" وصية ابن سعيد المغربي المتوفي سنة 697هـ لابنه وقد أراد السفر"
أودعكَ الرَّحمنَ في غربتك
مرتقباً رجماهُ في أوبتك
فلا تطل حبل النّوى إنّني
والله أشتاق إلى طلعتك
واختصر التّوديعَ أخذاً فما
لي ناظرٌ يقوى على فرقتك
واجعل وصاتي نصبَ عين ولا
تبرح مدى الأيام من فكرتك
خلاصة العمر التي حنّكتْ
في ساعةٍ زفّتْ إلى فطنتك
فللتَّجاريب أمور إذا
طالعتها تشحذَ من غفلتك
فلا تنمْ عن وعيها ساعةً
فإنّها عونٌ إلى يقظتك
وكلّ ما كابدتهُ في النّوى
إيّاك أن يكسرَ منْ همتك
فليس يدرى أصلُ ذي غربة
وإنما تعرفُ من شيمتك
وامش الهوينا مظهراً عفّةً
وابغ رضا الأعين عن هيئتك
وانطق بحيثُ الغيُّ مستقبحُ
واصمتْ بحيث الخير في سكتتك
ولج على رزقك من بابه=واقصدْ له ما عشتَ في بكرتك
ووفّ كلاّ حقَّه ولتكن
تكسر عند الفخر من حدّتك
وحيثما خيَّمت فاقصد إلى
صحبة من ترجوه في نصرتك
وللرزايا وثبةٌ مالها
إلا الذي تذخرُ من عدَِّتك
ولا تقل اسلمُ لي وحدتي
فقد تقاسي الذل في وحدتك
ولتجعل العقلَ محكَّماً وخذ
كلاّ بما يظهر في نقدتك
واعتبر الناس بألفاظهم
واصحبْ أخاً يرغب في صحبتك
كم من صديقٍ مظهرٍ نصحه
وفكرهُ وقفْ على عثرتك
إيّاك أن تقربه إنهُ
عونٌ مع الدّهر على كربتك
وأنُ نموَّ النبت قد زاره
غبُّ النَّدى واسمُ إلى قدرنك ولا تضيّعْ زمناً ممكناً=تذكارهُ يذكي لظى حسرتك والشّرّ مهما استطعتَ لا تأتهِ= فإنهُ جورٌ على مهجتك يا بني الذي لا ناصح له مثلي ولا منصوح لي مثلة قد قدمت لك في هذا النظم ما إن أخطرته بخاطرك في كل أوان رجوت لك حسن العاقبة إن شاء الله تعالى وإن أخف منه للحفظ وأعلق بالفكر وأحق بالتقدم قول الأول.
يزينُ الغريبَ إذا ما اغتربْ
ثلاثٌ فمنهنّ حسن الأدّب
وثانية حسن أخلاقهِ
وثالثةٌ اجتنابُ الرّيب
واصغ يا بني إلى البيت الذي هو يتيمة الدهر وسلم الكرم والصبر ولو أن الديار نبت بكم لسكنتم الأخلاق والآدابا.
أودعكَ الرَّحمنَ في غربتك
مرتقباً رجماهُ في أوبتك
فلا تطل حبل النّوى إنّني
والله أشتاق إلى طلعتك
واختصر التّوديعَ أخذاً فما
لي ناظرٌ يقوى على فرقتك
واجعل وصاتي نصبَ عين ولا
تبرح مدى الأيام من فكرتك
خلاصة العمر التي حنّكتْ
في ساعةٍ زفّتْ إلى فطنتك
فللتَّجاريب أمور إذا
طالعتها تشحذَ من غفلتك
فلا تنمْ عن وعيها ساعةً
فإنّها عونٌ إلى يقظتك
وكلّ ما كابدتهُ في النّوى
إيّاك أن يكسرَ منْ همتك
فليس يدرى أصلُ ذي غربة
وإنما تعرفُ من شيمتك
وامش الهوينا مظهراً عفّةً
وابغ رضا الأعين عن هيئتك
وانطق بحيثُ الغيُّ مستقبحُ
واصمتْ بحيث الخير في سكتتك
ولج على رزقك من بابه=واقصدْ له ما عشتَ في بكرتك
ووفّ كلاّ حقَّه ولتكن
تكسر عند الفخر من حدّتك
وحيثما خيَّمت فاقصد إلى
صحبة من ترجوه في نصرتك
وللرزايا وثبةٌ مالها
إلا الذي تذخرُ من عدَِّتك
ولا تقل اسلمُ لي وحدتي
فقد تقاسي الذل في وحدتك
ولتجعل العقلَ محكَّماً وخذ
كلاّ بما يظهر في نقدتك
واعتبر الناس بألفاظهم
واصحبْ أخاً يرغب في صحبتك
كم من صديقٍ مظهرٍ نصحه
وفكرهُ وقفْ على عثرتك
إيّاك أن تقربه إنهُ
عونٌ مع الدّهر على كربتك
وأنُ نموَّ النبت قد زاره
غبُّ النَّدى واسمُ إلى قدرنك ولا تضيّعْ زمناً ممكناً=تذكارهُ يذكي لظى حسرتك والشّرّ مهما استطعتَ لا تأتهِ= فإنهُ جورٌ على مهجتك يا بني الذي لا ناصح له مثلي ولا منصوح لي مثلة قد قدمت لك في هذا النظم ما إن أخطرته بخاطرك في كل أوان رجوت لك حسن العاقبة إن شاء الله تعالى وإن أخف منه للحفظ وأعلق بالفكر وأحق بالتقدم قول الأول.
يزينُ الغريبَ إذا ما اغتربْ
ثلاثٌ فمنهنّ حسن الأدّب
وثانية حسن أخلاقهِ
وثالثةٌ اجتنابُ الرّيب
واصغ يا بني إلى البيت الذي هو يتيمة الدهر وسلم الكرم والصبر ولو أن الديار نبت بكم لسكنتم الأخلاق والآدابا.
إذ حسن الخلق أكرم نزيل والأدب أرحب منزل ولتكن كما قال بعضهم في أديب متغرب وكلن كلما طرأ على ملك فكأنه معه ولد وإليه قصد غير مستريب بدهره ولا منكر شيئاً من أمره وإذا دعاك قلبك إلى صحبة من أخذ بمجامع هواه فاجعل التكلف له سلماً وهب في روض أخلاقه هبوب النسيم وحل بطرفه حلول الوسن وانزل بقلبه نزول المسرة حتى يتمكن لك وداده ويخلص فيك اعتقاده وطهر من الوقوع فيه لسانك وأغلق سمعك ولا ترخص في جانبه لحسود لك منه يريد إبعادك عنه لمنفعة أو حسود له يغار لتجمله بصحبتك ومع هذا فلا تغتر بطول صحبته ولا تتمهد بدوام رقدته فقد ينبهه الزمان ويتغير نته القلب واللسان وإنما العاقل من جعل عقله معياراً وكان كالمرأة يلقى كل وجه بمثاله: وفي أمثال العامة من سبقك بيوم فقد سبقك بعقل فاحتذ بأمثلة من جرب واستمع إلى ما خلد الماضون بعد جهدهم وتعبهم من الأقوال فإنها خلاصة عمرهم وزبدة تجاربهم ولا تتكل على عقلك فإن النظر فيما تعب فيه الناس طول أعمارهم وابتاعوه غالياً بتجاربهم يربحك ويقع عليك رخيصاً، وإن رأيت من له عقل ومروءة وتجربة فاستفد منه ولا تضيع قوله ولا فعله فإن فيما تلقاه تلقيحاً لعقلك وحثاً لك واهتداء وليس كل ما تسمع من أقوال الشعراء يحسن بك أن تتبعه حتى تتدبره فإن كان موافقاً لعقلك مصلحاً لحالك فراع ذلك عندك وإلا فانبذه نبذ النواة فليس لكل أحد يبتسم ولا كل شخص يكلم ولا الجود مما يعم به ولا حسن الظن وطيب النفس مما يعامل به كل أحد والله در القائل:
وماليَ لا أوفى البريّة قسطها
على قدرِ ما يعطي وعقلي ميزانُ وإياك أن تعطي من نفسك إلا بقدر فلا تعامل الدون بمعاملة الكفء ولا الكفء بمعاملة الأعلى ولا تضيع عمرك فيمن يعاملك بالمطامع ويثيبك على مصلحة حاضرة عاجلة بغائبة آجلة ولا تجف الناس بالجملة ولكن يكون ذلك بحيث لا يلحق منه ملل ولا ضجر ولا جفاء فمتى فارقت أحداً فعلى حسنى في القول والفعل فإنك لا تدري هل أنت راجع إليه فلذلك قال الأول (ولما مضى سلم بكيت على سلم) وإياك والبيت السائر.
وكنتَ إذا حللتَ بدارِ قومٍ
رحلتَ بخزيةٍ وتركتَ عارا
واحرص على ما جمع قول القائل ثلاثة تبقي لك الود في صدر أخيك أن تبدأه بالسلام، وتوسع له في المجلس، وتدعوه بأحب الأسماء إليه واحذر كل ما بينه لك القائل: كل ما تغرسه تجنيه إلا ابن آدم فإذا غرسته يقلعك وقول الآخر ابن آدم ذئب مع الضعف أسد مع القوة، وإياك أن تثبت على صحبة أحد قبل أن تطيل اختباره. ويحكى أن ابن المقفع خطب من الخليل صحبته فجاوبه أن الصحبة رق ولا أضع رقي في يديك حتى أعرف كيف ملكتك واستمل من عين من تعاشره وتفقد في فلتات الألسن وصفحات الأوجه ولا يحملك الحياء على السكوت عما يضرك أن لا تبينه فإن الكلام سلاح السلم وبالأنين يعرف ألم الجرح واجعل لكل أمر أخذت فيه غاية يجعلها نهاية لك.
وخذْ من الدّهر ما أتاك به
من قرّ عيناً بعيشه نفعه
غذ الأفكار تجلب الهموم وتضاعف الغموم وملازمة القطوب عنوان المصائب والخطوب يستريب به الصاحب ويشمت العدو والمجانب ولا تضر بالوساوس إلا نفسك لأنك تنصر بها الدهر عليك، ولله در القائل:
إذا ما كنتَ للأحزان عوناً
عليك مع الزمان فمن تلوم مع انه لا يرد عليك الغائب الحزن ولا يرعوي بطول عتبك الزمن.
ولقد شاهدت بغرظ ناطة شخصاً قد ألقته الهموم وعشقته الغموم ومن صغره إلى كبره لا تراه أبداً خلياً من فكرة حتى لقب "بصدر الهم" ومن أعجب ما رأيته منه أنه يتنكد في الشدة ولا يتعلل بأن يكون بعدها فرج ويتنكد في الرخاء خوفاً من أن لا يدوم. وينشد: "توقع زوالاً إذا قيل تم" وينشد "وعند التناهي يقصر المتطاول".
وله من الحكايات في هذا الشأن عجائب ومثل هذا عمره محسور يمر ضياعاً، ومتى رفعك الزمان إلى قوم يذمون من العالم ما تحسنه حسداً لك وقصداً لتصغير قدرك عندك وتزهيداً لك فيه فلا يحملك ذلك على أن تزهد في علمك وتركن إلى العلم الذي مدحوه فتكون مثل الغراب الذي أعجبه مشي الحجلة فرام أن يتعلمه فصعب عليه ثم أراد أن يرجع إلى مشيه فنسيه فبقي مخبل المشي كما قيل:
إن الغراب وكان يمشي مشيةً
فيما مضى من سالف الأجيال
حسدّ القطا وأرادَ يمشي مشيها
فأصابه ضربٌ من العقَّال
فأضلَّ مشيته وأخطأ مشيها=فلذلك كنَّوهُ أبا مرقال ولا يفسد خاطرك من جعل يذم الزمان وأهله ويقول ما بقي في الدنيا كريم ولا فاضل ولا مكان يرتاح فيه فإن الذين تراهم على هذه الصفة أكثر ما يكونون ممن صحبه الحرمان واستحقت طلعته للهوان وأبرموا على الناس بالسؤال فمقتوهم وعجزوا عن طلب الأمور من وجوهها فاستراحوا إلى الوقوع في الناس وأقاموا الأعذار لأنفسهم بقطع أسبابهم ولا تزل هذين البيتين من فكرك.
لنْ إذا ما نلتَ عزَّا
فأخو العزّ يلين
فإذا نابكَ دهرٌ
فكما كنتَ تكون
والأمثال تضرب لذب اللب الحكيم وذوا البصر يمشي على الصراط المستقيم والفطن يقنع بالقليل ويستدل باليسير والله سبحانه خليفتي عليك لا رب سواه.
وماليَ لا أوفى البريّة قسطها
على قدرِ ما يعطي وعقلي ميزانُ وإياك أن تعطي من نفسك إلا بقدر فلا تعامل الدون بمعاملة الكفء ولا الكفء بمعاملة الأعلى ولا تضيع عمرك فيمن يعاملك بالمطامع ويثيبك على مصلحة حاضرة عاجلة بغائبة آجلة ولا تجف الناس بالجملة ولكن يكون ذلك بحيث لا يلحق منه ملل ولا ضجر ولا جفاء فمتى فارقت أحداً فعلى حسنى في القول والفعل فإنك لا تدري هل أنت راجع إليه فلذلك قال الأول (ولما مضى سلم بكيت على سلم) وإياك والبيت السائر.
وكنتَ إذا حللتَ بدارِ قومٍ
رحلتَ بخزيةٍ وتركتَ عارا
واحرص على ما جمع قول القائل ثلاثة تبقي لك الود في صدر أخيك أن تبدأه بالسلام، وتوسع له في المجلس، وتدعوه بأحب الأسماء إليه واحذر كل ما بينه لك القائل: كل ما تغرسه تجنيه إلا ابن آدم فإذا غرسته يقلعك وقول الآخر ابن آدم ذئب مع الضعف أسد مع القوة، وإياك أن تثبت على صحبة أحد قبل أن تطيل اختباره. ويحكى أن ابن المقفع خطب من الخليل صحبته فجاوبه أن الصحبة رق ولا أضع رقي في يديك حتى أعرف كيف ملكتك واستمل من عين من تعاشره وتفقد في فلتات الألسن وصفحات الأوجه ولا يحملك الحياء على السكوت عما يضرك أن لا تبينه فإن الكلام سلاح السلم وبالأنين يعرف ألم الجرح واجعل لكل أمر أخذت فيه غاية يجعلها نهاية لك.
وخذْ من الدّهر ما أتاك به
من قرّ عيناً بعيشه نفعه
غذ الأفكار تجلب الهموم وتضاعف الغموم وملازمة القطوب عنوان المصائب والخطوب يستريب به الصاحب ويشمت العدو والمجانب ولا تضر بالوساوس إلا نفسك لأنك تنصر بها الدهر عليك، ولله در القائل:
إذا ما كنتَ للأحزان عوناً
عليك مع الزمان فمن تلوم مع انه لا يرد عليك الغائب الحزن ولا يرعوي بطول عتبك الزمن.
ولقد شاهدت بغرظ ناطة شخصاً قد ألقته الهموم وعشقته الغموم ومن صغره إلى كبره لا تراه أبداً خلياً من فكرة حتى لقب "بصدر الهم" ومن أعجب ما رأيته منه أنه يتنكد في الشدة ولا يتعلل بأن يكون بعدها فرج ويتنكد في الرخاء خوفاً من أن لا يدوم. وينشد: "توقع زوالاً إذا قيل تم" وينشد "وعند التناهي يقصر المتطاول".
وله من الحكايات في هذا الشأن عجائب ومثل هذا عمره محسور يمر ضياعاً، ومتى رفعك الزمان إلى قوم يذمون من العالم ما تحسنه حسداً لك وقصداً لتصغير قدرك عندك وتزهيداً لك فيه فلا يحملك ذلك على أن تزهد في علمك وتركن إلى العلم الذي مدحوه فتكون مثل الغراب الذي أعجبه مشي الحجلة فرام أن يتعلمه فصعب عليه ثم أراد أن يرجع إلى مشيه فنسيه فبقي مخبل المشي كما قيل:
إن الغراب وكان يمشي مشيةً
فيما مضى من سالف الأجيال
حسدّ القطا وأرادَ يمشي مشيها
فأصابه ضربٌ من العقَّال
فأضلَّ مشيته وأخطأ مشيها=فلذلك كنَّوهُ أبا مرقال ولا يفسد خاطرك من جعل يذم الزمان وأهله ويقول ما بقي في الدنيا كريم ولا فاضل ولا مكان يرتاح فيه فإن الذين تراهم على هذه الصفة أكثر ما يكونون ممن صحبه الحرمان واستحقت طلعته للهوان وأبرموا على الناس بالسؤال فمقتوهم وعجزوا عن طلب الأمور من وجوهها فاستراحوا إلى الوقوع في الناس وأقاموا الأعذار لأنفسهم بقطع أسبابهم ولا تزل هذين البيتين من فكرك.
لنْ إذا ما نلتَ عزَّا
فأخو العزّ يلين
فإذا نابكَ دهرٌ
فكما كنتَ تكون
والأمثال تضرب لذب اللب الحكيم وذوا البصر يمشي على الصراط المستقيم والفطن يقنع بالقليل ويستدل باليسير والله سبحانه خليفتي عليك لا رب سواه.