القرار الإداري
المطلب الأول: تعريف القرار الإداري وبيان خصائصه:
إن موضوع القرار الإداري من أصعب المواضيع في القانون الإداري كما أن تحديد طبيعته في المنازعات الإدارية لا تقل صعوبة.
وقد شكل وما زال يشكل القرار الإداري موضوع دراسات وبحوث عديدة ومختلفة نظرا للنتائج المترتبة عنه في المنازعات الإدارية وكذلك لتطورات مفهومه الناتج عن أنواع الأعمال التي تقوم بها الإدارة في تحقيق أهدافها.
ولقد وضع المشرع الجزائري إطارا قانونيا لقاعدة القرار الإداري السابق في المادتين169 مكرر. و275 ق إ م.
وما يلاحظ من قراءة هاتين المادتين هو الفرق في المصطلحات المستعملة من طرف المشرع لتحديد الأعمال الإدارية التي تعبر على القرار الإداري السابق ففي المادة 274 ق ا م يشير إلى " القرارات التنظيمية أو الفردية" بينما في المادة 164 مكرر ق ا م يشير إلى كلمة" القرار الإداري"
وبالرجوع إلى نظرية القرار الإداري وخاصة أنواعها " فردي تنظيمي" لا يؤثر هدا الاختلاف على الموضوع بالنسبة لأنواع القرارات الإدارية التي تندرج في شرط القرار الإداري لكن ومن باب التوضيح والتبسيط لفهم الإجراءات لابد من توحيد المصطلحات بحيث لكل مصطلح قانوني مفهوم وأثاره (1).
الفرع الأول: تعريف القرار الإداري:
إذا اختلف الفقه على طريقة دراسة القرار الإداري فانه متفق على عناصر تعريفه، حيث عرف الاستاذ "فؤاد مهنا" القرار الإداري بقوله" هو عمل قانوني انفرادي صدر بإرادة إحدى السلطات الإدارية في الدولة ويحدث أثارا قانونية بإنشاء وضع قانوني جديد أو تعديل أو إلغاء وضع قانوني قائم"(2).
ويجمع الفقه على أن القرار الإداري السابق محل الدعوى الإدارية. هو عمل قانوني صدر عن سلطة إدارية بإرادتها المنفردة له طابع تنفيذي، ويلحق أذى بذاته.
الفرع الثاني: خصائص القرار الإداري.
من خلال تعريف القرار الإداري تتبين خصائصه وهي:
أ) القرار الإداري عمل قانوني:
لكي يكون العمل الصادر عن الإدارة العامة قرارا إداريا يجب أن يكون بقصد إحداث اثر قانوني وبالتالي يختلف العمل أو التصرف القانوني عن الأعمال المادي التي تقوم بها الإدارة وعليه فان الأعمال المادية التي تقوم بها الإدارة لا تشكل قرارات وبالتالي لا تكون محلا لدعوى الإلغاء(1).
كما اعتبر بعض الفقهاء أن عنصر "القانوني" للقرار يحتوي على معطيات تندرج ضمن عنصر المساس بمركز قانوني بمعنى أن العمل القانوني من حيث الشكل هو العمل الذي يختلف عن التصرفات المادية للإدارة مثل إنجاز طريق أو مدرسة أو تنظيم مرور السيارات في مكان معين(2).
والقرار الإداري عمل قانوني لأنه يولد ويحدث أثار قانونية عن طريق إحداث أو إنشاء مراكز قانونية أو تعديل أو إلغاء هذه المراكز.
ب) القرار الإداري قرار انفرادي:
تنصب دعوى تجاوز السلطة على القرارات والتصرفات الإدارية الصادرة عن الإرادة المنفردة للإدارة ويقصد بالقرار الانفرادي القرار الصادر عن إرادة الإدارة، ويظهر الطابع الانفرادي في العلاقة الموجودة بين القرار والمخاطب بحيث يهدف القرار الانفرادي إلى إحداث أثر اتجاه أشخاص لم تشارك في إنشاءه ودون رضاهم(3) .
وبذلك تستبعد العقود الإدارية من مجال قضاء الإلغاء بما أنها تنشا عن اتفاق أرادتين و منازعات العقود تدخل في مجال القضاء الكامل، وكل منازعة بها تدخل في مجال اختصاص قاضي العقد وهو عادة الذي ينظر في المواد الإدارية(1) .
كما أن العقود الإدارية التي تبرمها السلطات الإدارية المركزية أو الهيئات العمومية الوطنية طبقا للمرسوم التنفيذي رقم 91/ 434 المؤرخ في 09/11/1991 المتعلق بتنظيم الصفقات العمومية لا تصلح لان تكون محل لدعوى إلغاء أمام مجلس الدولة إذ تؤول المنازعات التي تثور بصدد تنفيذها إلى المحاكم الإدارية( الغرف الإدارية) بموجب دعوى التعويض(2).
ج) القرار الإداري قرار تنفيذي:
لا تكون الطعون بتجاوز السلطة مقبولة إلا في مواجهة القرارات الإدارية التي تنتج أثار قانونية في مواجهة الطاعنين أي تلك التي تمس بالمركز القانوني للفرد.
وعليه فان التصرفات الصادرة عن الإدارة لا تصلح لان تكون محلا للطعن بتجاوز السلطة إذا لم تكن تتمتع بالطابع التنفيذي كما هو الشأن بالأعمال التحضيرية أو المناشير(3).
ويتمثل الجانب التنفيذي للقرار الإداري في نقطتين أساسيتين:
1- الامتياز المعترف به للإدارة في اتخاذ قرارات قابلة للتنفيذ دون اللجوء للقاضي الإداري، ويسمى هذا الامتياز بامتياز الأسبقية le privilège du préalable .
2-موضوع القرار هو إحداث أثار قانونية(3).
د) القرار الإداري يمس بمركز قانوني ويلحق آذى بذاته:
إن القرار المطعون فيه يجب أن يؤثر في المركز القانوني للطاعن بصفة سلبية أي من شانه إلحاق الأضرار به مثل قرار عزل موظف أو قرار رفض أو قرار سحب رخصة، وتتمثل فكرة القرار الإداري الذي يلحق أذى بذاته في أثار القرار الإداري على حقوق وواجبات المعني بالقرار أي المساس بمركزه القانوني(1).
وعلى ذلك فان كل قرار إداري يتوفر على عنصر إلحاق الضرر بالضرورة يكون له طابع تنفيذي أما العكس غير صحيح دائما والمثال على ذلك قرار ترقية أو قرار منح رخصة ما فهذه القرارات لها طابع تنفيذي ولكن لا تلحق أذى بذاتها، وهنا المسألة التي تطرح نفسها تتمثل في هل يمكن رفع دعوى إلغاء ضد قرار إداري يمتاز بالطابع التنفيذي ولا يلحق أذى بذاته أم لا؟.
فانطلاقا من نص المواد 196 مكرر فقرة01 و 275 ق أ م والمادة09 من القانون العضوي 98/ 01 يمكن القول أن رفع دعوى تجاوز السلطة ضد هذا القرار الذي ينقصه عنصر إلحاق أذى بذاته ممكن ولكن ترفض بسبب عدم توفره على عنصر إلحاق الأذى بذاته (حالة انعدام المصلحة).
وقد أشارت المحكمة العليا إلى ضرورة توفر موضوع الدعوى على الجانب التنفيذي من جهة والجانب الثاني إلحاق أذى بذاته في القرار الإداري(2).
ظهر هذا في قضية "عباس مولود" ضد رئيس المجلس الشعبي البلدي لبلدية البليدة بتاريخ 18/12/1976 (3).
وفي قضية "شندري رابح" ضد والي ولاية تيزي وزو حيث قضت بما يلي:" حيث ينتج من التعليمة أن صاحب المقرر هو السيد الوالي لولاية تيزي وزو وهو سلطة إدارية في غاية الوجود وان المقرر يلحق أذى بذاته إلى المدعي وان هذين المعيارين كافيين لإعطاء الطابع الإداري للمقرر المطعون فيه"(4).
المطلب الثاني: المجالات التي لا يشترط فيها القرار الإداري:
لم يشترط المشرع الجزائري على المدعي استيفاء شرط القرار الإداري السابق في حالتين: حالة الاعتداء المادي وفي الدعوى الاستعجالية.
1- في حالة الاعتداء المادي: قررت الغرفة الإدارية للمحكمة العليا في قضية " حاج بن علي" ضد والي ولاية الجزائر(1) انه في حالة الاعتداء المادي لا داعي لتطبيق ما تنص عليه المادة 275 من ق أ م بحيث بتصرفها المادي فان الإدارة قد حددت موقفها صراحة في المسألة المتنازع فيها أي بعبارة أخرى لا يشترط من المدعي في هذه الحالة أن يرفع تظلم إداريا مسبقا للحصول على قرار إداري سابق وبالتالي يستطيع أن يذهب مباشرة للقاضي المختص وهو حسب توزيع الاختصاص القضائي الذي جاء في المادتين 07 و 231 من ق أ م.
وبما أن التظلم الإداري حذف من المادة 169 مكرر من ق أ م بالنسبة للمنازعات العائدة لاختصاص الغرف الإدارية بالمجالس القضائية سهل المهمة بالنسبة للمدعي في جميع الحالات حيث يستطيع هذا الأخير التوجه للقاضي المختص مباشرة(2).
2- في حالة الدعوى الاستعجالية: هذه الحالة عكس الحالة الأولى المقررة بموجب الاجتهاد القضائي فان عدم اشتراط القرار الإداري السابق في حالة رفع دعوى استعجالية ينص عليها المشرع حيث تنص المادة 171 مكرر/2 من ق أ م " في جميع حالات الاستعجال يجوز لرئيس المجلس القضائي أو للعضو الذي ينتدبه بناء على عريضة تكون مقبولة حتى في حالة عدم وجود قرار إداري سابق".
المطلب الثالث: الأعمال الإدارية الخارجة عن مجال الطعن بتجاوز السلطة.
بالنظر إلى تعريف القرار الإداري محل الطعن نستنتج أن هناك مجموعة من الأعمال الإدارية الانفرادية لا تعد قرارات إدارية قابلة للإلغاء أي ليس لها طابع القرار الإداري والمتمثلة فيما يلي:
1- الأعمال التحضيرية: وتتمثل في الأعمال التي تسبق إصدار القرار النهائي، وتنقسم إلى:
أ- الآراء: يفرض القانون في بعض الحالات ضرورة وجود الرأي قبل اخذ القرار من طرف السلطات الإدارية وتنقسم الآراء إلى قسمين:
- الرأي البسيط.
- الرأي الموافق.
واتفق الفقه الإداري على أن الآراء لا تعتبر قرارات إدارية وبالتالي لا تكون محلا لدعوى الإلغاء(1).
وقد قضت المحكمة العليا " الغرفة الإدارية" بما يوافق هذا الاتجاه في عدة قضايا منها قضية " بلحوث" ضد بلدية الجزائر الكبرى(2).
رفع السيد " بلحوث" دعوى تجاوز السلطة ضد القرار الذي اتخذه المجلس فقررت المحكمة العليا ما يلي:"حيث انه ينتج عن محضر الجلسة بالمجلس التأديبي بتاريخ 29/05/1964 إن هذا الأخير أبدى رأيه فيما يتعلق بالعقوبة التي يمكن تسليطها على المدعي بسبب الأفعال التي قام بها".
<< حيث أن هذا الرأي لا يشكل بذاته قرارا إداريا يلحق أذى بذاته إلى المدعي" رفض دعوى السيد بلحوث ">>.
وكما نجد الغرف الإدارية بالمحكمة العليا تؤكد نفس هذا الاتجاه في قضية "ايدير بدعوش" ضد رئيس المجلس الشعبي البلدي لبلدية اسماعيل ولاية بجاية(1). حيث قررت" أن طعن المدعي في محضر اختيار قطعته الأرضية في احتياطات العقارية حيث ان المدعي يطلب إبطال محضر لجنة اختيار القطعة الأرضية والذي انصب على قطعة ارض يملكها لبناء مقر بلدية غير ان هذه اللجنة عير مكلفة إلا بإعطاء رأي تقني فقط وان هذا الرأي لا ينشا بطبيعته أي حق ومن ثم فهو غير قابل للطعن فيه بالإبطال"
ب- الرغبات والاقتراحات:
تخضع لنفس النظام المطبق على الآراء بمعنى أنها غير قابلة للطعن فيها بدعوى بتجاوز السلطة.
2- الأعمال اللاحقة للقرارات الإدارية
يحدث ان تقوم الإدارة بعد إصدارها للقرار إداري ان تقوم ببعض الأعمال ترمي إلى تنفيذ القرار الإداري وتشمل هذه الأعمال على وجه الخصوص: في إجراءات التبليغ النشر الموافقة تأييد أو ذكر قرار إداري فلا تعتبر هذه الأعمال قرارات إدارية لتجسيدها لقرار إداري أول وبالتالي لا تحتوى على قاعدة تمس من جديد مركزا قانونيا ما(2).
وقد أكدت المحكمة العليا الغرفة الإدارية في قضية " بن كوشة" بتاريخ 25/03/1966 (3)" حيث أن قرار أو إبعاد المدعي من ملكية" jaquemont" لا تشكل قرارا إداريا لكن إجراء تنفيذ للقرار المؤرخ في 17/12/1962 الذي اتخذه رئيس دائرة البليدة".
الأعمال التنظيمية الداخلية للإدارة:
تتعلق أساسا بالتعليمات والمنشورات وتتعلق بحسن سير الداخلي للإدارة ومصالحها، كما تهدف إلى تغير بعض النصوص القانونية.
وقد صنف الفقه والقضاء الإداريين المنشورات حسب الحالات إلى منشورات تكون لها صفة القرار الإداري وبالتالي قابلة للإلغاء، ومنشورات تفقد هذه الصفة وتم هذا التصنيف على أساس محتوى ومدى المنشورات وليس على أساس شكلها أو تسميتها، وفي هذا الصدد ميز الفقه والقضاء الإداريين حسب المنشور التفسيري والمنشور التنظيمي.
يعتبر تفسيريا المنشور الذي لا يضيف شيئا أو قاعدة قانونية إلى النص القانوني محل التفسير وبالتالي لا يمس أي مركز قانوني ولا يلحق أذى بذاته.
أما المنشور التنظيمي فهو المنشور الذي يضيف قاعدة جديدة للنص محل المنشور يمكن أن يلحق آذى بذاته(1).
وكرست الغرفة الإدارية للمحكمة العليا التميز بين المنشورات التفسيرية والمنشورات التنظيمية في قضية شركة( SEMPAC) ضد ( OAIC)(2). عندما ذكرت:<< حيث أن المدير العام لشركة( SEMPAC) لم يكتفي بتفسير النصوص بل أضاف قاعدة جديدة بواسطة القرار المطعون فيه ( المنشور) عندئذ يكتسي هذا المنشور القرار التنظيمي>>.
4- الأعمال التمهيدية:
وتتمثل خصوصا في الإنذارات هدفها تهديد وحمل المخاطب بالقرار المتخذ في مواجهته على تنفيذه في الوقت المحدد.
مسالة بعض القرارات الإدارية المحصنة من الرقابة الإدارية:
توجد بعض الأعمال التي تتخذها السلطات الإدارية ولكنها مع ذلك لا يمكن ان تكون محل أي منازعة قضائية، وعندما يرفع الطعن أمام القاضي ضد قرار من هذه القرارات فانه يعترض بعدم القبول مستعملا بذلك تورية بقوله<< هذه الأعمال ليست من طبيعتها أن تكون محلا للطعن(1).
وهذه الأعمال هي أعمال السيادة أو الحكومة، وقرارات الهيئات البرلمانية.
1- أعمال السيادة أو الحكومة:
إن أعمال السيادة أو أعمال الحكومة كما يسميها بعض الفقهاء هي قرارات إدارية تحتوي على جميع عناصر القرار الإداري لكن لا يستطيع القاضي إلغاءها.
وقد وضع كل من الفقه والقضاء الإداريين قواعد أو نظرية أعمال السيادة، فمبدئيا هذه الأعمال لا تخضع لرقابة مجلس الدولة ولا يمكن لقاضي تجاوز السلطة ان يلغيها وحتى نتمكن من أهمية أعمال السيادة، سندرس هذه المسالة في النظام القضائي الجزائري.
رغم أن القرارات المتعلقة بأعمال السيادة قليلة إلى حد لا يسمح بالتعبير عن اجتهاد قضائي إداري في هذا الموضوع فان الغرفة الإدارية للمحكمة العليا تطرقت إلى هذه المسالة بنوع من الوضوح وفي نفس الوقت بنوع من الحشمة والتحفظ يجعل من هذا الموقف موقف ميول لصالح الإدارة(2).
فقد وضحت الغرفة الإدارية للمحكمة العليا موقفها اتجاه هذا الموضوع في قضية"ي.ج.ب" بتاريخ 07/01/1984 (3). هذه القضية التي أثار فيها القرار القضائي الصادر عن الغرفة الإدارية للمحكمة العليا عدة مشاكل قانونية ومحاور نقاش خاصة فيما يتعلق بالطريقة أو الكيفية التي استعملها القاضي للوصول إلى قرارها النهائي المتمثل في التصريح بعدم الاختصاص للغرفة الإدارية للمحكمة العليا، وقد ارتكز القاضي على الحيثيات التالية للفصل في هذا الموضوع:
" حيث أن الرقابة التي يباشرها القاضي الإداري على أعمال الإدارة لا يمكن أن تكون عامة ومطلقة.
حيث أن إصدار وتداول وسحب العملة يعد إحدى الصلاحيات المتعلقة بممارسة السيادة.
حيث أن القرار المستوفى من باعت سياسي غير قابلة للطعن فيه بأية طريقة طعن وان القرار الحكومي المؤرخ في 08/04/1982 الصادر عن وزير المالية المتضمن تحديد قواعد الترخيص بالتبديل( خارج الأجل) هما قراران سياسيان يكتسيان طابع عمل الحكومة ومن ثم فانه ليس من اختصاص المجلس الأعلى فحص مدى شرعيتها ولا مباشرة رقابة على مدى التطبيق".
لقد صرحت بوضوح الغرفة الإدارية للمحكمة العليا عن موقفها اتجاه مسالة تحديد أعمال السيادة بحيث استعملت معيار الباعث السياسي كمعيار لتحديد أعمال السيادة.
وحسب اجتهاد مجلس الدولة الفرنسي فقد وضع معيار لتحديد ماهي الأعمال الإدارية الداخلة في نطاق السيادة وذلك بوضع قائمة يذكر فيها الأعمال الإدارية التي تعتبر أعمال سيادة، وحسب هذه القائمة تنقسم هذه الأعمال إلى قسمين متعلقين بميدانين:
- يتمثل الميدان الأول: في أعمال الإدارة في علاقاتها مع السلطة التشريعية.
- يتمثل الميدان الثاني: في أعمال الإدارة في علاقاتها الدولية(1).
فأما عن أعمال الحكومة في اتصالها مع البرلمان، فإن كل أعمال السلطة التنفيذية في علاقتها مع السلطة التشريعية تعتبر أعمال حكومة وتفلت بالتالي من أية رقابة قضائية، من هذه الأعمال: حل السلطة التشريعية، اقتراح القوانين، إصدار القوانين، استشارة الشعب حول مشروع قانون، طلب من السلطة التشريعية إجراء مداولة ثانية حول قانون، إخطار المجلس الدستوري.
أما عن أنشطة الحكومة في علاقاتها الدولية فإن القاضي حرصا منه على عدم التدخل في العلاقات بين الحكومة والدول الأجنبية أو المنظمات الدولية يمتنع عن تقبل الطعون الماسة بالأنشطة الدولية، تتعلق هذه الأعمال بـ: المفاوضات الدولية، تنفيذ الاتفاقيات الدولية، المصادقة على الاتفاقيات الدولية، ممارسة حق الحماية الدبلوماسية.
2- قرارات الهيئات البرلمانية:
لا يمكن تقديم أي طعن ضد القرارات الصادرة عن المجلس الشعبي الوطني وعموما ان هذه القرارات هي عبارة عن قوانين والقاضي مكلف بتطبيقها أو تفسيرها دون ان تكون له القدرة على مراقبة، هذه المراقبة التي تعود إلى اختصاص المجلس الدستوري فهو وحده المكلف بتلك المهمة ليتأكد من مطابقة القوانين مع الدستور.
أما بالنسبة لأعمال الهيئات القضائية( الأحكام أو القرارات أو الآراء القضائية) فلا يمكن أن تكون محل طعن بتجاوز السلطة فهذه الأعمال الأخيرة تخضع لنظام ذاتي يعرف بطرق الطعن العادية وغير العادية طبقا للإجراءات معينة نص عليها القانون.
المطلب الرابع: نظرية الأعمال المنفصلة المتعلقة بالعقود الإدارية:
لا تخضع العقود الإدارية إلى رقابة قاضي تجاوز السلطة، لأنها من الأعمال الثنائية( الاتفاقية) أي أن هذه العقود ليست ناتجة عن الإرادة المنفردة للإدارة وإنما تنتج عن اتفاق وتطابق ارادتين، وبالتالي تدخل المنازعات الخاصة بهذه العقود في نطاق القضاء الكامل فلا تكون محل رقابة قضائية إلا عن طريق دعوى القضاء الكامل.
ولكن هذه القاعدة ليست مطلقة بحيث توصل الفقه والقضاء الإداريين إلى وضع نظرية الأعمال المنفصلة للعقود الإدارية" La théorie des actes détachables".
مفادها أن هذه الأعمال حتى وان كانت مرتبطة مباشرة بالعقود الإدارية إلا أنها أعمال انفرادية قابلة للرقابة عن طريق تجاوز السلطة إذا ما توافرت فيها عناصر القرار الإداري(1).
ولا تعتبر دعوى تجاوز السلطة المرفوعة ضد هذه الأعمال المنفصلة دعوى موازية، وهذا لكون إلغاء هذه القرارات المنفصلة لا يؤثر على وجود العقود الإدارية.
وصنف القضاء الإداري الأعمال المنفصلة إلى أعمال متعلقة بإبرام العقد الإداري وأعمال متعلقة بتنفيذه.
1- الأعمال المتعلقة بإبرام العقد الإداري:
اعتبر القضاء الإداري كل الأعمال التي تسبق العقد الإداري أعمال منفصلة وفي هذا الصدد فان عمل المصادقة على العمل الإداري من الأعمال المنفصلة المتعلقة بإبرام العقد الإداري، وهو عمل انفرادي يصنف ضمن القرارات الإدارية إذا توفرت فيه عنصري التنفيذ والمساس بمركز القانوني(2).
فمداولات المجلس الشعبي البلدي المتعلقة بإبرام صفقات عمومية والتي تسمح لرئيس المجلس من إبرام صفقة عمومية، هذه المداولة رغم أن موضوعها يتعلق بعقد إداري إلا أنها منفصلة عنه ويمكن مخاصمتها بدعوى تجاوز السلطة وهذا ما نصت عليه مثلا المادتين: 45 من قانون 90-08 المتعلق بالبلدية، والمادة 52 من قانون 90-09 المتعلق بالولاية.
كما نجد مثالا أخر في قرار المجلس الأعلى " المحكمة العليا" بتاريخ 02/04/1965 (1). بخصوص نزاع متعلق بعقد إيجار مبرم بين مدينة الجزائر واحد الأشخاص. حيث قررت مدينة الجزائر استرجاع المحل وإنهاء عقد الإيجار، فأصدرت قرار بتخصيص محل أخر للمستأجر دون موافقته، فطعن هذا الأخير بدعوى تجاوز السلطة.
اعتبر المجلس الأعلى قرار التخصيص منفصل عن عقد الإيجار وقبل الطعن ضده بتجاوز السلطة وقضى بإلغائه.
فالقضاء الإداري بتقريره إمكانية رفع دعوى تجاوز السلطة ضد الأعمال الإدارية المنفصلة والمتعلقة بإبرام العقود الإدارية، هذه الإمكانية ممنوحة للطراف المتعاقدة مع الإدارة أو للغير متى ثبتت لهم مصلحة في ذلك.
2- الأعمال المنفصلة المتعلقة بتنفيذ العقد:
إذا تقبل القضاء الإداري بسهولة أن الأعمال المنفصلة المتعلقة بتنفيذ العقد الإداري هي أعمال انفرادية قابلة لطعن فيها بتجاوز السلطة، فان موقفه وكذا موقف الفقه الإداري غير مطلق تجاه الأعمال الإدارية المنفصلة المتعلقة بتنفيذ العقد الإداري(2).
إلا انه يمكن القول وعلى حد رأي الاستاد "احمد محيو" في هذا الخصوص(3):
" وبديهي انه من الصعب معرفة متى يكون القرار منفصلا أو غير منفصلا عن العقد والقضاء ممايز حول هذه النقطة، فادا كان يميل إلى قبول الطعون الموجهة ضد الأعمال التحضيرية للعقد فانه يضيق من دلك تجاه القرارات الإدارية المتعلقة بتنفيذه
وأخيرا قد تطرقنا في هذا المبحث إلى القرار الادارى باعتباره شرطا لقبول دعوى تجاوز السلطة.
بحيث تطرقنا إلى تعريفه وبيان خصائصه وتمييزه بعض الأعمال الإدارية المتشابهة بالإضافة إلى الأعمال المنفصلة مع عرض لنظرية الأعمال المنفصلة المتعلقة بالعقود الإدارية.