حكم قيام رمضان
محمد بن صالح العثيمين
الحمد لله الذي أعان بفضله الأقدام السالكة، وأنقذ برحمته النفوس الهالكة، ويسر من شاء لليسرى فرغب في الآخرة. أحمده على الأمور اللذيذة والشائكة.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو العزة والقهر، فكل النفوس ذليلة عانية. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، القائم بأمر ربه سراً وعلانية، صلى الله عليه وعلى صاحبه أبي بكر الذي تحرض عليه الفرقة الآفكة، وعلى عمر الذي كانت نفسه لنفسه مالكة، وعلى عثمان منفق الأموال المتكاثرة، وعلى علي مفرق الأبطال في الجموع المتكاثفة، وعلى بقية الصحابة والتابعين لهم بإحسان ما قرعت الأقدام السالكة، وسلم تسليماً.
إخواني: لقد شرع الله لعباده العبادات، ونوعها لهم ليأخذوا من كل نوع منها بنصيب، ولئلا يملوا من النوع الواحد فيتركوا العمل، فيشقى الواحد منهم ويخيب، وجعل منها فرائض لا يجوز النقص فيها ولا الإخلال، ومنها نوافل يحصل بها زيادة التقرب إلى الله والإكمال.
فمن ذلك: الصلاة، فرض الله منها على عباده خمس صلوات في اليوم والليلة، خمساً في الفعل وخمسين في الميزان، وندب الله إلى زيادة التطوع من الصلوات تكميلاً لهذه الفرائض وزيادة في القربى إليه.
فمن هذه النوافل: الرواتب التابعة للصلوات المفروضة، ركعتان قبل صلاة الفجر، وأربع ركعات قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء.
ومنها: صلاة الليل التي امتدح الله في كتابه القائمين فيها، فقال سبحانه: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً}، وقال: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل" رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلوا الأرحام، وصلّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام" رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح. وصححه الحاكم.
ومن صلاة الليل: الوتر، أقله ركعة، وأكثره إحدى عشرة ركعة، فيوتر بركعة مفردة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من أحب أن يوتر بواحدة فليفعل" رواه أبو داود والنسائي.
ويوتر بثلاث لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من أحب أن يوتر بثلاث فليفعل" رواه أبو داود والنسائي.
فإن أحب سردها بسلام واحد لما روى الطحاوي: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "أوتر بثلاث ركعات لم يسلم إلا في آخرهن" وإن أحب صلى ركعتين وسلم، ثم صلى الثالثة، لما روى البخاري عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما: أنه كان يسلِّم بين الركعتين والركعة في الوتر، حتى كان يأمر ببعض حاجته.
ويوتر بخمس فيسردها جميعاً لا يجلس ولا يسلم إلا في آخرهن، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من أحب أن يوتر بخمس فليفعل" رواه أبو داود والنسائي. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء منهن إلا في آخرهن" متفق عليه.
ويوتر بسبع فيسردها كالخمس، لقول أم سلمة رضي الله عنها: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يوتر بسبع وبخمس لا يفصل بينهن بسلام ولا كلام" رواه أحمد والنسائي وابن ماجه.
ويوتر بتسع فيسردها لا يجلس إلا في الثامنة، فيقرأ التشهد ويدعو ثم يقوم ولا يسلم، فيصلي التاسعة ويتشهد ويدعو ويسلم، لحديث عائشة رضي الله عنها في وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: "كان يصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة، فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم ينهض ولا يسلم، ثم يقوم فيصلي التاسعة، ثم يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه، ثم يسلم تسليماً يسمعنا" الحديث، رواه أحمد ومسلم.
ويصلي إحدى عشرة ركعة، فإن أحب سلم من كل ركعتين وأوتر بواحدة، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة، يسلم بين كل ركعتين، ويوتر بواحدة" الحديث، رواه الجماعة إلا الترمذي.
وإن أحب صلى أربعاً ثم أربعاً ثم ثلاثاً، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً" متفق عليه.
وقال الفقهاء من الحنابلة والشافعية: "يجوز في الوتر بإحدى عشرة أن يسردها بتشهد واحد أو بتشهدين في الأخيرة والتي قبلها".
وصلاة الليل في رمضان لها فضيلة ومزية على غيرها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" متفق عليه.
ومعنى قوله: "إيماناً" بالله وبما أعده من الثواب للقائمين، ومعنى قوله: "احتساباً" أي: طلباً لثواب الله، لم يحمله على ذلك رياء ولا سمعة ولا طلب مال ولا جاه.
وقيام رمضان شامل للصلاة في أول الليل وآخره، وعلى هذا فالتراويح من قيام رمضان، فينبغي الحرص عليها والاعتناء بها واحتساب الأجر والثواب من الله عليها، وما هي إلا ليال معدودة، ينتهزها المؤمن العاقل قبل فواتها.
وإنما سميت "تراويح" لأن الناس كانوا يطيلونها جداً، فكلما صلوا أربع ركعات استراحوا قليلاً.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم أول من سن الجماعة في صلاة التراويح في المسجد، ثم تركها خوفاً من أن تفرض على أمته، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد ذات ليلة، وصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة وكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح قال: "قد رأيت الذي صنعتم، فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم" قال: وذلك في رمضان". وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: "صمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقم بنا حتى بقي سبع من الشهر، فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل، ثم لم يقم بنا في السادسة، ثم قام بنا في الخامسة حتى ذهب شطر الليل، أي: نصفه. فقلنا: يا رسول الله، لو نفلتنا بقية ليلتنا هذه ؟. فقال صلى الله عليه وسلم: "إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة" الحديث، رواه أهل السنن بسند صحيح.
واختلف السلف الصالح في عدد الركعات في صلاة التراويح والوتر معها:
فقيل: إحدى وأربعون ركعة.
وقيل: تسع وثلاثون.
وقيل: تسع وعشرون.
وقيل: ثلاث وعشرون.
وقيل: تسع عشرة.
وقيل: ثلاث عشرة.
وقيل: إحدى عشرة.
وقيل: غير ذلك.
وأرجح هذه الأقوال: أنها إحدى عشرة، أو ثلاث عشرة، لما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: أنها سئلت كيف كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان ؟ فقالت: "ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة". وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة ركعة" يعني: من الليل، رواه البخاري، وفي الموطأ عن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال: "أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبي بن كعب وتميماً الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة".
وكان السلف الصالح يطيلونها جداً، فعن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال: "كان القاري يقرأ بالمئين يعني: بمئات الآيات حتى كنا نعتمد على العصيّ من طول القيام".
وهذا خلاف ما كان عليه كثير من الناس اليوم، حيث يصلون التراويح بسرعة عظيمة، لا يأتون فيها بواجب الهدوء والطمأنينة التي هي ركن من أركان الصلاة لا تصح الصلاة بدونها، فيخلون بهذا الركن، ويتعبون من خلفهم من الضعفاء والمرضى وكبار السن، يجنون على أنفسهم ويجنون على غيرهم.
وقد ذكر العلماء رحمهم الله: أنه يكره للإمام أن يسرع سرعة تمنع المأمومين فعل ما يُسَنّ. فكيف بسرعة تمنعهم فعل ما يجب ؟. نسأل الله السلامة.
ولا ينبغي للرجل أن يتخلف عن صلاة التراويح، لينال ثوابها وأجرها، ولا ينصرف حتى ينتهي الإمام منها ومن الوتر ليحصل له أجر قيام الليل كله.
ويجوز للنساء حضور التراويح في المساجد إذا أمنت الفتنة منهن وبهن، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله"، ولأن هذا من عمل السلف الصالح رضي الله عنهم، لكن يجب أن تأتي متسترة متحجبة غير متبرجة ولا متطيبة ولا رافعة صوتاً ولا مبدية زينة، لقوله تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} أي: لكن ما ظهر منها فلا يمكن إخفاؤه، وهي الجلباب والعباءة ونحوهما، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر النساء بالخروج إلى الصلاة يوم العيد قالت أم عطية: يا رسول الله، إحدانا لا يكون لها جلباب ؟. قال: "لِتُلْبِسْهَا أختها من جلبابها" متفق عليه.
والسنة للنساء: أن يتأخرن عن الرجال ويبعدن عنهم، ويبدأن بالصف المؤخر فالمؤخر عكس الرجال، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها" رواه مسلم.
وينصرفن من المسجد فور تسليم الإمام، ولا يتأخرن إلا لعذر، لحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم قام النساء حين يقضي تسليمه وهو يمكث في مقامه يسيراً قبل أن يقوم. قالت: نرى والله أعلم أن ذلك كان لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن الرجال" رواه البخاري.
اللهم وفقنا لما وفقت القوم، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
محمد بن صالح العثيمين
الحمد لله الذي أعان بفضله الأقدام السالكة، وأنقذ برحمته النفوس الهالكة، ويسر من شاء لليسرى فرغب في الآخرة. أحمده على الأمور اللذيذة والشائكة.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو العزة والقهر، فكل النفوس ذليلة عانية. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، القائم بأمر ربه سراً وعلانية، صلى الله عليه وعلى صاحبه أبي بكر الذي تحرض عليه الفرقة الآفكة، وعلى عمر الذي كانت نفسه لنفسه مالكة، وعلى عثمان منفق الأموال المتكاثرة، وعلى علي مفرق الأبطال في الجموع المتكاثفة، وعلى بقية الصحابة والتابعين لهم بإحسان ما قرعت الأقدام السالكة، وسلم تسليماً.
إخواني: لقد شرع الله لعباده العبادات، ونوعها لهم ليأخذوا من كل نوع منها بنصيب، ولئلا يملوا من النوع الواحد فيتركوا العمل، فيشقى الواحد منهم ويخيب، وجعل منها فرائض لا يجوز النقص فيها ولا الإخلال، ومنها نوافل يحصل بها زيادة التقرب إلى الله والإكمال.
فمن ذلك: الصلاة، فرض الله منها على عباده خمس صلوات في اليوم والليلة، خمساً في الفعل وخمسين في الميزان، وندب الله إلى زيادة التطوع من الصلوات تكميلاً لهذه الفرائض وزيادة في القربى إليه.
فمن هذه النوافل: الرواتب التابعة للصلوات المفروضة، ركعتان قبل صلاة الفجر، وأربع ركعات قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء.
ومنها: صلاة الليل التي امتدح الله في كتابه القائمين فيها، فقال سبحانه: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً}، وقال: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل" رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلوا الأرحام، وصلّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام" رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح. وصححه الحاكم.
ومن صلاة الليل: الوتر، أقله ركعة، وأكثره إحدى عشرة ركعة، فيوتر بركعة مفردة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من أحب أن يوتر بواحدة فليفعل" رواه أبو داود والنسائي.
ويوتر بثلاث لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من أحب أن يوتر بثلاث فليفعل" رواه أبو داود والنسائي.
فإن أحب سردها بسلام واحد لما روى الطحاوي: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "أوتر بثلاث ركعات لم يسلم إلا في آخرهن" وإن أحب صلى ركعتين وسلم، ثم صلى الثالثة، لما روى البخاري عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما: أنه كان يسلِّم بين الركعتين والركعة في الوتر، حتى كان يأمر ببعض حاجته.
ويوتر بخمس فيسردها جميعاً لا يجلس ولا يسلم إلا في آخرهن، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من أحب أن يوتر بخمس فليفعل" رواه أبو داود والنسائي. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء منهن إلا في آخرهن" متفق عليه.
ويوتر بسبع فيسردها كالخمس، لقول أم سلمة رضي الله عنها: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يوتر بسبع وبخمس لا يفصل بينهن بسلام ولا كلام" رواه أحمد والنسائي وابن ماجه.
ويوتر بتسع فيسردها لا يجلس إلا في الثامنة، فيقرأ التشهد ويدعو ثم يقوم ولا يسلم، فيصلي التاسعة ويتشهد ويدعو ويسلم، لحديث عائشة رضي الله عنها في وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: "كان يصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة، فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم ينهض ولا يسلم، ثم يقوم فيصلي التاسعة، ثم يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه، ثم يسلم تسليماً يسمعنا" الحديث، رواه أحمد ومسلم.
ويصلي إحدى عشرة ركعة، فإن أحب سلم من كل ركعتين وأوتر بواحدة، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة، يسلم بين كل ركعتين، ويوتر بواحدة" الحديث، رواه الجماعة إلا الترمذي.
وإن أحب صلى أربعاً ثم أربعاً ثم ثلاثاً، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً" متفق عليه.
وقال الفقهاء من الحنابلة والشافعية: "يجوز في الوتر بإحدى عشرة أن يسردها بتشهد واحد أو بتشهدين في الأخيرة والتي قبلها".
وصلاة الليل في رمضان لها فضيلة ومزية على غيرها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" متفق عليه.
ومعنى قوله: "إيماناً" بالله وبما أعده من الثواب للقائمين، ومعنى قوله: "احتساباً" أي: طلباً لثواب الله، لم يحمله على ذلك رياء ولا سمعة ولا طلب مال ولا جاه.
وقيام رمضان شامل للصلاة في أول الليل وآخره، وعلى هذا فالتراويح من قيام رمضان، فينبغي الحرص عليها والاعتناء بها واحتساب الأجر والثواب من الله عليها، وما هي إلا ليال معدودة، ينتهزها المؤمن العاقل قبل فواتها.
وإنما سميت "تراويح" لأن الناس كانوا يطيلونها جداً، فكلما صلوا أربع ركعات استراحوا قليلاً.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم أول من سن الجماعة في صلاة التراويح في المسجد، ثم تركها خوفاً من أن تفرض على أمته، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد ذات ليلة، وصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة وكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح قال: "قد رأيت الذي صنعتم، فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم" قال: وذلك في رمضان". وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: "صمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقم بنا حتى بقي سبع من الشهر، فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل، ثم لم يقم بنا في السادسة، ثم قام بنا في الخامسة حتى ذهب شطر الليل، أي: نصفه. فقلنا: يا رسول الله، لو نفلتنا بقية ليلتنا هذه ؟. فقال صلى الله عليه وسلم: "إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة" الحديث، رواه أهل السنن بسند صحيح.
واختلف السلف الصالح في عدد الركعات في صلاة التراويح والوتر معها:
فقيل: إحدى وأربعون ركعة.
وقيل: تسع وثلاثون.
وقيل: تسع وعشرون.
وقيل: ثلاث وعشرون.
وقيل: تسع عشرة.
وقيل: ثلاث عشرة.
وقيل: إحدى عشرة.
وقيل: غير ذلك.
وأرجح هذه الأقوال: أنها إحدى عشرة، أو ثلاث عشرة، لما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: أنها سئلت كيف كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان ؟ فقالت: "ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة". وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة ركعة" يعني: من الليل، رواه البخاري، وفي الموطأ عن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال: "أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبي بن كعب وتميماً الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة".
وكان السلف الصالح يطيلونها جداً، فعن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال: "كان القاري يقرأ بالمئين يعني: بمئات الآيات حتى كنا نعتمد على العصيّ من طول القيام".
وهذا خلاف ما كان عليه كثير من الناس اليوم، حيث يصلون التراويح بسرعة عظيمة، لا يأتون فيها بواجب الهدوء والطمأنينة التي هي ركن من أركان الصلاة لا تصح الصلاة بدونها، فيخلون بهذا الركن، ويتعبون من خلفهم من الضعفاء والمرضى وكبار السن، يجنون على أنفسهم ويجنون على غيرهم.
وقد ذكر العلماء رحمهم الله: أنه يكره للإمام أن يسرع سرعة تمنع المأمومين فعل ما يُسَنّ. فكيف بسرعة تمنعهم فعل ما يجب ؟. نسأل الله السلامة.
ولا ينبغي للرجل أن يتخلف عن صلاة التراويح، لينال ثوابها وأجرها، ولا ينصرف حتى ينتهي الإمام منها ومن الوتر ليحصل له أجر قيام الليل كله.
ويجوز للنساء حضور التراويح في المساجد إذا أمنت الفتنة منهن وبهن، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله"، ولأن هذا من عمل السلف الصالح رضي الله عنهم، لكن يجب أن تأتي متسترة متحجبة غير متبرجة ولا متطيبة ولا رافعة صوتاً ولا مبدية زينة، لقوله تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} أي: لكن ما ظهر منها فلا يمكن إخفاؤه، وهي الجلباب والعباءة ونحوهما، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر النساء بالخروج إلى الصلاة يوم العيد قالت أم عطية: يا رسول الله، إحدانا لا يكون لها جلباب ؟. قال: "لِتُلْبِسْهَا أختها من جلبابها" متفق عليه.
والسنة للنساء: أن يتأخرن عن الرجال ويبعدن عنهم، ويبدأن بالصف المؤخر فالمؤخر عكس الرجال، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها" رواه مسلم.
وينصرفن من المسجد فور تسليم الإمام، ولا يتأخرن إلا لعذر، لحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم قام النساء حين يقضي تسليمه وهو يمكث في مقامه يسيراً قبل أن يقوم. قالت: نرى والله أعلم أن ذلك كان لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن الرجال" رواه البخاري.
اللهم وفقنا لما وفقت القوم، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.