صرخة اليأس
عبد الله ضراب الجزائري
عندما يشتدُّ وجع الهوان وتعقم العقول تهرول كلمات الحيارى في صحارى اليأس لعلّها تأوي إلى يقظة قريبة ، ذالك هو مضمون هذه الصرخة اليائسة .
***
ثَارَ يأسي وحطَّمَ الآهُ أُنْسِي ... وَتوالَى كَغارِبِ المَوْجِ بُؤْسِي
صِرتُ أنسى مَباهِجَ العَيْشِ غَمًّا ... واضطراباً ، فَحِدَّةُ الغَمِّ تُنسِي
كنتُ أرجو وكنتُ أحلُمُ حِيناً ... فأقامتْ حوادثُ الدَّهرِ يَأسِي
لستُ أدري أفُسْحَةُ الرَّوْحِ وَلَّتْ ... أم أصابتْ غوائلُ الضُّرِّ حِسِّي
كيفَ أسلو وفي الفؤادِ نُدوبٌ ... مِنْ رزايا تَؤمُّ يومي وأمسِي؟
أين ديني ؟ وأين وحدةُ قومي؟ ... أين عزِّي؟ وأين عزَّةُ قدْسِي؟
قد توارتْ مَواقِفُ العِزِّ حَتَّى ... قِيلَ صلُّوا على الدَّفينِ بِرَمْسِ
كيفَ أرجو وشعبُنا في سُباتٍ ... يُهْدِرُ العيشَ خَلْفَ نَهْشٍ وَلَحْسِ ؟
بلْ يُبيدُ الودادَ في إثرِ حَظٍّ ... هَيِّنِ الشَّأنِ باعْتراكٍ ورَفْسِ
أترى أعبرُ الحياةَ تَعِيسا ً...ضَامِئَ القلبِ نحوَ لحظةِ أنْسِ؟
أم ترى يَنبعُ الرَّجاءُ بقلبي ؟... ينزلُ الغيثُ في الشِّغافِ ويُرسِي ؟
أترى يرجعُ الرَّشادُ لشعبي ؟ ... يفهمُ الدَّرسَ بعد دَرْسٍ ودَرْسِ ؟
***
خابَ قومٌ تهافتوا دونَ وعيٍ ... في صراعٍ يَجُرُّناَ نحوَ نَكْسِ
هَتَكُوا السِّتْرَ بالهوى واسْتقرُّوا ... في مَهَاوي الرَّدَى تَعُجُّ بِتَعْسِ
ضَحِكَ الكونُ من فسادِ رُؤاناَ ... وازْدرَاناَ تَرَفّعًا كلُّ جِنسِ
قد رَمينا ستائرَ النُّورِ عَنَّا ... وانقسمنا ما بين رومٍ وفُرسِ
عادَ سوقُ العبيدِ يَرْهنُ شعبي ... في بطونٍ وفي فروجٍ وكُرْسِي
كلُّ فَردٍ مُعلقٌ بِأَنَاهُ ... يَطمسُ الحقَّ بالهوى أيَّ طَمْسِ
لا يُراعِي هُدَى المُهَيْمِنِ عَمْدًا ... يُزْهِقُ الرُّوحَ أو يخونُ ويَحْسِي
صارَ عِبْئًا على العقيدةِ يُؤذي ... أحرفَ النُّورِ في الهدى مثل نَجْسِ
فغدَتْ صيحةُ الدُّعاةِ كَشُؤم ٍ... " نائحاتٌ على العريسِ بِعُرْسِ "
فقدُوا الصِّدقَ فارتضوْا كلَّ دُونٍ ... وشَرَوْا هاديَ القلوبِ بِبَخْسِ
راقب الأرضَ فالظَّلامُ شديد ٌ... أين ذكرٌ هَدَى العقولَ كَشمْسِ؟
قد تمادتْ سهامُ كفرٍ عنيدٍ ... تتوالى فلا تُردُّ بِترْسِ
أين أهلُ العقيدةِ المصلحونا ... من يَشُدُّونَ في الكتابِ بِضرْسِ ؟
كم ْحراكٍ يُبدِّلُ الظُّلمَ كُفرًا ... يَخدعُ الأنفس الصِّغار بِلَبْسِ
أتلفَ الودَّ واجتبى نَهْجَ حقدٍ ... أغرقَ النَّاسَ في هوانٍ ورِجْسِ
وكأنَّ الشَّبابَ من فَرْطِ طَيْشٍ ... قد أُصيبوا بِعلَّةٍ أو بِمَسِّ
دفَنوا العزَّ بالصِّراعِ غباءً ... هَدموا الأمنَ والسَّلامَ بِفَأسِ
يَمتطيهمْ بَنُو اليهودِ جِهارًا ... ويُساقونَ للهلاكِ بِقِسِّ
***
إنّ نهجَ الصِّراعِ نهْجُ هَوانٍ ... يَجعلُ السَّيِّدَ العزيزَ كَحِلْسِ
تلكَ في الدَّهرِ سُنَّة ٌقد وَعَاهاَ ... في البرايا ذَوُو عقولٍ وحَدْسِ
ليسَ يُجْدِي هُدَى الإلهِ إذا ما ... غُيِّبَ العقلُ عندَ جِنٍّ وإنْسِ