[ طلبُ العلمِ فريضةُُ]
من كتاب : مختصر منهاج القاصدين - إبن قدامة المقدسي
قد روى عن أنس بن مالك رضى الله عنه، عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: “ طلب العلم فريضة على كل مسلم” رواه أحمد فى “العلل” .
قال المصنف رحمه الله تعالى: اختلف الناس فى ذلك.
فقال الفقهاء: هو علم الفقه، إذ به يعرف الحلال والحرام.
وقال المفسرون والمحدثون: هو علم الكتاب والسنة، إذ بهما يتوصل إلى العلوم كلها.
وقالت الصوفية: هو علم الإخلاص وآفات النفوس.
وقال المتكلمون: هو علم الكلام. إلى غير ذلك من الأقوال التي ليس فيها قول مرضى، والصحيح أنه علم معاملة العبد لربه.
والمعاملة التي كلفها على ثلاثة أقسام:
اعتقاد، وفعل، وترك.
فإذا بلغ الصبى، فأول واجب عليه تعلم كلمتي الشهادة وفهم معناها وإن لم يحصل ذلك بالنظر والدليل، لأن النبى صلى الله عليه وآله وسلم اكتفى من أجلاف العرب بالتصديق من غير تعلم دليل، فذلك فرض الوقت، ثم يجب عليه النظر والاستدلال.
فإذا جاء وقت الصلاة وجب عليه تعلم الطهارة والصلاة، فإذا عاش إلى رمضان وجب عليه تعلم الصوم، فإن كان له مال وحال عليه الحول وجب عليه تعلم الزكاة، وإن جاء وقت الحج وهو مستطيع وجب عليه تعلم المناسك.
وأما التروك: فهو بحسب ما يتجدد من الأحوال، إذ لا يجب على الأعمى تعلم ما يحرم النظر إليه، ولا على الأبكم تعلم ما يحرم من الكلام، فإن كان فى بلد يتعاطى فيه شرب الخمر ولبس الحرير، وجب عليه أن يعرف تحريم ذلك.
وأما الاعتقادات: فيجب علمها بحسب الخواطر، فإن خطر له شك فى المعاني التي تدل عليها كلمتا الشهادة، وجب عليه تعلم ما يصل به إلى إزالة الشك. وإن كان فى بلد قد كثرت فيه البدع، وجب عليه أن يتلقن الحق، كما لو كان تاجراً فى بلد شاع فيه الربا، وجب عليه أن يتعلم الحذر منه.
وينبغى أن يتعلم الإيمان بالبعث والجنة والنار.
فبان بما ذكرنا أن المراد بطلب العلم الذى هو فرض عين: ما يتعين وجوبه على الشخص.
فأما فرض الكفاية: فهو علم لا يُستغنى عنه فى قِوَام أمور الدنيا، كالطب إذ هو ضروري فى حاجة بقاء الأبدان على الصحة، والحساب، فإنه ضروري فى قسمة المواريث والوصايا وغيرها.
فهذه العلوم لو خلا البلد عمن يقوم بها حَرِجَ أهل البلد، وإذا قام بها واحد كفى وسقط الفرض عن الباقين.
ولا يُتعجب من قولنا: إن الطب والحساب من فروض الكفاية، فإن أصول الصناعات أيضاً من فروض الكفاية، كالفلاحة والحياكة، بل الحجامة فإنه لو خلا البلد عن حَجَّام لأسرع الهلاك إليهم، فإن الذى أنزل الداء أنزل الدواء وأرشد إلى استعماله.
وأما التعَّمق فى دقائق الحساب، ودقائق الطب وغير ذلك، فهذا يعد فضله، لأنه يستغنى عنه (3)
وقد يكون بعض العلوم مباحاً، كالعلم بالأشعار التي لا سخف فيها، وتواريخ الأخبار.
وقد يكون بعضها مذموماً، كعلم السحر، والطلسمات، والتلبيسات.
فأما العلوم الشرعية فكلها محمودة، وتنقسم إلى أصول، وفروع، ومقدمات ومتممات.
فالأصول: كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، وإجماع الأمة، وآثار الصحابة.
والفروع: ما فهم من هذه الأصول من معان تنبهت لها العقول حتى فهم من اللفظ الملفوظ وغيره، كما فهم من قوله: “لا يقضى القاضي وهو غضبان” أنه لا يقضى جائعاً.
والمقدمات: هي التي تجرى مجرى الآلات، كعلم النحو واللغة، فإنهما آلة لعلم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
والمتممات: كعلم القراءات، ومخارج الحروف، وكالعلم بأسماء رجال الحديث وعدالتهم وأحوالهم، فهذه دهى العلوم الشرعية، وكلها محمودة.