من عوامل النصر والهزيمة
الشيخ الدكتور عايض القرني
موجز في عوامل النصر والهزيمة في الأمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:هذه المحاضرة بعنوان: من عوامل النصر والهزيمة، وعناصرها كما يأتي:
عوامل النصر:
طلب الشهادة.
رفع راية الجهاد.
القتال لتكون كلمة الله هي العليا.
الشجاعة الإيمانية.
الدعاء واللجوء إلى الواحد الأحد.
التوكل على الله تبارك وتعالى.
الإعداد: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60].
التوبة النصوح، وترك الخطايا والذنوب.
تسخير وسائل العلم والإعلام لخدمة الدين.
إصلاح المناهج الدراسية.
إقامة القسط وتوخي العدل.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وعوامل الهزيمة:
عدم الثقة بالله تبارك وتعالى.
الاغترار بالكثرة والقوة.
الإرجاف وتصديق الشائعات.
التخذيل في صفوف الذين آمنوا.
الترف والترهل.
اشتغال الأمة بالتوافه.
ضعف الهوية الإيمانية.
الإسراف في المباحات الملهية.
اهتمام الأمة بصغار المسائل على حساب كبارها.
عدم ربط الأمة بعلمائها.
التنازع والاختلاف.
النفاق في الأمة؛ النفاق الاعتقادي والنفاق العملي.
عوامل النصر في الأمة
إذا عاش الناس لحظات الصفر، وهم يلقون مناياهم فما علينا؟ وما نحشد لهذه الأحداث، إلا كما يحشد لها الذين آمنوا ولبسوا أكفانهم في بدر وأحد ، وعين جالوت ، وحطين وأنتم أبناؤهم "ومن يشابه أبه فما ظلم".نبني كما كانت أوائلنا تبني ونفعل مثلما فعلوا |
فالمسلم يموت والكافر يموت، ولكن المسلم ترفع روحه إلى الحي القيوم: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي [الفجر:27-30].
ونريد أن نخبر الناس في هذه الفترة الحرجة أنا أبناء الذين فتحوا ثلاثة أرباع الكرة الأرضية، بلا إله إلا الله، وأنا أبناء الذين أتوا إلى معركة أحد ، وقد لبسوا الأكفان واغتسلوا، ويقول أحدهم: [[اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى ]].
وأنَّا أبناء عقبة بن نافع الذي وقف في صحراء أفريقيا في الغابة، وقال: أيتها الوحوش والحشرات، ادخلي جحوركِ فإنّا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جئنا نفتح الدنيا.
فلماذا نخاف الموت والله يقول: قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ[التوبة:52] هكذا ربانا رسول الهدى عليه الصلاة والسلام.
رسول الهدى بستانك اليوم أخضر وذكراك عصفور من القلب ينقر |
أتسأل عن أعمارنا أنت عمرنا وأنت لنا التاريخ أنت المحذر |
تذوب شخوص الناس في كل لحظة وفي كل يوم أنت في القلب تكبر |
يقول أحد الشجعان في إحدى المعارك:
لترم بي المنايا حيث شاءت إذا لم ترم بي في الحفرتين |
الطرماح بن حكيم ، وهو أحد الصحابة، كان يبتهل إلى الله -يوم أن كانت الأمة تصدر من الإيمان، يوم أن كانت تشرب ماء زمزم، يوم كانت عند الركن والحطيم -يقول:
أيا رب لا تجعل وفاتي إن أتت على شرجع يعلى بخضر المطارف |
ولكن شهيداً ثاوياً في عصابة يصابون في فج من الأرض خائف |
إذا فارقوا أوطانهم فارقوا الردى وساروا إلى موعود ما في المصاحف |
ولكن شهيداً ثاوياً في عصابة يصابون في فج من الأرض خائف |
يقول أحد الصحابة يوم أن رباه رسول الهدى عليه الصلاة والسلام، على بذل النفس في وقت الخطر:
إذا ما فررنا كان أسوا فرارنا صدود الخدود والكرام المناكب |
صدود الخدود والقنا متشاجر ولا تبرح الأقدام عند التضارب |
الأول: طلب الشهادة
أول عامل من عوامل النصر: طلب الشهادة، وتسليم النفس لمن خلقها، وهي وديعة عندك تتحرى لحظة الصفر لتقدمها لمن أودعها، والله سبحانه وتعالى يقول للنفس: ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً [الفجر:28].ولا يرجع الشيء إلا بلبيك، فبدأت من الله ولا تعود إلا إلى الله، والله يقول في صك المعاهدة الذي وقع عليه أهل بدر وأحد ، وأهل الأحزاب، والقادسية واليرموك : إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ[التوبة:111].
وفي صحيح البخاري أن رسول الهدى عليه الصلاة والسلام يقول وقد شرفه الله بالرسالة أعظم من الشهادة، يقول: {والذي نفسي بيده، لوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل، ثم أحيا ثم أقتل، ثم أحيا ثم أقتل } ولذلك قادهم وفتح المستعمرات والقلاع، وخطب أصحابه على منابر الأندلس ، وصلوا إلى السند ، وذهبوا إلى بخارى ، محمد عليه الصلاة والسلام هو واجهة الأمة.
هذا الرجل العظيم بأبي هو وأمي، يأتي في معركة بدر فيقود المعركة بنفسه، ويحضر أحداً فيتدرع بدرعيه، ويقاتل، ويقول الله سبحانه وتعالى له ليكون قدوة للأمة في الشجاعة والمحاربة: فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ[النساء:84] يفر بعض أصحابه وجيشه في غزوة حنين وهو في خط النار -في الخط الأول- فلا يفر، بل يستل السيف وينزل من على البغلة، ويقول: أنا النبي لا كذب أنا بن عبد المطلب .
فحياه أحد شعراء العروبة ولو أنه قومي، لكن هزته شجاعة الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال:
أنت الشجاع إذا لقيت كتيبة أدبت في هول الردى أبطالها |
وإذا وعدت وفيت فيما قلته لا من يكذب قولها أفعالها |
يقول علي بن أبي طالب وهو من أشجع الناس، لكن شجاعته تلاشت في شجاعة الشيخ الكبير والأستاذ الجليل، يقول: [[كنا إذا اشتد بنا الخطر وحمي ا****س، اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أقربنا من القوم والحرب ]] ولذلك تربت الأمة على الشجاعة، ودلفت كتائبه إلى نهر دجلة والفرات والنيل تبايع الله وتفتح الدنيا بلا إله إلا الله، وأصبح الصحابي الواحد منهم يكبر فينصدع الإيوان ، وينهدم القصر، وتنفتح القلعة.
تعال يا من حاله في وبال وروحه مغروسة في عقال |
يا راقداً لم يستفق عندما أذن في صبح الليالي بلال |
روض النـبي المصطفى وارفٌ أزهاره فاحت بريا الجمال |
معاذ بن عفراء يدخل المعركة وهو في الخامسة عشرة يقول: أين أبو جهل ؟ قالوا: ذاك، فلما بدأ الهجوم، وأعلنت حالة الطوارئ، وبدأ السيف يقطر من الدماء، انطلق هو وأخوه على أبي جهل فجعلوه شذر مذر، ويعود بسيفه لا طائشاً ولا رعديداً ولا جباناً، ويقول: يا رسول الله! أنا قتلته، ويقول أخوه: أنا قتلته، فيتبسم القائد العظيم، ويحيى الجيل الخالد، جيل القرآن، ويقول: {كلاكما قتله }.
متى كانت هذه الأمة أمة ساقطة تخاف الموت، أمة ترى في المنام الموت وهي تود أنها بـالأعراب، أو تجد مغارة أو مدخلاً تولي عن نفوس المستعمر، أو عن اليهودي، أو عن الماركسي؟ متى كانت كذلك إلا يوم أبطلت طلب الشهادة.
خرج ابن رواحة من مسجده عليه الصلاة والسلام يقاتل في مؤتة ، فقال الصحابة: يعود إلينا ابن رواحة بالسلامة، قال: لا.
لا يريد السلامة، ما خلق إلا ليقتل، وما رفع الرأس فوق الرقبة إلا لينسف، لكن في سبيل الله، أبناء شامير وأبناء ديكسمان ، يقتلون في سيناء تحت الدبابات المصرية من أجل راية النمرود .
البلاشفة الحمر يقتلون في أفغانستان من أجل راية لينين واستالين .
وأنتم أحفاد صلاح الدين ! وطارق بن زياد ، ومحمود بن سبكتين ! فيقول ابن رواحة :
لكنني أسأل الرحمن مغفرة وطعنة ذات فرع تقذف الزبدا |
حتى يقال إذا مروا على جدثي يا أرشد الله من غاز وقد رشدا |
علي بن أبي طالب يأتي في صفين ، فيتبسم لما رأى قرينه يبارزه، فوضع الدرع من على جنبه، يعني من الشجاعة، يقول: أبارزك وأنت عندك درع وأنا بلا درع، ثم يقول:
أي يومي من الموت أفر يوم لا يقدر أم يوم قدر |
يوم لا قدر لا أرهبه ومن المقدور لا ينجو الحذر |
لقد ذهب الحمار بأم عمرو فلا رجعت ولا رجع الحمار |
فطلب الشهادة إذا رسخ في الأمة، وأصبح يعيش معها في أدمغتها، وتفكيرها، ومشاعرها، أصبحت أمة شجاعة، لا تخاف، ولا تجزع ولا تخرج إلى البوادي، لا تتدثر بالألحفة والأغطية، لأنها أمة سلاح.