[SIZE="6"]
إن الإنسان إذا نظر إلى هذا الدين القويم يجد فيه عجباً فهو يلبي كل ما يحتاج إليه الإنسان ولما كان الإنسان روح وجسم وقلب وعقل ونفس وفؤاد فإن هذا الدين جعل لكل حقيقة في الإنسان غذاؤها وشفاؤها من كتاب الله ومن سنة حبيب الله ومصطفاه فالأمر كما قال الله عن كلامه الكريم وعن دينه القويم{لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا}ولما أراد الله بقاء نوع الإنسان جعل جاذبية إلهية في الإنسان في الرجل نحو المرأة وفي المرأة نحو الرجل وأراد الله للإنسان بلوغ الكمال فنظم هذه الغريزة وجعل لها منهاجاً واضحاً وطريقاً بيناً وسبيلاً واضحاً في كتاب الله وفي سنة رسول الله فجعل الحصول على هذه الغريزة من طريق حلال وهو الزواج وحرم الحصول عليها من طريق معوج وهو الطريق الذي لا يرضاه دين ولا يكون على شرع قويم ولذلك قال الله {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً }طريق سيئ لأنه طريق معوج بعيد عن كتاب الله فجعل الله الزواج على الهدى القرآني وعلى السنن النبوي فيه كل ما تحتاج إليه حقائق الإنسان وعمارة هذه الأكوان وقد امتلأت الكتب والمصنفات وامتلأت الأسماع بما تحدث به المتحدثون من العلماء الأقدمين والمحدثين بالشروط والأسس التي عليها يختار المسلم زوجته و التي عليها توافق الفتاة المسلمة على الشاب المتقدم لها ونحن لن ندخل في هذه التفصيلات فهي أكثر من معلومة ومشهورة للجميع ولكننا نبدأ بموضوع في هذا الباب يشغل أذهان الكثيرات منكن أيتها الأمهات ومنكن أيتها الفتيات المسلمات المؤمنات القانتات ألا وهو :
لماذا يتأخر زواج الصالحات؟
فإنه قد وصلني الكثير من الأسئلة من الأمهات والآباء والأخوة والأخوات يقولون فيها:إن ابنتي أو أختي فتاة صالحة وتقية ولا عيب فيها فلماذا لا يتقدم إليها الشباب؟ في حين أننا نرى أن غير الملتزمة بأحكام الله والتي قد تلوث نفسها أو تلبس القصير من الملابس أو المثير منها والتي تكشف شعرها وتكلم هذا وذاك وتقصد بهذا الكلام أن الله يسهل لها في الزواج وتتزوج بسرعة حتى وصل الأمر ببعض الأمهات وهذا ما نجده كثيراً قد يحدث عندما تجد أن ابنتها ملتزمة فتأمرها بكشف شعرها وتنصحها بأن تظهر جزءاً من رجليها لكي يراها الناس ويشاهدوا جمالها ولازم تمشي أمورك ثم تفعلي ما تريدين بعد الزواج بمعنى أن الأم نفسها قد تدعوها لعدم الالتزام من أجل الزواج وأحيانا تفرض ذلك عليها وتقول لها : بعد ما نسلمك لزوجك وتروحي بيتك عندها إفعلى ما تشائين ما الحكمة يا إخواني في هذا الموضوع؟ أحد الحكماء قال في هذا الأمر وأشباهه وأمثاله "من نظر إلى الخلق بعين الشريعة مقتهم ومن نظر إليهم بعين الحقيقة عذرهم" فإذا نظرت للناس نظرة شرعية فقط ستخاصم جميع الخلق لأنهم غير ملتزمين من وجهة نظرك ولو جاهدت نفسك قليلاً ونظرت تجد أن الحياة قد دفعت الكثير لتجاوزات لا نبررها ولكنا نقول كما قال النبي اللهم أهد قومي فإنهم لا يعلمون ومن ضمنها عزوف الشباب عن الصالحات وهن من يقول فيهن النبي{الْمَرْأَةُ الْمُؤْمِنَةُ فِي النسَاءِ كَالْغُرَابِ الأَعْصَمِ فِي الْغِرْبَانِ فَإِنَّ النَّارَ خُلِقَتْ لِلْسُّفَهَاءِ وَإِنَّ النسَاءِ أَسْفَهُ السُّفَهَاءُ إِلاَّ صَاحِبَةَ الْقِسْطِ وَالسرَاجِ}[1] يعني الأبيض وسط مائة غراب يعني كل مائة امرأة تجد منهن امرأة صالحة فكيف أن الصالحة ليس عليها طلب والأخرى الغير ملتزمة يتنافس عليها الشباب؟ربنا سنَّ لنا قانوناً في قرآنه الحكيم قانوناً نافذاً لا يتبدل ولا يتغير{الطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ}فالفتاة الطيبة لا بد أن يأتي لها ربنا بشاب طيب وكم عددهم فيما حولنا ؟قال الله{ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ}وقال في الوجهة الأخرى {قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ} إذاً فالخبيث كثير ونضرب مثلاً لتوضيح هذه الحقيقة : رجل فلاح وكان ساكن في منطقة الدقي وكانت مازالت الأرض الزراعية التي تغذي القاهرة باللبن ومنتجاته وذلك في الثلاثينات من القرن الماضي اشتكى هذا الرجل لأحد الصالحين أن زوجته تخرج في الصباح باللبن لتبيعه ولا ترجع إلا آخر النهار مع أن جيرانها ومن حولها يخرجون باللبن ويرجعون خلال نصف ساعة فقط وقال للرجل الصالح إنني أشك في سلوكها بسبب تأخرها خارج المنزل وكانوا يعرضون على الشيخ المربى كل صغيرة وكبيرة في حياتهم لكي يأخذوا الإجابة الشافية، كما أمرت بذلك السنه ( ولا ندم من استشار – الحديث )، فقال له الشيخ : أتريد أن تعرف السبب؟ قال: نعم قال: غداً إن شاء الله وبعد أن تحلب اللبن ضع قليلاً من الماء على اللبن بدون أن تعرف زوجتك فوضع على اللبن ماء وخرجت زوجته لبيع اللبن كعادتها ولكنها رجعت بعد نصف ساعة فقط فاستعجب الرجل وذهب للشيخ وهو مذهول فقال له الشيخ: تريد أن تعرف السر؟ قال: نعم قال: يا بني إن زرعك حلال ولبن مواشيك حلال وأنت تريد مقابل ذلك قرشاً حلالاً والقرش الحلال عزيز فزوجتك منذ خروجها من المنزل تبحث وتبحث إلى أن يقدر الله لها قرشاً حلالاً فتأخذه وتعطيه اللبن لكن الآخرين يخلطون اللبن بالماء وزرعهم به حرام ومواشيهم تأكل الحرام والمال الحرام كثير فعندما يخرجون لبيع اللبن يبيعونه بسرعة فعرّفنا أن الحلال عزيز،وهذا ما قاله رجل من الصالحين الأولين وهو الشيخ أبو سليمان الدارني وكان من الصالحين قال "شيئان عزيزان ولا يزيدان أبد الدهر إلا عزاً هما :درهم حلال وأخ صادق تسكن إليه" وهي أشياء عزيزة في كل زمان ومكان وعملة نادرة مثل الذهب {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ} لكن {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ} وهن اقل في المقام {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} أيضاً أقل في المقام ممن قبلهن {وَاضْرِبُوهُنَّ} وهن الأقل مقاما ولذلك فالفتاة الصالحة يلزمها أن تصبر إلى أن يبعث الله إليها رجلاً صالحاً ولما نقرأ القرآن نجد هذا الكلام بنت سيدنا شعيب وهو نبي ومن الأغنياء والوجهاء والأثرياء لكن لم يخطبها أحد من قومها إلى أن بعث الله لها رجل من مصر رغم طول السفر فقطع صحراء سيناء كلها إلى أن ذهب إلى مدين وهي الأردن الآن؟ وهذه الفتاة بلغت الذروة وقد أعطانا الله مؤشراتها الإيمانية والفطانة والذكاء وقد بلغت الغاية في الاثنين قالت{يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} فقال لها أبوها: من أين عرفت أنه قوي أمين؟لأنه تقرير وكان يناقش معها التقرير مع أنها ليست معها دكتوراه أو خلافه ولكنها تفوق من معها دكتوراه في الفكر فقالت: عندما ذهبنا لسقي الغنم كان القوم قد فرغوا من سقي أغنامهم وغطوا البئر والحجر التي غطوا بها البئر لا يستطيع أن يرفعه إلا ثلاثون رجلاً مجتمعين فلما وجدنا غير قادرين على رفع الغطاء رفعه وحده فعرفت أنه قوي قال: والأمين؟ قالت: سرت أمامه لأدله على البيت فرفعت الريح ثوبي فأوقفني ثم مشى أمامي وقال: امشي خلفي وأشيري لي بحصاة يميناً أو يساراً فعرفت أنه أمين ومع تلك الخصال الحميدة فيها لم يتقدم لها الخطاب من قومها لكن لم يتركها ربنا إلى أن جاء لها بمن يناسبها وإن كان أتى من مصر وذلك لكي يعرفنا ربنا أن {الطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} ولكن الموضوع يحتاج إلى الصبر – وهذا الرجل الذي جاء إليها من مصر لن يتزوجها على الفور لأن فترة الخطوبة ستستمر عشرة سنين إلى أن يدفع المهر وكان المهر أجر رعية للغنم لمدة عشر سنين فقد قال له شعيب: إن مهر ابنتي أن تعمل في رعي الغنم عندي ثمان سنين أو عشر كما تحب أن تختار فالمفروض كشاب أن يختار الثمان سنين ولكنه قال:لا وقد سئل رسول الله:أي الأجلين قضى موسى؟ قال: أتمهما وأوفاهما وأبرهما لأن الأنبياء يأخذون بالعزائم وكان مهرها عشر سنين مع أنه كان يعيش معهم في بيت واحد وهذا صبر أعظم وأكرم فكل ما قلناه لكي نعرف ونتيقن أنه أمر الله ولذلك ورد في الأثر {كل فرج مكتوب عليه ناكحه إلى يوم القيامة}ولم يقل كل زوجة مكتوب عليها ناكحها لأنه من الجائز أن نعقد العقد ويشترون الجهاز وليلة الدخلة يتم انفصال ولا تكون زوجته ألا يحدث ذلك كثيراً؟ لكن متى تكون زوجته بالفعل؟ بعد أن يتم الدخول فإذا عرفت المؤمنة هذا الأمر فعليها أن تسلم لله وتجعل اعتمادها وأمرها على من لا تخفى عليه خافية {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} طبعاً سنقول أن وسائل الإعلام والدش وخلافه هي التي تؤثر في الشباب فكلها أسباب ولكننا وضحنا الحقيقة التي يريدها العزيز الوهاب والحقيقة هي أن الله يريد الطيبون للطيبات والطيبون قليل وكذلك الطيبات قليل إذاً الرجل الصالح الذي يريد أن يتزوج لا بد أن يتعب ويبحث إلى أن يجد الزوجة الصالحة التي تناسبه والفتاة الصالحة أيضاً يجب عليها أن تصبر إلى أن يأتيها الله بالرجل الصالح الطيب المناسب لها وبعض الناس يقولون: لماذا فلانة؟ أو لماذا فلان؟ لا شأن لنا بذلك لأنه لو قلنا لماذا؟ فقد ورد في الأثر ولأنها أرزاق أيضاً {إذا أبغض الله عبداً رزقه من حرام فإذا اشتد غضبه عليه بارك له فيه} وذلك لكي يطغى ولا يرجع إلى الله لكن الرجل الصالح الذي يحبه الله لو اكتسب قرش واحد حرام يفكِّره الله ويذكره إما بمرض أو بهم أو مشكلة لماذا؟ لأن الله يريده طاهراً وجاهز لله بخلاف الآخر لا يأبه به الله وبذلك يكون من عرف الحقيقة أراح واستراح [/SIZE]
[SIZE="3"][1] ابن عساكر عن أَبي شجرةَ رضَي اللَّهُ عنهُ[/SIZE]
[SIZE="5"]منقول من كتاب [المؤمنات القانتات][/SIZE]