الإيجابية يا شباب
محمد السيد عبد الرازق
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
في
يوم من الأيام، أراد أحد الآباء أن يُعلِّم ابنه الوحيد كيف يواجه مشاكل
الحياة وصعابها، فما كان منه إلا أن اصطحبه إلى المطبخ ـ وكان يعمل طبَّاخًا ـ ثم ملأ ثلاث أوانٍ بالماء، وأشعل تحتها النار، وسرعان ما بدأ الماء في الغليان.
وفيمحمد السيد عبد الرازق
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
في
يوم من الأيام، أراد أحد الآباء أن يُعلِّم ابنه الوحيد كيف يواجه مشاكل
الحياة وصعابها، فما كان منه إلا أن اصطحبه إلى المطبخ ـ وكان يعمل طبَّاخًا ـ ثم ملأ ثلاث أوانٍ بالماء، وأشعل تحتها النار، وسرعان ما بدأ الماء في الغليان.
تلك الأثناء، قام الأب بإحضار جزرة وبيضة وبعض القهوة المطحونة "البن"، ثم
وضع الجزرة في الإناء الأول، والبيضة في الثاني، وحبات البن في الثالث.
وأخذ
ينتظر أن تنضج هذه الأصناف الثلاثة، وهو صامت تمامًا، بينما بدأ صبر ابنه
الشاب ينفد، وهو لا يدري ماذا يريد أبوه؟! ثم نظر إلى ابنه وقال: يا عزيزي،
ماذا ترى؟ أجاب الابن وقد بدأ صبره ينفد: جزرة وبيضة وقهوة!
ابتسم
أبوه، ثم طلب منه أن يتحسس الجزرة، فلاحظ أنها صارت ناضجة وطرية، ثم طلب
منه أن ينزع قشرة البيضة، فلاحظ أن البيضة باتت صلبة، ثم طلب منه أن يرتشف
بعض القهوة، فابتسم الشاب عندما ذاق نكهة القهوة الغنية.
سأل
الشاب والده وقد نفد صبره بالفعل: ولكن ماذا يعني هذا يا أبي؟! فقال
الوالد وقد ارتسمت على وجهه علامات الجدية: اعلم يا بني أن كلًّا من الجزرة
والبيضة والبن واجه التحدي نفسه، وهو المياه المغلية، ولكن كلًّا منها
تفاعل مع هذا التحدي على نحو مختلف.
لقد
كان الجزر قويًّا وصلبًا، ولكنه ما لبث أن تراخى وضعف، بعد تعرضه للمياه
المغلية، أما البيضة فقد كانت قشرتها الخارجية تحمي سائلها الداخلي، لكن
هذا الداخل ما لبث أن تصلَّب عند تعرضه لحرارة المياه المغلية، أما القهوة
المطحونة فقد كان رد فعلها فريدًا؛ إذ أنها تمكنت من تغيير الماء نفسه.
والآن ماذا عنك؟
هل
أنت الجزرة التي تبدو صلبة، ولكنها عندما تتعرض للتحديات والصعوبات تصبح
رخوة طرية وتفقد قوتها؟ أم أنك البيضة، ذات القلب الرخو، ولكنها إذا ما
واجهت الضغوطات والمشاكل، اشتد عودها وأصبحت قويًّة وصلبة؟ أم أنك مثل البن
المطحون، الذي يُغيِّر الماء الساخن "الضغوطات والتحديات" بحيث يجعله ذا
طعم أفضل؟!
قد تبدو لك البيضة ـ عزيزي الشاب ـ نموذجًا سليمًا للتعامل مع الصعوبات، ولكن بقليل من التفكير يتضح لك عكس ذلك.
فالبيضة
مع زيادة الضغوطات عليها لا تستطيع الاستمرار في الصمود، ومن ثَم تتحطم
القشرة وينهار قلبها الصلب تحت وطأة هذه الضغوطات؛ وليس ذلك إلا لأنها
تتعامل مع الصعوبات باستراتيجية رد الفعل، ولم تحاول أن تقفز قفزة خارج
الإطار المعتاد، وتُغيِّر هي تلك الصعوبات، وتتخذ منها موقفًا إيجابيًّا،
وتحولها إلى مصدر للسعادة، ولكنها اكتفت فقط بأن تلعب دور حائط الصد الذي
يتلقى الضربات بصلابة وقوة، ولكنها صلابة تنتهي ولو بعد حين.
إما
إذا كنت مثل البن المطحون؛ فإنك تجعل الأشياء من حولك أفضل دائمًا، ومن
ثَم تتفاعل معها بصورة إيجابية، وكلما زادت الضغوطات لم يزدك ذلك إلا عزمًا
وتصميمًا على تجاوزها، وتحويلها إلى ما ينفعك ويفيدك في عاجل أمرك وآجله.
فكِّر ـ عزيزي الشاب ـ كيف تتعامل مع أمور الحياة كلها، وهل أنت جزرة أم بيضة أم حبة قهوة مطحونة؟
حلقة في سلسلة ذهبية:
يحتاج
المؤمن الفعال أن يتعامل مع المعوقات والعراقيل بإيجابية واقتدار، فلا
تزيده كثرة الضغوط إلا تحركًا نحو هدفه، وسعيًا لتحقيق خطته، تبعًا
لاستراتيجية القهوة الإيجابية، التي تُحوِّل الماء المغلي إلى شراب منعش
لذيذ.
تعرَّف عليها:
ولكن قبل أن يأخذنا بساط هذا المقال في رحلة إلى سماء الإيجابية، لابد من إلقاء الضوء على مفهوم الإيجابية.
فما
نعنيه بكلمة الإيجابية أنها تمثل تلك الطاقة الجبارة، التي تتولد لدى
الشخص وتملأ عليه كيانه؛ ومن ثَم تدفعه للعمل الجاد الدءوب، من أجل الوصول
إلى الهدف، متخطيًّا كل العوائق، ومحطمًا كل الحواجز التي تعترض طريقه.
إن الإيجابية عمل يمنع الكسل، وحيوية تُقصي الخمول، إنها عطاء ليس له حدود، وارتقاء فوق كل السدود، ومبادرة لا تكبلها القيود.
الإيجابية ثورة داخل نفس الإنسان إذا حلت قادت وحَّركت وفجَّرت الطاقات التي بداخله؛ ليبدع وينتج ويقدم عطاء ليس له حدود.
الإيجابية
دافع نفسي واقتناع عقلي وجهد بدني لا يقنع بتنفيذ التكليف، بل يتجاوز إلى
المبادرة في طلبه أو البحث عنه، بل يضيف إلى العمل المتقن روحًا وحيوية،
تعطي للعمل تأثيره وفاعليته، دون أن يخالطه جفاف أو تبرم أو استثقال.
إذًا
فالإيجابية هي الصفة التي تجعل المسلم (مقبلًا على الدنيا بعزيمة وبصر، لا
تخضعه الظروف المحيطة به مهما ساءت، ولا تُصرِّفه وفق هواها، إنه هو الذي
يستفيد منها، ويحتفظ بخصائصه أمامها.
تمامًا
كبذور الأزهار التي تطمر تحت أكوام السبخ، ثم هي تشق الطريق إلى أعلى
مستقبلة ضوء الشمس برائحتها المنعشة، لقد حوَّلت الحمأ المسنون، والماء
الكدر إلى لون بهيج وعطر فواح، إنه بقواه الكامنة وملكاته المدفونة فيه،
والفرص المحدودة والتافهة المتاحة له يستطيع أن يبني حياته من جديد) [جدد حياتك، الشيخ محمد الغزالي، ص(15)، بتصرف يسير].
هل فعلًا نحتاج إلى الإيجابية؟
ربما
يبدو السؤال غريبًا لك عزيزي الشاب، وستقول: بالتأكيد نعم، ولكننا نحتاج
إلى التعرف بعمق وعن قرب على أهمية الإيجابية، وحاجتنا الشديدة إليها.
1. أنت رُبَّان السفينة:
إن
كانت حياتك سفينة، فلابد أن تعلم ـ عزيزي المؤمن الفعال ـ أنك رُبَّانها،
وأنت تجلس دائمًا في قمرة القيادة، ممسكًا بدفتها، محددًا وجهتها، راسمًا
لخطة مسيرتها، ولكن أنى لهذه السفينة أن تمخر عباب التحديات، وتتجاوز
أعاصير المشكلات، دونما وقود يحركها، وهذه الإيجابية تمثل ذلك الوقود.
وإن كنت أنت وحدك رُبَّان سفينة حياتك، فإنك بالتالي ستكون محاسبًا على ما قدمت فيها أمام الله وحدك أيضًا، فكما يقول تعالى: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} [مريم: ٩٥]؛ ولذلك كان مدار الثواب والعقاب هو ما قام به كل إنسان، فيأتي يوم القيامة، {إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا
قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ
الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا} [النبأ: ٤٠]، فيرى آثار عمله في الدنيا.
2. عقيدة ملؤها الإيجابية:
{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: ١١٥]، هكذا استنكر الله عز وجل على هؤلاء
الذين ظنوا أن الإنسان خلق سدى، أو أنه خلق للعبث واللهو والمتعة، بل إن
هذا الدين قد أتى منذ بزوغ فجره لينثر بذور الإيجابية، في أرض الإيمان؛
فأنبتت أشجارًا، أصلها ثابت، وفرعها في السماء.
فخرج من مدرسة الإيجابية صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، وأثمرت تلك الشجرة صحابة عظام، كمثل أبو بكر الصديق رضي الله عنه؛ ففي أول يوم له في الإسلام، يسلم على يديه ستة من العشرة المبشرين بالجنة.
وخرجت لنا من تلك الأرض الطيبة ثمرة أخرى، ألا وهو عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، الذي عرض عليه سعد بن الربيع رضي الله عنه
أن يقاسمه كل ما يملك، ويُطلِّق له إحدى زوجتيه؛ فتعتد فيتزوجها، فأبت
طاقة الإيجابية المتدفقة أن يكون عالة وكَلًّا على مجتمعه، وبدلًا من ذلك
أعلنها صريحة بقوله: (دلني على السوق) [سير أعلام النبلاء، الذهبي، (1/76)].
3. من الأحلام إلى الواقع:
فأهداف الإنسان
هي حبر على ورق، ما لم تتوج بعمل دائب، ومبادرة مستمرة، في سبيل تحويل هذه
الأهداف من أحلام تسبح في فضاء الأوهام إلى واقع يسير على أرض النجاح،
فكما قيل قديمًا: (الحكمة أن تعرف ما الذي تفعله، والمهارة أن تعرف كيف تفعله، والنجاح هو أن تفعله).
ولذا كان وصف الله عز وجل للشخص السلبي المتكاسل وصفًا تنفر منه النفوس؛ يقول تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ
أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى
مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ
وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [النحل: ٧٦].
فصار هذا الكَل
المتكاسل السلبي كالشخص الأبكم، ولعل كلمة الكَل أقسى من كلمة الكسول؛
لأنها تعني أنه ليس كسولًا فحسب، بل هو عبء ثقيل على مجتمعه، ولم يكن فقط عبء
ببطالته وتوقفه عن السعي في حركة الحياة، بل جعله الله عز وجل شخصًا
عاجزًا عن فعل أي خير، أو تقديم أي نفع؛ لأن أقصى ما يقدمه لنفسه ولمجتمعه
الكلام الكثير والفعل القليل.
4. سر الحضارة:
فلو كانت الحضارة نهرًا جاريًا، فإن منبع ذلك النهار هو الإيجابية والفعالية؛ وذلك لأن (المتتبع
للحضارة الإنسانية، يجد الإبداع الفردي والإيجابية الذاتية هما منبع
الأفكار المتميزة، وبداية الآفاق الحضارية، فمنذ فجر التاريخ كانت
الاختراعات والابتكارات فردية، ابتداءً من صناعة العجلة، وحتى الطباعة،
والتلغراف، والمصباح،وأشباه ذلك) [الإيجابية في حياة الدعاة، د.عبد الله يوسف الحسن، ص(7)].
وليس
ذلك مقصورًا على حضارات الأمس، بل هو أمر واضح وظاهر حتى في حاضرنا، فإن
(الناظر المستقرئ لمدنية اليوم، يظن أنها نتاج حكومات ومؤسسات، إلا أن
المتتبع لها، ولبداياتها يعلم أنها ابتدأت بمحاولات فردية، فكثير مما
نشاهده من شركات أو مؤسسات بدأت بزمام مبادرات فردية، تطورت مع الأيام إلى
جماعية) [الإيجابية في حياة الدعاة، د.عبد الله يوسف الحسن، ص(7)].
ماذا بعد؟
ـ اجلس مع نفسك، وقم بوضع مميزات شخصيتك التي حباها الله لك، واختار المجال الذي تميل إليه ويلاءم شخصيتك.
المصادر:
· الإيجابية في حياة الدعاة، د.عبد الله يوسف الحسن.
· سير أعلام النبلاء، الذهبي.
· جدد حياتك، الشيخ محمد الغزالي.
وضع الجزرة في الإناء الأول، والبيضة في الثاني، وحبات البن في الثالث.
وأخذ
ينتظر أن تنضج هذه الأصناف الثلاثة، وهو صامت تمامًا، بينما بدأ صبر ابنه
الشاب ينفد، وهو لا يدري ماذا يريد أبوه؟! ثم نظر إلى ابنه وقال: يا عزيزي،
ماذا ترى؟ أجاب الابن وقد بدأ صبره ينفد: جزرة وبيضة وقهوة!
ابتسم
أبوه، ثم طلب منه أن يتحسس الجزرة، فلاحظ أنها صارت ناضجة وطرية، ثم طلب
منه أن ينزع قشرة البيضة، فلاحظ أن البيضة باتت صلبة، ثم طلب منه أن يرتشف
بعض القهوة، فابتسم الشاب عندما ذاق نكهة القهوة الغنية.
سأل
الشاب والده وقد نفد صبره بالفعل: ولكن ماذا يعني هذا يا أبي؟! فقال
الوالد وقد ارتسمت على وجهه علامات الجدية: اعلم يا بني أن كلًّا من الجزرة
والبيضة والبن واجه التحدي نفسه، وهو المياه المغلية، ولكن كلًّا منها
تفاعل مع هذا التحدي على نحو مختلف.
لقد
كان الجزر قويًّا وصلبًا، ولكنه ما لبث أن تراخى وضعف، بعد تعرضه للمياه
المغلية، أما البيضة فقد كانت قشرتها الخارجية تحمي سائلها الداخلي، لكن
هذا الداخل ما لبث أن تصلَّب عند تعرضه لحرارة المياه المغلية، أما القهوة
المطحونة فقد كان رد فعلها فريدًا؛ إذ أنها تمكنت من تغيير الماء نفسه.
والآن ماذا عنك؟
هل
أنت الجزرة التي تبدو صلبة، ولكنها عندما تتعرض للتحديات والصعوبات تصبح
رخوة طرية وتفقد قوتها؟ أم أنك البيضة، ذات القلب الرخو، ولكنها إذا ما
واجهت الضغوطات والمشاكل، اشتد عودها وأصبحت قويًّة وصلبة؟ أم أنك مثل البن
المطحون، الذي يُغيِّر الماء الساخن "الضغوطات والتحديات" بحيث يجعله ذا
طعم أفضل؟!
قد تبدو لك البيضة ـ عزيزي الشاب ـ نموذجًا سليمًا للتعامل مع الصعوبات، ولكن بقليل من التفكير يتضح لك عكس ذلك.
فالبيضة
مع زيادة الضغوطات عليها لا تستطيع الاستمرار في الصمود، ومن ثَم تتحطم
القشرة وينهار قلبها الصلب تحت وطأة هذه الضغوطات؛ وليس ذلك إلا لأنها
تتعامل مع الصعوبات باستراتيجية رد الفعل، ولم تحاول أن تقفز قفزة خارج
الإطار المعتاد، وتُغيِّر هي تلك الصعوبات، وتتخذ منها موقفًا إيجابيًّا،
وتحولها إلى مصدر للسعادة، ولكنها اكتفت فقط بأن تلعب دور حائط الصد الذي
يتلقى الضربات بصلابة وقوة، ولكنها صلابة تنتهي ولو بعد حين.
إما
إذا كنت مثل البن المطحون؛ فإنك تجعل الأشياء من حولك أفضل دائمًا، ومن
ثَم تتفاعل معها بصورة إيجابية، وكلما زادت الضغوطات لم يزدك ذلك إلا عزمًا
وتصميمًا على تجاوزها، وتحويلها إلى ما ينفعك ويفيدك في عاجل أمرك وآجله.
فكِّر ـ عزيزي الشاب ـ كيف تتعامل مع أمور الحياة كلها، وهل أنت جزرة أم بيضة أم حبة قهوة مطحونة؟
حلقة في سلسلة ذهبية:
يحتاج
المؤمن الفعال أن يتعامل مع المعوقات والعراقيل بإيجابية واقتدار، فلا
تزيده كثرة الضغوط إلا تحركًا نحو هدفه، وسعيًا لتحقيق خطته، تبعًا
لاستراتيجية القهوة الإيجابية، التي تُحوِّل الماء المغلي إلى شراب منعش
لذيذ.
تعرَّف عليها:
ولكن قبل أن يأخذنا بساط هذا المقال في رحلة إلى سماء الإيجابية، لابد من إلقاء الضوء على مفهوم الإيجابية.
فما
نعنيه بكلمة الإيجابية أنها تمثل تلك الطاقة الجبارة، التي تتولد لدى
الشخص وتملأ عليه كيانه؛ ومن ثَم تدفعه للعمل الجاد الدءوب، من أجل الوصول
إلى الهدف، متخطيًّا كل العوائق، ومحطمًا كل الحواجز التي تعترض طريقه.
إن الإيجابية عمل يمنع الكسل، وحيوية تُقصي الخمول، إنها عطاء ليس له حدود، وارتقاء فوق كل السدود، ومبادرة لا تكبلها القيود.
الإيجابية ثورة داخل نفس الإنسان إذا حلت قادت وحَّركت وفجَّرت الطاقات التي بداخله؛ ليبدع وينتج ويقدم عطاء ليس له حدود.
الإيجابية
دافع نفسي واقتناع عقلي وجهد بدني لا يقنع بتنفيذ التكليف، بل يتجاوز إلى
المبادرة في طلبه أو البحث عنه، بل يضيف إلى العمل المتقن روحًا وحيوية،
تعطي للعمل تأثيره وفاعليته، دون أن يخالطه جفاف أو تبرم أو استثقال.
إذًا
فالإيجابية هي الصفة التي تجعل المسلم (مقبلًا على الدنيا بعزيمة وبصر، لا
تخضعه الظروف المحيطة به مهما ساءت، ولا تُصرِّفه وفق هواها، إنه هو الذي
يستفيد منها، ويحتفظ بخصائصه أمامها.
تمامًا
كبذور الأزهار التي تطمر تحت أكوام السبخ، ثم هي تشق الطريق إلى أعلى
مستقبلة ضوء الشمس برائحتها المنعشة، لقد حوَّلت الحمأ المسنون، والماء
الكدر إلى لون بهيج وعطر فواح، إنه بقواه الكامنة وملكاته المدفونة فيه،
والفرص المحدودة والتافهة المتاحة له يستطيع أن يبني حياته من جديد) [جدد حياتك، الشيخ محمد الغزالي، ص(15)، بتصرف يسير].
هل فعلًا نحتاج إلى الإيجابية؟
ربما
يبدو السؤال غريبًا لك عزيزي الشاب، وستقول: بالتأكيد نعم، ولكننا نحتاج
إلى التعرف بعمق وعن قرب على أهمية الإيجابية، وحاجتنا الشديدة إليها.
1. أنت رُبَّان السفينة:
إن
كانت حياتك سفينة، فلابد أن تعلم ـ عزيزي المؤمن الفعال ـ أنك رُبَّانها،
وأنت تجلس دائمًا في قمرة القيادة، ممسكًا بدفتها، محددًا وجهتها، راسمًا
لخطة مسيرتها، ولكن أنى لهذه السفينة أن تمخر عباب التحديات، وتتجاوز
أعاصير المشكلات، دونما وقود يحركها، وهذه الإيجابية تمثل ذلك الوقود.
وإن كنت أنت وحدك رُبَّان سفينة حياتك، فإنك بالتالي ستكون محاسبًا على ما قدمت فيها أمام الله وحدك أيضًا، فكما يقول تعالى: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} [مريم: ٩٥]؛ ولذلك كان مدار الثواب والعقاب هو ما قام به كل إنسان، فيأتي يوم القيامة، {إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا
قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ
الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا} [النبأ: ٤٠]، فيرى آثار عمله في الدنيا.
2. عقيدة ملؤها الإيجابية:
{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: ١١٥]، هكذا استنكر الله عز وجل على هؤلاء
الذين ظنوا أن الإنسان خلق سدى، أو أنه خلق للعبث واللهو والمتعة، بل إن
هذا الدين قد أتى منذ بزوغ فجره لينثر بذور الإيجابية، في أرض الإيمان؛
فأنبتت أشجارًا، أصلها ثابت، وفرعها في السماء.
فخرج من مدرسة الإيجابية صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، وأثمرت تلك الشجرة صحابة عظام، كمثل أبو بكر الصديق رضي الله عنه؛ ففي أول يوم له في الإسلام، يسلم على يديه ستة من العشرة المبشرين بالجنة.
وخرجت لنا من تلك الأرض الطيبة ثمرة أخرى، ألا وهو عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، الذي عرض عليه سعد بن الربيع رضي الله عنه
أن يقاسمه كل ما يملك، ويُطلِّق له إحدى زوجتيه؛ فتعتد فيتزوجها، فأبت
طاقة الإيجابية المتدفقة أن يكون عالة وكَلًّا على مجتمعه، وبدلًا من ذلك
أعلنها صريحة بقوله: (دلني على السوق) [سير أعلام النبلاء، الذهبي، (1/76)].
3. من الأحلام إلى الواقع:
فأهداف الإنسان
هي حبر على ورق، ما لم تتوج بعمل دائب، ومبادرة مستمرة، في سبيل تحويل هذه
الأهداف من أحلام تسبح في فضاء الأوهام إلى واقع يسير على أرض النجاح،
فكما قيل قديمًا: (الحكمة أن تعرف ما الذي تفعله، والمهارة أن تعرف كيف تفعله، والنجاح هو أن تفعله).
ولذا كان وصف الله عز وجل للشخص السلبي المتكاسل وصفًا تنفر منه النفوس؛ يقول تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ
أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى
مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ
وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [النحل: ٧٦].
فصار هذا الكَل
المتكاسل السلبي كالشخص الأبكم، ولعل كلمة الكَل أقسى من كلمة الكسول؛
لأنها تعني أنه ليس كسولًا فحسب، بل هو عبء ثقيل على مجتمعه، ولم يكن فقط عبء
ببطالته وتوقفه عن السعي في حركة الحياة، بل جعله الله عز وجل شخصًا
عاجزًا عن فعل أي خير، أو تقديم أي نفع؛ لأن أقصى ما يقدمه لنفسه ولمجتمعه
الكلام الكثير والفعل القليل.
4. سر الحضارة:
فلو كانت الحضارة نهرًا جاريًا، فإن منبع ذلك النهار هو الإيجابية والفعالية؛ وذلك لأن (المتتبع
للحضارة الإنسانية، يجد الإبداع الفردي والإيجابية الذاتية هما منبع
الأفكار المتميزة، وبداية الآفاق الحضارية، فمنذ فجر التاريخ كانت
الاختراعات والابتكارات فردية، ابتداءً من صناعة العجلة، وحتى الطباعة،
والتلغراف، والمصباح،وأشباه ذلك) [الإيجابية في حياة الدعاة، د.عبد الله يوسف الحسن، ص(7)].
وليس
ذلك مقصورًا على حضارات الأمس، بل هو أمر واضح وظاهر حتى في حاضرنا، فإن
(الناظر المستقرئ لمدنية اليوم، يظن أنها نتاج حكومات ومؤسسات، إلا أن
المتتبع لها، ولبداياتها يعلم أنها ابتدأت بمحاولات فردية، فكثير مما
نشاهده من شركات أو مؤسسات بدأت بزمام مبادرات فردية، تطورت مع الأيام إلى
جماعية) [الإيجابية في حياة الدعاة، د.عبد الله يوسف الحسن، ص(7)].
ماذا بعد؟
ـ اجلس مع نفسك، وقم بوضع مميزات شخصيتك التي حباها الله لك، واختار المجال الذي تميل إليه ويلاءم شخصيتك.
المصادر:
· الإيجابية في حياة الدعاة، د.عبد الله يوسف الحسن.
· سير أعلام النبلاء، الذهبي.
· جدد حياتك، الشيخ محمد الغزالي.