الفصل التاسع عشر
عجباً لراحل مات وما تزود للرحلة، ولمسافر ماج وما جمع للسفر رحلة، ولمنتقل إلى قبره لم يتأهب للنقلة، ولمفرط في أمره لم يستشر عقله.لصردر:
لا مرية في الردى ولا جـدلُ | | العمر دين قضـاؤه الأجـلُ |
للمرء في حتف أنفه شـغـل | | فما تريد السـيوف والأسـلُ |
يفرى الدجى والضحى بأسلحة | | سيان فيها الدروع والحـلـلُ |
كأس أديرت على لـذاذتـهـا | | عُدّل فيها الزعاف والعسـلُ |
كل إلـى غـاية يصـير ولا | | تمييز إلا الإسراع والمَـهَـلُ |
والناس ركب يهوون حثـهـم | | ولا يُسـرُّون أنـهـم نـزلُ |
وسوف تطوى مسافة ذملـت | | بقاطعـيهـا ركـائب ذلـلُ |
كيف يعد الدنيا لـه وطـنـاً | | من هو عنها ينأى وينتـقـلُ |
نسخو بأعمارنا ونبـخـل بـا | | لمال فتبَّ السخاء والبـخـلُ |
أضاع راقي الداء العضال كما | | ضيع في سمع عاشق عـدَلُ |
ولو نجا الهائب الجبـان مـن | | الموت نجا في أقدامه البطلُ |
ما أسلموا هذه النفـوس إلـى | | الأجداث إلا إذا ضاقت الحيلُ |
ضرورة ذلت القـروم لـهـا | | وقد تقود المصاعب الجـدلُ |
ومن حذار تبوأ الكدية الضب | | وأوفى الشواهـق الـوعـل |
يقاد في عزه الخبعثنة الضـا | | ري ويدهي في ذله الجُعَـلُ |
وهل يردُّ الأحباب أن ظعنـوا | | على محب أن يندب الطلـلُ |
يا من قد ساخ في أوساخ، إلى كم تملى? تعبت النساخ، يا من ضيع الشباب، وما يسمع العتاب وقد شاخ، بادر صبابة القوى، فاستدرك باقي الطباخ، وتأهب للرحيل فما هذه الدنيا بمناخ، كم بات مزمار في بيت فأصبح فيه الصراخ، أين من حصن الحصون واحترس وعمر الحدائق واحترس، ونصب سرير الكبر وجلس، وظن بقاء للنفس فخاب الظن في نفس، نازله الموت، وتركه في ظلام ظلمة بين العيب والدنس، فالعاقل من بادر الندامة، فإن السلامة خلس.
لابن المعتز:
ألا من لقلب في الهوى غير منـتـه | | وفي الغي مطواع وفي الرشد مكره |
أشـاوره فـي تـوبة فـيقــول لا | | فإن قلت تأتي فتنة قال: أين هـي? |
هبت عواصف الأقدار في بيداء الأكوان، فنقلت الوجود وعم الخبر، فلما ركدت الريح، إذا أبو طالب غريق في لجة الهلاك وسلمان على ساحل السلامة، والوليد بن المغيرة يقدم قومه في التيه، وصهيب قد قدم بقافلة الروم، وأبو جهل في رقدة المخالفة، وبلال ينادي الصلاة خير من النوم، لما قضيت في القدم سلامة سلمان، أقبل يناظر أباه في دين قد أباه، فلم يعرف أبوه جواباً إلا القيد، وهذا الجواب المرذول قديم من يوم "حرقوه" فنزل به ضيف "ولنبلونكم" فنال بإكرامه مرتبة "سلمان منا" سمع أن ركباً على نية السفر، فسرق نفسه من حرز أبيه، ولا قطع، فوقف نفسه على خدمة الأدلاء وقرف الأذلاء، فلما أحس الرهبان بانقطاع دولتهم، سلموا إليه أعلام الأعلام على علامات نبينا، وقالوا أن زمنه قد أظل فاحذر أن تضل، وأنه يخرج بأرض العرب، ثم يهاجر إلى أرض بين حرتين، فلو رأيتموه قد فلى الفلا والدليل شوقه، وخلى الوطن خلاء يزعجه توقه.
لأبي العلاء المعري:
وأبغضت فيك النخل والنخل يانـع | | وأعجبني من حبك الطلح والضال |
وأهوى لجراك السماوة والغضـا | | ولو أن ضيفـيه وشـاة وعـذال |
للمتنبي:
أيدري الرَّبع أيّ دم أراقـا? | | وأيَّ قلوب هذا الركب شاقى |
لنا ولأهلـه أبـداً قـلـوب | | تلاقي في جسومٍ ما تلاقـى |
خليلي من نجد قفا بي على الربى | | فقد هب من تلك الرسوم نسـيم |
خليلي لا والله ما أنا منكما | | إذا علم من آل ليلى بداليا |
للشبلي:
إن بيتاً أنت سـاكـنـه | | غير محتاج إلى السرج |
وعـلـيلاً أنـت زائره | | قد آتاه الله بـالـفـرج |
وجهك المأمول حجتنـا | | يوم يأتي الناس بالحجج |