر
    وقيل
    ليس في خصال الشر شيء أعدل من الحسد لأنه يبدأ بإضرار الحاسد قبل المحسود
    المنافسة
    وأما المنافسة فهي غير الحسد فلا بأس أن ينافس الأكفاء في فضائلهم ويتشبه بالأخيار في محاسنهم ويجتهد إن لم يزد عليهم أن لا يقصر عنهم فما تكامل فضل الأخيار إلا بالاقتداء بالأخيار لأن لكل نفس في الخير حظا مطبوعا وحظا مكتسبا فإذا اجتمعا تكامل الخير بهما
    والعرب تقول
    لولا الوئام لهلك الأنام
    أي لولا الناس يرى بعضهم بعضا فيقتدي به في الخير وينتهي به عن الشر لهلكوا
    قيل لعيسى بن مريم عليه السلام
    من أدبك
    قال
    ما أدبني أحد ولكني رأيت جهل الجاهل فاجتنبته
    وربما غلط قوم فظنوا أن المنافسة في الخير هي الحسد وليس كما ظنوا لأن المنافسة طلب الشبيه بالأفاضل من غير إدخال ضرر عليهم
    والحسد مصروف إلى الضرر لأن غايته أن يعدم الفاضل فضله وإن لم يصر للحاسد مثله

    فهذا هو الفرق بين المنافسة والحسد
    فصارت المنافسة خيرا والحسد شرا
    الامتنان
    ومما هو جدير بالملك أن يجتنب الامتنان بإنعامه والبذخ بإحسانه لأنه من ضيق النفس وضعف المنة وهو تابع لفساد الأخلاق وملحق بمساوئ الشيم وفيه تكدير للصنيع وإحباط للشكر وإغراء بالذم فينعكس عليه ما صنع فيصير مسيئا 16 آ بإحسانه ومذموما بامتنانه فيعتاض بالإحسان كفرا وبالامتنان عصيانا إلا قوما قد أظهروا كفر إحسانه واستبطان عصيانه فيخرج الامتنان عليهم مخرج الوعيد والتهديد مقابلة على ما أضاعوه من شكر إحسانه فيكون ذلك منه استئناف إحسان إليهم لأنه تقويم على ميل وتأديب على ذلك
    وحسبك بذم الامتنان أن يصير عصيانا
    قال الشاعر
    أفسدت بالمن ما أسديت من حسن
    ليس الكريم إذا أسدى بمنان
    من البسيط
    أريج الورد
    أريج الورد
    مشرف
    مشرف


    الجنس : انثى
    الابراج : الحمل
    عدد المساهمات : 66
    نقاط : 5090
    السٌّمعَة : 12
    تاريخ التسجيل : 24/02/2012
    العمر : 27
    الموقع : الوطن العربي
    المزاج المزاج : اجتماعية

     أخلاق الملك Empty رد: أخلاق الملك

    مُساهمة من طرف أريج الورد الأربعاء 18 أبريل 2012 - 13:47

    الفصل السادس عشر
    تصفح الأعمال
    اعتياد تصفح الأعمال
    ليكن من دأبه التصفح في ليله أعمال نهاره فإن الليل أحضر للخاطر وأجمع للذكر ليكون ما فعله موقوفا على استيضاح الرأي فيه فإن كان صوابا أبرمه وأمضاه واقتفى أثره فيما جانسه وضاهاه
    وإن كان قد مال فيه عن سنن الصواب وزل عن نهج الاقتصاد بادر إلى استدراكه فيما أمكن وانتهى عن مثله في المستقبل ليكون بالماضي معتبرا وبالمستأنف خبرا
    وليعلم أن ما صدر من أفعاله لا يخلو من ثلاثة احوال
    إما أن يكون قد اقتصد فيها ووقف منها على حدها وهو العدل المقصود والغرض المطلوب
    أو يكون قد أفرط فيها فزادت أو قصر فيها فنقصت وكلاهما خروج عن العدل وميل عن القصد
    فليعرف ذلك بسبره وتصفحه وليمضه بعد العلم بصوابه
    قال النبي {صلى الله عليه وسلم}
    ( إذا تثبت أصبت أو كدت تصيب وإذا استعجلت أخطأت أو كدت تخطئ )

    وليكن مع ذلك متصفحا لأفعال غيره فما أعجبه من جميلها واستحسنه من فضائلها بادر إلى فعله وزين نفسه بالعمل به فإن السعيد من تصفح أفعال غيره فانتهى 26 ب عن سيئها واقتدى بحسنها فنال هنيء المنافع وأمن خطر التجارب ووصل إلى الصواب بغير تكلف وعمل بالحزم من غير تعنف
    قال النبي {صلى الله عليه وسلم} ( السعيد من وعظ بغيره )
    ووجد على حجر بالهند مكتوب
    من اعتبر بغيره لم تصبه محنة
    قال الشاعر
    إن السعيد له في غيره عظة
    وفي التجارب تحكيم ومعتبر
    من البسيط
    الحذر والاحتراس
    ينبغي للسلطان أن لا يغفل عن الحذر والاحتراس ليجعل التوكل على الأعذار وما تجري به الأقدار طريقا إلى إضاعة الحزم فيستسلم لنوائب الدهر فإن الله تعالى أمرنا بالتوكل بعد الإنذار وندب إليه بعد الإعذار بذلك أنزل كتابه وأمضى سنته فقال عز وجل
    خذوا حذركم
    وقال
    ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة
    وقال النبي {صلى الله عليه وسلم}
    ( اعقلها وتوكل )
    وسئل ما الحزم
    قال ( الحذر )
    وقيل لبعض الحكماء
    ما الحزم
    قال أن تحذر ما يمكن كونه
    قيل فما العجز
    قال أن تأمن ما يمكن كونه
    وليعلم الملك أن شدة الاتقاء والحذر تدعو إلى وقوع ما يتقي ويحذر فإنه ربما عاد عليه من استظهاره فشل وداخله من شدة حذره وجل فصار بهما عرضة للنوائب وهدفا للمصائب فتدخله شدة اتقائه فيما كان منه بدء إشفاقه
    وقيل
    من التوقي ترك الإفراط في التوقي
    وإذا أخذ بالحذر والاحتراس في مواضع الشدة وعمل على الجرأة والإقدام عند انتهاز الفرصة فقد أخذ بالحزم في شدته وعمل بالعزم عند فرصته
    قال طاهر بن الحسين
    ركوبك الأمر ما لم تبد فرصته
    جهل ورأيك في الإقحام تغرير
    فاعمل صوابا وخذ بالحزم مأثرة
    فلن يذم لأهل الحزم تدبير
    من البسيط
    الوعد والوعيد
    وعلى هذا قياس ما قدمنا مع المنع والعطاء لأن لكل فضيلة حدا وتجاوز الحد نقص في المحدود

    ليكن من عادة الملك إذا اراد المقابلة على الإحسان والإساءة أن لا يعد محسنا بالثواب ولا يتوعد مسيئا بعقاب لأنه على الأمرين قادر وفي الوعد بالثواب تكدير وفي الوعيد بالعقاب تنفير فاستغنى بالفعل عن القول إلا أن يجعل حمده ثوابا وذمه عقابا فيقتصر على الجزاء بالقول بحسب الإحسان والإساءة ولا يغريه توعد ولا وعيد على زيادة وليعتمد على الجزاء بالقول فيمن كان بالحق عروفا وعن المال عزوفا فإن تأثير الكلام في الكرام ابلغ من تأثير الفعل باللئام
    وقد قال أنوشروان
    الناس ثلاث طبقات تسوسهم ثلاث سياسات
    طبقة من خاصة الأحرار تسوسهم باللين واللطف
    وطبقة من خاصة الأشرار تسوسهم بالشدة والعنف
    وطبقة هم العامة تسوسهم باللين والشدة لئلا تحرجهم الشدة ولا يبطرهم اللين
    الفصل السابع عشر
    الطيرة والفأل
    اعتقاد الطيرة
    وليعلم الملك أن من أقوى الأمور في نقض العزائم اعتقاد الطيرة فإنه لا شيء اضر بالرأي ولا أفسد للتدبير منها مع ورود السنة باجتنابها والنهي عنها فما الأقدار إلا بقضاء محتوم وأجل معلوم
    قال الشاعر
    ما للرجال مع القضاء تحيل
    ذهب القضاء بحيلة المحتال
    من الكامل
    27 آ
    ومن ظن أن الطيرة ترد قضاء أو تدفع مقدورا فقد جهل
    إن أقضية الله نافذة بأمره وجارية على قدره فليحذر الطيرة ولا يجعل لنقض عزائمه أسبابا ولا لفساد الرأي عللا وليمض الأمور على مقتضى أحوالها
    قيل
    الخيرة في ترك الطيرة
    ولينسب ما جره القضاء وساقه القدر إلى مدبر الأمور ومقلب الدهور فما لمتطير عيش يصفو من وجل ولا عزم يخلو من فشل فيحسم وساوس الشيطان عن نفسه فما جعل الله لما استأثر لعلمه من الغيوب بشيرا ولا نذيرا وإنما وكله إلى عقول يتدبرون بها ويعملون بموجبها ولم يجعل للطيرة فيها حظا
    وقد قال الشاعر
    وما عاجلات الطير تدني من الفتى
    رشادا ولا عن ريثهن يخيب
    ورب أمور لا تضيرك ضيرة
    وللقلب من مخشاتهن وجيب
    من الطويل
    التفاؤل

    فأما الفأل فمحمود الأثر مؤنس الخبرة لأن فيه تنفيذ الآراء وتقوية العزائم فصار في موافقة الرأي على ضد الطيرة في مخالفة الرأي فلذلك ندب إلى الفأل ومنع من الطيرة
    تفاءل رسول الله {صلى الله عليه وسلم} في غزواته وحروبه ولم يتطير فافترقا في النص والتعليل واختلفا في المدلول والدليل
    قيل
    لا تحرك من الأمور ما كان ساكنا ولا نظهر منها ما كان كامنا فتعجل تحقيق الحذر وتقدم بادرة الخطر
    وليترك الأمور على مطاوي الدعة ومجاري السلامة ما لم يبلغه اضطرار ولا تسقه إليه أقدار فقد قيل في منثور الحكم
    لا تفتح بابا يعييك سده ولا ترم سهما يعجزك رده ولا تفسد أمرا يعييك 28 آ إصلاحه ولا تغلق بابا يعجزك افتتاحه
    قال الشاعر
    فإياك والأمر الذي إن توسعت
    موارده ضاقت عليك المصادر
    فما حسن أن يعذر المرء نفسه
    وليس له من سائر الناس عاذر
    من الطويل
    الفصل الثامن عشر
    الملوك قدوة للناس
    البدء بالنفس
    لا يحسن بالملك أن يأمر بالمعروف إلا بدأ بفعله ولا ينهى عن منكر إلا بدأ بتركه ولا يلم أحدا فيما لا يلوم عليه نفسه ولا يستقبح منه ما لا يستقبحه من نفسه ولا يأمرهم بالبر بما لا يأمر به نفسه فإن الناس على شاكلة ملوكهم يجرون وبأخلاقهم يستنون لأنهم أعلام متبوعة ومناهج مشروعة
    قال بعض الحكماء
    أصلح نفسك لنفسك يكن الناس تبعا لك
    وقال المأمون
    أسوس الملوك من ساس نفسه لرعيته فأسقط عنه مواقع حجتها وقطع مواقع حجته عنها
    قال بعض الحكماء
    أفضل الملوك من أبقى بالعدل ذكره واستعمله الناس بعده
    والملك الفاضل هو الذي يحوش الفضائل ويجود بها على من دونه حتى تكثر في أيامه ويتجمل بها من لم تكن فيه
    وجدير بمن أمر بصلاح أن يكون احق بفعله وبمن نهى عن فساد أن يكون أحق بتركه ولأن كان علو القدر لا يزيده تحفظا لم ينقص
    قال الشاعر
    لا تنه عن خلق وتأتي مثله
    عر عليك إذا فعلت عظيم
    من الكامل
    وقال الشاعر
    لك الخير لم نفسا عليك ذنوبها
    ودع لوم نفس ما عليك مليم
    وكيف ترى في عين صاحبك القذى

    ويخفى قذى عينيك وهو عظيم
    من الطويل
    الرجوع إلى الحق
    لا يأنف من حق إن لزم أو حجة إن قامت فإن الرجوع إلى الحق أولى من 28 ب العدول إلى باطل قد كان ناهيا عنه وربما منعته القدرة من الاعتراف بما لا يهواه وأخذته العزة أن يلين بمن سواه فعاند الحق
    ونبذه واستقل المحق ورفضه ولم ير للمحق حقا فمرح ولئن طال لسان الملك فلسان الحق أطول ولئن وجبت طاعته فطاعة الحق أوجب
    قال بعض الألباء
    من خادع الحق خدع ومن صارعه صرع
    قال الشاعر
    متى ما تقد بالباطل الحق يأبه
    وإن قدت بالحق الرواسي تنقد
    ولئن يحتج لنفسه لمن علم وضوح حجته وظهر عجزه عن إبانته أليق بسلطانه وأحمد لزمانه فإن كل امرئ إنما يخاطبه بأصفر لسانه ويقبض
    نفسه عن إقامة الحجة عليه يراعي حق نفسه في ضبط شهواته فإنها من نتائج الهوى المذموم المذهل عن زواجر العقول فيأتي منها ما لم يكن في العقل قبيحا ولا في الشرع محظورا
    قال بعض العقلاء
    إذا تفرغ الملك للهوه تفرغت الرعية لإفساد ملكه
    قال بعض البلغاء
    من آثر اللهو ضاعت رعيته ومن دوام السكر فسدت رويته
    الاعتدال
    وليقف في مباح الشهوات على حد معتدل بين منزلتين متقابلتين منع وتمكين ليصل بالتمكين إلى لذته ويقف بالمنع على مصلحته
    ولأن يميل إلى المنع فيتوفر على سياسته خير من أن يميل إلى التمكين فينهمك في لذته لأن زمان السياسة جد وزمان اللهو هزل والجد حق والهزل باطل والقيام بالحق أولى من الانهماك في الباطل
    29 آ
    قال بعض الحكماء
    من قوي على نفسه تناهى في القوة ومن صبر على شهوته بالغ في المروة
    وقيل في منثور الحكم
    أيدي العقول تمسك اعنة الأنفس
    السواسية
    وربما اختص بعض الملوك في اللذات بما يحظره على من سواه لينفرد باللذة كما تفرد بالقدرة ويأسى أن يشاركه فيها من لا يساويه في الرتبة فيخالف عدل السياسة وصواب التدبير لأنه يوغر الصدور وينشيء النفور لما جبلت عليه القلوب من بغض من استبد واستأثر وتوقع الغير بمن استباح ما حظر

    وربما عوجل بالغوائل فان نوازع الشهوات تبعث على التوصل إليها بكل حق وباطل فيصير الخطر في حظرها يكدر اللذة في استباحتها ولو أباح ما استباح لكان أصفى للذمة وأسلم في عاقبته
    فليكن ما استباحه من اللذات مباحا للعموم ولو أطاعته نفسه على أن يمنعها من اللذات التي لا يقدر من دونه عليها كان أبلغ في استعطاف القلوب وطمس العيوب
    كتب الإسكندر إلى معلمه يسترشده في تدبير ملكه فكتب إليه في جملة رسالته
    لا تتناول من لذيذ العيش ما لا يمكن أوساط أصحابك تناول مثله فليس مع الاستبداد محبة ولا مع المواساة بغضة
    محاسبة النفس
    ليكن من دأب الملك تهذيب نفسه بسبر أخلاقه وتصفح أحواله وأفعاله فإنه لا يحبذ عليها بإنكار وإن استنكرت ولا يواجه عليها بإكبار وإن أكبرت ولا يسمع لها بذم وإن ذمت ولا يلقى فيها إلا بما يرضيه من سداد مختلها 29 ب وصلاح معتلها
    فإن ترك نفسه وهو متروك محتشم وأهملها وهو مطاع معظم قاده الهوى في القدرة إلى مساوئ الأخلاق وساقه الإهمال والمتاركة إلى قبائح الأفعال
    قال بعض الألباء
    من عمل عملا في السر يستحيي منه في العلانية فليس لنفسه عنده قدرة
    فيهذب الملك نفسه بنفسه ويستعين في صلاحها بحزمه ويراقب وليه كما يراقب عدوه ولا تحدث له الثقة والأنسة والانبساط ترك التحفظ عند ولي أو نسيب فمن عرف منهم زلته استقل هيبته
    وقد يصير الموالي المؤنس عدوا وموحشا فينم بما علم
    قال بعض العلماء
    ليكن استحياؤك من نفسك أكثر من استحيائك من غيرك
    وقيل
    ما أحببت أن تسمعه أذناك فأته وما كرهت أن تسمعه أذناك فاجتنبه
    فهذه جملة كافية في أخلاق الملك الرشيد والله ولي التوفيق والتسديد
    alsaidilawyer
    alsaidilawyer
    مدير المنتدى
    مدير المنتدى


    الجنس : ذكر
    الابراج : الدلو
    عدد المساهمات : 4032
    نقاط : 80927
    السٌّمعَة : 2684
    تاريخ التسجيل : 01/03/2010
    العمر : 53
    الموقع : الجمهورية اليمنية - محافظة إب

     أخلاق الملك Empty رد: أخلاق الملك

    مُساهمة من طرف alsaidilawyer الخميس 19 أبريل 2012 - 13:28

    شكرا
    مشاركـة موفقــــة
    جزاك الله خيراً في دنياك وأخرتك
    ووفقك لما يحبه ويرضاه
    وأعانك على طاعته
    وجنبك معصيته
    وأسكنك
    الجنة


    _________________

    *******************************************

    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
    d.ahmed
    d.ahmed
    إداري
    إداري


    الجنس : ذكر
    الابراج : الحمل
    عدد المساهمات : 990
    نقاط : 20550
    السٌّمعَة : 241
    تاريخ التسجيل : 15/03/2010
    العمر : 47
    أوسمه :  أخلاق الملك Ououo_12

     أخلاق الملك Empty رد: أخلاق الملك

    مُساهمة من طرف d.ahmed الإثنين 9 يوليو 2012 - 12:49

    شكرا
    موضوع رائع
    والأروع
    تواصلك المستمر بالمنتدى
    ومشاركاتك الدائمة
    وجزاك الله خيراً


    _________________

    *******************************************
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
    yasir ibrahim
    yasir ibrahim
    فارس جديد
    فارس جديد


    الجنس : ذكر
    الابراج : العقرب
    عدد المساهمات : 62
    نقاط : 5611
    السٌّمعَة : 10
    تاريخ التسجيل : 24/02/2012
    العمر : 35

     أخلاق الملك Empty رد: أخلاق الملك

    مُساهمة من طرف yasir ibrahim السبت 15 ديسمبر 2012 - 8:40

    موضوع رائع
    جزاك الله خير


    _________________

    *******************************************
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
    فريدهمام
    فريدهمام
    فارس جديد
    فارس جديد


    الجنس : ذكر
    الابراج : الدلو
    عدد المساهمات : 77
    نقاط : 4668
    السٌّمعَة : 20
    تاريخ التسجيل : 07/01/2013
    العمر : 44
    الموقع : الجزائر

     أخلاق الملك Empty رد: أخلاق الملك

    مُساهمة من طرف فريدهمام الأربعاء 9 يناير 2013 - 9:07

    مشاركة رائعة
    مشكووورررررررررر

      الوقت/التاريخ الآن هو الثلاثاء 7 مايو 2024 - 16:54