إن معظم الاكتشافات والاختراعات العلمية يقوم بها غير
المسلمين في عصرنا الحاضر؛ والسبب في بذلك أن هؤلاء أخذوا بالأسلوب الصحيح في البحث
والاستقراء والتمسك بقواعد وأصول البحوث العلمية الجادة، ووفرت لهم حكوماتهم بيئات
علمية مناسبة، وسخرت لهم كل الإمكانيات المادية والوسائل المعينة،
فانتقلت إليهم
الريادة العلمية في شتى الميادين والمجالات العلمية، في حين أن المسلمين تخلفوا في
هذا المضمار، فكانت النتيجة الطبيعية طبقاً لسنة الله في الكون، وتمشياً مع قاعدة "ولكل
مجتهد نصيب" – وتلك عدالة الله بين خلقه - أن ووهب لهؤلاء العلمانيين ثمرة جهدهم
وإخلاصهم لتلك العلوم التجريبية، وأعطاهم ما يستحقونه من سبق كشف وتقدم ونبوغ في
الحياة الدنيا.
وإذا أراد المسلمون أن يعودوا إلى الصدارة في العلوم، ويحتلوا
مكانتهم الريادية التي كانت في أسلافهم، فعليهم أن يعودوا إلى الإصلاح ومنهجه
القويم، ويبحثوا عن أسباب التخلف العلمي ومواضيع النقص والخلل، لأن تشخيص الداء هو
أول خطوة لمعالجة المرض. ولن يكون الدواء نافعاً إلا بعد
معرفة الطبيب لنوع المرض وأسبابه؛ ولهذا فإن الدراسات التي تكشف عن مواطن الداء في بنية علماء الأمة، وتبين
العلاج لها فائق الأهمية وكبير الأثر في النهوض بالأمة، وخروجها من التخلف العلمي،
لتأخذ مكانتها اللائقة في الحياة، وتؤدي دورها الريادي الخالد في قيادة الأمم
وأستاذية البشرية، خاصة في العصر الذي انكشف فيه زيف المناهج والمذاهب الوضعية
والمادية التي أعلنت عن فشلها وإفلاسها في إسعاد البشرية أو وضع حد لمعاناتها
المتزايدة بسبب بعدها عن منهج الله تعالى.
ويومئذ يستحقون نصر الله وتأييده، ليس فقط في المجال العلمي بل في قيادة الأمم
والشعوب إلى الفلاح والنجاح وشاطئ الأمان. ولكن الخطر يكمن في سلوكيات علماء غير
المسلمين – العلمانيين- إذ أن معظمهم لا يتقيدون بآداب الديانات، ولا بالتعاليم
السماوية، ولا بأهداف شريفة لتسخير العلم لصالح البشرية، بل إنهم ينحرفون بالعلم
إلى تطبيقاته المدمرة، ويعملون لصالح استعلاء جنس على جنس، أو حضارة ضد أخرى، أو
للسيطرة السياسية والهيمنة الاقتصادية على الشعوب الضعيفة، واحتلال بلدانها،
وفرض
القيم والثقافات المعينة عليها، كما نلاحظ ونشاهد في أكثر من بقعة من بقاع العالم
الإسلامي. أرأيت كيف تكون الأمور لو أن قيادة العلوم والتقنية تمسك بها أيدي مسلمة
مؤمنة، تخشى الله واليوم الآخر، وتعمل على تسخير العلوم للبناء لا الهدم؟
إن من أهم وأسمى المبادئ في الإسلام الربط الوثيق بين تحصيل العلوم وتطبيقاتها
بتقوى الله تعالى وطاعته والالتزام الدقيق بما أحله وبما حرمه، وتبعاً لذلك فإن
العلوم واستخداماتها تستثمر لصالح الإنسان وسد حاجاته، والأخذ بيده إلى ما يصلح دينه
ودنياه. والإسلام ينهى عن استخدام العلوم للإضرار بالخلق، مثل إفساد البيئة والحياة
الحيوانية والنباتية والطبيعية، وإثارة الحروب، وتحقيق النزعات الشريرة في التسلط
والظلم والاستعلاء في الأرض واحتلال الأوطان. وقد كان علماء الإسلام في أيام مضت
يتصفون بضبط السلوك، والموضوعية، والبعد عن السيطرة على الآخرين، مع أنهم كانوا
رواداً للعلوم التجريبية والكونية، ويحملون رصيداً ضخماً من المعارف التطبيقية
والأبحاث العلمية، التي تعد الأساس المتين لتطور الحضارة الأوروبية والغربية،
بشهادة العديد من المنصفين الغربيين.
وإذا كان الأمر كذلك، وعالمنا الإسلامي يملك ثروات اقتصادية وعقول علمية، كان على
علمائه أن يدلو بدلوهم في صنع حضارة إنسانية شريفة، ويقوموا باجتياز الصعاب واختراق
الحواجز وتذليل المعوقات، لبناء قواعد ومراكز علمية وتقنية، تخدم أهداف أسلمة
العلوم التطبيقية، وتخرج العالم الإسلامي من دائرة الهوان والهزائم المتلاحقة. كما
أن على الحكومات الإسلامية وأولياء أمورها أن تقوم برعاية الموهوبين، وتعتني
بالعقول العلمية، وتوفر لهم البيئة المناسبة لممارسة التجارب والأنشطة العلمية،
وتقدم لهم الدعم المادي والمعنوي، وتحثهم على البقاء في أوطانهم وعدم الخروج إلى
العالم الآخر، وعدم تسخير طاقاتهم ومواهبهم لخدمة الغير. حينئذ نكون قد أخذنا
بالمنهج الصحيح، وانتقلنا من مرحلة الضعف إلى مرحلة القوة مصداقاً لقول الله سبحانه
وتعالى: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعلموا الصالحات
ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم
وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً... ) "النور:55".
كاتب المقال: فضل الله ممتاز
المصدر: مجلة منارات العدد 13
المسلمين في عصرنا الحاضر؛ والسبب في بذلك أن هؤلاء أخذوا بالأسلوب الصحيح في البحث
والاستقراء والتمسك بقواعد وأصول البحوث العلمية الجادة، ووفرت لهم حكوماتهم بيئات
علمية مناسبة، وسخرت لهم كل الإمكانيات المادية والوسائل المعينة،
فانتقلت إليهم
الريادة العلمية في شتى الميادين والمجالات العلمية، في حين أن المسلمين تخلفوا في
هذا المضمار، فكانت النتيجة الطبيعية طبقاً لسنة الله في الكون، وتمشياً مع قاعدة "ولكل
مجتهد نصيب" – وتلك عدالة الله بين خلقه - أن ووهب لهؤلاء العلمانيين ثمرة جهدهم
وإخلاصهم لتلك العلوم التجريبية، وأعطاهم ما يستحقونه من سبق كشف وتقدم ونبوغ في
الحياة الدنيا.
وإذا أراد المسلمون أن يعودوا إلى الصدارة في العلوم، ويحتلوا
مكانتهم الريادية التي كانت في أسلافهم، فعليهم أن يعودوا إلى الإصلاح ومنهجه
القويم، ويبحثوا عن أسباب التخلف العلمي ومواضيع النقص والخلل، لأن تشخيص الداء هو
أول خطوة لمعالجة المرض. ولن يكون الدواء نافعاً إلا بعد
معرفة الطبيب لنوع المرض وأسبابه؛ ولهذا فإن الدراسات التي تكشف عن مواطن الداء في بنية علماء الأمة، وتبين
العلاج لها فائق الأهمية وكبير الأثر في النهوض بالأمة، وخروجها من التخلف العلمي،
لتأخذ مكانتها اللائقة في الحياة، وتؤدي دورها الريادي الخالد في قيادة الأمم
وأستاذية البشرية، خاصة في العصر الذي انكشف فيه زيف المناهج والمذاهب الوضعية
والمادية التي أعلنت عن فشلها وإفلاسها في إسعاد البشرية أو وضع حد لمعاناتها
المتزايدة بسبب بعدها عن منهج الله تعالى.
ويومئذ يستحقون نصر الله وتأييده، ليس فقط في المجال العلمي بل في قيادة الأمم
والشعوب إلى الفلاح والنجاح وشاطئ الأمان. ولكن الخطر يكمن في سلوكيات علماء غير
المسلمين – العلمانيين- إذ أن معظمهم لا يتقيدون بآداب الديانات، ولا بالتعاليم
السماوية، ولا بأهداف شريفة لتسخير العلم لصالح البشرية، بل إنهم ينحرفون بالعلم
إلى تطبيقاته المدمرة، ويعملون لصالح استعلاء جنس على جنس، أو حضارة ضد أخرى، أو
للسيطرة السياسية والهيمنة الاقتصادية على الشعوب الضعيفة، واحتلال بلدانها،
وفرض
القيم والثقافات المعينة عليها، كما نلاحظ ونشاهد في أكثر من بقعة من بقاع العالم
الإسلامي. أرأيت كيف تكون الأمور لو أن قيادة العلوم والتقنية تمسك بها أيدي مسلمة
مؤمنة، تخشى الله واليوم الآخر، وتعمل على تسخير العلوم للبناء لا الهدم؟
إن من أهم وأسمى المبادئ في الإسلام الربط الوثيق بين تحصيل العلوم وتطبيقاتها
بتقوى الله تعالى وطاعته والالتزام الدقيق بما أحله وبما حرمه، وتبعاً لذلك فإن
العلوم واستخداماتها تستثمر لصالح الإنسان وسد حاجاته، والأخذ بيده إلى ما يصلح دينه
ودنياه. والإسلام ينهى عن استخدام العلوم للإضرار بالخلق، مثل إفساد البيئة والحياة
الحيوانية والنباتية والطبيعية، وإثارة الحروب، وتحقيق النزعات الشريرة في التسلط
والظلم والاستعلاء في الأرض واحتلال الأوطان. وقد كان علماء الإسلام في أيام مضت
يتصفون بضبط السلوك، والموضوعية، والبعد عن السيطرة على الآخرين، مع أنهم كانوا
رواداً للعلوم التجريبية والكونية، ويحملون رصيداً ضخماً من المعارف التطبيقية
والأبحاث العلمية، التي تعد الأساس المتين لتطور الحضارة الأوروبية والغربية،
بشهادة العديد من المنصفين الغربيين.
وإذا كان الأمر كذلك، وعالمنا الإسلامي يملك ثروات اقتصادية وعقول علمية، كان على
علمائه أن يدلو بدلوهم في صنع حضارة إنسانية شريفة، ويقوموا باجتياز الصعاب واختراق
الحواجز وتذليل المعوقات، لبناء قواعد ومراكز علمية وتقنية، تخدم أهداف أسلمة
العلوم التطبيقية، وتخرج العالم الإسلامي من دائرة الهوان والهزائم المتلاحقة. كما
أن على الحكومات الإسلامية وأولياء أمورها أن تقوم برعاية الموهوبين، وتعتني
بالعقول العلمية، وتوفر لهم البيئة المناسبة لممارسة التجارب والأنشطة العلمية،
وتقدم لهم الدعم المادي والمعنوي، وتحثهم على البقاء في أوطانهم وعدم الخروج إلى
العالم الآخر، وعدم تسخير طاقاتهم ومواهبهم لخدمة الغير. حينئذ نكون قد أخذنا
بالمنهج الصحيح، وانتقلنا من مرحلة الضعف إلى مرحلة القوة مصداقاً لقول الله سبحانه
وتعالى: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعلموا الصالحات
ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم
وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً... ) "النور:55".
كاتب المقال: فضل الله ممتاز
المصدر: مجلة منارات العدد 13