قصة مريم وعيسى عليهما السلام
فلما تم له سن الشباب، جلس على باب المعجزة، يعطي العافية العافية، ويبرئ الأكمه والأبرص، فربما ألفى ببابه خمسين ألفاً يؤمونه في كل يوم، ولقد فرك الدنيا فطلقها أي تطليق، وأبغضها ولا كبغض الرافضي الصديق، فغزاها بجند الزهد بين مسرح وملجم، وفتك بها كما فتك بالتقى ابن ملجم، ما التفت إليها قط وجه عزمه، ولا صافحا يوماً كف قلبه، ولا غازلها يوماً لسان فكره فلم يعرف حقيقة ما حوى سوى الحواريين، فشمروا عن ساق العزائم، في سوق بدن الأبدان إلى منى المنى، تحن بلفظ "نحن أنصار الله" وكتبوا في عقد العقايد "آمنا بالله" فعدلوا بها إلى عدل "واشهد بأنّا مسلمون".
ثم إن اليهود اجتمعوا في بيت "ومكروا" فزلزل عليهم بيد "ومكر الله" فدخل عيسى خوخة، فدخل خلفه ذو دخل فألقى عليه شبهه، فحاق بالمرء مرّ مراده، وصاح فيه حاكم القدر جود مراقيها.
المصدر : كتاب المدهش لابن الجوزي
كانت أم مريم جنة قد حنت إلى ولد، فكبر عليها امتناعه واستولى الكبر، فرأت يوماً طائراً يغذو فرخاً فرحاً، فرجى أملها اليؤوس فرحاً فرجاً، فسألت عند هذه القضية ولديها ولداً، فلما علمت بالحمل أكسبها السرور ولهاً، فوهبته بلسان النذر لمن وهبه لها، فقال القدر: يا ملك التصوير، صور الحمل أنثى، ليبين أثر الكرم في قبول الناقص.
فلما وضعتها وضعتها بأنامل الانكسار عن سرير السرور، فإن لسان التلهف لما ألقى على الفايت "إني وضعتُها أنثى" فجير كسرها جابر "فتقبلّلَها" وساق عنان اللطف إلى ساق زرعها، فربا في ربى "وأنبتها" فانطلقت بها الأم تأم بيت المقدس، فلبس القوم لامهم في حرب "يُلقون أقلامهم" فثبت قلم زكريا إذا وثبت الأقلام فكفتها وكفلها، فأراه المسبب غناها عن السبب. بآية "وجد عندها رزقاً" فرباها من ربها فنشأت لا ترى إلا ربها.
فانتبذت يوماً من أهلها، فأقبل نحو ذلك البري البري بريد "فأرسلنا" فتحصنت الحصان بحصن "إني أعوذ" فانزوى إلى زاوية "إنما أنا رسول ربك" وأخبرها بالتحفة في لفظ "ليهب" فأقيمت فأقيمت في مهب ريح الروح، فتنفست الكلمة من كمين الأمر، فنفخ جبريل في جنب الدرع جيب، فمرت المرأة حاملاً في الوقت، فلما علمت ألمت بما حمل عليها الحمل، فأخرجها الحياء الحي عن الحي، فلما فاجأها وقت الوضع، فاجأها المخاض إلى الجذع، تحيرت من وجود ولد، وما فجرت، فجرت عين الدمع، فصاح لسان الخفر، بلفظ الندب "يا ليتني مت قبل هذا" فأجابها الملك، عن أمر من ملك "أن لا تحزني" وأجرى لها في أواني الأوان سرى، كما وهب لها من الغلمان سرى فسرى عن سرها وجود الظهور، وأنس الظاهر، فسرا، وأريت آية تدل على من قدر القدرة في مقام "وهُزّي" فهزت جذم جذع مايل مثل الحطب، فتساقط عليها في الحال رطب الرطب، فأخذها الجوى، في إعداد الجواب، فقيل لها "كلي" كل الكل، إلى من له الكل، كنت بمعزل من وجود الولد، فكوني بمعزل من إقامة العذر، فالذي تولى إيجاده يقيم عذر العذرا، لا تعجبي من وجود حمل سافر عن أرض القدرة، فلم يصلح أن ينزل إلا بمنزل، أركانه على عمد "إن الله اصطفاك وطهركِ واصطفاكِ" فلما سكتت وسكنت، بعد أن قعدت وقامت، أقامت أيام النفاس فانقضت وفاتت "فأتت بها قومه تحمله" فنادوا من أندية التوبيخ، إذ ما شاهدوا قط أختها "يا أخت هارون" فأضجروا مريضاً قد ضنى من أنين "إني" على فراش "يا ليتني مت" فلما شارت أرى الرأي. أشارت إليه، فأخذت السنة تعجبهم تعج بهم "كيف نكلِّم" فكأنها قالت لهم: أنا طريق وهذا مر بي، والمسافر يسأل عن الطريق لا الطريق عن المسافر، فقام عيسى يمخض أوطاب الخطاب على منبر الخطابة، فأبرز بالمخض محض إبريز الإقرار "إني عبد الله" وأومى إلى وجوده من غير أب، في إشارة "وبراً بوالدتي" وكانت واسطة عقده "ومبشراً برسول".كانت أم مريم جنة قد حنت إلى ولد، فكبر عليها امتناعه واستولى الكبر، فرأت يوماً طائراً يغذو فرخاً فرحاً، فرجى أملها اليؤوس فرحاً فرجاً، فسألت عند هذه القضية ولديها ولداً، فلما علمت بالحمل أكسبها السرور ولهاً، فوهبته بلسان النذر لمن وهبه لها، فقال القدر: يا ملك التصوير، صور الحمل أنثى، ليبين أثر الكرم في قبول الناقص.
فلما وضعتها وضعتها بأنامل الانكسار عن سرير السرور، فإن لسان التلهف لما ألقى على الفايت "إني وضعتُها أنثى" فجير كسرها جابر "فتقبلّلَها" وساق عنان اللطف إلى ساق زرعها، فربا في ربى "وأنبتها" فانطلقت بها الأم تأم بيت المقدس، فلبس القوم لامهم في حرب "يُلقون أقلامهم" فثبت قلم زكريا إذا وثبت الأقلام فكفتها وكفلها، فأراه المسبب غناها عن السبب. بآية "وجد عندها رزقاً" فرباها من ربها فنشأت لا ترى إلا ربها.
فلما تم له سن الشباب، جلس على باب المعجزة، يعطي العافية العافية، ويبرئ الأكمه والأبرص، فربما ألفى ببابه خمسين ألفاً يؤمونه في كل يوم، ولقد فرك الدنيا فطلقها أي تطليق، وأبغضها ولا كبغض الرافضي الصديق، فغزاها بجند الزهد بين مسرح وملجم، وفتك بها كما فتك بالتقى ابن ملجم، ما التفت إليها قط وجه عزمه، ولا صافحا يوماً كف قلبه، ولا غازلها يوماً لسان فكره فلم يعرف حقيقة ما حوى سوى الحواريين، فشمروا عن ساق العزائم، في سوق بدن الأبدان إلى منى المنى، تحن بلفظ "نحن أنصار الله" وكتبوا في عقد العقايد "آمنا بالله" فعدلوا بها إلى عدل "واشهد بأنّا مسلمون".
ثم إن اليهود اجتمعوا في بيت "ومكروا" فزلزل عليهم بيد "ومكر الله" فدخل عيسى خوخة، فدخل خلفه ذو دخل فألقى عليه شبهه، فحاق بالمرء مرّ مراده، وصاح فيه حاكم القدر جود مراقيها.