من كتابات
الأدباء في التعارف قبل اللقاء
"كتب أبو منصور التيسابوري المتوفي سنة 429ه?"
نحن في الظاهر على
افتراق وفي الباطن على تلاق نحن نتناجى بالضمائر ونتخاطب بالسرائر إذا حصل القرب
بالإخلاص لم يضر البعد بالأشخاص أنا أناجيك بخواطر قلبي وإن كان قد غاب شخصك عني
إن أخطأتك يدي بالمكاتبة ناجاك سري بالمواصلة رب غائب بشخصه حاضر بخلوص نفسه إن
تراخى الالقاء فإننا نتلاقى على البعاد ونتلافى نظر العين بالفؤاد.
"وكتب أيضاً"
أنا أشتاقك كما تشتاق الجنان وإن لم تتقدم لها العينان أنا وإن كنت ممن لا يسعد
بلقائك فقد اشتمل علي الأنس ببقائك والشوق إلى محاسنك التي سارت أخبارها ولاحت
آثارها لازالت الأيام تكشف لي من فضلك والأخبار تعرض علي من عقلك ما يشوقني إليك
وإن لم أراك ويزيدني رغبة في ودك وقد سمعت خبرك.
"وكتب
الشيخ حمزة فتح الله المتوفي سنة 1335ه?"
كما أن شغف الجنان
بالحسن والإحسان تكون داعيته المشاهدة وتسريح الأنظار في محيا الكمال ومجلتي
الجمال فترى العين من تلك الغرة ما يملؤها قرة فكذلك السماع يستدعي هذا الشغف
فيتأثر الفؤاد بما يشنف الأذن مما تهديه إليه طرائف الأخبار حتى كأن حاستي السمع
والبصر في ذلك صنوان بل أخوان في هيكل هذا الجثمان وقد يعلن السيد أطال الله بقاءه
وأدام ارتقاءه أن ذلك الأمر (أي الشغف بالسماع) ليس بالحديث العهد ولا القريب
الجدة بل هو أمر عرف قديماً أن يهدي السماع إلى سويداء القلب لاعج الحب سعره من
الأنباء عرف شميم فتهيم بمجرد استنشاق ذلك الشميم حتى يقول الشاعر العربي (والأذن
تعشق قبل العين أحياناً) أجل والقدوة في هذا المعنى والأس لذلك المبني قوله (:
"إني لأشم نفس الرحمن من قبل اليمن" لما أملته العناية الربانية والملك
الروحاني على قلبه الشريف من نبأ القرني أويس ولم يكن رآه بعد.
الأوان محاسن السيد الأجل لما سارت بها الركبان وأثنى عليها كل لسان ما بين أخلاق
أبهى من الروض النضير وأعراق أشهى من عذيب النمير قد احتلت من فؤادي لا أقول
منزلاً رحيباً ولا وادياً خصيباً بل منزله شماء ودارة علياء وأوجاً بطوالعها
السعيدة يسعد ويلوح بها من ذكراه كل حين فرقد فلم أنشب أن قدمت كتابي هذا لمولاي
بين يدي اللقاء عله أن يسمح به الزمان وتسفر عنه الليالي والأيام ليتاح لي ري
الفؤاد بما أرويه من حديث زيد الخيل الذي سماه رسول الله ( زيد الخير وقال له ما
وصف لي أحد فرأيته إلا وجدته دون ما وصف لي سواك وإن فيك خصلتين يحبهما الله
(الحلم والأناة) مقتدياً بالإمام محمود جار الله في تقديم هذا الحديث الشريف على
ما أنشده إياها الشريف بن الشجري أول ما لقيه وكانا قد تحابا بالسماع.
كانت مساءلةُ الرُّكبان تخبرنا
عن جابر بن رباحِ أطيبَ الخبرِ
حتى اجتمعنا فلا والله ما سمعت
أذني بأحسن مما قد رأى بصري
"وكتب
حفني بك ناصيف المتوفي سنة 1337ه?"
يعلم الله ما عندي من الشوق إلى لقاء السيد وإن لم يكتحل بإثمد محاسنه النظر
والشغف بسماع الحديث منه كما سمعته عنه فقد سبقت ذكرى محاسنه إلى السمع ووصل خبر
لطائفة إلى النفس. وما المرء إلا ذكره ومآثره. وحسدت العين عليه الأذن وودت لو
أنها السابقة إلى اجتلاء رقائقه وشهود حقائقه.
فللعين عشق مثل ما يعشق السمع. لا جرم أن ما تعارف من الأرواح ائتلف وما تناكر
منها كما قيل اختلف. ونحن وإن بعدت بيننا الشقة ولم يسبق لنا باللقاء عهد فلحمة
الدب تجمعنا ووحدة الوجهة تضمنا ولحمة الأدب أقوى من لحمة النسب وجامعة الوجهة فوق
اجتماع الوجوه وقد رأيت أن أزدلف إليك بالمكاتبة وأترسل إلى شرف التعرف بالمراسلة
حتى إذا لم يبق في الصبر على الافتراق مسكة ولبى الجسم دعوة الروح فاندفع إلى طلب
الاجتماع أكون قد مهدت له سبيلاً ووطأت له طريقاً فلا تبهرني فرحة اللقيا ولا
يغرني طرب الظفر "فمن فرح النفس ما يقتل ومن نشوة الراح ما يزهق
الأرواح" فإن رأى السيد أن يكاتب عبده ويعتقه من رق الفرقة عجل بجواب هذا
الكتاب ليعلم العبد أن نميقته صادفت قبولاً وأن وسيلته اتخذت لي سيده سبيلاً قرب
الله زمن اللقا وقصر أمد النوى حتى أنشد في الختام.
تطابقَ الخبرُ في علياك والخبرُ ***وصدّقَ السمعَ في أوصافكَ البصرُ
"وكتب أحمد أفندي سمير المتوفي سنة 1329ه?"
يعلم سيدي أن المودة لا
تباع ولا تشترى وإنما هي نتيجة الاجتماع والتعارف وقد خلق الإنسان مضطراً إليهما
لأن انتظام العمران عليهما موقوف ولهذا شهد العيان بأن المنفرد بأعماله المستبد
بآرائه عرضة للخطأ مظنة لعدم الثقة: بخلاف ما إذا كان الاشتراك في الفكر قاعدة
للعمل فلا بد أن الصواب يتمحض منه لضعف التفرد وقوة الاجتماع إذ لا جرم أن المرء
كما قيل: "قليل بنفسه كثير بإخوانه" وقد سمعت عن السيد وقرأت من آثاره
المأثورة ما حببه إلي وشاقتي للتعرف به لتشترك في منفعة تبادل الأفكار فإني لا أكتفي
بمجرد السماع ولا أقول: "إن الأذن تعشق قبل العين" فإنما هي جارحة صغيرة
ولكن كلي ميال إليه محب لاستجلاء مرآه عالم إني غذ دخلت إلى مودته من باب التلاقي
لا أجد دهري.
يقرّب منّي كلَّ شخصٍ كرهنهً ***ويبعدُ عنّي منْ إليه أميل
فإن لم يتيسر أن يراني أو أراه فليسعدني ببضعة أسطر تضمن لي رضاه عن هذه المعرفة
الترسلية لنتراءى بأعين الطروس قبل أعين الرؤوس ونتجاذب أحاديث المراسلة إن عزت
المقابلة وقد وقفت عليه خالص ودي واخترته من بين رجال العصر سعيا لكسب المعالي
بمعرفته (كُلّ امْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ) [الطور: 21] (لّيْسَ لِلإِنسَانِ
إِلاّ مَا سَعَىَ) [النجم: 39].
عن المرء لا تسألْ وسلْ عن قرينه ***** فكلُّ قرين بالمقارنِ يقتدي
"وكتب الشيخ أحمد مفتاح المتوفي سنة 1329ه?"
لم أكن فيما أكتبه لك
إلا سارياً في ليل التعارف على ضياء خلالك التي أملاها علي لسان المدح الذي شرق
وغرب الأرض صيته وإني وإن لم أكن أسعدت من قبل باجتلاء طلعتك الزاهرة واجتناء
مفاكهتك الغضة فقد دلني على الليث زئيره وعلى البحر خريره وعلى العقل أثره وعلى
السيف إثره ولئن لم تجمعنا لحمة النسب فقد جمعتنا حرفة الأدب أو لم يضمنا قبل مصيف
ومرتبع فالطيور على أشكالها تقع وشبه الشيء منجذب إليه وأخو الفضائل هو المعول
عليه: وهذه الرقعة وإن وصفت لك بعض ما أنا مطوي عليه من التهافت على رؤيتك والميل
إلى صداقتك فقلما تنوب عن المشابهة أو تقضي حاجات في النفس طالما تردد صداها: زفي
ظني أن سيدي يود ما أوده وعما قليل يسفر صبح اللقاء ونتجاذب أهداب المعرفة: ورأى
من سيدي فوق ما توسمته وسمعته ويرى مني ما يرضيه والسلام.
"وكتب الشيخ طه محمود المتوفي سنة 1325ه?"
أيها السيد العزيز
الجناب الغزير الآداب، قد علمت ولا أزيدك علماً زادك الله ولا نقصك أن الإنسان كما
اشتق اسمه من الأنس كذلك جبل عليه مسماه وأن المجتمع الإنساني عقد يتحلى به صدر
الزمان نظامه التآلف وواسطته التعارف: فهذان الأمران هما قطب المدار في هذه الدار
لهذا العالم من لدن آدم وليس إلا بهما يحسن الحال وينعم البال وتدر ضروع المنافع
وتتفجر عيون الفوائد ومن ثم كان أوفر الناس حظاً من مغنم الإنسانية من يألف ولا
خير فيمن لا ولا ناهيك بخلق امتن الله به على عباده إذ قال عز من قائل:
(وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوَاْ) [الحجرات: 13].
ذلك "أيها السيد" هو الذي بعثني أن اكتب إليك أستفتح باب مودتك بمفتاح
الترسل وأستصبح في سبيل صحبتك بمصباح التوسل لا أبالي بما ينسب إلي وينتقم علي ممن
عسى أن يقول مالك ولهذا الفضول وكيف تتطفل على مأدبة أديبة لم تدع إليها وهل هذا
منك إلا أشبه بالتبرج لغير خاطب: أيها المنتقد هون عليك ما تجد فلو علمت أن ظل
الآداب شامل ودعوة المودة الجفلى لا يذاد عنها وأغل لأسرعت معي إلى الوغول ولم تر
في التودد إلى أهل الفضل من فضول وأي عيب على النكرة في التحلي بحلية المعرفة
ومصاحبة الأعلام أما سمعت قول القائل:
بصحبتكَ الكرامَ تعدُّ منهم
وتأمنُ من ملمّات الزّمان
وكيف أضع نفسي بحيث يقول الأول:
دعِ المكارمَ لا ترحلْ لبغيتها
واقعد فإنك أنت الطاعمُ الكاسيوشتان ما
بين الرجلين رجل يهوى المكارم وبينها ويبتغي المناقب وذويها ويقف نفسه على مسألة
يعلمها وفضيلة يتحلى بها.
وآخر يبذل وجهه المصون في ملء الحقائب والبطون.
هذا: وقد رجوت أن أكون الرجل الأول بصحبتك "أيها السيد" فكم روى لنا من
أحاديث فضائلك للصحاح وتلى علينا من آيات شمائلك الحسان ما أشخص إليك القلوب قبل
قوالبها وأوفد عليك الأرواح قبل أشباحها وأعجلني أن أكتب إليك بهذا الرقيم ألتمس
بالتعرف إلى جنابك الكريم ما ألتمس الكليم من صحبة ذي الوجه النضر أبي العباس
الخضر وإني وإن كنت والحمد لله ممن آمنوا بالغيب وليس عندي في صدق هذه الآيات مرية
ولا ريب: بيد أن للصحبة فضلاً لا ينكر وللمؤاخاة مزية لا يتمارى فيها اثنان.
فإذا ورد على السيد كتابي هذا وانشرح صدره "شرح الله صدره" إلى إجابة
سؤلي وارتاحت نفسه إلى اصطناعي كتب إلى عبده بما يكون آية جلية على ارتياحه لتحقيق
هذه الأمنية.
حتى أقول لوجه آمالي ابتهجْ
لأولّينّك قبلةً لاترضاها
"وكتب الأستاذ محمود بك أبو النصر"
لإنسان العين وعين الإنسان: المودة "وصل الله بأجفان الأشواق أهدابها وفتح
لنا أبوابها" أمر عزيز المرتقى على من يصطفى صديقه ويرعى حقوقه وإني اصطفيتك
على الناس برسالتي هذه وعهدي بكرم سجاياك أن تصافحها براحة القبول وتتخذها فاتحة
ود طارت إليك رياح فضلك بعدما مثلت آياته لك في القلوب معنى ظهرت في مرآه الأعين
صورته.
فإن أبيت ودادي غيرَ مكترثٍ
فعنكَ ما دمتُ حيَّا لا أرى بدلا
وحاشاك عن مثل ذلك الإباء ونحن وإن لم تحظ أشباحنا باللقاء فأرواحنا من قبل جنود
وأعيننا شهود فإن أنت منحتني ولاء خالصاُ وإخاءً صادقاً (وإلا فهبني أمراً هالكاً)
ولا إخالك ترضاه وإن كنت المتطفل على مائدة مودتك فلي نفس أديب لا ترى العز زإلا
في الترامي على ذرا الكمال لازلت على مرقى الجلال والسلام.
"وكتب الفاضل السيد محمد الببلاوي"
سيدي إن مكارم الأخلاق
ومعالي الهمم مما تسترق القلوب وتسترق العقول وتمتلك الأرواح وإن لم تتلاق الأشباح
فإني مذ سرى إلي النسيم بأخلاقكم الغراء وابتسم لي ثغر هذا العصر عن آثاركم
الزهراء وتواترت الأخبار بحبكم للفضل وأهله وارتياحكم للعلم وذويه وأنا مشغوف
الفؤاد بالتعرف بسيادتكم مشغول البال بالتوسل إلى رياض مودتكم ولعلمي أن للصداقة
حقوقاً وللمصاحبة شروطاً ربما صعبت على من حاولها وعزت على من أراد الوفاء بها كنت
أرى الوحدة أولى والانفراد بي أسلم ولكن ما زلت تنمي إلى أحاسن شمائلكم المشرفة
وتتوارد على مسامعي محاسن سيركم المطهرة فينمو الوجد ويزداد الشوق "والأذن
تعشق قبل العين أحياناً" وما كنت أجد سبيلاً للتعرف ولا سبباً للتودد ولا
متجسر نفسي على المراسلة ابتداء إلى أن رأيت سيدي قد اهتم للأدب فأعلى منارة ونظر
للإنشاء فرفع مقداره ونصر دولته وأحيا صولته وأعاد شبابه وفتح لأدباء هذا العصر
بابه فعلمت أن الدهر قد ساعدني والفرصة قد أمكنتني من مصافحة أملت ومصافات ما أردت
من اجتناء ثمار سيدي والتعرف به والتمسك بأهداب فضائله والتزود من آدابه فإن الأدب
أحسن يستصبح بأنواره وأشرف ما يتسابق لاقتطاف أثماره ويحمد التطفل على موائده
ويمدح التنافس في التقاط فرائد فوائده فجعلت طلب الانتظام في سلك أرباب الأقلام
وسيلة لورود عذب وداده ونمير التعرف به فإن رأى سيدي أن يعد نفس حر في عداد معارفه
ويقابل رسالته بما اشتهر من لطائفه حتى يتمتع بالرؤية الأبصار كما تمتعت المسامع
بطيب الأخبار كنت مديم الشكر لأفضاله مستمر الثناء على كماله.
"وكتب الشيخ عبد الكريم سلمان المتوفي سنة
1336ه?"
أما بعد فهذه أول رسالة
أكتبها إلى من لم تكن لي به جامعة جسمية ولم تضمني وإياه حفلة تعارف شخصية وهي وإن
كانت في عرف غيري تعد هجوماً أو تحس فضولاً إلا أني أعتقد أنها أوفدت على كريم
يكرم وفادتها ويتقبل به ما يهديه إليه من زعيم تحية وجليل إجلال ويجتلي من خلالها
إرادة ود ورجاء ولاء وبغية فضل ورغبة في إخاء فيحلها منه محل القبول ويدرأ عنها
وصمة الفضول: إن لسيدي آثاراً شاهدناها فاستفدناها ومآثر سمعناها فرويناها ولا
مرية في أن ما غاب عنا منها أكثر مما وعينا وأوفى مما سمعنا ونحن والله يعلم طلاب
كمال ومنتجعوا إفضال ورواد وما خصب من فيحاء العلوم وقد توسمنا في السيد أطال الله
بقاه طلبتنا ووجدنا لديه ضالتنا قحثثنا إلى رحابه مطية المكاتبة ولنا أمل كبير في
نوال المأمول لعله يجتح إلى مقابلة المثل بالمثل فيكتب لأخيه بعض كليمات يعرف منها
أنه قبل الإخاء ومال إلى مقتضى طبعه من الوفاء ولا أظن ذلك إلا وقد كان في أقرب ما
يكون من الزمان فإن الأرواح ما تعارف منها ائتلف كما برهنه الأصحاب في معاشرتهم
خلفاً عن سلف.
"وكتب مؤلف هذا الكتاب"
لقد سمعنا بأوصافٍ لكم كملتْ
فسرَّنا ما سمعناهُ وأحيانا
من قبل رؤيتكم نلنا محبّتكم
والأذن تعشقُ قبلَ العين أحياناً
سيدي ومولاي: لقد بلغني عنك في وفائك وفضلك ما يدعوني لخطب ودك ويرغبني في إخائك
ويحببني في التوسل إلى معرفة جنابك وإن لم تجمعنا جامعة شخصية ولم تضمنا حفلة
تعارف ذاتية إلا أن أحاديث فضائلك الصحاح أوفدت عليك الأرواح قبل الأشباح والولاء
والإخلاص قبل الأجسام والأشخاص ولا غرابة في ذلك فإن من سنة الله في خلقه أن يؤلف بين
الأرواح وأمثالها وإن لله ملائكة يسوقون الأشكال إلى أشكالها وشبه الشيء منجذب
إليه وأخو الفضائل هو المعول عليه.
إنّ القلوبَ لأجنادٌ مجنّدةٌ
لله في الأرض بالأهواء تعترفُ
فما تعارفَ منها فهو
مؤتلفٌ=وما تناكرَ منها فهو مختلفُ فلذا اصطفيتك لنفسي واخترتك لمودتي وأنسي
نتناجى بالضمائر ونتخاطب بالسرائر وإن بعدنا في الظاهر فرب غائب بنفسه حاضر بخلوص
نفسه.
فإنْ أبيتَ ودادي غيرَ مكترثٍ
فعنك ما دمت حياً لا أرى بدلا
وحاشاك عن مثل هذا الإباء والهجر والجفاء.
لكلّ امرئ شكلٌ من النّاس مثله
وكلّ امرئ يهوى إلى من يشاكلهُ
ناشدتك الله أن تقبل مني الإخاء وتضمن لي الوفاء وأنا أرضى بك من الدنيا نصيباً
وأختارك من العالمين حبيباً.
المصدر : كتاب جواهر الأدب
الأدباء في التعارف قبل اللقاء
"كتب أبو منصور التيسابوري المتوفي سنة 429ه?"
نحن في الظاهر على
افتراق وفي الباطن على تلاق نحن نتناجى بالضمائر ونتخاطب بالسرائر إذا حصل القرب
بالإخلاص لم يضر البعد بالأشخاص أنا أناجيك بخواطر قلبي وإن كان قد غاب شخصك عني
إن أخطأتك يدي بالمكاتبة ناجاك سري بالمواصلة رب غائب بشخصه حاضر بخلوص نفسه إن
تراخى الالقاء فإننا نتلاقى على البعاد ونتلافى نظر العين بالفؤاد.
"وكتب أيضاً"
أنا أشتاقك كما تشتاق الجنان وإن لم تتقدم لها العينان أنا وإن كنت ممن لا يسعد
بلقائك فقد اشتمل علي الأنس ببقائك والشوق إلى محاسنك التي سارت أخبارها ولاحت
آثارها لازالت الأيام تكشف لي من فضلك والأخبار تعرض علي من عقلك ما يشوقني إليك
وإن لم أراك ويزيدني رغبة في ودك وقد سمعت خبرك.
"وكتب
الشيخ حمزة فتح الله المتوفي سنة 1335ه?"
كما أن شغف الجنان
بالحسن والإحسان تكون داعيته المشاهدة وتسريح الأنظار في محيا الكمال ومجلتي
الجمال فترى العين من تلك الغرة ما يملؤها قرة فكذلك السماع يستدعي هذا الشغف
فيتأثر الفؤاد بما يشنف الأذن مما تهديه إليه طرائف الأخبار حتى كأن حاستي السمع
والبصر في ذلك صنوان بل أخوان في هيكل هذا الجثمان وقد يعلن السيد أطال الله بقاءه
وأدام ارتقاءه أن ذلك الأمر (أي الشغف بالسماع) ليس بالحديث العهد ولا القريب
الجدة بل هو أمر عرف قديماً أن يهدي السماع إلى سويداء القلب لاعج الحب سعره من
الأنباء عرف شميم فتهيم بمجرد استنشاق ذلك الشميم حتى يقول الشاعر العربي (والأذن
تعشق قبل العين أحياناً) أجل والقدوة في هذا المعنى والأس لذلك المبني قوله (:
"إني لأشم نفس الرحمن من قبل اليمن" لما أملته العناية الربانية والملك
الروحاني على قلبه الشريف من نبأ القرني أويس ولم يكن رآه بعد.
الأوان محاسن السيد الأجل لما سارت بها الركبان وأثنى عليها كل لسان ما بين أخلاق
أبهى من الروض النضير وأعراق أشهى من عذيب النمير قد احتلت من فؤادي لا أقول
منزلاً رحيباً ولا وادياً خصيباً بل منزله شماء ودارة علياء وأوجاً بطوالعها
السعيدة يسعد ويلوح بها من ذكراه كل حين فرقد فلم أنشب أن قدمت كتابي هذا لمولاي
بين يدي اللقاء عله أن يسمح به الزمان وتسفر عنه الليالي والأيام ليتاح لي ري
الفؤاد بما أرويه من حديث زيد الخيل الذي سماه رسول الله ( زيد الخير وقال له ما
وصف لي أحد فرأيته إلا وجدته دون ما وصف لي سواك وإن فيك خصلتين يحبهما الله
(الحلم والأناة) مقتدياً بالإمام محمود جار الله في تقديم هذا الحديث الشريف على
ما أنشده إياها الشريف بن الشجري أول ما لقيه وكانا قد تحابا بالسماع.
كانت مساءلةُ الرُّكبان تخبرنا
عن جابر بن رباحِ أطيبَ الخبرِ
حتى اجتمعنا فلا والله ما سمعت
أذني بأحسن مما قد رأى بصري
"وكتب
حفني بك ناصيف المتوفي سنة 1337ه?"
يعلم الله ما عندي من الشوق إلى لقاء السيد وإن لم يكتحل بإثمد محاسنه النظر
والشغف بسماع الحديث منه كما سمعته عنه فقد سبقت ذكرى محاسنه إلى السمع ووصل خبر
لطائفة إلى النفس. وما المرء إلا ذكره ومآثره. وحسدت العين عليه الأذن وودت لو
أنها السابقة إلى اجتلاء رقائقه وشهود حقائقه.
فللعين عشق مثل ما يعشق السمع. لا جرم أن ما تعارف من الأرواح ائتلف وما تناكر
منها كما قيل اختلف. ونحن وإن بعدت بيننا الشقة ولم يسبق لنا باللقاء عهد فلحمة
الدب تجمعنا ووحدة الوجهة تضمنا ولحمة الأدب أقوى من لحمة النسب وجامعة الوجهة فوق
اجتماع الوجوه وقد رأيت أن أزدلف إليك بالمكاتبة وأترسل إلى شرف التعرف بالمراسلة
حتى إذا لم يبق في الصبر على الافتراق مسكة ولبى الجسم دعوة الروح فاندفع إلى طلب
الاجتماع أكون قد مهدت له سبيلاً ووطأت له طريقاً فلا تبهرني فرحة اللقيا ولا
يغرني طرب الظفر "فمن فرح النفس ما يقتل ومن نشوة الراح ما يزهق
الأرواح" فإن رأى السيد أن يكاتب عبده ويعتقه من رق الفرقة عجل بجواب هذا
الكتاب ليعلم العبد أن نميقته صادفت قبولاً وأن وسيلته اتخذت لي سيده سبيلاً قرب
الله زمن اللقا وقصر أمد النوى حتى أنشد في الختام.
تطابقَ الخبرُ في علياك والخبرُ ***وصدّقَ السمعَ في أوصافكَ البصرُ
"وكتب أحمد أفندي سمير المتوفي سنة 1329ه?"
يعلم سيدي أن المودة لا
تباع ولا تشترى وإنما هي نتيجة الاجتماع والتعارف وقد خلق الإنسان مضطراً إليهما
لأن انتظام العمران عليهما موقوف ولهذا شهد العيان بأن المنفرد بأعماله المستبد
بآرائه عرضة للخطأ مظنة لعدم الثقة: بخلاف ما إذا كان الاشتراك في الفكر قاعدة
للعمل فلا بد أن الصواب يتمحض منه لضعف التفرد وقوة الاجتماع إذ لا جرم أن المرء
كما قيل: "قليل بنفسه كثير بإخوانه" وقد سمعت عن السيد وقرأت من آثاره
المأثورة ما حببه إلي وشاقتي للتعرف به لتشترك في منفعة تبادل الأفكار فإني لا أكتفي
بمجرد السماع ولا أقول: "إن الأذن تعشق قبل العين" فإنما هي جارحة صغيرة
ولكن كلي ميال إليه محب لاستجلاء مرآه عالم إني غذ دخلت إلى مودته من باب التلاقي
لا أجد دهري.
يقرّب منّي كلَّ شخصٍ كرهنهً ***ويبعدُ عنّي منْ إليه أميل
فإن لم يتيسر أن يراني أو أراه فليسعدني ببضعة أسطر تضمن لي رضاه عن هذه المعرفة
الترسلية لنتراءى بأعين الطروس قبل أعين الرؤوس ونتجاذب أحاديث المراسلة إن عزت
المقابلة وقد وقفت عليه خالص ودي واخترته من بين رجال العصر سعيا لكسب المعالي
بمعرفته (كُلّ امْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ) [الطور: 21] (لّيْسَ لِلإِنسَانِ
إِلاّ مَا سَعَىَ) [النجم: 39].
عن المرء لا تسألْ وسلْ عن قرينه ***** فكلُّ قرين بالمقارنِ يقتدي
"وكتب الشيخ أحمد مفتاح المتوفي سنة 1329ه?"
لم أكن فيما أكتبه لك
إلا سارياً في ليل التعارف على ضياء خلالك التي أملاها علي لسان المدح الذي شرق
وغرب الأرض صيته وإني وإن لم أكن أسعدت من قبل باجتلاء طلعتك الزاهرة واجتناء
مفاكهتك الغضة فقد دلني على الليث زئيره وعلى البحر خريره وعلى العقل أثره وعلى
السيف إثره ولئن لم تجمعنا لحمة النسب فقد جمعتنا حرفة الأدب أو لم يضمنا قبل مصيف
ومرتبع فالطيور على أشكالها تقع وشبه الشيء منجذب إليه وأخو الفضائل هو المعول
عليه: وهذه الرقعة وإن وصفت لك بعض ما أنا مطوي عليه من التهافت على رؤيتك والميل
إلى صداقتك فقلما تنوب عن المشابهة أو تقضي حاجات في النفس طالما تردد صداها: زفي
ظني أن سيدي يود ما أوده وعما قليل يسفر صبح اللقاء ونتجاذب أهداب المعرفة: ورأى
من سيدي فوق ما توسمته وسمعته ويرى مني ما يرضيه والسلام.
"وكتب الشيخ طه محمود المتوفي سنة 1325ه?"
أيها السيد العزيز
الجناب الغزير الآداب، قد علمت ولا أزيدك علماً زادك الله ولا نقصك أن الإنسان كما
اشتق اسمه من الأنس كذلك جبل عليه مسماه وأن المجتمع الإنساني عقد يتحلى به صدر
الزمان نظامه التآلف وواسطته التعارف: فهذان الأمران هما قطب المدار في هذه الدار
لهذا العالم من لدن آدم وليس إلا بهما يحسن الحال وينعم البال وتدر ضروع المنافع
وتتفجر عيون الفوائد ومن ثم كان أوفر الناس حظاً من مغنم الإنسانية من يألف ولا
خير فيمن لا ولا ناهيك بخلق امتن الله به على عباده إذ قال عز من قائل:
(وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوَاْ) [الحجرات: 13].
ذلك "أيها السيد" هو الذي بعثني أن اكتب إليك أستفتح باب مودتك بمفتاح
الترسل وأستصبح في سبيل صحبتك بمصباح التوسل لا أبالي بما ينسب إلي وينتقم علي ممن
عسى أن يقول مالك ولهذا الفضول وكيف تتطفل على مأدبة أديبة لم تدع إليها وهل هذا
منك إلا أشبه بالتبرج لغير خاطب: أيها المنتقد هون عليك ما تجد فلو علمت أن ظل
الآداب شامل ودعوة المودة الجفلى لا يذاد عنها وأغل لأسرعت معي إلى الوغول ولم تر
في التودد إلى أهل الفضل من فضول وأي عيب على النكرة في التحلي بحلية المعرفة
ومصاحبة الأعلام أما سمعت قول القائل:
بصحبتكَ الكرامَ تعدُّ منهم
وتأمنُ من ملمّات الزّمان
وكيف أضع نفسي بحيث يقول الأول:
دعِ المكارمَ لا ترحلْ لبغيتها
واقعد فإنك أنت الطاعمُ الكاسيوشتان ما
بين الرجلين رجل يهوى المكارم وبينها ويبتغي المناقب وذويها ويقف نفسه على مسألة
يعلمها وفضيلة يتحلى بها.
وآخر يبذل وجهه المصون في ملء الحقائب والبطون.
هذا: وقد رجوت أن أكون الرجل الأول بصحبتك "أيها السيد" فكم روى لنا من
أحاديث فضائلك للصحاح وتلى علينا من آيات شمائلك الحسان ما أشخص إليك القلوب قبل
قوالبها وأوفد عليك الأرواح قبل أشباحها وأعجلني أن أكتب إليك بهذا الرقيم ألتمس
بالتعرف إلى جنابك الكريم ما ألتمس الكليم من صحبة ذي الوجه النضر أبي العباس
الخضر وإني وإن كنت والحمد لله ممن آمنوا بالغيب وليس عندي في صدق هذه الآيات مرية
ولا ريب: بيد أن للصحبة فضلاً لا ينكر وللمؤاخاة مزية لا يتمارى فيها اثنان.
فإذا ورد على السيد كتابي هذا وانشرح صدره "شرح الله صدره" إلى إجابة
سؤلي وارتاحت نفسه إلى اصطناعي كتب إلى عبده بما يكون آية جلية على ارتياحه لتحقيق
هذه الأمنية.
حتى أقول لوجه آمالي ابتهجْ
لأولّينّك قبلةً لاترضاها
"وكتب الأستاذ محمود بك أبو النصر"
لإنسان العين وعين الإنسان: المودة "وصل الله بأجفان الأشواق أهدابها وفتح
لنا أبوابها" أمر عزيز المرتقى على من يصطفى صديقه ويرعى حقوقه وإني اصطفيتك
على الناس برسالتي هذه وعهدي بكرم سجاياك أن تصافحها براحة القبول وتتخذها فاتحة
ود طارت إليك رياح فضلك بعدما مثلت آياته لك في القلوب معنى ظهرت في مرآه الأعين
صورته.
فإن أبيت ودادي غيرَ مكترثٍ
فعنكَ ما دمتُ حيَّا لا أرى بدلا
وحاشاك عن مثل ذلك الإباء ونحن وإن لم تحظ أشباحنا باللقاء فأرواحنا من قبل جنود
وأعيننا شهود فإن أنت منحتني ولاء خالصاُ وإخاءً صادقاً (وإلا فهبني أمراً هالكاً)
ولا إخالك ترضاه وإن كنت المتطفل على مائدة مودتك فلي نفس أديب لا ترى العز زإلا
في الترامي على ذرا الكمال لازلت على مرقى الجلال والسلام.
"وكتب الفاضل السيد محمد الببلاوي"
سيدي إن مكارم الأخلاق
ومعالي الهمم مما تسترق القلوب وتسترق العقول وتمتلك الأرواح وإن لم تتلاق الأشباح
فإني مذ سرى إلي النسيم بأخلاقكم الغراء وابتسم لي ثغر هذا العصر عن آثاركم
الزهراء وتواترت الأخبار بحبكم للفضل وأهله وارتياحكم للعلم وذويه وأنا مشغوف
الفؤاد بالتعرف بسيادتكم مشغول البال بالتوسل إلى رياض مودتكم ولعلمي أن للصداقة
حقوقاً وللمصاحبة شروطاً ربما صعبت على من حاولها وعزت على من أراد الوفاء بها كنت
أرى الوحدة أولى والانفراد بي أسلم ولكن ما زلت تنمي إلى أحاسن شمائلكم المشرفة
وتتوارد على مسامعي محاسن سيركم المطهرة فينمو الوجد ويزداد الشوق "والأذن
تعشق قبل العين أحياناً" وما كنت أجد سبيلاً للتعرف ولا سبباً للتودد ولا
متجسر نفسي على المراسلة ابتداء إلى أن رأيت سيدي قد اهتم للأدب فأعلى منارة ونظر
للإنشاء فرفع مقداره ونصر دولته وأحيا صولته وأعاد شبابه وفتح لأدباء هذا العصر
بابه فعلمت أن الدهر قد ساعدني والفرصة قد أمكنتني من مصافحة أملت ومصافات ما أردت
من اجتناء ثمار سيدي والتعرف به والتمسك بأهداب فضائله والتزود من آدابه فإن الأدب
أحسن يستصبح بأنواره وأشرف ما يتسابق لاقتطاف أثماره ويحمد التطفل على موائده
ويمدح التنافس في التقاط فرائد فوائده فجعلت طلب الانتظام في سلك أرباب الأقلام
وسيلة لورود عذب وداده ونمير التعرف به فإن رأى سيدي أن يعد نفس حر في عداد معارفه
ويقابل رسالته بما اشتهر من لطائفه حتى يتمتع بالرؤية الأبصار كما تمتعت المسامع
بطيب الأخبار كنت مديم الشكر لأفضاله مستمر الثناء على كماله.
"وكتب الشيخ عبد الكريم سلمان المتوفي سنة
1336ه?"
أما بعد فهذه أول رسالة
أكتبها إلى من لم تكن لي به جامعة جسمية ولم تضمني وإياه حفلة تعارف شخصية وهي وإن
كانت في عرف غيري تعد هجوماً أو تحس فضولاً إلا أني أعتقد أنها أوفدت على كريم
يكرم وفادتها ويتقبل به ما يهديه إليه من زعيم تحية وجليل إجلال ويجتلي من خلالها
إرادة ود ورجاء ولاء وبغية فضل ورغبة في إخاء فيحلها منه محل القبول ويدرأ عنها
وصمة الفضول: إن لسيدي آثاراً شاهدناها فاستفدناها ومآثر سمعناها فرويناها ولا
مرية في أن ما غاب عنا منها أكثر مما وعينا وأوفى مما سمعنا ونحن والله يعلم طلاب
كمال ومنتجعوا إفضال ورواد وما خصب من فيحاء العلوم وقد توسمنا في السيد أطال الله
بقاه طلبتنا ووجدنا لديه ضالتنا قحثثنا إلى رحابه مطية المكاتبة ولنا أمل كبير في
نوال المأمول لعله يجتح إلى مقابلة المثل بالمثل فيكتب لأخيه بعض كليمات يعرف منها
أنه قبل الإخاء ومال إلى مقتضى طبعه من الوفاء ولا أظن ذلك إلا وقد كان في أقرب ما
يكون من الزمان فإن الأرواح ما تعارف منها ائتلف كما برهنه الأصحاب في معاشرتهم
خلفاً عن سلف.
"وكتب مؤلف هذا الكتاب"
لقد سمعنا بأوصافٍ لكم كملتْ
فسرَّنا ما سمعناهُ وأحيانا
من قبل رؤيتكم نلنا محبّتكم
والأذن تعشقُ قبلَ العين أحياناً
سيدي ومولاي: لقد بلغني عنك في وفائك وفضلك ما يدعوني لخطب ودك ويرغبني في إخائك
ويحببني في التوسل إلى معرفة جنابك وإن لم تجمعنا جامعة شخصية ولم تضمنا حفلة
تعارف ذاتية إلا أن أحاديث فضائلك الصحاح أوفدت عليك الأرواح قبل الأشباح والولاء
والإخلاص قبل الأجسام والأشخاص ولا غرابة في ذلك فإن من سنة الله في خلقه أن يؤلف بين
الأرواح وأمثالها وإن لله ملائكة يسوقون الأشكال إلى أشكالها وشبه الشيء منجذب
إليه وأخو الفضائل هو المعول عليه.
إنّ القلوبَ لأجنادٌ مجنّدةٌ
لله في الأرض بالأهواء تعترفُ
فما تعارفَ منها فهو
مؤتلفٌ=وما تناكرَ منها فهو مختلفُ فلذا اصطفيتك لنفسي واخترتك لمودتي وأنسي
نتناجى بالضمائر ونتخاطب بالسرائر وإن بعدنا في الظاهر فرب غائب بنفسه حاضر بخلوص
نفسه.
فإنْ أبيتَ ودادي غيرَ مكترثٍ
فعنك ما دمت حياً لا أرى بدلا
وحاشاك عن مثل هذا الإباء والهجر والجفاء.
لكلّ امرئ شكلٌ من النّاس مثله
وكلّ امرئ يهوى إلى من يشاكلهُ
ناشدتك الله أن تقبل مني الإخاء وتضمن لي الوفاء وأنا أرضى بك من الدنيا نصيباً
وأختارك من العالمين حبيباً.
المصدر : كتاب جواهر الأدب