حرب الأفكار
د. خالد راتب
الحمد لله الذي علَّم وأرشد وفهَّم، والصلاة والسلام على نبيِّه محمد - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وصحبه وسلَّم.
أمَّا بعد:
فإننا نعيش اليوم في عالم متسع
الآفاق والأرجاء، يحوي مجموعة من البشر مختلفين في عقائدهم وأهوائهم
وعاداتهم وأخلاقهم، وكذلك في أفكارهم، وإذا كان العالم قديمًا وحديثًا يخشى
من الحروب المدمرة التي تقضي على الأخضر واليابس، فهناك حرب أشد خطرًا
علينا، ألا وهي "حرب الأفكار الغربيَّة"
التي شنَّها أعداء الإسلام، فتوالت القذائف الفكريَّة القاتلة، بدلاً من
القذائف الناريَّة التي تكلِّفهم أموالاً وخسائر عظيمة، بل وتُحدِث صحوة
إسلاميَّة وغضبًا من الشعوب عليهم، فشرعت القوى العالميَّة الغربيَّة في
قذف العالم كله بقنبلة فكريَّة "قنبلة النظام العالمي الواحد، والفكر العالمي الواحد، والثقافة العالميَّة الواحدة".
وكانت بهذه القنبلة شذرات محرقة من التيارات العلمانيَّة والوضعيَّة وغيرها،
فنتج عن ذلك سرطان فكري عجز العالم في التصدي له؛ لأن الغزو الفكري قلَّما
يجد مقاومة؛ لأنه يخترق العقول ويتحكَّم في العقائد والأخلاق، ويستهوي
طائفة من الناس دون خيار منهم، والدليل على ذلك ما تكلَّم به مَن هم مِن
بني جلدتنا، حيث قال: "إنه إذا كانت الرابطة الشرقيَّة سخافة، فإن الرابطة
الدينيَّة وقاحة، والرابطة الحقيقيَّة هي رابطتنا بأوروبَّا، فهي الرابطة
الطبيعيَّة لنا، كلما زادت معرفتي بالشرق، زادت كراهيتي له، وشعوري بأنه
غريب عنِّي، كلما زادت معرفتي بأوروبَّا، زاد حبِّي لها وتعلُّقي بها، وزاد
شعوري بأنها منِّي وأنا منها، فأنا كافر بالشرق، مؤمن بالغرب، وهذا هو
مذهبي الذي أعمل به طول حياتي سرًّا وجهرًا"!
وبكل صراحة أقول:
"لقد نجح النظام العالمي في حربه الفكريَّة بعد فشله في حربه العسكريَّة؛
لأنه غزانا في عُقْر دارنا حتى في أماكن نومنا، إنه احتلال القلوب والعقول،
الذي يهدد الأجيال الحاضرة والقادمة، ويهدد الشباب والشابَّات والكهول
والعفيفات والآباء والأمهات؛ لأن هذا الغزو الفكري يركِّز في حربه على
الدين واللغة والأخلاق.
والعدو يعلم أنه مهما استعرض قوته الحربيَّة لن يستطيع أن يدفع هؤلاء الثلاثة،
إلا ببث السموم الفكريَّة السرطانيَّة في عقول الشباب، بل وفي عقول
الكبار، وذلك عن طريق شيوع مجموعة من الأفكار التي في ظاهرها الرحمة
وباطنها فيه العذاب، وظاهرها يعني التقدُّم والرُّقي والحضارة والتجديد،
وباطنها فيه العلمانيَّة والماسونيَّة والعَوْلَمة والانحلال والتبعيَّة،
وانفصال الدين عن الدولة، بل القضاء على الدين وإعدامه في ميدان عام بأيدي
بعض المسلمين - أقصد المُتمسلمين - أو على الأقل جعله يتيمًا بين أهله،
وللأسف قد نجحوا في ذلك، وإن كان نجاحهم مؤقتًا وغير مستمر، وكان السبب في
ذلك النجاح عدة أسباب، منها:
1-
حالة الضَّعف الشديد التي يعيشها العالم الإسلامي بسبب الفرقة والتنازع،
مع السيطرة الكاملة والشاملة للغرب في جميع مجالات الحياة؛ مما أدَّى إلى
الاقتناع بفكرهم وثقافتهم، والتبعيَّة الكاملة حتى في طريقة الكلام
والمعايشة اليوميَّة، بل ونقل الحياة الغربيَّة إلى مجتمعنا بكلِّ ما فيها.
2- التحكم
في الإعلام وبث أفكارهم عَبْر القنوات الفضائيَّة والأقمار الصناعيَّة،
وشبكة الإنترنت الدوليَّة، بل وفي الكتابات التي تكتب وتسطَّر في الصحف
والمجلات في العالم، وما ينتج عنه فساد في العقيدة والأخلاق واللغة، وبهذه
السيطرة أصبح العالم كله قريةً صغيرة تتحكم فيها الولايات المتحدة
الأمريكية، فتزيِّف الأحداث والأخبار لصالحها، بل وترمي الإسلام وأهله
بالظلم والإرهاب، حتى صار الإسلام والمسلمون إرهابين ومتطرفين في نظر كثير
من الناس، والحل الوحيد لكي يعيش العالم في سلام وأمان: أن نقضي على هذا
الإرهاب والتطرُّف "الإسلام"، وبهذه الصورة الظالمة المعتمة للإسلام ينفرُ كثيرٌ من الناس عن إسلامهم.
3-
تعزيز موقف الغرب في حربهم الفكريَّة للإسلام من فئة لا خلاق لها، تحاول
غسل مخ الأجيال القادمة، وذلك عن طريق التعظيم من شأن الغرب، ووضع إسلام
زائف لا صلة له بإسلام القرآن والسُّنَّة، ولا بإسلام سلف الأمة، بل إسلام
عصري يعتني بالقشور فقط، طارحين الجوهر الذي هو لبُّ الإسلام وعصبه.
4-
ضَعف المستوي التعليمي في العالم الإسلامي، والتحكُّم في مناهجه بوضع
مناهج تهدم القِيَم والأخلاق في نفوس الناشئة، بل تصل بها إلى احتقار هذه
القِيَم والاستهزاء بها.
5- غياب الدور الأُسري في التوجيه التربوي والثقافي للأبناء، والاعتماد على ما يُطرح عليهم في الوسائل التعليميَّة.
6- غياب الدور الإعلامي في توجيه الأمة الإسلامية، وتحذيرها مما يُحاك لها من أفكار هدَّامة.
وسائل مقاومة هذه الحرب الفكريَّة:
1-أن
تهتم المنظمات الإسلاميَّة بتكوين لجنة من المفكِّرين المسلمين لرصد
الأفكار ودراستها دراسة علميَّة موضوعيَّة، واستخلاص الزائف منها، وحماية
الناشئة من أعضاء الأمة الإسلاميَّة من خطرها؛ لأن الفكر لا يُحارب إلا
بفكر مثله، ولكنه الفكر المستنير بنور الإسلام.
2- امتلاك وسائل البث المباشر: كالأقمار الصناعيَّة والمحطَّات الأرضيَّة، وترشيدها وَفْق منهج إسلامي.
3-
ترشيد العمليَّة التعليميَّة والثقافيَّة في حياتنا، وتنقيح المناهج من
الأفكار الدخيلة السائدة في العالم الإسلامي، مع إبراز الرؤية الإسلاميَّة "عقيدة وشريعة ومنهاج حياة".
4- تقوية الجوانب السياسيَّة والاقتصاديَّة والفكريَّة في حياتنا؛ لأن الأقوى يؤثِّر دائمًا في الضعيف.
5- عدم استهلاك الأوقات بالشُّبهات التي يحدثها الغرب من وقت لآخر؛ لشغل المفكرين المسلمين والعلماء عن القضايا الأساسيَّة.
6- على ولاة المسلمين صدُّ هذه الأفكار عن المسلمين وبلادهم، وأخذ التدابير اللازمة لحماية الأمة الإسلاميَّة.
7- تناسي الخلاف بيننا، وخصوصًا في الأمور الفرعيَّة، واستخدام الحوار الهادئ لحلِّ قضايانا.
8- الشعور
بالكيان الإسلامي، والحد من نظرة الإجلال التي يَنظر بها العالم إلى
الغرب؛ فإنهم بنوا حضارتهم على أكتافنا، وتفوقوا علينا عندما ظللنا نبكي
على أطلال أمجادنا.
9- اليقين
الجازم الذي لا يعتريه الشكُّ في أن الإسلام - وحدَه - القادر على بناء
شخصيَّة قويَّة في إيمانها وأفكارها وأخلاقها، والتاريخ يشهد بذلك،
والإيمان الجازم - أيضًا - الذي لا يعتريه الشكُّ على فساد أفكارهم؛ لأنها
نابعة من عقيدة فاسدة ملطخة بأدران الشرك والوثنيَّة، فليس لها إلا الوادي
السحيق عاجلاً أو آجلاً؛ قال - تعالى -: ﴿ وَمَنْ
يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ
الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ﴾ [الحج : 31] ، فهم في مكان سحيق عُرْضَةً للآفات والهلاك، فهل تريد أن تكون معهم؟!
الحمد لله الذي علَّم وأرشد وفهَّم، والصلاة والسلام على نبيِّه محمد - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وصحبه وسلَّم.
أمَّا بعد:
فإننا نعيش اليوم في عالم متسع
الآفاق والأرجاء، يحوي مجموعة من البشر مختلفين في عقائدهم وأهوائهم
وعاداتهم وأخلاقهم، وكذلك في أفكارهم، وإذا كان العالم قديمًا وحديثًا يخشى
من الحروب المدمرة التي تقضي على الأخضر واليابس، فهناك حرب أشد خطرًا
علينا، ألا وهي "حرب الأفكار الغربيَّة"
التي شنَّها أعداء الإسلام، فتوالت القذائف الفكريَّة القاتلة، بدلاً من
القذائف الناريَّة التي تكلِّفهم أموالاً وخسائر عظيمة، بل وتُحدِث صحوة
إسلاميَّة وغضبًا من الشعوب عليهم، فشرعت القوى العالميَّة الغربيَّة في
قذف العالم كله بقنبلة فكريَّة "قنبلة النظام العالمي الواحد، والفكر العالمي الواحد، والثقافة العالميَّة الواحدة".
وكانت بهذه القنبلة شذرات محرقة من التيارات العلمانيَّة والوضعيَّة وغيرها،
فنتج عن ذلك سرطان فكري عجز العالم في التصدي له؛ لأن الغزو الفكري قلَّما
يجد مقاومة؛ لأنه يخترق العقول ويتحكَّم في العقائد والأخلاق، ويستهوي
طائفة من الناس دون خيار منهم، والدليل على ذلك ما تكلَّم به مَن هم مِن
بني جلدتنا، حيث قال: "إنه إذا كانت الرابطة الشرقيَّة سخافة، فإن الرابطة
الدينيَّة وقاحة، والرابطة الحقيقيَّة هي رابطتنا بأوروبَّا، فهي الرابطة
الطبيعيَّة لنا، كلما زادت معرفتي بالشرق، زادت كراهيتي له، وشعوري بأنه
غريب عنِّي، كلما زادت معرفتي بأوروبَّا، زاد حبِّي لها وتعلُّقي بها، وزاد
شعوري بأنها منِّي وأنا منها، فأنا كافر بالشرق، مؤمن بالغرب، وهذا هو
مذهبي الذي أعمل به طول حياتي سرًّا وجهرًا"!
وبكل صراحة أقول:
"لقد نجح النظام العالمي في حربه الفكريَّة بعد فشله في حربه العسكريَّة؛
لأنه غزانا في عُقْر دارنا حتى في أماكن نومنا، إنه احتلال القلوب والعقول،
الذي يهدد الأجيال الحاضرة والقادمة، ويهدد الشباب والشابَّات والكهول
والعفيفات والآباء والأمهات؛ لأن هذا الغزو الفكري يركِّز في حربه على
الدين واللغة والأخلاق.
والعدو يعلم أنه مهما استعرض قوته الحربيَّة لن يستطيع أن يدفع هؤلاء الثلاثة،
إلا ببث السموم الفكريَّة السرطانيَّة في عقول الشباب، بل وفي عقول
الكبار، وذلك عن طريق شيوع مجموعة من الأفكار التي في ظاهرها الرحمة
وباطنها فيه العذاب، وظاهرها يعني التقدُّم والرُّقي والحضارة والتجديد،
وباطنها فيه العلمانيَّة والماسونيَّة والعَوْلَمة والانحلال والتبعيَّة،
وانفصال الدين عن الدولة، بل القضاء على الدين وإعدامه في ميدان عام بأيدي
بعض المسلمين - أقصد المُتمسلمين - أو على الأقل جعله يتيمًا بين أهله،
وللأسف قد نجحوا في ذلك، وإن كان نجاحهم مؤقتًا وغير مستمر، وكان السبب في
ذلك النجاح عدة أسباب، منها:
1-
حالة الضَّعف الشديد التي يعيشها العالم الإسلامي بسبب الفرقة والتنازع،
مع السيطرة الكاملة والشاملة للغرب في جميع مجالات الحياة؛ مما أدَّى إلى
الاقتناع بفكرهم وثقافتهم، والتبعيَّة الكاملة حتى في طريقة الكلام
والمعايشة اليوميَّة، بل ونقل الحياة الغربيَّة إلى مجتمعنا بكلِّ ما فيها.
2- التحكم
في الإعلام وبث أفكارهم عَبْر القنوات الفضائيَّة والأقمار الصناعيَّة،
وشبكة الإنترنت الدوليَّة، بل وفي الكتابات التي تكتب وتسطَّر في الصحف
والمجلات في العالم، وما ينتج عنه فساد في العقيدة والأخلاق واللغة، وبهذه
السيطرة أصبح العالم كله قريةً صغيرة تتحكم فيها الولايات المتحدة
الأمريكية، فتزيِّف الأحداث والأخبار لصالحها، بل وترمي الإسلام وأهله
بالظلم والإرهاب، حتى صار الإسلام والمسلمون إرهابين ومتطرفين في نظر كثير
من الناس، والحل الوحيد لكي يعيش العالم في سلام وأمان: أن نقضي على هذا
الإرهاب والتطرُّف "الإسلام"، وبهذه الصورة الظالمة المعتمة للإسلام ينفرُ كثيرٌ من الناس عن إسلامهم.
3-
تعزيز موقف الغرب في حربهم الفكريَّة للإسلام من فئة لا خلاق لها، تحاول
غسل مخ الأجيال القادمة، وذلك عن طريق التعظيم من شأن الغرب، ووضع إسلام
زائف لا صلة له بإسلام القرآن والسُّنَّة، ولا بإسلام سلف الأمة، بل إسلام
عصري يعتني بالقشور فقط، طارحين الجوهر الذي هو لبُّ الإسلام وعصبه.
4-
ضَعف المستوي التعليمي في العالم الإسلامي، والتحكُّم في مناهجه بوضع
مناهج تهدم القِيَم والأخلاق في نفوس الناشئة، بل تصل بها إلى احتقار هذه
القِيَم والاستهزاء بها.
5- غياب الدور الأُسري في التوجيه التربوي والثقافي للأبناء، والاعتماد على ما يُطرح عليهم في الوسائل التعليميَّة.
6- غياب الدور الإعلامي في توجيه الأمة الإسلامية، وتحذيرها مما يُحاك لها من أفكار هدَّامة.
وسائل مقاومة هذه الحرب الفكريَّة:
1-أن
تهتم المنظمات الإسلاميَّة بتكوين لجنة من المفكِّرين المسلمين لرصد
الأفكار ودراستها دراسة علميَّة موضوعيَّة، واستخلاص الزائف منها، وحماية
الناشئة من أعضاء الأمة الإسلاميَّة من خطرها؛ لأن الفكر لا يُحارب إلا
بفكر مثله، ولكنه الفكر المستنير بنور الإسلام.
2- امتلاك وسائل البث المباشر: كالأقمار الصناعيَّة والمحطَّات الأرضيَّة، وترشيدها وَفْق منهج إسلامي.
3-
ترشيد العمليَّة التعليميَّة والثقافيَّة في حياتنا، وتنقيح المناهج من
الأفكار الدخيلة السائدة في العالم الإسلامي، مع إبراز الرؤية الإسلاميَّة "عقيدة وشريعة ومنهاج حياة".
4- تقوية الجوانب السياسيَّة والاقتصاديَّة والفكريَّة في حياتنا؛ لأن الأقوى يؤثِّر دائمًا في الضعيف.
5- عدم استهلاك الأوقات بالشُّبهات التي يحدثها الغرب من وقت لآخر؛ لشغل المفكرين المسلمين والعلماء عن القضايا الأساسيَّة.
6- على ولاة المسلمين صدُّ هذه الأفكار عن المسلمين وبلادهم، وأخذ التدابير اللازمة لحماية الأمة الإسلاميَّة.
7- تناسي الخلاف بيننا، وخصوصًا في الأمور الفرعيَّة، واستخدام الحوار الهادئ لحلِّ قضايانا.
8- الشعور
بالكيان الإسلامي، والحد من نظرة الإجلال التي يَنظر بها العالم إلى
الغرب؛ فإنهم بنوا حضارتهم على أكتافنا، وتفوقوا علينا عندما ظللنا نبكي
على أطلال أمجادنا.
9- اليقين
الجازم الذي لا يعتريه الشكُّ في أن الإسلام - وحدَه - القادر على بناء
شخصيَّة قويَّة في إيمانها وأفكارها وأخلاقها، والتاريخ يشهد بذلك،
والإيمان الجازم - أيضًا - الذي لا يعتريه الشكُّ على فساد أفكارهم؛ لأنها
نابعة من عقيدة فاسدة ملطخة بأدران الشرك والوثنيَّة، فليس لها إلا الوادي
السحيق عاجلاً أو آجلاً؛ قال - تعالى -: ﴿ وَمَنْ
يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ
الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ﴾ [الحج : 31] ، فهم في مكان سحيق عُرْضَةً للآفات والهلاك، فهل تريد أن تكون معهم؟!