قصة أيوب عليه السلام
المصدر : كتاب المدهش لابن الجوزي
جُمع لأيوب بين كثرة المال وحسن الأعمال، فملا مدحُه بالوفاق الآفاق، فأثارت تلك الآثار حسداً من إبليس قد تقادم منذ آدم، فقال: يا رب أن سلطني عليه، ألقيته في الفتنة، فألفيته في الفئة المفتونين، فقيل: قد سلطناك على ماله من مال، فمال إلى جميع عفاريته، ففرقهم في تمزيق ماله، وتولى هو رَمْيَ بيته على بنيه، ثم أتى في صورة معلمهم يعلمه، فرأى ذلك لا يؤلمه، أنصت العدو ليسمع عربدة السكر، فإذا أيوب يتلو آيات الشكر، فصاح بلسان حسده، سلطني على جسده، فسلطه وقد سبقه الصبر، فتقطع الجسم وداد: وما تقطع رسم الوداد، فأخرجه أهل قريته، لقرح قرحه إلى قرواح كناسة، فرموه كسيراً كالكسرة وكساء كساده عندهم أعلى عندنا من أغلى كسوة كسرى، فلم يزل ما نزل به حتى بدا حجابُ بطنه، وكان يبصر عظامه ومعاه معاً.
للمهيار:
فدام هذا البلاء عليه سنين، وفِدام الصمت عن الشكوى على فيه تبين، ولم يبق غير اللسان للذكر، والقلب للفكر، فلو أصغى إلى نطق حاله سمع فهم، أو سأله عن وجده رب قلب لسمع من الذماء الذما يناجي به الحق.
للشريف الرضي:
فلما كع إبليس، لقي زوجته في صورة متطبب، فقال: عندي دواؤه، بشرط أن يقول بشفتيه شفيتني. فجاءت تدب، وقد أنساها طول البلاء تدبر المعنى، فأخبرت من قد خبر عدو العدو، فغضب المؤدب على تلميذ ما يقوم بطول الصحبة، فحلف لئن شفي، ليجلدنها مئة، فبينا المرء يكابد المر، مر به صديقان له، فقالا: لو علم الله من هذا خيراً، ما بلغ به هذا الأمر، فما شد على سمعه أشد من ذلك، فخر على عتبة "ولا تُشْمِت" واستغاث بلفظ "مَسَّنيَ" وصاح بإدلال "لو أقسم" فجاء بجبريل برسالة "اركض" وليس العجب لو ركض جبريل إنما العجب أن يركض العليل، فركضت خيل النعم عند ركضته فردت، وما غار الماء ما أغير عليه من نعمته، فنسي بنسيم العافية، ما ألمَّ من ألم، وردت يد المنة، كل ما مر منه وذهب، وكان نثار الرضا على واديه، بعد أن جرى وادي جرادى من ذهب، وأقبلت زوجته، وعليه يمين ضربها، وما كان يحسن في مقابلة صبرها، فأقبل لسان الوحي يتلو فتوى الرحمة، ويراعي ما سبق من مراعاة رحمة "وخذ بيدك ضِغثاً" تالله ما ضره ما أكل من جسده الدود، لما اختال في ثوب مودود، وأصبح مصطحباً شراب السرور، من جود الجود، فرنت قيان الفرح، إذ غنت السنة المدح لا يعود، وفاح عبير الثناء فزاد نشره على كل عود "إنَّا وجدناه صابراً نعم العبد".للمهيار:
ما اختص مني السقام جارحة | كل جهاتي أغراض منتبـل | |
إذا لحاظي لجسمي امتعضت | من الضنا قال قلبي احتمـل |
للشريف الرضي:
محا بعدكم تلك العيون بكاؤهـا | وغالَ بكم تلك الأضالع غولُها | |
فمن ناظرٍ لم تبقَ إلا دموعـهُ | ومن مهجةٍ لم يبق إلا غليلهـا | |
دعوا لي قلباً بالغـرام أذيبـه | عليكم وعينا في الطلول أجيلها |