بسم الله الرحمن الرحيم
الأسباب الموجبة لمحبة الله سبحانه وتعالى
المصدر: كتاب مواعظ القلوب – تأليف تركي بن محمد الزيد
قال الله تعالى: [قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ] [آل عمران: 31].
فمن أراد محبة الله عز وجل ومحبة رسوله ﷺ فعليه بطاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر واجتناب ما نهى عنه وزجر وألا يُعبد الله إلا بما شرع فعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ: «من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه».رواه البخاري كتاب الدعوات ومسلم كتاب الذكر.
ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه مدارج السالكين عشرة أسباب موجبة لمحبة الله عز وجل وهي:
1- قراءة وحفظ كتاب الله تدبراً وتفسيراً قال تعالى: [أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا] [محمد: 24] وقال رسول الله ﷺ: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه».رواه البخاري في كتاب فضائل القرآن.
وقال النبي ﷺ: «اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه». رواه مسلم في كتاب الفضائل.
2- تقديم محاب الله على محابك عند غلبات الهوى والنفس والشيطان والدنيا قال رسول الله قال رسول صلى الله عليه وسلم: «إنك لم تدع شيئاً لله إلا أبدلك الله به ماهو خيراً منه» رواه الإمام أحمد في مسنده.
3- التقرب إلى الله عز وجل بالنوافل والسنن القولية والفعلية بعد أداء الفرائض فعن أبي هريرة t قال: قال النبي ﷺ فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى «من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه». رواه البخاري في كتاب الرقاق.
4- مداومة ذكر الله عز وجل فنصيبك من محبة الله عز وجل على قدر نصيبك من ذكره فعن عبدالله بن بُسر t قال أتى رجلٌ إلى النبي قال رسول صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: إن شرائع الإسلام قد كثرت علينا فبابٌ نتمسك به جامع قال: «لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله عز وجل».رواه الترمذي واللفظ له قال: (حسن غريب) ورواه ابن ماجه وابن حبان والحاكم وقال: (صحيح الإسناد) وصححه الألباني
5- التفكر والتدبر بأسماء الله وصفاته وآياته ومخلوقاته قال تعالى: [الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ] [آل عمران: 191].
6- شكر النعم الظاهرة والباطنة فمداومة الشكر والحمد سبب في بقاء وزيادة النعم قال الله تعالى: [وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ] [إبراهيم: 7].
7- انكسار القلب وخشوعه وخضوعه والانكسار وهو من أهم الأسباب قال تعالى: [أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الحَقِّ] [الحديد: 16].
8- قيام الليل وخاصة في الثلث الآخر منه وذلك بفعل الطاعات والقربات لله عز وجل من صلاة وقيام وقراءة للقرآن ودعاء واستغفار وذكر لله عز وجل. فعن أبي هريرة t قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم «ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له» سبق تخريجه.
وقال الله تعالى: [وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ] [الذاريات: 18].
9- الصحبة الصالحة فإنها تُعين على الخير قال الله تعالى: [وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالغَدَاةِ وَالعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا] [الكهف: 28].
وقال الإمام الشافعي رحمه الله: (لولا صحبة الأخيار وقيام الأسحار لكرهت البقاء بهذه الدار) والرجل من جليسه والصاحب كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك تجد منه رائحة طيبة أو يهديك ونافخ الكير تجد منه رائحة خبيثة أو يحرق ثيابك.
10- الابتعاد عن كل شيء يحول بينك وبين الله سبحانه وتعالى من المعاصي والمنكرات والذنوب والآثام فإنها تطغى على القلب حتى يتغشاها فلا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ويقول: «اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين». رواه الترمذي ومالك في الموطأ والبزار في كشف الأستار وقال البيهقي في مجمع الزوائد: (إسناده حسن) ورواه ابن حبان وصححه الألباني
فهذه عشرة أسباب موجبة لمحبة الله عز وجل إذا تقدَّمها الإخلاص لله عز وجل ومتابعةٌ لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم فيكون جزاؤه مع الذين قال الله فيهم: [وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا] [النساء: 69].
فينبغي على كل مسلم ومسلمة المسارعة للخيرات والمسابقة إليها ويكون جزاؤه كما قال تعالى: [وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ] [آل عمران: 133].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في علامة محبة الله عز وجل للعبد: (وقد جعل الله لأهل محبته علامتين اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم والجهاد في سبيله وذلك لأن الجهاد حقيقة الاجتهاد في الحصول على ما يحبه الله من الإيمان والعمل الصالح وفي دفع ما يبغضه الله من الكفر والفسوق والعصيان فحقيقة المحبة لا تتم إلا بمولاة المحبوب وهي موافقته في حب ما يحبه الله وبغض ما يبغضه الله والله يُحب الإيمان والتقوى ويبغض الكفر والفسوق والعصيان فإذا تبين هذا فكلمـا ازداد القلب حباً لله ازداد له عبودية وكلما ازداد عبودية ازداد محبة وحرية عما سواه والقلب يكون فقيراً لله من جهتين من جهة العبادة وهي العلة الغائبة ومن جهة الاستعانة والتوكل على الله) انتهى كلامه رحمه الله.
نسأل الله الغفور الرحيم أن يرزقنا حُبَّه وحُبَّ ما يقربنا لحُبِّه وأن نكون من عباده وأوليائه الصالحين الذين لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
õ õ õ