اءني ذات يوم بين صلاتي المغرب والعشاء وأنا في مكتبي، وقد كان يتهرب مني حين يراني، شعرت أن بداخله كلمات تريد أن تخرج وتسبق لسانه، كان في وجهه القنوط والبؤس، والتشريد والضياع، تكالبت عليه الهموم والديون، تذبذب فكره، وضاع شيء من عقله، ضاع ماله وضيع أهله، بل قبل ذلك ضيع دينه.
جلس على الكرسي المقابل لي، فقلت له: حياك الله يا أخي، إنني أنتظر زيارتك لي منذ زمن، ولكن الحمدلله ما خاب ظني بك... فانهار دمعه!! على خديه وهو يتحدث ويقول: (والله أنا جيتك أبغاك تساعدني.. أنا مدمن للمخدرات.. وأنا أريد أن أتوب، أنا لم أسجد لله سجدة، كنت لا أعترف بالصلاة، أدخل المسجد وأصلي معكم مجاملة، أخشى الجزاء الإداري والجزاء الميداني والمناوبة، والحسم من الراتب، كنت أستهزئ بالدين الإسلامي، لا أحب الصلاح والصالحين، كنت لا أغتسل من الجنابة، لا أعرف الوضوء، كثير التأخر عن العمل، بل كثير الغياب... رفع فصلي من العمل عدة مرات، أقف في نوبتي فاشعل السيجارة تلو السيجارة، أستيقظ للعمل ولا أستيقظ للصلاة، بل لا أصلي بعد استيقاظي من النوم، يضرب بي المثل في الأخلاق السيئة مع رؤسائي وزملائي، مهمل لعهدتي وسلاحي..
كان وهو يتحدث دموعه تنهال قبل كلماته، وكنت أقول في نفسي، لا إله إلا الله، ما أقوى هذا الدين إذا تغلغل في الأرواح ولا إله إلا الله، ما أنفذ سلطان التوحيد إذا تملك القلوب؟
ثم توقف عن الكلام، وأنزل رأسه للأسفل، وقال بصوت منخفض: (بالأمس ذهبت لأحد أطباء الأعضاء التناسلية وقال لي: إنني فقدت القدرة على الإنجاب بسبب تعاطي مادة الحشيش، لقد كانوا يقولون لي: إنه يعطيك قوة جنسية ورغبة جامحة لا حدود لها، ولكنني اكتشفت الحقيقة المميتة، فقد أصابني العقم بعد أن كنت أتمتع بفحولة طبيعية، أصبحت أشك بمن هم حولي بسبب الحشيش، واليوم لا أدري ماذا أعمل...
قلت له: هون عليك يا أخي فإن باب التوبة مفتوح والطريق أمامك، وكلنا نخطئ وخير الخطائين التوابون، قال صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم: "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم آخرين يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم".
يا أخي، إن العبد كتب عليه الذنب، أما سمعت أيضاً قول ابن تيمية في وصيته لأبي القاسم المغربي (إن العبد لا بد له أن يذنب، وإن الذنب حكم على العبد، لكن عليه أن يستغفر فلا يعتذر أحد بالذنب).
يا أخي، إنك معترف بذنبك وهذه من محاسن العبد المؤمن، وقد اعترف بالذنب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من لدن آدم إلى محمد صلى الله عليه وسلم أجمعين، وفي صحيح مسلم أنه قال عليه الصلاة والسلام في دعاء الاستفتاح: "اللهم إني ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعاً" فإن المقر بالخطأ حري أن يتجاوز عنه وأن يسامح.
هذه القصة من مجلة الجندي المسلم العدد(116)