انظر بحقكَ في أمرِ الدواوينِ
البوصيري
-----------------------------------
انظر بحقكَ في أمرِ الدواوينِ
فالكلَُ قد غيروا وضع القوانينِ
لم يبقَ شيءٌ على ما كنتَ تعهدهُ
إلاَّ تغيَّرَ من عالٍ إلى دون
الكاتِبُونَ ولَيْسُوا بالكِرامِ فما
منهمْ على المالِ إنْسانٌ بِمَأْمُونِ
والكُّلُّ جمعاً ببذلِ المالِ قد خدموا
وما سَمِعْنا بهذا غيرَ ذا الحِينِ
فَهُمْ على الظَّنِّ لا التَّحْقِيقِ بَذْلُهُم
وما تَحَقُّقُ أمْرٍ مِثْلَ مَظْنُونِ
نالوا مناصبَ في الدنيا وأخرجهم
حُبُّ المنَاصِبِ في الدُّنيا على الدِّينِ
قد طالَ ما طُرِدوا عنها وما انْطَردُوا
إلاَّ وقَوْمٌ عليها كالذِّبابينِ
وطَالما قُطِّعَ أَذْنابُ الكِلابَ لَهُمْ
فاسْتُخدِمُوا بَعْدَ تَقْطِيع المَصارِينِ
قد ينفعُ الناسَ حتى الحشُّ من غرضٍ
وغيرهُ من رياحينٍ وبشنينِ
ضُمَّانُ رِيحٍ بِطَيرٍ فَوْقَ طائِرِهمْ
يطيرُ والريحُ شُيَّاعٌ بمضمونِ
لَوْ أمْكَنَ الْقَوْمُ وَزْنُ المالِ لاتَّخَذُوا
له الموازينَ من بعدِ القبابينِ
وَمَسْحَهُمْ للسَّمواتِ العُلى افْتَعَلُوا
فيها كما يفعلُ المسَّاحُ للطينِ
ولم يبالوا برجمِ الغيبِم أحدٍ
كلَّا ولا برجومِ للشياطينِ
عزُّوا وأكرمهمْ قومٌ لحاجتهمْ
ما نَالَهُم بَعْدَ ذَاكَ العِزِّ مِنْ هُوْن
وطاعنوا الناسَ بالأقلامِ واستلبوا
مِنْهُمْ بِهَا كُلِّ مَعْلُومٍ ومَكْنُونِ
وَمِنْ مَواشٍ وَأَطْيارٍ وَآنِيَة ٍ
ومن زروعٍ وكيولٍ وموزونِ
لهم مواقفُ في حرب الشرورِ كما
حَرْبُ الْبَسُوسِ وَحَرْبٌ يَوْمَ صِفِّينِ
لايكتبون وصولاتٍ على جهة ٍ
مُفَصَّلاتٍ بأَسمَاءِ وَتَبْيِينِ
إلا يقولونَ فيما يكتبونَ لهُ
من الحقوقِ وماذا وقتُ تعيينِ
فَاسْمَعْ وَكاسِرْ وَحَسِّ الرِّيحَ يا فَطِناً
فلستَ أوَّلَ مقهورٍ ومغبونِ
همُ اللصوصُ ومن أقلامهم عُتُلٌ
بِهَا يَسَفُّونَ أَمْوَالَ السَّلاَطِينِ
وَكُلُّ ذَلِكَ مَصْرُوفٌ ومَصْرِفُهُمْ
لِلشَّيْخِ يُوسُف أبي هِبْصِ بْنِ لَطْمِينِ
وللشرابِوتبييتِ الخطاء بهِ
يجلو العُقارَ بأجناسِ الرياحينِ
وَلِلْعُلُوقِ وَأَنْواعِ الْفُسُوقِ مَعاً
وللخروقِ الكثيراتِ التلاوينِ
وَلِلبِغالِ الْوَطِيَّاتِ الرِّكابِ تَرَى
غلمانهمْ خلفهمْ فوقَ البراذينِ
وَلِلْمَنَادِيلِ فِي أَوْسَاطِ مَنْ مَلَكُوا
وَلِلْمَنَاطِقِ فيها وَالهَمايِينِ
وَلِلرِّيَاعِ العَوَالِي الارْتِفَاعِ بِناً
وَلِلْبَساتِين تُنْشَا وَالدَّكاكِينِ
وَلِلفَجَاجِ وَحُملاَنِ النِّعاجِ وَأطْـ
ـيارِ الدَّجاجِ وَأنْواعِ السَّمامِين
وللشَّباذي وللأنطاعِ تفرشُ في
تموزَ فوقَ رُخامٍ في الأواوينِ
وللمجالسِ في أوساطها خركٌ
وللطنافسِ في أيامِ كانونِ
ولستُ أحصرُ ألواناً لأطعمة ٍ
تَفَنَّنَ القَوْمُ فيها كُلَّ تَفْنِينِ
وَلِلْمَلابِسِ كَمْ ثَوْبٍ مُلَوَّنَة ِ
فيها العراقي مع الهندي والبوني
وكمَ ذخائرَ ما عند الملوكِ لها
مِثْلٌ فَمِنْ مُودَعٍ سَقْفاً وَمَدْقُونِ
وَكَمْ مجالِسِ أُنْسٍ عُيِّنَتْ لَهُمْ
تُنسِي الهُمُومَ وتُسْلِي كُلَّ مَحْزُونِ
وَكَمْ حُلِيِّ نِساءِ لا يُثَمِّنُهُ
مُقَوِّمٌ قَطُّ في الدُّنْيا بِتَثْمِينِ
فَقُلْ لِسُلْطَانِ مِصْر وَالشام مَعاً
ياقاهراً غيرَ مخفيِّ البراهينِ
ومن يُخوِّفُ من سيفٍ براحتهِ
ذوي السيوفِ وأصحابِ السكاكين
اكشف بنفسكَ أسواناً ومن معها
من الصعيدِ بلا قومٍ مساكينِ
عُمَّالُها قَدْ سَبَوْهُمْ مِنْ تَطَلُّبِهِمْ
ما لا يَكُونُ بِمَفْرُوضٍ ومَسْنُونِ
كُلٌّ تَرَى كاتِباً لِلسُّوءِ يُنْظِرُهُ
لنهبهم كم كذا عامٍ وكم حينِ
سَبَوا الرَّعِيَّة َ لَمْ يُبْقُوا عَلَى أَحَدٍ
ولا أمانة َ للقبطِ الملاعينِ
لاتأمننَّ على الأموال سارقها
ولا تُقَرِّبْ عدُوَّ الله وَالدِّين
وخلِّ غزوَ هُلاكو والفرنسِ معاً
واغْرُنَّ عَامِلَ أسْوَان تنالُ بِهِ
جَنَّاتِ عَدْن بِإحْسانِ وَتَمْكِينِ
وكُلَّ أمْثالِهِ في الْقِبْطِ أغْزُهُمْ
فالغزو فيهم حلال الدهر والحينِ
وَاسْلُبْهُمْ نَعماً قَدْ شاطرُوكَ بِها
كما يشاطرُ فلاَّحُ الفدادينِ
فقد تواطوا على الأموالِ أجمعها
وَفِذْلكُوا كُلَّ تِسْعِينٍ بِعِشْرِينِ
وَصانَعُوا كُلَّ مُسْتَوْفٍ إذَا رَفَعُوا
لَهُ الْحِسابَ بِسُحْتٍ كالطَّوَاعِينِ
قَسُّ الْقُسُوسِ وَمُطرَانِ المَطارِينِ
إمَّا بِرَسْم مِدَادٍ أوْ لِصابُونِ
وَلِلزُّيُوتِ وَإيقَادِ الْكَنَائِسِ كَمْ
وللدقيقِ المهيَّا للقرابينِ
فذاكَ في الصدقاتِ الجارياتِ بهِ
يُسْحَبْ عَلَى الوَجْهِ أَوْ يُقْلَبْ بِسجِّينِ
وكيف يقبلُ برَّاً من مصانعة ٍ
من كلِّ مسكينة ٍ فيه ومسكينِ
كم هكذا سرقوا كم هكذا ظلموا
كم هكذا أخذوا مالَ السلاطينِ
أتُركُ ذنبٍ وسؤالٌ لمغفرة ٍ
عِنْدَ الإلهِ لِقَوْمٍ كالمجانِينِ
وَقالَ قَوْمٌ لَقَدْ أَحْصَى مَنالَهُمْ
وقامَ فيها بمفروضٍ ومسنونِ
فَقُلْتُ وَالله مَا وَصْفِي لأنْشُرَها
فيما يقوم بهِ شرحي وتبييني
وإنما ذاك مجهودي ومقدرتي
وَطاقتِي في حِجاناتِ الثَّعابينِ
-----------------------------------
انظر بحقكَ في أمرِ الدواوينِ
فالكلَُ قد غيروا وضع القوانينِ
لم يبقَ شيءٌ على ما كنتَ تعهدهُ
إلاَّ تغيَّرَ من عالٍ إلى دون
الكاتِبُونَ ولَيْسُوا بالكِرامِ فما
منهمْ على المالِ إنْسانٌ بِمَأْمُونِ
والكُّلُّ جمعاً ببذلِ المالِ قد خدموا
وما سَمِعْنا بهذا غيرَ ذا الحِينِ
فَهُمْ على الظَّنِّ لا التَّحْقِيقِ بَذْلُهُم
وما تَحَقُّقُ أمْرٍ مِثْلَ مَظْنُونِ
نالوا مناصبَ في الدنيا وأخرجهم
حُبُّ المنَاصِبِ في الدُّنيا على الدِّينِ
قد طالَ ما طُرِدوا عنها وما انْطَردُوا
إلاَّ وقَوْمٌ عليها كالذِّبابينِ
وطَالما قُطِّعَ أَذْنابُ الكِلابَ لَهُمْ
فاسْتُخدِمُوا بَعْدَ تَقْطِيع المَصارِينِ
قد ينفعُ الناسَ حتى الحشُّ من غرضٍ
وغيرهُ من رياحينٍ وبشنينِ
ضُمَّانُ رِيحٍ بِطَيرٍ فَوْقَ طائِرِهمْ
يطيرُ والريحُ شُيَّاعٌ بمضمونِ
لَوْ أمْكَنَ الْقَوْمُ وَزْنُ المالِ لاتَّخَذُوا
له الموازينَ من بعدِ القبابينِ
وَمَسْحَهُمْ للسَّمواتِ العُلى افْتَعَلُوا
فيها كما يفعلُ المسَّاحُ للطينِ
ولم يبالوا برجمِ الغيبِم أحدٍ
كلَّا ولا برجومِ للشياطينِ
عزُّوا وأكرمهمْ قومٌ لحاجتهمْ
ما نَالَهُم بَعْدَ ذَاكَ العِزِّ مِنْ هُوْن
وطاعنوا الناسَ بالأقلامِ واستلبوا
مِنْهُمْ بِهَا كُلِّ مَعْلُومٍ ومَكْنُونِ
وَمِنْ مَواشٍ وَأَطْيارٍ وَآنِيَة ٍ
ومن زروعٍ وكيولٍ وموزونِ
لهم مواقفُ في حرب الشرورِ كما
حَرْبُ الْبَسُوسِ وَحَرْبٌ يَوْمَ صِفِّينِ
لايكتبون وصولاتٍ على جهة ٍ
مُفَصَّلاتٍ بأَسمَاءِ وَتَبْيِينِ
إلا يقولونَ فيما يكتبونَ لهُ
من الحقوقِ وماذا وقتُ تعيينِ
فَاسْمَعْ وَكاسِرْ وَحَسِّ الرِّيحَ يا فَطِناً
فلستَ أوَّلَ مقهورٍ ومغبونِ
همُ اللصوصُ ومن أقلامهم عُتُلٌ
بِهَا يَسَفُّونَ أَمْوَالَ السَّلاَطِينِ
وَكُلُّ ذَلِكَ مَصْرُوفٌ ومَصْرِفُهُمْ
لِلشَّيْخِ يُوسُف أبي هِبْصِ بْنِ لَطْمِينِ
وللشرابِوتبييتِ الخطاء بهِ
يجلو العُقارَ بأجناسِ الرياحينِ
وَلِلْعُلُوقِ وَأَنْواعِ الْفُسُوقِ مَعاً
وللخروقِ الكثيراتِ التلاوينِ
وَلِلبِغالِ الْوَطِيَّاتِ الرِّكابِ تَرَى
غلمانهمْ خلفهمْ فوقَ البراذينِ
وَلِلْمَنَادِيلِ فِي أَوْسَاطِ مَنْ مَلَكُوا
وَلِلْمَنَاطِقِ فيها وَالهَمايِينِ
وَلِلرِّيَاعِ العَوَالِي الارْتِفَاعِ بِناً
وَلِلْبَساتِين تُنْشَا وَالدَّكاكِينِ
وَلِلفَجَاجِ وَحُملاَنِ النِّعاجِ وَأطْـ
ـيارِ الدَّجاجِ وَأنْواعِ السَّمامِين
وللشَّباذي وللأنطاعِ تفرشُ في
تموزَ فوقَ رُخامٍ في الأواوينِ
وللمجالسِ في أوساطها خركٌ
وللطنافسِ في أيامِ كانونِ
ولستُ أحصرُ ألواناً لأطعمة ٍ
تَفَنَّنَ القَوْمُ فيها كُلَّ تَفْنِينِ
وَلِلْمَلابِسِ كَمْ ثَوْبٍ مُلَوَّنَة ِ
فيها العراقي مع الهندي والبوني
وكمَ ذخائرَ ما عند الملوكِ لها
مِثْلٌ فَمِنْ مُودَعٍ سَقْفاً وَمَدْقُونِ
وَكَمْ مجالِسِ أُنْسٍ عُيِّنَتْ لَهُمْ
تُنسِي الهُمُومَ وتُسْلِي كُلَّ مَحْزُونِ
وَكَمْ حُلِيِّ نِساءِ لا يُثَمِّنُهُ
مُقَوِّمٌ قَطُّ في الدُّنْيا بِتَثْمِينِ
فَقُلْ لِسُلْطَانِ مِصْر وَالشام مَعاً
ياقاهراً غيرَ مخفيِّ البراهينِ
ومن يُخوِّفُ من سيفٍ براحتهِ
ذوي السيوفِ وأصحابِ السكاكين
اكشف بنفسكَ أسواناً ومن معها
من الصعيدِ بلا قومٍ مساكينِ
عُمَّالُها قَدْ سَبَوْهُمْ مِنْ تَطَلُّبِهِمْ
ما لا يَكُونُ بِمَفْرُوضٍ ومَسْنُونِ
كُلٌّ تَرَى كاتِباً لِلسُّوءِ يُنْظِرُهُ
لنهبهم كم كذا عامٍ وكم حينِ
سَبَوا الرَّعِيَّة َ لَمْ يُبْقُوا عَلَى أَحَدٍ
ولا أمانة َ للقبطِ الملاعينِ
لاتأمننَّ على الأموال سارقها
ولا تُقَرِّبْ عدُوَّ الله وَالدِّين
وخلِّ غزوَ هُلاكو والفرنسِ معاً
واغْرُنَّ عَامِلَ أسْوَان تنالُ بِهِ
جَنَّاتِ عَدْن بِإحْسانِ وَتَمْكِينِ
وكُلَّ أمْثالِهِ في الْقِبْطِ أغْزُهُمْ
فالغزو فيهم حلال الدهر والحينِ
وَاسْلُبْهُمْ نَعماً قَدْ شاطرُوكَ بِها
كما يشاطرُ فلاَّحُ الفدادينِ
فقد تواطوا على الأموالِ أجمعها
وَفِذْلكُوا كُلَّ تِسْعِينٍ بِعِشْرِينِ
وَصانَعُوا كُلَّ مُسْتَوْفٍ إذَا رَفَعُوا
لَهُ الْحِسابَ بِسُحْتٍ كالطَّوَاعِينِ
قَسُّ الْقُسُوسِ وَمُطرَانِ المَطارِينِ
إمَّا بِرَسْم مِدَادٍ أوْ لِصابُونِ
وَلِلزُّيُوتِ وَإيقَادِ الْكَنَائِسِ كَمْ
وللدقيقِ المهيَّا للقرابينِ
فذاكَ في الصدقاتِ الجارياتِ بهِ
يُسْحَبْ عَلَى الوَجْهِ أَوْ يُقْلَبْ بِسجِّينِ
وكيف يقبلُ برَّاً من مصانعة ٍ
من كلِّ مسكينة ٍ فيه ومسكينِ
كم هكذا سرقوا كم هكذا ظلموا
كم هكذا أخذوا مالَ السلاطينِ
أتُركُ ذنبٍ وسؤالٌ لمغفرة ٍ
عِنْدَ الإلهِ لِقَوْمٍ كالمجانِينِ
وَقالَ قَوْمٌ لَقَدْ أَحْصَى مَنالَهُمْ
وقامَ فيها بمفروضٍ ومسنونِ
فَقُلْتُ وَالله مَا وَصْفِي لأنْشُرَها
فيما يقوم بهِ شرحي وتبييني
وإنما ذاك مجهودي ومقدرتي
وَطاقتِي في حِجاناتِ الثَّعابينِ