قراءة إسلامية في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة CEDAW
دراسة حالة لبنان د. نهى القاطرجي
كلية الإمام الأوزاعي للدراسات الإسلامية بيروت- لبنان
بحث مقدم لمؤتمر
" أحكام الأسرة بين الشريعة الإسلامية والاتفاقات والإعلانات الدولية"
جامعة طنطا-مصر 7-9- أكتوبر 2008.
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
تعتبر الأمم المتحدة "حقوق المرأة ومساواتها بالرجل" موضوعاً من أهم المواضيع الذي يجب على دول العالم الاهتمام به، نظراً لارتباطه الوثيق بما يعانيه العالم اليوم من تقهقر شامل في كل نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
فالفقر الذي يعاني منه العالم الثالث مرجعه إلى الأمية والجهل عند المرأة اللذين يصرفانها عن العمل والإنتاج، ويشغلانها بالإنجاب والاهتمام بأمور البيت والزوج والأولاد.
والظلم الاجتماعي يعود إلى عدم مساواة المرأة في الحقوق، والتمييز بينها وبين الرجل في الأعراف والتقاليد والتشريعات الدينية.
أما الحروب والظلم السياسي التي تمارسه الدول الكبيرة على الدول المتخلفة فهو يعود أيضاً بنظر الأمم المتحدة إلى بعد المرأة عن مراكز القرار التي يستأثر بها الرجل .
من هنا ونتيجة هذا القهر الذي تعاني منه المرأة، حرصت الأمم المتحدة، منذ منتصف القرن الماضي، على إقامة المؤتمرات، وإصدار الإعلانات، وتوقيع الاتفاقيات، التي تعمل على تأمين حقوق المرأة، والتي تلزم بموجبها الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، على التوقيع عليها وتنفيذها، بمعزل عن قوانين هذه الدول وتشريعاتها، وخاصة الدينية منها.
هذا وقد بدأ الاهتمام الدولي بحقوق المرأة منذ تأسيس هيئة دستور الأمم المتحدة وميثاقها الذي أبرم بتاريخ 26/6/ 1945م.، والذي جاء ليقر مبدأ عدم التفرقة بين الناس بسبب الجنس، فجعل للرجال والنساء حقوقاً متساوية، كما ورد في نصوص مادتيه: الأولى والثامنة[1].
ومن ثَمَّ بدأ الاهتمام النظري بحقوق المرأة يتحول إلى أفعال منذ عام 1946م.، حيث تم تأسيس "لجنة مركز المرأة". وفي عام 1948م. صدر"الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" شاملاً كافة حقوق الإنسان المدنية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية التي يجب أن يتمتع بها كل فرد، رجلاً كان أو امرأة .
وبعد ذلك بدأت الأمم المتحدة تخصص المؤتمرات والاتفاقيات الدولية التي تعنى بقضايا المرأة. وابرز هذه المؤتمرات :
1- المؤتمر العالمي للمرأة في مكسيكو سيتي عام 1975م. ، الذي اعتمد خطة عمل عالمية تتبناها جميع الدول المنضمَّة إلى هيئة الأمم المتحدة، ويكون هدفها ضمان مزيد من إندماج المرأة في مختلف مرافق الحياة .
2- مؤتمر كوبنهاجن – الدانمارك عام 1980م.، الذي عقد تحت شعار: "عقد الأمم المتحدة للمرأة العالمية: المساواة والتنمية والسلام".
3- مؤتمر نيروبي/ كينيا عام 1985م.، الذي عقد لاستعراض التقدم المحرز في تنفيذ خطة العمل العالمية بعد مرور عشر سنوات على وضعها قيد التنفيذ ولدراسة العقبات والمعوقات التي حالت دون تنفيذها كاملةً في جميع بلدان العالم .
4- مؤتمر بيجين الذي عقد عام 1995م.، وقد اشتهر هذا المؤتمر نظراً للتغطية الإعلامية التي حظي بها، ولطبيعة النقلة النوعية في المطالب والدعوات التي قدمت فيه.
أما ابرز الاتفاقيات المتعلقة بالمرأة فهي اتفاقية "القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (السيداو) (CEDAW)"، التي اخترتها كمجال للبحث في هذه الدارسة، والتي تحاول الأمم المتحدة فرضها كتشريع جديد للمرأة له الأفضلية على تشريعات وقوانين دول العالم .
ولقد قمت بتقسيم البحث إلى ثلاثة مباحث:
- المبحث الأول يتعلق بالتعريف بالاتفاقية وبمضمونها وابرز ما تدعو إليه.
- المبحث الثاني يتعلق بتطبيق الاتفاقية في لبنان ، وبدور الحركة النسائية اللبنانية في دعم هذه الاتفاقية، وتعريف الناس بها، والسعي إلى إلغاء التحفظات عليها .
- أما المبحث الثالث والأخير فلقد خصصته للحديث عن ايجابيات وسلبيات هذه الاتفاقية.
وأخيرا تأتي الخاتمة لتبين ضرورة تضافر الجهود من أجل حماية المجتمعات الإسلامية من امثال هذه الاتفاقية التي تدمر القيم والأخلاق و تساهم في ابعاد المسلم عن أحكام دينه وتشريعاته .
المبحث الأول
اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة
(CEDAW) Convention on the Elimination of All Forms of Discrimination Against Women
تعتبر اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ( السيداو) الصادرة عام 1979م. أول الإعلانات والاتفاقيات الصادرة عن الأمم المتحدة التي تتعلق بإلغاء التمييز ضد المرأة. وقد سبق هذه الاتفاقية تمهيد لها عرف باسم إعلان القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وتبعها بروتوكول اختياري جاء لتغطية الثغرات التي وقعت فيها .
أولاً : إعلان القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة :
صدر هذا الإعلان بالتعاون مع اللجنة الخاصة بوضع المرأة، واللجنة الفرعية الثالثة من الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وقد تمت الموافقة عليه من قبل الجمعية العمومية بالإجماع في جلستها المنعقدة في7 تشرين الثاني سنة 1967م. .
ويتألف الإعلان من إحدى عشرة مادة، تبحث في المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق، وتدعو إلى إزالة كل أشكال التمييز بينهما. وقد شدّد الإعلان على أهمية إعطاء المرأة حقوقها التي وردت في الاتفاقيات السابقة، إضافة إلى حقوق أخرى أعطاها للنساء المتزوجات والعازبات. كما أوجب على الدول إلغاء جميع ما كان في قوانينها من تمييز بين المرأة والرجل في الأحكام الجزائية وفيما يتعلق بالحقوق التربوية والاقتصادية والاجتماعية[2].
ثانياً: اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ( السيداو)
بدأت مفوضية مركز المرأة في الأمم المتحدة بإعداد معاهدة القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة فى عام 1973 م.، وقد كان للمؤتمر العالمي الذي عقد بمناسبة السنة الدولية للمرأة في مكسيكو سنة 1975م. أثره في التسريع في إعداد هذه الاتفاقية، إذ لاحظت خطة العمل الصادرة عن هذا المؤتمر ضرورة إصدار اتفاقية تتعلق بإلغاء التمييز ضد المرأة مع إجراءات لتطبيقها[3].
هذا وقد دخلت الاتفاقية حيّز التنفيذ في 3 أيلول/ سبتمبر1981م.، بعد تلقّي التصديقات العشرين اللازمة. وبعد أن تبنّتها الجمعية العامة في كانون الأول/ ديسمبر سنة 1979م.، وفتح باب التوقيع عليها في أول آذار مارس سنة 1980م.، ووقع لبنان عليها بموجب القانون رقم 572 الصادر في24/7/1996م. والنافذ في 1/8/1996م.. كما وقعت عليها 18 دولة عربية،[4] و كذلك انضم إلى الاتفاقية بعض الدول الإسلامية وهي: باكستان، بنغلادش، تركيا، ماليزيا وإندونيسيا[5] . بينما رفض عدد من دول العالم التوقيع عليها ، ومن هؤلاء سويسرا، الولايات المتحدة الأمريكية، الكاميرون، أفريقيا الوسطى وليسوتو.
ثالثاً: البروتوكول الاختياري الملحق بالاتفاقية
كَلفت لجنة وضع المرأة في منظمة الأمم المتحدة فريقاً من الخبراء من أجل صياغة بروتوكول اختياري يُلحق باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وقد أصبح البرتوكول جاهزا للعمل به في العام 1999م..
ويهدف هذا البروتوكول الذي يُلحق عادة باتفاقيات حقوق الإنسان إلى "وضع إجراءات تتعلق بالاتفاقية ذاتها أو تتعلق بجانب هام من الاتفاقية. وتعدّ هذه البروتوكولات اتفاقيات منفردة خاضعة للتوقيع والانضمام والمصادقة من قبل الدول الأطراف في الاتفاقية الأصلية"[6].
ويشتمل البروتوكول الملحق باتفاقية السيداو على إجراءين:
- إجراء يمنح المرأة الحق في الشكوى إلى لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة حول انتهاكات أحكام اتفاقية سيداو من قبل حكومتها.
- وآخر يمكن اللجنة من توجيه الأسئلة حول الانتهاكات الخطرة أو المستمرة لحقوق المرأة الإنسانية في الدول التي أصبحت اعضاء في البروتوكول الاختياري[7].
ويعتبر هذا تمييزُ خاص للبروتوكول عن اتفاقية السيداو. وذلك أنه، "قبل إقرار البروتوكول الاختياري، لم يكن بإمكان الأفراد أو مجموعات الأفراد الحصول على الحلول الناجعة في المنتديات الدولية بالنسبة إلى انتهاكات سيداو التي تطالهن"[8] .
إضافة إلى ذلك فإن ما ميّز هذا البروتوكول هو النص الصريح الذي جاء به حول عدم جواز إبداء أية تحفظات على البروتوكول، وذلك بخلاف ما جرى في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة .
رابعاً: مواد الاتفاقية
تتألف الاتفاقية من ثلاثين مادة تشكل مدوّنة دولية لحقوق المرأة، وهي تدعو إلى تساوي الرجل والمرأة في حق التمتع بجميع الحريات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية. وتنقسم إلى ستة أجزاء:
الجزء الأول : التعريفات والتدابير
يتألف الجزء الأول من ست مواد جاءت على الشكل التالي:
المادة الأولى
تختص هذه المادة بتعريف مفهوم التمييز والذي يتعلق بالتفرقة بين المرأة والرجل في حقوق الإنسان والحريات الأساسية في الميادين كافة: السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية ..
ومن الملاحظات الأساسية على هذه المادة مفهومها للمساواة بين المرأة والرجل الذي يتنافى مع النظرة الإسلامية، حيث يقول تعالى: ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) [ البقرة، 228]. فالله سبحانه وتعالى لم يخلق زوجاً واحداً، بل زوجين مختلفين، ذكراً وأنثى، وهذه الحقيقة الكونية وردت في قوله تعالى: (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ ) [ الذاريات، 49] .
يقول الأستاذ عباس محمود العقاد في تعليقه على دعوة التماثل هذه بقوله: "إنه من اللجاجة الفارغة أن يقال: إن الرجل والمرأة سواء في جميع الحقوق وجميع الواجبات لأن الطبيعة لا تنشئ جنسين مختلفين لتكون لهما صفات الجنس الواحد ومؤهلاته وأعماله، وغايات حياته"[9] .
المادة الثانية
تقوم البنود السبعة المكونة للمادة الثانية من الاتفاقية على الطلب من الدول الأعضاء إيجاد القوانين التي تعمل على إزالة التمييز ضد المرأة في كافة الأحكام واللوائح، سواء كانت هذه الأحكام صادرة عن أشخاص أو ناتجة عن تقاليد أو أعراف، بما في ذلك قوانين الأسرة، والعمل على فرض هذه القوانين بالقوة عن طريق فرض العقوبات على المخالفين، وإتاحة المجال أمام المرأة لتقديم الشكاوى في حال وقوع التمييز عليها .
وتكمن خطورة هذه المادة في فرض ثقافة العولمة، واعتبار الاتفاقية المرجع الوحيد للدول في قضايا المرأة، ورفض الاختلاف التشريعي والقانوني لكثير من الدول. مع ان هذا الالزام يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة نفسه الذى ينص على احترام التنوع الثقافي والديني للشعوب.
المادة الثالثة
تنص المادة الثالثة على ضرورة اتخاذ الدول الأطراف كل التدابير، بما في ذلك التشريع، من أجل ضمان المساواة بين المرأة الرجل في الميادين السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وضمان ممارسة المرأة لحقوق الإنسان والحريات الأساسية والتمتع بها على أساس المساواة مع الرجل.
وترتبط هذه المادة بما قبلها من ناحية الدعوة إلى المساواة إلا انها تركز ايضا على الحريات والحقوق . هذه المصطلحات المأخوذة أصلاً من الفكر الغربي والتي قد تصل لدرجة إطلاق العنان للغرائز والأهواء التي تقرّب الإنسان من البهيمية من جهة، والتي يمكن أن تكون من جهة اخرى على حساب حقوق الآخرين، وخاصة حقوق الأسرة التي تقع مسؤولية المحافظة عليها على المرأة بالدرجة الأولى .
المادة الرابعة
تتعلق هذه المادة بالتدابير الخاصة المؤقتة لمكافحة التمييز، والتي تصطلح الاتفاقية على تسميتها بالاجراءات الايجابية. ويقصد بالإجراء الإيجابي اتخاذ الحكومة بعض التدابير الخاصة التي تعجل في تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة، و"مثل هذه الاجراءات قد تتضمن أفضلية للمرأة في المشاركة في الأحزاب السياسية والالتحاق بالمدارس والجامعات والحصول على مراكز قيادية في البلد"[10].
إن اقرار مثل هذه الاجراءات التميزية يتنافى مع جوهر الاتفاقية التي تمنع اتخاذ اي اجراء تمييزي ضد المرأة، ولكنه هنا يفتح الباب على مصراعيه أمام اتخاذ بعض الإجراءات التي تميز المرأة على الرجل، مما قد يؤدي إلى توسيع الهوة بين حقوق المرأة وحقوق الرجل.
المادة الخامسة:
هذه المادة خاصة بتعديل الأنماط الاجتماعية والثقافية لدور كل من الرجل والمرأة . ويقصد بالدور النمطي للمرأة (Stereotyped Role) ، دور الأم المتفرغة لرعاية أطفالها[11].
فالأمومة بنظرهم هي وظيفة اجتماعية يمكن أن يقوم بها أي شخص، حتى أنها لا تختلف عن سائر الأعمال المنزلية غير المربحة التي تعتبر أدواراً نمطية وتقليدية يجب تغييرها. لذا نادى تفسير الأمم المتحدة للاتفاقية بضرورة وضع نظام إجازة للآباء لرعاية الأطفال حتى تتفرغ الأم لمهمتها الأساسية وهي العمل بأجر خارج البيت .
المادة السادسة
نصّت هذه المادة على وجوب أن "تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة، بما في ذلك التشريع لمكافحة جميع أشكال الاتجار بالمرأة واستغلال دعارة المرأة "[12] .
وتعتبر هذه المادة مهمة من حيث الحرص على منع استغلال المرأة، وإن كانت تستلزم إضافة القوانين التي تمنع هذا الاستغلال، خاصة تلك التي تتعلق بالفساد الإعلامي ومنع الابتزاز الجنسي، وهذا الأمر لم تلحظه اتفاقيات الأمم المتحدة التي لا تعتبر الزنا أمراً مشيناً على المرأة إلا في حالة حصل الأمر بالإكراه، أما إذا حصل الأمر برضى الطرفين، فهو حق مشروع ومطالب به لتعلقه بالحرية الشخصية للأفراد، والتي تحرص مثل هذه الاتفاقيات على حمايتها من جهة، ولكونه يساعد على منع الزواج المبكر الذي تدعو الاتفاقية إلى تجنبه من جهة أخرى .