الغزوة : غزوة تبوك
المكان: تقع منطقة تبوك على حدود الدولة البيزنطية وتبعد عن المدينة المنورة 680 كم عن طريق خط سكة الحديد الشام الحجاز المعروف والذي يمر تقريباً بطريق الرسول n إلى تبوك، أما عن طريق خيبر وتيماء فتبعد780 كم. والفاصلة بينها وبين الشام 692 كم.
الزمان: شهر رجب من العام التاسع للهجرة 631م
قوات المسلمين: ثلاثون ألف مقاتل بمعية عشرة آلاف فرس
قوات العدو: أربعون ألف مقاتل مع كامل المعدات و الأسلحة يساندهم عرب لخم وجذام وعاملة وغسان
السبب: مبادرة الروم بعد وصول الأنباء بحشد القوّات لغزو المسلمين، والمطالبة بدم جعفر بن أبي طالب (1).
النتيجة: ولكن لم يجدوا هناك أحداً من الروم الذين رجعوا من حيث أتوا ، حينما علموا بمسير الجيش المسلم وعاد إلى المدينة.
احداث غزوة تبوك
منطقة تبوك
تبوك: بالفتح ثم الضم، وواو ساكنة، وكاف: موضع بين وادي القرى والشام، وقيل بركة لأبناء سعد من بني عذرة، وقال أبو زيد: تبوك بين الحجر وأول الشام على أربع مراحل من الحجر نحو نصف طريق الشام (2).
جاء في تفسير علي بن إبراهيم القمي : ... لما شاع بالمدينة أن الروم قد اجتمعوا يريدون غزو رسول الله (صلى الله وعليه وآله) وسلم في عسكر عظيم ، وأن هرقل (3) قد سار في جنوده ، وجلب معه القبائل ، وقدموا البلقاء (4) أمر رسول الله (صلى الله وعليه وآله) وسلم بالتهيؤ إلى تبوك - وهي من بلاد البلقاء - (5).
زمان الاستعداد
جاء في مجمع البيان: (وكانت غزوة تبوك بعد فتح مكة، وبعد غزوة حنين والطائف، ورجوع النبي (صلى الله وعليه وآله) منها إلى المدينة، ومقامه ما بين ذي الحجة إلى رجب، ثم تهيأ في رجب للخروج إلى تبوك، وكان منصرفه من تبوك في بقية رمضان، من سنة تسع من الهجرة، ولم يخرج (صلى الله وعليه وآله) بعد ذلك لقتال، ولا غزو، إلى أن قبضه الله تعالى) (6).
الإعداد للغزوة
أعلن النبي (صلى الله وعليه وآله) النفير العام، وأرسل النبيّ (صلى الله وعليه وآله) إلى القبائل العربية المسلمة يستنفرهم على قتال الروم ، كما حث الناس على الإنفاق في سبيل الله قائلاً: (من جهّز جيش العسرة غفر الله له) (7) فاستجاب الصحابة لندائه، وضربوا أروع الأمثلة في البذل والعطاء، وتبرعت النساء بحليهن وزينتهن من الذهب، حتى فقراء المسلمين كان لهم نصيب من المشاركة في دعم المقاتلين (8).
غزوة العسرة
وكان الوقت صيفاً، والصحراء تحترق ناراً، ويسود البلاد حالة من الجدب والقحط، وكان الحر شديداً للغاية، وعانى المسلمون من عسرة الماء والزاد، لذلك سميت الغزوة بغزوة العسرة.
﴿ {لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ. . ﴾ (التوبة:117).
المنافقون
فضحت الآيات المنافقين وكشفت عن المتردّدين ﴿فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ﴾ (التوبة:81).
ولم يتوقّف كيد المنافقين عند هذا الحدّ، بل بادروا إلى بناء مسجد في أطراف المدينة ليكون مقرّاً لهم، يدّبرون فيه المؤامرات للقضاء على الإسلام وأهله وهو المسجد المعروف بمسجد ضرار.
قال تعالى : ﴿ َالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ* لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ﴾ (التوبة:107- 108).
وقد تخلّف معظم المنافقين عن الغزو، بأعذار متنوعة كاذبة.
استخلاف الإمام علي بن أبي طالب
استخلف النبي (صلى الله وعليه وآله) أمير المؤمنين (عليه السلام) في أهله وولده وأزواجه ومهاجره وقال له: ( يا علي إن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك ) ولكن المنافقين أخذوا يزعمون انه تركه استثقالا، فلما بلغ أرجافهم به أخذ علي سلاحه ثم خرج حتى لحق بالنبي وهو بالجرف وقال له : يا رسول الله إن المنافقين يزعمون أنك استثقالا ومقتا " .
فقال له النبي (صلى الله وعليه وآله) : (ارجع يا أخي إلى مكانك ، فإن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك فأنت خليفتي في أهل بيتي ودار هجرتي وقومي ، أما ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي) (9).
في تبوك
عندما وصل الجيش إلى تبوك، لم يجد أثراً للروم أو القبائل الموالية، حيث قرر الروم الانسحاب إلى الداخل، ولعل مقصودهم كان استدراج الجيش الإسلامي إلى الداخل والانقضاض عليها، ولكنَّ الرسول (صلى الله وعليه وآله) بحنكته العسكرية أفشل مخططهم وعسكر في تبوك، وجعلها آخر نقطة في توغله شمالاً، وجعل يُراقب تحرّكات الأعداء.
ذكر آل محمد
ذكر الشيخ الطوسي في الامالي الحديث التالي : (حدثنا أبو منصور السكري ، قال : حدثني جدي علي بن عمر ، قال : حدثني العباس بن يوسف الشكلي ، قال : حدثنا عبد الله بن هشام ، قال : حدثنا محمد ابن مصعب القرقساني ، قال : حدثنا الهيثم بن جماز ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنس بن مالك ، قال : رجعنا مع رسول الله (صلى الله وعليه وآله) قافلين من تبوك ، فقال لي في بعض الطريق : ألقوا لي الأحلاس والأقتاب ، ففعلوا فصعد رسول الله (صلى الله وعليه وآله) فخطب ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : معاشر الناس ، مالي إذا ذكر آل إبراهيم (عليه السلام) تهللت وجوهكم ، وإذا ذكر ال محمد (صلى الله وعليه وآله) كأنما يفقأ في وجوهكم حب الرمان ، فوالذي بعثني بالحق نبيا ، لو جاء أحدكم يوم القيامة بأعمال كأمثال الجبال ولم يجئ بولاية علي بن أبي طالب لأكبه الله ( عز وجل ) في النار) (10).
وهذه الرواية تشير إلى أمر خطير بحيث استدعى من النبي الأكرم (صلى الله وعليه وآله) ان يوقف الجيش ليتحدث بهذا الحديث والذي يكشف عن الألم الكبير الذي كان يحمله النبي (صلى الله وعليه وآله) ويوضح حركة النفاق التي بدأت تشتد في المدينة المنورة ، وهذا بحث مهم ينبغي تسليط الضوء عليه من قبل العلماء والباحثين.
محاولة اغتيال الرسول (صلى الله وعليه وآله)
تعرض أكثر المؤرخين لغزوة تبوك إلى المحاولة الفاشلة للمنافقين فبعد أن فقدوا الأمل في تغلب الروم على المسلمين والذي راهنوا عليه ومنوا به أنفسهم، استعملوا آخر سهم في جعبتهم وهو الإقدام الآثم على قتل الرسول (صلى الله وعليه وآله)
جاء في تفسير الامثل أيضا: أن جماعة من المنافقين صمموا على قتل النبي الأكرم (صلى الله وعليه وآله) في طريق عودته من غزوة تبوك, فلما وصل إلى العقبة نفروا بعيره ليسقط في الوادي, إلا أن النبي (صلى الله وعليه وآله) قد أطلع بنور الوحي على هذه النية الخبيثة, فرد كيدهم في نحورهم وأبطل مكرهم (11).
العودة إلى المدينة المنورة
وبعد أن أنجز الله للرسول الأكرم ما أراد من غزوته، عاد إلى المدينة.
المراجع:
(1) تاريخ اليعقوبي، ج 2 ص 67.
(2) معجم البلدان، الحموي، ج 2 -ص 14.
(3) هرقل على وزن دمشق وهرقل وزان خندف: اسم ملك الروم . القاموس المحيط، ج 4 ص69 (هرقل).
(4) البلقاء : كورة من أعمال دمشق بين الشام ووادي القرى . معجم البلدان، ج 1 ص 489 .
(5) تقسير القمي، ج1 ص 290.
(6) تفسير مجمع البيان، الشيخ الطبرسي ، ج 9 ص 192.
(7) السيرة النبوية، ابن كثير، ج 4 ص 7.
(8) كنز العمال، المتقي الهندي، ج 2 ص 427.
(9) وهذا حديث المنزلة المعروف. لمعرفة مصادر هذا الحديث راجع كتاب المراجعات ص 139 - 142 والاستيعاب 3 / 1097 .
(10) الأمالي، الشيخ الطوسي، ص 308.
(11) الأمثل، الشيخ مكارم الشيرازي، ج6 ص127.