البركة في القرآن والسنة وأثرها
البركة... كثيراً ما تتردّد هذه الكلمة علي ألسنتنا، وفي كل وقت نحن نطلب البركة، فما معنى البركة؟! وكيف تتحقق في بيوتنا وأسرنا؟! وما هي الوسائل التي نكتسب بها البركة؟!
البركة هي الزيادة والنماء، والبركة في المال زيادته وكثرته، وفي الدار فساحتها وسكينتها وهدوؤها، وفي الطعام وفرته وحسنه، وفي العيال كثرتهم وحسن أخلاقهم، وفي الأسرة انسجامها وتفاهمها، وفي الوقت اتساع وقضاء الحوائج فيه، وفي الصحة تمامها وكمالها، وفي العمر طوله وحسن العمل فيه، وفي العلم الإحاطة والمعرفة.. فإذن البركة هي جوامع الخير، وكثرة النعم، فلا غرابة بعد ذلك أن تجدنا نطلب البركة ونسعى إليها... ولكن كيف؟!. وهل البركة تكتسب اكتساباً من الحياة؟ أم أنها عطاء إلهي مخصص لبعض الناس دون الآخرين؟! وهل جعلها الله عامة يمكن لأي أحد أن يحصل عليها، أي أنه خص بها عباداً من خلقه وأفردهم بها فلا تنبغي لأحد سواهم؟!
الأمور الجالبة للبركة
نلخص لك عزيزي القارئ الكريم هذه الأمور في ثمانية عشر سبباً جالبة للبركة:
1. القرآن:
فالله تعالى وصفه بأنه مبارك فقال: ﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ (155) سورة الأنعام. وقال صلى الله عليه وسلم: "لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة" [صحيح الجامع 7227].
2. التقوى والإيمان:
ولا شك أنها من الأمور الجالبة للبركة، حيث يقول الله عز وجل: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ ﴾ (96) سورة الأعراف . والزوج يجد البركة بتقواه مع زوجته وأولاده ورزقه وحلاله.
3. التسمية:
وتكون في بداية كل عمل. قال صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل الرجل بيته، فذكر الله تعالى عند دخوله، وعند طعامه، قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء. وإذا دخل فلم يذكر الله تعالى عند دخوله، قال الشيطان: أدركتم المبيت. وإذا لم يذكر الله تعالى عند طعامه، قال: أدركتم المبيت والعشاء".
4. الاجتماع على الطعام:
وجعلت البركة على الطعام الذي يجتمع عليه الناس، قال صلى الله عليه وسلم: "طعام الاثنين كافي الثلاثة، وطعام الثلاثة كافي الأربعة" ، ويظهر هذا جلياً في إفطار رمضان حيث تزداد بركة الطعام بازدياد عدد المجتمعين عليه.
5. السحور:
لقوله صلى الله عليه وسلم "...فإن في السحور بركة". والبركة هنا الأجر والثواب، وتحمل الصوم، والتقوى على طاعة الله.
6. ماء زمزم:
وهذه العين المباركة التي خرجت في أرض جافة ليس فيها ماء ومن وسط الجبال وهي لم تنقطع، وهي عين مباركة، بل وقد قال عنها صلي الله عليه وسلم: "يرحم الله أم إسماعيل، لو تركت زمزم -أو قال: لو لم تغرف من الماء- لكانت عيناً معيناً" [صحيح الجامع 8079]. أي أنها كانت لو لم تغرف منها أكثر غزارة بكثير. وقال: ( ماء زمزم لما شرب له ). وقال إنها: ( طعام طُعم وشفاء سُقم ).
7. زيت الزيتون:
وشجر الزيتون شجر مبارك وصفه الله في سورة النور: ﴿ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ﴾ (35) سورة النــور. كما يعرف زيت الزيتون بأنه علاج نافع لكثير من الأمراض.
8. ليلة القدر:
ولا يخفي على أحد ما في هذه الليلة من البركة، فيجمع فيها رب الأسرة أفراد أسرته ويحدثهم بفضلها وبركاتها ورحماتها، ثم يصلون معاً ويذكرون الله تعالى في هذه الليلة المباركة، قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ﴾ (3) سورة الدخان ، قيل هي ليلة القدر.
9. العيدين:
والذي يبدؤه الناس بالصلاة ويشكرون الله على ما أعطاهم من نعمه الكثيرة فيبارك لهم في هذه النعم ويزيدها وينميها لهم، ولذلك تقول أم عطية رضي الله عنها قالت: «كنا نُؤْمَرُ أن نَخرُجَ يومَ العيدِ, حتى نُخْرِجَ الْبِكرَ مِن خِدرِها, حتى نُخرجَ الْحيّضَ فيَكنّ خلفَ الناسِ فيُكبّرْنَ بتكبيرِهم ويَدْعونَ بدُعائهم, يَرجونَ بَرَكةَ ذلكَ الْيَومِ وَطُهرَتَهُ». [صحيح البخاري]
10. الأكل الحلال:
وهو الأكل الطيب الذي يبارك الله فيه، قال صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً" [صحيح الجامع 2744]، فالمال الحرام لا يبارك الله به ولا يعود على صاحبه إلا بالفقر والنقص.
11. كثرة الشكر:
وهي واضحة من قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ (7) سورة إبراهيم. والزيادة هنا زيادة في كل شيء سواء بالمال أو الصحة أو العمر إلى آخر نعم الله التي لا تعد ولا تحصى. وقال تعالى: ﴿ وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ (144) سورة آل عمران
12. الصدقة:
والتي يضاعفها الله تعالى إلى عشر أضعاف إلى سبعمائة ضعف، والله يضاعف لمن يشاء. فلا شك أنها تبارك مال الإنسان وتزيده، قال تعالى: ﴿ مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ (261) سورة البقرة ، وقال صلى الله عليه وسلم: ( "الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والسيئة بمثلها إلا أن يتجاوز الله عنها". وفي الحديث القدسي: "يا ابن آدم أنفق، أُنفق عليك "رواه مسلم.
13. البر وصلة الرحم:
كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: ".. وصلة الرحم وحسن الجوار ـ أو حسن الخلق ـ يعمران الديار، ويزيدان في الأعمار" [صحيح الترغيب 2524]
14. التبكير:
وذلك يكون في استيقاظ الإنسان باكراً وابتداء أعماله في الصباح الباكر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "بورك لأمتي في بكورها" [صحيح الجامع 2841] ويتحدث كثير من الأشخاص عن سبب نجاحهم -بعد توفيق الله تعالى- أنه التبكير في أداء الأعمال.
15. الزواج:
وهو أحد الأسباب الجالبة للبركة ، وقد كان بعض السلف الصالح يطلبون الزواج لكي يتحقق لهم الغني ويأتيهم الرزق ، لأنهم فهموا ذلك من قوله تعالى: ﴿ وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ (32) سورة النور.
16. التخطيط وحسن التوكل على الله تعالى:
قال تعالى: ﴿ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ (3) سورة الطلاق. وقال صلى الله عليه وسلم:" لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطاناً" رواه أحمد.
ثم إن الله تعالى قد وعد نبيه عليه الصلاة والسلام بالنصر مسبقاً وبشره به، فكيف يمكن بعد ذلك لمُدّعٍ أن يعطل التخطيط والإعداد بمظنة منه أن البركة هي التي تسهل الأمور في حياته! فحرِيٌّ بنا أن نخطط ونستعد للمستقبل وبعد ذلك نتوكل على الله ونطلب منه البركة.
17. الدعاء والمداومة على الاستغفار:
فقد كان النبي يطلب البركة في أمور كثيرة، فقد علمنا أن ندعو للمتزوج فنقول: "بارك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خير" رواه الترمذي، وكذلك الدعاء لمن أطعمنا: "اللهم بارك لهم فيما رزقتهم، واغفر لهم ، وارحمهم" رواه مسلم.
18. الصدق في المعاملة من بيع وشراء:
قال عليه الصلاة والسلام: "البيّعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما" رواه البخاري..