هند بنت عتبة
مقدمة
هي هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد
مناف أم معاوية.
حالها في الجاهلية:
كانت هند بنت عتبة عند الفاكه بن
المغيرة المخزومي وكان الفاكه من فتيان قريش وكان له بيت للضيافة يغشاه الناس من
غير إذن فخلا ذلك البيت يوما فاضطجع الفاكه وهند فيه في وقت القائلة ثم خرج الفاكه
لبعض شأنه وأقبل رجل ممن كان يغشاه فولج البيت فلما رأى المرأة فيه ولى هاربا ورآه
الفاكه وهو خارج من البيت فأقبل إلى هند وهى مضطجعة فضربها برجله وقال من هذا الذي
عندك قالت: ما رأيت أحدا ولا انتبهت حتى أنبهتني أنت، فقال لها: إلحقي بأبيك، وتكلم
فيها الناس، فقال لها أبوها: يا بنية إن الناس قد أكثروا فيك القالة، فأنبئينى نبأك
فان يكن الرجل عليك صادقا دسست إليه من يقتله فينقطع عنك القالة، وإن يك كاذبا
حاكمته إلى بعض كهان اليمن، فعند ذلك حلفت هند لأبيها بما كانوا يحلفون في الجاهلية
إنه لكاذب عليها، فقال عتبة بن ربيعة للفاكه: يا هذا إنك قد رميت ابنتى بأمر عظيم
وعار كبير لا يغسله الماء، وقد جعلتنا في العرب بمكان ذلة ومنقصة، ولولا أنك منى ذو
قرابة لقتلتك، ولكن سأحاكمك إلى كاهن اليمن، فحاكمني إلى بعض كهان اليمن، فخرج
الفاكه في بعض جماعة من بنى مخزوم أقاربه، وخرج عتبة في جماعة من بنى عبد مناف،
وخرجوا بهند ونسوة معها من أقاربهم، ثم ساروا قاصدين بلاد اليمن، فلما شارفوا بلاد
الكاهن، قالوا غدا نأتي الكاهن، فلما سمعت هند ذلك تنكرت حالها وتغير وجهها وأخذت
في البكاء فقال لها أبوها: يا بنية قد أرى ما بك من تنكر الحال وكثرة البكاء، وما
ذاك أراه عندك إلا لمكروه أحدثتيه وعمل اقترفتيه، فهلا كان هذا قبل أن يشيع في
الناس، ويشتهر مسيرنا، فقالت: والله يا أبتاه ما هذا الذي تراه منى لمكروه وقع منى،
وإني لبريئة، ولكن هذا الذي تراه من الحزن وتغير الحال هو أنى أعلم أنكم تأتون هذا
الكاهن وهو بشر يخطئ ويصيب، وأخاف أن يخطئ في أمري بشيء يكون عاره على آخر الدهر،
ولا أمنة آمنة أن يسمنى ميسما تكون على سبة في العرب، فقال لها أبوها: لا تخافي
فإني سوف أختبره وأمتحنه قبل أن يتكلم في شأنك وأمرك، فإن أخطأ فيما أمتحنه به لم
أدعه يتكلم في أمرك ثم إنه انفرد عن القوم وكان راكبا مهرا حتى توارى عنهم خلف
رابية فنزل عن فرسه ثم صفر له حتى أدلى ثم أخذ حبة بر فأدخلها في احليل المهر،
وأوكى عليها بسير حتى أحكم ربطها ثم صفر له حتى اجتمع احليله، ثم أتى القوم فظنوا
أنه ذهب ليقضى حاجة له، ثم أتى الكاهن فلما قدموا عليه أكرمهم ونحر لهم فقال له
عتبة: إنا قد جئناك في أمر، ولكن لا أدعك تتكلم فيه حتى تبين لنا ما خبأت لك، فأنى
قد خبأت لك خبيئا فانظر ما هو فأخبرنا به، قال الكاهن: ثمرة في كمرة، قال: أريد
أبين من هذا، قال حبات بر في إحليل مهر، قال: صدقت فخذ لما جئناك له انظر في أمر
هؤلاء النسوة فأجلس النساء خلفه وهند معهم لا يعرفها ثم جعل يدنو من إحداهن فيضرب
كتفها ويبريها ويقول: انهضى حتى دنا من هند فضرب كتفها وقال: انهضى حصان رزان غير
رسخا ولا زانية ولتلدن ملكا يقال له معاوية، فوثب إليها الفاكه، فأخذ بيدها فنترت
يدها من يده وقالت له: إليك عنى والله لا يجمع رأسي ورأسك وسادة، والله لأحرصن أن
يكون هذا الملك من غيرك، فتزوجها أبو سفيان بن حرب، فجاءت منه بمعاوية. هذا وفى
رواية أن أباها هو الذي قال للفاكه ذلك. والله سبحانه أعلم
عن حسين بن عبد
الله أن أبا لهب لقي هند بنت عتبة ابن ربيعة حين فارق قومه وظاهر عليهم قريشا فقال
يا ابنة عتبة نصرت اللات والعزى وفارقت من فارقها وظاهر عليها قالت نعم فجزاك الله
خيرا يا أبا عتبة
موقفها في غزوة أحد:
لما التقى الناس(في غزوة أحد)
ودنا بعضهم من بعض قامت هند بنت عتبة في النسوة اللاتي معها وأخذن الدفوف يضربن بها
خلف الرجال ويحرضن على القتال فقالت هند فيما تقول... ويها بني عبد الدار... ويها
حماة الأديار... ضربا بكل بتار...
وتقول أيضا... إن تقبلوا نعانق... ونفرش
النمارق... أو تدبروا نفارق... فراق غير وامق...
وفي يوم أحد جعلت هند بنت
عتبة النساء معها يجدعن أنوف المسلمين ويبقرن بطونهم ويقطعن الآذان إلا حنظلة فان
أباه كان من المشركين وبقرت هند عن بطن حمزة فأخرجت كبدة وجعلت تلوك كبده ثم لفظته
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لو دخل بطنها لم تدخل النار
وقعت هند بنت
عتبة والنسوة اللاتي معها يمثلن بالقتلى يجدعن الآذان والأنف حتى اتخذت هند من آذان
الرجال وأنفهم خدما وبقرت عن كبد حمزة فلاكتها فلم تستطع أن تسيغها فلفظته. ثم علت
على صخرة مشرفة فصرخت بأعلى صوتها
نحن جزيناكم بيوم بدر... والحرب بعد الحرب
ذات سعر
ما كان عن عتبة لي من... صبر ولا أخي وعمه
وبكري
إسلامها
أسلمت هند بنت عتبة يوم الفتح وحسن إسلامها فلما
بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء وقال في البيعة ": ولا يسرقن ولا يزنين "
قالت هند: وهل تزني الحرة وتسرق فلما قال: " ولا يقتلن أولادهن " قالت: ربيناهم
صغارا وقتلتهم كبارا وشكت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجها أبا سفيان وقالت:
إنه شحيح لا يعطيها من الطعام ما يكفيها وولدها فقال لها رسول الله صلى الله عليه
وسلم: خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك وولدك "
وروى هشام بن عروة عن أبيه
قال: قالت هند لأبي سفيان: إني أريد أن أبايع محمد. قال: قد رأيتك تكذبين هذا
الحديث أمس!
قالت: والله ما رأيت الله عبد حق عبادته في هذا المسجد قبل
الليلة. والله إن باتوا إلا مصلين. قال: فإنك قد فعلت ما فعلت. فاذهبي برجل من قومك
معك. فذهبت إلى عثمان بن عفان وقيل: إلى أخيها أبي حذيفة بن عتبة فذهب معها فاستأذن
لها فدخلت وهي منتقب فقال: " تبايعيني على أن لا تشركي بالله شيئا... " وذكر نحو ما
تقدم من قولها للنبي صلى الله عليه وسلم. ولما أسلمت هند جعلت تضرب صنما لها في
بيتها بالقدوم حتى فلذته فلذة فلذة وتقول كنا معك في غرور.
مواقفها مع النبي
صلى الله عليه وسلم:
يقول عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها قالت إن
هند بنت عتبة بن ربيعة قالت: يا رسول الله ما كان مما على ظهر الأرض أهل أخباء أو
خباء أحب إلي أن يذلوا من أهل أخبائك أو خبائك - شك يحيى - ثم ما أصبح اليوم أهل
أخباء أو خباء أحب إلي من أن يعزوا من أهل أخبائك أو خبائك. قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم ( وأيضا والذي نفس محمد بيده ). قالت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل مسيك
فهل علي من حرج أن أطعم من الذي له؟ قال ( لا إلا بالمعروف ) وكان رسول الله، صلى
الله عليه وسلم، أمر بقتل هند بنت عتبة لما فعلت بحمزة ولما كانت تؤذي رسول الله،
صلى الله عليه وسلم، بمكة، فجاءت إليه النساء متخفية فأسلمت وكسرت كل صنم في بيتها
وقالت: لقد كنا منكم في غرور، وأهدت إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، جديين،
واعتذرت من قلة ولادة غنمها، فدعا لها بالبركة في غنمها فكثرت، فكانت تهب وتقول:
هذا من بركة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فالحمد لله الذي هدانا
للإسلام.
من مواقفها مع الصحابة رضي الله عنهم
موقفها مع أخيها
في غزوة بدر:
شهد أبو حذيفة بدرا وكان أخاً لها ودعا أباه عتبة بن ربيعة إلى
البراز فقالت أخته هند بنت عتبة لما دعا أباه إلى البراز الأحول الأثعل المشئوم
طائره أبو حذيفة شر الناس في الدين أما شكرت أبا رباك من صغر حتى شببت شبابا غير
محجون.
موقفها مع زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وتقول
السيدة زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما قدم أبو العاص مكة قال لي:
تجهزي فالحقي بأبيك قالت: فخرجت أتجهز فلقيتني هند بنت عتبة فقالت: يا بنت محمد ألم
يبلغني أنك تريدين اللحوق بأبيك؟ فقلت له: ما أردت ذلك فقالت: أي بنت عم لا تفعلي
إني امرأة موسرة وعندي سلع من حاجتك فإن أردت سلعة بعتكها أو قرضا من نفقة أقرضتك
فإنه لا يدخل بين النساء ما بين الرجال قالت: فوالله ما أراها قالت ذلك إلا لتفعل
فخفتها فكتمتها وقلت: ما أريد ذلك
موقفها مع أبو دجانة في غزوة
أحد:
ويقول الزبير بن العوام: وجدت في نفسي حين سألت رسول الله صلى الله
عليه و سلم السيف فمنعنيه و أعطاه أبا دجانة فقلت: و الله لأنظرن ما يصنع فاتبعته
فأخذ عصابة له حمراء فعصب بها رأسه و قالت الأنصار: أخرج أبو دجانة عصابة الموت و
هكذا كان يقول إذا عصب بها فخرج و هو يقول:
(أنا الذي عاهدني خليلي... و نحن
بالسفح لدى النخيل)
(أن لا أقوم الدهر في الكيول... أضرب بسيف الله و
الرسول)
فجعل لا يلقى أحدا إلا قتله و كان في المشركين رجل لا يدع لنا جريحا
إلا ذفف عليه فجعل كل واحد منهما يدنو من صاحبه فدعوت الله أن يجمع بينهما فالتقيا
فاختلفا ضربتين فضرب المشرك أبا دجانة فاتقاه بدرقته فعضت بسيفه و ضربه أبو دجانة
فقتله ثم رأيته محل السيف على رأس هند بنت عتبة ثم عدل السيف عنها
قال ابن
إسحاق: و قال أبو دجانة: رأيت إنسانا يحمس الناس حمسا شديدا فصمدت إليه فلما حملت
عليه السيف ولول فأكرمت سيف رسول الله صلى الله عليه و سلم أن أضرب به
امرأة.
موقفه مع هند بنت أثاثة في غزوة أحد:
قالت هند بنت عتبة تفتخر
حمزة وغيره ممن أصيب من المسلمين أنها علت على صخرة مشرفة فنادت بأعلى صوتها نحن
جزيناكم بيوم بدر... والحرب بعد الحرب ذات سعر ما كان عن عتبة لي من صبر... أبي
وعمي وشقيق بكري شفيت وحشي غليل صدري... شفيت نفسي وقضيت نذري وأجابتها هند بنت
أثاثة بن المطلب فقالت:
خزيت في بدر وغير بدر... يا بنت وقاع عظيم
الكفر
صبحك الله غداة الفجر... بالهاشميين الطوال الزهر
بكل قطاع
حسام يفري... حمزة ليثي وعلي صقري
موقفها مع أبي سفيان يوم فتح
مكة:
خرج أبو سفيان حتى إذا دخل مكة صرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش! هذا محمد
قد جاءكم بما لا قبل لكم به! فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن! فقامت إليه هند بنت
عتبة فأخذت بشاربه و قالت: اقتلوا
الحميت الدسم الأحمش! فقال أبو سفيان: لا
يغرنكم هذه من أنفسكم فإنه قد جاءكم بما لا قبل لكم به من دخل دار أبي سفيان فهو
آمن! قالو: قبحك الله! وما تغني دارك؟ قال: و من أغلق عليه بابه فهو آمن! و من دخل
المسجد فهو آمن فتفرق الناس إلى دورهم و إلى المسجد.
موقفها مع
معاوية:
قال معاوية بن أبي سفيان: لما كان عام الحديبية وصدت قريش رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن البيت ودافعوه بالراح وكتبوا بينهم القضية وقع الإسلام في
قلبي فذكرت ذلك لأمي هند بنت عتبة فقالت: إياك أن تخالف أباك وأن تقطع أمرا دونه
فيقطع عنك القوت وكان أبي يومئذ غائبا في سوق حباشة.
موقفها مع
عمر:
جاء عمر بن الخطاب إلى أبي سفيان فإذا هند بنت عتبة امرأته تهيئ أهبه
لها في المدينة فقال أين أبو سفيان فقالت هند ها هوذا وكان ناحية من البيت فقال
احتسبا واصبرا فقالا من يا أمير المؤمنين قال يزيد بن أبي سفيان فقالا من استعملت
على عمله قال معاوية بن أبي سفيان قالا وصلتك رحم وإنا لله وإنا إليه
راجعون.
من كلماتها:
قالت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان حين رجعوا من
أحد:
رجعت وفي نفسي بلابل جمة... وقد فاتني بعض الذي كان مطلبي من أصحاب بدر
من قريش وغيرهم... بني هاشم منهم ومن أهل يثرب
ولكنني قد نلت شيئا و لم
يكن... كما كنت أرجو في مسيري ومركبي
وفاتها:
شهدت اليرموك مع زوجها
وماتت يوم مات أبو قحافة في سنة أربع عشرة وهى أم معاوية بن أبي
سفيان.
المراجع:
الاستيعاب - البداية والنهاية - تاريخ الإسلام - أسد
الغابة - الطبقات الكبرى - الكامل في التاريخ - صحيح البخاري - الإصابة في تمييز
الصحابة - تفسير القرطبي - سيرة ابن كثير - تاريخ دمشق
مقدمة
هي هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد
مناف أم معاوية.
حالها في الجاهلية:
كانت هند بنت عتبة عند الفاكه بن
المغيرة المخزومي وكان الفاكه من فتيان قريش وكان له بيت للضيافة يغشاه الناس من
غير إذن فخلا ذلك البيت يوما فاضطجع الفاكه وهند فيه في وقت القائلة ثم خرج الفاكه
لبعض شأنه وأقبل رجل ممن كان يغشاه فولج البيت فلما رأى المرأة فيه ولى هاربا ورآه
الفاكه وهو خارج من البيت فأقبل إلى هند وهى مضطجعة فضربها برجله وقال من هذا الذي
عندك قالت: ما رأيت أحدا ولا انتبهت حتى أنبهتني أنت، فقال لها: إلحقي بأبيك، وتكلم
فيها الناس، فقال لها أبوها: يا بنية إن الناس قد أكثروا فيك القالة، فأنبئينى نبأك
فان يكن الرجل عليك صادقا دسست إليه من يقتله فينقطع عنك القالة، وإن يك كاذبا
حاكمته إلى بعض كهان اليمن، فعند ذلك حلفت هند لأبيها بما كانوا يحلفون في الجاهلية
إنه لكاذب عليها، فقال عتبة بن ربيعة للفاكه: يا هذا إنك قد رميت ابنتى بأمر عظيم
وعار كبير لا يغسله الماء، وقد جعلتنا في العرب بمكان ذلة ومنقصة، ولولا أنك منى ذو
قرابة لقتلتك، ولكن سأحاكمك إلى كاهن اليمن، فحاكمني إلى بعض كهان اليمن، فخرج
الفاكه في بعض جماعة من بنى مخزوم أقاربه، وخرج عتبة في جماعة من بنى عبد مناف،
وخرجوا بهند ونسوة معها من أقاربهم، ثم ساروا قاصدين بلاد اليمن، فلما شارفوا بلاد
الكاهن، قالوا غدا نأتي الكاهن، فلما سمعت هند ذلك تنكرت حالها وتغير وجهها وأخذت
في البكاء فقال لها أبوها: يا بنية قد أرى ما بك من تنكر الحال وكثرة البكاء، وما
ذاك أراه عندك إلا لمكروه أحدثتيه وعمل اقترفتيه، فهلا كان هذا قبل أن يشيع في
الناس، ويشتهر مسيرنا، فقالت: والله يا أبتاه ما هذا الذي تراه منى لمكروه وقع منى،
وإني لبريئة، ولكن هذا الذي تراه من الحزن وتغير الحال هو أنى أعلم أنكم تأتون هذا
الكاهن وهو بشر يخطئ ويصيب، وأخاف أن يخطئ في أمري بشيء يكون عاره على آخر الدهر،
ولا أمنة آمنة أن يسمنى ميسما تكون على سبة في العرب، فقال لها أبوها: لا تخافي
فإني سوف أختبره وأمتحنه قبل أن يتكلم في شأنك وأمرك، فإن أخطأ فيما أمتحنه به لم
أدعه يتكلم في أمرك ثم إنه انفرد عن القوم وكان راكبا مهرا حتى توارى عنهم خلف
رابية فنزل عن فرسه ثم صفر له حتى أدلى ثم أخذ حبة بر فأدخلها في احليل المهر،
وأوكى عليها بسير حتى أحكم ربطها ثم صفر له حتى اجتمع احليله، ثم أتى القوم فظنوا
أنه ذهب ليقضى حاجة له، ثم أتى الكاهن فلما قدموا عليه أكرمهم ونحر لهم فقال له
عتبة: إنا قد جئناك في أمر، ولكن لا أدعك تتكلم فيه حتى تبين لنا ما خبأت لك، فأنى
قد خبأت لك خبيئا فانظر ما هو فأخبرنا به، قال الكاهن: ثمرة في كمرة، قال: أريد
أبين من هذا، قال حبات بر في إحليل مهر، قال: صدقت فخذ لما جئناك له انظر في أمر
هؤلاء النسوة فأجلس النساء خلفه وهند معهم لا يعرفها ثم جعل يدنو من إحداهن فيضرب
كتفها ويبريها ويقول: انهضى حتى دنا من هند فضرب كتفها وقال: انهضى حصان رزان غير
رسخا ولا زانية ولتلدن ملكا يقال له معاوية، فوثب إليها الفاكه، فأخذ بيدها فنترت
يدها من يده وقالت له: إليك عنى والله لا يجمع رأسي ورأسك وسادة، والله لأحرصن أن
يكون هذا الملك من غيرك، فتزوجها أبو سفيان بن حرب، فجاءت منه بمعاوية. هذا وفى
رواية أن أباها هو الذي قال للفاكه ذلك. والله سبحانه أعلم
عن حسين بن عبد
الله أن أبا لهب لقي هند بنت عتبة ابن ربيعة حين فارق قومه وظاهر عليهم قريشا فقال
يا ابنة عتبة نصرت اللات والعزى وفارقت من فارقها وظاهر عليها قالت نعم فجزاك الله
خيرا يا أبا عتبة
موقفها في غزوة أحد:
لما التقى الناس(في غزوة أحد)
ودنا بعضهم من بعض قامت هند بنت عتبة في النسوة اللاتي معها وأخذن الدفوف يضربن بها
خلف الرجال ويحرضن على القتال فقالت هند فيما تقول... ويها بني عبد الدار... ويها
حماة الأديار... ضربا بكل بتار...
وتقول أيضا... إن تقبلوا نعانق... ونفرش
النمارق... أو تدبروا نفارق... فراق غير وامق...
وفي يوم أحد جعلت هند بنت
عتبة النساء معها يجدعن أنوف المسلمين ويبقرن بطونهم ويقطعن الآذان إلا حنظلة فان
أباه كان من المشركين وبقرت هند عن بطن حمزة فأخرجت كبدة وجعلت تلوك كبده ثم لفظته
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لو دخل بطنها لم تدخل النار
وقعت هند بنت
عتبة والنسوة اللاتي معها يمثلن بالقتلى يجدعن الآذان والأنف حتى اتخذت هند من آذان
الرجال وأنفهم خدما وبقرت عن كبد حمزة فلاكتها فلم تستطع أن تسيغها فلفظته. ثم علت
على صخرة مشرفة فصرخت بأعلى صوتها
نحن جزيناكم بيوم بدر... والحرب بعد الحرب
ذات سعر
ما كان عن عتبة لي من... صبر ولا أخي وعمه
وبكري
إسلامها
أسلمت هند بنت عتبة يوم الفتح وحسن إسلامها فلما
بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء وقال في البيعة ": ولا يسرقن ولا يزنين "
قالت هند: وهل تزني الحرة وتسرق فلما قال: " ولا يقتلن أولادهن " قالت: ربيناهم
صغارا وقتلتهم كبارا وشكت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجها أبا سفيان وقالت:
إنه شحيح لا يعطيها من الطعام ما يكفيها وولدها فقال لها رسول الله صلى الله عليه
وسلم: خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك وولدك "
وروى هشام بن عروة عن أبيه
قال: قالت هند لأبي سفيان: إني أريد أن أبايع محمد. قال: قد رأيتك تكذبين هذا
الحديث أمس!
قالت: والله ما رأيت الله عبد حق عبادته في هذا المسجد قبل
الليلة. والله إن باتوا إلا مصلين. قال: فإنك قد فعلت ما فعلت. فاذهبي برجل من قومك
معك. فذهبت إلى عثمان بن عفان وقيل: إلى أخيها أبي حذيفة بن عتبة فذهب معها فاستأذن
لها فدخلت وهي منتقب فقال: " تبايعيني على أن لا تشركي بالله شيئا... " وذكر نحو ما
تقدم من قولها للنبي صلى الله عليه وسلم. ولما أسلمت هند جعلت تضرب صنما لها في
بيتها بالقدوم حتى فلذته فلذة فلذة وتقول كنا معك في غرور.
مواقفها مع النبي
صلى الله عليه وسلم:
يقول عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها قالت إن
هند بنت عتبة بن ربيعة قالت: يا رسول الله ما كان مما على ظهر الأرض أهل أخباء أو
خباء أحب إلي أن يذلوا من أهل أخبائك أو خبائك - شك يحيى - ثم ما أصبح اليوم أهل
أخباء أو خباء أحب إلي من أن يعزوا من أهل أخبائك أو خبائك. قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم ( وأيضا والذي نفس محمد بيده ). قالت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل مسيك
فهل علي من حرج أن أطعم من الذي له؟ قال ( لا إلا بالمعروف ) وكان رسول الله، صلى
الله عليه وسلم، أمر بقتل هند بنت عتبة لما فعلت بحمزة ولما كانت تؤذي رسول الله،
صلى الله عليه وسلم، بمكة، فجاءت إليه النساء متخفية فأسلمت وكسرت كل صنم في بيتها
وقالت: لقد كنا منكم في غرور، وأهدت إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، جديين،
واعتذرت من قلة ولادة غنمها، فدعا لها بالبركة في غنمها فكثرت، فكانت تهب وتقول:
هذا من بركة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فالحمد لله الذي هدانا
للإسلام.
من مواقفها مع الصحابة رضي الله عنهم
موقفها مع أخيها
في غزوة بدر:
شهد أبو حذيفة بدرا وكان أخاً لها ودعا أباه عتبة بن ربيعة إلى
البراز فقالت أخته هند بنت عتبة لما دعا أباه إلى البراز الأحول الأثعل المشئوم
طائره أبو حذيفة شر الناس في الدين أما شكرت أبا رباك من صغر حتى شببت شبابا غير
محجون.
موقفها مع زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وتقول
السيدة زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما قدم أبو العاص مكة قال لي:
تجهزي فالحقي بأبيك قالت: فخرجت أتجهز فلقيتني هند بنت عتبة فقالت: يا بنت محمد ألم
يبلغني أنك تريدين اللحوق بأبيك؟ فقلت له: ما أردت ذلك فقالت: أي بنت عم لا تفعلي
إني امرأة موسرة وعندي سلع من حاجتك فإن أردت سلعة بعتكها أو قرضا من نفقة أقرضتك
فإنه لا يدخل بين النساء ما بين الرجال قالت: فوالله ما أراها قالت ذلك إلا لتفعل
فخفتها فكتمتها وقلت: ما أريد ذلك
موقفها مع أبو دجانة في غزوة
أحد:
ويقول الزبير بن العوام: وجدت في نفسي حين سألت رسول الله صلى الله
عليه و سلم السيف فمنعنيه و أعطاه أبا دجانة فقلت: و الله لأنظرن ما يصنع فاتبعته
فأخذ عصابة له حمراء فعصب بها رأسه و قالت الأنصار: أخرج أبو دجانة عصابة الموت و
هكذا كان يقول إذا عصب بها فخرج و هو يقول:
(أنا الذي عاهدني خليلي... و نحن
بالسفح لدى النخيل)
(أن لا أقوم الدهر في الكيول... أضرب بسيف الله و
الرسول)
فجعل لا يلقى أحدا إلا قتله و كان في المشركين رجل لا يدع لنا جريحا
إلا ذفف عليه فجعل كل واحد منهما يدنو من صاحبه فدعوت الله أن يجمع بينهما فالتقيا
فاختلفا ضربتين فضرب المشرك أبا دجانة فاتقاه بدرقته فعضت بسيفه و ضربه أبو دجانة
فقتله ثم رأيته محل السيف على رأس هند بنت عتبة ثم عدل السيف عنها
قال ابن
إسحاق: و قال أبو دجانة: رأيت إنسانا يحمس الناس حمسا شديدا فصمدت إليه فلما حملت
عليه السيف ولول فأكرمت سيف رسول الله صلى الله عليه و سلم أن أضرب به
امرأة.
موقفه مع هند بنت أثاثة في غزوة أحد:
قالت هند بنت عتبة تفتخر
حمزة وغيره ممن أصيب من المسلمين أنها علت على صخرة مشرفة فنادت بأعلى صوتها نحن
جزيناكم بيوم بدر... والحرب بعد الحرب ذات سعر ما كان عن عتبة لي من صبر... أبي
وعمي وشقيق بكري شفيت وحشي غليل صدري... شفيت نفسي وقضيت نذري وأجابتها هند بنت
أثاثة بن المطلب فقالت:
خزيت في بدر وغير بدر... يا بنت وقاع عظيم
الكفر
صبحك الله غداة الفجر... بالهاشميين الطوال الزهر
بكل قطاع
حسام يفري... حمزة ليثي وعلي صقري
موقفها مع أبي سفيان يوم فتح
مكة:
خرج أبو سفيان حتى إذا دخل مكة صرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش! هذا محمد
قد جاءكم بما لا قبل لكم به! فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن! فقامت إليه هند بنت
عتبة فأخذت بشاربه و قالت: اقتلوا
الحميت الدسم الأحمش! فقال أبو سفيان: لا
يغرنكم هذه من أنفسكم فإنه قد جاءكم بما لا قبل لكم به من دخل دار أبي سفيان فهو
آمن! قالو: قبحك الله! وما تغني دارك؟ قال: و من أغلق عليه بابه فهو آمن! و من دخل
المسجد فهو آمن فتفرق الناس إلى دورهم و إلى المسجد.
موقفها مع
معاوية:
قال معاوية بن أبي سفيان: لما كان عام الحديبية وصدت قريش رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن البيت ودافعوه بالراح وكتبوا بينهم القضية وقع الإسلام في
قلبي فذكرت ذلك لأمي هند بنت عتبة فقالت: إياك أن تخالف أباك وأن تقطع أمرا دونه
فيقطع عنك القوت وكان أبي يومئذ غائبا في سوق حباشة.
موقفها مع
عمر:
جاء عمر بن الخطاب إلى أبي سفيان فإذا هند بنت عتبة امرأته تهيئ أهبه
لها في المدينة فقال أين أبو سفيان فقالت هند ها هوذا وكان ناحية من البيت فقال
احتسبا واصبرا فقالا من يا أمير المؤمنين قال يزيد بن أبي سفيان فقالا من استعملت
على عمله قال معاوية بن أبي سفيان قالا وصلتك رحم وإنا لله وإنا إليه
راجعون.
من كلماتها:
قالت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان حين رجعوا من
أحد:
رجعت وفي نفسي بلابل جمة... وقد فاتني بعض الذي كان مطلبي من أصحاب بدر
من قريش وغيرهم... بني هاشم منهم ومن أهل يثرب
ولكنني قد نلت شيئا و لم
يكن... كما كنت أرجو في مسيري ومركبي
وفاتها:
شهدت اليرموك مع زوجها
وماتت يوم مات أبو قحافة في سنة أربع عشرة وهى أم معاوية بن أبي
سفيان.
المراجع:
الاستيعاب - البداية والنهاية - تاريخ الإسلام - أسد
الغابة - الطبقات الكبرى - الكامل في التاريخ - صحيح البخاري - الإصابة في تمييز
الصحابة - تفسير القرطبي - سيرة ابن كثير - تاريخ دمشق