بسم الله الرحمن الرحيم
التصور الإسلامي للتوحيد وأثره في التعامل
التصور الإسلامي للتوحيد وأثره في التعامل
فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (2 / 727)
يبدأ هذا الدرس بقاعدة التصور الإسلامي الأساسية .. التوحيد وإفراد اللّه - سبحانه - بالألوهية ثم يبني على هذه القاعدة أحكاما شتى في معاملة المجتمع المسلم مع المعسكرات المختلفة بعد التنديد بانقسام الصف المسلم إلى فئتين ورأيين ، في معاملة المنافقين - ويبدو أنها جماعة خاصة من المنافقين من غير سكان المدينة - فتقوم هذه الأحكام - وهذا التنديد أيضا - على قاعدتها الأصيلة ، التي يقوم عليها بناء النظام الإسلامي كله .. والتي يتكرر ذكرها كلما اتجه المنهج الرباني إلى تشريع أو توجيه.
هذه الأحكام في معاملة المعسكرات المختلفة ، هي طرف من القواعد التي أنشأها الإسلام - لأول مرة في تاريخ البشرية - لتنظيم المعاملات الدولية واتخاذ قواعد أخرى لهذه المعاملات ، غير تحكيم السيف ، ومنطق القوة ، وشريعة الغاب.
إن أوربا بقانونها الدولي - وكل ما تفرع عنه من المنظمات الدولية - لم تبدأ في هذا الاتجاه إلا في القرن السابع عشر الميلادي (الحادي عشر الهجري). ولم يزل هذا القانون - في جملته - حبرا على ورق ولم تزل هذه المنظمات - في جملتها - أدوات تختفي وراءها الأطماع الدولية ومنابر للحرب الباردة! وليست أداة لإحقاق حق ولا لتحقيق عدل! وقد دعت إليها منازعات بين دول متكافئة القوى. ولكن كلما اختل هذا التكافؤ لم يعد للقوانين الدولية قيمة ، ولا للمنظمات الدولية عمل ذو قيمة! أما الإسلام - المنهج الرباني للبشر - فقد وضع أسس المعاملات الدولية في القرن السابع الميلادي (الأول الهجري). ووضعها من عند نفسه دون أن تضطره إلى ذلك ملابسات القوى المتكافئة. فهو كان يضعها ليستخدمها هو ، وليقيم المجتمع المسلم علاقاته مع المعسكرات الأخرى على أساسها. ليرفع للبشرية راية العدالة ، وليقيم لها معالم الطريق. ولو كانت المعسكرات الأخرى - الجاهلية - لا تعامل المجتمع المسلم بتلك المبادئ من جانبها .. فلقد كان الإسلام ينشىء هذه المبادئ إنشاء وللمرة الأولى ..
وهذه القواعد للمعاملات الدولية متفرقة في مواضعها ومناسباتها من سور القرآن ، وهي تؤلف في مجموعها قانونا كاملا للتعامل الدولي. يضم حكما لكل حالة من الحالات التي تعرض بين المعسكر الإسلامي والمعسكرات الأخرى : محاربة. ومهادنة. ومحالفة. ومحايدة. ومرتبطة مع محارب ، أو مهادن ، أو محالف ، أو محايد ... إلخ ..
وليس بنا هنا أن نستعرض هذه المبادئ والأحكام (فهي جديرة ببحث مستقل يتولاه متخصص في القانون الدولي). ولكننا نستعرض ما جاء في هذه المجموعة من الآيات في هذا الدرس .. وهي تتعلق بالتعامل مع الطوائف التالية :
«أ» المنافقين غير المقيمين في المدينة.
«ب» الذين يرتبطون بقوم بينهم وبين المسلمين ميثاق ..
« ج» المحايدين الذين تضيق صدورهم بحرب المسلمين أو حرب قومهم كذلك. وهم على دينهم.
«د» المتلاعبين بالعقيدة الذين يظهرون الإسلام إذا قدموا المدينة ويظهرون الكفر إذا عادوا إلى مكة.
«ه» حالات القتل الخطأ بين المسلمين والقتل العمد على اختلاف المواطن والأقوام ..
وسنجد أحكاما صريحة واضحة في جميع هذه الحالات التي تكوّن جانبا من مبادئ التعامل في المحيط الدولي. شأنها شأن بقية الأحكام ، التي تتناول شتى العلاقات الأخرى.
ونبدأ من حيث بدأ السياق القرآني بالقاعدة الأولية التي يقوم عليها بناء الإسلام كله. وبناء النظام الإسلامي في شتى جوانبه :
«اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ، لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ. وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً؟» إنه من توحيد اللّه - سبحانه - وإفراده بالألوهية تبدأ خطوات المنهج الرباني - سواء في تربية النفوس أم في إقامة المجتمع ، ووضع شرائعه وتنظيمه وسواء كانت هذه الشرائع متعلقة بالنظام الداخلي للمجتمع المسلم ، أم بالنظام الدولي ، الذي يتعامل هذا المجتمع على أساسه مع المجتمعات الأخرى. ومن ثم نجد هذا الافتتاح لمجموعة الآيات المتضمنة لطائفة من قواعد التعامل الخارجية والداخلية أيضا.
كذلك من الاعتقاد في الآخرة ، وجمع اللّه الواحد لعباده ، ليحاسبهم هناك على ما أتاح لهم في الدنيا من فرص العمل والابتلاء ، تبدأ خطوات هذا المنهج في تربية النفوس ، وإثارة الحساسية فيها تجاه التشريعات والتوجيهات وتجاه كل حركة من حركاتها في الحياة .. فهو الابتلاء في الصغيرة والكبيرة في الدنيا والحساب على الصغيرة والكبيرة في الآخرة .. وهذا هو الضمان الأوثق لنفاذ الشرائع والأنظمة لأنه كامن هناك في أعماق النفس ، حارس عليها ، سهران حيث يغفو الرقباء ويغفل السلطان! هذا حديث اللّه - سبحانه - وهذا وعده :
« وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً» ..
وبعد هذه اللمسة للقلوب ، وهي اللمسة الدالة على طريقة هذا المنهج في التربية ، كما هي دالة على أساس التصور الاعتقادي العملي في حياة الجماعة المسلمة ..
===============