حكاية الملك الزاهد
حكي عن عباد المهلبي أنه قال كان رجل من ملوك البصرة ترك الدنيا وتعبد ثم بعد ذلك مال إلى الدنيا وغرورها فبنى دارا وشيدها وأمر بفرشها ففرشت الدار ونجدت وأمر أن يصنع طعام ودعا الناس إليه فجعلوا يدخلون ويأكلون ويشربون وينظرون إلى بنائه ويعجبون منه ثم يدعون له ويتفرقون عنه فمكث بذلك زمانا حتى فرغ من أمر الناس ثم أجلس نفرا من خاصة إخوانه فقال لهم أترون سروري بداري هذه وقد حدثتني نفسي أن أتخذ لكل واحد من أولادي مثل هذه فأقيموا عندي أياما استمتع بحديثكم فأقاموا عنده أياما يأكلون ويشربون ويلهون ويلعبون وشاورهم كيف يريد أن يبني إذ سمعوا ذات ليلة هاتفا يقول بصوت جهير
يا أيها الرجل الناسي منيته ***لا تأمنن فإن الموت مكتوب
على الخلائق إن سروا وإن كرهوا ***فالموت حتم لذي الآمال منصوب
لا تبنين ديارا لست ساكنها ***وراجع النسك كيما يغفر الحوب
قال فخرج وخرج أصحابه وراعهم ما سمعوا ثم قال لأصحابه هل تجدون ما أجد قالوا وما تجد قال أجد مسكة على فؤادي وما أراها إلا علة الموت ثم أمر بالشراب فأهريق وأمر بالملاهي فأخرجت ثم قال اللهم إني أشهدك واشهد ملائكتك ومن حضر من عبادك أني تائب إليك من جميع ذنوبي نادم على ما فرطت في أيام مهلتي, ثم اشتد به الأمر فلم يزل يقول الموت حتى خرجت روحه وتفرق أحبابه عنه وأصحابه
يا عجبا للناس لو أبصروا ***وحاسبوا النفس وقد فكروا
واعتبروا الدنيا إلى غيرها ***فإنما الدنيا لهم معبر
والموعد الموت وما بعده ***حشر فذاك الموعد الأكبر
عجبت للإنسان في فخره***وهو غدا في وحشة يقبر
ما بال من أوله نطفة ****وجيفة آخره يفخر
أصبح لا يملك تعجيل ما ****يرجو ولا تأخير ما يحذر
وأصبح الأمر إلى ربه ****في كل ما يقضي وما يقدر
لا فخر إلا فخر أهل التقى ****غدا إذا ضمهم المحشر
المصدر : كتاب بستان الواعظين- الإمام أبي زكريا يحيى بن شرف النووي
يا عجبا للناس لو أبصروا ***وحاسبوا النفس وقد فكروا
واعتبروا الدنيا إلى غيرها ***فإنما الدنيا لهم معبر
والموعد الموت وما بعده ***حشر فذاك الموعد الأكبر
عجبت للإنسان في فخره***وهو غدا في وحشة يقبر
ما بال من أوله نطفة ****وجيفة آخره يفخر
أصبح لا يملك تعجيل ما ****يرجو ولا تأخير ما يحذر
وأصبح الأمر إلى ربه ****في كل ما يقضي وما يقدر
لا فخر إلا فخر أهل التقى ****غدا إذا ضمهم المحشر
المصدر : كتاب بستان الواعظين- الإمام أبي زكريا يحيى بن شرف النووي