المرأة المسلمة بين الزينة والتبرج
المحامي : محمد قايد محمد الصايدي
الجمهورية اليمنية- إب
مؤسف حقاً ما نشاهده اليوم في حياتنا اليومية في العديد من المجتمعات الإسلامية سواء في الشوارع أوالطرقات أوالأسواق أوالمحلات التجارية أوالمكاتب الحكومية أوالشركات والمؤسسات أوالمدارس والمعاهد والجامعات وعلى شاشات التلفزيون في الحفلات الغنائية الهابطة ,من تبرج وسفورالكثير من النساء المسلمات, يشيب له الرأس ويتعرق منه الجبين.
حيث نرى الكثيرمنهن اليوم أخرجن أنفسهن عن الجمال الطبيعي وعن تعاليم الدين الإسلامي الحنيف, فنراهن متبرجات كاشفات الشعروالرقبة والصدر والساقين,ومطليات وجوههن بالمساحيق والمكياجات والكريمات, وشفاههن بحمر الشفاه, ومرتديات للملابس الغربية, ذات الأشكال الغريبة,كأنهن شبه عاريات,كالممثلات والمغنيات وعارضات الأزياء التي نراهن على صفحات المجلات الهابطة, وتشتم منهن العطورالفاخرة على بعد أمتار, وكل هذا تحت مسمى التطوروالتحضروالأنفتاح الذي نفثت سمومه في مجتمعاتنا الإسلامية المحافظة , المجتمعات الغربية المعادية...
فماذا نسمى يا ترى ما وصل إليه اليوم حال بعض نساء المسلمين من مبالغة في زينتهن أوصلهن إلى التعري والسفور؟ هل نسميه تزين إسلامي أم تبرج علماني؟؟
فمنذ أن أخرج الله أبوينا أدم وحوى من الجنة وأسكنهما الأرض لزم على الإنسان الراقي المتمدن إتخاذ الملابس من أجل أخفاء سوأته عن الأعين والأبصار, ووقاية جسمه من برد الليل وحر النهار,ويعتبر اللبس للأنسان كالعقل الذي ميزه الله سبحانه وتعالى عن الحيوان, قال تعالى(يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير, ذلك من آيات الله لعلكم يذكرون) سورة الأعراف آية 26.
لان أول عقوبة لحقت بأبونا أدم عليه السلام وأمنا حوى رحمها الله تعالى جراء معصيتهما لأمرالله سبحانه وتعالى في الجنة وأتباعهما للشيطان هي كشف سوأتهما,رغم أن المولى قد حذرهما من إبليس لعنه الله وأنه عدو لهما, قال تعالى (فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة,وناداهما ربهمآ ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين)سورة الأعراف الآيات(18-21) وقال تعالى (فأكلا منها فبدت لهما سوءتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى ءادم ربه فغوى) سورة طه(121)
وهذا هو ما سعى ويسعى إليه الشيطان لعنه الله من إجل إفتان بني أدم,قال تعالى (فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما وُرى عنهما من سوءاتهما)سورة الأعراف الآية 18
وهوقال تعالى(يا بني أدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما, إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم) سورة الأعراف الآية ( 26)
ويتضح الفرق بين التبرج والتزين في أن التبرج يعني خروج المرأة من الحشمة وإظهار مفاتنها وإبراز محاسنها وزينتها للغير.
بينما التزين فيعني إظهار المرأة جمالها لزوجها بطريقة غيرمبالغ فيها, من خلال إرتداء الملابس الجميلة التي تستر مفاتنها وتظهر جمالها ولبس الذهب والمجوهرات وإضافة بعض الأشياء المباحة كالحناء والكحل والخضاب وغير ذلك, دون أن تكشف شئياً من زينتها أو جسمها للغير ودون أن تبالغ في زينتها.
وقد حرم الله سبحانه وتعالى التبرج تحريماً قاطعاً وصريحاً, قال تعالى (ولا تتبرجن تبرج الجاهلية الأولى) سورة الأحزاب آية 33,وأما الزينة فأنه حلال للمرأة إذا كان في حدود ما أجازه لها الدين الإسلامي, إذ أن الزينة تلبية لفطرة المرآة وغريزتها الأنثوية,فكل أنثى مولعة أن تبدو جميلة, وتختلف الزينة من عصر إلى عصر ومن زمان إلى زمان, ولكن أساسها في الفطرة الإنسانية واحدة هي الرغبة في تحصيل الجمال أو استكماله وتجليته للزوج دون غيره.
بل إن الإسلام قد أوجب على المرآة أن تتزين وتتجمل لزوجها بأبهى حلة وأحسن زينة, لتعصمه عن الفتنة وتقيه عن النظر إلى غيرها.
وإذا كان أتخاذ الملابس من مظاهر الحضارة والمدنية ومن لوازم الإنسان الراقي للرجال والنساء على حد سواء, فإنه يكون أكثرلزاماً بالنسبة للمرأة منها للرجل,لأنه الحصن الذي يحفظ للمرأة دينها وشرفها وحياءها وعفافها وكرامتها ويصونها من الوقوع في المعاصي والآثام ويقيها من التبرج الجاهلي الذي حرمه الله عزوجل تحريماً قاطعاً
لكونه يحفظ للمرأة أغلى ما تملكه في حياتها الدين والشرف والعفاف والحياء, وبالعكس فأن تجرد المرأة من ملابسها وتبرجها وإظهار مفاتنها في الطرقات والأسواق سوف يسلبها أهم تلك الفضائل وهي الحياء والشرف إن لم يسلبها جميع تلك الفضائل تحت تأثير وساوس الشيطان وعوامل الهوى وضعف النفس البشرية .
فليس من صالح المرأة المسلمة أو من صالح أسرتها أو من صالح مجتمعها, أن تتخلى عن الصيانة والإحتشام والعفة والشرف,لأن المحافظة على هذه الفضائل يعتبر محافظة على إنسانية المرأة في أسمى صورها وأعلى مكانتها ,ويعتبر محافظة لذات المرأة ولحياتها, فلا يعتبرللمرأة أي وجود في الحياة وليس لها أي مكانة في مجتمعنا الإسلامي إلا إذا حافظت على دينها وشرفها وعفافها وحيائها,لأنها بهذه الأشياء الثمينة وحدها تصبح الزوجة الناجحة في أسرتها, والأم الصالحة في بيتها, والمربية العظيمة في مجتمعها, والأَمَة التقية عند ربها, فتسعد في دنياها برضا زوجها عنها وصلاح أبنائها وبناتها,وتفوزوتفلح في أخرتها برضا ربها والجنة.
ولكون الملبس هو الطريق الذي يقي المرأة المسلمة من التبرج والسفور في كل زمان ومكان, ويحفظ لها دينها وشرفها وحياءها وعفافها وكرامتها , فقد عني ديننا الإسلامي الحنيف عناية خاصة بملابس المرأة المسلمة وزينتها من خلال العديد من التوجيهات والإرشادات والأوامر والتحذيرات التي قصد منها حماية المرأة المسلمة والحفاظ عليها, وصيانة شرفها وكرامتها وعفتها من الشوائب باعتبارها نصف المجتمع وركنه الثاني على مرالأزمان والعصور, بل وسعى من خلال ذلك إلى الحفاظ على الرجال من فتنة النساء الكاسيات العاريات في كل عصر وزمان.
وقد سارالإسلام في عنايته بملابس المرأة المسلمة على خطى سليمة مواكباً في ذلك عصور التطور والمدنية ومنهياً لأثار التبرج الجاهلي والسفور الذي كان يخيم على المشركين في ذلك العصروذلك من خلال الآتي :
1- أوضح ديننا الإسلامي الحنيف كيفية ملابس المرأة المؤمنة التي يجب عليها إرتدائها أثناء خروجها من منزلها والتي تميزها عن النساء المشركات العاريات, مفصلاً لحدودها ونوعها..
جاء ذلك في القرآن الكريم بأمرصريح أصدره المولى عزوجل لزوجات وبنات الرسول صلى الله عليه وسلم خاصة ولنساء المؤمنين عامة, قال تعالى(يا أيها النبي قل لا زواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين) سورة الأحزاب الآية 59. فمعنى يدنين عليهن أي يرخين عليهن جلابيبهن وهو ما يستترن به ويغطين به أجسامهن ورؤسهن وجيوبهن كالملاءة فتسدلها المرأة حتى تقترب من الأرض فلا يظهر إلا أقدامها. وقال تعالى (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) سورة النور الآية 31 ومعنى (الجيب) فتحة الصدر في الثوب و(الخمار) غطاء الرأس والنحر والصدر, ليداري مفاتنهن ويحميهن من النظرات القاتلة.
2- حدد الإسلام السن الذي يجب على الفتاة المسلمة الإحتشام في لبسها بمجرد بلوغه وبين ما يحل للمرأة كشفه من زينتها وجسمها وما يجب عليها ستره وأخفاءه بالملابس,قال تعال(وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن) سورة النور الآية 31, وقال عليه الصلاة والسلام (يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح لها أن يرى منها إلا هذا وهذا .. وأشار إلى وجهه وكفيه)) فهنا نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوجب على الفتاة المسلمة بالإحتشام في اللبس وعدم التبرج بمجرد أن يأتيها الحيض وبين صلى الله عليه وسلم ما يحل للمرأة كشفه من جسدها وهما الوجه والكفين فقط.
3- حرم الإسلام على المرأة المؤمنة إبداء أي شئ من زينتها أو من جسمها مما لا يعد عورة لأي شخص كان إلا الزوج فقط, قال تعالى(ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن) سورة النور الأية (31)
4- نهى القرآن الكريم المرأة عن التبرج أو إبداء شئ من زينتها حتى ولو كانت قد بلغت سن اليأس وأصبحت عجوزاً لا رغبة لها ولا رغبة فيها, قال تعالى(والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن) سورة النور 60
5- حذر الرسول صلى الله عليه وسلم المرأة المسلمة من شدة العقوبة التي تلحق يوم القيامة النساء العاريات المتبرجات, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(صنفان من أهل النار لم أراهما: رجال بأيديهم سياط كأذناب البقر ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليشم من مسافة كذا وكذا)
6-ونظراً لما يلحقه التبرج من أثار سلبية على المرأة والأسرة المسلمة والمجتمع فإن المصطفى صلى الله عليه وسلم لم يكتفي بالتوجيه والإرشاد والتحذير والتخويف للنساء من عواقب التبرج وعدم الحشمة في الملبس في الدنيا والأخرة,بل أنه كان يقوم بمنع ذلك, حيث روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا راى بعض مظاهر التبرج من بعض نساء المسلمين, حتى ولوكانت تلك المرأة المتبرجة في المسجد بين يدي الله عزوجل تؤدي الصلاة المكتوبة, فأنه لا يسكت عليه, وأنما ينبه النساء إلى أن هذا فسق وعصيان لأمر الله عزوجل, وينهاهن عنه, ويردهن إلى الطريق المستقيم, بل ويحمل الأباء والأزواج تبعة هذا الإنحراف وخروج نسائهم عن الطريق القويم وينذرهم بعذاب أليم من الله عزوجل,فعن عائشة رضى الله عنها قالت: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد دخلت امرأة من مُزينة ترفل في زينة لها في المسجد فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس:(انهوا نساءكم عن لبس الزينة والتبختر في المسجد فإن بني إسرائيل لم يلعنوا حتى لبس نساؤهم الزينة وتبختروا في المسجد) رواه بن ماجه.
7- وقد سار على نهجه صلى الله عليه وسلم,الصحابة رضوان الله عليهم جميعا والتابعين فكانوا ينهون النساء المتبرجات عن ذلك أينما وجدوهن, مؤكدين لهن أن التبرج والتزين والتعطر أثناء خروجهن من منازلهن حتى ولو كن ذاهبات إلى بيوت الله عزوجل لأداء الفرائض والعبادات يعتبر فسق وعصيان لله عزوجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم, يترتب عنهن حرمانهن من أجر وثواب العبادة التي خرجن لأدائها, لما لذلك من تأثير كبيرعلى حشمة المرأة وحيائها وشرفها أوفي أفتتان الرجال وأشغالهم عن الطاعة والصلاة.
فعن موسى بن يسار رضى الله عنه قال: مرت بأبي هريرة امرأة وريحها تعصف فقال لها أين تريدين يا أمة الجبار؟ قالت إلى المسجد قال: وتطيبت؟ قالت: نعم. قال فأرجعي واغتسلي فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(لا يقبل الله صلاة من امرأة خرجت إلى المسجد وريحها تعصف حتى ترجع فتغتسل)رواه ابن خزيمة في صحيحه قال الحافظ: إسناده متصل رواته ثقات ورواه أبو داود وإبن ماجة من طريق عاصم بن عبيدالله العمري.
وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أيما أمرأة أصابت بخوراً فلا تشهدن العشاء) أي صلاة العشاء, رواه أبوداود والنسائي.
المصادر:
1- القرآن الكريم.
2- فقه السنة السيد سابق.
نشر هذا الموضوع في مجلة الأسرة الخليجية العدد 178 تحت عنوان بين الزينة والتبرج
عدل سابقا من قبل alsaidilawyer في الخميس 20 فبراير 2014 - 11:55 عدل 1 مرات