علامات القيامة الكبرى
طلوع الشمس من مغربها
الأمور العظيمة لا تقع فجأة ومباغتة، بل لابد لها من مقدمات وإرهاصات، ومن ذلك قيام الساعة، فإنه أعظم حوادث هذا الكون؛ ولذلك كانت هناك علامات سابقة لهذا الحدث مؤذنة بقربة ووقوعه، ومن تلك العلامات: طلوع الشمس من مغربها، وخروج دابة تكلم الناس، وظهور الدخان العظيم، وثلاثة خسوفات في الأرض، ثم خروج نار عظيمة من قعر عدن تسوق الناس إلى أرض المحشر.
الشمس آية دالة على وحدانية الله
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدَّى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح للأمة، فكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فاللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: فحياكم الله جميعاً أيها الآباء الفضلاء! وأيها الإخوة الأحباب الكرام الأعزاء! وطبتم جميعاً وطاب ممشاكم، وتبوأتم من الجنة منزلاً، وأسأل الله العظيم الكريم جل وعلا الذي جمعني مع حضراتكم في هذا البيت الكريم المبارك على طاعته، أن يجمعنا جميعاً مع سيد النبيين في جنته ودار كرامته، إنه ولي ذلك والقادر عليه. أحبتي في الله! في رحاب الدار الآخرة، سلسلة علمية هامة تجمع بين المنهجية والرقائق، وبين التأصيل العلمي والأسلوب الوعظي، أقدمه الآن لنفسي وإخواني وأخواتي من المسلمين والمسلمات في عصر طغت فيه الماديات والشهوات، وانصرف فيه كثير من الناس عن طاعة رب الأرض والسماوات، لعل الغافل أن يتنبه، ولعل النائم أن يستيقظ، قبل أن تأتيهم الساعة بغتة وهم يخصمون، فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون وهذا هو لقاؤنا السابع من لقاءات السلسلة الكريمة، ولا زلنا بحول الله ومدده نتحدث عن العلامات الكبرى للساعة، والتى ذكرها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديثه الصحيح الذي رواه مسلم من حديث حذيفة بن أسيد الغفارى رضي الله عنه قال: (اطلع علينا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نتذاكر فقال المصطفى: ما تذاكرون؟ قالوا: نذكر الساعة يا رسول الله. فقال صلى الله عليه وسلم : إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات وهي: الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى عليه السلام، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف، خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم). وقد تكلمنا في اللقاءات الماضية على التوالي عن: الدجال، وعن نزول عيسى عليه السلام، وعن يأجوج ومأجوج، وسأتحدث اليوم -إن شاء الله تعالى- عن بقية العلامات الواردة في الحديث؛ نظراً لأن المادة العلمية الصحيحة في بقية هذه العلامات مادة قليلة مقتضبة. العلامة الرابعة: طلوع الشمس من مغربها الشمس منذ أن خلقها الله عز وجل تشرق من المشرق وتغرب في المغرب، بصورة متكررة منتظمة لا تتخلف يوماً ولا تتأخر، بصورة تطالع الأنظار والمدارك؛ لتستنطق الفطرة السوية للإنسان بوحدانية الرحيم الرحمن، قال جل وعلا: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [يس:38-40]. آية من الآيات التي تستنطق الفطرة السليمة النقية بوحدانية الله جل وعلا، علامة بارزة على قدرة الله. ولذا نرى نبياً من أنبياء الله -وهو خليل الله إبراهيم- قد تحدى بهذه الآية العظيمة طاغية من طواغيت أهل الأرض، قال الله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ [البقرة:258] رد النمرود بن كنعان الطاغية المجرم على إبراهيم فقال: (أنا أحيي وأميت) ولكن أين يذهب هذا الغر الجاهل بحجته الفاسدة أمام نبي من أنبياء الله؟! فقال له الخليل: فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [البقرة:258]. فالشمس منذ خلقها الله تشرق من المشرق وتغرب في المغرب بصورة منتظمة متكررة، لا تكاد تتخلف أو تتأخر يوماً من الأيام، حتى إذا جاء الوعد الموعود استأذنت الشمس ربها أن تشرق كعادتها من المشرق فلا يأذن لها. ......
حديث: (أتدرون أين تذهب هذه الشمس)
تدبر معي قول الصادق المصدوق، ففي صحيح مسلم من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوماً والشمس تغرب: (أتدرون أين تذهب هذه الشمس؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، فقال: إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة لله جل وعلا)، لا تتعجل فكل شيء في هذا الكون يسجد لله، قال جل في علاه: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ [الحج:18] فكل شيء في الكون يسجد لرب الأرض والسماء، إلا كفرة الإنس والجن. انظر إلى الكون كله من عرشه إلى فرشه، ومن سمائه إلى أرضه؛ لتتعرف على وحدانية الله وعظمة الخالق جل في علاه، انظر إلى السماء وارتفاعها، وإلى الأرض واتساعها، وإلى الجبال وأثقالها، وإلى الأفلاك ودورانها، وإلى البحار وأمواجها، وإلى كل ما هو متحرك، وإلى كل ما هو ساكن، والله إن الكل يقر بتوحيد الله، ويعلن السجود لله، ولا يغفل عن ذكر مولاه إلا من غفل من الإنس والجن، ولا حول ولا قوة إلا بالله. انظر لتلك الشجرة ذات الغصون النضرة كيف نمت من حبة وكيف صارت شجرة ابحث وقل من ذا الذي يخرج منها الثمرة ذاك هو الله الذي أنعمه منهمرة ذو حكمة بالغة وقدرة مقتدرة وانظر لتلك الشمس التي جذوتها مستعرة فيها ضياء وبها حرارة منتشرة ابحث وقل من ذا الذي يخرج منها الشررة ذاك هو الله الذي أنعمه منهمرة ذو حكمة بالغة وقدرة مقتدرة الشمس والبدر من آيات قدرته والبر والبحر فيض من عطاياه الطير سبحه والوحش مجده والموج كبره والحوت ناجاه والنمل تحت الصخور الصم قدسه والنحل يهتف له حمداً في خلاياه والناس يعصونه جهراً فيسترهم والعبد ينسى وربي ليس ينساه قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (أتدرون أين تذهب هذه الشمس؟ قال الصحابة: الله ورسوله أعلم. فقال الصادق المصدوق: إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش، فتخر ساجدة لله عز وجل، فلا تزال كذلك حتى يقال لها: ارجعي من حيث جئت، فترجع فتصبح طالعة من مطلعها -أي: من المشرق- يقول المصطفى: فلا تزال كذلك، لا يستنكر الناس منها شيئاً). الشمس تشرق كل صباح من المشرق، وتغرب كل يوم في المغرب، لا يستنكر الناس من أمرها ولا من شأنها شيئاً، فلا تزال كذلك حتى تجري ثم تستقر في مكانها تحت العرش، كما أخبر بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم، فلا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعي وأصبحي طالعة من مغربك، فتصبح الشمس طالعة من المغرب، انتهى نظامها المعتاد، انتهت مدة حياة هذا الكون، ستبدل الأرض غير الأرض، وستبدل السماوات ليبرز الجميع للوقوف بين يدي الملك جل جلاله: يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [إبراهيم:48]. أصبحي طالعة من مغربك، فتصبح الشمس طالعة من المغرب انظر إلى هذا العجب!! ووضحت هذا المعنى رواية ابن مردويه بسند حسن بشواهده من حديث عبد الله بن أبي أوفى أن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم قال: (ليأتين على الناس ليلة تعدل ثلاث ليالٍ من لياليكم) وفي الوقت المحدد يضغط المنبه على ساعة الوقت لصلاة الفجر، فتستيقظ فتنظر إلى ساعة الوقت فترى الليل ما زال مخيماً! لعل الساعة قد خانت! ثم تستيقظ فترى الليل ما زال مخيماً بظلامه! ثم تستيقظ فترى الليل ما زال مخيماً بظلامه! فتتعجب! طال وقت النوم! (ليأتين على الناس ليلة تعدل ثلاث ليال من لياليكم، فإذا كان ذلك يعرفها المتنفلون- يعرفها القائمون بالليل لله رب العالمين، انظر إلى فضل قيام الليل، حتى في أحلك الأزمات -يقوم أحدهم فيقرأ حزبه، ثم ينام، ثم يقوم فيقرأ حزبه، ثم ينام، فبينما هم كذلك صاح الناس بعضهم في بعض، فيفزعون إلى المساجد، فبينما هم كذلك إذ بهم يرون الشمس قد طلعت من مغربها). الله أكبر! ما الذي يترتب على هذه الآية العظيمة؟! تدبر هذا الكلام جيداً! الذي يترتب على ذلك أن المصطفى صلى الله عليه وسلم قال: -كما في رواية أبي ذر التي ذكرتها آنفاً-: (أتدرون متى ذاكم؟!) أي: أتدرون متى تطلع الشمس من مغربها؟! قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: (ذاك حين لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [الأنعام:158]). أغلق باب التوبة بطلوع الشمس من مغربها، إذا عاد الكافر إلى الله لا يقبل الله منه الإيمان، انتهى الأوان، إذا تاب العاصي إلى الله لا يقبل الله منه التوبة، ذكرت في الدنيا فما تذكرت! وعظت في الدنيا فما اتعظت! ذكرناك بالقرآن وذكرناك بحديث النبي عليه الصلاة والسلام فأبيت إلا الإنكار، وأبيت إلا العناد والإصرار، وتماديت في المعاصي والضلال والطغيان، وإذا طلعت الشمس من مغربها أغلق عليك باب التوبة يا مسكين! قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (إذا طلعت الشمس من مغربها ورآها الناس آمنوا كلهم أجمعون، ويومئذ لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً). وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة إذا خرجن لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً: طلوع الشمس من مغربها، والدابة، والدخان)، فإذا طلعت الشمس من المغرب، وخرجت الدابة من الأرض، وخرج الدخان؛ إن تاب الكافر إلى الله لا يقبل الله منه، وإن تاب العاصي إلى الله لا يقبل الله منه، فأذكر نفسي وأذكرك الآن -أيها الحبيب- بالمبادرة إلى التوبة إلى الله عز وجل قبل أن يغلق الله باب التوبة علينا. المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول -والحديث رواه أحمد بسند صحيح-: (لا تنقطع الهجرة ما تقبلت التوبة، ولا تزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت من مغربها طبع على كل قلب بما فيه، وكفي الناس العمل). أيها اللاهي! أيها الساهي! أيها الغافل! أيها المضيع للتوحيد! أيها المضيع للصلاة! أيها المضيع للزكاة! أيها العاق لوالديه! أيها المنصرف عن الله! دع عنك ما قد فات في زمن الصبا واذكر ذنوبك وابكها يا مذنب لم ينسه الملكان حين نسيته بل أثبتاه وأنت لاه تلعب وغرور دنياك التي تسعى لها دار حقيقتها متاع يذهب الليل فاعلم والنهار كلاهما أنفاسنا فيهما تعد وتحسب قال المصطفى صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث أبي موسى الأشعري : (إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها). إذا طلعت الشمس من المغرب أغلق باب التوبة، فهنيئاً لمن طلعت الشمس عليه من مغربها وهو مستقيم على طاعة الله، اللهم اجعلنا من أهل الإيمان والاستقامة، ووفقنا للعمل الصالح الذي يرضيك يا رب العالمين. قال جل وعلا: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت:30-32]. ......
خروج الدابة
ما أحدثكم به الآن من هذه العلامات هو ما صح عن الصادق صلى الله عليه وسلم، أما ما عدا ذلك فلن تجد إلا ضعيفاً وموضوعاً. العلامة الخامسة من علامات الساعة الكبرى خروج الدابة. ما هي الدابة؟ قال جل وعلا في سورة النمل: وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ [النمل:82]. يا إلهي! دابة تتكلم!! دابة تنطق!! وتكلم الناس كلاماً مفهوماً واضحاً! بل وتقيم عليهم الحجة، وتذكرهم بأنهم كانوا لا يوقنون بآيات الله! وكانوا لا يصدقون بآيات الله جل وعلا! قال المصطفى صلى الله عليه وسلم -والحديث رواه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو-: (أول أشراط الساعة: طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة على الناس ضحى -أي: في نفس اليوم الذي تطلع فيه الشمس من المغرب- فأيتهما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على إثرها قريباً). يعني: لو خرجت الدابة فسوف تطلع الشمس من مغربها في نفس الوقت، وإن أشرقت الشمس من مغربها، فسوف تخرج الدابة في نفس اليوم، (أيتهما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على إثرها قريباً). الدابة أمر عجيب لو تدبرته كاد قلبك أن ينخلع! دابة تخرج وتجوب الأرض كلها، تفرق هذه الدابة بين المؤمن والكافر! وتعلِّم المؤمن بعلامة، وتعلِّم الكافر بعلامة، تسم الكافر على أنفه فيسود وجهه! وتسم المؤمن فيضيء وجهه كأنه كوكب دري، أمر عجب!! ورد في الحديث الذي رواه أحمد في مسنده وصححه شيخنا الألباني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تخرج الدابة فتسم الناس على خراطيمهم) (تسم الناس): أي: تعلِّم الناس. على الخراطيم: أي: على الأنوف. تسم الدابة أنف كل واحد على ظهر الأرض. وخذ هذا الحديث العجب الذي رواه أحمد في المسند و الترمذي في السنن، وللأمانة العلمية التي اتفقنا عليها فإن الشيخ الألباني -حفظه الله- قد ضعف إسناد الحديث، ومدار الحديث على علي بن زيد بن جدعان، قال الألباني : فيه ضعف، إلا أن العلامة أحمد شاكر رحمه الله تعالى قد صحح إسناد الحديث وقال: علي بن زيد بن جدعان مختلف فيه، والراجح عندنا توثيقه؛ لذا صحح العلامة أحمد شاكر إسناد هذا الحديث، وقال الإمام الترمذي : حديث حسن؛ قال صلى الله عليه وسلم: (تخرج الدابة ومعها عصى موسى وخاتم سليمان، فتسم الدابة أنف الكافر -أي: تعلم الدابة أنف الكافر- وتجلو وجه المؤمن -أي: ويضيء وجه المؤمن- كأنه كوكب دري، حتى أن أهل الخوان الواحد -أي: المائدة- يجتمعون على طعامهم فيقول هذا: يا مؤمن! ويقول هذا: يا كافر!). لأن الدابة بينت وأوضحت الحقيقة، وميزت المؤمنين من الكفار. وقد غالى بعض الناس في وصف الدابة، وأعطوا لخيالهم العنان، فوصفوا الدابة وصفاً درامياً خيالياً عجيباً، فمنهم من قال: رأسها رأس ثور، وعينها عين خنزير، وأذنها أذن فيل، وعنقها عنق نعامة، وصدرها صدر أسد، وقوائمها قوائم بعير.. إلى آخر هذا الوصف الدرامي، الذي لا يصلح إلا أن يكون في فلم لواحد من هؤلاء الكذابين، ولا يجوز لأحد يحترم عقله ويحترم نفسه أن يعطي لخياله العنان ليصف الدابة بهذه الأوصاف، إذ إن أمور الغيب -ومنها: الدابة- لا يجوز لأحد البتة أن يتكلم فيها بكلمة إلا بدليل صحيح عن الصادق الذي لا ينطق عن الهوى.......
الدخان من علامات الساعة الكبرى
العلامة الخامسة: الدخان. والدخان هو آخر العلامات التي سيشهدها المؤمنون على ظهر الأرض، وبقية العلامات لا يراها المؤمنون، ولا يشهد عذابها الموحدون، بل لا تقوم إلا على الكفرة الفجرة من شرار الخلق. الدخان علامة كبرى، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إن هذا الدخان كان علامة من العلامات التى وقعت فى الدنيا بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم على المشركين. والدخان قد وقع بالفعل، ولكن الدخان الوارد في حديث حذيفة بن أسيد الغفاري الذي هو علامة من علامات الساعة الكبرى يختلف تمام الاختلاف عن تلك العلامة التي رآها المشركون في مكة؛ بدعاء الصادق صلى الله عليه وسلم عليهم. قال تعالى في حق هذه العلامة: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ [الدخان:10] أي: واضح بين يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ [الدخان:11]. وإذا خرج الدخان فلا يقبل الله التوبة كما تقدم، وبعد ظهور هذا الدخان يبعث الله ريحاً ألين من الحرير، وظيفتها قبض أرواح المؤمنين على ظهر الأرض، فلا يبقى على ظهر الأرض مؤمن. يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (فلا تدع أحداً في قلبه مثقال حبة من إيمان إلا قبضته، ويبقى شرار الخلق) أي: الكفرة الفجرة الذين لم يؤمنوا بالله عز وجل. وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق). وفي رواية مسلم من حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله الله). كلمة (الله) لا تقال في الأرض أبداً؛ لأن الموحدين قد قبضوا، ولأن المؤمنين قد ماتوا، فلا يبقى إلا الكفرة الذين لا يعرفون الله، ولا يوحدون الله جل وعلا، وعلى هؤلاء تقوم الساعة، بل وتقوم عليهم بقية العلامات الكبرى التي هي عذاب في عذاب، وبلاء في بلاء. ما هي هذه العلامات؟!! العلامات المتبقية أربع هي: ......
الخسوف الثلاثة
الخسوف الثلاثة: فيقع الخسف الأول بالمشرق والخسف -كما هو معلوم- انشقاق الأرض، قال تعالى حكاية عن قارون : فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ [القصص:81]. فيقع الخسف الأول بالمشرق، على شرار الخلق، وأين المؤمنون؟ قد قبضوا، وهذا من رحمة الله بالموحدين. والخسف الثاني: بالمغرب، والخسف الثالث بجزيرة العرب. ......
خروج نار عظيمة من قعر عدن
وبعد هذه الخسوف تخرج العلامة الأخيرة من علامات الساعة الكبرى ألا وهي: نار ضخمة تخرج من قعر عدن (مدينة عدن المعروفة في اليمن) فتطرد الناس جميعاً إلى محشرهم. عبد الله بن سلام هو حبر اليهود الذين وحد الله وآمن برسول الله صلى الله عليه وسلم، فيوم أن وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مهاجراً، ذهب عبد الله بن سلام إليه فقال: لما نظرت إلى وجه النبي عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فآمن بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد أن سأل النبي صلى الله عليه وسلم أسئلة جيدة، ومن بين هذه الأسئلة: ما هي أول أشراط الساعة؟ فقال المصطفى عليه الصلاة والسلام : (أول أشراط الساعة نار تخرج من قعر عدن تحشر الناس من المشرق إلى المغرب) رواه البخاري من حديث أنس. وقد يلمح طالب العلم الذكي تعارضاً ظاهراً بين رواية أنس في صحيح البخاري التي فيها: (أول أشراط الساعة نار) وبين رواية حذيفة بن أسيد الغفاري التي فيها: (وآخر ذلك نار)، ولكن لا تعارض، فقول النبي صلى الله عليه وسلم في رواية حذيفة : (وآخر ذلك نار) أي: هي العلامة الأخيرة بالنسبة لما سبقها من العلامات في الدنيا، وفي رواية البخاري : (وأول أشراط الساعة نار) أي: أنها العلامة التي إن وقعت وقعت القيامة بعدها: من النفخ في الصور، والبعث من القبور، وتغير كل شيء، هذا كله يبدأ بعد خروج هذه النار. ......
أنواع الحشر
روى البخاري و مسلم من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (يحشر الناس على ثلاث طرائق: راغبين وراهبين، واثنين على بعير، وثلاثة على بعير، وأربعة على بعير وعشرة على بعير، وتحشر بَقيَّتَهُم النار، تبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم حيث قالوا، وتصبح معهم حيث أصبحوا، وتمسى معهم حيث أمسوا). قال العلامة القرطبي في كتابه التذكرة: والحشر هو الجمع، حشر الناس: أي: جمع الناس، وفي هذا إشكال لدى بعض أهل العلم، قالوا: هل هذا الحشر في الدنيا أو في الآخرة؟ قال القرطبي : الحشر: هو الجمع، وهو أربعة أنواع: الحشر الأول والثاني في الدنيا، والحشر الثالث والرابع في الآخرة. أما الحشر الأول: فهو المذكور في قول الله تعالى في سورة الحشر: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ [الحشر:2]. الحشر الثاني: هو الحشر الوارد في حديث حذيفة : وآخر ذلك نار تخرج من اليمن، تطرد الناس إلى محشرهم، وهذا هو الحشر الثاني، فحشر النار للناس لا يكون إلا في الدنيا. الحشر الثالث: حشر الناس من القبور وغيرها بعد البعث. الحشر الرابع: حشر الناس إلى الجنة أو إلى النار، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهل الجنان. والذي عليه جمهور المحققين من العلماء: أن الحشر الوارد في حديث حذيفة -الذي هو علامة من العلامات الكبرى- لا يكون إلا في الدنيا، والدليل الصحيح الصريح على ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ذكر أن الحشر الذي يكون في الآخرة يحشر فيه المؤمنون والكافرون، أما هذا الحشر فليس فيه إلا الكفار، أما المؤمنون فإن الله يبعث إليهم ريحاً تقبض أرواحهم قبل هذا الحشر. أما حشر الآخرة فيحشر فيه المؤمن والكافر حفاة عراة غرلاً كما في الصحيحين من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تحشرون حفاة عراة غرلاً قالت عائشة : يا رسول الله! الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض؟! فقال المصطفى: يا عائشة ! الأمر أشد من أن يهمهم ذلك!). وفي رواية أنس أنها قالت: الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض! واسوأتاه! فقال لها: يا عائشة لقد نزلت على آية لا يضرك أكان عليك ثياب أم لا، وتلى النبي قوله تعالى: لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس:37]) . تذكر وقوفك يوم العرض عُريانا مستوحشاً قلق الأحشاء حيرانا والنار تلهب من غيظ ومن حنق على العصاة ورب العرش غضبانا اقرأ كتابك ياعبدُ يعلى مَهَلٍ فهل ترى فيه حرفاً غير ما كان لما قرأت ولم تنكر قراءته أقررت إقرار من عرف الأشياء عرفانا نادى الجليل خذوه يا ملائكتي وامضوا بعبدٍ عصى للنار عطشانا المشركون غداً فى النار يلتهبوا والموحدون بدار الخلد سُكَّانا أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم. ......
هدم الكعبة من علامات الساعة
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: فيا أيها الأحبة الكرام! وهكذا تنتهي علامات الساعة الكبرى التي ذكرها المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديث حذيفة بن أسيد الغفاري الذي كنا معه طيلة اللقاءات الأربعة الماضية. وهناك علامة أخرى عجيبة غريبة، إذا وقعت كادت أن تخلع القلوب، وهي لم ترد في حديث حذيفة، ألا وهي هدم الكعبة! بيت الله الذي تهوي إليه الأفئدة، وتحن إليه القلوب، الذي قال في حقه علام الغيوب: وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا [البقرة:125] (مثابة للناس)، أي: لا يملون منه، كلما نظروا إليه وانصرفوا عنه تجدد الشوق إليه والحنين لزيارته ورؤيته، هذا البيت المشرف العظيم من علامات الساعة الكبرى أن يهدم حجراً حجراً! إن عيسى بن مريم -على نبينا وعليه الصلاة والسلام- ينزل إلى الأرض فيقتل الدجال عليه من الله ما يستحقه، ويدعو الله أن يهلك يأجوج ومأجوج، فيستجيب الله دعاءه، ويهلك يأجوج ومأجوج، وينزل مطراً فتصبح الأرض كالزُلقة أو كالزَلقة أو كالزُلفة، أي: كالمرآة في صفائها ونقائها، ثم تخرج البركة من الأرض، وتنزل الرحمات، ويعيش الناس في أمن وسلام طيلة وجود نبي الله عيسى، ويذهب نبي الله عيسى ليحج بيت الله الحرام. إذاً: يبقى الحج حتى في عهد نبي الله عيسى، فإذا قدر الله على عيسى الموت كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ [الرحمن:26-27]. فإنه يموت في المدينة المنورة، ويصلي عليه المسلمون من أمة محمد، ويدفنونه مع الحبيب المصطفى في الحجرة المباركة. بعد ذلك تقع العلامات التي ذكرت الآن، ولا يبقى إلا شرار الخلق، تمحى آيات المصحف، ولا يقول أحد في الأرض: لا إله إلا الله، ولا يحجون البيت، بل ولا يعرفون عن البيت شيئاً، ومن بين هؤلاء الأشرار رجل من الحبشة، والنبي صلى الله عليه وسلم قد وصف شكله وكأنه ينظر إليه وهو يهدم الكعبة وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى [النجم:1-5]. يقول المصطفى: (لا تقوم الساعة حتى يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة). رجل يقال له ذو السويقتين من الحبشة، وفي رواية البخاري من حديث ابن عباس قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (كأني أنظر إليه: أسود أفحج- أي: متسع ما بين ساقيه- ينقض الكعبة حجراً حجراً) وبهذا تنتهى الحياة الدنيا بحلوها ومرها، بحلالها وحرامها، بخيرها وشرها، ولا يبقى إلا الكفرة من شرار الناس، وعليهم تقوم الساعة، فيأمر الله جل وعلا إسرافيل عليه السلام أن ينفخ النفخة الأولى، ألا وهي: نفخة الفزع، مصداقاً لقوله جل وعلا: وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ [النمل:87]، ينفخ إسرافيل في الصور نفخة الفزع فتتزلزل الأرض، وتنفصل عرى هذا الكون، وتدك الجبال بالأرض دكاً دكاً، وتنسف الجبال نسفاً نسفاً، وتثور البحار والأنهار، وتتحول إلى برك ضخمة من النار، قال الله جل وعلا: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا* لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا * يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا [طه:105-108]. والله أسأل أن يسترنا في الدنيا والآخرة . اللهم إن أردت بالناس فتنة فاقبضنا إليك غير خزايا ولا مفتونين، ولا مفرطين ولا مضيعين، ولا مغيرين ولا مبدلين. اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، وبلغنا مما يرضيك آمالنا، اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر. اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها -يا مولانا- أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها. اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا. اللهم لا تدع لأحد منا في هذا الجمع الكريم ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا عاصياً بيننا إلا هديته، ولا طائعاً معنا إلا زدته وثبته، ولا حاجة هي لك رضي ولنا فيها صلاح إلا قضيتها ويسرتها يا رب العالمين! اللهم استرنا فوق الأرض، واسترنا تحت الأرض، واسترنا يوم العرض. اللهم استرنا فوق الأرض، واسترنا تحت الأرض واسترنا يوم العرض، اللهم استرنا فوق الأرض، واسترنا تحت الأرض، واسترنا يوم العرض، برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، وأعل بفضلك كلمة الحق والدين. اللهم احمل المسلمين الحفاة، واكس المسلمين العراة، وأطعم المسلمين الجياع، اللهم وحد صفوف المسلمين، وألف بين قلوبهم وأرواحهم يا أرحم الراحمين! واجعل الدائرة على كل من ناصبهم العداء يا رب العالمين! هذا وما كان من توفيق فمن الله وحده، وما كان من خطأ أو سهو أو زلل أو نسيان فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وأعوذ بالله أن أكون جسراً تعبرون به إلى الجنة ويلقى به في جهنم، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه. وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
طلوع الشمس من مغربها
الأمور العظيمة لا تقع فجأة ومباغتة، بل لابد لها من مقدمات وإرهاصات، ومن ذلك قيام الساعة، فإنه أعظم حوادث هذا الكون؛ ولذلك كانت هناك علامات سابقة لهذا الحدث مؤذنة بقربة ووقوعه، ومن تلك العلامات: طلوع الشمس من مغربها، وخروج دابة تكلم الناس، وظهور الدخان العظيم، وثلاثة خسوفات في الأرض، ثم خروج نار عظيمة من قعر عدن تسوق الناس إلى أرض المحشر.
الشمس آية دالة على وحدانية الله
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدَّى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح للأمة، فكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فاللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: فحياكم الله جميعاً أيها الآباء الفضلاء! وأيها الإخوة الأحباب الكرام الأعزاء! وطبتم جميعاً وطاب ممشاكم، وتبوأتم من الجنة منزلاً، وأسأل الله العظيم الكريم جل وعلا الذي جمعني مع حضراتكم في هذا البيت الكريم المبارك على طاعته، أن يجمعنا جميعاً مع سيد النبيين في جنته ودار كرامته، إنه ولي ذلك والقادر عليه. أحبتي في الله! في رحاب الدار الآخرة، سلسلة علمية هامة تجمع بين المنهجية والرقائق، وبين التأصيل العلمي والأسلوب الوعظي، أقدمه الآن لنفسي وإخواني وأخواتي من المسلمين والمسلمات في عصر طغت فيه الماديات والشهوات، وانصرف فيه كثير من الناس عن طاعة رب الأرض والسماوات، لعل الغافل أن يتنبه، ولعل النائم أن يستيقظ، قبل أن تأتيهم الساعة بغتة وهم يخصمون، فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون وهذا هو لقاؤنا السابع من لقاءات السلسلة الكريمة، ولا زلنا بحول الله ومدده نتحدث عن العلامات الكبرى للساعة، والتى ذكرها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديثه الصحيح الذي رواه مسلم من حديث حذيفة بن أسيد الغفارى رضي الله عنه قال: (اطلع علينا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نتذاكر فقال المصطفى: ما تذاكرون؟ قالوا: نذكر الساعة يا رسول الله. فقال صلى الله عليه وسلم : إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات وهي: الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى عليه السلام، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف، خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم). وقد تكلمنا في اللقاءات الماضية على التوالي عن: الدجال، وعن نزول عيسى عليه السلام، وعن يأجوج ومأجوج، وسأتحدث اليوم -إن شاء الله تعالى- عن بقية العلامات الواردة في الحديث؛ نظراً لأن المادة العلمية الصحيحة في بقية هذه العلامات مادة قليلة مقتضبة. العلامة الرابعة: طلوع الشمس من مغربها الشمس منذ أن خلقها الله عز وجل تشرق من المشرق وتغرب في المغرب، بصورة متكررة منتظمة لا تتخلف يوماً ولا تتأخر، بصورة تطالع الأنظار والمدارك؛ لتستنطق الفطرة السوية للإنسان بوحدانية الرحيم الرحمن، قال جل وعلا: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [يس:38-40]. آية من الآيات التي تستنطق الفطرة السليمة النقية بوحدانية الله جل وعلا، علامة بارزة على قدرة الله. ولذا نرى نبياً من أنبياء الله -وهو خليل الله إبراهيم- قد تحدى بهذه الآية العظيمة طاغية من طواغيت أهل الأرض، قال الله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ [البقرة:258] رد النمرود بن كنعان الطاغية المجرم على إبراهيم فقال: (أنا أحيي وأميت) ولكن أين يذهب هذا الغر الجاهل بحجته الفاسدة أمام نبي من أنبياء الله؟! فقال له الخليل: فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [البقرة:258]. فالشمس منذ خلقها الله تشرق من المشرق وتغرب في المغرب بصورة منتظمة متكررة، لا تكاد تتخلف أو تتأخر يوماً من الأيام، حتى إذا جاء الوعد الموعود استأذنت الشمس ربها أن تشرق كعادتها من المشرق فلا يأذن لها. ......
حديث: (أتدرون أين تذهب هذه الشمس)
تدبر معي قول الصادق المصدوق، ففي صحيح مسلم من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوماً والشمس تغرب: (أتدرون أين تذهب هذه الشمس؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، فقال: إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة لله جل وعلا)، لا تتعجل فكل شيء في هذا الكون يسجد لله، قال جل في علاه: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ [الحج:18] فكل شيء في الكون يسجد لرب الأرض والسماء، إلا كفرة الإنس والجن. انظر إلى الكون كله من عرشه إلى فرشه، ومن سمائه إلى أرضه؛ لتتعرف على وحدانية الله وعظمة الخالق جل في علاه، انظر إلى السماء وارتفاعها، وإلى الأرض واتساعها، وإلى الجبال وأثقالها، وإلى الأفلاك ودورانها، وإلى البحار وأمواجها، وإلى كل ما هو متحرك، وإلى كل ما هو ساكن، والله إن الكل يقر بتوحيد الله، ويعلن السجود لله، ولا يغفل عن ذكر مولاه إلا من غفل من الإنس والجن، ولا حول ولا قوة إلا بالله. انظر لتلك الشجرة ذات الغصون النضرة كيف نمت من حبة وكيف صارت شجرة ابحث وقل من ذا الذي يخرج منها الثمرة ذاك هو الله الذي أنعمه منهمرة ذو حكمة بالغة وقدرة مقتدرة وانظر لتلك الشمس التي جذوتها مستعرة فيها ضياء وبها حرارة منتشرة ابحث وقل من ذا الذي يخرج منها الشررة ذاك هو الله الذي أنعمه منهمرة ذو حكمة بالغة وقدرة مقتدرة الشمس والبدر من آيات قدرته والبر والبحر فيض من عطاياه الطير سبحه والوحش مجده والموج كبره والحوت ناجاه والنمل تحت الصخور الصم قدسه والنحل يهتف له حمداً في خلاياه والناس يعصونه جهراً فيسترهم والعبد ينسى وربي ليس ينساه قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (أتدرون أين تذهب هذه الشمس؟ قال الصحابة: الله ورسوله أعلم. فقال الصادق المصدوق: إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش، فتخر ساجدة لله عز وجل، فلا تزال كذلك حتى يقال لها: ارجعي من حيث جئت، فترجع فتصبح طالعة من مطلعها -أي: من المشرق- يقول المصطفى: فلا تزال كذلك، لا يستنكر الناس منها شيئاً). الشمس تشرق كل صباح من المشرق، وتغرب كل يوم في المغرب، لا يستنكر الناس من أمرها ولا من شأنها شيئاً، فلا تزال كذلك حتى تجري ثم تستقر في مكانها تحت العرش، كما أخبر بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم، فلا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعي وأصبحي طالعة من مغربك، فتصبح الشمس طالعة من المغرب، انتهى نظامها المعتاد، انتهت مدة حياة هذا الكون، ستبدل الأرض غير الأرض، وستبدل السماوات ليبرز الجميع للوقوف بين يدي الملك جل جلاله: يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [إبراهيم:48]. أصبحي طالعة من مغربك، فتصبح الشمس طالعة من المغرب انظر إلى هذا العجب!! ووضحت هذا المعنى رواية ابن مردويه بسند حسن بشواهده من حديث عبد الله بن أبي أوفى أن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم قال: (ليأتين على الناس ليلة تعدل ثلاث ليالٍ من لياليكم) وفي الوقت المحدد يضغط المنبه على ساعة الوقت لصلاة الفجر، فتستيقظ فتنظر إلى ساعة الوقت فترى الليل ما زال مخيماً! لعل الساعة قد خانت! ثم تستيقظ فترى الليل ما زال مخيماً بظلامه! ثم تستيقظ فترى الليل ما زال مخيماً بظلامه! فتتعجب! طال وقت النوم! (ليأتين على الناس ليلة تعدل ثلاث ليال من لياليكم، فإذا كان ذلك يعرفها المتنفلون- يعرفها القائمون بالليل لله رب العالمين، انظر إلى فضل قيام الليل، حتى في أحلك الأزمات -يقوم أحدهم فيقرأ حزبه، ثم ينام، ثم يقوم فيقرأ حزبه، ثم ينام، فبينما هم كذلك صاح الناس بعضهم في بعض، فيفزعون إلى المساجد، فبينما هم كذلك إذ بهم يرون الشمس قد طلعت من مغربها). الله أكبر! ما الذي يترتب على هذه الآية العظيمة؟! تدبر هذا الكلام جيداً! الذي يترتب على ذلك أن المصطفى صلى الله عليه وسلم قال: -كما في رواية أبي ذر التي ذكرتها آنفاً-: (أتدرون متى ذاكم؟!) أي: أتدرون متى تطلع الشمس من مغربها؟! قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: (ذاك حين لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [الأنعام:158]). أغلق باب التوبة بطلوع الشمس من مغربها، إذا عاد الكافر إلى الله لا يقبل الله منه الإيمان، انتهى الأوان، إذا تاب العاصي إلى الله لا يقبل الله منه التوبة، ذكرت في الدنيا فما تذكرت! وعظت في الدنيا فما اتعظت! ذكرناك بالقرآن وذكرناك بحديث النبي عليه الصلاة والسلام فأبيت إلا الإنكار، وأبيت إلا العناد والإصرار، وتماديت في المعاصي والضلال والطغيان، وإذا طلعت الشمس من مغربها أغلق عليك باب التوبة يا مسكين! قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (إذا طلعت الشمس من مغربها ورآها الناس آمنوا كلهم أجمعون، ويومئذ لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً). وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة إذا خرجن لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً: طلوع الشمس من مغربها، والدابة، والدخان)، فإذا طلعت الشمس من المغرب، وخرجت الدابة من الأرض، وخرج الدخان؛ إن تاب الكافر إلى الله لا يقبل الله منه، وإن تاب العاصي إلى الله لا يقبل الله منه، فأذكر نفسي وأذكرك الآن -أيها الحبيب- بالمبادرة إلى التوبة إلى الله عز وجل قبل أن يغلق الله باب التوبة علينا. المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول -والحديث رواه أحمد بسند صحيح-: (لا تنقطع الهجرة ما تقبلت التوبة، ولا تزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت من مغربها طبع على كل قلب بما فيه، وكفي الناس العمل). أيها اللاهي! أيها الساهي! أيها الغافل! أيها المضيع للتوحيد! أيها المضيع للصلاة! أيها المضيع للزكاة! أيها العاق لوالديه! أيها المنصرف عن الله! دع عنك ما قد فات في زمن الصبا واذكر ذنوبك وابكها يا مذنب لم ينسه الملكان حين نسيته بل أثبتاه وأنت لاه تلعب وغرور دنياك التي تسعى لها دار حقيقتها متاع يذهب الليل فاعلم والنهار كلاهما أنفاسنا فيهما تعد وتحسب قال المصطفى صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث أبي موسى الأشعري : (إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها). إذا طلعت الشمس من المغرب أغلق باب التوبة، فهنيئاً لمن طلعت الشمس عليه من مغربها وهو مستقيم على طاعة الله، اللهم اجعلنا من أهل الإيمان والاستقامة، ووفقنا للعمل الصالح الذي يرضيك يا رب العالمين. قال جل وعلا: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت:30-32]. ......
خروج الدابة
ما أحدثكم به الآن من هذه العلامات هو ما صح عن الصادق صلى الله عليه وسلم، أما ما عدا ذلك فلن تجد إلا ضعيفاً وموضوعاً. العلامة الخامسة من علامات الساعة الكبرى خروج الدابة. ما هي الدابة؟ قال جل وعلا في سورة النمل: وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ [النمل:82]. يا إلهي! دابة تتكلم!! دابة تنطق!! وتكلم الناس كلاماً مفهوماً واضحاً! بل وتقيم عليهم الحجة، وتذكرهم بأنهم كانوا لا يوقنون بآيات الله! وكانوا لا يصدقون بآيات الله جل وعلا! قال المصطفى صلى الله عليه وسلم -والحديث رواه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو-: (أول أشراط الساعة: طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة على الناس ضحى -أي: في نفس اليوم الذي تطلع فيه الشمس من المغرب- فأيتهما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على إثرها قريباً). يعني: لو خرجت الدابة فسوف تطلع الشمس من مغربها في نفس الوقت، وإن أشرقت الشمس من مغربها، فسوف تخرج الدابة في نفس اليوم، (أيتهما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على إثرها قريباً). الدابة أمر عجيب لو تدبرته كاد قلبك أن ينخلع! دابة تخرج وتجوب الأرض كلها، تفرق هذه الدابة بين المؤمن والكافر! وتعلِّم المؤمن بعلامة، وتعلِّم الكافر بعلامة، تسم الكافر على أنفه فيسود وجهه! وتسم المؤمن فيضيء وجهه كأنه كوكب دري، أمر عجب!! ورد في الحديث الذي رواه أحمد في مسنده وصححه شيخنا الألباني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تخرج الدابة فتسم الناس على خراطيمهم) (تسم الناس): أي: تعلِّم الناس. على الخراطيم: أي: على الأنوف. تسم الدابة أنف كل واحد على ظهر الأرض. وخذ هذا الحديث العجب الذي رواه أحمد في المسند و الترمذي في السنن، وللأمانة العلمية التي اتفقنا عليها فإن الشيخ الألباني -حفظه الله- قد ضعف إسناد الحديث، ومدار الحديث على علي بن زيد بن جدعان، قال الألباني : فيه ضعف، إلا أن العلامة أحمد شاكر رحمه الله تعالى قد صحح إسناد الحديث وقال: علي بن زيد بن جدعان مختلف فيه، والراجح عندنا توثيقه؛ لذا صحح العلامة أحمد شاكر إسناد هذا الحديث، وقال الإمام الترمذي : حديث حسن؛ قال صلى الله عليه وسلم: (تخرج الدابة ومعها عصى موسى وخاتم سليمان، فتسم الدابة أنف الكافر -أي: تعلم الدابة أنف الكافر- وتجلو وجه المؤمن -أي: ويضيء وجه المؤمن- كأنه كوكب دري، حتى أن أهل الخوان الواحد -أي: المائدة- يجتمعون على طعامهم فيقول هذا: يا مؤمن! ويقول هذا: يا كافر!). لأن الدابة بينت وأوضحت الحقيقة، وميزت المؤمنين من الكفار. وقد غالى بعض الناس في وصف الدابة، وأعطوا لخيالهم العنان، فوصفوا الدابة وصفاً درامياً خيالياً عجيباً، فمنهم من قال: رأسها رأس ثور، وعينها عين خنزير، وأذنها أذن فيل، وعنقها عنق نعامة، وصدرها صدر أسد، وقوائمها قوائم بعير.. إلى آخر هذا الوصف الدرامي، الذي لا يصلح إلا أن يكون في فلم لواحد من هؤلاء الكذابين، ولا يجوز لأحد يحترم عقله ويحترم نفسه أن يعطي لخياله العنان ليصف الدابة بهذه الأوصاف، إذ إن أمور الغيب -ومنها: الدابة- لا يجوز لأحد البتة أن يتكلم فيها بكلمة إلا بدليل صحيح عن الصادق الذي لا ينطق عن الهوى.......
الدخان من علامات الساعة الكبرى
العلامة الخامسة: الدخان. والدخان هو آخر العلامات التي سيشهدها المؤمنون على ظهر الأرض، وبقية العلامات لا يراها المؤمنون، ولا يشهد عذابها الموحدون، بل لا تقوم إلا على الكفرة الفجرة من شرار الخلق. الدخان علامة كبرى، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إن هذا الدخان كان علامة من العلامات التى وقعت فى الدنيا بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم على المشركين. والدخان قد وقع بالفعل، ولكن الدخان الوارد في حديث حذيفة بن أسيد الغفاري الذي هو علامة من علامات الساعة الكبرى يختلف تمام الاختلاف عن تلك العلامة التي رآها المشركون في مكة؛ بدعاء الصادق صلى الله عليه وسلم عليهم. قال تعالى في حق هذه العلامة: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ [الدخان:10] أي: واضح بين يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ [الدخان:11]. وإذا خرج الدخان فلا يقبل الله التوبة كما تقدم، وبعد ظهور هذا الدخان يبعث الله ريحاً ألين من الحرير، وظيفتها قبض أرواح المؤمنين على ظهر الأرض، فلا يبقى على ظهر الأرض مؤمن. يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (فلا تدع أحداً في قلبه مثقال حبة من إيمان إلا قبضته، ويبقى شرار الخلق) أي: الكفرة الفجرة الذين لم يؤمنوا بالله عز وجل. وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق). وفي رواية مسلم من حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله الله). كلمة (الله) لا تقال في الأرض أبداً؛ لأن الموحدين قد قبضوا، ولأن المؤمنين قد ماتوا، فلا يبقى إلا الكفرة الذين لا يعرفون الله، ولا يوحدون الله جل وعلا، وعلى هؤلاء تقوم الساعة، بل وتقوم عليهم بقية العلامات الكبرى التي هي عذاب في عذاب، وبلاء في بلاء. ما هي هذه العلامات؟!! العلامات المتبقية أربع هي: ......
الخسوف الثلاثة
الخسوف الثلاثة: فيقع الخسف الأول بالمشرق والخسف -كما هو معلوم- انشقاق الأرض، قال تعالى حكاية عن قارون : فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ [القصص:81]. فيقع الخسف الأول بالمشرق، على شرار الخلق، وأين المؤمنون؟ قد قبضوا، وهذا من رحمة الله بالموحدين. والخسف الثاني: بالمغرب، والخسف الثالث بجزيرة العرب. ......
خروج نار عظيمة من قعر عدن
وبعد هذه الخسوف تخرج العلامة الأخيرة من علامات الساعة الكبرى ألا وهي: نار ضخمة تخرج من قعر عدن (مدينة عدن المعروفة في اليمن) فتطرد الناس جميعاً إلى محشرهم. عبد الله بن سلام هو حبر اليهود الذين وحد الله وآمن برسول الله صلى الله عليه وسلم، فيوم أن وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مهاجراً، ذهب عبد الله بن سلام إليه فقال: لما نظرت إلى وجه النبي عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فآمن بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد أن سأل النبي صلى الله عليه وسلم أسئلة جيدة، ومن بين هذه الأسئلة: ما هي أول أشراط الساعة؟ فقال المصطفى عليه الصلاة والسلام : (أول أشراط الساعة نار تخرج من قعر عدن تحشر الناس من المشرق إلى المغرب) رواه البخاري من حديث أنس. وقد يلمح طالب العلم الذكي تعارضاً ظاهراً بين رواية أنس في صحيح البخاري التي فيها: (أول أشراط الساعة نار) وبين رواية حذيفة بن أسيد الغفاري التي فيها: (وآخر ذلك نار)، ولكن لا تعارض، فقول النبي صلى الله عليه وسلم في رواية حذيفة : (وآخر ذلك نار) أي: هي العلامة الأخيرة بالنسبة لما سبقها من العلامات في الدنيا، وفي رواية البخاري : (وأول أشراط الساعة نار) أي: أنها العلامة التي إن وقعت وقعت القيامة بعدها: من النفخ في الصور، والبعث من القبور، وتغير كل شيء، هذا كله يبدأ بعد خروج هذه النار. ......
أنواع الحشر
روى البخاري و مسلم من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (يحشر الناس على ثلاث طرائق: راغبين وراهبين، واثنين على بعير، وثلاثة على بعير، وأربعة على بعير وعشرة على بعير، وتحشر بَقيَّتَهُم النار، تبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم حيث قالوا، وتصبح معهم حيث أصبحوا، وتمسى معهم حيث أمسوا). قال العلامة القرطبي في كتابه التذكرة: والحشر هو الجمع، حشر الناس: أي: جمع الناس، وفي هذا إشكال لدى بعض أهل العلم، قالوا: هل هذا الحشر في الدنيا أو في الآخرة؟ قال القرطبي : الحشر: هو الجمع، وهو أربعة أنواع: الحشر الأول والثاني في الدنيا، والحشر الثالث والرابع في الآخرة. أما الحشر الأول: فهو المذكور في قول الله تعالى في سورة الحشر: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ [الحشر:2]. الحشر الثاني: هو الحشر الوارد في حديث حذيفة : وآخر ذلك نار تخرج من اليمن، تطرد الناس إلى محشرهم، وهذا هو الحشر الثاني، فحشر النار للناس لا يكون إلا في الدنيا. الحشر الثالث: حشر الناس من القبور وغيرها بعد البعث. الحشر الرابع: حشر الناس إلى الجنة أو إلى النار، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهل الجنان. والذي عليه جمهور المحققين من العلماء: أن الحشر الوارد في حديث حذيفة -الذي هو علامة من العلامات الكبرى- لا يكون إلا في الدنيا، والدليل الصحيح الصريح على ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ذكر أن الحشر الذي يكون في الآخرة يحشر فيه المؤمنون والكافرون، أما هذا الحشر فليس فيه إلا الكفار، أما المؤمنون فإن الله يبعث إليهم ريحاً تقبض أرواحهم قبل هذا الحشر. أما حشر الآخرة فيحشر فيه المؤمن والكافر حفاة عراة غرلاً كما في الصحيحين من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تحشرون حفاة عراة غرلاً قالت عائشة : يا رسول الله! الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض؟! فقال المصطفى: يا عائشة ! الأمر أشد من أن يهمهم ذلك!). وفي رواية أنس أنها قالت: الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض! واسوأتاه! فقال لها: يا عائشة لقد نزلت على آية لا يضرك أكان عليك ثياب أم لا، وتلى النبي قوله تعالى: لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس:37]) . تذكر وقوفك يوم العرض عُريانا مستوحشاً قلق الأحشاء حيرانا والنار تلهب من غيظ ومن حنق على العصاة ورب العرش غضبانا اقرأ كتابك ياعبدُ يعلى مَهَلٍ فهل ترى فيه حرفاً غير ما كان لما قرأت ولم تنكر قراءته أقررت إقرار من عرف الأشياء عرفانا نادى الجليل خذوه يا ملائكتي وامضوا بعبدٍ عصى للنار عطشانا المشركون غداً فى النار يلتهبوا والموحدون بدار الخلد سُكَّانا أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم. ......
هدم الكعبة من علامات الساعة
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: فيا أيها الأحبة الكرام! وهكذا تنتهي علامات الساعة الكبرى التي ذكرها المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديث حذيفة بن أسيد الغفاري الذي كنا معه طيلة اللقاءات الأربعة الماضية. وهناك علامة أخرى عجيبة غريبة، إذا وقعت كادت أن تخلع القلوب، وهي لم ترد في حديث حذيفة، ألا وهي هدم الكعبة! بيت الله الذي تهوي إليه الأفئدة، وتحن إليه القلوب، الذي قال في حقه علام الغيوب: وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا [البقرة:125] (مثابة للناس)، أي: لا يملون منه، كلما نظروا إليه وانصرفوا عنه تجدد الشوق إليه والحنين لزيارته ورؤيته، هذا البيت المشرف العظيم من علامات الساعة الكبرى أن يهدم حجراً حجراً! إن عيسى بن مريم -على نبينا وعليه الصلاة والسلام- ينزل إلى الأرض فيقتل الدجال عليه من الله ما يستحقه، ويدعو الله أن يهلك يأجوج ومأجوج، فيستجيب الله دعاءه، ويهلك يأجوج ومأجوج، وينزل مطراً فتصبح الأرض كالزُلقة أو كالزَلقة أو كالزُلفة، أي: كالمرآة في صفائها ونقائها، ثم تخرج البركة من الأرض، وتنزل الرحمات، ويعيش الناس في أمن وسلام طيلة وجود نبي الله عيسى، ويذهب نبي الله عيسى ليحج بيت الله الحرام. إذاً: يبقى الحج حتى في عهد نبي الله عيسى، فإذا قدر الله على عيسى الموت كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ [الرحمن:26-27]. فإنه يموت في المدينة المنورة، ويصلي عليه المسلمون من أمة محمد، ويدفنونه مع الحبيب المصطفى في الحجرة المباركة. بعد ذلك تقع العلامات التي ذكرت الآن، ولا يبقى إلا شرار الخلق، تمحى آيات المصحف، ولا يقول أحد في الأرض: لا إله إلا الله، ولا يحجون البيت، بل ولا يعرفون عن البيت شيئاً، ومن بين هؤلاء الأشرار رجل من الحبشة، والنبي صلى الله عليه وسلم قد وصف شكله وكأنه ينظر إليه وهو يهدم الكعبة وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى [النجم:1-5]. يقول المصطفى: (لا تقوم الساعة حتى يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة). رجل يقال له ذو السويقتين من الحبشة، وفي رواية البخاري من حديث ابن عباس قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (كأني أنظر إليه: أسود أفحج- أي: متسع ما بين ساقيه- ينقض الكعبة حجراً حجراً) وبهذا تنتهى الحياة الدنيا بحلوها ومرها، بحلالها وحرامها، بخيرها وشرها، ولا يبقى إلا الكفرة من شرار الناس، وعليهم تقوم الساعة، فيأمر الله جل وعلا إسرافيل عليه السلام أن ينفخ النفخة الأولى، ألا وهي: نفخة الفزع، مصداقاً لقوله جل وعلا: وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ [النمل:87]، ينفخ إسرافيل في الصور نفخة الفزع فتتزلزل الأرض، وتنفصل عرى هذا الكون، وتدك الجبال بالأرض دكاً دكاً، وتنسف الجبال نسفاً نسفاً، وتثور البحار والأنهار، وتتحول إلى برك ضخمة من النار، قال الله جل وعلا: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا* لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا * يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا [طه:105-108]. والله أسأل أن يسترنا في الدنيا والآخرة . اللهم إن أردت بالناس فتنة فاقبضنا إليك غير خزايا ولا مفتونين، ولا مفرطين ولا مضيعين، ولا مغيرين ولا مبدلين. اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، وبلغنا مما يرضيك آمالنا، اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر. اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها -يا مولانا- أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها. اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا. اللهم لا تدع لأحد منا في هذا الجمع الكريم ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا عاصياً بيننا إلا هديته، ولا طائعاً معنا إلا زدته وثبته، ولا حاجة هي لك رضي ولنا فيها صلاح إلا قضيتها ويسرتها يا رب العالمين! اللهم استرنا فوق الأرض، واسترنا تحت الأرض، واسترنا يوم العرض. اللهم استرنا فوق الأرض، واسترنا تحت الأرض واسترنا يوم العرض، اللهم استرنا فوق الأرض، واسترنا تحت الأرض، واسترنا يوم العرض، برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، وأعل بفضلك كلمة الحق والدين. اللهم احمل المسلمين الحفاة، واكس المسلمين العراة، وأطعم المسلمين الجياع، اللهم وحد صفوف المسلمين، وألف بين قلوبهم وأرواحهم يا أرحم الراحمين! واجعل الدائرة على كل من ناصبهم العداء يا رب العالمين! هذا وما كان من توفيق فمن الله وحده، وما كان من خطأ أو سهو أو زلل أو نسيان فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وأعوذ بالله أن أكون جسراً تعبرون به إلى الجنة ويلقى به في جهنم، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه. وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.