فضل الصيام
محمد بن صالح بن عثيمين
الحمد لله اللطيف الرؤوف المنان، الغني القوي السلطان، الحليم الكريم الرحيم الرحمن، الأول فلا شيء قبله، الآخر فلا شيء بعده، الظاهر فلا شيء فوقه، الباطن فلا شيء دونه، المحيط علماً بما يكون وما كان، يعز ويذل، ويفقر ويغني، ويفعل ما يشاء بحكمته {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}، أرسى الأرض بالجبال في نواحيها، وأرسل السحاب الثقال بماء يحيها، وقضى بالفناء على جميع ساكنيها ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي المحسنين بالإحسان. أحمده على الصفات الكاملة الحسان، وأشكره على نعمه السابغة وبالشكر يزيد العطاء والامتنان.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الديان، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث إلى الإنس والجان.
صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم ما توالت الأزمان، وسلّم تسليماً.
إخواني: اعلموا أن الصوم من أفضل العبادات وأجل الطاعات، جاءت بفضله الآثار، ونقلت فيه بين الناس الأخبار.
فمن فضائل الصوم: أن الله كتبه على جميع الأمم، وفرضه عليهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، ولولا أنه عبادة عظيمة لا غنى للخلق عن التعبد بها لله وعما يترتب عليها من ثواب ما فرضه الله علىجميع الأمم.
ومن فضائل الصوم في رمضان: أنه سبب لمغفرة الذنوب وتكفير السيئات.
ففي الصحيحين: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" يعني: إيماناً بالله ورضاً بفرضية الصوم عليه. واحتساباً لثوابه وأجره، لم يكن كارهاً لفرضه ولا شاكاً في ثوابه وأجره؛ فإن الله يغفر له ما تقدم من ذنبه.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أيضًا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الصلوات الخمس، والجُمعة إلى الجُمعة، ورمضان إلى رمضان؛ مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر".
ومن فضائل الصوم: أن ثوابه لا يتقيد بعدد معين، بل يعطي الصائم أجره بغير حساب.
ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله تعالى: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به. والصيام جُنّة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفُث ولا يَصْخَب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم. والذي نفس محمد بيده لخَلُوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه" وفي رواية لمسلم: "كل عمل ابن آدم له يضاعف، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف. قال الله تعالى: إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي".
وهذا الحديث الجليل يدل على فضيلة الصوم من وجوه عديدة:
الأول: أن الله اختص لنفسه الصوم من بين سائر الأعمال، وذلك لشرفه عنده ومحبته له، وظهور الإخلاص له سبحانه فيه، لأنه سر بين العبد وبين ربه لا يطلع عليه إلا الله، فإن الصائم يكون في الموضع الخالي من الناس متمكناً من تناول ما حرم الله عليه بالصيام فلا يتناوله، لأنه يعلم أن له رباً يطلع عليه في خلوته، وقد حرم عليه ذلك فيتركه لله خوفاً من عقابه ورغبة في ثوابه، فمن أجل ذلك شكر الله له هذا الإخلاص، واختص صيامه لنفسه من بين سائر أعماله، ولهذا قال: "يدع شهوته وطعامه من أجلي". وتظهر فائدة هذا الاختصاص يوم القيامة، كما قال سفيان بن عيينة رحمه الله: "إذا كان يوم القيامة يحاسب الله عبده ويؤدي ما عليه من المظالم من سائر عمله، حتى إذا لم يبق إلا الصوم يتحمل الله عنه ما بقي من المظالم ويدخله الجنة بالصوم".
الثاني: أن الله قال في الصوم: "وأنا أجزي به" فأضاف الجزاء إلى نفسه الكريمة، لأن الأعمال الصالحة يضاعف أجرها بالعدد: الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، أما الصوم فإن الله أضاف الجزاء عليه إلى نفسه من غير اعتبار عدد، وهو سبحانه أكرم الأكرمين وأجود الأجودين، والعطية بقدر معطيها، فيكون أجر الصائم عظيما كثيراً بلا حساب.
والصيام: صبر على طاعة الله، وصبر عن محارم الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة من الجوع والعطش وضعف البدن والنفس. فقد اجتمعت فيه أنواع الصبر الثلاثة، وتحقق أن يكون الصائم من الصابرين، وقد قال الله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}.
الثالث: أن "الصوم جنة" أي: وقاية وستر، يقي الصائم من اللغو والرفث، ولذلك قال: "فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب".
ويقيه أيضاً من النار، ولذلك روى الإمام أحمد بإسناد حسن عن جابر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الصيام جُنّة، يستجن بها العبد من النار".
الرابع: أن "خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك"؛ لأنها من آثار الصيام، فكانت طيبة عند الله سبحانه ومحبوبة له. وهذا دليل على عظيم شأن الصيام عند الله، حتى إن الشيء المكروه المستخبث عند الناس يكون محبوباً عند الله وطيباً لكونه نشأ عن طاعته بالصيام.
الخامس: أن للصائم فرحتين: فرحةً عند فطره، وفرحةً عند لقاء ربه.
أما فرحه عند فطره: فيفرح بما أنعم الله عليه من القيام بعبادة الصيام الذي هو من أفضل الأعمال الصالحة، وكم أناس حرموه فلم يصوموا. ويفرح بما أباح الله له من الطعام والشراب والنكاح الذي كان محرماً عليه حال الصوم.
وأما فرحه عند لقاء ربه: فيفرح بصومه حين يجد جزاءه عند الله تعالى موفراً كاملاً في وقت هو أحوج ما يكون إليه، حين يقال: أين الصائمون ؟ ليدخلوا الجنة من باب الريان الذي لا يدخله أحد غيرهم.
وفي هذا الحديث: إرشاد للصائم إذا سابه أحد أو قاتله أن لا يقابله بالمثل لئلا يزداد السباب والقتال، وأن لا يضعف أمامه بالسكوت، بل يخبره بأنه صائم؛ إشارة إلى أنه لن يقابله بالمثل احتراماً للصوم، لا عجزاً عن الأخذ بالثأر، وحينئذ ينقطع السباب والقتال: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}.
ومن فضائل الصوم: أنه يشفع لصاحبه يوم القيامة. محمد بن صالح بن عثيمين
الحمد لله اللطيف الرؤوف المنان، الغني القوي السلطان، الحليم الكريم الرحيم الرحمن، الأول فلا شيء قبله، الآخر فلا شيء بعده، الظاهر فلا شيء فوقه، الباطن فلا شيء دونه، المحيط علماً بما يكون وما كان، يعز ويذل، ويفقر ويغني، ويفعل ما يشاء بحكمته {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}، أرسى الأرض بالجبال في نواحيها، وأرسل السحاب الثقال بماء يحيها، وقضى بالفناء على جميع ساكنيها ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي المحسنين بالإحسان. أحمده على الصفات الكاملة الحسان، وأشكره على نعمه السابغة وبالشكر يزيد العطاء والامتنان.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الديان، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث إلى الإنس والجان.
صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم ما توالت الأزمان، وسلّم تسليماً.
إخواني: اعلموا أن الصوم من أفضل العبادات وأجل الطاعات، جاءت بفضله الآثار، ونقلت فيه بين الناس الأخبار.
فمن فضائل الصوم: أن الله كتبه على جميع الأمم، وفرضه عليهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، ولولا أنه عبادة عظيمة لا غنى للخلق عن التعبد بها لله وعما يترتب عليها من ثواب ما فرضه الله علىجميع الأمم.
ومن فضائل الصوم في رمضان: أنه سبب لمغفرة الذنوب وتكفير السيئات.
ففي الصحيحين: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" يعني: إيماناً بالله ورضاً بفرضية الصوم عليه. واحتساباً لثوابه وأجره، لم يكن كارهاً لفرضه ولا شاكاً في ثوابه وأجره؛ فإن الله يغفر له ما تقدم من ذنبه.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أيضًا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الصلوات الخمس، والجُمعة إلى الجُمعة، ورمضان إلى رمضان؛ مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر".
ومن فضائل الصوم: أن ثوابه لا يتقيد بعدد معين، بل يعطي الصائم أجره بغير حساب.
ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله تعالى: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به. والصيام جُنّة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفُث ولا يَصْخَب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم. والذي نفس محمد بيده لخَلُوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه" وفي رواية لمسلم: "كل عمل ابن آدم له يضاعف، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف. قال الله تعالى: إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي".
وهذا الحديث الجليل يدل على فضيلة الصوم من وجوه عديدة:
الأول: أن الله اختص لنفسه الصوم من بين سائر الأعمال، وذلك لشرفه عنده ومحبته له، وظهور الإخلاص له سبحانه فيه، لأنه سر بين العبد وبين ربه لا يطلع عليه إلا الله، فإن الصائم يكون في الموضع الخالي من الناس متمكناً من تناول ما حرم الله عليه بالصيام فلا يتناوله، لأنه يعلم أن له رباً يطلع عليه في خلوته، وقد حرم عليه ذلك فيتركه لله خوفاً من عقابه ورغبة في ثوابه، فمن أجل ذلك شكر الله له هذا الإخلاص، واختص صيامه لنفسه من بين سائر أعماله، ولهذا قال: "يدع شهوته وطعامه من أجلي". وتظهر فائدة هذا الاختصاص يوم القيامة، كما قال سفيان بن عيينة رحمه الله: "إذا كان يوم القيامة يحاسب الله عبده ويؤدي ما عليه من المظالم من سائر عمله، حتى إذا لم يبق إلا الصوم يتحمل الله عنه ما بقي من المظالم ويدخله الجنة بالصوم".
الثاني: أن الله قال في الصوم: "وأنا أجزي به" فأضاف الجزاء إلى نفسه الكريمة، لأن الأعمال الصالحة يضاعف أجرها بالعدد: الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، أما الصوم فإن الله أضاف الجزاء عليه إلى نفسه من غير اعتبار عدد، وهو سبحانه أكرم الأكرمين وأجود الأجودين، والعطية بقدر معطيها، فيكون أجر الصائم عظيما كثيراً بلا حساب.
والصيام: صبر على طاعة الله، وصبر عن محارم الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة من الجوع والعطش وضعف البدن والنفس. فقد اجتمعت فيه أنواع الصبر الثلاثة، وتحقق أن يكون الصائم من الصابرين، وقد قال الله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}.
الثالث: أن "الصوم جنة" أي: وقاية وستر، يقي الصائم من اللغو والرفث، ولذلك قال: "فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب".
ويقيه أيضاً من النار، ولذلك روى الإمام أحمد بإسناد حسن عن جابر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الصيام جُنّة، يستجن بها العبد من النار".
الرابع: أن "خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك"؛ لأنها من آثار الصيام، فكانت طيبة عند الله سبحانه ومحبوبة له. وهذا دليل على عظيم شأن الصيام عند الله، حتى إن الشيء المكروه المستخبث عند الناس يكون محبوباً عند الله وطيباً لكونه نشأ عن طاعته بالصيام.
الخامس: أن للصائم فرحتين: فرحةً عند فطره، وفرحةً عند لقاء ربه.
أما فرحه عند فطره: فيفرح بما أنعم الله عليه من القيام بعبادة الصيام الذي هو من أفضل الأعمال الصالحة، وكم أناس حرموه فلم يصوموا. ويفرح بما أباح الله له من الطعام والشراب والنكاح الذي كان محرماً عليه حال الصوم.
وأما فرحه عند لقاء ربه: فيفرح بصومه حين يجد جزاءه عند الله تعالى موفراً كاملاً في وقت هو أحوج ما يكون إليه، حين يقال: أين الصائمون ؟ ليدخلوا الجنة من باب الريان الذي لا يدخله أحد غيرهم.
وفي هذا الحديث: إرشاد للصائم إذا سابه أحد أو قاتله أن لا يقابله بالمثل لئلا يزداد السباب والقتال، وأن لا يضعف أمامه بالسكوت، بل يخبره بأنه صائم؛ إشارة إلى أنه لن يقابله بالمثل احتراماً للصوم، لا عجزاً عن الأخذ بالثأر، وحينئذ ينقطع السباب والقتال: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}.
فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب، منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه. ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه. قال: فيُشَفَّعَان" رواه أحمد.
إخواني: فضائل الصوم لا تدرك حتى يقوم الصائم بآدابه، فاجتهدوا في إتقان صيامكم وحفظ حدوده، وتوبوا إلى ربكم من تقصيركم في ذلك.
اللهم أحفظ صيامنا، واجعله شافعاً لنا، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.