د/ سعاد سالم السبع[1] -
صار هم الشعب اليمني مع حكامه مثل هم الأبناء بين أبوين متخاصمين في بيت واحد ، فحين يتفق الأبوان يسعد الأبناء، ويجدون احتياجاتهم، وحين يختلفان يتعس الأبناء، وبين الحالتين يعيش الأبناء في قلق دائم مما سوف يحدث غدا ، فلا أمان في ظل الخلافات الأسرية ، التي غالبا ما تنتهي بالانفصال وفرض التشرد والمرض والقهر ، وهدم بيت الأسرة الواحدة.. وهكذا نحن مع حكامنا كلما سعدنا باتفاقهم وحلمنا بتفرغهم لبناء اليمن الواحد السعيد صدمونا بصناعة أساليب جديدة للخلاف لم تكن في حسبان الشعب المقهور..
وهذا ما حدث بعد الانتخابات التوافقية؛ فبقدر دهشة العالم من صحوة الفرقاء ، واجتماعهم حول مصلحة الوطن، وبقدر إعجابنا بموقف المشترك من الانتخابات الرئاسية المبكرة ، وبقدر احترامنا لقيادات حكيمة في صفوف المشترك لا يشكك أحد في وطنيتها، نستغرب موقف المشترك من حضور مراسيم تهنئة الرئيس الحالي وتوديع الرئيس السابق يوم 27-2-2012 م ..
لم نكن نتوقع أن يقاطع المشترك هذه الاحتفالية التي حضرها العالم كله تكريما لشعب عرف طريق السلام وتخلف عنها المشترك الذي طالما دعم السلمية لكنه غاب عن حفلة السلام لمبررات لا تخدم الوفاق ، ولا تعكس حقيقة مواقف المشترك الوطنية، لكنه سوء الحظ الذي يلاحق الشعب اليمني على ما يبدو... حتى وإن كان هذا الحفل من صناعة طرف واحد، فهو بدعة حسنة تقرب الشركاء، و فرصة جيدة لمزيد من الوفاق وكان عليهم استثمار الفرصة..
لقد ارتكب المشترك خطأ كبيرا ضد نفسه، وضد أهدافه التي ينادي بها، وسجل هدفا نظيفا لصالح المؤتمر الشعبي العام أمام الرأي العام، وبموقفه المقاطع للحظة وفاق جميلة ترسخ لمبدأ تبادل السلطة سلميا عكس المشترك صورة سلبية ليست سلمية عن حزب يتبنى السلمية وهو شريك حقيقي في حكومة الوفاق اليوم ، وكثير من الناس يعقدون عليه الأمل –بعد الله- بأن يلتزم بالوفاق ويكون في مقدمة المشاركين في بناء الدولة المدنية الحديثة التي ضحى من أجلها الشباب ..لكن موقفه المتشنج من حضور الاحتفالية جعل المراقبين للوضع اليمني محليا وعربيا ودوليا يتساءلون عن نية المشترك وخطته للمستقبل .. يا ترى هل المقاطعة دليل على عدم قبول التوافق ؟ أم هي إشارة إلى خضوعه لعقليات إقصائية لا تزال تفكر بتصفية كل من ليس من المشترك؟ أم أنه دليل على الحقد وعدم القبول بالتسامح؟ أم أنها كبوة جواد خلقتها عاطفة غير مدروسة؟ !!
انتقادي لموقف المشترك لا يعني تجاهلا لدماء الشهداء؛ لا.. فدماء الشهداء غالية على الجميع، ولا يستطيع أحد أن يزايد عليها ، فكل البيوت اليمنية شريكة في التضحيات لأن جميع البيوت اليمنية شاركت في ثورة التغيير ، وقدمت شهداء، أو جرحى باتساع اليمن الواحد ..في الساحات والبيوت والشوارع والمعسكرات، ولولا تضحياتهم لما وصلنا إلى هذا الاحتفال السلمي التأريخي، حتى وإن لم يكن ضمن المبادرة الخليجية ، فهو نصر لسلمية ثورة الشباب، وثمرة من ثمار تضحياتهم، والحكمة تستدعي أن يحضر زعماء المشترك هذا الاحتفال على الأقل ليشعر الشعب اليمني والعالم من حوله أن الوفاق سيكون فعلا حقيقيا في السنتين القادمتين، فكيف يتحقق الوفاق في ظل إعلان الجفاء؟!! .. الوطن بحاجة إلى أن تتحلى القيادات النافذة في الحزبين بالذكاء وبالمرونة وتستثمر كل الفرص المتاحة لرأب الصدع وتقريب وجهات النظر وإعادة أواصر الإخاء حتى تتمكن حكومة الوفاق من قضاء بقية الفترة الانتقالية في عملية البناء وليس في المناكفات واستجرار الماضي الأليم...
نتمنى أن تكون المقاطعة كبوة عاطفية غير مقصودة، وأن تعيد قيادات المشترك قراءة الواقع ليعرفوا أن ثورة الشباب قامت بسبب الفساد و الإقصاء والتهميش والهيمنة من طرف واحد ضد آخر ، وأن نصرة ثورة الشباب هي في قيادة الواقع لتحقيق أهداف التغيير بطريقة حضارية تستوعب الجميع بدون استثناء وتتمثل فيها الحكمة اليمانية التي تتجلى عند الشدائد.. وأن التغيير لن يتحقق إلا عن طريق الالتزام بمعايير أخلاقية عادلة تقوم على الاعتراف بالخطأ والقبول بالآخر والشراكة الحقيقية والتسامح ...
بعد الانتخابات الشعب اليمني يريد إنجازات على طريق الدولة المدنية، وأي إنجاز لحكومة الوفاق هو إنجاز للإجماع الوطني وللحكمة اليمانية كما إن أي إخفاق سيكون هزيمة للجميع ...
.
[1] - أستاذ المناهج وطرائق التدريس المشارك بكلية التربية –جامعة صنعاء
suadyemen@gmail.com
المصدر: شهارة نت
صار هم الشعب اليمني مع حكامه مثل هم الأبناء بين أبوين متخاصمين في بيت واحد ، فحين يتفق الأبوان يسعد الأبناء، ويجدون احتياجاتهم، وحين يختلفان يتعس الأبناء، وبين الحالتين يعيش الأبناء في قلق دائم مما سوف يحدث غدا ، فلا أمان في ظل الخلافات الأسرية ، التي غالبا ما تنتهي بالانفصال وفرض التشرد والمرض والقهر ، وهدم بيت الأسرة الواحدة.. وهكذا نحن مع حكامنا كلما سعدنا باتفاقهم وحلمنا بتفرغهم لبناء اليمن الواحد السعيد صدمونا بصناعة أساليب جديدة للخلاف لم تكن في حسبان الشعب المقهور..
وهذا ما حدث بعد الانتخابات التوافقية؛ فبقدر دهشة العالم من صحوة الفرقاء ، واجتماعهم حول مصلحة الوطن، وبقدر إعجابنا بموقف المشترك من الانتخابات الرئاسية المبكرة ، وبقدر احترامنا لقيادات حكيمة في صفوف المشترك لا يشكك أحد في وطنيتها، نستغرب موقف المشترك من حضور مراسيم تهنئة الرئيس الحالي وتوديع الرئيس السابق يوم 27-2-2012 م ..
لم نكن نتوقع أن يقاطع المشترك هذه الاحتفالية التي حضرها العالم كله تكريما لشعب عرف طريق السلام وتخلف عنها المشترك الذي طالما دعم السلمية لكنه غاب عن حفلة السلام لمبررات لا تخدم الوفاق ، ولا تعكس حقيقة مواقف المشترك الوطنية، لكنه سوء الحظ الذي يلاحق الشعب اليمني على ما يبدو... حتى وإن كان هذا الحفل من صناعة طرف واحد، فهو بدعة حسنة تقرب الشركاء، و فرصة جيدة لمزيد من الوفاق وكان عليهم استثمار الفرصة..
لقد ارتكب المشترك خطأ كبيرا ضد نفسه، وضد أهدافه التي ينادي بها، وسجل هدفا نظيفا لصالح المؤتمر الشعبي العام أمام الرأي العام، وبموقفه المقاطع للحظة وفاق جميلة ترسخ لمبدأ تبادل السلطة سلميا عكس المشترك صورة سلبية ليست سلمية عن حزب يتبنى السلمية وهو شريك حقيقي في حكومة الوفاق اليوم ، وكثير من الناس يعقدون عليه الأمل –بعد الله- بأن يلتزم بالوفاق ويكون في مقدمة المشاركين في بناء الدولة المدنية الحديثة التي ضحى من أجلها الشباب ..لكن موقفه المتشنج من حضور الاحتفالية جعل المراقبين للوضع اليمني محليا وعربيا ودوليا يتساءلون عن نية المشترك وخطته للمستقبل .. يا ترى هل المقاطعة دليل على عدم قبول التوافق ؟ أم هي إشارة إلى خضوعه لعقليات إقصائية لا تزال تفكر بتصفية كل من ليس من المشترك؟ أم أنه دليل على الحقد وعدم القبول بالتسامح؟ أم أنها كبوة جواد خلقتها عاطفة غير مدروسة؟ !!
انتقادي لموقف المشترك لا يعني تجاهلا لدماء الشهداء؛ لا.. فدماء الشهداء غالية على الجميع، ولا يستطيع أحد أن يزايد عليها ، فكل البيوت اليمنية شريكة في التضحيات لأن جميع البيوت اليمنية شاركت في ثورة التغيير ، وقدمت شهداء، أو جرحى باتساع اليمن الواحد ..في الساحات والبيوت والشوارع والمعسكرات، ولولا تضحياتهم لما وصلنا إلى هذا الاحتفال السلمي التأريخي، حتى وإن لم يكن ضمن المبادرة الخليجية ، فهو نصر لسلمية ثورة الشباب، وثمرة من ثمار تضحياتهم، والحكمة تستدعي أن يحضر زعماء المشترك هذا الاحتفال على الأقل ليشعر الشعب اليمني والعالم من حوله أن الوفاق سيكون فعلا حقيقيا في السنتين القادمتين، فكيف يتحقق الوفاق في ظل إعلان الجفاء؟!! .. الوطن بحاجة إلى أن تتحلى القيادات النافذة في الحزبين بالذكاء وبالمرونة وتستثمر كل الفرص المتاحة لرأب الصدع وتقريب وجهات النظر وإعادة أواصر الإخاء حتى تتمكن حكومة الوفاق من قضاء بقية الفترة الانتقالية في عملية البناء وليس في المناكفات واستجرار الماضي الأليم...
نتمنى أن تكون المقاطعة كبوة عاطفية غير مقصودة، وأن تعيد قيادات المشترك قراءة الواقع ليعرفوا أن ثورة الشباب قامت بسبب الفساد و الإقصاء والتهميش والهيمنة من طرف واحد ضد آخر ، وأن نصرة ثورة الشباب هي في قيادة الواقع لتحقيق أهداف التغيير بطريقة حضارية تستوعب الجميع بدون استثناء وتتمثل فيها الحكمة اليمانية التي تتجلى عند الشدائد.. وأن التغيير لن يتحقق إلا عن طريق الالتزام بمعايير أخلاقية عادلة تقوم على الاعتراف بالخطأ والقبول بالآخر والشراكة الحقيقية والتسامح ...
بعد الانتخابات الشعب اليمني يريد إنجازات على طريق الدولة المدنية، وأي إنجاز لحكومة الوفاق هو إنجاز للإجماع الوطني وللحكمة اليمانية كما إن أي إخفاق سيكون هزيمة للجميع ...
.
[1] - أستاذ المناهج وطرائق التدريس المشارك بكلية التربية –جامعة صنعاء
suadyemen@gmail.com
المصدر: شهارة نت