كيف ننشر الإسلام وننصره ؟
رأينا أن الغرب بجنوحه الى المواجهة المسلّحة إنّما أراد أن يستدرج الأمّة الإسلامية ممثلة بشباب الصّحوة فيها إلى الميدان الذي له فيه إمكانية الانتصار أو على الأقل إثارة الفوضى والصّراع لعرقلة انتشار الإسلام , الذي يساعده المناخ الفكري والمجال السّلمي على الانتصار والانتشار , وعلى شباب الصّحوة في الأمّة الإسلامية أن لا ينساقوا مع هذا الاستدراج , وأن يحذروا من الوقوع في هذا الشَّرَك الذي يغرقهم في صراع لا يخدم إلا مصالح أعدائهم , ويشغلهم عن استغلال الظّرف المناسب لنشر الإسلام والدعوة إليه , وعليهم أن يعملوا هم بدورهم على جرِّ الغرب الى ميدان المجابهة الفكرية , حيث النّصر المضمون والأكيد , وحيث تحافظ الأمّة على مصداقيتها الأخلاقية أمام شعوب العالم , وتمنع الغرب من ممارسة الإجرام والإرهاب باسمها , هذا بالطبع دون إغفال الحق في الدفاع الشرعي الأخلاقي القانوني إذا تعرض أي قطر منها لعدوان تعسفي من طرف الغرب .
قال تعالى " أُذِنَ للذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَأنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إلاَّ أن يَّقُولُوا رَبُّناَ اللهُ وَلَوْلاَ دَفْعُ الله النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهاَ اسْمُ اللهِ كَثيرًا وَلَينصُرَنَّ اللهُ من يَنصُرُه إنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ " (39-40)الحج
وقال سبحانه : " وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعتَدُوا إنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ المُعْتَدِينَ " (البقرة 190)
لا تعتدوا : لا تأخذوا البريء بجناية المجرم ولا تتجاوزوا الأسلوب الشرعي الأخلاقي الإسلامي في الدفاع, الى الأساليب المنافية لتعاليم الإسلام, بدافع استعجال النصر أو الانتقام ,
فالحقيقة التي يجب أن يضعها العاملون للإسلام نصب أعينهم , كدعاة هدفهم فتح القلوب للحق ,لا الغل والحقد والتشفي , أن معظم الشعوب في الغرب هم ضحايا تسلط الطغمة الصهيونية الصليبية التي تحكمت في الإعلام والسلطة, وراحت تمارس التضليل, وتنشر الأكاذيب عن الإسلام والمسلمين , فهم في الغالب ليسوا صليبيين ولا يهود متعصبين معاندين ,بل أغلبهم لا يؤمنون بتلك الديانات وألحدوأ وتعلمنوا يوم كان الإلحاد والعلمانية الرد الفكري العصري المتحرر( عندهم) على جهالات الكنيسة وفضائحها , وهم الآن بعد أن أسقط العلم العصري حجج الالحاد حائرون : هل يستمرون على باطل الإلحاد أم يرجعون الى ظلام الكنائس والبيع , فهم نفوس وعقول مهيأة لدعوة إسلامية تحسن عرض الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن , فتزيل عن تلك القلوب غلالة الحقد والشك والجهل بالإسلام التي غلف قلوبهم بها الإعلام المتصهين , وتأخذ بأيديهم الى بر الإيمان والأمان والسلام برفق ورحمة
قال تعالى :" يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للِه شُهَدَاءَ بِالقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى واتَّقُوا اللهَ إنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِماَ تَعْمَلُونَ " (المائدة 8 )
وقال سبحانه :" لاَ يَنهَاكُمُ اللهُ عَنِ الذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ إنَّمَا يَنهَاكُمُ اللهُ عَنِ الذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظاَهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ "( الممتحنة 8-9)
إن من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في الجهاد أنه لايستعمل السيف إلا في ميدان المعركة المفروضة عليه من طرف الكفار , فتجد مثلا أن قائد المشركين المحاربين أبا سفيان يذهب الى المدينة بعد حادثة بني خزاعة ويده تقطر بدماء الخزاعيين الذين غدر بهم إتباعه , ولا يأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتله أو حتى بتعنيفه بالكلام, كل ما فعله الصحابة أنهم امتنعوا من التفاوض معه , هذا مع قائد المشركين المحاربين الذين خانوا العهد (عهد الحديبية) وغدروا بالمسلمين( بني خزاعة ) أما غير المحاربين فقد أمر الله عز وجل بإجارتهم وحمايتهم وتأمينهم حتى يسمعوا القرآن
قال عز وجل : " وَإنْ أَحَدٌ مِنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا َيَعْلَمُونَ " (التوبة 6 )
ولقد كان المنافقون يعاملون المسلمين بأقصى ما يستطيعون من الكيد والدسائس, ولم يعاملهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلا بالرفق و الحسنى , رغم أنه يعرفهم واحدا واحدا , وموقفه من ابن سلول كبير المنافقين معروف في سيرته العطرة عليه الصلاة والسلام
إن كل إناء يرشح بما فيه , فالمسلم عليه أن يتعامل بالأخلاق الإسلامية حتى مع أعدائه
يقول امامنا ابن باديس رحمه الله : " ... وأن يسلك في مدافعتهم طريق الرفق والرجاحة والوقار دون فحش ولا طيش ولا فظاظة ...."
ويقول أيضا : " غير أن التربية الدينية هي التي تضبط خلقه وتقوم فطرته فتجعل جداله بالحق عن الحق , فلنحذر من أن يطغى علينا خلق المدافعة والمغالبة فنذهب في الجدل شر مذاهبه وتصير
الخصومة لنا خلقا , ومن صارت الخصومة له خلقا أصبح يندفع معها في كل شيء ولا يبالي بحق ولا باطل وإنما يريد الغلب بأي وجه كان وهذا هو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : " إن أبغض الرجال الى الله الألد (الشديد الخصومة) الخصم (كثير الخصومات) "
ويقول رحمه الله : " وخاطب الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أنه لم يرسله وكيلا على الخلق حفيظا عليهم كفيلا بأعمالهم , فما عليه إلا تبليغ الدعوة ونصرة الحق بالحق والهداية والدلالة الى دين الله وصراطه المستقيم – خاطبه بهذا ليؤكد لخلقه ما أمرهم به من قول التي هي أحسن للموافق والمخالف , فلا يحملنهم بغض الكفر والمعصية على السوء في القول لأهلها, فإنما عليهم تبليغ الحق كما بلغه نبيهم صلى الله عليه وسلم , ولن يكون أحد أحرص منه على تبليغه, فحسبهم أن يكونوا على سنته وهديه " (الاقوال من كتاب مجالس التذكيرمن كلام الحكيم الخبير ص 72- 73 – 155 على الترتيب )
هذا نهي عن الأذى والفظاظة بالقول في الجدال , فما بالك بالخطف والاغتيال .
من المؤسف أن الكثير من شباب الصحوة المتحمسين يدافعون عن الإسلام بطريقة أضرته أكثر مما نفعته , حيث أهدرت أمواله, وضيعت رجاله, وزادته بعدا عن قلوب الخلق, حتى من المنتسبين إليه , فماذا جلبت له أعمال في غير محلها تنسب الى الجهاد الإسلامي, غير خراب الجيوب , وخراب النسل , وخراب العمران , وخراب الإيمان .
إن الأمر السلبي لا تكون آثاره إلا سلبية , فالقتل مثلا تحت أي ذريعة لا يؤدي إلا الى الأحقاد والضغائن والكراهية والعناد, وردود أفعال قد تؤدي الى الكفر والردة ,أو الانضمام الى الطرف الآخر نكاية وانتقاما , بينما الرفق والإحسان يؤديان الى تأليف القلوب وكسب موالاتها ومودتها وتعاونها أو على الأقل كف عداوتها
قال تعالى : " فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فََظًّا غَلِيظَ القَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ " ( 159 آل عمران )هذا مع الأتباع والموالين , فكيف مع غيرهم من الذين نريد تأليف قلوبهم للإسلام
يقول الشاعر :
أَحْسِنْ إلَى النَّاسِ تَسْتَعْبِدْ قُلُوبَهُمُو فََطََالََمَاَ اسْتَعْبَدَ الإنسانَ إحسانُ
اقتراحات من أجل دعوة إسلامية بالوسائل العصرية
إن وسائل الدعوة في هذا العصر متوفرة ومتطورة - والحمد لله - وهي أيسر مما كانت عليه في القديم
إذ يستطيع المسلم الآن عرض الإسلام على الناس في القارات الأخرى دون أن يغادر بيته, وذلك باستعمال وسائل الاتصال العصرية كشبكة الانترنت , فلم لا تستعمل هذه الوسائل على أوسع نطاق في الدعوة الى الإسلام وتعريف سكان المعمورة به؟ وقد أثبتت نجاعتها في الحالات التي استعملت فيها, فكم من داخل وداخلة في الإسلام بعد تواصل مع مسلمين بهذه الوسائل , لذلك اقترح ما يلي :
-1- تكوين دعاة يدعون الى الإسلام بواسطة وسائل الاتصال الحديثة , بحيث يتلقون تكوينا مركزا في تقنيات الإعلام الآلي , ولغة من اللغات الأجنبية على الأقل, والعلوم الشرعية التي تعطي المتكون إحاطة شاملة بعقيدة الإسلام وحججها القرآنية والسنية, و كذلك أحكام العبادات والمعاملات وحكمها , ثم يتفرغون لعرض الإسلام والدعوة إليه بهذه الطريقة
-2- إنشاء محطات وقنوات تلفزيونية ناطقة بمختلف لغات العالم يشتغل فيها إعلاميون متخصصون في اللغات و تقنيات الإعلام وعلوم الإسلام, يعرضون عقيدة الإسلام وتعاليمه على شعوب العالم الحائرة بأسلوب مقنع ومشوق بواسطة الأشرطة العلمية الدينية والمحاضرات والحصص الهادفة.
-3- إيجاد هيآت ومؤسسات دعوية تتخصص في ترجمة كتب العقيدة والفكر الإسلامي خاصة, و بكل اللغات , للكتاب المعاصرين الذين يعرضون عقائد الإسلام بالأسلوب القرآني الذي يعتمد على إذكاء التفكير والاعتبار, والتأمل في مخلوقات الكون وسننه وظواهره, والاستدلال بها على أهم قضايا الإيمان في الإسلام كوجود الله عز وجل ووحدانيته وصحة القرآن( الإعجاز العلمي ) والبعث والنشور مثل (العقائد الإسلامية, إسلامنا, لسيد سابق ) , ( العقيدة في الله لعمرسليمان الأشقر) , ( توحيد الخالق , الإيمان للزنداني) وغيرها من الكتب التي تعرض الإسلام عرضا قرآنيا من غير تعقيدات فلسفية كلامية ولا خلافات مذهبية , ثم نشرها في الداخل والخارج مجانا .
يقول الامام ابن باديس رحمه الله : " من الدعوة الى الله بعث البعثات الى الأمم غير المسلمة ونشر الكتب بألسنتها , وبعث المرشدين الى عوام الأمم لهدايتهم وتفقيههم " ( مجالس الذكير ص 62) فأين دور الجمعيات الدينية والأحزاب الإسلامية حتى داخل البلاد وقد غزاها التنصير ودبت إليها الردة ؟
ما المانع أن تصدر الجمعيات الإسلامية جرائد باللغات الأجنبية , أو ملحقات بتلك اللغات بجرائدها المعربة تشرح حجج الإسلام وأسرار أحكامه للأجانب والمغربين من قومنا الذين لا يفهمون اللسان العربي ؟
-4- إعداد أو استنساخ أشرطة سمعية بصرية بكل اللغات الهامة تعرض الإسلام عرضا علميا بالأسلوب القرآني كأشرطة هارون يحي( روعة الخلق ) وسلسلة الإعجاز العلمي للقرآن لزغلول النجار, ونشرها في الداخل والخارج مجانا وعلى أوسع نطاق
-5- إنشاء نوادي للثقافة الإسلامية في الداخل والخارج ملحقة بالمساجد ( تحت إشراف الإمام) أو مستقلة عنها(مقهى أو قاعة خاصة ) بحيث يرتادها المؤمن والكافر, المصلي وتارك الصلاة , تكون مجهزة بجهاز كمبيوتر مع جهاز عاكس أو على الأقل جهاز تلفاز من الحجم الكبير مع قارئ أقراص (DVD) تعرض محاضرات وأشرطة علمية دينية مثل أشرطة هارون يحي, ومحاضرات الإعجاز العلمي للقرآن لزغلول النجار, وكل ما يخدم الفهم الصحيح للإسلام عقيدة وعبادات ومعاملات وأخلاقا , بكل اللغات حسب البلد , وإذا قام الإعلام الرسمي بذلك أي التلفاز فتلك نقلة نوعية في الدعوة الى الله , ولكي لا نغمط الناس حقهم نشكر المشرفين على بعض القنوات على عرضهم لأشرطة هارون يحي( روعة الخلق ) من حين لآخر, , ونتمنى أن يستمر ذلك العرض ويتوسع وبلغات اخرى, فأشرطة هارون يحي قيمة جدا , إذ توسع الثقافة العلمية وترسخ العقيدة الإسلامية , إن هذه الأساليب قي الدعوة الى الإسلام فعّالة جدا وليس فيها أي أثر سلبي قد يستغل من طرف الأعداء , ومعها لا يجدون أي ذريعة لمنع النشاط الدعوي .
إن المسيحيين يتفننون في عرض باطلهم بهذه الأساليب , فتجدهم يوزعون مجانا المنشورات والأناجيل والأقراص المضغوطة التي تدعو الى المسيحية بكل اللغات على الراغب والهارب, فضلا عن قنوات التبشير المسيحي التلفزيونية والاذاعية التي تزيد عن الألف والتي تقدم برامجها بكل اللغات حتى باللهجات المحلية للشعوب , فهل صار أهل الباطل أهدى من أهل الحق ؟ وهل صار المسيحيون أحرص على ظلامهم من المسلمين على نورهم ؟
إن العالم اليوم مفتوح أمام الدعوة الإسلامية بواسطة وسائل الاتصال الحديثة, فليست في حاجة الى جيوش من الفاتحين يخوضون غمار الحروب لإزاحة الحواجز المفتعلة التي يضعها الحكام المتسلطون
لمنعها من الوصول الى شعوبهم , فوسائل الاتصال العصرية تجاوزت تلك الحواجز وأبطلت مفعولها إنما هي في حاجة الى جيوش من الدعاة الفقهاء المخلصين الذين يبدعون ويتفننون في الدعوة الى الله وعرض الإسلام على الشعوب في العالم باستخدام التقنيات الحديثة للاتصال والإعلام . فالظرف مناسب جدا للقيام بفريضة تبليغ الإسلام لشعوب العالم وإبراز حجج عقائده , وحكم أحكامه , وما فيه
من حلول وأدوية لمشاكل ومآسي المجتمع البشري المعاصر, والتي أردته فيها الحضارة المادية الغربية و إذا تقاعست الأمة وتهاونت في القيام بواجب الدعوة الى الإسلام وتبليغ تعاليمه, فسيكون مصيرها الشقاء والذل في الدنيا والعذاب والخزي في الآخرة , الشقاء والذل في الدنيا لأن الدعوة المضادة المسلطة بواسطة الغزو الثقافي الغربي وبالوسائل المذكورة آنفا تتغلغل في أوساط شعوبها, فتجردها من قيمها وتحولها الى قطعان من السوائم المد جنة في حظيرته التغريبية, فيستحوذ على ثرواتها ثم يذلها ويشقيها بالاستعباد والتجهيل والتجويع ونشر الشقاق والفساد . أما العذاب والخزي في الآخرة فلأنها كتمت ما أنزل الله من البينات وتخلت عن دورها االرسالي وعقوبة ذلك اللعنة من الله والعياذ بالله
قال تعالى :" إِنَ الذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ البَيِّناَتِ وَالهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ إِلاَّ الذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
( 159-160 البقرة )
وقال سبحانه :" إِنَّ الذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللهُ مِنَ الكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلا َيُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ اَلِيمٌ " ( 174 البقرة )
إن كل مسلم يعلم شيئا من الإسلام ويقدر على تبليغه ولم يفعل معني بهذا الوعيد , (بلّغوا عني ولو آية ) وويل للحاملين لإجازات وشهادات العلم الشرعي والمترئسين للمجالس والجمعيات والهيآت والأحزاب الإسلامية إن تهاونوا وقصروا , لأنهم في نظر العامة من الناس هم المكلفون شرعا بالتبليغ والدعوة الى الإسلام, فتهاونهم صدٌّ عن سبيل الله . ومن المضحكات المبكيات في آن واحد أن تجد دكتورا في الشريعة يشرف على ركن تفسير الأحلام والرقية من مس الجان والعين في جريدة اوقناة تلفزيونية تنسب للإسلام وليس لها منه إلا الاسم , بل هي ضد تعاليمه وهديه, لأنها تعمل على إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا, بصور مثيرة للمتحجبات المتبرجات, والقصص المختلقة للخائنين والخائنات , ألا يعلم هذا الدكتور المحترم ما في هذا الأسلوب من خطر على الدعوة والقارئ ؟ أليس له الغيرة على الإسلام ليقوم بتصحيح ذلك الأسلوب عملا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو ينسحب منها ؟ ألا يحسن كتابة مقالات هادفة يدعوا فيها الى الله بإظهار حجج العقيدة الإسلامية وأسرار وحكم تعاليم الإسلام وأحكامه, فيساهم بذلك في بث الوعي الإيماني بين القارئين للجريدة ؟ أم هو الجشع والطمع والتهافت وراء المادة ولو على حساب الإسلام ؟ بسبب هذا لم تنتفع الدعوة الإسلامية بكثرة المتخرجين من معاهد وكليات الدّين .
ملاحظة : لا ننكر وجود من يدعو الى الإسلام صادقا محتسبا بأساليب ووسائل عصرية لكنها تبقى جهود أفراد أو هيآت قليلة منفردة , ندعو الى تدعيمها وتعميمها والاهتمام البالغ بها داخليا وخارجيا.
....يتبع
صاحب المقال عمر بلقاضي الجزائر
رأينا أن الغرب بجنوحه الى المواجهة المسلّحة إنّما أراد أن يستدرج الأمّة الإسلامية ممثلة بشباب الصّحوة فيها إلى الميدان الذي له فيه إمكانية الانتصار أو على الأقل إثارة الفوضى والصّراع لعرقلة انتشار الإسلام , الذي يساعده المناخ الفكري والمجال السّلمي على الانتصار والانتشار , وعلى شباب الصّحوة في الأمّة الإسلامية أن لا ينساقوا مع هذا الاستدراج , وأن يحذروا من الوقوع في هذا الشَّرَك الذي يغرقهم في صراع لا يخدم إلا مصالح أعدائهم , ويشغلهم عن استغلال الظّرف المناسب لنشر الإسلام والدعوة إليه , وعليهم أن يعملوا هم بدورهم على جرِّ الغرب الى ميدان المجابهة الفكرية , حيث النّصر المضمون والأكيد , وحيث تحافظ الأمّة على مصداقيتها الأخلاقية أمام شعوب العالم , وتمنع الغرب من ممارسة الإجرام والإرهاب باسمها , هذا بالطبع دون إغفال الحق في الدفاع الشرعي الأخلاقي القانوني إذا تعرض أي قطر منها لعدوان تعسفي من طرف الغرب .
قال تعالى " أُذِنَ للذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَأنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إلاَّ أن يَّقُولُوا رَبُّناَ اللهُ وَلَوْلاَ دَفْعُ الله النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهاَ اسْمُ اللهِ كَثيرًا وَلَينصُرَنَّ اللهُ من يَنصُرُه إنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ " (39-40)الحج
وقال سبحانه : " وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعتَدُوا إنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ المُعْتَدِينَ " (البقرة 190)
لا تعتدوا : لا تأخذوا البريء بجناية المجرم ولا تتجاوزوا الأسلوب الشرعي الأخلاقي الإسلامي في الدفاع, الى الأساليب المنافية لتعاليم الإسلام, بدافع استعجال النصر أو الانتقام ,
فالحقيقة التي يجب أن يضعها العاملون للإسلام نصب أعينهم , كدعاة هدفهم فتح القلوب للحق ,لا الغل والحقد والتشفي , أن معظم الشعوب في الغرب هم ضحايا تسلط الطغمة الصهيونية الصليبية التي تحكمت في الإعلام والسلطة, وراحت تمارس التضليل, وتنشر الأكاذيب عن الإسلام والمسلمين , فهم في الغالب ليسوا صليبيين ولا يهود متعصبين معاندين ,بل أغلبهم لا يؤمنون بتلك الديانات وألحدوأ وتعلمنوا يوم كان الإلحاد والعلمانية الرد الفكري العصري المتحرر( عندهم) على جهالات الكنيسة وفضائحها , وهم الآن بعد أن أسقط العلم العصري حجج الالحاد حائرون : هل يستمرون على باطل الإلحاد أم يرجعون الى ظلام الكنائس والبيع , فهم نفوس وعقول مهيأة لدعوة إسلامية تحسن عرض الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن , فتزيل عن تلك القلوب غلالة الحقد والشك والجهل بالإسلام التي غلف قلوبهم بها الإعلام المتصهين , وتأخذ بأيديهم الى بر الإيمان والأمان والسلام برفق ورحمة
قال تعالى :" يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للِه شُهَدَاءَ بِالقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى واتَّقُوا اللهَ إنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِماَ تَعْمَلُونَ " (المائدة 8 )
وقال سبحانه :" لاَ يَنهَاكُمُ اللهُ عَنِ الذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ إنَّمَا يَنهَاكُمُ اللهُ عَنِ الذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظاَهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ "( الممتحنة 8-9)
إن من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في الجهاد أنه لايستعمل السيف إلا في ميدان المعركة المفروضة عليه من طرف الكفار , فتجد مثلا أن قائد المشركين المحاربين أبا سفيان يذهب الى المدينة بعد حادثة بني خزاعة ويده تقطر بدماء الخزاعيين الذين غدر بهم إتباعه , ولا يأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتله أو حتى بتعنيفه بالكلام, كل ما فعله الصحابة أنهم امتنعوا من التفاوض معه , هذا مع قائد المشركين المحاربين الذين خانوا العهد (عهد الحديبية) وغدروا بالمسلمين( بني خزاعة ) أما غير المحاربين فقد أمر الله عز وجل بإجارتهم وحمايتهم وتأمينهم حتى يسمعوا القرآن
قال عز وجل : " وَإنْ أَحَدٌ مِنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا َيَعْلَمُونَ " (التوبة 6 )
ولقد كان المنافقون يعاملون المسلمين بأقصى ما يستطيعون من الكيد والدسائس, ولم يعاملهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلا بالرفق و الحسنى , رغم أنه يعرفهم واحدا واحدا , وموقفه من ابن سلول كبير المنافقين معروف في سيرته العطرة عليه الصلاة والسلام
إن كل إناء يرشح بما فيه , فالمسلم عليه أن يتعامل بالأخلاق الإسلامية حتى مع أعدائه
يقول امامنا ابن باديس رحمه الله : " ... وأن يسلك في مدافعتهم طريق الرفق والرجاحة والوقار دون فحش ولا طيش ولا فظاظة ...."
ويقول أيضا : " غير أن التربية الدينية هي التي تضبط خلقه وتقوم فطرته فتجعل جداله بالحق عن الحق , فلنحذر من أن يطغى علينا خلق المدافعة والمغالبة فنذهب في الجدل شر مذاهبه وتصير
الخصومة لنا خلقا , ومن صارت الخصومة له خلقا أصبح يندفع معها في كل شيء ولا يبالي بحق ولا باطل وإنما يريد الغلب بأي وجه كان وهذا هو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : " إن أبغض الرجال الى الله الألد (الشديد الخصومة) الخصم (كثير الخصومات) "
ويقول رحمه الله : " وخاطب الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أنه لم يرسله وكيلا على الخلق حفيظا عليهم كفيلا بأعمالهم , فما عليه إلا تبليغ الدعوة ونصرة الحق بالحق والهداية والدلالة الى دين الله وصراطه المستقيم – خاطبه بهذا ليؤكد لخلقه ما أمرهم به من قول التي هي أحسن للموافق والمخالف , فلا يحملنهم بغض الكفر والمعصية على السوء في القول لأهلها, فإنما عليهم تبليغ الحق كما بلغه نبيهم صلى الله عليه وسلم , ولن يكون أحد أحرص منه على تبليغه, فحسبهم أن يكونوا على سنته وهديه " (الاقوال من كتاب مجالس التذكيرمن كلام الحكيم الخبير ص 72- 73 – 155 على الترتيب )
هذا نهي عن الأذى والفظاظة بالقول في الجدال , فما بالك بالخطف والاغتيال .
من المؤسف أن الكثير من شباب الصحوة المتحمسين يدافعون عن الإسلام بطريقة أضرته أكثر مما نفعته , حيث أهدرت أمواله, وضيعت رجاله, وزادته بعدا عن قلوب الخلق, حتى من المنتسبين إليه , فماذا جلبت له أعمال في غير محلها تنسب الى الجهاد الإسلامي, غير خراب الجيوب , وخراب النسل , وخراب العمران , وخراب الإيمان .
إن الأمر السلبي لا تكون آثاره إلا سلبية , فالقتل مثلا تحت أي ذريعة لا يؤدي إلا الى الأحقاد والضغائن والكراهية والعناد, وردود أفعال قد تؤدي الى الكفر والردة ,أو الانضمام الى الطرف الآخر نكاية وانتقاما , بينما الرفق والإحسان يؤديان الى تأليف القلوب وكسب موالاتها ومودتها وتعاونها أو على الأقل كف عداوتها
قال تعالى : " فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فََظًّا غَلِيظَ القَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ " ( 159 آل عمران )هذا مع الأتباع والموالين , فكيف مع غيرهم من الذين نريد تأليف قلوبهم للإسلام
يقول الشاعر :
أَحْسِنْ إلَى النَّاسِ تَسْتَعْبِدْ قُلُوبَهُمُو فََطََالََمَاَ اسْتَعْبَدَ الإنسانَ إحسانُ
اقتراحات من أجل دعوة إسلامية بالوسائل العصرية
إن وسائل الدعوة في هذا العصر متوفرة ومتطورة - والحمد لله - وهي أيسر مما كانت عليه في القديم
إذ يستطيع المسلم الآن عرض الإسلام على الناس في القارات الأخرى دون أن يغادر بيته, وذلك باستعمال وسائل الاتصال العصرية كشبكة الانترنت , فلم لا تستعمل هذه الوسائل على أوسع نطاق في الدعوة الى الإسلام وتعريف سكان المعمورة به؟ وقد أثبتت نجاعتها في الحالات التي استعملت فيها, فكم من داخل وداخلة في الإسلام بعد تواصل مع مسلمين بهذه الوسائل , لذلك اقترح ما يلي :
-1- تكوين دعاة يدعون الى الإسلام بواسطة وسائل الاتصال الحديثة , بحيث يتلقون تكوينا مركزا في تقنيات الإعلام الآلي , ولغة من اللغات الأجنبية على الأقل, والعلوم الشرعية التي تعطي المتكون إحاطة شاملة بعقيدة الإسلام وحججها القرآنية والسنية, و كذلك أحكام العبادات والمعاملات وحكمها , ثم يتفرغون لعرض الإسلام والدعوة إليه بهذه الطريقة
-2- إنشاء محطات وقنوات تلفزيونية ناطقة بمختلف لغات العالم يشتغل فيها إعلاميون متخصصون في اللغات و تقنيات الإعلام وعلوم الإسلام, يعرضون عقيدة الإسلام وتعاليمه على شعوب العالم الحائرة بأسلوب مقنع ومشوق بواسطة الأشرطة العلمية الدينية والمحاضرات والحصص الهادفة.
-3- إيجاد هيآت ومؤسسات دعوية تتخصص في ترجمة كتب العقيدة والفكر الإسلامي خاصة, و بكل اللغات , للكتاب المعاصرين الذين يعرضون عقائد الإسلام بالأسلوب القرآني الذي يعتمد على إذكاء التفكير والاعتبار, والتأمل في مخلوقات الكون وسننه وظواهره, والاستدلال بها على أهم قضايا الإيمان في الإسلام كوجود الله عز وجل ووحدانيته وصحة القرآن( الإعجاز العلمي ) والبعث والنشور مثل (العقائد الإسلامية, إسلامنا, لسيد سابق ) , ( العقيدة في الله لعمرسليمان الأشقر) , ( توحيد الخالق , الإيمان للزنداني) وغيرها من الكتب التي تعرض الإسلام عرضا قرآنيا من غير تعقيدات فلسفية كلامية ولا خلافات مذهبية , ثم نشرها في الداخل والخارج مجانا .
يقول الامام ابن باديس رحمه الله : " من الدعوة الى الله بعث البعثات الى الأمم غير المسلمة ونشر الكتب بألسنتها , وبعث المرشدين الى عوام الأمم لهدايتهم وتفقيههم " ( مجالس الذكير ص 62) فأين دور الجمعيات الدينية والأحزاب الإسلامية حتى داخل البلاد وقد غزاها التنصير ودبت إليها الردة ؟
ما المانع أن تصدر الجمعيات الإسلامية جرائد باللغات الأجنبية , أو ملحقات بتلك اللغات بجرائدها المعربة تشرح حجج الإسلام وأسرار أحكامه للأجانب والمغربين من قومنا الذين لا يفهمون اللسان العربي ؟
-4- إعداد أو استنساخ أشرطة سمعية بصرية بكل اللغات الهامة تعرض الإسلام عرضا علميا بالأسلوب القرآني كأشرطة هارون يحي( روعة الخلق ) وسلسلة الإعجاز العلمي للقرآن لزغلول النجار, ونشرها في الداخل والخارج مجانا وعلى أوسع نطاق
-5- إنشاء نوادي للثقافة الإسلامية في الداخل والخارج ملحقة بالمساجد ( تحت إشراف الإمام) أو مستقلة عنها(مقهى أو قاعة خاصة ) بحيث يرتادها المؤمن والكافر, المصلي وتارك الصلاة , تكون مجهزة بجهاز كمبيوتر مع جهاز عاكس أو على الأقل جهاز تلفاز من الحجم الكبير مع قارئ أقراص (DVD) تعرض محاضرات وأشرطة علمية دينية مثل أشرطة هارون يحي, ومحاضرات الإعجاز العلمي للقرآن لزغلول النجار, وكل ما يخدم الفهم الصحيح للإسلام عقيدة وعبادات ومعاملات وأخلاقا , بكل اللغات حسب البلد , وإذا قام الإعلام الرسمي بذلك أي التلفاز فتلك نقلة نوعية في الدعوة الى الله , ولكي لا نغمط الناس حقهم نشكر المشرفين على بعض القنوات على عرضهم لأشرطة هارون يحي( روعة الخلق ) من حين لآخر, , ونتمنى أن يستمر ذلك العرض ويتوسع وبلغات اخرى, فأشرطة هارون يحي قيمة جدا , إذ توسع الثقافة العلمية وترسخ العقيدة الإسلامية , إن هذه الأساليب قي الدعوة الى الإسلام فعّالة جدا وليس فيها أي أثر سلبي قد يستغل من طرف الأعداء , ومعها لا يجدون أي ذريعة لمنع النشاط الدعوي .
إن المسيحيين يتفننون في عرض باطلهم بهذه الأساليب , فتجدهم يوزعون مجانا المنشورات والأناجيل والأقراص المضغوطة التي تدعو الى المسيحية بكل اللغات على الراغب والهارب, فضلا عن قنوات التبشير المسيحي التلفزيونية والاذاعية التي تزيد عن الألف والتي تقدم برامجها بكل اللغات حتى باللهجات المحلية للشعوب , فهل صار أهل الباطل أهدى من أهل الحق ؟ وهل صار المسيحيون أحرص على ظلامهم من المسلمين على نورهم ؟
إن العالم اليوم مفتوح أمام الدعوة الإسلامية بواسطة وسائل الاتصال الحديثة, فليست في حاجة الى جيوش من الفاتحين يخوضون غمار الحروب لإزاحة الحواجز المفتعلة التي يضعها الحكام المتسلطون
لمنعها من الوصول الى شعوبهم , فوسائل الاتصال العصرية تجاوزت تلك الحواجز وأبطلت مفعولها إنما هي في حاجة الى جيوش من الدعاة الفقهاء المخلصين الذين يبدعون ويتفننون في الدعوة الى الله وعرض الإسلام على الشعوب في العالم باستخدام التقنيات الحديثة للاتصال والإعلام . فالظرف مناسب جدا للقيام بفريضة تبليغ الإسلام لشعوب العالم وإبراز حجج عقائده , وحكم أحكامه , وما فيه
من حلول وأدوية لمشاكل ومآسي المجتمع البشري المعاصر, والتي أردته فيها الحضارة المادية الغربية و إذا تقاعست الأمة وتهاونت في القيام بواجب الدعوة الى الإسلام وتبليغ تعاليمه, فسيكون مصيرها الشقاء والذل في الدنيا والعذاب والخزي في الآخرة , الشقاء والذل في الدنيا لأن الدعوة المضادة المسلطة بواسطة الغزو الثقافي الغربي وبالوسائل المذكورة آنفا تتغلغل في أوساط شعوبها, فتجردها من قيمها وتحولها الى قطعان من السوائم المد جنة في حظيرته التغريبية, فيستحوذ على ثرواتها ثم يذلها ويشقيها بالاستعباد والتجهيل والتجويع ونشر الشقاق والفساد . أما العذاب والخزي في الآخرة فلأنها كتمت ما أنزل الله من البينات وتخلت عن دورها االرسالي وعقوبة ذلك اللعنة من الله والعياذ بالله
قال تعالى :" إِنَ الذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ البَيِّناَتِ وَالهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ إِلاَّ الذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
( 159-160 البقرة )
وقال سبحانه :" إِنَّ الذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللهُ مِنَ الكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلا َيُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ اَلِيمٌ " ( 174 البقرة )
إن كل مسلم يعلم شيئا من الإسلام ويقدر على تبليغه ولم يفعل معني بهذا الوعيد , (بلّغوا عني ولو آية ) وويل للحاملين لإجازات وشهادات العلم الشرعي والمترئسين للمجالس والجمعيات والهيآت والأحزاب الإسلامية إن تهاونوا وقصروا , لأنهم في نظر العامة من الناس هم المكلفون شرعا بالتبليغ والدعوة الى الإسلام, فتهاونهم صدٌّ عن سبيل الله . ومن المضحكات المبكيات في آن واحد أن تجد دكتورا في الشريعة يشرف على ركن تفسير الأحلام والرقية من مس الجان والعين في جريدة اوقناة تلفزيونية تنسب للإسلام وليس لها منه إلا الاسم , بل هي ضد تعاليمه وهديه, لأنها تعمل على إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا, بصور مثيرة للمتحجبات المتبرجات, والقصص المختلقة للخائنين والخائنات , ألا يعلم هذا الدكتور المحترم ما في هذا الأسلوب من خطر على الدعوة والقارئ ؟ أليس له الغيرة على الإسلام ليقوم بتصحيح ذلك الأسلوب عملا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو ينسحب منها ؟ ألا يحسن كتابة مقالات هادفة يدعوا فيها الى الله بإظهار حجج العقيدة الإسلامية وأسرار وحكم تعاليم الإسلام وأحكامه, فيساهم بذلك في بث الوعي الإيماني بين القارئين للجريدة ؟ أم هو الجشع والطمع والتهافت وراء المادة ولو على حساب الإسلام ؟ بسبب هذا لم تنتفع الدعوة الإسلامية بكثرة المتخرجين من معاهد وكليات الدّين .
ملاحظة : لا ننكر وجود من يدعو الى الإسلام صادقا محتسبا بأساليب ووسائل عصرية لكنها تبقى جهود أفراد أو هيآت قليلة منفردة , ندعو الى تدعيمها وتعميمها والاهتمام البالغ بها داخليا وخارجيا.
....يتبع
صاحب المقال عمر بلقاضي الجزائر