إسحاق بن راهويه
هو الإمام الكبير، شيخ المشرق ، سيد الحفاظ، أبو يعقوب .
فأنبأني أبو الغنائم القيسي ، أخبرنا الكندي ، أخبرنا القزاز ، أخبرنا الخطيب ، قال : حدثني أبو الخطاب العلاء بن أبي المغيرة بن أحمد بن حزم ، عن ابن عمه أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم ، قال : هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن إبراهيم بن عبد الله بن مطر بن عبيد الله بن غالب بن وارث بن عبيد الله بن عطية بن مرة بن كعب بن همام بن أسد بن مرة بن عمرو بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم التميمي ثم الحنظلي المروزي ، نزيل نيسابور .
قلت : مولده في سنة إحدى وستين ومائة .
وسمع من ابن المبارك ، فما أقدم على الرواية عنه ، لكونه كان مبتدئا ، لم يتقن الأخذ عنه ، وقد ارتحل في سنة أربع وثمانين ومائة ، ولقي الكبار ، وكتب عن خلق من أتباع التابعين ، وسمع الفضل بن موسى السيناني ، والفضيل بن عياض ، ومعتمر بن سليمان ، وعبد العزيز بن عبد الصمد العمي ، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي ، وأبا خالد الأحمر ، وجرير بن عبد الحميد ، وسفيان بن عيينة ، وعيسى بن يونس ، وأبا تميلة يحيى بن واضح ، وعتاب بن بشير الجزري ، وأبا معاوية الضرير ، ومرحوم بن عبد العزيز ، وعبد الله بن وهب ، ومخلد بن يزيد ، وحاتم بن إسماعيل ، وعمر بن هارون البلخي ، ومحمد بن جعفر غندرا ، والوليد بن مسلم ، وإسماعيل ابن علية ، ووكيع بن الجراح ، وبقية بن الوليد ، وحفص بن غياث ، وعبد الله بن إدريس ، والوليد بن مسلم ، وشعيب بن إسحاق ، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى السامي ، والنضر بن شميل ، ومحمد بن فضيل ، ويزيد بن هارون ، وأسباط بن محمد ، وعبد الوهاب الثقفي ، ويحيى بن سعيد القطان ، وأبا بكر بن عياش ، وعبيدة بن حميد ، وعبد الرحمن بن مهدي ، وعبد الرزاق ، وأمما سواهم بخراسان والعراق والحجاز واليمن والشام .
حدث عنه : بقية بن الوليد ، ويحيى بن آدم ، وهما من شيوخه ، وأحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، وهما من أقرانه ، وإسحاق بن منصور ، ومحمد بن يحيى ، ومحمد بن إسماعيل البخاري ، ومسلم بن الحجاج في " صحيحيهما " ، وأبو داود ، والنسائي في " سننهما " ، ومحمد بن عيسى السلمي في " جامعه " ، وأحمد بن سلمة ، وإبراهيم بن أبي طالب ، وموسى بن هارون ، ومحمد بن نصر المروزي ، وداود بن علي الظاهري ، وعبد الله بن محمد بن شيرويه ، وولده محمد بن إسحاق ، وجعفر الفريابي ، وإسحاق بن إبراهيم البشتي -بشين معجمة- والحسين بن محمد القباني ، ومحمد بن النضر الجارودي ، وأبو العباس الحسن بن سفيان ، وأبو العباس السراج خاتمة أصحابه ، وخلق سواهم .
وقد وقع لي حديثه عاليا .
فأخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق ، أخبرنا الفتح بن عبد الله الكاتب ، أخبرنا محمد بن عمر الأرموي ، ومحمد بن أحمد الطرائفي ، ومحمد بن علي ، قالوا : أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة ، أخبرنا أبو الفضل عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري ، حدثنا جعفر بن محمد الفريابي ، حدثنا إسحاق بن راهويه ، أخبرنا عيسى بن يونس ، حدثنا الأوزاعي ، عن هارون بن رئاب ، أن عبد الله بن عمرو لما حضرته الوفاة ، خطب إليه رجل ابنته ، فقال له : إني قد قلت فيه قولا شبيها بالعدة ، وأني أكره أن ألقى الله بثلث النفاق .
أخبرنا أحمد بن هبة الله بن تاج الأمناء ، عن عبد الرحيم بن عبد الكريم الشافعي في كتابه من مرو ، قال : أخبرنا سعيد بن حسين الريوندي سنة أربع وأربعين وخمس مائة ، أخبرنا الفضل بن المحب ، وأخبرنا أحمد عن عبد الرحيم ، أخبرنا هبة الرحمان بن عبد الواحد ، أخبرنا جدي أبو القاسم القشيري ، قالا : أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد القنطري ، أخبرنا محمد بن إسحاق السراج ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا المعتمر ، سمعت أبي يحدث عن أبي مجلز ، عن أنس -رضي الله عنه- قال : قنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شهرا بعد الركوع يدعو على رعل وذكوان ، ويقول : عُصيّة عصت الله ورسوله أخرجه مسلم عن إسحاق ، فوافقناه بعلو درجة .
أخبرنا عبد الله بن يحيى المفيد في كتابه ، أخبرنا إبراهيم بن بركات ، أخبرنا علي بن الحسن الحافظ ، أخبرنا أبو القاسم النسيب ، أخبرنا أبو بكر الخطيب ، أخبرنا علي بن أحمد الرزاز ، أخبرنا جعفر بن محمد بن الحكم ، حدثنا أحمد بن علي الأبار ، حدثنا الوليد بن شجاع ، حدثني بقية ، عن إسحاق بن راهويه ، أخبرنا المعتمر ، عن ابن فضاء ، عن أبيه ، عن علقمة بن عبد الله ، عن أبيه ، قال : نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن كسر سكة المسلمين الجائزة بينهم .
أخبرنا أحمد بن هبة الله ، عن زينب بنت عبد الرحمن ، أخبرنا إسماعيل بن أبي القاسم سنة إحدى وثلاثين وخمس مائة ، أخبرنا عبد الغافر بن محمد الفارسي سنة ثمان وأربعين وأربع مائة ، أخبرنا إبراهيم بن عبد الله الأصبهاني سنة اثنتين وسبعين وثلاث مائة ، أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسين الماسرجسي ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ، أخبرنا عيسى بن يونس ، عن الأعمش ، عن أنس بن مالك ، قال : كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قاعدا تحت نخلة ، فهاجت ريح ، فقام فزعا . فقيل له ، فقال : إني تخوفت الساعة إسناده ثقات؛ لكن الأعمش مدلس مع أنه قد رأى أنس بن مالك وحكى عنه .
أخبرنا أبو المعالي الأبرقوهي ، أخبرنا أبو الفرج بن عبد السلام ، أخبرنا أبو الفضل الأرموي ، وأبو غالب بن الداية ، وأبو عبد الله الطرائفي ، أخبرنا محمد بن أحمد ، أخبرنا عبيد الله الزهري ، أخبرنا جعفر الفريابي ، حدثنا إسحاق بن راهويه ، أخبرنا النضر بن شميل ، أخبرنا أبو معشر ، عن سعيد هو المقبري ، عن أبي هريرة ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : ثلاث من كن فيه فهو منافق : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا ائتمن خان. قال رجل : يا رسول الله ، ذهبت اثنتان ، وبقيت واحدة ؟ قال : فإن عليه شعبة من نفاق ، ما بقي فيه منهن شيء هذا حديث حسن الإسناد . وأبو معشر نجيح السندي صدوق في نفسه ، وما هو بالحجة . و أما المتن ، فقد رواه جماعة عن أبي هريرة . وفيه دليل على أن النفاق يتبعَّض ويتشعب ، كما أن الإيمان ذو شعب ويزيد وينقص ، فالكامل الإيمان من اتصف بفعل الخيرات ، وترك المنكرات وله قُرَب ماحية لذنوبه ، كما قال تعالى : إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ إلى قوله : أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا وقال قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ إلى قوله : أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ ودون هؤلاء خلق من المؤمنين الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ، ودونهم عصاة المسلمين ، ففيهم إيمان ينجون به من خلود عذاب الله تعالى وبالشفاعة . ألا تسمع إلى الحديث المتواتر أنه يخرج من النار من في قلبه وزن ذرة من إيمان وكذلك شعب النفاق من الكذب والخيانة والفجور والغدر والرياء ، وطلب العلم ليقال ، وحب الرئاسة والمشيخة ، وموادة الفجار والنصارى . فمن ارتكبها كلها ، وكان في قلبه غل النبي -صلى الله عليه وسلم- أو خرج من قضاياه ، أو يصوم رمضان غير محتسب ، أو يجوز أن دين النصارى أو اليهود دين مليح ، ويميل إليهم . فهذا لا ترتب في أنه كامل النفاق ، وأنه في الدرك الأسفل من النار ، وصفاته الممقوتة عديدة في الكتاب والسنة من قيامه إلى الصلاة كسلان ، وأدائه الزكاة وهو كاره ، وإن عامل الناس فبالمكر والخديعة ، قد اتخذ إسلامه جنة ، نعوذ بالله من النفاق ، فقد خافه سادة الصحابة على نفوسهم .
فإن كان فيه شعبة من نفاق الأعمال ، فله قسط من المقت حتى يدعها ، ويتوب منها ، أما من كان في قلبه شك من الإيمان بالله ورسوله ، فهذا ليس بمسلم وهو من أصحاب النار ; كما أن من في قلبه جزم بالإيمان بالله ورسله وملائكته وكتبه وبالمعاد ، وإن اقتحم الكبائر ، فإن ليس بكافر.
قال تعالى : هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ .
وهذه مسألة كبيرة جليلة ، قد صنف فيها العلماء كتبا ، وجمع فيها الإمام أبو العباس شيخنا مجلدا حافلا قد اختصرته . نسأل الله -تعالى- أن يحفظ علينا إيماننا حتى نوافيه به .
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل : سمعت أبي ، سمعت إسحاق بن راهويه يحدث عن عيسى بن يونس ، قال : لو أردت أبا بكر بن أبي مريم على أن يجمع لي فلانا وفلانا لفعل ، يعني : يقول : عن راشد بن سعد ، وحبيب بن عبيد ، وضمرة ، ثم قال عبد الله : ما روى أبي عن إسحاق سوى هذا .
قال موسى بن هارون : قلت لإسحاق : من أكبر أنت أو أحمد بن حنبل ؟ قال : هو أكبر مني في السن وغيره . ثم قال موسى : كان مولد إسحاق سنة ست وستين ومائة فيما يرى موسى .
قلت : قد قدمنا أن مولده قبل هذا بمدة ، فموسى لم يحرر ذلك .
قال محمد بن رافع : قال لي إسحاق : كتب عني يحيى بن آدم ألفي حديث .
قال حاشد بن إسماعيل : سمعت وهب بن جرير ، يقول : جزى الله إسحاق بن راهويه ، وصدقة بن الفضل ، ويعمر عن الإسلام خيرا ، أحيوا السنة بالمشرق . قلت : يعمر : هو ابن بشر .
قال أبو حاتم البستي في مقدمة كتاب " الضعفاء " أخبرنا محمد بن عمر بن محمد الهمذاني ، حدثنا أبو يحيى المستملي ، حدثنا أبو جعفر الجوزجاني ، حدثني أبو عبد الله البصري ، قال : أتيت إسحاق بن راهويه ، فسألته شيئا ، فقال : صنع الله لك . قلت : لم أسألك صنع الله ، إنما سألتك صدقة ، فقال : لطف الله لك ، قلت : لم أسألك لطف الله ، إنما سألتك صدقة . فغضب وقال : الصدقة لا تحل لك . قلت : ولم ؟ قال : لأن جريرا حدثنا عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : لا تحل الصدقة لغني ، ولا للذي مِرّة سوي فقلت : ترقق ، يرحمك الله ، فمعي حديث في كراهية العمل . قال إسحاق : وما هو ؟ قلت : حدثني أبو عبد الله الصادق الناطق ، عن أفشين ، عن إيتاخ ، عن سيماء الصغير ، عن عُجيف بن عنبسة ، عن زُغملُجُ بن أمير المؤمنين ، أنه قال : العمل شؤم ، وتركه خير ، تقعد تَمَنَّى خير من أن تعمل تَعَنَّى فضحك إسحاق ، وذهب غضبه . وقال : زدنا فقلت : وحدثنا الصادق الناطق بإسناده عن عجيف ، قال : قعد زغلمج في جلسائه ، فقال : أخبروني بأعقل الناس ، فأخبر كل واحد بما عنده ، لقال : لم تصيبوا . بل أعقل الناس الذي لا يعمل؛ لأن من العمل[ يجيء] التعب ، ومن التعب يجيء المرض ، ومن المرض يجيء الموت ، ومن عمل ، فقد أعان على نفسه . والله يقول : وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ فقال : زدنا من حديثك . فقال : وحدثني [أبو عبد الله] الصادق الناطق بإسناده عن زغلمج ، قال : من أطعم أخاه شواء غفر الله له عدد النوى ، ومن أطعم أخاه هريسة ، غفر له مثل الكنيسة ، ومن أطعم أخاه جنب غفر الله له كل ذنب . فضحك إسحاق ، وأمر له بدرهمين ورغيفين . أوردها ابن حبان ، ولم يضعفها .
قال أحمد بن سلمة : سمعت إسحاق يقول : قال لي الأمير عبد الله بن طاهر : لم قيل لك : ابن راهويه ؟ وما معنى هذا ؟ وهل تكره أن يقال لك ذلك ؟ قال : اعلم أيها الأمير أن أبي ولد في طريق مكة ، فقالت المراوزة : راهويه ؛ لأنه وُلد في الطريق ، وكان أبي يكره هذا . وأما أنا ، فلا أكرهه .
قال الحاكم : أخبرني الحسن بن خالد بن محمد الصائغ ، حدثنا نصر بن زكريا ، سمعت إسحاق بن إبراهيم ، يقول : سألني يحيى بن معين ، عن حديث الفضل بن موسى . . . ، حديث ابن عباس : كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يلحظ في الصلاة ، ولا يلوي عنقه خلف ظهره .
قال : فحدثته به ، فقال له رجل : يا أبا زكريا ، رواه وكيع بخلاف هذا . فقال : اسكت إذا حدثك أبو يعقوب أمير المؤمنين فتشك فيه ؟ وعن محمد بن يحيى الصفار ، قال : لو كان الحسن البصري في الأحياء ، لاحتاج إلى إسحاق في أشياء كثيرة .
وقال الحاكم : سمعت يحيى بن محمد العنبري ، سمعت محمد بن أحمد بن بالويه ، سمعت إسحاق ، يقول : دخلت على ابن طاهر ، وإذا عنده إبراهيم بن أبي صالح ، فقال له : يا إبراهيم ، ما تقول في غسيل الثياب ؟ قال : فريضة ، قال : من أين تقول ؟ قال من قوله تعالى : وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ فكأن عبد الله بن طاهر استحسنه .
فقلت : أعز الله الأمير ، كذب هذا . أخبرنا وكيع ، حدثنا إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ قال : قلبك فنقِّه .
وأخبرنا روح ، حدثنا ابن أبي عروبة ، عن قتادة : وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ قال : عملك فأصلحه . ثم ذكر إسحاق قول ابن عباس : " من قال في القرآن برأيه ، فليتبوأ مقعده من النار " . فقال ابن طاهر : يا إبراهيم ، إياك أن تنطق في القرآن بغير علم .
قال قائل : ما دلت الاية على واحد من الأقوال المذكورة ، بل هي نص في غسل النجاسة من الثوب ، فنعوذ بالله من تحريف كتابه .
قال الحاكم : حدثنا أبو زكريا العنبري ، حدثنا أحمد بن سلمة ، سمعت إسحاق ، يقول : قال لي عبد الله بن طاهر : بلغني أنك شربت البلاذر للحفظ ؟ قلت : ما هممت بذلك ، ولكن أخبرني معتمر بن سليمان ، قال : أخبرنا عثمان بن ساج ، عن خصيف ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : خذ مثقالا من كندر ، ومثقالا من سكر ، فدقهما ثم اقتحمهما على الريق؛ فإنه جيد للنسيان والبول . فدعا عبد الله بقرطاس فكتبه .
وسمعت العنبري ، سمعت أبي ، سمعت عبد الله بن محمد الفراء قال : دخلت على يحيى بن يحيى ، فسألته عن إسحاق ، فقال : ليوم من إسحاق أحب إلي من عمري .
وقال محمد بن عبد الوهاب الفراء : رحم الله إسحاق ، ما كان أفقهه وأعلمه .
قال داود بن الحسين البيهقي : سمعت إسحاق الحنظلي ، وسئل عن الجماعة : أفريضة هي ؟ قال : نعم . عبد الله بن الخوارزمي : سمعت إسحاق الحنظلي ، يقول : أخرجت خراسان ثلاثة لا نظير لهم البدعة والكذب : جهم ، وعمر بن صبيح ، ومقاتل . محمد بن صالح بن هانئ : سمعت إبراهيم بن محمد الصيدلاني ، يقول : كنت في مجلس إسحاق ، فسأله سلمة بن شبيب عمن يحدث بالأجر ؟ قال : لا تكتب عنه . أخبرنا حكام بن سلم ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، قال : مكتوب في الكتب : علِّم مجَّانا كما عُلِّمت مجانا .
بخط أبي عمرو المستملي : سمعت أبا أحمد محمد بن عبد الوهاب ، سمعت إسحاق بن إبراهيم ، وسئل عن رجل ترك بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فقال : من ترك " ب " ، أو " س " أو " م " منها ، فصلاته فاسدة ؛ لأن الحمد سبع آيات .
وقال ابن المبارك : من تركها ، فقد ترك مائة وثلاث عشرة آية من كتاب الله تعالى .
قال الحاكم : إسحاق بن راهويه إمام عصره في الحفظ والفتوى ، سكن نيسابور ، ومات بها . وقيل : إن أصله مروزي ، خرج إلى العراق في سنة أربع وثمانين ، وهو ابن ثلاث وعشرين سنة .
قال محمد بن نعيم : سمعت إسحاق الحنظلي ، يقول : أدخل الحمام ، وأنا شيخ ، وأخرج وأنا شاب .
قال الحاكم : أصحاب إسحاق عندنا على ثلاث طبقات : فالأولى محمد بن يحيى ، وإبراهيم بن عبد الله السعدي ، ومحمد بن عبد الوهاب العبدي ، وأحمد بن يوسف السلمي ، وإسحاق بن إبراهيم العفصي ، وعلي بن الحسن الداربجردي . وحامد بن أبي حامد المقرئ ، وخشنام بن الصديق ، وعبد الله بن محمد الفراء ، ويحيى بن الذهلي .
الطبقة الثانية : مسلم بن الحجاج ، وسرد جماعة .
الطابقة الثالثة : خاتمتهم أبو العباس السراج .
قال حرب الكرماني : قلت لإسحاق : مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ كيف تقول فيه ؟ قال : حيثما كنت ، فهو أقرب إليك من حبل الوريد ، وهو بائن من خلقه ، وأبين شيء في ذلك قوله : الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى .
وقال أبو بكر المروذي ، حدثنا محمد بن الصباح النيسابوري ، حدثنا أبو داود سليمان بن داود الخفاف ، قال : قال إسحاق بن راهويه : إجماع أهل العلم أنه تعالى على العرش استوى ، ويعلم كل شيء في أسفل الأرض السابعة .
قال نعيم بن حماد : إذا رأيت الخراساني يتكلم في إسحاق بن راهويه ، فاتهمه في دينه . وقال أحمد بن حفص السعدي ، شيخ ابن عدي : سمعت أحمد بن حنبل ، يقول : لم يعبر الجسر إلى خراسان مثل إسحاق ، وإن كان يخالفنا في أشياء ؛ فإن الناس لم يزل يخالف بعضهم بعضا .
وقال محمد بن أسلم الطوسي ، حين مات إسحاق : ما أعلم أحدا كان أخشى لله من إسحاق ، يقول الله تعالى : إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ قال : وكان أعلم الناس . ولو كان سفيان الثوري في الحياة ، لاحتاج إلى إسحاق .
وقال أحمد بن سعيد الرباطي : لو كان الثوري والحمادان في الحياة ، لاحتاجوا إلى إسحاق في أشياء كثيرة .
قال أبو محمد الدارمي : ساد إسحاق أهل المشرق والمغرب بصدقه .
قال محمد بن إسحاق السراج : أنشد رجل على قبر إسحاق ، فقال : وكيـف احتمـالي للسحـاب صنيعـه
بإسقائـه قبـرا وفـي لحـده بحـر
قال السراج : أخبرني عبد الله بن محمد ، سمعت أبا عبد الله البخاري ، يقول :
قال علي بن حجر : لم يخلف إسحاق يوم فارق مثله بخراسان علما وفقها . بيَّــض اللـه وجهــه ووقــاه
فـزعـا يـوم القمطريـر وهـوله وأثـاب الفـردوس مـن قـال آميـ
ــن وأعطـاه يـوم يلقاه سؤلـه
قال أبو نعيم الحافظ : كان إسحاق قرين أحمد ، وكان للآثار مثيرا ، ولأهل الزيغ مُبيرا .
قال حنبل : سمعت أبا عبد الله ، وسئل عن إسحاق بن راهويه ، فقال : مثل إسحاق يسأل عنه ؟ ! إسحاق عندنا إمام .
وعن الإمام أحمد أيضا ، قال : لا أعرف لإسحاق في الدنيا نظيرا .
قال النسائي : ابن راهويه أحد الأئمة ، ثقة مأمون . سمعت سعيد بن ذؤيب ، يقول : ما أعلم على وجه الأرض مثل إسحاق . وقال إمام الأئمة ابن خزيمة : والله لو كان إسحاق في التابعين ، لأقروا له بحفظه وعلمه وفقهه . علي بن خشرم : حدثنا ابن فضل ، عن ابن شبرمة ، عن الشعبي ، قال : ما كتبت سوداء في بيضاء إلى يومي هذا ، ولا حدثني رجل بحديث قط إلا حفظته . قال علي : فحدثت بهذا إسحاق بن راهويه ، فقال : تعجب من هذا ؟ قلت : نعم . قال : ما كنت أسمع شيئا إلا حفظته ، وكأني أنظر إلى سبعين ألف حديث -أو قال : أكثر- في كتبي .
قال أبو داود الخفاف : سمعت إسحاق بن راهويه ، يقول : لكأني أنظر إلى مائة ألف حديث في كتبي ، وثلاثين ألفا أسردها . قال : وأملى علينا إسحاق أحد عشر ألف حديث من حفظه ، ثم قرأها علينا ، فما زاد حرفا ، ولا نقص حرفا . هذه الحكاية رواها الحافظ ابن عدي ، عن يحيى بن زكريا بن حيويه ، سمع أبا داود فذكرها . فهذا والله الحفظ .
وعن إسحاق بن راهويه ، قال : ما سمعت شيئا إلا وحفظته ، ولا حفظت شيئا قط فنسيته .
أبو يزيد محمد بن يحيى : سمعت إسحاق ، يقول : أحفظ سبعين ألف حديث عن ظهر قلبي .
وقال أحمد بن سلمة : سمعت أبا حاتم الرازي ، يقول : ذكرت لأبي زرعة حفظ إسحاق بن راهويه ، فقال أبو زرعة : ما رئي أحفظ من إسحاق ، ثم قال أبو حاتم : والعجب من إتقانه ، وسلامته من الغلط مع ما رزق من الحفظ . فقلت لأبي حاتم : إنه أملى التفسير عن ظهر قلبه . قال : وهذا أعجب ؛ فإن ضبط الأحاديث المسندة أسهل وأهون من ضبط أسانيد التفسير وألفاظها .
وقال إبراهيم بن أبي طالب الحافظ : فاتني عن إسحاق مجلس من مسنده ، وكان يمله حفظا ، فتردد إليه ليعيده ، فعذر فقصدته يوما لأسأله إعادته ، وقد حملت إليه حنطة من الرُّستاق ، فقال لي : تقوم عندي وتكتب وزن هذه الحنطة ، فإذا فرغت ، أعدت لك . ففعلت ذلك ، فسألني عن أول حديث من المجلس ، ثم اتكأ على عُضادة الباب ، فأعاد المجلس حفظا . وكان قد أملى " السند " كله حفظا .
قال البرقاني : قرأنا على أبي بكر أحمد بن إبراهيم الخوارزمي بها ، حدثكم عبد الله بن إبي القاضي ، سمعت إسحاق بن راهويه ، يقول : تاب رجل من الزندقة ، وكان يبكي ، ويقول : كيف تقبل توبتي ، وقد زورت أربعة آلاف حديث تدور في أيدي الناس ؟ .
قال أبو عبد الله بن الأخرم : سمعت محمد بن إسحاق بن راهويه ، يقول : دخلت على أحمد بن حنبل ، فقال : أنت ابن أبي يعقوب ؟ قلت : بلى . قال : أما إنك لو لزمته ، كان أكثر لفائدتك ، فإنك لم تر مثله .
قال قتيبة بن سعيد : الحفاظ بخراسان : إسحاق بن راهويه ، ثم عبد الله الدارمي ، ثم محمد بن إسماعيل . وقال أحمد بن يوسف السلمي : سمعت يحيى بن يحيى ، يقول : قالت لي امرأتي : كيف تقدم إسحاق بين يديك ، وأنت أكبر منه ؟ قلت : إسحاق أكثر علما مني ، وأنا أسن منه .
قال عبد الله بن أحمد بن شبويه : سمعت أحمد بن حنبل ، يقول : إسحاق لم تلقَ مثله .
وعن فضل بن عبد الله الحميري ، قال : سألت أحمد بن حنبل عن إسحاق ، فقال : لم نرَ مثله ، والحسين بن عيسى البسطامي فقيه ، وأما إسماعيل بن سعيد الشالنجي . ففقيه عالم ، وأما أبو عبد الله العطار ، فبصير بالعربية والنحو ، وأما محمد بن أسلم ، فلو أمكنني زيارته لزرته .
قال أحمد بن سلمة : قلت لأبي حاتم : أقبلت على قول أحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ؟ فقال : لا أعلم في دهر ولا عصر مثل هذين الرجلين .
قال داود بن الحسين البيهقي : سمعت إسحاق الحنظلي يقول : دخلت على عبد الله بن طاهر الأمير ، وفي كمي تمر آكله ، فنظر إلي وقال : يا أبا يعقوب ، إن لم يكن تركك للرياء من الرياء ، فما في الدنيا أقل رياء منك .
وهذه أبيات لأحمد بن سعيد الرباطي : قُــربِي إلــى اللــه دعانـي
إلـى حـب أبـي يعقـوب إسحـاق لـم يجعـل القـرآن خلقـا كمـا
قــد قالــه زنـديـق فســاق يـا حجــة اللـه علـى خلقـه
فـي سـنة المـاضيـن للباقــي أبـوك إبـراهيـم محـض التُّقـى
سـبَّاق مجــد وابــن سـبـاق
قال أحمد بن كامل : أخبرنا أبو يحيى الشعراني ، أن إسحاق توفي سنة ثمان وثلاثين، وأنه -رحمه الله- كان يخضب بالحناء . وقال : ما رأيت بيده كتابا قط ، وما كان يحدث إلا حفظا . وقال : كنت إذا ذاكرت إسحاق العلم ، وجدته فيه بحرا فردا . فإذا جئت إلى أمر الدنيا رأيته لا رأي له .
قلت : قد كان مع حفظه إماما في التفسير ، رأسا في الفقه ، من أئمة الاجتهاد .
قال أحمد بن سلمة : سمعت إسحاق الحنظلي -رضي الله عنه- يقول : ليس بين أهل العلم اختلاف أن القرآن كلام الله ليس بمخلوق ، وكيف يكون شيء خرج من الرب -عز وجل- مخلوقا ؟ ! .
قال أبو العباس السراج : سمعت إسحاق الحنظلي ، يقول : دخلت على طاهر بن عبد الله بن طاهر ، وعنده منصور بن طلحة ، فقال لي منصور : يا أبا يعقوب ، تقول : إن الله ينزل كل ليلة ؟ قلت : نؤمن به . إذا أنت لا تؤمن أن لك في السماء ربا ، لا تحتاج أن تسألني عن هذا . فقال له طاهر الأمير : ألم أنْهك عن هذا الشيخ ؟ .
قال أبو داود السجستاني : سمعت ابن راهويه ، يقول : من قال : لا أقول مخلوق ، ولا غير مخلوق ، فهو جهمي . وورد عن إسحاق أن بعض المتكلمين ، قال له : كفرت برب ينزل من سماء إلى سماء . فقال : آمنت برب يفعل ما يشاء .
قلت : هذه الصفات من الاستواء والإتيان والنزول ، قد صحت بها النصوص ، ونقلها الخلف عن السلف ، ولم يتعرضوا لها برد ولا تأويل ، بل أنكروا على من تأولها مع إصفاقهم على أنها لا تشبه نعوت المخلوقين ، وأن الله ليس كمثله شيء ، ولا تنبغي المناظرة ، ولا التنازع فيها ؛ فإن في ذلك محاولة للرد على الله ورسوله ، أو حوما على التكيف ، أو التعطيل .
قال أبو عبد الله الحاكم : إسحاق ، وابن المبارك ، ومحمد بن يحيى هؤلاء دفنوا كتبهم .
قلت : هذا فعله عدة من الأئمة ، وهو دالٌّ أنهم لا يرون نقل العلم وِجادة ؛ فإن الخط قد يتصحف على الناقل ، وقد يمكن أن يزاد في الخط حرف فيغير المعنى ، ونحو ذلك . وأما اليوم فقد اتسع الخرق ، وقل تحصيل العلم من أفواه الرجال ، بل ومن الكتب غير المغلوطة ، وبعض النقلة للمسائل قد لا يحسن أن يتهجى .
قال الدولابي : قال محمد بن إسحاق بن راهويه : وُلد أبي في سنة ثلاث وستين ومائة وتوفي ليلة نصف شعبان سنة ثمان وثلاثين ومائتين . قال : وفيه يقول الشاعر : يـا هـدَّة ما هددنـا ليلة الأحـد
فـي نصف شعبان لا تنسى بـد الأبد وقال أبو عبد الله البخاري : توفي ليلة نصف شعبان ، وله سبع وسبعون سنة . ثم قال الخطيب عقيب هذا : فهذا يدل على أن مولده في سنة إحدى وستين ومائة .
فائدة لا فائدة فيها ، نحكيها لِنُلِيشَها . قال أبو عبيد محمد بن على الآجري صاحب كتاب " مسائل أبي داود " - وما علمت أحدا لينه - : سمعت أبا داود السجستاني ، يقول : إسحاق بن راهويه تغير قبل موته بخمسة أشهر . وسمعت منه في تلك الأيام ، فرميت به .
قلت : فهذه حكاية منكرة . وفي الجملة فكل أحد يتعلل قبل موته غالبا ، ويمرض ، فيبقى أيام مرضه متغير القوة الحافظة ، ويموت إلى رحمة الله على تغيره ، ثم قبل موته بيسير يختلط ذهنه ، ويتلاشى علمه ، فإذا قضى ، زال بالموت حفظه . فكان ماذا ؟ أفبمثل هذا يلين عالم قط ؟ ! كلا والله ، ولا سيما مثل هذا الجبل في حفظه وإتقانه .
نعم ما علمنا استغربوا من حديث ابن راهويه على سعة علمه سوى حديث واحد ، وهو حديثه عن سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس ، عن ميمونة في الفأرة التي وقعت في سمن ، فزاد إسحاق في المتن من دون سائر أصحاب سفيان هذه الكلمة وإن كان ذائبا فلا تقربوه ولعل الخطأ فيه من بعض المتأخرين ، أو من راويه عن إسحاق . نعم وحديث تفرد به جعفر بن محمد الفريابي ، قال : حدثنا إسحاق ، حدثنا شبابة ، عن الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، عن أنس ، قال : كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا كان في سفر فزالت الشمس صلى الظهر والعصر ، ثم ارتحل فهذا منكر ، والخطأ فيه من جعفر فقد رواه مسلم في " صحيحه " عن عمرو الناقد ، عن شبابة ، ولفظه : إذا كان في سفر وأراد الجمع ، أخَّرالظهر ، حتى يدخل أول وقت العصر ، ثم يجمع بينهما تابعه الحسن بن محمد الزعفراني ، عن شبابة ، وقد اتفقا عليه في " الصحيحين " من حديث عقيل عن ابن شهاب ، عن أنس . ولفظه : إذا عجل به السير ، أخَّر الظهر إلى أول وقت العصر ، فيجمع بينهما ومع حال إسحاق وبراعته في الحفظ ، يمكن أنه لكونه كان لا يحدث إلا من حفظه ، جرى عليه الوهم في حديثين من سبعين ألف حديث . فلو أخطأ منها في ثلاثين حديثا لما حطَّ ذلك رتبته عن الاحتجاج به أبدا . بل كون إسحاق تتبع حديثه ، فلم يوجد له خطأ قط سوى حديثين ، يدل على أنه أحفظ أهل زمانه .
قال الحافظ أبو عمرو المستملي : أخبرني علي بن سلمة الكرابيسي -وهو من الصالحين- قال : رأيت ليلة مات إسحاق الحنظلي ، كأن قمرا ارتفع من الأرض إلى السماء من سكة إسحاق ، ثم نزل فسقط في المواضع الذي دفن فيه إسحاق . قال ولم أشعر بموته . فلما غدوت ، إذا بحفار يحفر قبر إسحاق في الموضع الذي رأيت القمر وقع فيه .
قال الحاكم : حدثنا يحيى بن محمد العنبري ، سمعت إبراهيم بن أبي طالب ، سألت أبا قدامة عن الشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبي عبيد ، فقال : أما أفقههم فالشافعي ، إلا أنه قليل الحديث ، وأما أورعهم فأحمد ، وأما أحفظهم فإسحاق ، وأما أعلمهم بلغات العرب ، فأبو عبيد .
قال أبو القاسم البغوي : قال لي موسي بن هارون : قلت لإسحاق بن راهويه : من أكبر أنت أو أحمد ؟ قال : هو أكبر مني في السن وغيره . وكان مولد إسحاق في سنة ست وسبعين فيما يرى موسى ، وقد مرت هذه المقالة .
وقال عثمان بن جعفر اللبان : حدثنا علي بن إسحاق بن راهويه ، قال : وُلد أبي من بطن أمه مثقوب الأذنين ، فمضى جدي راهويه إلى الفضل بن موسى فسأله ، فقال : يكون ابنك رأسا إما في الخير ، وإما في الشر .
هذه الحكاية رواها الخطيب في " تاريخه " عن الجوهري ، أخبرنا محمد بن العباس الخراز ، حدثنا عثمان فذكرها . وهذا إسناد جيد ، وحكاية عجيبة .
أخبرنا المسلم بن علان إجازة ، أخبرنا الكندي ، أخبرنا الشيباني ، وأخبرنا الخطيب ، أخبرنا محمد بن الحسين بن الفضل ، وأخبرنا علي بن إبراهيم المستملي ، حدثنا محمد بن إسحاق السراج ، حدثنا محمد بن رافع ، حدثنا يحيى بن آدم ، حدثنا أبو يعقوب الخراساني ، عن عبد الرزاق ، عن النعمان بن أبي شيبة ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، قال . " ليس في الأوقاص صدقة " .
قال السراج : فسألت أبا يعقوب إسحاق بن راهويه ، فحدثني به .
قلت : الأوقاص : الكسور . وروى محمد بن يزيد المستملي ، عن نعيم بن حماد ، قال : إذا رأيت العراقي يتكلم في أحمد ، فاتهمه في دينه ، واذا رأيت الخراساني يتكلم في إسحاق ، فاتهمه ، وإذا رأيت البصري يتكلم في وهب بن جرير ، فاتهمه في دينه .
وقال أبو بكر بن نعيم : سمعت محمد بن يحيى الذهلي يقول : وافقت إسحاق بن إبراهيم صاحبنا سنة تسع وتسعين ببغداد ، اجتمعوا في الرصافة أعلام الحديث فيهم أحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين وغيرهما ، فكان صدر الجلس لإسحاق ، وهو الخطيب .
قال عبد الرحمن بن إسماعيل العروضي : حدثنا النسائي ، قال : إسحاق بن راهويه أحد الأئمة .
وقال عبد الكريم بن النسائي : أخبرني أبي ، قال : إسحاق ثقة مأمون . سمعت سعيد بن ذؤيب ، يقول : ما أعلم على وجه الأرض مثل إسحاق . وقال أبو عمرو نصر بن زكريا : حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، قال : سألني أحمد بن حنبل عن حديث الفضل بن موسى حديث ابن عباس : كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يلحظ في صلاته ، ولا يلوي عنقه خلف ظهره قال : فحدثته ، فقال رجل : يا أبا يعقوب ، رواه وكيع بخلاف هذا . فقال أحمد : اسكت ، إذا حدثك أبو يعقوب أمير المؤمنين ، فحسبك به . رواها الحاكم ، عن الحسن بن حاتم المروزي ، عن نصر .
وقال محمد بن يحيى بن خالد : سمعت إسحاق ، يقول : أحفظ أربعة آلاف حديث مزوَّرة .
أخبرنا أحمد بن هبة الله ، عن عبد الرحيم بن أبي سعد ، أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الواحد بن الأستاذ أبي القاسم ، أخبرنا جدي (ح) وأخبرنا أحمد عن أبي روح ، أخبرنا زاهر ، أخبرنا أبو يعلى بن الصابوني ، قالا : أخبرنا أبو الحسين الخفاف ، أخبرنا أبو العباس السراج ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا عبدة ، حدثنا هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : هلكت قلادة لي ، فبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في طلبها رجالا ، فحضرت الصلاة ، فلم يجدوا ماء ، ولم يكونوا على وضوء ، فصلوا بغير وضوء ، فذكروا ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله آية التيمم أخرجه البخاري عن إسحاق . ومات معه في العام بشر بن الوليد الكندي ، والربيع بن ثعلب ، وفقيه قرطبة عبد الملك بن حبيب ، وأحمد بن جواس الحنفي ، وأحمد بن محمد مردويه المروزي ، والزاهد إبراهيم بن أيوب الحوراني ، وإبراهيم بن هشام الغساني ، وإسحاق بن إبراهيم بن زِبْريق ، وبشر بن الحكم العبدي ، وزهير بن عباد الرؤاسي ، وحكيم بن سيف الرقي ، وطالوت بن عباد الصيرفي ، وعمرو بن زرارة النيسابوري ، ومحمد بن بكار بن الريان ، ومحمد بن الحسين البرجلاني ، ومحمد بن عبيد بن حساب ، ومحمد بن أبي السري العسقلاني ، ويحيى بن سليمان الجعفي ، وصاحب الأندلس عبد الرحمن بن الحكم المرواني
هو الإمام الكبير، شيخ المشرق ، سيد الحفاظ، أبو يعقوب .
فأنبأني أبو الغنائم القيسي ، أخبرنا الكندي ، أخبرنا القزاز ، أخبرنا الخطيب ، قال : حدثني أبو الخطاب العلاء بن أبي المغيرة بن أحمد بن حزم ، عن ابن عمه أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم ، قال : هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن إبراهيم بن عبد الله بن مطر بن عبيد الله بن غالب بن وارث بن عبيد الله بن عطية بن مرة بن كعب بن همام بن أسد بن مرة بن عمرو بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم التميمي ثم الحنظلي المروزي ، نزيل نيسابور .
قلت : مولده في سنة إحدى وستين ومائة .
وسمع من ابن المبارك ، فما أقدم على الرواية عنه ، لكونه كان مبتدئا ، لم يتقن الأخذ عنه ، وقد ارتحل في سنة أربع وثمانين ومائة ، ولقي الكبار ، وكتب عن خلق من أتباع التابعين ، وسمع الفضل بن موسى السيناني ، والفضيل بن عياض ، ومعتمر بن سليمان ، وعبد العزيز بن عبد الصمد العمي ، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي ، وأبا خالد الأحمر ، وجرير بن عبد الحميد ، وسفيان بن عيينة ، وعيسى بن يونس ، وأبا تميلة يحيى بن واضح ، وعتاب بن بشير الجزري ، وأبا معاوية الضرير ، ومرحوم بن عبد العزيز ، وعبد الله بن وهب ، ومخلد بن يزيد ، وحاتم بن إسماعيل ، وعمر بن هارون البلخي ، ومحمد بن جعفر غندرا ، والوليد بن مسلم ، وإسماعيل ابن علية ، ووكيع بن الجراح ، وبقية بن الوليد ، وحفص بن غياث ، وعبد الله بن إدريس ، والوليد بن مسلم ، وشعيب بن إسحاق ، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى السامي ، والنضر بن شميل ، ومحمد بن فضيل ، ويزيد بن هارون ، وأسباط بن محمد ، وعبد الوهاب الثقفي ، ويحيى بن سعيد القطان ، وأبا بكر بن عياش ، وعبيدة بن حميد ، وعبد الرحمن بن مهدي ، وعبد الرزاق ، وأمما سواهم بخراسان والعراق والحجاز واليمن والشام .
حدث عنه : بقية بن الوليد ، ويحيى بن آدم ، وهما من شيوخه ، وأحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، وهما من أقرانه ، وإسحاق بن منصور ، ومحمد بن يحيى ، ومحمد بن إسماعيل البخاري ، ومسلم بن الحجاج في " صحيحيهما " ، وأبو داود ، والنسائي في " سننهما " ، ومحمد بن عيسى السلمي في " جامعه " ، وأحمد بن سلمة ، وإبراهيم بن أبي طالب ، وموسى بن هارون ، ومحمد بن نصر المروزي ، وداود بن علي الظاهري ، وعبد الله بن محمد بن شيرويه ، وولده محمد بن إسحاق ، وجعفر الفريابي ، وإسحاق بن إبراهيم البشتي -بشين معجمة- والحسين بن محمد القباني ، ومحمد بن النضر الجارودي ، وأبو العباس الحسن بن سفيان ، وأبو العباس السراج خاتمة أصحابه ، وخلق سواهم .
وقد وقع لي حديثه عاليا .
فأخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق ، أخبرنا الفتح بن عبد الله الكاتب ، أخبرنا محمد بن عمر الأرموي ، ومحمد بن أحمد الطرائفي ، ومحمد بن علي ، قالوا : أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة ، أخبرنا أبو الفضل عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري ، حدثنا جعفر بن محمد الفريابي ، حدثنا إسحاق بن راهويه ، أخبرنا عيسى بن يونس ، حدثنا الأوزاعي ، عن هارون بن رئاب ، أن عبد الله بن عمرو لما حضرته الوفاة ، خطب إليه رجل ابنته ، فقال له : إني قد قلت فيه قولا شبيها بالعدة ، وأني أكره أن ألقى الله بثلث النفاق .
أخبرنا أحمد بن هبة الله بن تاج الأمناء ، عن عبد الرحيم بن عبد الكريم الشافعي في كتابه من مرو ، قال : أخبرنا سعيد بن حسين الريوندي سنة أربع وأربعين وخمس مائة ، أخبرنا الفضل بن المحب ، وأخبرنا أحمد عن عبد الرحيم ، أخبرنا هبة الرحمان بن عبد الواحد ، أخبرنا جدي أبو القاسم القشيري ، قالا : أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد القنطري ، أخبرنا محمد بن إسحاق السراج ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا المعتمر ، سمعت أبي يحدث عن أبي مجلز ، عن أنس -رضي الله عنه- قال : قنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شهرا بعد الركوع يدعو على رعل وذكوان ، ويقول : عُصيّة عصت الله ورسوله أخرجه مسلم عن إسحاق ، فوافقناه بعلو درجة .
أخبرنا عبد الله بن يحيى المفيد في كتابه ، أخبرنا إبراهيم بن بركات ، أخبرنا علي بن الحسن الحافظ ، أخبرنا أبو القاسم النسيب ، أخبرنا أبو بكر الخطيب ، أخبرنا علي بن أحمد الرزاز ، أخبرنا جعفر بن محمد بن الحكم ، حدثنا أحمد بن علي الأبار ، حدثنا الوليد بن شجاع ، حدثني بقية ، عن إسحاق بن راهويه ، أخبرنا المعتمر ، عن ابن فضاء ، عن أبيه ، عن علقمة بن عبد الله ، عن أبيه ، قال : نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن كسر سكة المسلمين الجائزة بينهم .
أخبرنا أحمد بن هبة الله ، عن زينب بنت عبد الرحمن ، أخبرنا إسماعيل بن أبي القاسم سنة إحدى وثلاثين وخمس مائة ، أخبرنا عبد الغافر بن محمد الفارسي سنة ثمان وأربعين وأربع مائة ، أخبرنا إبراهيم بن عبد الله الأصبهاني سنة اثنتين وسبعين وثلاث مائة ، أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسين الماسرجسي ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ، أخبرنا عيسى بن يونس ، عن الأعمش ، عن أنس بن مالك ، قال : كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قاعدا تحت نخلة ، فهاجت ريح ، فقام فزعا . فقيل له ، فقال : إني تخوفت الساعة إسناده ثقات؛ لكن الأعمش مدلس مع أنه قد رأى أنس بن مالك وحكى عنه .
أخبرنا أبو المعالي الأبرقوهي ، أخبرنا أبو الفرج بن عبد السلام ، أخبرنا أبو الفضل الأرموي ، وأبو غالب بن الداية ، وأبو عبد الله الطرائفي ، أخبرنا محمد بن أحمد ، أخبرنا عبيد الله الزهري ، أخبرنا جعفر الفريابي ، حدثنا إسحاق بن راهويه ، أخبرنا النضر بن شميل ، أخبرنا أبو معشر ، عن سعيد هو المقبري ، عن أبي هريرة ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : ثلاث من كن فيه فهو منافق : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا ائتمن خان. قال رجل : يا رسول الله ، ذهبت اثنتان ، وبقيت واحدة ؟ قال : فإن عليه شعبة من نفاق ، ما بقي فيه منهن شيء هذا حديث حسن الإسناد . وأبو معشر نجيح السندي صدوق في نفسه ، وما هو بالحجة . و أما المتن ، فقد رواه جماعة عن أبي هريرة . وفيه دليل على أن النفاق يتبعَّض ويتشعب ، كما أن الإيمان ذو شعب ويزيد وينقص ، فالكامل الإيمان من اتصف بفعل الخيرات ، وترك المنكرات وله قُرَب ماحية لذنوبه ، كما قال تعالى : إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ إلى قوله : أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا وقال قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ إلى قوله : أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ ودون هؤلاء خلق من المؤمنين الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ، ودونهم عصاة المسلمين ، ففيهم إيمان ينجون به من خلود عذاب الله تعالى وبالشفاعة . ألا تسمع إلى الحديث المتواتر أنه يخرج من النار من في قلبه وزن ذرة من إيمان وكذلك شعب النفاق من الكذب والخيانة والفجور والغدر والرياء ، وطلب العلم ليقال ، وحب الرئاسة والمشيخة ، وموادة الفجار والنصارى . فمن ارتكبها كلها ، وكان في قلبه غل النبي -صلى الله عليه وسلم- أو خرج من قضاياه ، أو يصوم رمضان غير محتسب ، أو يجوز أن دين النصارى أو اليهود دين مليح ، ويميل إليهم . فهذا لا ترتب في أنه كامل النفاق ، وأنه في الدرك الأسفل من النار ، وصفاته الممقوتة عديدة في الكتاب والسنة من قيامه إلى الصلاة كسلان ، وأدائه الزكاة وهو كاره ، وإن عامل الناس فبالمكر والخديعة ، قد اتخذ إسلامه جنة ، نعوذ بالله من النفاق ، فقد خافه سادة الصحابة على نفوسهم .
فإن كان فيه شعبة من نفاق الأعمال ، فله قسط من المقت حتى يدعها ، ويتوب منها ، أما من كان في قلبه شك من الإيمان بالله ورسوله ، فهذا ليس بمسلم وهو من أصحاب النار ; كما أن من في قلبه جزم بالإيمان بالله ورسله وملائكته وكتبه وبالمعاد ، وإن اقتحم الكبائر ، فإن ليس بكافر.
قال تعالى : هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ .
وهذه مسألة كبيرة جليلة ، قد صنف فيها العلماء كتبا ، وجمع فيها الإمام أبو العباس شيخنا مجلدا حافلا قد اختصرته . نسأل الله -تعالى- أن يحفظ علينا إيماننا حتى نوافيه به .
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل : سمعت أبي ، سمعت إسحاق بن راهويه يحدث عن عيسى بن يونس ، قال : لو أردت أبا بكر بن أبي مريم على أن يجمع لي فلانا وفلانا لفعل ، يعني : يقول : عن راشد بن سعد ، وحبيب بن عبيد ، وضمرة ، ثم قال عبد الله : ما روى أبي عن إسحاق سوى هذا .
قال موسى بن هارون : قلت لإسحاق : من أكبر أنت أو أحمد بن حنبل ؟ قال : هو أكبر مني في السن وغيره . ثم قال موسى : كان مولد إسحاق سنة ست وستين ومائة فيما يرى موسى .
قلت : قد قدمنا أن مولده قبل هذا بمدة ، فموسى لم يحرر ذلك .
قال محمد بن رافع : قال لي إسحاق : كتب عني يحيى بن آدم ألفي حديث .
قال حاشد بن إسماعيل : سمعت وهب بن جرير ، يقول : جزى الله إسحاق بن راهويه ، وصدقة بن الفضل ، ويعمر عن الإسلام خيرا ، أحيوا السنة بالمشرق . قلت : يعمر : هو ابن بشر .
قال أبو حاتم البستي في مقدمة كتاب " الضعفاء " أخبرنا محمد بن عمر بن محمد الهمذاني ، حدثنا أبو يحيى المستملي ، حدثنا أبو جعفر الجوزجاني ، حدثني أبو عبد الله البصري ، قال : أتيت إسحاق بن راهويه ، فسألته شيئا ، فقال : صنع الله لك . قلت : لم أسألك صنع الله ، إنما سألتك صدقة ، فقال : لطف الله لك ، قلت : لم أسألك لطف الله ، إنما سألتك صدقة . فغضب وقال : الصدقة لا تحل لك . قلت : ولم ؟ قال : لأن جريرا حدثنا عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : لا تحل الصدقة لغني ، ولا للذي مِرّة سوي فقلت : ترقق ، يرحمك الله ، فمعي حديث في كراهية العمل . قال إسحاق : وما هو ؟ قلت : حدثني أبو عبد الله الصادق الناطق ، عن أفشين ، عن إيتاخ ، عن سيماء الصغير ، عن عُجيف بن عنبسة ، عن زُغملُجُ بن أمير المؤمنين ، أنه قال : العمل شؤم ، وتركه خير ، تقعد تَمَنَّى خير من أن تعمل تَعَنَّى فضحك إسحاق ، وذهب غضبه . وقال : زدنا فقلت : وحدثنا الصادق الناطق بإسناده عن عجيف ، قال : قعد زغلمج في جلسائه ، فقال : أخبروني بأعقل الناس ، فأخبر كل واحد بما عنده ، لقال : لم تصيبوا . بل أعقل الناس الذي لا يعمل؛ لأن من العمل[ يجيء] التعب ، ومن التعب يجيء المرض ، ومن المرض يجيء الموت ، ومن عمل ، فقد أعان على نفسه . والله يقول : وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ فقال : زدنا من حديثك . فقال : وحدثني [أبو عبد الله] الصادق الناطق بإسناده عن زغلمج ، قال : من أطعم أخاه شواء غفر الله له عدد النوى ، ومن أطعم أخاه هريسة ، غفر له مثل الكنيسة ، ومن أطعم أخاه جنب غفر الله له كل ذنب . فضحك إسحاق ، وأمر له بدرهمين ورغيفين . أوردها ابن حبان ، ولم يضعفها .
قال أحمد بن سلمة : سمعت إسحاق يقول : قال لي الأمير عبد الله بن طاهر : لم قيل لك : ابن راهويه ؟ وما معنى هذا ؟ وهل تكره أن يقال لك ذلك ؟ قال : اعلم أيها الأمير أن أبي ولد في طريق مكة ، فقالت المراوزة : راهويه ؛ لأنه وُلد في الطريق ، وكان أبي يكره هذا . وأما أنا ، فلا أكرهه .
قال الحاكم : أخبرني الحسن بن خالد بن محمد الصائغ ، حدثنا نصر بن زكريا ، سمعت إسحاق بن إبراهيم ، يقول : سألني يحيى بن معين ، عن حديث الفضل بن موسى . . . ، حديث ابن عباس : كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يلحظ في الصلاة ، ولا يلوي عنقه خلف ظهره .
قال : فحدثته به ، فقال له رجل : يا أبا زكريا ، رواه وكيع بخلاف هذا . فقال : اسكت إذا حدثك أبو يعقوب أمير المؤمنين فتشك فيه ؟ وعن محمد بن يحيى الصفار ، قال : لو كان الحسن البصري في الأحياء ، لاحتاج إلى إسحاق في أشياء كثيرة .
وقال الحاكم : سمعت يحيى بن محمد العنبري ، سمعت محمد بن أحمد بن بالويه ، سمعت إسحاق ، يقول : دخلت على ابن طاهر ، وإذا عنده إبراهيم بن أبي صالح ، فقال له : يا إبراهيم ، ما تقول في غسيل الثياب ؟ قال : فريضة ، قال : من أين تقول ؟ قال من قوله تعالى : وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ فكأن عبد الله بن طاهر استحسنه .
فقلت : أعز الله الأمير ، كذب هذا . أخبرنا وكيع ، حدثنا إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ قال : قلبك فنقِّه .
وأخبرنا روح ، حدثنا ابن أبي عروبة ، عن قتادة : وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ قال : عملك فأصلحه . ثم ذكر إسحاق قول ابن عباس : " من قال في القرآن برأيه ، فليتبوأ مقعده من النار " . فقال ابن طاهر : يا إبراهيم ، إياك أن تنطق في القرآن بغير علم .
قال قائل : ما دلت الاية على واحد من الأقوال المذكورة ، بل هي نص في غسل النجاسة من الثوب ، فنعوذ بالله من تحريف كتابه .
قال الحاكم : حدثنا أبو زكريا العنبري ، حدثنا أحمد بن سلمة ، سمعت إسحاق ، يقول : قال لي عبد الله بن طاهر : بلغني أنك شربت البلاذر للحفظ ؟ قلت : ما هممت بذلك ، ولكن أخبرني معتمر بن سليمان ، قال : أخبرنا عثمان بن ساج ، عن خصيف ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : خذ مثقالا من كندر ، ومثقالا من سكر ، فدقهما ثم اقتحمهما على الريق؛ فإنه جيد للنسيان والبول . فدعا عبد الله بقرطاس فكتبه .
وسمعت العنبري ، سمعت أبي ، سمعت عبد الله بن محمد الفراء قال : دخلت على يحيى بن يحيى ، فسألته عن إسحاق ، فقال : ليوم من إسحاق أحب إلي من عمري .
وقال محمد بن عبد الوهاب الفراء : رحم الله إسحاق ، ما كان أفقهه وأعلمه .
قال داود بن الحسين البيهقي : سمعت إسحاق الحنظلي ، وسئل عن الجماعة : أفريضة هي ؟ قال : نعم . عبد الله بن الخوارزمي : سمعت إسحاق الحنظلي ، يقول : أخرجت خراسان ثلاثة لا نظير لهم البدعة والكذب : جهم ، وعمر بن صبيح ، ومقاتل . محمد بن صالح بن هانئ : سمعت إبراهيم بن محمد الصيدلاني ، يقول : كنت في مجلس إسحاق ، فسأله سلمة بن شبيب عمن يحدث بالأجر ؟ قال : لا تكتب عنه . أخبرنا حكام بن سلم ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، قال : مكتوب في الكتب : علِّم مجَّانا كما عُلِّمت مجانا .
بخط أبي عمرو المستملي : سمعت أبا أحمد محمد بن عبد الوهاب ، سمعت إسحاق بن إبراهيم ، وسئل عن رجل ترك بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فقال : من ترك " ب " ، أو " س " أو " م " منها ، فصلاته فاسدة ؛ لأن الحمد سبع آيات .
وقال ابن المبارك : من تركها ، فقد ترك مائة وثلاث عشرة آية من كتاب الله تعالى .
قال الحاكم : إسحاق بن راهويه إمام عصره في الحفظ والفتوى ، سكن نيسابور ، ومات بها . وقيل : إن أصله مروزي ، خرج إلى العراق في سنة أربع وثمانين ، وهو ابن ثلاث وعشرين سنة .
قال محمد بن نعيم : سمعت إسحاق الحنظلي ، يقول : أدخل الحمام ، وأنا شيخ ، وأخرج وأنا شاب .
قال الحاكم : أصحاب إسحاق عندنا على ثلاث طبقات : فالأولى محمد بن يحيى ، وإبراهيم بن عبد الله السعدي ، ومحمد بن عبد الوهاب العبدي ، وأحمد بن يوسف السلمي ، وإسحاق بن إبراهيم العفصي ، وعلي بن الحسن الداربجردي . وحامد بن أبي حامد المقرئ ، وخشنام بن الصديق ، وعبد الله بن محمد الفراء ، ويحيى بن الذهلي .
الطبقة الثانية : مسلم بن الحجاج ، وسرد جماعة .
الطابقة الثالثة : خاتمتهم أبو العباس السراج .
قال حرب الكرماني : قلت لإسحاق : مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ كيف تقول فيه ؟ قال : حيثما كنت ، فهو أقرب إليك من حبل الوريد ، وهو بائن من خلقه ، وأبين شيء في ذلك قوله : الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى .
وقال أبو بكر المروذي ، حدثنا محمد بن الصباح النيسابوري ، حدثنا أبو داود سليمان بن داود الخفاف ، قال : قال إسحاق بن راهويه : إجماع أهل العلم أنه تعالى على العرش استوى ، ويعلم كل شيء في أسفل الأرض السابعة .
قال نعيم بن حماد : إذا رأيت الخراساني يتكلم في إسحاق بن راهويه ، فاتهمه في دينه . وقال أحمد بن حفص السعدي ، شيخ ابن عدي : سمعت أحمد بن حنبل ، يقول : لم يعبر الجسر إلى خراسان مثل إسحاق ، وإن كان يخالفنا في أشياء ؛ فإن الناس لم يزل يخالف بعضهم بعضا .
وقال محمد بن أسلم الطوسي ، حين مات إسحاق : ما أعلم أحدا كان أخشى لله من إسحاق ، يقول الله تعالى : إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ قال : وكان أعلم الناس . ولو كان سفيان الثوري في الحياة ، لاحتاج إلى إسحاق .
وقال أحمد بن سعيد الرباطي : لو كان الثوري والحمادان في الحياة ، لاحتاجوا إلى إسحاق في أشياء كثيرة .
قال أبو محمد الدارمي : ساد إسحاق أهل المشرق والمغرب بصدقه .
قال محمد بن إسحاق السراج : أنشد رجل على قبر إسحاق ، فقال : وكيـف احتمـالي للسحـاب صنيعـه
بإسقائـه قبـرا وفـي لحـده بحـر
قال السراج : أخبرني عبد الله بن محمد ، سمعت أبا عبد الله البخاري ، يقول :
قال علي بن حجر : لم يخلف إسحاق يوم فارق مثله بخراسان علما وفقها . بيَّــض اللـه وجهــه ووقــاه
فـزعـا يـوم القمطريـر وهـوله وأثـاب الفـردوس مـن قـال آميـ
ــن وأعطـاه يـوم يلقاه سؤلـه
قال أبو نعيم الحافظ : كان إسحاق قرين أحمد ، وكان للآثار مثيرا ، ولأهل الزيغ مُبيرا .
قال حنبل : سمعت أبا عبد الله ، وسئل عن إسحاق بن راهويه ، فقال : مثل إسحاق يسأل عنه ؟ ! إسحاق عندنا إمام .
وعن الإمام أحمد أيضا ، قال : لا أعرف لإسحاق في الدنيا نظيرا .
قال النسائي : ابن راهويه أحد الأئمة ، ثقة مأمون . سمعت سعيد بن ذؤيب ، يقول : ما أعلم على وجه الأرض مثل إسحاق . وقال إمام الأئمة ابن خزيمة : والله لو كان إسحاق في التابعين ، لأقروا له بحفظه وعلمه وفقهه . علي بن خشرم : حدثنا ابن فضل ، عن ابن شبرمة ، عن الشعبي ، قال : ما كتبت سوداء في بيضاء إلى يومي هذا ، ولا حدثني رجل بحديث قط إلا حفظته . قال علي : فحدثت بهذا إسحاق بن راهويه ، فقال : تعجب من هذا ؟ قلت : نعم . قال : ما كنت أسمع شيئا إلا حفظته ، وكأني أنظر إلى سبعين ألف حديث -أو قال : أكثر- في كتبي .
قال أبو داود الخفاف : سمعت إسحاق بن راهويه ، يقول : لكأني أنظر إلى مائة ألف حديث في كتبي ، وثلاثين ألفا أسردها . قال : وأملى علينا إسحاق أحد عشر ألف حديث من حفظه ، ثم قرأها علينا ، فما زاد حرفا ، ولا نقص حرفا . هذه الحكاية رواها الحافظ ابن عدي ، عن يحيى بن زكريا بن حيويه ، سمع أبا داود فذكرها . فهذا والله الحفظ .
وعن إسحاق بن راهويه ، قال : ما سمعت شيئا إلا وحفظته ، ولا حفظت شيئا قط فنسيته .
أبو يزيد محمد بن يحيى : سمعت إسحاق ، يقول : أحفظ سبعين ألف حديث عن ظهر قلبي .
وقال أحمد بن سلمة : سمعت أبا حاتم الرازي ، يقول : ذكرت لأبي زرعة حفظ إسحاق بن راهويه ، فقال أبو زرعة : ما رئي أحفظ من إسحاق ، ثم قال أبو حاتم : والعجب من إتقانه ، وسلامته من الغلط مع ما رزق من الحفظ . فقلت لأبي حاتم : إنه أملى التفسير عن ظهر قلبه . قال : وهذا أعجب ؛ فإن ضبط الأحاديث المسندة أسهل وأهون من ضبط أسانيد التفسير وألفاظها .
وقال إبراهيم بن أبي طالب الحافظ : فاتني عن إسحاق مجلس من مسنده ، وكان يمله حفظا ، فتردد إليه ليعيده ، فعذر فقصدته يوما لأسأله إعادته ، وقد حملت إليه حنطة من الرُّستاق ، فقال لي : تقوم عندي وتكتب وزن هذه الحنطة ، فإذا فرغت ، أعدت لك . ففعلت ذلك ، فسألني عن أول حديث من المجلس ، ثم اتكأ على عُضادة الباب ، فأعاد المجلس حفظا . وكان قد أملى " السند " كله حفظا .
قال البرقاني : قرأنا على أبي بكر أحمد بن إبراهيم الخوارزمي بها ، حدثكم عبد الله بن إبي القاضي ، سمعت إسحاق بن راهويه ، يقول : تاب رجل من الزندقة ، وكان يبكي ، ويقول : كيف تقبل توبتي ، وقد زورت أربعة آلاف حديث تدور في أيدي الناس ؟ .
قال أبو عبد الله بن الأخرم : سمعت محمد بن إسحاق بن راهويه ، يقول : دخلت على أحمد بن حنبل ، فقال : أنت ابن أبي يعقوب ؟ قلت : بلى . قال : أما إنك لو لزمته ، كان أكثر لفائدتك ، فإنك لم تر مثله .
قال قتيبة بن سعيد : الحفاظ بخراسان : إسحاق بن راهويه ، ثم عبد الله الدارمي ، ثم محمد بن إسماعيل . وقال أحمد بن يوسف السلمي : سمعت يحيى بن يحيى ، يقول : قالت لي امرأتي : كيف تقدم إسحاق بين يديك ، وأنت أكبر منه ؟ قلت : إسحاق أكثر علما مني ، وأنا أسن منه .
قال عبد الله بن أحمد بن شبويه : سمعت أحمد بن حنبل ، يقول : إسحاق لم تلقَ مثله .
وعن فضل بن عبد الله الحميري ، قال : سألت أحمد بن حنبل عن إسحاق ، فقال : لم نرَ مثله ، والحسين بن عيسى البسطامي فقيه ، وأما إسماعيل بن سعيد الشالنجي . ففقيه عالم ، وأما أبو عبد الله العطار ، فبصير بالعربية والنحو ، وأما محمد بن أسلم ، فلو أمكنني زيارته لزرته .
قال أحمد بن سلمة : قلت لأبي حاتم : أقبلت على قول أحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ؟ فقال : لا أعلم في دهر ولا عصر مثل هذين الرجلين .
قال داود بن الحسين البيهقي : سمعت إسحاق الحنظلي يقول : دخلت على عبد الله بن طاهر الأمير ، وفي كمي تمر آكله ، فنظر إلي وقال : يا أبا يعقوب ، إن لم يكن تركك للرياء من الرياء ، فما في الدنيا أقل رياء منك .
وهذه أبيات لأحمد بن سعيد الرباطي : قُــربِي إلــى اللــه دعانـي
إلـى حـب أبـي يعقـوب إسحـاق لـم يجعـل القـرآن خلقـا كمـا
قــد قالــه زنـديـق فســاق يـا حجــة اللـه علـى خلقـه
فـي سـنة المـاضيـن للباقــي أبـوك إبـراهيـم محـض التُّقـى
سـبَّاق مجــد وابــن سـبـاق
قال أحمد بن كامل : أخبرنا أبو يحيى الشعراني ، أن إسحاق توفي سنة ثمان وثلاثين، وأنه -رحمه الله- كان يخضب بالحناء . وقال : ما رأيت بيده كتابا قط ، وما كان يحدث إلا حفظا . وقال : كنت إذا ذاكرت إسحاق العلم ، وجدته فيه بحرا فردا . فإذا جئت إلى أمر الدنيا رأيته لا رأي له .
قلت : قد كان مع حفظه إماما في التفسير ، رأسا في الفقه ، من أئمة الاجتهاد .
قال أحمد بن سلمة : سمعت إسحاق الحنظلي -رضي الله عنه- يقول : ليس بين أهل العلم اختلاف أن القرآن كلام الله ليس بمخلوق ، وكيف يكون شيء خرج من الرب -عز وجل- مخلوقا ؟ ! .
قال أبو العباس السراج : سمعت إسحاق الحنظلي ، يقول : دخلت على طاهر بن عبد الله بن طاهر ، وعنده منصور بن طلحة ، فقال لي منصور : يا أبا يعقوب ، تقول : إن الله ينزل كل ليلة ؟ قلت : نؤمن به . إذا أنت لا تؤمن أن لك في السماء ربا ، لا تحتاج أن تسألني عن هذا . فقال له طاهر الأمير : ألم أنْهك عن هذا الشيخ ؟ .
قال أبو داود السجستاني : سمعت ابن راهويه ، يقول : من قال : لا أقول مخلوق ، ولا غير مخلوق ، فهو جهمي . وورد عن إسحاق أن بعض المتكلمين ، قال له : كفرت برب ينزل من سماء إلى سماء . فقال : آمنت برب يفعل ما يشاء .
قلت : هذه الصفات من الاستواء والإتيان والنزول ، قد صحت بها النصوص ، ونقلها الخلف عن السلف ، ولم يتعرضوا لها برد ولا تأويل ، بل أنكروا على من تأولها مع إصفاقهم على أنها لا تشبه نعوت المخلوقين ، وأن الله ليس كمثله شيء ، ولا تنبغي المناظرة ، ولا التنازع فيها ؛ فإن في ذلك محاولة للرد على الله ورسوله ، أو حوما على التكيف ، أو التعطيل .
قال أبو عبد الله الحاكم : إسحاق ، وابن المبارك ، ومحمد بن يحيى هؤلاء دفنوا كتبهم .
قلت : هذا فعله عدة من الأئمة ، وهو دالٌّ أنهم لا يرون نقل العلم وِجادة ؛ فإن الخط قد يتصحف على الناقل ، وقد يمكن أن يزاد في الخط حرف فيغير المعنى ، ونحو ذلك . وأما اليوم فقد اتسع الخرق ، وقل تحصيل العلم من أفواه الرجال ، بل ومن الكتب غير المغلوطة ، وبعض النقلة للمسائل قد لا يحسن أن يتهجى .
قال الدولابي : قال محمد بن إسحاق بن راهويه : وُلد أبي في سنة ثلاث وستين ومائة وتوفي ليلة نصف شعبان سنة ثمان وثلاثين ومائتين . قال : وفيه يقول الشاعر : يـا هـدَّة ما هددنـا ليلة الأحـد
فـي نصف شعبان لا تنسى بـد الأبد وقال أبو عبد الله البخاري : توفي ليلة نصف شعبان ، وله سبع وسبعون سنة . ثم قال الخطيب عقيب هذا : فهذا يدل على أن مولده في سنة إحدى وستين ومائة .
فائدة لا فائدة فيها ، نحكيها لِنُلِيشَها . قال أبو عبيد محمد بن على الآجري صاحب كتاب " مسائل أبي داود " - وما علمت أحدا لينه - : سمعت أبا داود السجستاني ، يقول : إسحاق بن راهويه تغير قبل موته بخمسة أشهر . وسمعت منه في تلك الأيام ، فرميت به .
قلت : فهذه حكاية منكرة . وفي الجملة فكل أحد يتعلل قبل موته غالبا ، ويمرض ، فيبقى أيام مرضه متغير القوة الحافظة ، ويموت إلى رحمة الله على تغيره ، ثم قبل موته بيسير يختلط ذهنه ، ويتلاشى علمه ، فإذا قضى ، زال بالموت حفظه . فكان ماذا ؟ أفبمثل هذا يلين عالم قط ؟ ! كلا والله ، ولا سيما مثل هذا الجبل في حفظه وإتقانه .
نعم ما علمنا استغربوا من حديث ابن راهويه على سعة علمه سوى حديث واحد ، وهو حديثه عن سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس ، عن ميمونة في الفأرة التي وقعت في سمن ، فزاد إسحاق في المتن من دون سائر أصحاب سفيان هذه الكلمة وإن كان ذائبا فلا تقربوه ولعل الخطأ فيه من بعض المتأخرين ، أو من راويه عن إسحاق . نعم وحديث تفرد به جعفر بن محمد الفريابي ، قال : حدثنا إسحاق ، حدثنا شبابة ، عن الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، عن أنس ، قال : كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا كان في سفر فزالت الشمس صلى الظهر والعصر ، ثم ارتحل فهذا منكر ، والخطأ فيه من جعفر فقد رواه مسلم في " صحيحه " عن عمرو الناقد ، عن شبابة ، ولفظه : إذا كان في سفر وأراد الجمع ، أخَّرالظهر ، حتى يدخل أول وقت العصر ، ثم يجمع بينهما تابعه الحسن بن محمد الزعفراني ، عن شبابة ، وقد اتفقا عليه في " الصحيحين " من حديث عقيل عن ابن شهاب ، عن أنس . ولفظه : إذا عجل به السير ، أخَّر الظهر إلى أول وقت العصر ، فيجمع بينهما ومع حال إسحاق وبراعته في الحفظ ، يمكن أنه لكونه كان لا يحدث إلا من حفظه ، جرى عليه الوهم في حديثين من سبعين ألف حديث . فلو أخطأ منها في ثلاثين حديثا لما حطَّ ذلك رتبته عن الاحتجاج به أبدا . بل كون إسحاق تتبع حديثه ، فلم يوجد له خطأ قط سوى حديثين ، يدل على أنه أحفظ أهل زمانه .
قال الحافظ أبو عمرو المستملي : أخبرني علي بن سلمة الكرابيسي -وهو من الصالحين- قال : رأيت ليلة مات إسحاق الحنظلي ، كأن قمرا ارتفع من الأرض إلى السماء من سكة إسحاق ، ثم نزل فسقط في المواضع الذي دفن فيه إسحاق . قال ولم أشعر بموته . فلما غدوت ، إذا بحفار يحفر قبر إسحاق في الموضع الذي رأيت القمر وقع فيه .
قال الحاكم : حدثنا يحيى بن محمد العنبري ، سمعت إبراهيم بن أبي طالب ، سألت أبا قدامة عن الشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبي عبيد ، فقال : أما أفقههم فالشافعي ، إلا أنه قليل الحديث ، وأما أورعهم فأحمد ، وأما أحفظهم فإسحاق ، وأما أعلمهم بلغات العرب ، فأبو عبيد .
قال أبو القاسم البغوي : قال لي موسي بن هارون : قلت لإسحاق بن راهويه : من أكبر أنت أو أحمد ؟ قال : هو أكبر مني في السن وغيره . وكان مولد إسحاق في سنة ست وسبعين فيما يرى موسى ، وقد مرت هذه المقالة .
وقال عثمان بن جعفر اللبان : حدثنا علي بن إسحاق بن راهويه ، قال : وُلد أبي من بطن أمه مثقوب الأذنين ، فمضى جدي راهويه إلى الفضل بن موسى فسأله ، فقال : يكون ابنك رأسا إما في الخير ، وإما في الشر .
هذه الحكاية رواها الخطيب في " تاريخه " عن الجوهري ، أخبرنا محمد بن العباس الخراز ، حدثنا عثمان فذكرها . وهذا إسناد جيد ، وحكاية عجيبة .
أخبرنا المسلم بن علان إجازة ، أخبرنا الكندي ، أخبرنا الشيباني ، وأخبرنا الخطيب ، أخبرنا محمد بن الحسين بن الفضل ، وأخبرنا علي بن إبراهيم المستملي ، حدثنا محمد بن إسحاق السراج ، حدثنا محمد بن رافع ، حدثنا يحيى بن آدم ، حدثنا أبو يعقوب الخراساني ، عن عبد الرزاق ، عن النعمان بن أبي شيبة ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، قال . " ليس في الأوقاص صدقة " .
قال السراج : فسألت أبا يعقوب إسحاق بن راهويه ، فحدثني به .
قلت : الأوقاص : الكسور . وروى محمد بن يزيد المستملي ، عن نعيم بن حماد ، قال : إذا رأيت العراقي يتكلم في أحمد ، فاتهمه في دينه ، واذا رأيت الخراساني يتكلم في إسحاق ، فاتهمه ، وإذا رأيت البصري يتكلم في وهب بن جرير ، فاتهمه في دينه .
وقال أبو بكر بن نعيم : سمعت محمد بن يحيى الذهلي يقول : وافقت إسحاق بن إبراهيم صاحبنا سنة تسع وتسعين ببغداد ، اجتمعوا في الرصافة أعلام الحديث فيهم أحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين وغيرهما ، فكان صدر الجلس لإسحاق ، وهو الخطيب .
قال عبد الرحمن بن إسماعيل العروضي : حدثنا النسائي ، قال : إسحاق بن راهويه أحد الأئمة .
وقال عبد الكريم بن النسائي : أخبرني أبي ، قال : إسحاق ثقة مأمون . سمعت سعيد بن ذؤيب ، يقول : ما أعلم على وجه الأرض مثل إسحاق . وقال أبو عمرو نصر بن زكريا : حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، قال : سألني أحمد بن حنبل عن حديث الفضل بن موسى حديث ابن عباس : كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يلحظ في صلاته ، ولا يلوي عنقه خلف ظهره قال : فحدثته ، فقال رجل : يا أبا يعقوب ، رواه وكيع بخلاف هذا . فقال أحمد : اسكت ، إذا حدثك أبو يعقوب أمير المؤمنين ، فحسبك به . رواها الحاكم ، عن الحسن بن حاتم المروزي ، عن نصر .
وقال محمد بن يحيى بن خالد : سمعت إسحاق ، يقول : أحفظ أربعة آلاف حديث مزوَّرة .
أخبرنا أحمد بن هبة الله ، عن عبد الرحيم بن أبي سعد ، أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الواحد بن الأستاذ أبي القاسم ، أخبرنا جدي (ح) وأخبرنا أحمد عن أبي روح ، أخبرنا زاهر ، أخبرنا أبو يعلى بن الصابوني ، قالا : أخبرنا أبو الحسين الخفاف ، أخبرنا أبو العباس السراج ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا عبدة ، حدثنا هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : هلكت قلادة لي ، فبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في طلبها رجالا ، فحضرت الصلاة ، فلم يجدوا ماء ، ولم يكونوا على وضوء ، فصلوا بغير وضوء ، فذكروا ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله آية التيمم أخرجه البخاري عن إسحاق . ومات معه في العام بشر بن الوليد الكندي ، والربيع بن ثعلب ، وفقيه قرطبة عبد الملك بن حبيب ، وأحمد بن جواس الحنفي ، وأحمد بن محمد مردويه المروزي ، والزاهد إبراهيم بن أيوب الحوراني ، وإبراهيم بن هشام الغساني ، وإسحاق بن إبراهيم بن زِبْريق ، وبشر بن الحكم العبدي ، وزهير بن عباد الرؤاسي ، وحكيم بن سيف الرقي ، وطالوت بن عباد الصيرفي ، وعمرو بن زرارة النيسابوري ، ومحمد بن بكار بن الريان ، ومحمد بن الحسين البرجلاني ، ومحمد بن عبيد بن حساب ، ومحمد بن أبي السري العسقلاني ، ويحيى بن سليمان الجعفي ، وصاحب الأندلس عبد الرحمن بن الحكم المرواني