تاريخ
العـقيـدة وأصولـها
العـقيـدة وأصولـها
يشمل :
1- تاريخ العـقيدة
( عـقيدة التوحيد ) ، ومتى طرأ الانحراف عـليها .
2- عـقـيدة التوحيد في دعـوة الرسل عـموماً .
3- عـقـيدة التوحيد في دعـوة محمد صلى الله عليه
وسلم ، بخاصة .
4- مصادر العـقـيدة عند أهل السنة .
5- خصائص العـقـيدة ( عـقيدة أهـل السنة والجماعة )
.
( 1 )
تأريخ العـقيدة ( عـقيـدة التوحيد ) ومتى طرأ
الانحراف عليها
تأريخ العـقيدة ( عـقيـدة التوحيد ) ومتى طرأ
الانحراف عليها
عقيدة التوحيد هي الدين الحنيف ، والدين القيم ، دين الفطرة التي فطرالله
الناس عليها ، فهي موجودة مع وجود هذا الإنسان كما ثبت بالدليل القطعي وهوالقرآن
الكريم الذي هو أوثق مصدر في التاريخ .
قال الله تعالى : { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ
حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ
لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا
يَعْلَمُونَ } [ سورة الروم ،
الآية : 30 ] .
فآدم عليه السلام ، قد فطره الله
على العقيدة السليمة ، وعلمه ما لم يعلم من أمور الدين والدنيا ، فكان موحّـداً
لله - تعالى - التوحيد الخاص ، معتقداً لله ما يجب له - تعالى - من التعظيم
والطاعة والرجاء والخشية ، وقد اصطفاه الله من عباده المخلصين ، قال الله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ
وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ } [ سورة آل عمران ، الآية : 33 ] .
وقد شرّفه الله - تعالى - وأسجد له الملائكة ، قال - تعالى :
{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ َ } [ سورة البقرة : الآية 34 ] .
وقد أخذ الله - تعالى - على بني آدم العهد والميثاق أنه ربهم ، وأشهدهم على
أنفسهم في أصل خلقهم من أصلابهم ، فقال - تعالى - :
{ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ
ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ
بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا
كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ
قَبْـلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ
الْمُبْطِلُونَ } [ سورة
الأعراف ، الآيتان 172- 173] .
والناس كلهم يُـولدون على الفطرة
وينشأون عليها ، مالم تصرفهم عنها صوارف الشر والضلال، من التربية على
الكفر والضلال، ومن أهواء و وساوس الشياطين ، وشبهات المبطلين ، وشهوات الدنيا،
وقد جاء في الحديث القدسي قوله تعالى : " ... وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم ،
وأنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم و حرّمت عليهم ما أحللت لهم ، وأمرتهم أن
يشركوا بي مالم أنزل به سلطاناً .. " الحديث
.
وقد أخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك بقوله : ( ما من مولود إلا يولد على الفطرة ، فأبواه
يُهّـودانه ، أو يُنصّرانه ، أو يُمجّسانه )
.. الحديث .
فكما يتوجه هذا إلى كل إنسان مولود
، يتوجه إلى أول إنسان وهو آدم - عليه السلام - من باب أولى ، فعقيدة التوحيد
والخير والصلاح هي الأصل الذي كان عليه آدم - عليه السلام - ، والأجيال الأولى من
ذريته ، فكانوا على التوحيد الخالص . أما
الشرك والضلال فإنما هي أمور طارئة لم تحدث إلا بعد آدم - عليه السلام - بأزمان
وأجيال ، وعلى التدريج ، فقد صح عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال : ( كان بين نوح وآدم عشرة قرون ، كلهم على شريعة
من الحق ، فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ) .
وإلى هذا تشير الآية في قوله تعالى : { كَانَ
النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ
وَمُنْذِرِينَ } [ سورة البقرة ،
الآية : 213 ] .
أي : كانوا على الحق والهدى أمة واحدة على دين واحد - أول الأمر - فاختلفوا
فيما بعد . كذا فسرها كثير من السلف .
وفي عهد نوح – عليه السلام – كان الشرك سائداص في قومه ، فكانوا يعبدون
الأصنام من دون الله ، لذلك قال الله تعالى عن نوح : {
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ }
[ الأيتان : 25- 26 / سورة هود ] .
وبهذا يتبين قطعاً أن العقيدة السليمة والتوحيد الخالص هما الأصل في تاريخ
البشرية ، وأن الضلال والشرك والوثنية أمور طارئة بعد أحقاب من الزمان بعد آدم -
عليه السلام (*) .. والله أعلم .
( 2 )
عـقيـدة التـوحـيد في دعـوة الرسل عـامة
عـقيـدة التـوحـيد في دعـوة الرسل عـامة
إذا تأملنا قصص المرسلين التي وردت في القرآن الكريم ، وما حدث لهم مع
أممهم ، نجد أنهم اتفقوا جميعاً على دعوة واحدة ، هي الدعوة إلى عبادة الله وحده
لا شريك له ، واجتناب الشرك ، وإن اختلفت شرائعهم
.
بل إن مسألة الدعوة إلى التوحيد والتحذير من الشرك ووسائله هي القضية
الأولى التي جاء ذكرها في القرآن الكريم بين الرسل وأممهم ، قال الله - تعالى -
مُخبراً عما أرسل به جميع الرسل :
{ وَمَا
أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ
إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ } [ سورة الأنبياء ، الآية : 25 ] .
وقال - تعالى - : { وَلَقَدْ بَعَثـنَا فِي
كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ }
[ سورة النحل ، الآية : 36 ] .
وقال - تعالى - : { يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ
بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا
أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاتَّقُونِ } [ النحل ، الآية : 2 ] .
وإذن : فجميع الرسل كان أول وأهم ما دعوا إليه هو التوحيد ، توحيد الله
بالعبادة وتقواه وطاعته وطاعة رسله . وكما
ذكر الله عنهم ذلك على سبيل التعميم ، فقد ذكر عن بعضهم على التفصيل :
فـنوح - عليه السلام - قال لقومه : { يَا قَوْمِ
اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ } [ الأعراف ، الآية :
59 ] .
وكذلك هـود - عليه السلام - قال
لقومه : { يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ
مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ } [ الأعراف
، الآية : 65 ] .
وكذلك شعيب - عليه السلام - قال لقومه : { يَا
قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ }
[ سورة الأعراف ، الآية : 85 ] .
وإبراهيم- عليه السلام - قال لقومه : {
اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتّـَقُوهُ } [ سورة العنكبوت ، الآية : 16 ] .
فالدعوة إلى التوحيد ، والتحذير من الشرك ، وصحة العقيدة وسلامتها هما
الأصل الأول في دعوة المسلمين ، من لدن نوح إلى محمد - عليهم السلام - وهذا هو
الغاية الأولى التي بها تصلح كل شئون الدنيا والدين ، فإذا صحت العقيدة أذعن الناس
لله وحده وأطاعوا رسله واستقاموا على شرعه على هدى وبصيرة ، ومن ثم يصلح كل شيئ من
أمورهم الدينية والدنيوية .
وهذا لا يعني أن الرسل لم يهتموا بإصلاح المفاسد الأخرى ، ولا أنهم لم
يدعوا إلى الفضائل الأخرى ، بل جاءوا
بشرائع ومناهج تسير عليها الأمم وتصلح شئون حياتها الدنيا ، وأمروا بالمعروف
والإصلاح والعدل، ونهوا عن المنكر والفساد والظلم ، وأمروا بكل خير وفضيلة ، ونهوا
عن كل شر ورذيلة تفصيلاً وإجمالاً .
لكن أعظم الفضائل توحيد الله - تعالى - وتقواه ، وأعظم المفاسد الشرك بالله
، وهو الظلم العظيم . فكان ذلك أعظم وأول ما أرسل الله به الرسل .
وهكذا كل دعوة لا تقوم على هذا الأساس - في أي زمان ومكان - فإنها دعوة
قاصرة وناقصة ، ويخشى أن يكون نصيبها إما الفشل ، وإما الانحراف عن الصراط
المستقيم ، أو هما معاً ، لأن هذا أصل عظيم من أصول الدين متى غفلت عنه الأمم وقعت
في كارثة الشرك والابتداع . نسأل الله السلامة والعافية من ذلك .
( 3 )
عـقـيدة
التوحـيد في دعـوة نبـينا محمـد - صلى الله عليه وسلم
عـقـيدة
التوحـيد في دعـوة نبـينا محمـد - صلى الله عليه وسلم
إذا تأملنا القرآن الكريم ، وسيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الدعوة
، نصل إلى حقيقة واضحة كل الوضوح ، وهي :
* أن غالب آيات القرآن الكريم جاءت في تقرير عقيدة التوحيد ، توحيد
الألوهية والربوبية والأسماء والصفات ، والدعوة إلى إخلاص العبادة والدين لله وحده
لا شريك له ، وتثبيت أصول الاعتقاد ( الإيمان والإسلام ) .
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى غالب وقته - بعد النبوة - في
تقرير الاعتقاد والدعوة إلى توحيد الله - تعالى - بالعبادة والطاعة ، وهذا هو
مقتضى ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) .
فالدعوة إلى العقيدة تأصيلاً وتصحيحاً شملت الجزء الأكبر من جهد الرسول -
صلى الله عليه وسلم - و وقته في عهد النبوة .
وإليك بيان ذلك :
1- أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- قضى ثلاثاً وعشرين سنة في الدعوة إلى
الله .
هي عهد النبوة ، منها ثلاث عشرة سنة في مكة، جُلـها كانت في الدعوة إلى
تحقيق ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) أي الدعوة إلى توحيد الله - تعالى-
بالعبادة والألوهية وحده لا شريك له ، ونبذ الشرك وعبادة الأوثان وسائر الوسطاء ،
ونبذ البدع والمعتقدات الفاسدة .
ومنها عشر سنين في المدينة ، وكانت موزعة بين تشريع الأحكام ، وتثبيت
العقيدة ، والحفاظ عليها ، وحمايتها من الشبهات ، والجهاد في سبيلها ، أي أن
أغلبها في تقرير التوحيد وأصول الدين ، ومن ذلك مجادلة أهل الكتاب ، وبيان بطلان
معتقداتهم المحرفة ، والتصدي لشبهاتهم وشبهات المنافقين ، وصد كيدهم للإسلام
والمسلمين ، وكل هذا في حماية العقيدة قبل كل شيئ .
فأي دعوة لا تولي أمر العقيدة من الاهتمام كما أولاها رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - علماً وعملاً ; فهي ناقصة .
1- أن الرسول -
صلى الله عليه وسلم - إنما قاتل الناس على العقيدة (عقيدة التوحيد) حتى يكون الدين
لله وحده ، تلك العقيدة المتمثلة في شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول
الله ، على الرغم أن سائر المفاسد والشرور كانت سائدة في ذلك الوقت ، ومع ذلك فإن
رسول الله - صلى الله عليه وسلم- جعل الغاية من قتال الناس تحقيق التوحيد، وأركان
الإسلام ، فقد قال - صلى الله عليه وسلم - :
" أمرت أن أقاتل الناس حتى
يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، و يقيموا الصلاة ويُؤتوا
الزكاة ، فإن فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم إلا بحق الإسلام ، و حسابهم على الله
" .
وهذا لا يعني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يبال بالأمور الأخرى
من الدعوة إلى الفضائل والأخلاق الحميدة من( البـر والصلة والصـدق والوفـاء
والأمانة) ، وترك ضدها من ( الآثام
والكبائر كالربا والظلم وقطيعة الرحم ) .
وحاشاه ذلك ، لكنه جعلها في مرتبة بعد أصول الاعتقاد ، لأنه يعلم وهو
القدوة - صلى الله عليه وسلم - أن الناس إذا استقاموا على دين الله وأخلصوا له
الطاعة والعبادة حسنت نياتهم وأعمالهم ، وفعلوا الخيرات واحتنبوا المنهيات في
الجملة ، وأمروا بالمعروف حتى يسود بينهم ويظهر ، ونهوا عن المنكر حتى لا يظهر ولا
يسود .
إذن فمدار الخير على صلاح العقيدة ، فإذا صلحت استقام الناس على الحق
والخير ، وإذا فسدت فسدت أحوال الناس ، واستحكمت فيهم الأهواء ةالآثام ، وسهلت عليهم المنكرات .
وإلى هذا يشير الحديث الصحيح عن
النبي - صلى الله عليه وسلم : " ألا وإن الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ،
وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب "
.
فالرسول - صلى الله عليه وسلم - بالإضافة إلى كونه دعا إلى إخلاص الدين لله
، وقاتل الناس حتى يشهدوا بكلمة الإخلاص ، فإنه - صلى الله عليه وسلم - كان يدعوا
إلى جميع الأخلاق الفاضلة ، جملة وتفصيلاً ، وينهى عن ضدها ، جملة وتفصيلاً .
وكما اهتم - صلى الله عليه وسلم - بإصلاح الدين، كان يعمل على إصلاح دنيا
الناس ، إنما كان ذلك كله في مرتبة دون الاهتمام بامر التوحيد وإخلاص الدين لله
وحده ، وهذا ما يجهله أو يتجاهله المنازع في هذه المسألة .
3 – إذا تأملنا القرآن الكريم ، المنزل على رسول لله - صلى الله عليه وسلم
- رحمة للعالمين ومنهاجاً للمسلمين إلى يوم الدين ، وجدنا أن أغلبه في تقرير
العقيدة وتقرير أصولها ، وتحرير العبادة والطاعة لله وحده لا شريك له ، واتباع
رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
فأن أول شيئ نزل به القرآن ، وأمر الله تعالى رسوله - صلى الله عليه وسلم -
أن يفعله هو أن يكبّـر الله تعالى ويعظمه وحده ، وأن ينذر الناس من الشرك ، وأن
يتطهر من الآثام والذنوب وغيرها ، ويهجر ما هم عليه من عبادة الأصنام ، ويصبرعلى
ذلك كله، قال الله تعالى :
{ يَا أَيّهَا الْمُدَّثِّر* قُمْ فَأَنْذِر *
ْوَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّر * ْوَالرُّجْزَ فَاهْجُر * ْوَلا
تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ } [ سورة المدثر ، الآية : 1 - 7 ] .
ثم استمر القرآن الكريم يتنزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سائر
العهد المكي ، لتثبيت العقيدة وتقريرها ، والدعوة إلى إخلاص العبادة والدين لله
وحده ، و اتباع رسوله - صلى الله عليه وسلم .
لذلك نجد أن أغلب آيات القرآن الكريم في العقيدة : إما بصريح العبارة، وإما
بالإشارة ، حيث إن معظم القرآن جاء في تقرير توحيد الألوهية وإخلاص العبادة لله
وحده ، وتوحيد الربوبية والأسماء والصفات ، وأصول الإيمان والإسلام ، وأمور الغيب
والقدر خيره وشره ، واليوم الآخر ، والجنة وأهلها ونعيمها ، والنار وأهلها وعذابها
( الوعد والوعيد ) ، وأصول العقيدة تدور على هذه الأمور .
وقد ذكر العلماء أن القرآن : ثلث أحكام ، وثلث أخبار ، وثلث توحيد . وهذا ما فسروا به قول النبي- صلى الله عليه
وسلم- : " قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن " .
فإن { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } اشتملت
على أعظم التوحيد والتنزيه لله – تعالى - .
وآيات الأحكام لاتخلو من ذكر للعقيدة وأصول الدين ، وذلك من خلال ذكر أسماء
الله وصفاته ، وطاعته وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وذكر حكم التشريع ...
ونحو ذلك .
وكذلك آيات الأخبار والقصص أغلبها في الإيمان والاعتقاد ، وذلك من خلال
أخبار المغيبات والوعيد واليوم الآخر ، ونحو ذلك .
وبهذا يتحقق القول : بأن القرآن الكريم هو الهادي إلى التي هي أقوم إلى يوم
القيامة ، وغالب آياته في تقرير العقيدة والدعوة إليها والدفاع عنها والجهاد في
سبيلها .
وبهذا نصل إلى نتيجة بينة ، هي : أنه على الدعاة الذين جعلوا القرآن الكريم
وسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - هديهم أن يدركوا هذه الحقيقة من القرآن والسنة
، و يعملوا بها ، كما فعل الرسول- صلى الله عليه وسلم - وأصحابه . والله الهادي
إلى سواء السبيل .
( 4 )
مصادر العـقيدة ( عـقيدة أهـل السنة والجماعـة )
مصادر العـقيدة ( عـقيدة أهـل السنة والجماعـة )
العقيدة لها مصدران أساسيان ، هما :
1- كتاب الله - تعالى - ( القرآن
الكريم ) .
2- ما صح من سنة رسول الله - صلى
الله عليه وسلم .
فالرسول - صلى الله عليه وسلم - لا ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى .
وإجماع السلف الصالح : مصدرٌ مبناه على الكتاب والسنة .
أما الفطرة والعقل السليم فهما مؤيدان يوافقان الكتاب والسنة ، ويدركان
أصول الاعتقاد على الإجمال لا على التفصيل، فالعقل والفطرة يدركان وجود الله
وعظمته، وضرورة طاعته وعبادته ، واتصافه بصفات العظمة والجلال على وجه العموم .
كما أن العقل والفطرة السليمين يدركان ضرورة النبوات وإرسال الرسل ، وضرورة
البعث والجزاء على الأعمال ، كذلك ، على الإجمال لا على التفصيل .
أما هذه الأمور وسائر أمور الغيب ، فلا سبيل إلى إدراك شيئ منها على
التفصيل إلا عن طريق الكتاب والسنة ( الوحي ) ، وإلا لما كانت غيباً .
وتعارض النص الصريح من الكتاب والسنة مع العقل الصحيح ( السليم ) غير متصور
أصلاً ، بل هو مستحيل ، فإذا جاء ما يوهم ذلك فإن الوحي مقدّم ومحكم . لأنه صادر عن المعصوم - صلى الله عليه وسلم -
والعقل لا عصمة له ، بل هو نظر البشر الناقص
. وهو معرض للوهم والخطأ والنسيان والهوى والجهل والعجز ، فهو قطعاً ناقص .
( 5 )
من خصائص العـقيدة الإسلاميـة وأتباعـها
من خصائص العـقيدة الإسلاميـة وأتباعـها
إن المتأمل المنصف ، لو قارن بين المعتقدات السائدة بين الناس اليوم ; لوجد للعقيدة الإسلامية - المتمثلة في عقيدة أهل
السنة والجماعـة - خصائص وسمات تميزها وأهلها بوضوح عن المعتقدات الأخرى من ديانات
أو فرق أو مذاهب أو غيرها .
ومن هذه الخصائص والسمات :
1 – سلامة الصــدر :
وذلك باعتمادها على الكتاب والسنة وإجماع السلف ، وأقوالهم فحسب .
وهذه الخاصية لا توجد في مذاهب أهل الكلام والمبتدعة والصوفية ، الذين
يعتمدون على العقل والنظر ، أو على الكشف والحدس والإلهام والوجـد ، وغير ذلك من
المصادر البشرية الناقصة التي يُحـكمونها أو يعتمدونها في أمور الغيب ، ( و
العقيدة كلها غيب ) .
أما أهل السنة فهم - بحمد الله - معتصمون بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وإجماع السف الصالح
وأقوالهم ، وأي معتقد يستمد من غير هذه المصادر إنما هو ضلال وبدعـة .
فالذين يزعمون أنهما يستمدون شيئاً من الدين عن طريق العقل والنظر ، أو علم
الكلام والفلسفة ، أو الإلهام والكشف والوجـد ، أو الرؤى والأحلام ، أو عن طريق
أشخاص يزعمون لهم العصمة ( غير الأنبياء ) أو الإحاطة بعلم الغيب ( من أئمة أو
رؤساء أو أولياء أو أقطاب أو أغواث أو نحوهم ) ، أو يزعمون أنه يسعهم العمل بأنظمة
االبشر وقوانينهم ، من زعم ذلك فقد افترى على الله أعظم الفرية ، ونقول لمن زعم ذلك
كما قال الله - تعالى - لمن قال عليه بغير
علم :
{ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
} [ سورة البقرة
، الآية : 111 ] .
وأني له أن يأتي إلا بشبه الشيطان .
وهذه الميزة والخصيصة ،أعني الاعتماد على الكتاب والسنة ، ومنهج السلف
الصالح ، سمة من سمات أهل السنة، لاتكاد تتخلف في كل مكان وزمان والحمد لله .
2- أنها تقوم على التسليم لله - تعالى - ولرسوله- صلى الله عليه وسلم-
لأنها غيب ، والغيب يقوم ويعتمد
على التسليم والتصديق المطلق لله - تعالى -
ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -
فالتسليم بالغيب من صفات المؤمنين التي مدحهم الله بها ، قال تعالى : { آلم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى
لِلْمُتَّقِينَ } [ سورة البقرة ،
الآية : 1- 3 ] .
والغيب لا ُتدركه العقول ولا تحيط به ، ومن هنا ، فأهل السنة يقفون في
أمرالعقيدة على ما جاء عن الله وعن رسوله - صلى الله عليه وسلم - بخلاف أهل البدع
والكلام ، فهم يخوضون في ذلك رجماً بالغيب ، وأني لهم أن يحيطوا بعلم الغيب ، فلا
هم أراحوا عقولهم بالتسليم ، ولا عقائدهم
وذممهم بالاتباع ، ولا تركوا عامة أتباعهم على الفطرة التي فطرهم الله عليها .
3 - موافقتها للفطرة القويمة
والعـقل السليم :
لأن عقيدة أهل السنة والجماعة تقوم على الاتباع والاقتداء والاهتداء بهدى
الله - تعالى - وهدي رسوله - صلى الله عليه وسلم - وما عليه سلف الأمة ، فهي تستقي
من مشرب الفطرة والعقل السليم ، والهدي القويم، وما أعذبه من مشرب .
أما المعتقدات الأخرى فماهي إلا أوهام وتخـّرصات تعمي الفطرة ، وتحيّـر
العقول .
4 - اتصال سندها بالرسول - صلى
الله عليه وسلم - والصحابة والتابعين وأئمة الهدى قولاً وعملاً وعلماً واعتقاداً :
فلا يوجد - بحمد الله - أصل من أصول عقـيدة أهل السنة والجماعة ليس له أصل
وسند وقدوة من الصحابة والتابعين ، وأئمة الدين إلى اليوم ، بخلاف عقائد المبتدعـة
التي خالفوا فيها السلف ، فهي محدثة ، ولا سند لها من كتاب أو سنة ، أو عن الصحابة
والتابعين ، وما لم يكن كذلك فهو بدعـة ، وكل بدعـة ضلالة .
5 - الوضوح والبيـان :
تمتاز عـقيدة أهل السنة والجماعـة بالوضوح والبيان ، وخلوها من التعارض
والتناقض
والغموض ، والفلسفة والتـعـقيد في ألفاظها ومعانيها ، لأنها مستمدة من كلام
الله المبين
الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، ومن كلام رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - الذي لا ينطق عن الهوى . بينما المعتقدات الأخرى هي من تخليط
البشر أو تأويلهم وتحريفهم ، وشتان بين المشربين ، لا سيما وأن العقيدة توقيفية
غيبية لا مجال للاجتهاد فيها كما هو معلوم .
6 - سلامتها من الاضطراب والتناقض واللبس :
فإن العـقيدة الإسلامية الصافية لاضطراب فيها ولا التباس ، وذلك لاعتمادها
على الوحي ، وقوة صلة أتباعها بالله ، وتحقيق العبودية له وحده ، والتوكل عليه
وحده ، وقوة يقينهم بما معهم من الحق ، وسلامتهم من الحيرة في الدين ، ومن القلق
والشك والشبهات ، بخلاف أهل البدع فلا تخلو أهدافهم من عـلة من هذه العلل .
أصدق مثال على ذلك ما حصل لكثير من أئمة علم الكلام والفلسفة والتصوف ، من
اضطراب وتقلب وندم ، بسبب ما حصل بينهم من مجانبة عقيدة السلف ، ورجوع كثير منهم
إلى التسليم ، وتقرير ما يتعقده السلف ، خاصة عند التقدم في السن ، أو عند الموت .
كما حصل للإمام أبي الحسن الأشعري
، حيث رجع إلىعقيدة أهل السنة والجماعة في " الإبانة " بعد الاعتزال ثم
التلفيق .
والباقلاني ت 403 في "
التمهيد " .
ومثله أبو محمد الجويني ، ت 438 ،
والد إمام الحرمين ، في " رسالة في إثبات الاستواء والفوقية " .
ومثله إمام الحرمين ، ت 478 في
" الرسالة النظامية " .
والشهرستاني ، ت 548 ، في " نهاية الإقدام " .
والرازي ( فخر الدين ) ، ت 606 في " أقسام الملذات " وغيرهم
كثيرون ، ومن ذلك أيضاً .
سلاسة أتباعها - في العموم - من التلبس بالبدع والشركيات والآثام والكبائر
، فأهل السنة في عمومهم ، هم أسلم الناس من الوقوع في البدع ، ولا تكون فيهم
الشركيات. أما الذنوب والمعاصي والكبائر فقد يقع فيها طوائف منهم لكنها فيهم أقل
من غيرهم ، وغيرهم لا يسلم من علة من هذه العلل البدعية والشركية ، كما أن المعاصي
والكبائر هي في أهل الافتراق أكثر من غيرهم في الجملة .
فالمتكلمة من المعتزلة ، وكثير من الأشاعرة ونحوهم قالوا في الله بغير علم
، وخاضوا في الغيب بغير علم ، والمتصوفة والمقابريون وسائر أهل البدع عبدوا الله
بغير ما شرع ، والرافضة ، والباطنية ونحوهم كذبوا على الله - تعالى - وافتروا على
رسوله - صلى الله عليه وسلم - حتى صار الكذب ديناً لهم ، والخوارج تشددوا في الدين
فشدد الله عليهم .
7 - أنها سبب الظهـور والنصر والفلاح في الداريـن :
من أبرز خصائص عـقيدة أهل السنة : أنها من أسباب النجاح والنصر والتمكن لمن
قـام بها ودعـا إليها بصدق وعزم وصبر .
فالطائفة التي تتمسك بهذه
العـقيدة ، عـقيدة أهل السنة والجماعة ، هي الطائفة الظاهرة والمنصورة التي لا
يضرها من خذلها ولا من عاداها إلى يوم القيامة . كما أخبرنا بذلك الرسول - صلى
الله عليه وسلم - بقوله : " لاتزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم
من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك "
.
8 - هي عـقيدة الجماعـة والاجتماع :
ذلك أنها الطريقة المثلى لجمع شمل المسلمين ووحدة صفهم ، وإصلاح ما فسد من
شئون دينهم وديناهم ، لأنها تردهم إلى الكتاب والسنة وسبيل المؤمنين ، وهذه
الخاصية لا يمكن أن تتحقق على يد فرقة أو دعوة أو أنظمة لا تقوم على هذه العقيدة
أبداً ، والتاريخ شاهد على ذلك ، فالدول التي قامت على السنة هي التي جمعت شمل
المسلمين وقام بها الجهاد والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وعزّ بها الإسلام
قديماً وحديثـاً ، منذ عهد الخلفاء الراشدين ، والدولة العباسية في أول عهدها ،
والدولة العثمانية في أول عهدها، وعهد صلاح الدين الأيوبي ، والدولة الإسلامية في
الأندلس ، وعهد الدولة السعودية ، حيث نصرت السنة ، ودعت إلى التوحيد ، وحاربت
البدع والشركيات ، وطـهّرت البلاد المقدسة منها ، ولا تزال كذلك - بحمد الله - ،
وينبغي أن تبقى كذلك على عهدها . وغالب
هذه الدول حينما حدث فيها الافتراق وسادت فيها البدع فشلت وانهارت ، و الدول التي قامت على غير السنة ، أشاعت الفوضى
والفرقة والبدع والمحدثات ، ومزقت الشمل ، وعطلت الجهاد، وأشاعت المنكرات ، وصارت
على يدها الهزائم، وانتشرفي عهدها الجهل بالدين ، واندثرت السنة، مثل دول الرافضة
والباطنـيـة،والقـرامـطة،
والصوفـيـّة، وكـدولة بني بـويـه، والفاطميـيـن ( العبيديين ) ،
التي مزقت المسلمين ، وأشاعت بينهم
البدع والشركيات . ولما صارت للمعتزلة وزارة ومراكز في عهد بعض الخلفاء العباسيين
ظهرت البدع الكلامية ، وحوصر أئمة أهل السنة ، وافتتن الناس - بل العلماء - في
دينهم .
9 - البقـاء والثـبات والاستـقرار :
من أهم خصائص عـقيدة أهل السنة : البقاء والثبات والاستقرار والاتفاق :
فعقيدتهم في أصول الدين ثابتة طيلة هذه القرون ، وإلى أن تقوم الساعة ،
بمعنى أنها متفقة ومستقرة ومحفوظة ، رواية ودراية ، في ألفاظها ومعانيها ،
تتناقلها الأجيال جيلاً بعد جيل ، لم يتطرق إليها التبديل ولا التحريف ، ولا
التلفيق ولا الالتباس ، ولا الزيادة ولا النقص .
ومن أسباب ذلك : أنها مستمدة من كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين
يديه ولا من خلفه ، ومن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي لا ينطق عن
الهوى ، وقد تلقاها الصحابة ثم التابعـون ، وتابعـوهم ، وأئمة الهدى المستمسكون
بهديـه - صلى الله عليه وسلم - إلى اليوم ، رواية ودراية ، تلقيناً وكتابة .
من ذلك - مثلاً - قول أهل السنة في الصفات إجمالاً وتفصيلاً ، فهو لا يزال
واحداً ، وقولهم في كلام الله ، والقرآن ، والاستواء ، والنزول والرؤية ، وقولهم
في القدر ، والإيمان ، والشفاعة ، والتوسل ، وغيرها كله لا يزال كما نقل عن السلف
والقرون الفاضلة . وهذا مما تكفل به الله من حفظ دينه .
بخلاف الفرق الأخرى ، وأقربها إلى أهل السنة " الأشاعرة " و
" الماتريدية " ، ومع ذلك فهم مضطربون في كل ما خالفوا به السلف مما
أوّلوه أو ابتدعوه ، ويكثر في عقائدهم
التلفيق والالتباس والاضطراب ، والتوقف فيما جاء عن الله - تعالى - وعن رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وابتداع
الألفاظ والمعاني التي لم ترد عن الله - تعالى - ولا عن رسوله - صلى الله عليه
وسلم - .
المصدر:
مباحث في
عقيدة أهل السنة والجماعة
وموقف الحركات الإسلامية المعاصرة منها
الشيخ د. ناصر بن عبدالكريم العقل
الأستاذ المشارك بقسم العـقيدة والمذاهب المعاصرة
في كلية أصول الدين بالرياض
الطبعة الأولى 12 / 9 / 1412 هـ
دار الوطن للنشر