الحكم الأيوبي 569- 626 هـ /1173-1229م
تمكن السلطان صلاح الدين الأيوبي من إنشاء ملك خالص له في مصر ابتداء من عام 567 هـ على أنقاض الفاطميين، ومَدَّ سلطانه إلى الشام ليرث مملكة نور الدين الزنكي ، صاحب الفضل الأول في صعود نجم الأسرة الأيوبية، ومع ذلك أبقى صلاح الدين على ولائه للخلافة العباسية في بغداد، والتي أعانته في إضفاء شرعية على طموحه في توسيع مملكته، وكان على صلاح الدين الذي أخذ يحل في مصر قواعد المذهب السني الشافعي محل المذهب الفاطمي الشيعي - أن يتابع جهاده ضد الصليبيين الذين ظهروا على مسرح الأحداث في الشام ومصر مع نهاية الحكم الفاطمي. وكان طموح صلاح الدين في تأسيس مملكة واسعة له قد أقنعه بضرورة إرسال حملة إلى اليمن لضمها إلى مصر والشام في مجابهته للصليبيين ، خاصة وأن اليمن كانت تابعة للدولة الفاطمية المنهارة ، وإلى جانب الطموح السياسي لصلاح الدين في ضم اليمن إلى ملكه ، رويت أخبار عن رسائل من بعض أهل اليمن تشكو ولاتها وتطالب الدولة الفتية في مصر بالقدوم إلى اليمن ، فأرسل صلاح الدين الأيوبي أخاه توران شاه إلى اليمن عام 569هـ/ 1173م ، وكانت اليمن كما مر بنا منقسمةً على نفسها بين دول وقبائل تتصارع على السيادة والنفوذ، فأخذ الأيوبيون بسهولة أحياناً وببعض الصعوبات أخرى يقضون على تلك الدول دولة فدولة فبدءوا بدولة بني مهدي في زبيد .
ثم تحولوا للقضاء على دولة بني زريع في عدن وتعز ومخلاف جعفر (إب) ، ثم تطلعوا للقضاء على سلطة بني حاتم في صنعاء ، وفي الطريق جابهتهم قوات قبلية انتهت إلى صلح بدفع إتاوة مجزية للأيوبيين، وكان السلطان علي بن حاتم قد خرج من صنعاء فاراً من الأيوبيين ووجه لهم في نفس الوقت من يتفاوض معهم على صلح وافقوا عليه، وفيه دفع لأموال وأحصنة، وبهذا تكون دولة بني حاتم وإن احتفظت بسلطانها قد خضعت هي الأخرى لنفوذ الأيوبيين، ثم اتجه القائد الأيوبي إلى زبيد ومنها إلى تعز ثانية ومنه إلى مخلاف الحجرية حيث استولى على حصونها باستثناء حصن الدملوة حيث قاوم نائب الزريعيين هناك أبو الدر جوهر المعظمي ، ثم اختط توران شاه مكان قرية ذي عدينة مدينة تعز كمقر لحكمه بعد نصيحة أطبائه له بأنها طيبة الهواء والمكان الذي يصلح لإقامته، ومع ذلك فإن رسائله وشعره لأخيه صلاح الدين أظهرت شوقه لمصر وبلاد الشام التي افتقدها وافتقد خيرات لم يجدها في اليمن التي لم تغنِ عن مصر والشام شيئاً رغم كثرة أموالها وسعة ملكها كما وصفها السلطان صلاح الدين الأيوبي نفسه. وباقي تاريخ الأيوبيين في اليمن الذي زاد قليلاً عن نصف القرن قد توزع بين منافسات ولاة الأيوبيين وحرب الخارجين عليهم من آل حاتم وإمام الزيدية العالم الغزير عبد الله بن حمزة الذي ظهر في الجوف وصعدة عام 583 هـ للهجرة محاولاً استغلال ضعف آل حاتم ليستولي على صنعاء وليرسي ثانية نفوذاً للعلويين في اليمن، وهو ما كان الإمام أحمد بن سليمان قد حاوله وهو يشهد تصدع الدولة الصليحية عقب وفاة الملكة الصليحية السيدة بنت أحمد ، لكن وصول الأيوبيين إلى اليمن أعاقت طموحات الإمام أحمد بن سليمان واضطر لمصالحتهم والاعتراف بنفوذهم في جهاته، ثم دخل الإمام عبد الله بن حمزة في حروب مع زعماء الدولة الأيوبية في اليمن كانت الغلبة فيها لجيوش الأيوبيين .
ولعل أحد أسباب الهزيمة هذه يكمن في أن الإمام ابن حمزة كان قد بذل جهوداً حربية وفكرية جبارة للقضاء على فرقة المطرفية المنشقة على المذهب الزيدي وتمكن من إفنائهم فكراً وجسداً.
وآخر الولاة الأيوبيين في اليمن كان السلطان المسعود الأيوبي الذي تمكن من فرض هيبة الأيوبيين على مختلف القوى والمنافسين في اليمن ، وقد عاد إلى مصر عام 620 لزيارة والده السلطان الأيوبي الكامل مخلفاً الأمير نور الدين عمر بن علي بن رسول نائباً له في اليمن ، استمرت غيبة السلطان المسعودي في مصر أربع سنوات تمكن خلالها نائبه في اليمن وإخوته من السيطرة على الأمور في اليمن وتحقيق انتصارات مهمة على المنافسين من أبناء الإمام عبد الله بن حمزة، وغيرهم من رؤساء القبائل الطامحين، فعلت بذلك مكانتهم وعظمت قوتهم، وخُشي من تطلعهم إلى الاستقلال عن الأيوبيين فعاد السلطان الأيوبي المسعود إلى اليمن مكرهاً من قبل أبيه السلطان الكامل كما تذكر المصادر، إذ ما لبث أن عبر عن فرحته حين استدعاه أبوه السلطان الكامل ليتسلم ولاية الشام ، فغادر اليمن سنة 626 للهجرة مخلفاً عليها صديقه نور الدين عمر بن علي بن رسول ، وأوصاه بأن يستأثر لنفسه بالملك بعد موته، وأن لا يسمح لأحد من بني أيوب بدخول اليمن ولو كان أبوه السلطان نفسه مطوياً في كتاب، وقد مات السلطان مسعود في مكة وهو في طريقه إلى الشام، وهكذا مهد السبيل لظهور الدولة الرسولية في اليمن على يد مؤسسها: نور الدين عمر بن علي بن رسول الذي تلقب بعدئذ بالمنصور .
------------------------
المصدر : المركز الوطني للمعلومات برئاسة الجمهورية