[rtl]محاكمة ومعاقبة مرتكبي الجرائم الكبرى أمام القضاء الدولي[/rtl]
[rtl]الكاتب : علي عبدالله الحمادة[/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl]القضاء الدولي ينبغي أن يكون الأداة والوسيلة في تحقيق العدالة الدولية. وقد تجسد هذا القضاء من خلال التكوينات الرسمية الدولية التالية:
1- محاكم دولية متخصصة ومؤقتة والتي ستكون مادة الفصل الأول من هذه الدراسة.
2- وكذلك محكمة الجزاء الدولية الدائمة والتي ستكون مادة الفصل الثاني من هذه الدراسة.
الدراسات العليا – جامعة حلب - كلية الحقوق – ماجستير القانون الجنائي
الكاتب : علي عبدا لله الحمادة
الفهرس
الفصل الأول: محاكم دولية متخصصة ومؤقتة
أولاً- المحاكم العسكرية الدولية
1) المحكمة العسكرية الدولية في نيرونبيرغ Nuremberg
2) المحكمة العسكرية الدولية للشرق الأقصى TOKYO:
ثانياً- محاكم الجزاء الدولية بعد الحرب العالمية الثانية
1) محكمة الجزاء الدولية ليوغسلافيا القديمة:
2) محكمة الجزاء الدولية لرواندا .
الفصل الثاني: محكمة الجزاء الدولية الدائمة
أولاً - كيفية تشكيلها:
ثانياً - ما تنظر فيه محكمة الجزاء الدولية .
1) جرائم القتل الجماعي (الإبادة)
2) جرائم ضد الإنسانية.
3) جرائم الحرب .[/rtl]
1- محاكم دولية متخصصة ومؤقتة والتي ستكون مادة الفصل الأول من هذه الدراسة.
2- وكذلك محكمة الجزاء الدولية الدائمة والتي ستكون مادة الفصل الثاني من هذه الدراسة.
الدراسات العليا – جامعة حلب - كلية الحقوق – ماجستير القانون الجنائي
الكاتب : علي عبدا لله الحمادة
الفهرس
الفصل الأول: محاكم دولية متخصصة ومؤقتة
أولاً- المحاكم العسكرية الدولية
1) المحكمة العسكرية الدولية في نيرونبيرغ Nuremberg
2) المحكمة العسكرية الدولية للشرق الأقصى TOKYO:
ثانياً- محاكم الجزاء الدولية بعد الحرب العالمية الثانية
1) محكمة الجزاء الدولية ليوغسلافيا القديمة:
2) محكمة الجزاء الدولية لرواندا .
الفصل الثاني: محكمة الجزاء الدولية الدائمة
أولاً - كيفية تشكيلها:
ثانياً - ما تنظر فيه محكمة الجزاء الدولية .
1) جرائم القتل الجماعي (الإبادة)
2) جرائم ضد الإنسانية.
3) جرائم الحرب .[/rtl]
[rtl] [/rtl]
تقديم :
القضاء الدولي ينبغي أن يكون الأداة والوسيلة في تحقيق العدالة الدولية. وقد تجسد هذا القضاء من خلال التكوينات الرسمية الدولية التالية:
1- محاكم دولية متخصصة ومؤقتة والتي ستكون مادة الفصل الأول من هذه الدراسة.
2- وكذلك محكمة الجزاء الدولية الدائمة والتي ستكون مادة الفصل الثاني من هذه الدراسة.
الفصل الأول: محاكم دولية متخصصة ومؤقتة
إن تأسيس هذه المحاكم وتعريف أهدافها أمر يكرس التوازن في العلاقة بين العدالة - كونها مفهوم إنساني ليس له حدود لا في الزمان ولا في المكان- وبين السيادة الدولية كونها مفهوم محدود جغرافياً وسياسياً.
نقول أيضا أن تأسيسها كان يمثل مرحله مهمة في تاريخ طويل تميز بحروب عالميه وإقليميه عديدة، على أثرها تبلور رأي ووعي عام تارةً متفرج لما حدث من دمار وضحايا وتارةً منحرج من آثار الجرائم والمذابح الجماعية التي ارتكبت.
وقد آل الرأي والوعي الجماعي إلى الخروج من حالة التفرج إلى حالة الفعل والرد. وتبلور هذا الأمر من خلال إنشاء المحاكم العسكرية الدولية في نيرونبيرغ وطوكيو Nuremberg et Tokyo(I) وكذلك المحاكم الجزائية المتخصصة(II) على أعقاب ما حدث وجرى أثناء الحرب العالمية الثانية.
(I)المحاكم العسكرية الدولية
1) المحكمة العسكرية الدولية في نيرونبيرغ Nuremberg
بوادر تأسيس المحكمة العسكرية الدولية في نيرونبيرغ بدأت أثناء الحرب العالمية الثانية حيث كان مسؤولي وحكومات الدول المتحالفة ضد ألمانيا يجتمعون ويتبادلون الآراء حول ضرورة محاسبة ومعاقبة مرتكبي الجرائم العديدة التي ارتكبت إبان الحرب العالمية الثانية.
في المؤتمرات التي عقدت في موسكو وطهران عام 1943 وفي مالطا وبوتسدام عام 1945، اتفقت كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي وإنكلترا على لزوم محاسبة ومحاكمة مسؤولي جرائم الحرب. وعلى اثر ذلك تم تأسيس المحكمة العسكرية الدولية بموجب اتفاق لندن في 8 آب عام 1945 وبمشاركة فرنسا كطرف رابع.
المحكمة تتكون من أربعة أعضاء وكل بلد من البلدان الأربعة المذكورة أعلاه ترسل شخصين: أحدهما أصيل والآخر بديل واحتياط والهدف من المحكمة هو ضمان محاكمه عادلة وسريعة لمجرمي الحرب. رئاسة المحكمة تنسب على التوالي لكل عضو ممثل عن دولته أما بموجب اتفاق داخلي لأعضاء المحكمة أو بموجب التصويت. وقرارات المحكمة تصدر بأغلبية الأصوات وفي حالة تقاسم الأصوات، صوت رئيس المحكمة هو الحاسم في نتيجة التصويت.
مهمة المحكمة تحددت بالنظر في الجرائم التالية:
محاكمة الجرائم ضد السلام، جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية.
• جرائم ضد السلام عُرفت من خلال ثلاث حالات:
- التهيئة والقيام وإدارة ومواصلة حرب اعتداء على طرف آخر.
- القيام بحرب مخالفة لمعاهدات واتفاقيات دولية.
- المشاركة في خطة أو تنفيذ احد الحالات المذكورة أعلاه.
• جرائم الحرب عُرفت بمخالفة وانتهاك قوانين وعادات الحرب،
وهذه المخالفات والانتهاكات تتمثل في القتل والمعاملة السيئة وتهجير المواطنين المدنيين لغرض العمل الشاق أو أي غرض آخر. والقتل يشمل وبطبيعة الحال قتل أسرى الحرب أو أشخاص في الحجز أو الرهائن. ومن جرائم الحرب أيضا نهب وسلب الأموال العامة والخاصة وتدمير وتخريب بدون مبرر المدن والقرى.
• إما الجرائم ضد الإنسانية فتشمل:
- قتل وتصفية واستعباد وتهجير المواطنين المدنيين قبل وخلال الحرب.
- إلقاء القبض على المواطنين وبدوافع سياسية أو عنصرية أو دينية، بغض النظر كون هذه الاعتداءات مخالفة أو غير مخالفة للقانون الداخلي للدولة التي ارتُكبت بها هذه الاعتداءات طالما أنها
اعتداءات ارتُكبت على أعقاب جريمة ضد الإنسانية وتدخل ضمن صلاحيات المحكمة.
عٌرفت المحكمة وبصورة غير مباشرة المسئولية الجزائية للقادة والمسؤولين الذين يُنظمون أو يشاركون أو يتعاونون في إعداد وتنفيذ خطة ارتكاب جريمة من الجرائم التي عُرفت أعلاه واعتبرتهم مسؤولين عن كافة التصرفات التي ارتكبها الأشخاص الذين قاموا بتنفيذ الخطة.
المادة السابعة من قانون المحكمة تنص بصراحة على أن الموقع الرسمي للشخص المتهم بارتكاب إحدى الجرائم المذكورة أعلاه كونه رئيس دولة أو حكومة أو منصب آخر لا يكون مبرراً لعدم مثوله أمام المحكمة أو تخفيف العقوبات ضده.
والمادة الثامنة من القانون تنص أيضا على مسؤولية التابع أو المنفذ لأوامر رئيسه. حيث هذه العلاقة لا تخفف عنه العقوبة ولا تعفيه من مسؤوليته المباشرة.
بدأت المحكمة أعمالها ومرافعاتها في 18 أكتوبر 1945 برئاسة قاضي من الاتحاد السوفيتي وهو Lola T. Nikitchenko وبمحاكمة 24 متهم في جرائم النازية و6 منظمات.
الجلسة الأولى للمرافعات بدأت في 20 نوفمبر 1945 واستمرت حتى الأول من أكتوبر 1946 تحت رئاسة القاضي البريطاني Geoffrey Lawrence. وفي 218 يوم من المرافعات، استمعت المحكمة إلى 360 شاهد وراجعت 200.000 شهادة مكتوبة سواء بصورة مباشرة أو من خلال محاكم فرعية مُحلٌفة ومعتمدة من قبلها.
المتهمون تلاحقهم التهم التالية: حرب ضد السلام العالمي، حرب اعتداء، مخالفات لقوانين وعادات الحروب، حرب ضد الإنسانية.
الأحكام صدرت بحقهم وهي على الصورة التالية: 12 حكم إعدام، 9 حكم سجن مؤبد أو مؤقت وثلاث براءة.
بعد مرور 6 شهور على افتتاح محكمة Nuremberg وبالتحديد في تاريخ 3 /5/1946 بدأت محكمة عسكرية دولية أخرى أعمالها لمحاكمة 28 مجرم حرب ياباني وهي المحكمة العسكرية الدولية للشرق الأقصى ومقرها في طوكيو.
2) المحكمة العسكرية الدولية للشرق الأقصى TOKYO:
في الأول من شهر ديسمبر 1943 وبمناسبة انعقاد مؤتمر القاهرة، الدول المتحالفة الثلاث وهي الصين ، إنكلترا وأمريكا صرحت بان هدف الحرب ضد اليابان هو إنهاء الاعتداء الياباني ومحاكمة المجرمين. وبتصريح آخر في بوتسدام في تموز عام 1945 ، الحلفاء الثلاثة أكدوا على ضرورة إجراء محاكمة عادلة لمعاقبة مجرموا الحرب لاسيما أولئك الذين ارتكبوا جرائم ضد السجناء.
في 2 سبتمبر 1945 وعندما خسرت واستسلمت اليابان تم تحديد كافة القضايا والأمور المتعلقة بإلقاء القبض ومحاكمة مجرمي الحرب. في نفس الوقت، لجنة جرائم الحرب التابعة إلى الأمم المتحدة أوصت بإنشاء وتأسيس محكمة عسكرية للجرائم التي ارتكبت من قبل اليابان.
في مؤتمر موسكو لوزراء خارجية الدول العظمى الأربعة (الاتحاد السوفيتي، الولايات المتحدة، إنكلترا والصين) هذه الدول اتفقت لإنشاء المحكمة في طوكيو. وفي كانون الثاني 1946 أعلن القائد Douglas عن جدول أعمال المحكمة. تشكلت المحكمة من 11 قاضي من جنسيات مختلفة وقانون المحكمة يتألف من 17 مادة. ومحكمة طوكيو لم تختلف في فحواها وأهدافها عن محكمةNuremberg لاسيما بخصوص تعريفها للجرائم التي يجب معاقبتها وهي جرائم ضد السلام وجرائم ضد اتفاقيات وعادات الحروب وجرائم ضد الإنسانية.
بدأت المحاكمات في مبنى وزارة الحرب اليابانية في شهر مايو/أيار 1948 واستغرقت سنتين ونصف السنة، تم من خلالها الاستماع إلى 400 شاهد وفحص وقراءة 1000 وثيقة ومحاكمة 28 متهم منهم 9 مدنيين و 19 عسكري.
لائحة الاتهام تنص على قيام المتهمون بإعداد خطة احتلال, مبنية على تحقيق برنامج دمار وقتل شامل حتى للسجناء، وتنفيذ تجارب علمية على البشر وأعمال نهب وسلب للأموال العامة والخاصة دون تبريرات عسكرية. وبالرغم من وجود اختلاف بين اليابان والصين حول الحقيقة التاريخية لما حدث أثناء الحرب، لكن هنالك حدثين ذو دلالات معبرة عن طبيعة الأعمال التي ارتكبها المتهمون أمام المحكمة:
• الحدث الأول هو مذابح Nankin في شهر ديسمبر 1937 حيث دخل الجيش الياباني العاصمة الصينية وبلغ عدد القتلى 300.000 شخص واغتصاب وقتل 20.000 امرأة .
• الحدث الثاني هو التجارب الطبية التي أجريت على الأسرى الصينيين والروس والأمريكيين من قبل الفرقة (731)والتي تقع حول مدينةHarbin.
بطبيعة الحال هناك اختلاف في المضمون وفي الشكل أيضا بين المحكمتين العسكريتين الدوليتين المذكورة أعلاه. على سبيل المثال محكمة نيرونمبيرغNuremberg كانت مؤلفة من أربعة قضاة وكل قاضي له من ينوب عنه بينما محكمة طوكيو مؤلفة من 11 قاضي ولا يوجد قضاة نٌواب، أربعة لغات استعملت في محكمة بيغومبيرغ بينما في محكمة طوكيو فقط اللغة الإنكليزية و اليابانية هي التي استعملت. في محكمة نيرومبيرغ تم محاكمة أشخاص ومنظمات بينما في محكمة طوكيو تم محاكمة أشخاص فقط رغم وجود منظمات يابانية ساهمت إلى حد كبير في الترويج للسياسة التوسعية اليابانية.
نلاحظ أيضا بان القضاة في محكمة طوكيو قد انقسموا واختلفوا فيما بينهم بعد انتهاء المحكمة وكل قاضي أدلى بتصريح يختلف تماماً عن الآخر حول طريقة المرافعة والعقوبات التي أنزلت بالمتهمين، فمثلاً القاضي الفلبيني يرى بأن العقوبات التي صدرت كانت غير قاسية وغير اعتيادية فيما يرى القاضي الإنكليزي Sir William Webb بان العقوبات التي أنزلت بحق المتهمين كانت قاسية كما أن التهم التي وجهت إلى المتهمين تفتقر إلى تعريف لها في القانون الدولي.
كذلك القاضي الهندي الذي كان محط لانتقاد كافة زملاءه حيث يرى بأن القارة الهندية يجب أن تُستغل وتدار من قبل الآسيويون أنفسهم ولا داعي لتدخل الدول الأخرى، ويرى أيضا أن كافة المتهمين يجب إطلاق سراحهم. لذلك يرى البعض بان نتائج محكمة طوكيو لم تكن مقنعة.
إن قرارات عديدة تخص النزاع تم إصدارها من قبل لجان أميركية متفرقة هنا وهناك أصدرت أحكاما مختلفة بحق يابانيين: مثلاً 215 ياباني مثلوا أمام هذه اللجان في الفلبين تم إعدام 92 فرداً منهم.
يمكننا القول - في ختام الحديث عن هذه المحاكم العسكرية- بأنها شكٌلت الخطوات الأولى لبناء عدالة جزائية دولية رغم الانتقادات التي وُجهت للمحاكم العسكرية الدولية كونها محاكم للمنتصرين.
(II) محاكم الجزاء الدولية بعد الحرب العالمية الثانية
إن قرار الجمعية العامة رقم 260 والصادر في 9 ديسمبر 1948 والذي يتناول في مادته 6 ضرورة إنشاء محكمة جرائم دولية، يشكل بدون شك الخطوة القانونية الأولى الضرورية لإنشاء هذه المحكمة.
ولكن هذه المحكمة لم ترى النور إلا بعد مرور نصف قرن من الزمن والسبب في تأخيرها يعود إلى عوامل سياسية دولية تتلخص في وجود قوتين مختلفتين هما الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفيتي والحرب الباردة بينهما وتكتل الدول خلفهما. لذلك نلاحظ بان اختفاء الاتحاد السوفيتي كقوة عظمى واختلاء الولايات المتحدة الأميركية كقوة وحيدة في الساحة الدولية وما تلا ذلك من سقوط جدار برلين وتوحيد ألمانيا، ساهم بشكل كبير في تشكيل محكمة الجزاء الدولية ليوغسلافيا عام 1993 ومحكمة الجزاء الدولية لرواندا عام 1994 ومحكمة الجزاء الدولية عام 1998.
عوامل أخرى ساهمت في بلورة فكرة تشكيل هذه المحاكم والبدء في ممارسة أعمالها في مقاضاة المتهمين من مجرمي الحروب والنزاعات الإقليمية، منها بشاعة وضخامة وتكرار الجرائم التي ارتكبت وتُرتكب هنا وهناك بحق المدنيين وممتلكاتهم وكذلك تنامي شعور ملاحقة ومعاقبة المجرمين ورفض فكرة عدم معاقبتهم (le refus de l'impunition). بخصوص رفض فكرة عدم معاقبة مجرمي الحرب, يقول روبر جاكسن Robert Jackson وهو احد القضاة الذين ساهموا في المرافعات الأولى لمحكمة Nuremberg بان الانتصار العسكري لوحده ليس جواباً كافياً لما قام به المتهمون من جرائم حرب، إن هذا الانتصار ليس إلا انتصاراً لقوة على قوة أخرى، لجيش على جيش آخر. إن الانتصار الحقيقي هو فرض العقوبات وجعل القانون يعلو على قوة وغطرسة المجرمين من اجل تحقيق هدفين هما: الحيلولة دون نسيان ما فعله المجرمون والحيلولة دون عدم ملاحقتهم. إن ترويج وتكريس مبدأ رفض عدم ملاحقة مجرمي الحرب يعتبر مهمة أساسية من مهام المركز الدولي لحقوق الأفراد والتطور الاقتصادي(CIPDD) والذي يقوم حتى الشهر الثاني من عام 1998 بنشر دوريه تحمل عنوان (معلومات دون عقاب Info -impunité ). العدد الأخير من هذه المجلة كُرس لموضوع كمبوجياCambodge والجيش الأحمر والجرائم التي ارتكبت وموقف الأمم المتحدة. من خلال القراءة لهذا الموضوع، نذكر الرأي القائل بضرورة إقامة محاكم عدالة ومرافعات لمقاضاة مجرمي الحرب وما قاموا به من أعمال غير إنسانية, حيث أن مقاضاة مجرمي الحرب تعتبر شرطاً جوهرياً لإقامة حياة عادلة ونظام ديمقراطي ودولة قانون وشرطاً لنسيان الحقد والكراهية بين الأفراد. القاضيWarren Allmand يقول آنذاك وقبل إن يصدر قرار بإنشاء محكمة الجزاء الدولية، إن مشروع تأسيس هذه المحكمة مرهون بالجهود والأفكار المبذولة من اجل شيوع وتطبيق مبدأ ملاحقة ومحاسبة مجرمي الحرب. كما إن المقرر في الأمم المتحدة M.
Joinet يقول في تقريره الذي أعده إلى الأمم المتحدة والمتعلق بعدم ترك المجرمين دون حساب وعقاب " المصالحة الوطنية يجب أن تنبني على الاعتراف بحقوق الضحايا لمعرفة الحقيقة والرجوع إلى القانون والعدالة لتعويضهم عن الأضرار التي أصابتهم، وبدون ذلك لا يمكن إقامة عدل دائم". ونذكر أيضا بهذا الخصوص ما قالته السيدة Mary Robinson المعتمدة في الأمم المتحدة " انتهاكات اليوم لحقوق الإنسان هي مصدر لصرا عات الغد".
إن المستقبل سيكشف وسيبرهن لنا فيما إذا كانت محاكمة Slobodan Miloseviç ومعاقبته ستؤدي إلى تخفيف حدة الصراعات العرقية بين الصرب والألبان وسكان كوسوفو.
سيكشف المستقبل لنا أيضا فيما إذا كان صدام ونظامه وحدهم المسؤوليين عن الجرائم التي ارتكبت بحق العراق كمجتمع وكدولة أمام جهات ودول أخرى ساعدته في ارتكاب هذه الجرائم ووقوعها.
1) محكمة الجزاء الدولية ليوغسلافيا القديمة:
في شهر أكتوبر 1992 قام السيد Tadensz Mazowieckiالبولوني الجنسية, والعامل كمقرر في لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة بنشر تقريره حول التنظيف العرقي كهدف عسكري يقوم به الصربيون في أقاليم يوغسلافيا. على ضوء هذا التقرير, شكل مجلس الأمن لجنة خبراء لتقصي الحقائق يرئسها الخبير العامل في الأمم المتحدة السيد شريف بسيوني المصري الجنسية. جاء في التقرير الذي تقدمت به اللجنة مجموعة من الحقائق التي تدل على أن من يقوم بإدارة وتدبير وتنظيم جرائم التنظيف العرقي هي جهة عليا في يوغسلافيا وليس مجرد عصابات أو مجموعات متفرقة.
إن ما ارتكب على ارض يوغسلافيا السابقة من مذابح وتهجير سكاني تعتبر انتهاكات صارخة ومتكررة لبنود اتفاقية جنيف وللقوانين الدولية مما حمل مجلس الأمن الدولي في الأمم المتحدة بتطبيق الفصل( V II ) السابع من ميثاق الأمم المتحدة. وهذا يعني إصدار القرار رقم 827 في 25 مايو/ أيار 1993 القاضي بتشكيل محكمة الجزاء الدولية ليوغسلافيا السابقة. إن تشكيل هذه المحكمة يعتبر الحدث الأول من نوعه بعد تشكيل محكمة نيرونمبيرغ. وهناك البعض الذين شككوا في مصداقية هذه المحكمة لاسيما وان آثارها وفاعليتها لا يمكن أن تكون آنية ومباشرة. كما اعتقد البعض بان تشكيلها لم يكن إلا إجراءا رمزياً، هدفه التغطية على عجز الدول العظمى بالتدخل أو بإيجاد حل لحماية وإنقاذ سكان بوسنيا من المذابح التي يتعرضون لها. لكن سرعان ما ثبتت المحكمة حقيقة وجودها وجديتها في العمل حيث أصدرت اتهاماتها إلى Slobodan Miloseviç وأربعة من مساعديه وهو يخوض حربه في كوسوفو. كما قامت بمحاكمته وكذلك العديد من اللذين ارتكبوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. تنظر المحكمة في المخالفات الكبرى لاتفاقية جنيف عام 1949 المادة الثانية وكذلك بانتهاكات قوانين وأعراف الحروب ( المادة الثالثة) وكذلك القتل الجماعي ( المادة الرابعة) وفي الجرائم ضد الإنسانية (المادة الخامسة) التي ارتكبت في أقاليم يوغسلافيا السابقة اعتباراً من الأول من الشهر الأول عام 1991. تشهد المحكمة ومنذ تأسيسها تطوراً ملحوظاً في نشاطاتها ويدل على ذلك الجدول التالي الذي يوضح حجم الميزانية السنوية:
1993 = 276 000 $
1994 = 10 800 000 $
1995 = 25 300 000 $
1996 = 35 430 000 $
1997 = 48 587 000 $
1998 = 64 775 300 $
1999 = 94 103 800 $
ووصل عدد اللذين تم اتهامهم لتاريخ 9/6/1999 ، 90 شخصاً في 27 مذكرة اتهام. وتم إتمام محاكمة 4 أشخاص أمام غرفة البداءة الأولى وكافة المحكومين تقدموا باستئناف أمام غرفة البداءة، ومعدل الوقت الذي تتطلبه كل هذه المحاكمات 6 شهور.
ومن أبرز المتهمين الماثلين أمام هذه المحكمة أو الذين تتم محاكمتهم Slobodan Miloseviç الرئيس السابق لجمهورية يوغسلافيا الاتحادية القائد العام للقوات المسلحة وهو متهم بارتكاب الجرائم التالية: انتهاك قوانين وأعراف الحروب، جرائم ضد الإنسانية تتضمن القتل والتهجير. وصدرت ضده مذكرة اتهام في 22/5/1999 وتم تأكيدها من قبل القاضي في 24/5/1999 وصدرت بحقه قرارات التوقيف الدولي.
2) محكمة الجزاء الدولية لرواندا(1)
شهدت هذه البلاد الإفريقية مذابح جماعية بشعة وقعت مابين شهر نيسان وشهر تموز 1994، راح ضحيتها مابين نصف مليون ومليون شخص. وقد عُرفت هذه المذابح الجماعية من قبل الأمم المتحدة بكونها جرائم قتل جماعية. لقد كان قتل الرئيس الراوندي وتحطيم طائرته وهو بصحبة الرئيس البورندي في 9 نيسان 1994 السبب المباشر في الأحداث التي عمت البلاد والاقتتال الذي جرى بين القبائل المتعددة والمختلفة في البلاد. حيث قامت قوات الحرس الرئاسي واغلبهم من قبائلHutus بنصب نقاط التفتيش في مختلف أرجاء العاصمة والقبض على أفراد قبائلTutsis وكذلك الغير متطرفين من قبائلHutus. البعض يُفسر ما قام به قبائل الهوتوسوس هو شعور أفراد هذه القبائل بالخطر والتهديد عندما وجدوا أنفسهم دون قيادة أمام السياسة العدائية التي تنتهجها الجبهة الوطنية الراوندية والمسندة من قبل أوغندا البلد المجاور لرواندا(2)، البعض الآخر يعتقد بان ما حدث وما جرى هو تنفيذاً لخطة معدة منذ أكثر من عام وهدفها هو القضاء على أفراد قبائل التوتسي. بعد أيام من بدء القتل والمجازر في العاصمة، شهدت كافة أنحاء وأرجاء البلاد عمليات قتل لأفراد التوتسي ولم تسلم من ذلك حتى المستشفيات والكنائس والجوامع، ولقد لقي عشرة أشخاص من العاملين في الأمم المتحدة حتفهم وهم يقومون بحماية رئيس الوزراء الذي تم قتله أيضا. وردود فعل المجتمع الدولي ممثلاً في منظماته الدولية لم تتأخر. ففي 24 حزيران 1994 باشرت وحدة عسكرية مكونة من 2500 جندي من الجيش الفرنسي المرابطة في زائير بالتحرك إلى راوندا مستندةً في تحركها هذا على قرار مجلس الأمن الصادر في 17/5/1994. وفي 30 حزيران 1994، نشرت لجنة حقوق الإنسان التابعة إلى الأمم المتحدة تقارير تؤكد فيها بان عمليات القتل والمجازر التي حصلت في روندا هي عمليات مبرمجه ومخطط لها بهدف القضاء على أفراد قبائل التوتسي. في 8 نوفمبر 1994 اتخذ مجلس الأمن القرار رقم 955 بموجبه تم تشكيل المحكمة الدولية العسكرية لرواندا وذلك بناءاً على الفصلVII من ميثاق الأمم المتحدة. هدف المحكمة هو ملاحقة ومحاكمة كافة الأشخاص المسؤولون عن أفعال القتل الجماعي التي ارتكبت فوق أراضي رواندا وكذلك الأشخاص الراونديون الجنسية المسؤولون عن أفعال القتل الجماعي التي ارتكبت في البلدان المجاورة لرواندا واعتباراً من الأول من الشهر الأول لغاية 31 ديسمبر عام 1994. نلاحظ بان ما ينبغي أن تنظر به هذه المحكمة مُعرف ومحدد مقارنة بالمحكمة العسكرية الدولية التي شُكلت من اجل النظر في الجرائم التي حدثت في أقاليم يوغسلافيا السابقة: محددة من ناحية الوقت ومن ناحية الموضوع وحتى من ناحية جنسية الأشخاص المسؤولون عن ارتكاب الجرائم التي حصلت. لغاية أيلول عام 1999 هنالك ما يقارب من 667 شخص يمثلون 81 دولة يعملون في هذه المحكمة وقد حُددت ميزانية هذه المحكمة لنفس العام المذكور بمقدار68 531 900 $. بدأت المحكمة أعمالها في نوفمبر 1995 ولحد تاريخ آب 1999 أصدرت 25 مذكرة اتهام ضد 48 شخص من بينهم 38 في حالة توقيف وقتي ولتاريخ تموز 1999 أصدرت المحكمة 4 قرارات حكم تتراوح مابين السجن المؤبد والسجن المحدود لأشخاص تمت إدانتهم بجرائم القتل الجماعي وتهم انتهاك قوانين وعادات الحروب وتهم حرب ضد الإنسانية.
(1) تقع رواندا في شرق إفريقيا وحصلت على استقلالها عام 1962، يبلغ عدد سكانها وحسب تعداد عام 1997 7.7 مليون نسمة ومؤلف من 80% من قبائل هوتو و20% من قبائل توتسي. قبائل الهوتو تعمل في الزراعة وجذورهم التاريخية تعود الى500 سنة قبل ميلاد المسيح. قبائل التوتسي جاؤوا من الشمال وبعض قبائل قريبة من الاثيبيين وغالبيتهم يهتمون بتربية الحيوانات، وجاؤوا إلى رواندا مابين عام 1400-1700م. العلاقة بين سكان هذه القبائل المختلفة لم تكن بسيطة والمنافسة فيهم حادة للسيطرة على السلطة والاقتصاد في البلاد.
(2) Thèse de Johin Philpot, secrétaire général adjoint de l’association américaine des juristes (Quebec).رسالة دكتوراه