منتديات فرسان المعرفة

أهلا وسهلا زائرنا الكريم ومرحبا بك في منتديات فرسان المعرفة منتديات التميز والابداع ونتمنى أن تكون زيارتك الأولى مفتاحا للعودة إليه مرة أخرى والانضمام إلى أسرة المنتدى وأن تستفيد إن كنت باحثا وتفيد غيرك إن كنت محترفا

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات فرسان المعرفة

أهلا وسهلا زائرنا الكريم ومرحبا بك في منتديات فرسان المعرفة منتديات التميز والابداع ونتمنى أن تكون زيارتك الأولى مفتاحا للعودة إليه مرة أخرى والانضمام إلى أسرة المنتدى وأن تستفيد إن كنت باحثا وتفيد غيرك إن كنت محترفا

منتديات فرسان المعرفة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات الشمول والتنوع والتميز والإبداع

قال تعالى ( يا أيها الذين أمنوا اذكروا الله كثيراً وسبحوه بكرة وأصيلا)أ
عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال(من قال صبيحة يوم الجمعة قبل صلاة الغداة , أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ثلاث مرات غفرالله ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر)
عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه كان يدعو بهذا الدعاء "اللهم! اغفر لي خطيئتي وجهلي. وإسرافي في أمري. وما أنت أعلم به مني. اللهم! اغفر لي جدي وهزلي. وخطئي وعمدي. وكل ذلك عندي. اللهم! اغفر لي ما قدمت وما أخرت. وما أسررت وما أعلنت. وما أنت أعلم به مني. أنت المقدم وأنت المؤخر. وأنت على كل شيء قدير". رواه مسلم في صحيحه برقم (2719)
عن عقبة بن عامر رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ويصلي ركعتين يقبل بقلبه ووجهه عليهما إلا وجبت له الجنة)رواه مسلم وأبو داود وابن ماجة وابن خزيمة في صحيحة
عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "اللهم! أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري. وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي. وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي. واجعل الحياة زيادة لي في كل خير. واجعل الموت راحة لي من كل شر". رواه مسلم في صحيحه برقم (2720)
عن أبي الأحوص، عن عبدالله رضى الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه كان يقول "اللهم! إني أسألك الهدى والتقى، والعفاف والغنى". رواه مسلم في صحيحه برقم(2721)
عن زيد بن أرقم رضى الله عنه. قال: لا أقول لكم إلا كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كان يقول "اللهم! إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والهرم وعذاب القبر. اللهم! آت نفسي تقواها. وزكها أنت خير من زكاها. أنت وليها ومولاها. اللهم! إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها". رواه مسلم في صحيحه برقم(2722)
عن عبدالله رضى الله عنه قال: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا أمسى قال "أمسينا وأمسى الملك لله. والحمد لله. لا إله إلا الله وحده لا شريك له". قال: أراه قال فيهن "له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. رب! أسألك خير ما في هذه الليلة وخير ما بعدها. وأعوذ بك من شر ما في هذه الليلة وشر ما بعدها. رب! أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر. رب! أعوذ بك من عذاب في النار وعذاب في القبر". وإذا أصبح قال ذلك أيضا "أصبحنا وأصبح الملك لله". رواه مسلم في صحيحه برقم(2723)
عن عبدالرحمن بن يزيد، عن عبدالله رضى الله عنه . قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمسى قال "أمسينا وأمسى الملك لله. والحمد لله. لا إله إلا الله وحده. لا شريك له. اللهم! إني أسألك من خير هذه الليلة وخير ما فيها. وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها. اللهم! إني أعوذ بك من الكسل والهرم وسوء الكبر. وفتنة الدنيا وعذاب القبر". رواه مسلم في صحيحه برقم(2723)
عن أبي موسى رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره مثل الحي والميت) رواه البخاري.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله, ورجل قلبه معلق بالمساجد إذا خرج منه حتى يعود إليه, ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه, ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه, ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله , ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه) متفق عليه
عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ) روه الشيخان والترمذي.
عن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(الطهور شطر الإيمان والحمدلله تملأ الميزان وسبحان الله والحمدلله تملأ أو تملآن ما بين السماء والأرض والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه أو موبقها) رواه مسلم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم(من قال سبحان الله وبحمده في يومه مائة مرة حُطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر)رواه البخاري ومسلم.
عن أبي سعيد رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( استكثروا من الباقيات الصالحات ) قيل وما هن يارسول الله؟ قال ( التكبير والتهليل والتسبيح والحمدلله ولا حول ولاقوة إلابالله ) رواه النسائي والحاكم وقال صحيح الاسناد.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أحب الكلام إلى الله أربع- لا يضرك بأيهن بدأت: سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر ). رواه مسلم

2 مشترك

    طبقات الأطباء السريانيين

    د. محمد الهاشم
    د. محمد الهاشم
    إداري
    إداري


    الجنس : ذكر
    الابراج : القوس
    عدد المساهمات : 106
    نقاط : 6491
    السٌّمعَة : 70
    تاريخ التسجيل : 24/02/2012
    العمر : 56

    طبقات الأطباء السريانيين Empty طبقات الأطباء السريانيين

    مُساهمة من طرف د. محمد الهاشم الخميس 12 أبريل 2012 - 12:26


    طبقات الأطباء السريانيين
    الذين كانوا في ابتداء ظهور دولة بني العبَّاس ولنبتدئ أولاً بذكر جورجس وابنه بختيشوع والمتميزين من أولاده على تواليهم ثم أذكر بعد ذلك ما يليق ذكره من الأطباء الذين كانوا في ذلك الوقت‏.‏
    جورجيوس بن جبرائيل
    كانت له خبرة بصناعة الطب ومعرفة بالمداواة وأنواع العلاج وخدم بصناعة الطب المنصور وكان حظياً عنده رفيع المنزلة ونال من جهته أموالاً جزيلة وقد نقل للمنصور كتباً كثيرة من كتب اليونانيين إلى العربي قال فثيون الترجمان أن أول من استدعى أبو جعفر المنصور لجورجس هو أن المنصور في سنة مائة وثمان وأربعين سنة للهجرة مرض وفسدت معدته وانقطعت شهوته وكلما عالجه الأطباء ازداد مرضه فتقدم إلى الربيع بأن يجمع الأطباء لمشاورتهم فجمعهم فقال لهم المنصور من تعرفون من الأطباء في سائر المدن طبيباً ماهراً فقالوا ليس في وقتنا هذا أحد يشبه جورجس رئيس أطباء جندي سابور فإنه ماهر في الطب وله مصنفات جليلة فانفذ المنصور في الوقت من يحضره فلما وصل الرسول إلى عامل البلد احضر جورجس وخاطبه بالخروج معه فقال له علي ههنا أسباب ولا بد أن تصبر علي أياماً حتى أخرج معك فقال له إن أنت خرجت معي في غد طوعاً وإلا أخرجتك كرهاً وامتنع عليه جورجس فأمر باعتقاله ولما اعتقل اجتمع رؤساء المدينة مع المطران فأشاروا على جورجس بالخروج فخرج بعد أن أوصى ابنه بختيشوع بأمر البيمارستان وأموره التي تتعلق به هناك وأخذ معه إبراهيم تلميذه وسرجس تلميذه فقال له ابنه بختيشوع لا تدع هاهنا عيسى بن شهلا فإنه يؤذي أهل البيمارستان فترك سرجس وأخذ عيسى معه عوضاً عنه وخرج إلى مدينة السلام ولما ودعه بختيشوع ابنه قال له لم لا تأخذني معك فقال لا تعجل يا بني فإنك ستخدم الملوك وتبلغ من الأحوال أجلها ولما وصل جورجس إلى الحضرة أمر المنصور بإيصاله إليه ولما وصل دعا إليه بالفارسية والعربية فتعجب الخليفة من حسن منظره ومنطقه فأجلسه قدامه وسأله عن أشياء فأجابه عنها بسكون فقال له قد ظفرت منك بما كنت أحبه وأشتاقه وحدثه بعلته وكيف كان ابتداؤها فقال له جورجس أنا أدبرك كما تحب فأمر الخليفة له في الوقت بخلعة جلية وقال للربيع أنزله في منزل جليل من دورنا وأكرمه كما تكرم أخص الأهل ولما كان من غد دخل إليه ونظر إلى نبضه وإلى قارورة الماء ووافقه على تخفيف الغذاء ودبره تدبيراً لطيفاً حتى رجع إلى مزاجه الأول وفرح به الخليفة فرحاً شديداً وأمر أن يجاب إلى كل ما يسأل ولما كان بعد أيام قال الخليفة للربيع أرى هذا الرجل قد تغير وجهه لا يكون قد منعته مما يشربه على عادته قال له الربيع لم نأذن له أن يدخل إلى هذه الدار مشروباً فأجابه بقبيح وقال له لا بد أن تمضي بنفسك حتى تحضره من المشروب كل ما يريده فمضى الربيع إلى قطربل وحمل منها إلى غاية ما أمكنه من الشراب الجيد ولما كان بعد سنتين قال الخليفة لجورجس أرسل من يحضر ابنك إلينا فقد بلغني أنه مثلك في الطب فقال له جورجس جندي سابور إليه محتاجة وإن فارقها انفسد أمر البيمارستان وكان أهل المدينة إذا مرضوا ساروا إليه وهاهنا معي تلامذة قد ربيتهم وخرجتهم في الصناعة حتى أنهم مثلي فأمر الخليفة بإحضارهم في غد ذلك اليوم ليختبرهم فلما كان من غد أخذ معه عيسى بن شهلا وأوصله إليه فسأله الخليفة عن أشياء وجده فيها حاد المزاج حاذقاً بالصناعة فقال الخليفة لجورجس ما أحسن ما وصفت هذا التلميذ وعلمته قال فثيون ولما كان في سنة إحدى وخمسين ومائة دخل جورجس إلى الخليفة في يوم الميلاد فقال له الخليفة أي شيء آكل اليوم فقال له ما تريد وخرج من بين يديه فلما بلغ الباب رده وقال له من يخدمك هاهنا فقال له تلامذتي فقال له سمعت أنه ليست لك امرأة فقال له لي زوجة كبيرة ضعيفة ولا تقدر تنتقل إليّ من موضعها وخرج من حضرته ومضى إلى البيعة فأمر الخليفة خادمه سالماً إن يختار من الجواري الروميات الحسان ثلاثاً ويحملهن إلى جورجس مع ثلاث آلاف دينار ففعل ذلك ولما انصرف جورجس إلى منزله عرفه عيسى بن شهلا بما جرى وأراه الجواري فأنكر أمورهن وقال لعيسى تلميذه يا تلميذ الشيطان لِم أدخلت هؤلاء منزلي امض ردهن إلى صاحبهن ثم ركب جورجس وعيسى ومعه الجواري إلى دار الخليفة وردهن على الخادم فلما اتصل الخبر بالمنصور أحضره وقال له لِم رددت الجواري قال له هؤلاء لا يكونون معي في بيت واحد لأنا نحن معشر النصارى لا نتزوج بأكثر من امرأة واحدة وما دامت المرأة في الحياة لا نأخذ غيرها فحسن موقعه من الخليفة وأمر في وقته أن يدخل جورجس إلى حظاياه وحرمه ويخدمهن وزاد موضعه في عينه وعظم محله قال فثيون ولما كان في سنة مائة واثنتين وخمسين سنة مرض جورجس مرضا صعباً وكان الخليفة يرسل إليه في كل يوم الخدم حتى يعرف خبره ولما اشتد مرض جورجس أمربه الخليفة فحمل على سرير إلى دار العامة وخرج إليه الخليفة ماشياً وراءه وسأله عن خبره فبكى جورجس بكاء شديدا وقال له إن رأى أمير المؤمنين أطال اللّه بقاءه إن يأذن لي في المصير إلى بلدي لأنظر إلى أهلي وولدي وإن مت قبرت مع آبائي فقال الخليفة يا جورجس اتق اللَّه وأَسْلِم وأنا أضمن لك الجنة‏.‏
    قال جورجس أنا على دين آبائي أموت وحيث يكون آبائي أحب أن أكون إما في الجنة أو في جهنم فضحك الخليفة من قوله وقال له وجدت راحة عظيمة في جسمي منذ رأيتك وإلى هذه الغاية وقد تخلصت من الأمراض التي كانت تلحقني قال له جورجس إني أخلف بين يديك عيسى وهو تربيتي فأمر الخليفة أن يخرج جورجس إلى بلده وأن يدفع إليه عشرة آلاف دينار وأنفذ معه خادماً وقال إن مات في طريقه فاحمله إلى منزله ليدفن هناك كما آثر فوصل إلى بلده حياً وحصل عيسى بن شهلا في الخدمة وبسط يده على المطارنة والأساقفة يأخذ أموالهم لنفسه حتي أنه كتب إلى مطران نصيبين كتاباً يلتمس منه فيه من آلات البيعة أشياء جليلة المقدار ويتهدده متى أخرها عنه وقال في كتابه إلي المطران ألست تعلم أن أمر الملك بيدي إن شئت أمرضته ؤإن شئت عافيته فعندما وقف المطران على الكتاب احتال في التوصل حتى وافى الربيع وشرح له صورته وأقرأه الكتاب فأوصله الربيع إلى الخليفة حتى عرف شرح ما جرى فأمر بنفى عيسى بن شهلا بعد أن أخذ منه جميع ما ملكه ثم قال الخليفة للربيع سل عن جورجس فإن كان حياً فأنفذ من يحضره وإن كان قد مات فاحضر ابنه فكتب الربيع إلى العامل بجندي سابور في ذلك واتفق أن جورجس سقط في تلك الأيام من السطح وضعف ضعفاً فلما خاطبه أمير البلد قال له أنا أنفذ إلى الخليفة طبيباً ماهراً يخدمه إلى أن أصلح وأتوجه إليه وأحضر إبراهيم تلميذه وأنفذه إلى الأمير مع كتاب شرح فيه حال جورجس إلى الربيع فلما وصل إلى الربيع أوصله إلى الخليفة وخاطبه الخليفة في أشياء فوجده فيها حاد المزاج جيد الجواب فقربه وأكرمه وخلع عليه ووهب له مالاً واستخلصه لخدمته ولم يزل في الخدمة إلى أن مات المنصور ولجورجس من الكتب كناشه المشهور ونقله حنين بن إسحاق من السرياني إلى العربي‏.‏
    بختيشوع بن جورجس
    ومعنى بختيشوع عبد المسيح لأن في اللغة السريانية البخت العبد ويشوع عيسى عليه السلام وكان بختيشوع يلحق بأبيه في معرفته بصناعة الطب ومزاولته لأعمالها وخدم هارون الرشيد وتميز في أيامه قال فثيون الترجمان لما مرض موسى الهادي أرسل إلى جندي سابور من يحضر له بختيشوع فمات قبل قدوم بختيشوع وكان من خبره أنه جمع الأطباء وهم أبو قريش عيسى وعبد اللَّه الطيفوري وداؤد بن سرابيون وقال لهم أنتم تأخذون أموالي وجوائزي وفي وقت الشدة تتقاعدون بي فقال له أبو قريش علينا الاجتهاد واللَّه يهب السلامة فاغتاظ من هذا فقل له الربيع قد وُصف لنا أن بنهر صرصر طبيباً ماهراً يقال له عبد يشوع بن نصر فأمر بإحضاره وبأن تضرب أعناق الأطباء فلم يفعل الربيع هذا لعلمه باختلال عقله من شدة المرض ولأنه كان آمناً منه ووجه إلى صرصر حتى أحضر الرجل ولما دخل على موسى قال له رأيت القارورة قال نعم يا أمير المؤمنين وها أنا أصنع لك دواء تأخذه وإذا كان على تسع ساعات تبرأ وتتخلص وخرج من عنده وقال للأطباء لا تشغلوا قلوبكم فإنكم في هذا اليوم تنصرفون إلي بيوتكم وكان الهادي قد أمر بأن يدفع إليه عشرة آلاف درهم ليبتاع له بها الدواء فأخذها ووجه بها إلى بيته وأحضر أدوية وجمع الأطباء بالقرب من موضع الخليفة وقال لهم دقوا حتى يسمع وتسكن نفسه فإنكم في آخر النهار تتخلصون وكان كل ساعة يدعو به ويسأله عن الدواء فيقول له هو ذا تسمع صوت الدق فيسكت ولما كان بعد تسع ساعات مات وتخلص الأطباء وهذا في سنة سبعين ومائة قال فثيون ولما كان في سنة إحدى وسبعين ومائة مرض هارون الرشيد من صداع لحقه فقال ليحيى بن خالد هؤلاء الأطباء ليس يحسنون شيئاً فقال له يحيى يا أمير المؤمنين أبو قريش طبيب والدك ووالدتك فقال ليس هو بصيراً بالطب إنما كرامتي له لقديم حرمته فينبغي أن تطلب لي طبيباً ماهراً فقال له يحيى بن خالد أنه لما مرض أخوك موسى أرسل والدك إلى جندي سابور حتى حضر رجلاً يعرف ببختيشوع قال له فكيف تركه يمضي فقال لما رأى عيسى أبا قريش ووالدتك يحسدانه اذن له في الإنصراف إلى بلده فقال له أرسل بالبريد حتى يحملوه إن كان حياً ولما كان بعد مدة مديدة وافى بختيشوع الكبير بن جورجس ووصل إلى هارون الرشيد ودعا له بالعربية وبالفارسية فضحك الخليفة وقال ليحيى بن خالد أنت منطقي فتكلم معه حتى أسمع كلامه فقال له يحيى بل ندعو بالأطباء فدعى بهم وهم أبو قريش عيسى وعبد اللَّه الطيفوري وداود بن سرابيون وسرجس فلما رأوا يختيشوع قال أبو قريش يا أمير المؤمنين ليس في الجماعة من يقدر على الكلام مع هذا لأنه كون الكلام هو وأبوه وجنسه فلاسفة فقال الرشيد لبعض الخدم أحضره ماء دابّةٍ حتى نجربه فمضى الخادم وأحضره قارورة الماء فلما رآه قال يا أمير المؤمنين ليس هذا بول إنسان قال له أبو قريش كذبت هذا ماء حظية الخليفة فقال له بختيشوع لك أقول أيها الشيخ الكريم لم يبل هذا الإنسان البتة وإن كان الأمر على ما قلت فلعلها صارت بهيمة فقال له الخليفة من أين علمت أنه ليس ببول إنسان قال له بختيشوع لأنه ليس له قوام بول الناس ولا لونه ولا ريحه قال له الخليفة بين يدي من قرأت قال له قدام أبي جورجس قرأت قال له الأطباء أبوه كان اسمه جورجس ولم يكن مثله في زمانه وكان يكرمه أبو جعفر المنصور إكراماً شديداً ثم التفت الخليفة إلى بختيشوع فقال له ما ترى أن نطعم صاحب هذا الماء فقال شعيراً جيداً فضحك الرشيد ضحكاً شديداً وأمر فخلع عليه خلعة حسنة جليلة ووهب له مالاً وافراً وقال بختيشوع يكون رئيس الأطباء كلهم وله يسمعون ويطيعون ولبختيشوع بن جرجس من الكتب كناش مختصر كتاب التذكرة ألفه لابنه جبرائيل‏.‏
    جبرائيل بن بختيشوع بن جورجس
    كان مشهوراً بالفضل جيد التصرف في المداواة عالي الهمة سعيد الجد حظياً عند الخلفاء رفيع المنزلة عندهم كثيري الإحسان إليه وحصل من جهته من الأموال ما لم يحصله غيره من الأطباء قال فثيون الترجمان لما كان في سنة خمس وسبعين ومائة مرض جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك فتقدم الرشيد إلى بختيشوع أن يتولى خدمته ومعالجته ولما كان في بعض الأيام قال له جعفر أريد أن تختار لي طبيباً ماهراً أكرمه وأحسن إليه قال له بختيشوع ابني جبرائيل أمهر مني وليس في الأطباء من يشاكله فقال له احضرنيه ولما أحضره عالجه في مدة ثلاث أيام وبرأ فأحبه جعفر مثل نفسه وكان لا يصبر عنه ساعة ومعه يأكل ويشرب وفي تلك الأيام تمطت حظية الرشيد ورفعت يدها فبقيت منبسطة لا يمكنها ردها والأطباء يعالجونها بالتمريخ والأدهان ولا ينفع ذلك شيئاً فقال الرشيد لجعفر بن يحيى قد بقيت هذه الصبية بعلتها قال له جعفر لي طبيب ماهر وهو ابن بختيشوع ندعوه ونخاطبه في معنى هذا المرض فلعل عنده حيلة في علاجه فأمر بإحضاره ولما حضر قال له الرشيد ما اسمك قال جبرائيل قال له أي شيء تعرف من الطب فقال أبرد الحار وأسخن البارد وأرطب اليابس وأيبس الرطب الخارج عن الطبع فضحك الخليفة وقال هذا غاية ما يحتاج إليه في صناعة الطب ثم شرح له حال الصبية فقال له جبرائيل إن لم يسخط علي أمير المؤمنين فلها عندي حيلة فقال له وما هي قال تخرج الجارية إلى هاهنا بحضرة الجمع حتى أعمل ما أريده وتمهل علي ولا تعجل بالسخط فأمر الرشيد بإحضار الجارية فخرجت وحين رآها جبرائيل عدا إليها ونكس رأسه ومسك ذيلها كأنه يريد أن يكشفها فأنزعجت الجارية ومن شدة الحياء والانزعاج استرسلت أعضاؤها وبسطت يديها إلى أسفل ومسكت ذيلها فقال جبرائيل قد برئت يا أمير المؤمنين فقال الرشيد للجارية إبسطي يديك يمنة ويسرة ففعلت ذلك وعجب الرشيد وكل من كان بين يديه وأمر الرشيد في الوقت لجبرائيل بخمسمائة ألف درهم وأحبه مثل نفسه وجعله رئيساً على جميع الأطباء ولما سئل جبرائيل عن سبب العلة قال هذه الجارية أنصب إلى أعضائها وقت المجامعة خلط رقيق بالحركة وانتشار الحرارة ولا جل أنّ سكون حركةِ الجماع تكوّن بغتة جَمُدت الفضلةُ في بطون جميع الأعصاب وما كان يحلها إلا حركة مثلها فاحتلت حتى انبسطت حرارتها وانحلت الفضلة قال فثيون وكان محل جبرائيل يقوى في كل وقت حتى أن الرشيد قال لأصحابه كل من كانت له إلي حاجة فليخاطب بها جبرائيل لأني أفعل كل ما يسألني فيه ويطلبه مني فكان القواد يقصدونه في كل أمورهم وحاله تتزايد ومنذ يوم خدم الرشيد وإلى أن انقضت خمس عشرة سنة لم يمرض الرشيد فحظي عنده وفي آخر أيام الرشيد عند حصوله بطوس مرض المرضة التي توفي فيها ولما قوي عليه المرض قال لجبرائيل لم لا تبرئني فقال له قد كنت أنهاك دائماً عن التخليط وأقول لك قديماً أن تخفف من الجماع فلا تسمع مني والآن سألتك أن ترجع إلى بلدك فأنه أوفق لمزاجك فلم تقبل وهذا مرض شديد وأرجو أن يمن اللَّه بعافتيك فأمر بحبسه وقيل له أن بفارس أسقفاً يفهم الطب فوجه من يحضره إليه ولما حضره ورآه قال له الذي عالجك لم يكن يفهم الطب فزاد ذلك أبعاد جبرائيل وكان الفضل بن الربيع يحب جبرائيل ورأى أن الأسقف كذاب يريد إقامة السوق فأحسن فيما بينه وبين جبرائيل وكان الأسقف يعالج الرشيد ومرضه يزيد وهو يقول له أنت قريب من الصحة ثم قال له هذا المرض كله من خطأ جبرائيل فتقدم الرشيد بقتله فلم يقبل منه الفضل بن الربيع لأنه كان يئس من حياته فاستبقى جبرائيل‏.‏
    ولما كان بعد أيام يسيرة مات الرشيد ولحق الفضل بن الربيع في تلك الأيام قولنج صعب أيس الأطباء منه فعالجه جبرائيل بألطف علاج وأحسنه فبرأ الفضل وازدادت محبته له وعجبه به قال فثيون ولما تولى محمد الأمين وافى إليه جبرائيل فقبله أحسن قبول وأكرمه ووهب له أموالاً جلية أكثر مما كان أبوه يهب له وكان الأمين لا يأكل ولا يشرب إلا بإذنه فلما كان من الأمين ما كان وملك الأمر المأمون كتب إلى الحسن بن سهل وهو يخلفه بالحضرة بأن يقبض على جبرائيل ويحبسه لأنه ترك قصره بعد موت أبيه الرشيد ومضى إلى أخيه الأمين ففعل الحسن بن سهل هذا ولما كان في سنة اثنتين ومائتين مرض الحسن بن سهل مرضاً شديداً وعالجه الأطباء فلم ينتفع بذلك فأخرج جبرائيل من الحبس حتى عالجه وبرأ في أيام يسيرة فوهب له سراً مالاً وافراً وكتب إلى المأمون يعرفه خبر علته وكيف برأ على يد جبرائيل ويسأله في أمره فأجابه بالصفح عنه قال فثيون ولما دخل المأمون الحضرة في سنة خمس ومائتين أمر بأن يجلس جبرائيل في منزله ولا يُخدم ووجّه مَن أحضر ميخائيل المتطبب وهو صهر جبرائيل وجعله مكانه وأكرمه إكراماً وافراً كياداً لجبرائيل قال ولما كان في سنة عشر ومائتين مرض المأمون مرضاً صعباً وكان وجوه الأطباء يعالجونه ولا يصلح فقال لميخائيل الأدوية التي تعطيني تزيدني شراً فاجمع الأطباء وشاورهم في أمري فقال له أخوه أبو عيسى يا أمير المؤمنين نحضر جبرائيل فإنه يعرف مزاجاتنا منذ الصبا فتغافل عن كلامه وأحضر أبو إسحاق أخوه يوحنا بن ماسويه فثلبه ميخائيل طبيبه ووقع فيه وطعن عليه فلما ضعفت قوة المأمون عن أخذ الأدوية أذكروه بجبرائيل فأمر بإحضاره ولما حضر غيَّر تدبيره كله فاستقل بعد يوم وبعد ثلاثة أيام صلح فسر به المأمون سروراً عظيماً ولما كان بعد أيام يسيرة صلح صلاحاً تاماً وأذن له جبرائيل في الأكل والشرب ففعل ذلك وقال له أبو عيسى أخوه وهو جالس معه على الشرب مثل هذا الرجل الذي لم يكن مثله ولا يكون و سبيله أن يكرم فأمر له المأمون بألف ألف درهم وبألف كر حنطة ورد عليه سائر ما قبض منه من الأملاك والضياع وصار إذا خاطبه كناه بأبي عيسى جبرائيل وأكرمه زيادة على ما كان أبوه يكرمه وانتهى به الأمر في الجلالة إلى أن كان كل من تقلد عملاً لا يخرج إلى عمله إلا بعد أن يلقى جبرائيل ويكرمه وكان عند المأمون مثل أبيه ونقص محل ميخائيل الطبيب صهر جبرائيل وانحط قال يوسف بن إبراهيم دخلت على جبرائيل داره التي بالميدان في يوم من تموز وبين يديه المائدة وعليها فراخ طيور مسرولة كبار وقد عملت كردناجاً بفلفل وهو يأكل منها وطالبني بأن آكل معه فقلت له كيف آكل منها في مثل هذا الوقت من السنة وسني سن الشباب قال لي ما الحمية عندك فقلت تجنب الأغذية الرديئة فقال لي غلطت ليس ما ذكرت حمية ثم قال لا أعرف أحداً عظم قدره ولا صغر يصل إلى الإمساك عن غداء من الأغذية كل دهره إلا أن يكون يبغضه ولا تتوق نفسه إليه لأن الإنسان قد يمسك عن أكل الشيء برهة من دهره ثم يضطره إلى أكله عدم أدم سواه لعلة من العلل أو مساعدة لعليل يكون عنده أوصديق يحلف عليه أو شهوة تتجدد له فمتى أكله وقد أمسك عن أكله منه المدة الطويلة لم تقبله طبيعته ونفرت منه وأحدث ذلك في بدن آكله مرضاً كثيراً وربما أتى على نفسه والأصلح للأبدان تمرينها على أكل الأغذية الرديئة حتى تألفها وأن يأكل منها في كل يوم شيئاً واحداً‏.‏
    ولا يجمع أكل شيئين رديئين في يوم واحد وإذا أكل من بعض هذه الأشياء في يوم لم يعاود أكله في غد ذلك اليوم فإن الأبدان إذا مرنت على أكل هذه الأشياء ثم اضطر الإنسان إلى الإكثار من أكل بعضها لم تنفر الطبيعة منه فقد رأينا الأدوية المسهلة إذا أدمنها مدمن وألفها بدنه قل فعلها ولم تسهل وهؤلاء أهل الأندلس إذا أراد أحدهم إسهال طبيعته أخذ من السقمونيا وزن ثلاثة دراهم حتى تلين طبيعته مقدار ما يلينها نصف درهم في بلدنا وإذا كانت الأبدان تألف الأدوية حتى تمنعها من فعلها فهي للأغذية وإن كانت رديئة أشد إلفاً قال يوسف فحدثت بهذا الحديث بختيشوع بن جبرائيل فسألني إملاءه عليه وكتبه عني بخطه قال يوسف بن إبراهيم حدثني سليمان الخادم الخراساني مولى الرشيد أنه كان واقفاً على رأس الرشيد بالحيرة يوماً وهو يتغدى إذ دخل عليه عون العبادي الجوهري وهو حامل صحفة فيها سمكة منعوتة بالسمن فوضعها بين يديه ومعها محشي قد اتخذه لها فحاول الرشيد أكل شيء منها فمنعه من ذلك جبرائيل وغمز صاحب المائدة بعزلها له وفطن الرشيد فلما رفعت المائدة وغسل الرشيد يه خرج جبرائيل عن حضرته قال سليمان فأمرني الرشيد باتباعه وأخفاء شخصي عنه وأن اتفقد ما يعلمه وأرجع إليه بخبره ففعلت ما أمرني به وأحسب أن أمري لم يستتر عن جبرائيل لما تبينت من تحرزه فصار إلى موضع من دار عون ودعا بالطعام فأحضر له وفيه السمكة ودعا بثلاثة أقداح من فضة فجعل في واحد قطعة منها وصب عليه خمراً من خمر طيرناباذ بغير ماء وقال هذا أكل جبرائيل وجعل في قدح آخر قطعة وصب عليها ماء بثلج وقال هذا أكل أمير المؤمنين إن لم يخلط السمك بغيره وجعل في القدح الثالث قطعة من السمك ومعها قطعاً من اللحم من ألوان مختلفة ومن شواء وحلواء وبوارد وفراريج وبقول وصب عليه ماء بثلج وقال هذا طعام أمير المؤمنين أن خلط السمك بغيره ورفع الثلاثة الأقداح إلى صاحب المائدة وقال احتفظ بها إلى أن ينتبه أمير المؤمنين من قائلته قال سليمان الخادم ثم أقبل جبرائيل على السمكة فأكل منها حتى تضلع وكان كلما عطش دعا بقدح مع الخمر الصرف فشربه ثم نام فلما انتبه الرشيد من نومه دعاني فسألني عما عندي من خبر جبرائيل وهل أكل من السمكة شيئاً أم لم يأكل فأخبرته بالخبر فأمر بإحضار الثلاثة الأقداح فوجد الذي صب عليه الخمر الصرف قد تفتت ولم يبق منه شيء ووجد الذي صب عليه الماء بالثلج قد ربا وصار على أكثر من الضعف مما كان ووجد القدح الذي السمك واللحم فيه قد تغيرت رائحته وحدثت له سهوكة شديدة فأمرني الرشيد بحمل خمسة آلاف دينار إلى جبرائيل وقال من يلومني على محبة هذا الرجل الذي يدبرني هذا التدبير فأوصلت إليه المال وقال إسحاق بن علي الرهاوي في كتاب أدب الطبيب عن عيسى بن ماسة أن يوحنا بن ماسويه أخبره أن الرشيد قال لجبرائيل بن بختيشوع وهو حاج بمكة يا جبرائيل علمت مرتبتك عندي قال يا سيدي وكيف لا أعلم قال له دعوت لك واللَّه في الموقف دعاء كثيراً ثم التفت إلى بني هاشم فقال عسى أنكرتم قولي له فقالوا يا سيدنا ذمي فقال نعم ولكن صلاح بدني وقوامه به وصلاح المسلمين بي فصلاحهم بصلاحه وبقائه فقالوا صدقت يا أمير المؤمنين ونقلت من بعض التواريخ قال جبرائيل بن بختيشوع المتطبب اشتريت ضيعة بسبعمائة ألف درهم فنقدت بعض الثمن وتعذر علي بعضه فدخلت على يحيى بن خالد وعنده ولده وأنا أفكر فقال مالي أراك مفكراً فقلت اشتريت ضيعة بسبعمائة ألف فنقدت بعض الثمن وتعذر علي بعضه قال فدعا بالدواة وكتب يعطى جبرائيل سبعمائة إلف درهم ثم دفع إلى كل واحد من ولده فوقع فيه ثلاثمائة ألف قال فقلت جعلت فداك قد أديت عامة الثمن وإنما بقي أقله قال أصرف ذلك فيما ينوبك‏.‏
    ثم صرت إلى دار أمير المؤمنين كنت عند أبيك وأخوتك ففعلوا بي كذا وكذا وإنما ذلك لخدمتي لك قال فما حالي أنا ثم دعا بدابته فركب إلى يحيى فقال يا أبت أخبرني جبرائيل بما كان فما حالي أنا من بين ولدك فقال يا أمير المؤمنين مر بما شئت يحمل إليه فأمر لي بخمسمائة ألف قال يوسف بن إبراهيم الحاسب المعروف بابن الداية كان لأم جعفر بنت أبي الفضل في قصر عيسى بن علي الذي كات تسكنه مجلس لا يجلس فيه إلا الحسّاب والمتطببون وكانت لا تشتكي علة إلى متطبب حتى يحضر جميع أهل الصناعتين ويكون مقامهم في ذلك المجلس إلى وقت جلوسها فكانت تجلس لهم في أحد موضعين اما عند الشباك الذي على الدكان الكبير المحاذي للشباك وللباب الأول من أبواب الدار أو عند الباب الصغير المحاذي لمسجد الدار فكان الحُسّاب والمتطبببون يجلسون من خارج الموضع الذي تجلس فيه ثم تشتكي ما تجد فيتناظر المتطببون فيما بينهم حتى يجتمعوا على العلة والعلاج فإن كان بينهم اختلاف دخل الحسّاب بينهم وقالوا بتصديق المصيب عندهم ثم تسأل الحساب عن اختيار وقت لذلك العلاج فإن اجتمعوا على وقت وإلا نظر المتطببون فيما بين الحساب وحكموا لإلزمهم القياس فاعتلت عند اجتماعها على الحج آخر حجة حجتها علة أجمع متطببوها على إخراج الدم من ساقيها بالحجامة واختار الحساب لها يوماً تحتجم فيه وكان ذلك في شهر رمضان فلم يمكن أن تكون الحجامة إلا في آخر النهار فكان ممن يختلف إليها من الحساب الحسن بن محمد الطوسي التميمي المعروف بالأبح وعمر بن الفرخان الطبري وشعيب اليهودي قال يوسف بن إبراهيم وكنت متى عرضت للأبح علة أو عاقه عن حضور دار أم جعفر عائق حضرت عنه فحضرت ذلك المجلس في الوقت الذي وقع الاختيار على حجامة أم جعفر فيه فوافيت ابناً لداؤد بن سرافيون حدثا يشبه أن يكون ابن أقل من عشرين سنة قد أمرت أم جعفر بإحضاره مع المتطببين ليتأدب بحضور ذلك المجلس وقد تقدمت إلى جميع من يطيف بها من المتطببين في تعليمه وتوقيفه عناية به لمكان أبيه من خدمتها فوافيته وهو يلاحي متطبباً راهباً أحضر دارها في ذلك اليوم من أهل الأهواز في شرب الماء للمنتبه من نومه ليلاً فقال ابن داؤد ما اللَّه خلق بأحمق ممن شرب ماء بعد انتباهه من نومه ووافى جبرائيل عندما قال الغلام هذا القول باب البيت فلم يدخل المجلس إلا وهو يقول أحمق واللَّه منه أن تتضرم نار على كبده فلم يطفئها ثم دخل فقال من صاحب الكلام الذي سمعته فقيل له ابن داؤد فعنفه على ذلك وقال له كانت لأبيك مرتبة جلية في هذه الصناعة وتتكلم بمثل ما سمعته منك فقال له الغلام فكأنك أعزك اللَّه تطلق شرب الماء بالليل عند الانتباه من النوم فقال جبرائيل المحرور الجاف المعدة ومن تعش وأكل طعاماً مالحاً فأطلقه له وأنا أمنع منه الرطبي المعد وأصحاب البلغم المالح لأن في منعهم من ذلك شفاء من رطوبات معدهم وأكل بعض البلغم المالح بعضاً فسكت عنه جميع من حضر ذلك المجلس غيري فقلت يا أبا عيسى قد بقيت واحدة قال وما هي قلت أن يكون العطشان يفهم من الطب مثل فهمك فيفهم عطشه من مرار أو من بلغم مالح فضحك جبرائيل ثم قال لي متى عطشت ليلاً فأبرز رجلاً من لحافك وتناوم قليلاً فإن تزايد عطشك فهو من حرارة أو من طعام يحتاج إلى شرب الماء عليه فاشرب وإن نقص عن عطشك شيء‏.‏
    فأمسك عن شرب الماء فإنه من بلغم مالح قال يوسف بن إبراهيم وسأل أبو إسحاق إبراهيم بن المهدي جبرائيل عن علة الورشكين فقال هو اسم ركبته الفرس من الكسر والصدر و واسم الصدر بالفارسية الفصيحة ور والعامة تسميه بر واسم الكسر اشكين فإذا جمعت اللفظتين كانتا ورشكين أي هذه العلة من العلل التي يجب أن يكسر عليها الصدر وهي علة لا تستحكم بإنسان فيكاد ينهض منها وإن من نهض منها لم يؤمن عليه النكسة سنة إلا أن يخرج منه استفراغ دم كثير تقذفه الطبيعة من الأنف أو من أسفل في وقت العلة أو بعدها قبل السنة فمتى حدث ذلك سلم منه فقال أبو إسحاق كالمتعجب سنة قال نعم جعلني اللَّه فداك وعلة أخرى يستخف بها الناس وهي الحصبة فإني ما أمنت على من أصابته من النكسة سنة إلاّ أن يصيبه بعقبها استطلاق بطن يكاد أن يأتي على نفسه أو يخرج به خراج كثير فإذا اصابه أحد هذين أمنت عليه قال يوسف ودخل جبرائيل على أبي إسحاق يوماً بعقب علة كان فيها وقد أذن له في أكل اللحم الغليظ فحين جلس وضعت بين يديه كشكية رطبة فأمر برفعها فسألته عن السبب فقال ما أطلقت لخليفة قط حم يوماً واحداً أكل الكشك سنة كاملة قال أبو إسحاق أي الكشكين أردت الذي بلبن أم الذي بغير لبن فقال الذي بغير لبن لا أطلق له أكله سنة وعلى قياس ما يوجبه الطب فليس ينبغي أن يطلق له أكل الكشك المعمول بلبن إلا بعد استكمال ثلاث سنين حدث ميمون بن هرون قال حدثني سعيد بن إسحاق النصراني قال قال لي جبرائيل بن بختيشوع كنت مع الرشيد بالرقة ومعه المأمون ومحمد الأمين ولداه وكان رجلاً بادناً كثير الأكل والشرب فأكل في بعض الأيام أشياء خلط فيها ودخل المستراح فغشي عليه وأخرج فقوي عليه الغشي حتى لم يشك في موته وأرسل إلي فحضرت وجسست عرقه فوجدته نبضاً خفياً وقد كان قبل ذلك بأيام يشكو امتلاء وحركة الدم فقلت لهم يموت والصواب أن يحجم الساعة فأجاب المأمون إليه وأحضر الحجم تقدمت بإقعاده فلما وَضَع المحاجم عليه ومصها رأيت الموضع قد احمر فطابت نفسي وعلمت أنه حي فقلت للحجام اشرط فشرط فخرج الدم فسجدت شكراً للَّه وجعل كلما خرج الدم يحرك رأسه ويَسْفُر لونه إلى أن تكلم وقال أين أنا فطيبنا نفسه وغدّيناه بصدر دَرَّاج وسقيناه شراباً وما زلنا نشمه الروائح الطيبة ونجعل في أنفه الطيب حتى تراجعت قوته وأدخل الناس إليه ثم وهب اللَّه عافيته فلما كان بعد أيام دعا صاحب حرصه فسأله عن غلته في السنة فعرفه أنها ثلثمائة ألف درهم وسأل حاجبه عن غلته فعرفه أنها ألف درهم فقال ما أنصفناك حيث غلات هؤلاء وهم يحرسوني من الناس على ما ذكروا وأنت تحرسني من الأمراض والأسقام وتكون غلتك ما ذكرته وأمر بإقطاعي غلة ألف ألف درهم فقلت له يا سيدي مالي حاجة إلى الإقطاع ولكن تهب لي ما أشتري به ضياعاً غلتها ألف ألف درهم فجميع ضياعي أملاك لا أقطاع قال يوسف بن إبراهيم حدثني أبو إسحاق إبراهيم بن المهدي أن جبرائيل لجأ إليه حين انتهبت العوام داره في خلافة محمد الأمين فأسكنه معه في داره وحماه ممن كان يحاول قتله قال أبو إسحاق فكنت أرى من هلع جبرائيل وكثرة أسفه على ما تلف من ماله وشدة اغتمامه ما لم أتوهم أن أحداً بلغ به الوجه بماله مثل الذي بلغ بجبرائيل قال أبو إسحاق فلما ثارت المبيضة فظهرت العلوية بالبصرة والأهواز‏.‏
    أتاني وهو مسرور و كأنه قد وصل بمائة إلف دينار فقلت له أرى أبا عيسى مسروراً فقال إني واللَّه لمسرور عين السرور فسألته عن سبب سروره فقال أنه حاز العلوية ضياعاً وضربوا عليها المنار فقلت له ما أعجب أمرك انتهبت لك العوام جزأ من مالك فخرجت نفسك من الجزع إلى ما خرجت إليه وتحوز العلوية جميع ما تملك فيظهر منك من السرور مثل الذي ظهر فقال جزعي بما ركبني به العوام لأني أوتيت في منامي وسلبت في عزي وأسلمني من يجب عليه حمايتي ولم يتعاظمني ما كان من العلوية لأنه من أكبر المحال عيش مثلي في دولتين بنعمة واحدة ولو لم تفعل العلوية في ضياعي ما فعلوا وقد كان يجب عليهم مع علمهم بصحة طويتي لموالي الذين أنعم اللَّه علي بنعمتهم التي ملكونيها أن يتقدموا في حفظ وكلائي والوصاة بضياعي ومزارعي وأن يقولوا لم يزل جبرائيل مالاً إلينا في أيام دولة أصحابه ومتفضلاً علينا من أمواله ويؤدي إلينا أخبار سادته فكان الخبر متى تأدى بذلك إلى السلطان قتلني فسروري بحيازة ضياعي وبسلامة نفسي مما كان هؤلاء الجهال ملكوه منها فلم يهتدوا إليه قال يوسف وحدثني فرخ الخادم المعروف بأبي خراسان مولى صالح بن الرشيد ووصيه قال كان مولاي صالح بن الرشيد على البصرة وكان عامله عليها أبو الرازي فلما أحدث جبرائيل بن بختيشوع عمارة داره التي في الميدان سأل مولاي أن يهدي له خمسمائة ساجة وكانت الساجة بثلاثة عشر ديناراً فاستكثر مولاي المال وقال له أما خمسمائة فلا ولكني أكتب إلى ابن الرازي في حمل مائتي ساجة إليك وقال جبرائيل فليست بي حاجة إليها قال فرخ فقلت لسيدي أرى جبرائيل سيدبر عليك تدبيراً بغيضاً فقال جبرائيل أهون علي من كل هين لأني لا أشرب له دواء ولا أقبل له علاجاً ثم استزار مولاي أمير المؤمنين المأمون فلما استوى المجلس بالمأمون قال له جبرائيل أرى وجهك متغيراً ثم قام إليه فجس عرقه وقال له يشرب أمير المؤمنين شربة سكنجبين ويؤخر الغداء حتى يفهم الخبر ففعل المأمون ما أشار به وأقبل يجس عرقه في الوقت بعد الوقت ثم لم يشعر بشيء حتى دخل غلمان جبرائيل ومعهم رغيف واحد ومعه ألوان قد اتخذت من قرع وماش وما أشبه ذلك فقال إني أكره لأمير المؤمنين أن يأكل في يومه هذا شيئاً من لحوم الحيوان فليأكل هذه الألوان فأكل منها ونام فلما انتبه من قائلته قال له يا أمير المؤمنين رائحة النبيذ تزيد في الحرارة والرأي لك الإنصراف فانصرف المأمون وتلفت نفقة مولاي كلها فقال لي مولاي يا أبا خراسان التمييز بين مائتي ساجة وخمسمائة ساجة واستزارة الخليفة لا يجتمعان قال يوسف وحدثني جورجس بن ميخائيل عن خاله جبرائيل وكان جبرائيل له مكرماً لكثرة علمه لأني لم أر في أهل هذا البيت بعد جبرائيل وأعلم منه على عجب كان فيه شديداً وسخف كثير أن جبرائيل أخبره أنه أنكر من الرشيد قلة الرزء للطعام أول المحرم سنة سبع وثمانين ومائة وأنه لم يكن يرى في مائه ولا في مجسة عرقه ما يدل على علة توجب قلة الطعام فكان يقول للرشيد يا أمير المؤمنين بدنك صحيح سليم بحمد اللَّه من العلل وما أعرف لتركك استيفاء الغذاء معنى فقال لي لما أكثرت عليه من القول في هذا الباب قد استوخمت مدينة السلام وأنا أكره الاستبعاد عنها في هذه الأيام أفتعرف مكاناً بالقرب منها صحيح الهواء فقلت له الحيرة يا أمير المؤمنين فقال قد نزلنا الحيرة مراراً فاجحفنا بعون العبادي في نزولنا بلده وهي أيضاً بعيدة فقلت يا أمير المؤمنين فالأنبار طيبة وظهرها فأصح هواء من الحيرة فخرج إليها فلم يزدد في طعامه شيئاً بل نقص وصام يوم الخميس قبل قتله جعفراً بيومين وليلة وأحضر جعفراً عشاءه وكان أيضاً صائماً فلم يصب الرشيد من الطعام كثير شيء فقال له جعفر يا أمير المؤمنين لو استزدت من الطعام فقال لو أردت ذلك لقدرت عليه إلا أني أحببت أن أبيت خفيف المعدة لأصبح وأنا أشتهي الطعام وأتغدى مع الحرم ثم بكر بالركوب غداة يوم الجمعة متنسماً وركب معه جعفر بن يحيى فرأيته وقد أدخل يده في كم جعفر حتى بلغ بدنه فضمه إليه وعانقه وقبل بين عينيه وسار يده في يد جعفر أكثر من ألف ذراع ثم رجع إلى مضربه وقال بحياتي أما أصطبحت في يومك هذا وجعلته يوم سرور فإني مشغول بأهلي ثم قال لي يا جبرائيل أنا اتغدى مع حرمي فكن مع أخي تسر بسروره فسرت مع جعفر وأحضر طعامه فتغدينا وأحضر أبا زكار المغني ولم يحضر مجلسه غيرنا ورأيت الخادم بعد الخادم يدخل إلينا فيساره فيتنفس عند مسارتهم إياه ويقول ويحك يا أبا عيسى لم يطعم أمير المؤمنين بعد وأنا واللَّه خائف أن تكون به علة تمنعه من الأكل ويأمر كلما أراد أن يشرب قدحاً أبا زكار أن يغنيه‏:‏ إن بني المنذر حين انقضوا بحيث شاد البيعة الراهب أضحوا ولا يرهبهم راهب حقاً ولايرجوهم راغب كانت من الخز لبوساتهم لم يجلب الصوف لهم جالب كأنما جثتهم لعبة سار إلى لبين بها راكب فيغنيه أبو زكار هذا الصوت ولا يقترح غيره فلم تزل هذه حالنا إلى أن صليتا العتمة ثم دخل إلينا أبو هاشم مسرور الكبير ومعه خليفة هرثمة بن أعين ومعه جماعة كثيرة من الجند فمد يده خليفة هرثمة إلى يد جعفر ثم قال له قم يا فاسق قال جبرائيل ولم أكلم ولم يؤمر في بأمر وصرت إلى منزلي من ساعتي وأنا لا أعقل فما أقمت فيه إلا أقل من مقدار نصف ساعة حتى صار إلي رسول الرشيد يأمرني بالمصير إليه فدخلت إليه ورأس جعفر في طشت بين يديه فقال لي يا جبرائيل أليس كنت تسألني عن السبب في قلة رزئي للطعام فقلت بلى يا أمير المؤمنين فقال الفكرة فيما ترى أصارتني إلى ما كنت فيه وأنا اليوم يا جبرائيل عند نفسي كالناقة قدم غذائي حتى ترى من الزيادة على ما كنت تراه عجباً وإنما كنت آكل الشيء بعد الشيء لئلا يثقل الطعام علي فيمرضني ثم دعا بطعامه في ذلك الوقت فأكل أكلاً صالحاً من ليلته قال يوسف حدثني إبراهيم بن المهدي أنه تخلف عن مجلس محمد الأمين أمير المؤمنين أيام خلافته عشية من العشايا لدواء كان أخذه وإن جبرائيل بن بختيشوع باكره غداة اليوم الثاني وأبلغه سلام الأمين وسأله عن حاله كيف كانت في دوائه ثم دنا منه فقال له أمر أمير المؤمنين في تجهيز علي بن عيسى بن ماهان إلى خراسان ليأتيه بالمأمون أسيراً في قيد من فضة و بجبرائيل بريء من دين النصرانية أن لم يغلب المأمون محمداً ويقتله ويحوز ملكه - فقلت له ويحك ولم قلت هذا القول وكيف قلته قال لأن هذا الخليفة الموسوس سكر في هذه الليلة فدعا أبا عصمة الشيعي صاحب حرسه وأمر بسواده فنزع عنه وألبسه ثيابي وزناري وقلنسوتي وألبسني أقبيته وسواده وسيفه ومنطقته وأجلسني في مجلس صاحب الحرس إلى وقت طلوع لفجر وأجلسه في مجلسي وقال لكل واحد مني ومن أبي عصمة قد قلدتك ما كان يتقلده صاحبك فقلت أن اللَّه مغير ما به من نعمة لتغييره ما بنفسه منها وأنه إذا جعل حراسته إلى نصراني والنصرانية أذل الأديان لأنه ليس في عقد دين غيرها التسليم لما يريد به عدوه من المكروه مثل الإذعان لمن سخره بالسخرة وأن يمشي ميلاً أن يزيد على ذلك ميلاً آخر وإن لطم له خد حول الآخر ليلطم غير ديني فقضيت بأن عز الرجل زائل وقضيت أنه حين أجلس في مجلس متطببه الحافظ عنده لحياته والقائم بمصالح بدنه والخادم لطبيعته أبا عصمة الذي لا يفهم من كل ذلك قليلاً ولا كثيراً بأنه لا عمر له وأن نفسه تالفة‏.‏
    قال أبو إسحاق فكان على ما تفاءل جبرائيل به قال يوسف بن إبراهيم وسمعت جبرائيل بن يختيشوع يحدث أبا إسحاق إبراهيم بن المهدي أنه كان عند العباس بن محمد إذ دخل عليه شاعر امتدحه فلم يزل جبرائيل يسمع منه إلى أن صار إلى هذا البيت وهو‏:‏ لو قيل للعباس يا ابن محمد قل لا وأنت مخلد ما قالها قال جبرائيل فلما سمعت هذا البيت لم أصبر لعلمي أن العباس أبخل أهل زمانه فقلت لا فتبسم العباس ثم قال لي اغرب قبح اللَّه وجهك أقول هذا الشاعر الذي يشار إليه هو ربيعة الرقى قال يوسف وحدث جبرائيل أبا إسحاق في هذا المجلس أنه دخل على العباس بعد فطر النصارى بيوم وفي رأسه فضلة من نبيذة بالأمس وذلك قبل أن يخدم جبرائيل الرشيد فقال جبرائيل للعباس كيف أصبح الأمير أعزه اللَّه فقال العباس أصبحت كما تحب فقال له جبرائيل واللَّه ما أصبح الأمير على ما أحب ولا على ما يحب اللَّه ولا على ما يحب الشيطان فغضب العباس من قوله ثم قال له ما هذا الكلام قبحك اللَّه قال جبرائيل فقلت عليّ البرهان فقال العباس لتأتيني به وإلا أحسنت أدبك ولم تدخل لي داراً فقال جبرائيل الذي كنت أحب أن تكون أمير المؤمنين فأنت كذلك قال العباس لا قال جبرائيل والذي يحب اللَّهُ من عباده الطاعة له فيما أمرهم به ونهاهم عنه فأنت أيها الملك كذلك فقال العباس لا واستغفر اللَّه قال جبرائيل والذي يحب الشيطانُ من العباد أن يكفروا باللَّه ويجحدوا ربوبيته فأنت كذلك أيها الأمير فقال له العباس لا ولا تعد إلى مثل هذا القول بعد يومك هذا قال فثيون الترجمان ولما عزم المأمون على الخروج إلى بلد الروم في سنة ثلاث عشرة ومائتين مرض جبرائيل مرضاً شديداً قوياً فلما رآه المأمون ضعيفاً التمس منه إنفاذ بختيشوع ابنه معه إلى بلد الروم فأحضره وكان مثل أبيه في الفهم والعقل والسرو ولما خاطبه المأمون وسمع حسن جوابه فرح به فرحاً شديداً وأكرمه غاية الإكرام ورفع منزلته وأخرجه معه إلى بلد الروم لما خرج طال مرض جبرائيل إلى أن بلغ الموت وعمل وصيته إلى المأمون ودفعها إلى ميخائيل صهره ومات فمضى في تجميل موته ما لم يمض لأمثاله بحسب استحقاقه بأفعاله الحسنة وخيريته ودفن في دير مار سرجس بالمدائن ولما عاد ابنه بختيشوع من بلد الروم جمع للدير رهباناً وأجرى عليهم جميع ما يحتاجون إليه‏.‏
    د. محمد الهاشم
    د. محمد الهاشم
    إداري
    إداري


    الجنس : ذكر
    الابراج : القوس
    عدد المساهمات : 106
    نقاط : 6491
    السٌّمعَة : 70
    تاريخ التسجيل : 24/02/2012
    العمر : 56

    طبقات الأطباء السريانيين Empty رد: طبقات الأطباء السريانيين

    مُساهمة من طرف د. محمد الهاشم الخميس 12 أبريل 2012 - 12:28


    وقال فثيون الترجمان أن جنس جورجس وولده كانوا أجمل أهل زمانهم بما خصهم اللَّه به من شرف النفوس ونبل الهمم ومن البر والمعروف والأفضال والصدقات وتفقد المرضى من الفقراء والمساكين والأخذ بأيدي المنكوبين والمرهوقين على ما يتجاوز الحد في الصفة والشرح أقول وكانت مدة خدمة جبرائيل بن بختيشوع للرشيد منذ خدمه وإلى أن توفي الرشيد ثلاثاً وعشرين سنة ووجد في خزانة بختيشوع بن جبرائيل مدرج فيه عمل بخط كاتب جبرائيل بن بختيشوع الكبير وإصطلاحات بخط جبرائيل لما صار إليه في خدمته الرشيد يذكر أن رزقه كان من رسم العامة في كل شهر من الورق عشرة آلاف درهم يكون في السنة مائة وعشرون ألف درهم في مدة ثلاث وعشرين سنة ألف ألف وستمائة وستون ألفاً ونزله في الشهر خمسة آلاف درهم يكون في السنة ستون ألف درهم في مدة ثلاث وعشرين سنة ألف ألف وثلثمائة وثمانون ألف درهم ومن رسم الخاصة في المحرم من كل سنة من الورق خمسون ألف درهم يكون في مدة ثلاث وعشرين سنة ألف ألف ومائة وخمسون ألف درهم ومن الثياب خمسون ألف درهم يكون في مدة ثلاث وعشرين سنة ألف ألف ومائة وخمسون ألف درهم تفصيل ذلك القصب الخاص الطرازي عشرون شقة الملحم الطرازي عشرون شقة الخز المنصوري عشر شقاق الخز المبسوط عشر شقاق الوشي اليماني ثلاثة أثواب الوشي النصيبي ثلاثة أثواب الطيالسة ثلاثة طيالس ومن السمور والفنك والقماقم والدلق والسنجاب للقبطين وكان يدفع إليه في مدخل صوم النصارى في كل سنة من الورق خمسون ألف درهم يكون في مدة ثلاث وعشرين ألف ألف ومائة وخمسون ألف درهم وفي يوم الشعانين من كل سنة ثياب من وشي وقصب وملحم وغيره بقيمة عشرة آلاف درهم يكون في مدة ثلاث وعشرين سنة مائتان ألف وثلاثون ألفاً وفي يوم الفطر في كل سنة من الورق خمسون ألف درهم يكون في مدة ثلاث وعشرين سنة ألف ألف ومائة وخمسون ألف درهم وثياب بقيمة عشرة آلاف درهم على الحكاية يكون في مدة ثلاث وعشرين سنة مائتا ألف وثلاثون ألف درهم ولفصد الرشيد دفعتين في السنة كل دفعة خمسون ألف درهم من الورق مائة ألف درهم يكون في مدة ثلاث وعشرين سنة ألفا ألف وثلثمائة ألف درهم ولشرب الدواء دفعتين في السنة و كل دفعة خمسون ألف درهم مائة ألف درهم يكون في مدة ثلاث وعشرين سنة ألفا ألف وثلاثمائة ألف درهم ومن أصحاب الرشيد على ما فصل منه مع ما فيه من قيمة الكسوة وثمن الطيب والدواب وهو مائة ألف درهم من الورق فيكون أربعمائة ألف درهم يكون في مدة ثلاث وعشرين سنة تسع آلاف ألف ومائتا ألف درهم تفصيل ذلك عيسى بن جعفر خمسون ألف درهم زبيده أم جعفر خمسون ألف درهم العباسة خمسون ألف درهم إبراهيم بن عثمان ثلاثون ألف درهم الفضل بن الربيع خمسون ألف درهم فاطمة أم محمد سبعون ألف درهم كسوة وطيب ودواب مائة ألف درهم ومن غلة ضياعه بجندي سابور والسوس والبصرة والسواد في كل سنة قيمته بعد المقاطعة ورقاً ثماني مائة ألف درهم يكون في مدة ثلاث وعشرين سنة ثمانية عشر ألف ألف ومائة ألف درهم وكان يصير إليه من البرامكة في كل سنة من الورق ألفا ألف وأربعمائة ألف درهم وتفصيل ذلك يحيى بن خالد ستماية ألف درهم جعفر بن يحيى الوزير ألف ألف ومائتا ألف درهم الفضل ابن يحيى ستماية ألف درهم يكون في مدة ثلاث عشرة سنة أحد وثلاثين ألف ألف ومائتي ألف درهم يكون جميع ذلك مدة أيام خدمته للرشيد وهي ثلاث وعشرون سنة وخدمته للبرامكة وهي ثلاث عشرة سنة‏.‏
    سوى الصلات الجسام فإنها لم تذكر في هذا المدرج من الورق ثمانية وثمانين ألف درهم وثمانمائة ألف درهم ثلاث آلاف ألف وأربعمائة ألف درهم التذكرة الخراج من ذلك ومن الصلات التي لم تذكر في النفقات وغيرها على ما تضمنه المدرج المعمول من العين تسعمائة ألف دينار ومن الورق تسعون ألف ألف وستمائة ألف درهم تفصيل ذلك ما صرفه في نفقاته وكانت في السنة ألفي ألف ومائتي ألف درهم على التقريب وجملتها في السنين المذكورة سبعة وعشرون ألف ألف درهم وستماية ألف درهم ثمن دور وبساتين ومنتزهات ورقيق ودواب والجمازات سبعون ألف ألف درهم ثمن آلات وأجر وصناعات وما يجري هذا المجرى ثمانية آلاف ألف درهم ما صار في ثمن ضياع ابتاعها لخاصته اثنا عشر ألف ألف درهم ثمن جواهر وما أعده للذخائر عن قيمة خمسمائة ألف دينار خمسون ألف ألف درهم ما صرفه في البر والصلات والمعروف والصدقات وما بذل به حظه في الكفالات لأصحاب المصادرات في هذه السنين المقدم ذكرها ثلاثة آلاف ألف درهم ما كابره عليه أصحاب الودائع وجحدوه ثلاثة آلاف ألف درهم ثم وصى بعد ذلك كله عند وفاته إلى المأمون لابنه بختيشوع وجعل المأمون الوصي فيها فسلمها إليه ولم يعترض في شيء منها عليه بتسعماية ألف دينار وجبرائيل بن بختيشوع هو الذي يعنيه أبو نواس في قوله‏:‏ سألت أخي أباه عيسى وجبريل له عقل فقلت الراح تعجبني فقال كثيرها قتل فقلت له فقدر لي فقال وقوله فصل وجدت طبائع الإنسا ن أربعة هي الأصل فأربعة لأربعة لكل طبيعة رطل وذكر أبو الفرج علي بن الحسين الأصبهاني في كتاب المجرد في الأغاني هذه الأبيات‏:‏ لجبريل أبي عيسى أخي الأنذال والسفلة أفي طبك يا جبريل ما يشفي ذوي العلة غزال قد سبى عقلي بلا جرم ولا زلة قال أبو الفرج والشعر للمأمون في جبرائيل بن بختيشوع المتطبب والغناء لمتيم خفيف رمل‏.‏
    ومن كلام جبرائيل بن بختيشوع قال أربعة تهدم العمر إدخال الطعام على الطعام قبل الإنهضام والشرب على الريق ونكاح العجوز والتمتع في الحمام ولجبرائيل بن بختيشوع من الكتب رسالة إلى المأمون في المطعم والمشرب كتاب المدخل إلى صناعة المنطق كتاب في الباه رسالة مختصرة في الطب كناشه كتاب في صنعة البخور ألفه لعبد اللَّه المأمون بختيشوع بن جبرائيل بن بختيشوع كان سريانياً نبيل القدر وبلغ من عظم المنزلة والحال وكثرة المال ما لم يبلغه أحد من سائر الأطباء الذين كانوا في عصره وكان يضاهي المتوكل في اللباس والفرش ونقل حنين بن إسحاق لبختيشوع بن جبرائيل كتباً كثيرة من كتب جالينوس إلى اللغة السريانية والعربية قال فثيون الترجمان لما ملك الواثق الأمر كان محمد بن عبد الملك الزيات وابن أبي داود يعاديان يختيشوع ويحسدانه على فضله وبره ومعروفه وصدقاته وكمال مروءته فكانا يغريان الواثق عليه إذا خلوا به فسخط عليه الواثق وقبض على أملاكه وضياعه وأخذ منه جملة طائلة من المال ونفاه إلى جندي سابور وذلك في سنة ثلاثين ومائتين فلما اعتل بالاستسقاء وبلغ الشدة في مرضه أنفذ من يحضر بختيشوع ومات الواثق قبل أن يوافي بختيشوع ثم صلحت حال بختيشوع بعد ذلك في أيام المتوكل حتى بلغ في الجلالة والرفعة وعظم المنزلة وحسن الحال وكثرة المال وكمال المروءة ومباراة الخلافة في الزي واللباس والطيب والفرش والصناعات والتفسيح والبذخ في النفقات مبلغاً يفوق الوصف فحسده المتوكل وقبض عليه ونقلت من بعض التواريخ أن يختيشوع بن جبرائيل كان عظيم المنزلة عند المتوكل ثم أن بختيشوع أفرط في أدلاله عليه فنكبه وقبض أملاكه ووجه به إلى مدينة السلام وعرض للمتوكل بعد ذلك قولنج فاستحضره المتوكل واعتذر إليه وعالجه وبرأ فأنعم عليه ورضي عنه وأعاد ما كان له ثم جرت على بختيشوع حيلة أخرى فنكبه نكبة قبض فيها جميع أملاكه ووجه به إلى البصرة وكان سببه الحيلة عليه أن عبد اللَّه استكتب المنتصر أبا العباس الحصيني وكان رديئاً فاتفقا على قتل المتوكل واستخلاف المنتصر وقال بختيشوع للوزير كيف استكتبت المنتصر الحصيني وأنت تعرف رداءته فظن عبد اللَّه أن يختيشوع قد وقف على التدبير فعرف الوزير ما قاله له بختيشوع وقال أنتم تعلمون كيف محبة بختيشوع له وأحسب أنه يبطل التدبير فكيف الحيلة فقالوا للمنتصر إذا سكر الخليفة فخرَّق ثيابك ولوثها بالدم وادخل إليه فإذا قال ما هذا فقل بختيشوع ضرب بيني وبين أخي فكاد أن يقتل بعضنا بعضاً وأنا أقول يا أمير المؤمنين يبعد عنهم فإنه يقول افعلوا فتنفيه فإلى أن يسأل عنه نكون قد فرغنا من الأمر‏.‏
    ففعل ذلك ونكب وقتل المتوكل ولما استخلف المستعين رد بختيشوع إلى الخدمة وأحسن إليه إحساناً كثيرا ولما ورد الأمر إلى ابن عبد اللَّه محمد بن الواثق وهو المهتدي جرى على حال المتوكل في أنسه بالأطباء وتقديمه إياهم وإحسانه إليهم وكان يختيشوع لطيف المحل من المهتدي باللَّه وشكا بختيشوع إلى المهتدي ما أخذ منه في أيام المتوكل فأمر بأن يدخل إلى سائر الخزائن فكل ما اعترف به فليرد إليه بغير استثمار ولا مراجعة فلم يبق له شيء إلا أخذه وأطلق له سائر ما فاته وحاطه كل الحياطة وورد على بختيشوع كتاب من صاحبه بمدينة السلام يصف فيها أن سليمان بن عبد اللَّه بن طاهر قد تعرض له لمنازلة فعرض بختيشوع الكتاب على المهتدي بعد صلاة العتمة فأمر بإحضار سليمان بن وهب في ذلك الوقت فحضر وتقدم إليه بأن يكتب من حضرته إلى سليمان بن عبد اللَّه بالإنكار عليه لما اتصل به من وكيل بختيشوع وأن يتقدم إليه بإعزاز منازله وأسبابه بأوكد ما يكون وأنفذ الكتاب من وقته مع أخص خدمه إلى مدينة السلام وقال بختيشوع للمهتدي في آخر من حضر الدار يا أمير المؤمنين ما اقتصدتُ ولا شربت الدواء منذ أربعين سنة وقد حكم المنجمون بأني أموت في هذه السنة ولست أغتم لموتي وإنما غمي لمفارقتكم فكلمه المهتدي بكلام جميل وقال قلّما يصدق المنجم فلما انصرف كان آخر العهد به وقال إبراهيم بن علي الحصري في كتاب نور الطرف ونور الظرف أنه تنازع إبراهيم بن المهدي وبختيشوع الطبيب بين يدي أحمد ابن داؤد في مجلس الحكم في عقار بناحية السواد فأربى عليه إبراهيم وأغلظ له فغضب لذلك أحمد بن أبي داؤد وقال يا إبراهيم إذا تنازعت في مجلس الحكم بحضرتنا أمراً فليكن قصدك أمما وطريقك نهجا وريحك ساكنة وكلامك معتدلاً ووف مجالس الخليفة حقوقها من التوفيق والتعظيم والاستطاعة وريحك ساكنة وكلامك معتدلاً ووف مجالس الخليفة حقوقها من التوفيق والتعظيم والاستطاعة والتوجيه إلى الحق فإن هذا أشكل بك وأجمل بمذهبك في محتدك وعظيم خطرك ولا تعجلن فرب العجلة تورث رثياً واللَّه يعصمك من الزلل وخطل القول والعمل ويتم نعمته عليك كما أتمها على آبائك من قبل إن ربك عليم حكيم‏.‏
    فقال إبراهيم أمرت أصلحك اللّه بسداد وحضضت على رشاد ولست بعائد إلى ما يثلم قدري عندك ويسقطني من عينك ويخرجني من مقدار الواجب إلى الاعتذار فها أنا معتذر إليك من هذه البادرة اعتذار مقر بذنبه باخع بجرمه لأن الغضب لا يزال يستفزني بمراده فيردني مثلك بحلمه وتلك عادة اللَّه عندك وعندنا فيك وهو حسبنا ونعم الوكيل وقد خلعت حظي من هذا العقار لبختيشوع فليت ذلك يكون وافياً بأرش الجناية عليه ولن يتلف مال أفاد موعظة وباللَّه التوفيق حدث أبو محمد بدر بن أبي الأصبع الكاتب قال حدثني جدي قال دخلت إلى بختيشوع في يوم شديد الحر وهو جالس في مجلس مخيّش بعدة طاقات ريح بينهما طاق أسود وفي وسطها قبة عليها جلال من قصب مُظَّهر بدبيقى قد صبغ بماء الورد والكافور والصندل وعليه جبة يماني سعيدي مثقلة ومطرف قد التحف به فعجبت من زيه فحين حصلت معه في القبة نالني من البرد أمر عظيم فضحك وأمر لي بجب ومطرف وقال يا غلام أكشف جوانب القبة فكشفت فإذا أبواب مفتوحة من جوانب الإيوان إلى مواضع مكسوة بالثلج وغلمان يروحون ذلك الثلج فيخرج منه البرد الذي لحقني ثم دعا بطعامه فأتي بمائدة في غاية الحسن عليها كل شيء ظريف ثم أتى بفراريج مشوية في نهاية الحمرة وجاء الطباخ فنفضها كلها فانتفضت وقال هذه فراريج تعلف اللوز والبزر قطوناً وتسقى ماء الرمان ولما كان في صلب الشتاء دخلت عليه يوماً والبرد شديد وعليه جبة محشوة وكساء وهو جالس في طارمة في الدار على بستان في غاية الحسن وعليها سمور قد ظهرت به وفوقه جلال حرير مصبغ ولبود مغربية وانطاع أدم يمانية وبين يديه كانون فضة مذهب مخرق وخادم يوقد العود الهندي وعليه خلالة قصب في نهاية الرفعة فلما حصلت معه في الطارمة وجدت من الحر أمراً عظيماً فضحك وأمر لي بغلالة قصب وتقدم يكشف جوانبالطارمة فإذا مواضع لها شبابيك خشب بعد شبابيك حديد وكوانين فيها فحم الغضا وغلمان ينفخون ذلك الفحم بالزقاق كما تكون للحدادين ثم دعا بطعامه فأحضروا ما جرت به العادة في السرو والنظافة فأحضرت فراريج بيض شديدة البياض فبشعتها وخفت أن تكون غير نضيجة ووافى الطباخ فنفضها فانتفضت فسألته عنها فقال هذه تعلف الجوز المقشر وتسقى اللبن الحليب‏.‏
    وكان يختيشوع بن جبرائيل يهدي البخور في درج ومعه درج آخر فيه فحم يتخذ له من قضبان الأترج والصفصاف وشنس الكرم المرشوش عليه عند إحراقه ماء الورد المخلوط بالمسك والكافور وماء الخلاف والشراب العتيق ويقول أنا أكره أن أهدي بخوراً بغير فحم فيفسده فحم العامة ويقال هذا عمل بختيشوع وحدث أبو محمد بدر بن أبي الأصبغ عن أبيه عن أبي عبد اللَّه محمد بن الجراح عن أبيه أن المتوكل قال يوماً لبختيشوع ادعني فقال السمع والطاعة فقال أريد أن يكون ذلك غداً قال نعم وكرامة وكان الوقت صائفاً وحره شديداً فقال بختيشوع لأعوانه وأصحابه أمرنا كله مستقيم إلا الخيش فإنه ليس لنا منه ما يكفي فأحضر وكلاءه وأمرهم بابتياع كل ما يوجد من الخيش بسر من رأى ففعلوا ذلك وأحضروا كل من وجدوه من النجادين والصناع فقطع لداره كلها صونها وحجرها ومجالسها وبيوتها ومستراحاتها خيشا حتى لا يجتاز الخليفة في موضع غير مخيش وأنه فكر في روائحه التي لا تزول إلا بعد استعماله مدة فأمر بابتياع كل ما يقدر عليه بسر من رأى من البطيخ وأحضر أكثر حشمه وغلمانه وأجلسهم يدلكون الخيش بذلك البطيخ ليلتهم كلها وأصبح وقد انقطعت روائحه فتقدم إلى فراشيه فعلقوا جميعه في المواضع المكورة وأمر طباخيه بأن يعملوا خمسة آلاف جونة في كل جونة باب خبز سميد دست رقاق وزن الجميع عشرون رطلاً وحمل مشوي وجدي بارد وفائقة ودجاجتان مصدرتان وفرخان ومصوصان وثلاثة ألوان وجام حلواء فلما وافاه المتوكل رأى كثرة الخيش وجدته فقال أي شيء ذهب برائحته فأعاد عليه حديث البطيخ فعجب من ذلك وأكل هو وبنو عمه والفتح بن خاقان على مائدة واحدة وأجلس الأمراء والحجاب على سماطين عظيمين لم ير مثلهما لأمثاله وفرقت الجون على الغلمان والخدم والنقباء والركابية والفراشين والملاحين وغيرهم من الحاشية لكل واحد جونة وقال قد أمنت ذمهم لأنني ما كنت آمن لو أطعموا على موائد أن يرضى هذا ويغضب الآخر ويقول واحد شبعت ويقول آخر لم أشبع فإذا أعطى كل إنسان جونة من هذه الجون كفته واستشرف المتوكل على الطعام فاستعظمه جداً وأراد النوم فقال لبختيشوع أريد أن تنومني في موضع مضيء لا ذباب فيه وظن أنه يتعنته بذلك وقد كان بختيشوع تقدم بان تجعل أجاجين السيلان في سطوح الدار ليجتمع الذباب عليه فلم يقرب أسافل الدور ذبابة واحدة ثم أدخل المتوكل إلى مربع كبير سقفه كله بكواء فيها جامات يضيء البيت منها وهو مخيش مظهّر بعد الخيش بالدبقي المصبوغ بماء الورد والصندل والكافور‏.‏
    فلما اضطجع للنوم أقبل يشم روائح في نهاية الطيب لا يدري ما هي لأنه لم ير في البيت شيئاً من الروائح والفاكهة والأنوار ولا خلف الخيش لا طاقات ولا موضع يجعل فيه شيء من ذلك فتعجب وأمر الفتح بن خاقان أن يتتبع حال تلك الروائح حتى يعرف صورتها فخرج يطوف فوجد حول البيت من خارجه ومن سائر نواحيه وجوانبه أبواباً صغاراً لطافاً كالطاقات محشوة بصنوف الرياحين والفواكه واللخالخ والمشام التي فيها اللفاح والبطيخ المستخرج ما فيها المحشوة بالنمام والحماحم اليماني المعمول بماء الورد والخلوق والكافور والشراب العتيق والزعفران الشعر ورأى الفتح غلماناً قد وكلوا بتلك الطاقات مع كل غلام مجمرة فيها ند يسجره ويبخر به والبيت من داخله أزار من اسفيداج مخرم خروماً صغاراً لا تبين تخرج منها تلك الروائح الطيبة العجيبة إلى البيت فلما عاد الفتح وشرح للمتوكل صورة ما شاهده كثر تعجبه منه وحسد بختيشوع على ما رآه من نعمته وكمال مروءته وانصرف من داره قبل أن يستتم يومه وأدعى شيئاً وجده من التياث بدنه وحقد عليه ذلك فنكبه بعد أيام يسيرة وأخذ له مالاً كثيراً لا يقدر ووجد له في جملة كسوته أربعة آلاف سراويل دبيقي سيتيزي في جميعها تكك ابريسم أرمني وحضر الحسين بن مخلد فختم على خزانته وحمل إلى دار المتوكل ما صلح منها وباع شيئاً كثيراً وبقي بعد ذلك حطب وفحم ونبيذ وتوابل فاشتراه الحسين ابن مخلد بستة آلاف دينار وذكر أنه باع من جملته بمبلغ ثمانية آلاف دينار ثم حسده حمدون ووشى إلى المتوكل وبذل فيما بقي في يده مما ابتاعه ستة آلاف دينار فاجيب إلى ذلك وسلم إليه فباعه بأكثر من الضعف وكان هذا في سنة أربع وأربعين ومائتين للهجرة قال فثيون الترجمان كان المعتز باللَّه قد اعتل في أيام المتوكل علة من حرارة امتنع منها من أخذ شيء من الأدوية والأغذية فشق ذلك على المتوكل كثيراً واغتم به وصار إليه بختيشوع والأطباء عنده وهو على حاله في الامتناع فمازحه وحادثه فأدخل المعتز يده في كم جبة وشي يمان مثقله كانت على بختيشوع وقال ما أحسن هذا الثوب فقال بختيشوع يا سيدي ما له واللّه نظير في الحسن وثمنه علي ألف دينار فكل لي تفاحتين وخذ الجبة فدعا بتفاح فأكل اثنتين ثم قال له تحتاج يا سيدي الجبة إلى ثوب يكون معها وعندي ثوب هو أخ لها فاشرب لي شربة سكنجبين وخذه فشرب شربة سكنجبين ووافق ذلك اندفاع طبيعته فبرأ المعتز وأخذ الجبة والثوب وصلح من مرضه فكان المتوكل يشكر هذا الفعل أبداً لبختيشوع‏.‏
    وقال ثابت بن سنان بن ثابت إن المتوكل اشتهي في بعض الزوقات الحارة أن يأكل مع طعامه خردلاً فمنعه الأطباء من ذلك لحدة مزاجه وحرارة كبده وغائلة الخردل فقال بختيشوع أنا أطعمك إياه وإن ضرك علي فقال افعل فأمر بإحضار قرعة وجعل عليها طيناً وتركها في تنور واستخرج ماءها وأمر بأن يقشر الخردل ويضرب بماء القرع وقال أن الخردل في الدرجة الرابعة من الحرارة والقرع في الدرجة الرابعة من الرطوبة فيعتدلان فكل شهوتك وبات تلك الليلة ولم يحس بشيء من الأذى وأصبح كذلك فأمر بأن يحمل إليه ثلاثمائة ألف درهم وثلاثون تختاً من أصناف الثياب وقال إسحاق بن علي الرهاوي عن عيسى بن ماسة قال رأيت بختيشوع بن جبرائيل وقد اعتل فأمر أمير المؤمنين المتوكل والمعتز أن يعوده وهو إذ ذاك ولي عهد فعاده ومعه محمد بن عبد اللّه بن طاهر ووصيف التركي قال وأخبرني إبراهيم بن محمد المعروف بابن المدبر أن المتوكل أمر الوزير شفاهاً وقال له أكتب في ضياع بختيشوع فإنها ضياعي وملكي فإن محله منا محل أرواحنا من أبداننا وقال عبيد اللَّه بن جبرائيل بن عبيد اللَّه بن بختيشوع هذا المذكور مما يدل على منزلة بختيشوع عند المتوكل وانبساطه معه قال من ذلك ما حدثنا به بعض شيوخنا أنه دخل بختيشوع يوماً إلى المتوكل وهو جالس على سدة في وسط دار الخاصة فجلس بختيشوع على عادته معه على السدة وكان عليه دراعة ديباج رومي وقد أنفتق ذيلها قليلاً فجعل المتوكل يحادث بختيشوع ويعبث بذلك الفتق حتى بلغ إلى حد النيفق ودار بينهما كلام اقتضى أن سأل المتوكل بختيشوع بماذا تعلم أن المشوّش يحتاج إلى الشد والقيادة قال إذا بلغ فتق درّاعة طبيبه إلى حد النيفق شددناه فضحك المتوكل حتى استلقى على ظهره وأمر له في الحال بخلع سنية ومال جزيل وقال أبو الريحان البيروني في كتاب الجماهر في الجواهر أن المتوكل جلس يوماً لهدايا النيروز فقدم إليه كل علق نفيس وكل ظريف فاخر وأن طبيبه بختيشوع بن جبرائيل دخل وكان يأنس به فقال له ما ترى في هذا اليوم فقال مثل جرياشات الشحاذين إذ ليس قدر وأقبل على ما معي ثم أخرج من كمه درج أبنوس مضبب بالذهب وفتحه عن حرير أخضر انكشف عن معلقة كبيرة من جوهر لمع منها شهاب ووضعها بين يديه فرأى المتوكل ما لا عهد له بمثله وقال من أين لك هذا قال من الناس الكرام ثم حدث أنه صار إلى أبي من أم جعفر زبيدة في ثلاث مرات ثلاثمائة ألف دينار بثلاث شكايات عالجها فيها واحدتها أنها شكت عارضاً في حلقها منذرة بالخناق فأشار إليها بالفصد والتطفئة والتغدي بحشو وصفه فأحضر على نسخته في غضارة صينية عجيبة الصفة وفيها هذه الملعقة فغمزني أبي علي رفعها ففعلت ولففتها في طليساني وجاذبنيها الخادم فقالت له لاطفه ومره بردها وعوضه منها عشرة آلاف دينار فامتنعت وقال أبي يا ستي إن ابني لم يسرق قط فلا تفضحيه في أول كراته لئلا ينكسر قلبه فضحكت ووهبتها له وسئل عن الآخرتين فقال أنها اشتكت إليه النكهة بأخبار إحدى بطانتها إياها وذكرت أن الموت أسهل عليها من ذلك فجوعها إلى العصر وأطعمها سمكاً ممقوراً وسقاها دردي نبيذ دقل باكراه فغثت نفسها وقذفت وكرر ذلك عليها ثلاثة أيام ثم قال لها تنكهي وفي وجه من أخبرك بذلك واستخبريه هل زال والثالثة أنها أشرفت على التلف من فواق شديد يسمع من خارج الحجرة فأمر الخدم بأصعاد خوابي إلى سطح الصحن وتصفيفها حوله على الشفير وملأها ماء وجلس خادم خلف كل جب حتى إذا صفق بيده على الأخرى دفعوها دفعة إلى وسط الدار ففعلوا وارتفع لذلك صوت شديد أرعبها فوثبت وزايلها الفواق قال أبو علي القياني حدثني أبي قال دخلت يوماً إلى بختيشوع وكان من أيام الصيف وجلست فإذا هو قد رفع طرفه إلى خادمه وقال له هات فجاء بقدح فيه نحو نصف رطل شراب عتيق وعلى طرف خلالة ذهب شيء أسود فمضغه ثم شرب الشراب عليه وصبر ساعة فرأيت وجهه يتقد كالنار ثم دعا باطباق فيها خوخ جبلي في نهاية الحسن فأقبل يقطع ويأكل حتى انتهى وسكن تلهبه وعاد وجهه إلى حاله فقلت له حدثني بخبرك فقال اشتهيت الخوخ شهوة شديدة وخفت ضررها فاستعملت الترياق والشراب حتى نقرت الحجر ليجيد الطحن وقال أبو علي القياني عن أبيه قال كان يختيشوع الطبيب صديقاً لأبي وكان لنا نديم كثير الأكل عظيم الخلق فكان كلما رآه قال له أريد أن تركب لي شربة وأبرمه إلى أن وصف له دواء فيه شحم الحنظل وسقمونيا وقال بختيشوع لأبي ملاك الأمر كله أن يأكل أكلاً خفيفاً ويضبط نفسه فيما بعد عن التخليط فأطعم بيوم الحمية في دارنا واقتصر على اسفيدباج من ثلاثة أرطال خبر فلما استوفى ذلك طلب زيادة عليه فمنع واعتقله أبي عنده إلى آخر الأوقات ووجه إلى امرأته يوصيها أن لا تدع شيئاً يؤكل في داره ولما علم أن الوقت قد ضاق عليه أطلقه إلى منزله فطلب من امرأته شيئاً يأكله فلم يجد عندها شيئاً وكانت قد أغفلت برنية فيها فتيت على الرف فوجده وأخذ منه أرطالاً ثم أصبح وأخذ الدواء فتحير وورد على المعدة وهي ملأى فلم يؤثر وتعالى النار فقال قد خرف بختيشوع وعمد إلى عشرة أرطال لحم شرائح فأكلها مع عشرة أرطال خبز وشرب دورقاً ماء بارداً فلما مضت ساعة طلب الدواء طريقاً للخروج من فوق أو من أسفل فلم يجد فانتفخت بطنه وعلا نَفَسه وكاد يتلف وصاحت امرأته واستغاثت بأبي فدعا بمحمل وحمل فيه إلى بختيشوع وكان ذلك اليوم حاراً جداً وكان بختيشوع حين انصرف من داره وهو ضجر فسأل عن حاله إلى أن علم شرح أمره وكان في داره أكثر من مائتي طير من الطيطويات والحصانيات والبيضانيات وما يجري مجراها لها مسقاة كبيرة مملوءة ماء وقد حمي في الشمس وذرقت فيه الطيور فدعا بملح جريش وأمر بطرحه في المسقاة كله وتذويبه في الماء ودعا بقمع وسقى الرجل كله وهو لا يعقل وأمر بالتباعد عنه فأتى من طبيعته فوق وأسفل أمر عظيم جداً حتى ضعف وحفظت قوته بالرائحة الطيبة وبماء الدراج وأفاق بعد أيام وعجبنا من صلاحه وسألنا عنه بختيشوع فقال فكرت في أمره فرأيت أني أن اتخذت له دواء طال أمره حتى يطبخ ويسقى فيموت إلى ذلك الوقت ونحن نعالج أصحاب القولنج الشديد بذرق الحمام والملح وكان في المسقاة الماء في الشمس وقد سخن واجتمع فيه من ذرق الحمام ما يحتاج إليه وكان أسرع تناولاً من غيره فعالجته به ونجع بحمد اللّه ونقلت من بعض الكتب أن بختيشوع كان يأمر بالحقن والقمر متصل بالذنب فيحل القولنج من ساعته ويأمر بشرب الدواء والقمر على مناظرة الزهرة فصلح العليل من يومه ولما توفي بختيشوع خلف عبيد اللّه والده وخلف معه ثلاث بنات وكان الوزراء والنظار يصادرونهم ويطالبونهم بالأموال فتفرقوا واختلفوا وكان موته يوم الأحد لثمان بقين من صفر سنة ست وخمسين ومائتين ومن كلام بختيشوع بن جبرائيل قال الشرب على الجوع رديء والأكل على الشبع أردأ وقال أكل القليل مما يضر أصلح من أكل الكثر مما ينفع ولبختيشوع بن جبرائيل من الكتب كتاب في الحجامة على طريق المسئلة والجواب‏.‏
    جبرائيل بن عبيد اللَّه بن بختيشوع كان فاضلاً عالماً متقناً لصناعة الطب جيداً في أعمالها حسن الدراية لها وله تصانيف جليلة في صناعة الطب وكانت أجداده في هذه الصناعة كل منهم أوحد زمانه وعلامة وقته ونقلت من كتاب عبيد اللَّه ولد هذا المذكور في أخباره عن أبيه جبرائيل ما هذا مثاله قال إن جدي عبيد اللَّه بن بختيشوع كان متصرفاً ولما ولي المقتدر رحمه اللّه عليه الخلافة استكتبه لحضرته وبقي مدة مديدة ثم توفي وخلّف والدي جبرائيل وأختاً كانت معه صغيرين وأنفذ المقتدر ليلة موته ثمانين فرشا حمل الموجود من رحل وأثاث وآنية وبعد مواراته في القبر اختفت زوجته وكانت ابنة إنسان عامل من أجلاء العمال يعرف بالحرسون فقبض على والدها بسببها وطلب منه ودائع بنت بختيشوع وأخذ منه مالاً كثيراً ومات عقيب مصادرته فخرجت ابنته ومعها ولدها جبرائيل وأخته وهما صغيران إلى عكبراء مستترين من السلطان واتفق أنها تزوجت برجل طبيب وصرفت ولدها إلى عم كان له بدقوقاء وأقامت مدة عند ذلك الرجل وماتت وأخذ ما كان معها جميعه ودفع ولدها فدخل جبرائيل إلى بغداد وما معه إلا اليسير النزر وقصد طبيباً كان يعرف بترمرة فلازمه وقرأ عليه وكان من أطباء المقتدر وخواصه وقرأ على يوسف الواسطي الطبيب ولازم البيمارستان والعلم والدرس وكان يأوي إلى أخوال له يسكنون بدار الروم وكانوا يسيئون عشرتهم عليه ويلومونه على تعرضه للعلم والصناعة ويمجنون معه ويقولون يريد أن يكون مثل جده يختيشوع وجبرائيل وما يرضى أن يكون مثل أخواله وهو لا يلتفت إلى مثل أقوالهم واتفق أن جاء رسول من كرمان إلى معز الدولة وحمل له الحمار المخطط والرجل الذي كان طوله سبعة أشبار والرجل الذي كان طوله شبرين واتفق أنه نزل في قصر فرخ من الجانب الشرقي قريباً من الدكان الذي كان يجلس عليه والدي جبرائيل وصار ذلك الرسول يجلس عنده كثيراً ويحادثه ويباسطه فلما كان في بعض الأيام استدعاه وشاوره بالفصد فأشار به وفصده وتردد إليه يومين فأنفذ له على رسم الديلم الصينية التي كانت فيها العصائب والطشت والإبريق وجميع الآلة ثم استدعاه وقال له ادخل إلي هؤلاء القوم وانظر ما يصلح لهم وكان مع الرسول جارية يهواها قد عرض لها نزل الدم ولا بقي بفارس ولا بكرمان ولا بالعراق طبيب مذكور إلا وعالجها ولم ينجح فيها العلاج فعندما رآها رتب لها تدبيراً وعمل لها معجوناً وسقاها إياه فما مضى عليها أربعون يوماً حتى برئت وصلح جسمها وفرح الرسول بذلك فرحاً عظيماً فلما كان بعد مدة استدعاه وأعطاه ألف درهم ودراعة سقلاطون وثوباً توثياً وعمامة قصب وقال له طالبهم بحقك فأعطته الجارية ألف درهم وقطعتين من كل نوع من الثياب وحمل على بغله بمركب واتّبع ذلك بمملوك زنجي فخرج وهو أحسن حالاً من أحد أخواله فلما رأوه وثبوا له وتلقوه لقياً جميلاً فقال لهم للثياب تكرمون لا لي فلما مضي الرسول انتشر ذكره بفارس وبكرمان بما عمل وكان ذلك سبب خروجه من شيراز‏.‏
    فلما دخل رفع خبره إلى عضد الدولة وكان أول تبوئه ولايته شيراز واستدعى به فحضر وأحضر معه رسالة في عصب العين تكلم فيها بكلام حسن فحسن موقعه عنده وقرر له جار وجراية كالباقين ثم إنه عرض لكوكين زوج خالة عضد الدولة وهو والي كورة جورقب مرض واستدعى طبيباً فأنفذه عضد الدولة فلما وصل أكرم موضعه وأجله إجلالاً عظيماً وكان به وجع المفاصل والنقرس وضعف الأحشاء فركب له جوارشن تفاحي وذلك في سنة سبع وخمسين وثلاثمائة للهجرة فانتفع به منفعة بينة عظيمة فأجزل له عطاءه وأكرمه ورده إلى شيراز مكرماً ثم إن عضد الدولة دخل إلى بغداد وهو معه من خاصته وجدد البيمارستان وصار يأخذ رزقين وهما برسم خاص ثلاثمائة درهم شجاعية وبرسم البيمارستان ثلاثمائة درهم شجاعية سوى الجراية وكانت نوبته في الأسبوع يومين وليلتين واتفق أن الصاحب بن عباد رحمه اللَّه تعالى عرض له مرض صعب في معدته فكاتب عضد الدولة يلتمس طبيباً وكان عمله وفعله مشهوراً فأمر عضد الدولة بجمع الأطباء البغداديين وغيرهم وشاورهم فيمن يصلح أن ينفذ إليه فلما جمعهم واستشارهم فأشار جميع الأطباء على سبيل الإبعاد له من بينهم وحسداً على تقدمه ما يصلح أن يلقى مثل هذا الرجل إلا أبو عيسى جبرائيل لأنه متكلم جيد الحجة عالم باللغة الفارسية فوقع ذلك بوفاق عضد الدولة فأطلق له مالاً يصلح به أمره وحمل إليه مركوب جميل وبغال للحمل وسيَّره فلما وصل الري تلقاه الصاحب لقاء جميلاً وأنزله في دار مزاحة العلل بفراش وطباخ وخازن ووكيل وبواب وغيره ولما أقام عنده أسبوعاً استدعاه يوماً وقد أعد عنده أهل العلم من أصناف العلوم ورتب لمناظرته إنساناً من أهل الري وقد قرأ طرفاً من الطب فسأله عن أشياء من أمر النبض فعلم هو ما الغرض في ذلك فبدأ وشرح أكثر مما تحتمله المسألة وعلل تعليلات لم يكن في الجماعة من سمع بها وأورد شكوكاً ملاحاً وحلها فلم يكن في الحضور إلا من أكرمه وعظمه خلع عليه الصاحب خلعاً حسنة وسأله أن يعمل له كناشاً يختص بذكر الأمراض التي تعرض من الرأس إلى القدم ولا يخلط بها غيرها فعمل كناشه الصغير وهو مقصور على ذكر الأمراض العارضة من الرأس إلى القدم حسبما أمر الصاحب به وحمله إليه فحسن موقعه عنده ووصله بشيء قيمته ألف دينار وكان دائماً يقول صنفت مائتي ورقة أخذت عنها ألف دينار ورفع خبره إلى عضد الدولة فأعجب به وزاد موضعه عنده‏.‏
    فلما عاد من الري دخل إلى بغداد بزي جميل وأمر مطاع وغلمان وحشم وخدم وصادف من عضد الدولة ما يسره ويختاره قال وحدثني من أثق إليه أنه دخل الأطباء ليهنئوه بوروده وسلامته فقال أبو الحسين بن كشكرايا تلميذ سنان يا أبا عيسى زرعنا وأكلت وأردناك تبعد فازددت قرباً لأنه كان كما تقدم ذكره فضحك جبرائيل من قوله وقال له ليس الأمور إلينا بل لها مدبر وصاحب وأقام ببغداد مدة ثلاث سنين واعتل خسروشاه بن مبادر ملك الديلم وآلت حاله إلى المراقبة ونحل جسمه وقوي استشعاره وكان عنده اثنا عشر طبيباً من الري وغيرها وكلما عالجوه ازداد مرضه فأنفذ إلى الصاحب يلتمس منه طبيباً فقال ما أعرف من يصلح لهذا الأمر إلا أبو عيسى جبرائيل فسأله مكاتبته لما بينهما من الأنس وكاتب عضد الدولة يسأل إنفاذه ويعلمه أن حاله قد آلت إلى أمر لا يحتمل الونية في ذلك فأنفذه مكرماً فلما وصل إلى الديلمي قال له ما أعالجك أو ينصرف من حولك من أطباء فصرف الأطباء مكرمين وأقام عنده وسأله أن يعمل في صورة المرض مقالة يقف على حقيقته وتدبير يختاره ويعول عليه فعمل له مقالة ترجمها في ألم الدماغ بمشاركة فم المعدة والحجاب الفاصل بين آلات الغذاء وآلات التنفس المسمى ذيا فرغما ولما اجتاز بالصاحب سأله عن أفضل استقساط البدن فقال هو الدم فسأله أن يعمل له في ذلك كتاباً يبرهن عليه فيه فعمل في ذلك مقالة مليحة بين فيها البراهين التي تدل على هذا وكان في هذه المدة مستعجلاً لعمل كناشه الكبير ولما عاد إلى بغداد وكان عضد الدولة قد مات فأقام ببغداد سنين مشتغلاً بالتصنيف فتمم كناشه الكبير وسماه بالكافي بلقب الصاحب بن عباد لمحبته له ووقف منه نسخة على دار العلم ببغداد وعمل كتاب المطابقة بين قول الأنبياء والفلاسفة وهو كتاب لم يعمل في الشرع مثله لكثرة احتوائه على الأقاويل وذكر المواضع التي استخرجت منها وأكثر فيهمن أقوال الفلاسفة في كل معنى لغموضها وقلة وجودها وقلل من الأقاويل الشرعية لظهورها وكثرة وجودها وفي هذه المدة عمل مقالة في الرد على اليهود جمع فيها أشياء منها جواز النسخ من أقوال الأنبياء ومنها شهادات على صحة مجيء المسيح وأنه قد كان وأبطل انتظارهم له ومنها صحة القربان بالخبز والخمر وعمل مقالات أخر كثيرة صغاراً منها لم جعل من الخمر قربان وأصله محرم وأبان علل التحليل والتحريم وعرض له أن سافر إلى بيت المقدس وصام به يوماً واحداً وعاد منه إلى دمشق واتصل خبره بالعزيز رحمه اللّه وكوتب من الحضرة بكتاب جميل فاحتج أن له ببغداد أشياء يمضي وينجزها ويعود إلى الحضرة قاصداً ليفوز بحق القصد فحين عاد إلى بغداد أقام بها وعدل عن المضي إلى مصر ثم إن ملك الديلم أنفذ خلفه واستدعاه فعند حصوله بالري وقف بها نسخة من كناشه الكبير قال وبلغني أن البيمارستان يعمل بها وأنه يعرف به بين أطبائهم إذا ذكر أبو عيسى صاحب الكناش وأقام عند ملك الديلم مدة ثلاث سنين وخرج من عنده على سبيل الغضب وكان قد حلف له بالطلاق أنه متى اختار الانصراف لا يمنعه فلم يمكنه رده وجاء إلى بغداد وأقام بها مدة ثم إنه استدعي إلى الموصل إلى حسام الدولة فعالجه من مرض كان به وجرى له معه شيء استعظمه وكان أبداً يعيده عنه وذلك أنه كانت له امرأة عليلة بمرض حاد فأشار بحفظ القارورة واتفق أنه عند حسام الدولة وقال له هذه الامرأة تموت فانزعج لذلك ونظرت الجارية إلى انزعاجه وصرخت وخرقت ثيابها وولت فاستدعاها في الحال وقال لها جرى في أمر هذه الامرأة شيء لا أعلمه فحلفت أنها لم تجاوز التدبير فقال لعلكم خضبتموها بالحناء قالت قد كان ذلك فحرد وقال للجارية أقوالا ثم قال لحسام الدولة أبشر بعد ثلاثة أيام تبرأ فكان كما قال فعظم هذا عنده وكان أبداً يعيده ويتعجب منه ولما عاد إلى بغداد كان العميد لا يفارقه ويلازمه ويبايته في دار الوزارة لأجل المرض الذي كان به وحظي لديه ثم إن الأمير ممهد الدولة أنفذ إليه ولاطفه حتى أصعد إلى ميافارقين فلما وصل إليه أكرمه الإكرام المشهور عند كل من كان يراه ومن لطيف ما جرى له معه أنه أول سنة ورد فيها سقى الأمير دواء مسهلاً وقال له يجب أن تأخذ الدواء سحَراً فعمد الأمير وأخذه أول الليل فلما أصبح ركب إلى داره ووصل إليه وأخذ نبضه وسأله عن الدواء فقال له ما عمل معي شيئاً امتحاناً له فقال جبرائيل النبض يدل على نفاذ دواء الأمير وهو أصدق فضحك ثم قال له كم ظنك بالدواء فقال يعمل مع الأمير خمسة وعشرين مجلساً ومع غيره زائداً وناقصاً فقال له عمل معي إلى الآن ثلاثة وعشرين مجلساً فقال وهو يعمل تمام ما قلت لك ورتب ما يستعمله وخرج من عنده مغضباً وأمر أن يشد رحله ويصلح أسباب الانصراف فبلغ ممهد الدولة ذلك وأنفذ إليه يستعلم خبر انصرافه فقال مثلي لا يجرب لأنني أشهر من أن أحتاج إلى تجربة فأرضاه وحمل إليه بغلة ودراهم لها قدر‏.‏
    وفي هذه المدة كاتبه ملك الديلم بكتب جميلة يسأله فيها الزيارة وكاتب ممهد الدولة يسأله في ذلك فمنع من المضي وأقام في الخدمة ثلاث سنين وتوفي يوم الجمعة ثامن شهر رجب من شهور سنة ست وتسعين وثلاثمائة للهجرة وكان عمره خمساً وثمانين سنة ودفن بالمصلى بظاهر ميافارقين ولجبرائيل بن عبيد اللَّه بن بختيشوع من الكتب كناشه الكبير الملقب بالكافي خمس مجلدات ألفه للصاحب بن عباد رسالة في عصب العين مقالة في ألم الدماغ بمشاركة فم المعدة والحجاب الفاصل بين آلات الغذاء وآلات التنفس المسمى ذيافرغما ألفها لخسروشاه بن مبادر ملك الديلم مقالة في أن أفضل استقسات البدن هو الدم ألفها للصاحب بن عباد كتاب المطابقة بين قول الأنبياء والفلاسفة مقالة في الرد على اليهود مقالة في أنه لم جعل من الخمر قربان وأصله محرم‏.‏
    هو أبو سعيد عبيد اللَّه بن جبرائيل بن عبد اللَّه بن بختيشوع ابن جبرائيل بن بختيشوع بن جورجس بن جبرائيل كان فاضلاً في صناعة الطب مشهوراً بجودة الأعمال فيها متقناً لأصولها وفروعها من جملة المتميزين من أهلها والعريقين من أربابها وكان جيد المعرفة بعلم النصارى ومذاهبهم وله عناية بالغة بصناعة الطب وله تصانيف كثيرة فيها وأقام بميافارقين وكان معاصر ابن بطلان ويجتمع به ويأنس إليه وبينهما صحبة وتوفي عبيد اللَّه بن جبرائيل في شهور سنة نيف وخمسين وأربعماية ولعبيد اللَّه بن جبرائيل من الكتب مقالة في الاختلاف بين الألبان ألفها لبعض أصدقائه في سنة سبع وأربعين وأربعمائة كتاب مناقب الأطباء ذكر فيه شيئاً من أحوالهم ومآثرهم وكان تأليفه لذلك في سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة كتاب الروضة الطبية كتب به إلى الأستاذ أبي الحسن محمد بن علي كتاب التواصل إلى حفظ التناسل ألفه في سنة إحدى وأربعين وأربعماية رسالة إلى الأستاذ أبي طاهر بن عبد الباقي المعروف بابن قطرمين جواباً عن مسألته في الطهارة ووجوبها رسالة في بيان وجوب حركة النفس كتاب نوادر المسائل مقتضبة من علم الأوائل في الطب كتاب تذكرة الحاضر وزاد المسافر كتاب الخاص في علم الخواص كتاب طبائع الحيوان وخواصها ومنافع أعضائها ألفه للأمير نصير الدولة خصيب كان نصرانياً من أهل البصرة ومقامه بها وكان فاضلاً في صناعة الطب جيد المعالجة حدث محمد بن سلام الجمحي قال مرض الحكم بن محمد بن قنبر المازني الشاعر بالبصرة فأتوه بخصيب الطبيب يعالجه فقال فيه الرمل ولقد قلت لأهلي إذ أتوني بخصيب ليس واللَّه خصيب للذي بي بطبيب إنما يعرف دأبي من به مثل الذي بي وحدث أيضاً محمد بن سلام قال كان خصيب الطبيب نصرانياً نبيلاً فسقى محمد بن أبي العباس السفاح شربة دواء وهو على البصرة فمرض منها وحمل إلى بغداد فمات بها وذلك في أول سنة خمسين ومائة فاتهم خصيب فحبس حتى مات فنظر في علته إلى مائه وكان عالماً فقال قال جالينوس إن صاحب هذه العلة إذا صار هكذا ماؤه لا يعيش فقيل له إن جالينوس ربما أخطأ فقال ما كنت إلى خطئه قط أحوج مني إليه في هذا الوقت ومات من علته


    _________________

    *******************************************


    طبقات الأطباء السريانيين 13850807941268563665
    د. محمد الهاشم
    د. محمد الهاشم
    إداري
    إداري


    الجنس : ذكر
    الابراج : القوس
    عدد المساهمات : 106
    نقاط : 6491
    السٌّمعَة : 70
    تاريخ التسجيل : 24/02/2012
    العمر : 56

    طبقات الأطباء السريانيين Empty رد: طبقات الأطباء السريانيين

    مُساهمة من طرف د. محمد الهاشم الخميس 12 أبريل 2012 - 12:30

    عيسى المعروف بأبي قريش
    قال إسحاق بن علي الرهاوي في كتاب أدب الطبيب عن عيسى بن ماسة قال أخبرني يوحنا بن ماسويه أن أبا قريش كان صيدلانياً يجلس على موضع نحو باب قصر الخليفة وكان ديناً صالحاً في نفسه وأن الخيزران جارية المهدي وجهت بمائها مع جارية لها إلى الطبيب فخرجت الجارية من القصر فأرت أبا قريش الماء فقال لها هذا ماء امرأة حبلى بغلام فرجعت الجارية بالبشارة فقالت لها ارجعي إليه واستقصي المسألة عليه فرجعت فقالت لها ما قلت لك حق ولكن لي عليك البشرى فقالت كم تريدين البشرى قال جامة فالوذج وخلعة سنية فقالت لها إن كان هذا حقاً فقد سقت إلى نفسك خير الدنيا ونعيمها وانصرفت فلما كان بعد أربعين يوماً أحست الخيزران بالحمل فوجهت ببدرة دراهم وكتمت الخبر عن المهدي فلما مضت الأيام ولدت موسى أخا هارون الرشيد فعند ذلك أعلمت المهدي وقالت له إن طبيباً على الباب أخبر بهذا منذ تسعة أشهر وبلغ الخبر جورجس بن جبرائيل فقال كذب ومخرقة فغضبت له الخيزران وأمرت فاتخذ بين يديها مائة خوان فالوذج ووجهت بذلك إليه مع مائة ثوب وفرس بسرجه ولجامه وما مضى بعد ذلك إلا قليل حتى حبلت بأخيه هارون الرشيد فقال جورجس للمهدي جرب أنت هذا الطبيب فوجه إليه بالماء فلما نظر إليه قال هذا ماء ابنتي أم موسى وهي حبلى بغلام آخر فرجعت الرسالة بذلك إلى المهدي وأثبت اليوم عنده فلما مضت الأيام ولدت هارون فوجه المهدي إلى أبي قريش فأحضره وأقيم بين يديه فلم يزل يطرح عليه الخلع وبدر الدنانير والدراهم حتى علت رأسه وسير هارون وموسى في حجره وكناه أبا قريش أي أبا العرب وقال لجورجس هذا شيء أنا بنفسي جربته فصار أبو قريش نظير جرجس بن جبرائيل بل أكبر منه حتى تقدمه في المرتبة وتوفي المهدي واستخلف هارون الرشيد وتوفي جرجس وسار ابنه تبع أبي قريش في خدمة الرشيد ومات أبو قريش وخلف اثنين وعشرين ألف دينار مع نعمة سنية وقال يوسف بن إبراهيم حدثني العباس بن علي بن المهدي أن الرشيد اتخذ مسجداً جامعاً في بستان موسى الهادي وأمر إخوته وأهل بيته بحضوره في كل يوم جمعة لتولى الصلاة بهم فيه قال فحضر والدي علي بن المهدي ذلك المسجد في يوم حار وصلى فيه وانصرف إلى داره بسوق يحيى فكسبه حر ذلك اليوم صداعاً كاد يذهب ببصره فأحضر له جميع متطببي مدينة السلام وكان آخر من أحضر منهم عيسى أبو قريش فوافاهم قد اجتمعوا للمناظرة فقال ليس يتفق للجماعة رأي حتى يذهب بصر هذا ثم دعا بدهن بنفسج وماء ورد وخل خمر وثلج فجعل في مضربة من ذلك الدهن بقدر وزن درهمين وصب عليه شيئاً من الخل وشيئاً من الماء وفت فيه شيئاً من الثلج وحرك المضربة حتى اختلط جميع ما فيها‏.‏
    ثم أمر بتصبير راحه منه وسط رأسه والصبر عليه حتى ينشفه الرأس ثم زيادة راحة أخرى فلم يزل يفعل ذلك ثلاث مرات أو أربع حتى سكن عنه الصداع وعوفي من العلة قال يوسف وحدثتني شكلة أم إبراهيم بن المهدي أن المهدي هتف بها وهي معه في مضربه بالربدة من طريق مكة بلسان متغير أنكرته فصارت إليه وهو مستلق على القفا فأمرها بالجلوس فلما جلست وثب فعانقها معانقة الإنسان لمن يسلم عليه ثم عبرها إلى صدره وزال عنه عقله فجهد جميع من حضرها بأن يخلص يديه من عنقها فما وصلوا إلى ذلك وحضر المتطببون فأجمعوا على أن الذي به فالج فقال عيسى أبو قريش المهدي ابن المنصور بن محمد بن علي بن العباس يضربه فالج لا واللَّه لا يضرب أحداً من هؤلاء ولا نسلهم فالج أبداً إلا أن يبذروا بذورهم في الروميات والصقلبيات وما أشبههن فيعرض الفالج لمن ولده الروميات وأشباههن من نسلهم ثم دعا بالحجام فحجمه فواللَّه ما أن خرج من دمه إلا محجمة واحدة حتى رد إليه يديه ثم تكلم من المحْجَمةِ الثانية ثم ثاب إليه عقله قبل فراغ الحجام من حجامته ثم طعم بعد ذلك ودعا بأم أسماء بنت المهدي فواقعها فأحبلها بأسماء قال يوسف ولما اشتدت بإبراهيم بن المهدي علته التي توفي فيها استرخى لحيه وغلظ لسانه في فيه فصعب عليه الكلام وكان إذا تكلم توهمه سامعه مفلوجاً فدعاني وقت صلاة العصر من يوم الثلاثاء لست خلون من شهر رمضان سنة أربع وعشرين ومائتين فقال لي أما تعجب من عرض هذه العلة التي لم تعرض لأحد من ولد أبي غير إسماعيل ابن موسى أمير المؤمنين ومحمد بن صالح المسكين وإنما عرضت لمحمد لأن أمه كانت رومية وأم أبيه كانت كذلك وكانت أم إسماعيل رومية وأنا فلم تلدني رومية فما العلة عندك في عرض هذه العلة لي فعلمت أنه كان حفظ عن أمه قول عيسى أبي قريش في المهدي وولده أنه لا يعرف لعقبه الفالج إلا أن يبذروا بذورهم في الروميات وأنه قد أمل أن يكون الذي به فالجاً لا عارض الموت فقلت لا أعرف لإنكارك هذه العلة معنى إذ كانت أمك التي قامت عنك دنباونديَّة ودنباوند أشد برداً من كل أرض الروم فكأنه تفرج إلى قولي وصدقني وأظهر السرور بما سمع مني ثم توفي في وقت طلوع الفجر من يوم الجمعة لتسع خلون من شهر رمضان‏.‏
    قال يوسف حدثني إبراهيم بن المهدي أن لحم عيسى بن جعفر بن المنصور كثر عليه حتى كاد أن يأتي على نفسه وأن الرشيد اغتم لذلك غماً شديداً أضر به في بدنه ومنعه لذة المطعم والمشرب وأمر جميع المتطببين بمعالجته فكلهم دفع أن يكون عنده في ذلك حيلة فزادوا الرشيد غماً إلى ما كان عليه منه وإن عيسى المعروف بأبي قريش صار إلى الرشيد سراً فقال له يا أمير المؤمنين إن أخاك عيسى بن جعفر رزق معدة صحيحة وبدناً قابلاً للغذاء أحسن قبول وجميع الأمور جارية له بما يحب فليس يتمنى شيئاً إلاّ تَمَّ له على أكثر مما يحبه وقد وقي موت أحبته ودخول النقص في ماله والظلم من ناحية سلطانه والاستقصاء عليه والأبدان متى لم تختلط على أصحابها طبائعهم وأحوالهم فتنالهم العلل في بعض الأوقات والصحة في بعضها والغموم في بعضها والسرور في بعضها ورؤية المكاره في بعضها والمحاب في بعضها وتدخلها الروعة أحياناً والفرح أحياناً لم يؤمن على صاحبها التلف لأن لحمه يزداد حتى تضعف عن حمله العظام وحتى يغمر فعل النَّفَس وتبطل قوى الدماغ والكبد ومتى كان هذا عدمت الحياة وأخوك هذا إن لمن تظهر موجدة عليه أو تغير له أو تقصده بما ينكي قلبه من حيازة مال أو أخذ عزيز عليه من حرمه لم آمن عليه تزايد هذا الشحم حتى يتأتى على نفسه فإن أحببت حياته فافعل ذلك به وإلا فلا أخ لك فقال الرشيد أنا أعلم أن الذي ذكرت على ما قلت غير أنه لا حيلة عندي في التغير له أو غمه بشيء من الأشياء فإن تكن عندك حيلة في أمره فاحتل بها فإني أكافئك عنه متى رأيت لحمه قد انحط بعشرة آلاف دينار وآخذ لك منه مثلها فقال عيسى عندي حيلة إلا أني أتخوف أن يعجل علي عيسى بالقتل فتتلف نفسي فليوجه معي أمير المؤمنين خادماً جليلاً من خدمه ومعه جماعة يمنعونه مني إن أمر بقتلي ففعل ذلك به وسار إليه فجسه وأعلمه أنه يضطر إلى مجسة عرقه ثلاثة أيام قبل أن يذكر له شيئاً من العلاج فأمره عيسى بالانصراف والعود إليه ففعل ذلك وعاد في اليوم الثاني والثالث فلما فرغ من مجسة عرقه قال له إن الوصية مباركة وهي غير مقدمة ولا مؤخرة وأنا أرى للأمير أن يعهد فإن لم يحدث حادث قبل أربعين يوماً عالجته في ذلك بعلاج لا يمضي به إلا ثلاثة أيام حتى يخرج من علته هذه ويعود بدنه إلى أحسن مما كان عليه ونهض من مجلسه وقد أسكن قلب عيسى من الخوف ما امتنع له من أكثر الغذاء ومنعه من النوم فلم يبلغ أربعين يوماً حتى انحط من منطقته واستتر عيسى أبو قريش في تلك الأيام عن الرشيد خوفاً من إعلام الرشيد عيسى بن جعفر تدبير عيسى المتطبب لإسكان الغم قلبه فيفسد عليه تدبيره فلما كان ليلة يوم الأربعين سار إلى الرشيد وأعلمه أنه لا يشك في نقصان بدن عيسى وسأله إحضاره مجلسه أو الركوب إليه فركب إليه الرشيد فدخل عليه ومعه عيسى فقال له عيسى أطلق لي يا أمير المؤمنين قتل هذا الكافر فقد قتلني وأحضر منطقته فشدها في وسطه وقال يا أمير المؤمنين نقص هذا العدو واللّه من بدني بما أدخل علي من الروع خمس بشيزجات فسجد الرشيد شكراً للّه وقال له يا أخي مَتَعْتُ بك بأبي عيسى - وكان الرشيد كثيراً ما يقول له بأبي عيسى - ردت إليك بعد اللّه الحياة ونعم الحيلة احتال لك وقد أمرت له بعشرة آلاف دينار فأوصل إليه مثلها ففعل ذلك له وانصرف المتطبب إلى منزله بالمال ولم يرجع إلى عيسى ابن جعفر ذلك الشحم إلى أن فارق الدنيا قال يوسف وحدثني إبراهيم بن المهدي أنه اعتل بالرقة مع الرشيد علة صعبة فأمر الرشيد بحدره إلى والدته بمدينة السلام فكان بختيشوع جد بختيشوع الذي كان في دهرنا هذا لا يزايله ويتولى علاجه ثم قدم الرشيد مدينة السلام ومعه عيسى أبو قريش فذكر أن أبا قريش أتاه عائداً فرأى العلة قد أذهبت لحمه وأذابت شحمه وأسارته إلى اليأس من نفسه وكان أعظم ما عليه في علته شدة الحمة قال أبو إسحاق فقال لي عيسى وحق المهدي لأعالجنك غداً علاجاً يكون به برؤك قبل خروجي من عندك ثم دعا القهرمان بعد خروجه فقال له لا تدع بمدينة السلام أسمن من ثلاثة فراريج كسكرية تذبحها الساعة وتعلقها في ريشها حتى آمرك فيها بأمري غداة غد ثم بكر إلي ومعه ثلاث بطيخات رمشية قد بردها في الثلج ليلته كلها فلما دخل علي دعا بسكين فقطع لي من إحداهن قطعة ثم قال لي كل هذه القطعة فأعلمته أن بختيشوع كان يحميني من رائحة البطيخ فقال لي لذلك طالت علتك فكل فإنه لا بأس عليك فأكلت القطعة التذاذاً مني لها ثم أمرني بالأكل فلم أزل آكل حتى استوفيت بطيختين ثم انتهت نفسي فقطع من الثالثة قطعة وقال جميع ما أكلت للذة فكل هذه القطعة للعلاج فأكلتها بتكره ثم قطع قطعة أخرى وأوما إلى الغلمان بإحضار الطشت وقال لي كل هذه القطعة أيضاً فما أكلت ثلثها حتى جاشت نفسي وذرعني القيء فتقيأت أربعة أضعاف ما أكلت من البطيخ وكل ذلك مرة صفراء ثم أغمي علي بعد ذلك القيء وغلب علي العرق والنوم إلى بعد صلاة الظهر فانتبهت وما أعقل جوعاً وقد كانت شهوة الطعام ممتنعة مني فدعوت بشيء آكله فأحضرني الفراريج الثلاثة وقد طبخ لي منها سكباج وأجادها طهاتها فأكلت منها حتى تضلعت ونمت بعد أكلي إلى آخر أوقات العصر ثم قمت وما أجد من العلة قليلاً ولا كثيراً‏.‏
    واتصل بي البرء فما عادت إلي تلك العلة منذ ذلك اليوم اللجلاج قال يوسف بن إبراهيم حدثني إسماعيل بن أبي سهل بن نوبخت أن أباه أبا سهل حدثه أن المنصور لما حج حجته التي توفي فيها ورافق ابن اللجلاج متطبب المنصور فكانا متى نام المنصور تنادما إلى أن سأل ابن اللجلاج وقد عمل فيه النبيذ أبا سهل عما بقي من عمر المنصور قال إسماعيل فأعظم ذلك والدي وقطع النبيذ وجعل على نفسه أن لا ينادمه وهجره ثلاثة أيام ثم اصطلحا بعد ذلك فلما جلسا على نبيذهما قال ابن اللجلاج لأبي سهل سألتك عن علمك ببعض الأمور فبخلت به وهجرتني ولست أبخل عليك بعلمي فاسمعه ثم قال إن المنصور رجل محرور تزداد يبوسة بدنه كلما أسن وقد حلق رأسه بالحيرة وجعل مكان الشعر الذي حلقه غالية وهو في هذا الحجاز يداوم الغالية وما يقبل قولي في تركها ولا أحسبه يبلغ إلى قيد حتى يحدث في دماغه من اليبس ما لا يكون عندي ولا عند أحد من المتطببين حيلة في ترطيبه فليس يبلغ قيد إن بلغها إلا مريضاً ولا يبلغ مكة إن بلغها وبه حياة قال إسماعيل قال لي والدي فواللّه ما بلغ المنصور قيد إلا وهو عليل وما وافى مكة إلا وهو ميت فدفن ببئر ميمون قال يوسف فحدثت إبراهيم بن المهدي بهذا الحديث فاستحسنه وسألني عن اسم أبي سهل بن نوبخت فأعلمته بأني لا أعرفه فقال إن الخبر في اسمه أطرف من حديثك الذي حدثتني عن ابنه فاحفظ عني ثم قال لي حدثني أبو سهل بن نوبخت أنه لما ضعف عن خدمة المنصور أمره المنصور بإحضار ولده ليقوم مقامه قال أبو سهل فأدخلت على المنصور فلما مثلت بين يديه قال لي تسم لأمير المؤمنين فقلت خرخشا ذماه طيماذاه ماذرياد خسرو بهمشاذ فقال لي كل ما ذكرت اسمك قلت نعم فتبسم ثم قال لي ما صنع أبوك شيئاً فاختر مني خلة من خلتين قلت وما هما قال إما أن أقتصر بك من كل ما ذكرت على طيماذ وإما أن أجعل لك كنية تقوم مقام الاسم وهي أبو سهل قال أبو سهل قد رضيت بالكنية فثبت كنيته وبطل اسمه فحدث بهذا الحديث إسماعيل بن أبي سهل فقال صدق أبو إسحاق كذا حدثني والدي‏.‏
    عبد اللَّه الطيفوري
    كان حسن العقل طيب الحديث على لكنة سوادية كانت في لسانه شديدة لأن مولده كان في بعض قرى كسكر كان من أحظى خلق اللَّه عند الهادي قال يوسف بن إبراهيم حدثني الطيفوري أنه كان متطبباً لطيفور الذي كان يقول إنه أخو الخيزران والناس يقولون أو أكثرهم إنه مولى الخيزران ولما وجه المنصور المهدي إلى الري لمحاربة سنقار حمل المهدي الخيزران وهي حامل وكان عيسى المعروف بأبي قريش صيدلانياً في العسكر فلما تبينت الخيزران ارتفاع العلة بعثت بمائها مع عجوز ممن معها وقالت لها أعرضي هذا الماء على جيمع المتطببين الذين في عسكر المهدي وجميع من ينظر في ذلك ففعلت العجوز وكنا في ذلك الوقت بهمدان واجتازت في منصرفها بخيمة عيسى فرأت جماعة من غلمان أهل العسكر وقوفاً يعرضون عليه قوارير الماء فكرهت أن تجوزه قبل أن ينظر إلى الماء فقال لها عند نظره إلى الماء هذا ماء امرأة وهي حامل بغلام فأدت العجوز عنه ما قال إلى الخيزران فسجدت شكراً للّه وأطلقت عدة مماليك وسارت إلى المهدي فأخبرته بما قالت العجوز فأظهر من السرور بذلك أكثر من سرورها وأمر بإحضار عيسى وسأله عما قالت العجوز فأعلمه أن الأمر على ما ذكرت فوصله ووصلته الخيزران بمال جليل وأمره بلزوم الخدمة وترك خيمته وما كان فيها من متاع الصيادلة قال الطيفوري فأراد طيفور أن ينفعني فأرسل إلى الخيزران إن متطببي ماهر بصناعة الطب فابعثي إليه بالماء حتى يراه ففعلت ذلك في اليوم الثاني فقال لي قل مثل قول عيسى فأعلمته أن الماء يدل على أنها حامل فأما تمييز الغلام من الجارية فذلك ما لا أقوله فجهد بي كل الجهد أن أجيبه إلى ذلك فلم أفعل صيانة لنفسي عن الاكتساب بالمخرقة فأدى قولي إليها فأمرت لي بألف درهم واحد وأمرت بملازمتها فلما وافت الري ولدت بها الهادي وصح عند المهدي أن أبا قريش عنين بعد أن امتحن بكل محنة فسر بذلك وأحظاه وتقدم عنده على جميع الخصيان وكان ذلك من أسباب الصنع لي فضممت إلى أمير المؤمنين موسى ودعيت متطببه وهو رضيع وفطيم ثم ولدت هارون الرشيد بالري أيضاً فكان مولده كان شؤماً على الهادي لأن الحظوة كلها أو أكثرها صارت له دونه فأضر بي ذلك في جاهي وما كنت فيه من كثرة الدخل إلى أن ترعرع موسى ففهم الأمر فكان ذلك مما زاد في جاهي وجميل رأيه في فكان ينيلني من أفضاله أكثر مما كانت الخيزران تنيلنيه‏.‏
    وفتح اللّه على المهدي وقتل سنقار وطراحته شهريار أبا مهرويه وخلد وبسخنز أبا الحرث بن بسخنز والربعين وسبى ذراريهم فكان من ذلك السبي مهرويه وخلد وقرابتهما شاهك وكانت على مائدة شهريار وهي أم السندي ابن شاهك وكان منهم الحرث بن بسخنز وجميع هؤلاء الموالي الرازيين ثم أدرك الهادي وأفضت الخلافة إلى المهدي فاتصل بي الأمر وعظم قدري لأني صرت متطبب ولي العهد ثم ملك الهادي أمة العزيز فكانت أعز عليه من جلدة ما بين عينيه وهي أم جعفر وعبد اللّه وإسماعيل وإسحاق وعيسى المعروف بالجرجاني وموسى الأعمى وأم عيسى زوج المأمون وأم محمد وعبيد اللَّه ابنتيه فبناني موسى الهادي جميع ولدها وأعلم أمة العزيز أنه يتبرك بي فنلت منها أكثر من أملي مما كان من الهادي ثم دبر الهادي البيعة لابنه جعفر بن موسى فدعاني قبل البيعة بيوم فخلع علي وحملني على دابة من دواب رحله بسرجه ولجامه وأمر لي بمائة ألف حملت إلى منزلي وقال لا تبرح الدار باقي يومك وليلتك وأكثر نهار غدك حتى أبايع لابنك جعفر فتنصرف إلى منزلك وأنت أنبل الناس لأنك توليت تربية ابن خليفة صار ولي العهد ووَليَ وليُّ العهد الخلافة فربيت ابنه إلى أن صار ولي عهده وبلغ أمة العزيز الخبر ففعلت بي مثل الذي فعل الهادي من الصلة وحُمِّلت إلى منزلي ثياب صحاح ولم تحملني على دابة وأقمت في الدار بعيساباذ إلى أن طلعت الشمس من غد اليوم الذي نلت فيه ما نلت ثم جلس الهادي وقد أحضر جميع بني هاشم فأخذت عليهم البيعة لجعفر وأحلفوا عليها وعلى خلع الرشيد ثم آل زائدة فكان يزيد بن مزيد أول من خلع الرشيد وبايع جعفر بعده ثم شراحيل بن معن بن زائدة وأهل بيته ثم سعيد بن سلم بن قتيبة بن مسلم ثم آل مالك وكان أول من بايع منهم عبد اللَّه ثم الصحابة وسائر مشايخ العرب ثم القواد فما انتصف النهار إلا وقد بايع أكثر القواد وكان في القواد هرثمة بن أعين ولقبه المشؤوم وكان المنصور قد قوّده على خمسمائة ولم يكن له حركة بعد أن قود فتوفي أكثر أصحابه ولم يثبت له مكان من توفي منهم فأحضروه وأمروه بالبيعة فقال له يا أمير المؤمنين لمن أبايع فقال له لجعفر بن أمير المؤمنين قال إن يميني مشغولة ببيعة أمير المؤمنين وشمالي مشغولة ببيعة هارون فأبايع بماذا فقال له تخلع هارون وتبايع جعفراً فقال يا أمير المؤمنين أنا رجل أدين بنصيحتك ونصيحة الأئمة منكم أهل البيت وباللّه لو تخوفت أن تحرقني على صدقي إياك بالنار لما حجزني ذلك عن صدقك إن البيعة يا أمير المؤمنين إنما هي أيمان وقد حلفت لهارون بمثل ما تستحلفني به لجعفر وإن خلعت اليوم هارون خلعت جعفر في غد وكذلك جميع من حلف لهارون على هذا فغدر به قال فاستشاط موسى من قوله وأمر بوجء عنقه وتسرعت جماعة من الموالي والقواد نحوه بالجررة والعمد فنهاهم الهادي عنه ثم عاوده الأمر بالبيعة فقال يا أمير المؤمنين قولي هذا قولي الأول فزبره الهادي وقال له اخرج إلى لعنة اللَّه لا بايعت ولا بايع أصحابك ألف سنة ثم أمر بإخراجه من الدار بعيساباذا وإسقاط قيادته وقال أطلقوه لينفد حيث أحب لاصحبه اللّه ولا كلأه ثم وجم مقدار نصف ساعة لا يأمر ولا ينهى ثم رفع رأسه وقال ليندون خادمه الحق الفاجر فقال له ألحقه فأصنع به ماذا فقال ترده على أمير المؤمنين قال فلحقه يندون فيما بين باب خراسان وباب بردان بالقرب من الموضع المعروف بباب النقب وهو يريد منزله على نهر المهدي فرده فلما دخل قال له يا حائك تبايع أهل بيت أمير المؤمنين فيهم عم جده وعم أبيه وعمومته وإخوته وسائر لحمته وتبايع وجوه العرب والموالي والقواد وتمسك أنت عن البيعة فقال هرثمة يا أمير المؤمنين وما حاجتك إلى بيعة الحائك بعد بيعة من ذكرت من أشراف الناس ألا إن الأمر على ما حكيت لك إنه لا يخلع اليوم أحد هارون ويبقى في غد لجعفر قال الطيفوري فالتفت الهادي إلى من حضر مجلسه فقال لهم شاهت الوجوه صدق واللَّه هرثمة وبر وغدرتم وأمر الهادي عند هذا الكلام لهرثمة بخمسين ألف درهم وأقطعه الموضع الذي لحقه فيه يندون فسمي ذلك الموضع عسكر هرثمة إلى هذه الغاية وانصرف الناس كلهم في أمر عظيم من أمر ذي قدر قد غمه ما لقيه به الخليفة ومما يتوقعه من البلاء إن حدث بالهادي حادث لمسارعتهم إلى خلع الرشيد ومن بطانته لجعفر قد كانوا أملوا خلافة صاحبهم والغنى بما قد قلد منهم فصاروا يتخوفون على نفس صاحبهم التلف وعلى أنفسهم أن سلموا من القتل والبلاء والفقر ودخل موسى الهادي على أمة العزيز فقالت له يا أمير المؤمنين ما أحسب أحداً عاين ولا سمع بمثل ما عاينا وسمعنا فإن أصبحنا في غاية الأمل لهذا الفتى وأمسينا على غاية الخوف عليه‏.‏
    فقال إن الأمر لعلى ما ذكرت وأزيدك واحدة قالت وما هي يا أمير المؤمنين قال أمرت برد هرثمة لأضرب عنقه فلما مثل بين يدي حيل بيني وبينه واضطررت إلى أن وصلته وأقطعته وأنا على زيادة رفع مرتبته والتنويه باسمه فبكت أمة العزيز فقال لها أرجو أن يسرك اللَّه فتوهمت وتوهم جميع من يطيف بها أنه على اغتيال الرشيد بالسم فلم يمهل ولم تمض به ليال قلائل حتى توفي الهادي وولي الخلافة هارون الرشيد فواللَّه لقد أحسن غاية الإحسان في أمر جعفر وزاده نعماً إلى نعمه وزوجه أم محمد ابنته قال يوسف بن إبراهيم وحدثني أبو مسلم عن حميد الطائي المعروف بالطوسي - ولم يكن حميد طوسياً وكانت كورته في الديوان مرو وكذلك كورة طاهر مرو والطاهر ولي بوشنج وموسى بن أبي العابس الشاشي لم تكن كورته الشاش وكورته هراة ومحمد ابن أبي الفضل الطوسي كورته نسا وهو منسوب إلى طوس والسبب في نسب هؤلاء وعدة من أصحاب الدولة إلى غير كورهم أن منهم من كان مخرجه في كورة فنسب إلى الكورة التي فيها ضياعه ومنهم من ولي بلداً طالت فيه ولايته إياه فنسب إلى ذلك البلد - قال أبو مسلم اعتل أبو غانم يعني أباه علة صعبة فتولى علاجه منها الطيفوري المتطبب وكان في أبي غانم حدة شديدة تخرجه إلى قذف أصحابه والى الإقدام بالمكروه عليهم فإني لواقف على رأسه وأنا غلام في قبادر زبيرون إذ دخل عليه الطيفوري فجس عرقه ونظر إلى مائه ثم ناجاه بشيء لم أفهمه فقال له كذبت يا ماص بظر أمه فقال له الطيفوري أعض اللّه أكذبنا بكذا وكذا من أمه فقلت في نفسي ذهبت واللَّه نفس الطيفوري فقال أبو غانم يا ابن الكافرة لقد أقدمت ويلك كيف اجترأت علي بهذا فقال له واللَّه ما احتملت سيدي الهادي قط على لقائي بحرف خشن ولقد كان يقذفني فأرد عليه مثل قوله فكيف أحتمل لك وأنت كلب قذفي فحلف لي أبو مسلم أنه رأى أباه ضاحكاً باكياً يفهم في بعض أسرة وجهه الضحك وفي بعضها البكاء ثم قال له واللَّه إنك كنت ترد على أمير المؤمنين الهادي القذف الذي كان يقذفك به فقال له الطيفوري اللهم نعم فقال له فأسألك باللَّه لِمَ أحببت في عرض حميد ما أحببت وقذفته بما شئت من القذف متى قذفتك ثم بكى على الهادي بكاء كثيراً قال يوسف فسألت الطيفوري عما حدثني به أبو مسلم من ذلك فبكى حتى تخوفت عليه الموت مما تداخله من الجزع عند ذكر حميد وقال واللَّه ما عاشرت بعد الهادي أحر نفساً ولا أكرم طبعاً ولا أطيب عشرة ولا أشد إنصافاً من حميد إلا أنه كان صاحب جيش فكان يظهر ما يجب على أصحاب الجيوش إظهاره‏.‏
    فإذا صار مع إخوانه كان كأنه من المنقطعين إليهم لا من المفضلين عليهم قال يوسف وحدثني الطيفوري أنه كان مع حميد الطوسي بقصر ابن هبيرة أيام تغلب صاحبنا على مدينة السلام وما والاها فقدِمت عليه جماعة من جبل طيء عليهم رئيس لهم يقدمونه على أنفسهم ويقرون له بالفضل والسؤدد عليهم فأذن له في الدخول عليه في مجلس عام قد احتشد لإظهار عدده فيه ثم قال لذلك الرئيس ماأقدمك يا ابن عم فقال له قدمت مدداً لك إذ كنت على محاربة هذا الدعي لما لا يجب له ولا يستحقه يعني صاحبنا فقال له حميد لست أقبل مدداً إلا من وثقت بصرامته وقوة قلبه واحتماله لما تصعب على أكثر الناس في نصرتي ولا بد من امتحانك فإن خرجت على المحنة قبلتك وإلا رددتك إلى أهللك فقال له الطائي فامتحني بما أحببت فأخرج حميد عموداً من تحت مصلاه ثم قال له ابسط ذراعك فبسط ذراعه فحمل حميد العمود على عاتقه ثم هوى به إلى ذراع الطائي فلما قرب العمود من ذراعه رفع يده فأظهر حميد غضباً عليه ثم قال له رددت يدي فترضاه الطائي ثم دعاه إلى معاودة امتحانه فأمره حميد بإظهار ذراعه ففعل فرفع حميد العمود ليضرب به ذراعه فلما قرب العمود من ذراع الطائي فعل مثل فعله في المرة الأولى فلما جذب ذراعه ولم يمكن حميداً من ضربها بالعمود أمر بسجنه بعد سحبه في مجلسه وأخذ دوابه ودواب أصحابه وطردهم من معسكره فانصرفوا من عنده رجالة بأسوأ حال قال الطيفوري فلمته على ما كان منه فاستضحك ثم قال لي قد أطلقت لك الضحك مني والاستهزاء بي وقذف عرضي متى تكلمت في الطب بحضرتك بشيء تنكره فأما قيادة الجيوش فذلك ما ليس لك فيه حظ فلا تنكر مخالفة رأيك رأيي ثم قال لي أنا رجل من يمن وكان الرسول صلى الله علية وسلم مضرياً والخلافة في أيدي مضر فكما أني أحب قومي فكذلك الخلفاء تحب قومها وإن أظهرت ميلاً إلى قومي في بعض الأوقات وانحرافاً عمن هو أمس بها رحماً مني فإني غير شاك في ميلها إليهم إذا حققت الحقائق ومعي من أبناء نزار بشر كثير وكان في استشعاري من قدم علي من قومي مفسدة لقلوب من قد امتحنته وعرفت بلاءه من النزارية ولست أدري لعل كل من أتاني من عشيرتي لا يساوي رجلاً واحداً من النزارية فأردت بما كان مني استجلاب قلوب من معي وأن ينصرف من أتاني من عشيرتي منذرين لا مبشرين لأنهم متى انصرفوا منذرين انقطعت عنا مادتهم ومتى انصرفوا مبشرين أتاني منهم من لا يسعه مال ما في أيدينا من السواد فعلمت أنه قد أصاب التدبير ولم يخطئ فيما بنى عليه أمره‏.‏
    زكريا بن الطيفوري
    قال يوسف بن إبراهيم حدثني زكريا بن الطيفوري قال كنت مع الأفشين في معسكره وهو في محاربة بابك فأمر بإحصاء جميع من في عسكره من التجار وحوانيتهم وصناعة رجل رجل منهم فرفع ذلك إليه فلما بلغت القراءة بالقارئ إلى موضع الصيادلة قال لي يا زكريا ضبط هؤلاء الصيادلة عندي أولى ماتقدم فيه فامتحنهم حتى نعرف منهم الناصح من غيره ومن له دين ومن لا دين له فقلت أعز اللَّه الأمير إن يوسف لقوة الكيميائي كان يدخل على المأمون كثيراً ويعمل بين يديه فقال له يوماً ويحك يا يوسف ليس في الكيمياء شيء فقال له بلى يا أمير المؤمنين وإنما آفة الكيمياء الصيادلة قال له المأمون ويحك وكيف ذلك فقال يا أمير المؤمنين إن الصيدلاني لا يطلب منه إنسان شيئاً من الأشياء كان عنده أو لم يكن إلا أخبره بأنه عنده ودفع إليه شيئاً من الأشياء التي عنده وقال هذا الذي طلبت فإن رأى أمير المؤمنين أن يضع اسماً لا يعرف ويوجه جماعة إلى الصيادلة في طلبه ليبتاعه فليفعل فقال له المأمون قد وضعت الاسم وهو سقطيثا - وسقطيثا ضيعة تقرب من مدينة السلام ووجه المأمون جماعة من الرسل يسألهم عن سقطيثا فكلهم ذكر أنه عنده وأخذ الثمن من الرسل ودفع إليهم شيئاً من حانوته فصاروا إلى المأمون بأشياء مختلفة فمنهم من أتى ببعض البزور ومنهم من أتي بقطعة من حجر ومنهم من أتى بوبر فاستحسن المأمون نصح يوسف لقوة عن نفسه وأقطعه ضيعة على النهر المعروف بنهر الكلبة فهي في أيدي ورثته ومنها معاشهم فإن رأى الأمير أن يمتحن هؤلاء الصيادلة بمثل محنة المأمون فليفعل فدعا الأفشين بدفتر من دفاتر الأسروشنية فأخرج منها نحواً من عشرين اسماً ووجه إلى الصيادلة من يطلب منهم أدوية مسماة بتلك الأسماء فبعضهم أنكرها وبعضهم ادعى معرفتها وأخذ الدراهم من الرسل ودفع إليهم شيئاً من حانوته فأمر الأفشين بإحضار جميع الصيادلة فلما حضروا كتب لمن أنكر معرفة تلك الأسماء منشورات إذن لهم فيها بالمقام في عسكره ونفى الباقين عن العسكر ولم يأذن لأحد منهم في المقام ونادى المنادي بنفيهم وبإباحة دم من وجد منهم في معسكره وكتب إلى المعتصم يسأله البعثة إليه بصيادلة لهم أديان ومذهب جميل ومتطببين كذلك فاستحسن المعتصم ذلك ووجه
    إسرائيل بن زكريا الطيفوري
    متطبب الفتح بن خاقان كان مقدما في صناعة الطب جليل القدر عند الخلفاء والملوك كثيري الاحترام له وكان مختصاً بخدمة الفتح ابن خاقان بصناعة الطب وله منه الجامكية الكثيرة والإنعام الوافرة وكان المتوكل باللّه يرى له كثيراً ويعتمد عليه وله عند المتوكل المنزلة المكينة ومن ذلك مما حكاه إسحاق بن علي الرهاوي في كتاب أدب الطبيب أن إسرائيل بن زكريا بن الطيفوري وجد على أمير المؤمنين المتوكل لما احتجم بغير إذنه فافتدى غضبه بثلاثة آلاف دينار وضيعة تغل له في السنة خمسين ألف درهم وهبها له وسجل له عليها وحكي عن عيسى بن ماسة قال رأيت المتوكل وقد عاده يوماً وقد غشي عليه فصير يده تحت رأسه مخدة ثم قال للوزير يا عبد اللَّه حياتي معلقة بحياته إن عدمته لا أعيش ثم اعتل فوجه إليه سعيد بن صالح حاجبه وموسى بن عبد الملك كاتبه يعودانه ونقلت من بعض التواريخ أن الفتح بن خاقان كان كثير العناية بإسرائيل بن الطيفوري فقدمه عند المتوكل ولم يزل حتى أنس به المتوكل وجعله في مرتبة بختيشوع وعظم قدره وكان متى ركب إلى دار المتوكل يكون موكبه مثل موكب الأمراء وأجلاء القواد وبين يديه أصحاب المقارع وأقطعه المتوكل قطيعة بسر من رأى وأمر المتوكل صقلاب وابن الخيبري بأن يركبا معه ويدور جميع سر من رأى حتى يختار المكان الذي يريده فركبا حتى اختار من الحيز خمسين ألف ذراع وضربا المنار عليه ودفع إليه ثلاثمائة ألف درهم للنفقة عليه‏.‏


    _________________

    *******************************************


    طبقات الأطباء السريانيين 13850807941268563665
    د. محمد الهاشم
    د. محمد الهاشم
    إداري
    إداري


    الجنس : ذكر
    الابراج : القوس
    عدد المساهمات : 106
    نقاط : 6491
    السٌّمعَة : 70
    تاريخ التسجيل : 24/02/2012
    العمر : 56

    طبقات الأطباء السريانيين Empty رد: طبقات الأطباء السريانيين

    مُساهمة من طرف د. محمد الهاشم الخميس 12 أبريل 2012 - 12:40



    يزيد بن زيد يزيد بن زيد بن يوحنا بن أبي خالد
    متطبب المأمون كان جيد العلم حسن المعالجة موصوفاً بالفضل وكان قد خدم المأمون بصناعة الطب وخدم أيضاً إبراهيم بن المهدي وكان له منه الإحسان الكثير والإنعام الغزير والعناية البالغة والجامكية الوافرة وكان يقال له أيضاً يزيد بور قال يوسف بن إبراهيم حدثني أبو إسحاق إبراهيم بن المهدي أن ثمامة العبسي القعقاعي وهو أبو عثمان بن ثمامة صاحب الجبار اعتل من خلفة تطاولت به وكان شيخاً كبيراً قال أبو إسحاق فسألني الرشيد عن علته وأين بلغت به فأعلمته أني لا أعرف له خبراً فأظهر إنكاراً لقولي ثم قال رجل غريب من أهل الشرف قد رغب في مصاهرة أهله عبد الملك بن مروان وقد ولدت أخته خليفتين الوليد وسليمان ابني عبد الملك وقد رغب أبوك في مصاهرته فتزوج أخته ورغبت أنا أخوك في مثل ذلك منه فتزوجت ابنته وهو مع ذلك صحابي لجدك وأبيك ولأختك وأخيك فلا توجب على نفسك عيادته ثم أمرني بالمصير إليه لعيادته فنهضت وأخذت معي متطببي يزيد وصرت إليه فدخلت على رجل توهمت أنه في آخر حشاشة بقيت من نفسه ولم أر فيه للمسألة موضعاً فأمر يزيد متطببي بإحضار متطببه فحضر فسأله عن حاله فأخبره أنه يقوم في اليوم والليلة مائة مجلس وأقبل يزيد يسأل المتطبب عن باب باب من الأدوية التي تشرب وعن السفوفات والحقن فلم يذكر لذلك المتطبب شيئاً إلا أعلمه أنه قد عالجه به فلم ينجع فيه فوجم عند ذلك يزيد مقدار ساعة ثم رفع رأسه وقال قد بقي شيء واحد إن عمل به رجوت أن ينتفع به وإن لم ينجع فيه فلا علاج له قال أبو إسحاق فرأيت ثمامة قد قويت نفسه عندما سمع من يزيد ما سمع ثم قال وما ذلك الشيء الذي بقي متعت بك قال له شربة اصطمخيقون فقال ثمامة أحب أن أرى هذه الشربة حتى أشم رائحتها فأخرج يزيد من كمه منديلاً فيه أدوية وفيه شربة اصطمخيقون فأمر بها ثمامة فحلت ثم أتى بها فرمى بها في فيه وابتلعها فواللّه ما وصلت إلى جوفه حتى سمعت منه أصواتاً لم أشك في أني لم أبلغ باب داره إلا وقد مات فنهضت ومتطببي معي وما أعقل غماً وأمرت خادماً لي كان يحمل معي الاسطرلاب إذا ركبت بالمقام في داره وتعرف خبر ما يكون منه فتخلف فوافاني كتاب الخادم بعد الزوال يعلمني أنه قام من بعد طلوع الشمس إلى زوالها خمسين مرة فقلت تلفت واللَّه نفس ثمامة ثم وافى كتاب الخادم بعد غروب الشمس أنه قام منذ زوال الشمس إلى غروبها عشرين مجلساً ثم صار إلى الغلام مع طلوع الشمس فذكر أنه لم يكن منه منذ غروب الشمس إلى انتصاف الليل إلا ثلاثة مجالس ولم يكن منه إلى وقت طلوع الفجر شيء‏.‏

    فركبت إليه بعد أن صليت الغداة فوجدته نائماً وكان لا ينام فانتبه لي فسألته عن خبره فأعلمني أنه لم يزل في وجع من جوفه مانع له النوم والقرار منذ أكثر من أربعين ليلة حتى أخذ تلك الشربة فلما انقطع فعل الشربة انقطع عنه ذلك الوجع وأنه لم يشته طعاماً منذ ذلك الوقت وأنه ما يبصرني في وقته من غلبة الجوع عليه وسأل الأذن في الأكل فأذن له يزيد في أكل أسفيدباجه قد طبخت من فروج كسكري سمين ثم اتباعها زيرباجة ففعل ذلك وصرت إلى الرشيد فأخبرته بما كان من أمرثمامة فأحضر المتطبب وقال له ويحك كيف أقدمت على إسقائه حب الاصطمخيقون فقال يا أمير المؤمنين هذا رجل كان في جوفه كيموس فاسد فلم يكن يدخل في جوفه دواء ولا غذاء إلا أفسده ذلك الكيموس وكان كلما فسد من تلك الأدوية والأغذية صار مادة لذلك الفساد فكانت العلة لهذا السبب تزداد فعلمت أن لا علاج له إلا بدواء قوي يقوى على قلع ذلك الكيموس وكان أقوى الأشياء التي يمكن أن يسقاها الاصطمخيقون فقلت له فيه الذي قلت ولم أقدم أيضاً على القول أنه يبرئه لا محالة وإنما قلت بقي شيء واحد فإن هو لم ينفعه فلا علاج له وإنما قلت ذلك لأني رأيت الرجل عليلاً قد أضعفته العلة وأذهبت أكثر قواه فلم آمن عليه التلف إن شربه وكنت أرجو له العافية بشربه إياه وكنت أعلم أنه إن لم يشربه أيضاً تلف فاستحسن الرشيد ما كان من قوله ووصله بعشرة آلاف درهم ثم عاد الرشيد ثمامه وقال له لقد أقدمت من شرب ذلك الدواء على أمر عظيم وخاصة إذ كان المتطبب لم يصرح لك بأن في شربه العافية فقال ثمامة يا أمير المؤمنين كنت قد يئست من نفسي وسمعت المتطبب يقول إن شرب هذا الدواء رجوت أن ينفعه فاخترت المقام على الرجاء ولو لحظة على اليأس من الحياة فشربته وكانت في ذلك خيرة من اللَّه عظيمة أقول وهذه الحكاية تناسب ما روي عن النبي # أنه جاء إليه رجل من العرب فقال يا رسول اللَّه إن أخي قد غلب عليه الخوف وداويناه ولم ينقطع عنه بشيء فقال له عليه السلام أطعمه عسل النحل فراح وأطعمه إياه فزاد الإسهال فأتى إليه وقال يا رسول اللَّه كثر الإسهال به من وقت أطعمته العسل فقال أطعمه العسل فأطعمه فزاد الإسهال أكثر فشكا ذلك إلى النبي عليه السلام فقال أطعمه أيضاً العسل فأطعمه أيضاً في اليوم الثالث فتقاصر الإسهال وانقطع بالكلية فأخبر النبي عليه السلام بذلك فقال صدق اللَّه وكذبت بطن أخيك‏.‏

    وإنما قال النبي عليه السلام له ذلك لكونه كان قد علم أن في خمل معدة المريض رطوبات لزجة غليظة قد أزلقت معدته فكلما مر بها شيء من الأدوية القابضة لم يؤثر فيها‏.‏

    والرطوبات باقية على حالها والأطعمة تزلق عنها فيبقى الإسهال دائماً فلماتناول العسل جلا تلك الرطوبات وأحدرها فكثر الإسهال أولاً بخروجها وتوالى ذلك إلى أن نفدت تلك الرطوبات بأسرها فانقطع الإسهال وبرئ الرجل فقوله صدق اللَّه يعني بالعلم الذي أوجده اللَّه عز وجل لنبيه وعرفه به وقوله وكذبت بطن أخيك يعني ما كان يظهر من بطنه من الإسهال وكثرته بطريق العرض وليس هو مرض حقيقي فكانت بطنه كاذبة في ذلك عبدوس بن زيد قال أبو علي القباني عن أبيه أن القاسم بن عبيد اللَّه مرض في حياة أبيه مرضاً حاداً في تموز وحل به القولنج الصعب فانفرد بعلاجه عبدوس بن زيد وسقاه ماء أصول قد طبخ وطرح فيه أصل الكرفس والرازيانج ودهن الخروع وجعل فيه شيئاً من أيارج فيقرا فحين شربه سكن وجعه وأجاب طبعه مجلسين فأفاق ثم أعطاه من غد ذلك اليوم ماء شعير فاستظرف هذا منه وقال أبو علي القباني أيضاً أن أخاه إسحاق بن علي مرض وغلبت الحرارة على مزاجه والنحول على بدنه حتى أداه إلى الضعف ورد ما يأكله فسقاه عبدوس بن زيد هذه الأصول بالأيارج ودهن الخروع في حزيران أربعة عشر يوماً فعوفي وصلحت معدته وقال في مثل هذه الأيام تحم حمى حادة فإن كنت حياً خلصتك بإذن اللَّه وإن كنت ميتاً فعلامة عافيتك له دائر سنة أن تنطلق طبيعتك في اليوم السابع فإن انطلقت عوفيت ومع هذا فقد نقرت معدتك نقراً لو طرحت فيها الحجارة لطحنتها فلما انقضت السنة مرض عبدوس وحم أخي كما قال وكان مرضهما في يوم واحد فما زال عبدوس يراعي أخي ويسأل عن خبره إلى أن قيل له قد انطلقت طبيعته فقال قد تخلص ومات عبدوس في الغد من ذلك اليوم ولعبدوس بن زيد من الكتب كتاب التذكرة في الطب‏.‏

    سهل الكوسج
    كان سهل الكوسج أبو سابور بن سهل صاحب الأقراباذين المشهور من أهل الأهواز وكان ألحى وإنما لقب بالكوسج على سبيل التضاد وكان عالماً في الطب إلا أنه دون ابنه في العلم وكانت في لسانه لكنة خوزية وكان كثير الهزل فغلب هزله جده وكان متى اجتمع مع يوحنا بن ماسوية وجورجس بن بختيشوع وعيسى بن حكم وعيسى بن أبي خالد وزكريا بن الطيفوري ويعقوب صاحب البيمارستان والحسن بن قريش وعيسى المسلم وسهل بن جبير وهذه الطبقة من المتطببين قصر عنهم في العبارة ولم يقصر عنهم في العلاج وكلهم كان يخاف لسانه لطول كان فيه وبذاء وكانت له السن على جماعتهم وكان انقطاعه إلى سلام الأبرش وكان سلام لا يفارق هرثمة بن أعين أيام محاصرته مدينة السلام فكان سهل هذا قد خصّ بهرثمة بن أعين حتى كان يكون معه في ليله ونهاره وسمره وكان بدعابته الكثيرة التي كانت فيه طيب العشرة قال يوسف بن إبراهيم ومن دعابات سهل الكوسج أنه تمارض في سنة تسع ومائتين وأحضر شهوداً يشهدهم على وصيته وكتب كتاباً أثبت فيه أسماء أولاده فأثبت أولهم جورجس بن ميخائيل وأمه مريم بنت بختيشوع أخت جبرائيل والثاني يوحنا ابن ماسويه والثالث والرابع والخامس سابور ويوحنا وخذاهويه ولد سهل المعروفين وذكر أنه أصاب أم جورجس وأم يوحنا بن ماسويه زنا وأحبلهما بجورجس ويوحنا قال يوسف ومن دعاباته أني حضرته عند أعين بن هرثمة بن أعين وقد دارت بينه وبين جورجس ملاحاة في حمى ربع قد كانت طالت بأعين فعرفه بمثل ما أشهد به في وصيته وكان في جورجس تلفت كثير إلى من عن يمينه وشماله من الناس وأخرجته الحدة إلى زمع أصابه فصاح سهل صرى وهك المسيه أخروا في أذنه آية خرسي أراد صرع - وحق المسيح اقرؤوا في أذنه آية الكرسي قال يوسف ومن دعاباته أنه خرج في يوم الشعانين يريد دير الجاثليق والمواضع التي تخرج إليها النصارى في يوم الشعانين فرأى يوحنا بن ماسويه في هيئة أحسن من هيئته على دابة أفره من دابته ومعه غلمان له روقة فحسده على الظاهر من نعمته فصار إلى صاحب مسلحة الناحية فقال له إن ابني يعقني وقد أعجبته نفسه وربما أخرجه العجب بنفسه وبنعمته إلى جحود أبوي وإن أنت بطحته وضربته عشرين درة موجعة أعطيتك عشرين ديناراً ثم أخرج الدنانير فدفعها إلى رجل وثق به صاحب المسلحة ثم اعتزل ناحية إلى أن بلغ يوحنا إلى الموضع الذي هو فيه فقدمه إلى صاحب المسلحة وقال هذا ابني يعقني ويستخف بي فجحد أن يكون ابنه فلم يكلمه صاحب المسلحة حتى بطح يوحنا وضربه عشرين درة ضرباً وجيعاً مبرحاً‏.‏

    سابور بن سهل
    كان ملازماً لبيمارستان جندي سابور ومعالجة المرضى به وكان فاضلاً عالماً بقوى الأدوية المفردة وتركيبها وتقدم عند المتوكل وكان يرى له وكذلك عند من تولى بعده من الخلفاء وتوفي في أيام المهتدي باللّه وكانت وفاة سابور بن سهل في يوم الاثنين لتسع بقين من ذي الحجة سنة خمس وخمسين ومائتين ولسابور بن سهل من الكتب كتاب الأقرا باذين الكبير المشهور جعله سبعة عشر باباً وهو الذي كان من المعمول عليه في البيمارستان ودكاكين الصيادلة وخصوصاً قبل ظهور الأقراباذين الذي ألفه أمين الدولة بن التلميذ كتاب قوى الأطعمة ومضارها ومنافعها كتاب الرد على حنين في كتابه في الفرق بين الغذاء والدواء المسهل القول في النوم واليقظة كتاب أبدال الأدوية‏.‏

    كان متقدماً في صناعة الطب حسن العلاج خبيراً بتركيب الأدوية وله كتاب مشهور في الترياق وقد أجاد عمله وبالغ في تأليفه موسى بن إسرائيل الكوفي متطبب إبراهيم بن المهدي قال يوسف بن إبراهيم كان موسى هذا قليل العلم بالطب إذا قيس إلى من هو في دهره من مشايخ المتطببين إلا أنه كان أملأ لمجلسه منهم بخصال اجتمعت فيه منها فصاحة اللهجة ومعرفة بالنجوم وعلم بأيام الناس ورواية الأشعار وكان مولده فيما ذكر لي سنة تسع وعشرين ومائة ووفاته في سنة اثنتين وعشرين ومائتين فكان أبو إسحاق يحتمله لهذه الخلال ولأنه كانطيب العشرة جداً يدخل في كل ما يدخل فيه منادمو الملوك وكان قد خدم وهو حدث عيسى ابن موسى بن محمد ولي العهد قال يوسف بن إبراهيم حدثني موسى بن إسرائيل قال كان لعيسى بن موسى متطبب يهودي يقال له فرات بن شحاثا كان تياذوق المتطبب يقدمه على جميع تلامذته وكان شيخاً كبيراً قد خدم الحجاج بن يوسف وهو حدث قال وكان عيسى يشاور في كل أمر ينوبه هذا المتطبب قال موسى فلما عقد المنصور لعيسى على محاربة محمد بن عبد اللّه بن حسن العلوي وصار اللواء في داره قال للفرات ما تقول في هذا اللواء قال له المتطبب أقول إنه لواء الشحناء بينك وبين أهلك إلى يوم القيامة إلا أني أرى لك نقل أهلك من الكوفة إلى أي البلدات أحببت فإن الكوفة بلد شيعة من تحارب فإن فللت لم تكن لمن تخلف بها من أهلك بقيا وإن فللت وأصحبت من تتوجه إليه زاد ذلك في أضغانهم عليك فإن سلمت منهم حياتك لم يسلم منهم عقبك بعد وفاتك فقال له عيسى ويحك إن أمير المؤمنين غير مفارق للكوفة فلم أنقل أهلي عنها وهي معه في دار فقال له إن الفيصل في مخرجك فإن كانت الحرب لك فالخليفة مقيم بالكوفة وإن كانت الحرب عليك لم تكن الكوفة له بدار وسيهرب عنها ويخلف حرمه فضلاً عن حرمك قال موسى فحاول عيسى نقل عياله من الكوفة فلم يسوغه ذلك المنصور قال ولما فتح اللّه على عيسى ورجع إلى الكوفة وقتل إبراهيم بن عبيد اللَّه انتقل المنصور إلى مدينة السلام فقال له متطببه بادره بالانتقال معه إلى مدينته التي قد أحدثها واستأذن المنصور في ذلك فأعلمه أنه لا سبيل إليه وأنه قد درب استخلافه على الكوفة فأخبر بذلك عيسى متطببه فقال له المتطبب استخلافه إياك على الكوفة قد حل لعقدك عن العهد لأنه لو دبر تمام الأمر لك لولاك خراسان بلد شيعتك فأما أن يجعلك بالكوفة مع أعدائه وأعدائك وقد قتلت محمد بن عبد اللَّه فواللّه ما دبر فيك إلا قتلك وقتل عقبك ومن المحال أن يوليك خراسان بعد الظاهر منه فيك فسله توليتك الجزيرتين أو الشام فاخرج إلى أي الولايتين ولاك فأوطنها فقال له تكره لي ولاية الكوفة وأهلها من شيعة بني هاشم وترغب لي في ولاية الشام أو الجزيرتين وأهلها من شيعة بني أمية فقال له المتطبب أهل الكوفة وإن وسموا أنفسهم بالتشيع لبني هاشم فلست وأهلك من بني هاشم الذين يتشيعون لهم وإنما تشيعهم لبني أبي طالب وقد أصبحت من دمائهم ما قد أكسب أهل الكوفة بغضتك وأحل لهم عند أنفسهم الاقتياد منك وتشيع أهل الجزيرتين والشام ليس على طريق الديانة وإنما ذلك على طريق إحسان بني أمية إليهم وإن أنت أظهرت لهم مودة متى وليتهم فأحسنت إليهم كانوا لك شيعة ويدلك على ذلك محاربتهم مع عبد اللَّه ابن علي على ما قد نال من دمائهم لما تألفهم وتضمن لهم الإحسان إليهم فهم إليه لسلامتك من دمائهم أميل واستعفى عيسى من ولاية الكوفة وسأل تعويضه عنها فأعلمه المنصور أن الكوفة دار الخلافة وأنه لا يمكن أن تخلو من خليفة أو ولي عهد ووعد عيسى أن يقيم بمدينة السلام سنة وبالكوفة سنة وأنه إذا صار إلى الكوفة صار عيسى إلى مدينة السلام فأقام بها قال موسى فلما طلب أهل خراسان عقد البيعة للمهدي قال لمتطببه ما تقول يا فرات فقد دعيت إلى تقديم محمد بن أمير المؤمنين على نفسي فقال له فتدفع بماذا أرى أن تسمع وتطيع اليوم وبعد اليوم فقال له وما بعد اليوم قال إذا دعاك محمد بن أمير المؤمنين إلى خلع نفسك وتسليم الخلافة إلى بعض ولده أن تسارع فليست عندك منعة ولا يمكنك مخالفة القوم في شيء يريدونه منك قال موسى فمات المتطبب في خلافة المنصور فلما دعى المهدي عيسى إلى خلع نفسه من ولاية العهد وتسليم الأمر إلى الهادي قال عيسى بن موسى قاتلك اللّه يا فرات ما كان أجود رأيك وأعلمك بما تتفوه به كأنك كنت شاهداً ليومنا هذا قال موسى بن إسرائيل ولما رأيت فعل أبي السرايا بمنازل العباسيين قلت مثل ما قال عيسى بن موسى وقال يوسف بن إبراهيم لما بلغه وهو بمصر ما ركب الطالبيون وأهل الكوفة من العباسيين وقتل عبد اللَّه بن محمد بن داود مثل ما قال عيسى بن موسى وموسى المتطبب قال يوسف وحدثني موسى بن إسرائيل المتطبب أن عيسى بن موسى شكا إلى فرات متطببه ما يصيبه من النعاس مع مسامريه وأنه إن تعشَ معهم ثقلت معدته فنام وفاته السمر وأصبح ومعه ثقلة تمنعه من الغداء وإن لم يتعش معهم أضرت به الشهوة الكاذبة فقال له شكوت إلي مثل ما شكا الحجاج إلى أستاذي تياذوق فوصف له شيئاً أراد به الخير فصار شراً فقال له وما هو قال وصف له العبث بالفستق فذكر ذلك الحجاج لحظاياه فلم يبق له حظية إلا قشرت له جاماً من الفستق وبعثت به إليه وجلس مع مسامريه فأقبل يستف الفستق سفاً فأصابته هيضة كادت تأتي على نفسه فشكا ذلك إلى تياذوق فقال إنما أمرتك أن تعبث بالفستق وأردت بذلك الفستق الذي بقشريه جميعاً لتتولى أنت كسر الواحدة بعد الواحدة ومص قشرها المصلح لمعدة مثلك من الشباب الممرورين وإصلاح الكبد بما يتأدى إليها من طعم هذا الفستق وذهبت إلى أنك إذا أكلت ما في الفستقة من الثمرة وحاولت كسر أخرى لم يتم لك كسرها إلا وقد أسرعت الطبيعة في هضم ما أكلت من ثمرة الفستقة التي قبلها فأما ما فعلت فليس بعجيب أن ينالك معه أكثر مما أنت فيه وإن كنت تأخذ أيها الأمير الفستق على ما رأى أستاذي أن يؤخذ انتفعت به قال موسى فلزم عيسى بن موسى أخذ الفستق أكثر من عشرين سنة فكان يحمده‏.‏

    ماسرجويه
    متطبب البصرة وهو الذي نقل كتاب أهرن من السرياني إلى العربي وكان يهودي المذهب سريانياً وهو الذي يعنيه أبو بكر محمد بن زكريا الرازي في كتابه الحاوي بقوله قال اليهود وقال سليمان بن حسان المعروف بابن جلجل إن ماسرجويه كان في أيام بني أمية وأنه تولى في الدولة المروانية تفسير كتاب أهرن بن أعين إلى العربية الذي وجده عمربن عبد العزيز رحمه اللّه في خزائن الكتب فأمر بإخراجه ووضعه في مصلاه واستخار اللَّه في إخراجه إلى المسلمين للانتفاع به فلما تم له في ذلك أربعون صباحاً أخرجه إلى الناس وبثه في أيديهم قال سليمان بن حسان حدثني أبو بكر محمد بن عمر بن عبد العزيز بهذه الحكاية في مسجد الترمذي سنة تسع وخمسين وثلاثمائة‏.‏

    وقال يوسف بن إبراهيم حدثني أيوب بن الحكم البصري المعروف بالكسروي صاحب محمد بن طاهر بن الحسين - وكان ذا أدب ومروءة وعلم بأيام الناس وأخبارهم قال كان أبو نواس الحسن بن هانئ يعشق جارية لامرأة من ثقيف تسكن الموضع المعروف بحكمان من أرض البصرة يقال لها جنان وكان المعروفان بأبي عثمان وأبي أمية وثقيف قريبين لمولاة الجارية فكان أبو نواس يخرج في كل يوم من البصرة يتلقى من يقدمه من ناحية حكمان فيسائلهم عن أخبار جنان قال فخرج يوماً وخرجت معه وكان أول طالع علينا ماسرجويه المتطبب فقال له أبو نواس كيف خلفت أبا عثمان ومية فقال ماسرجويه جنان صالحة كما تحب فأنشأ أبو نواس يقول أسأل القادمين من حكمان كيف خلفتم أبا عثمان وأبا مية المهذب والمأ - - مول والمرتجى لريب الزمان فيقولون لي جنان كما سرك في حالها فسل عن جنان ما لهم لا يبارك اللّه فيهم كيف لم يغن عنهم كتماني قال يوسف وحدثني أيوب بن الحكم أنه كان جالساً عند ماسرجويه وهو ينظر في قوارير الماء إذ أتاه رجل من الخوز فقال له إني بليت بداء لم يبل أحد بمثله فسأله عن دائه فقال أصبح وبصري عليّ مظلم وأنا أجد مثل لحس الكلاب في معدتي فلا تزال هذه حالي حتى أطعم شيئاً فإذا طعمت سكن عني ما أجد إلى وقت انتصاف النهار ثم يعاودني ما كنت فيه فإذا عاودت الأكل سكن ما بي إلى وقت صلاة العتمة ثم يعاودني فلا أجد له دواء إلا معاودة الأكل فقال ماسرجويه على هذا الداء غضب اللَّه فإنه أساء لنفسه الاختيار حين قرنها بسفلة مثلك فقال له ما أفهم عنك فقال له ماسرجويه هذه صحة لا تستحقها أسأل اللَّه نقلها عنك إلى من هو أحق بها منك قال يوسف وحدثني أيوب بن الحكم الكسروي قال شكوت إلى ماسرجويه تعذر الطبيعة فسألني أي الأنبذة أشرب فأعلمته أني أدمن النبيذ المعمول من الدوشاب البستاني الكثير الداذي فأمرني أن آكل في كل يوم من أيام الصيف على الريق قثاءة صغيرة من قثاء بالبصرة يعرف بالخريبي قال فكنت أوتى بالقثاء وهو قثاء دقيق في دقة الأصابع وطول القثاءة منه نحو من فتر فآكل منه الخمس والست والسبع فكثر علي الإسهال فشكوت ذلك إليه فلم يكلمني حتى حقنني بحقنة كثيرة الشحوم والصموغ والخطمي والأرز الفارسي وقال لي كدت تقتل نفسك بإكثارك من القثاء على الريق لأنه كان يحدر من الصفراء ما يزيل عن الأمعاء من الرطوبات اللاصقة بها ما يمنع الصفراء من سحجها وإحداث الدوسنطاريا فيها ولماسرجويه من الكتب كناش كتاب في الغذاء كتاب في العين لويه بن بنان متطبب المعتصم لما استخلف أبو إسحاق محمد المعتصم باللّه وذلك في سنة ثمان عشرة ومائتين اختار لنفسه سلمويه الطبيب وأكرمه إكراماً كثيراً يفوق الوصف وكان يرد إلى الدواوين توقيعات المعتصم في السجلات وغيرها بخط سلمويه وكل ما كان يرد على الأمراء والقواد من خروج أمر وتوقيع من حضرة أمير المؤمنين فبخط سلمويه وولى أخا سلمويه إبراهيم بن بنان خزن بيوت الأموال في البلاد وخاتمه مع خاتم أمير المؤمنين ولم يكن أحد عنده مثل سلمويه وأخيه إبراهيم في المنزلة وكان سلمويه ابن بنان نصرانياً حسن الاعتقاد في دينه كثير الخير محمود السيرة وافر العقل جميل الرأي وقال إسحاق بن علي الرهاوي في كتاب أدب الطبيب عن عيسى بن ماسة قال أخبرني يوحنا بن ماسويه عن المعتصم أنه قال سلمويه طبيبي أكبر عندي من قاضي القضاة لأن هذا يحكم في نفسي ونفسي أشرف من مالي وملكي ولما مرض سلمويه الطبيب أمر المعتصم ولده أن يعوده فعاده ثم قال أنا أعلم وأتيقن أني لا أعيش بعده لأنه كان يراعي حياتي ويدبر جسمي ولم يعش بعده تمام السنة وقال إسحاق بن حنين عن أبيه إن سلمويه كان أعلم أهل زمانه بصناعة الطب وكان المعتصم يسميه أبي فلما اعتل سلمويه عاده المعتصم وبكى عنده وقال تشير علي بعدك بما يصلحني فقال سلمويه يعز علي بك يا سيدي ولكن عليك بهذا الفضولي يوحنا بن ماسويه وإذا شكوت إليه شيئاً فقد يصف فيه أوصافاً فإذا وصف فخذ أقلها أخلاطاً فلما مات سلمويه امتنع المعتصم من أكل الطعام يوم موته وأمر بأن تحضر جنازته الدار ويصلى عليه بالشمع والبخور على زي النصارى الكامل ففعل وهو بحيث يبصرهم ويباهي في كرامته وحزن عليه حزناً شديداً وكان المعتصم الهضم في جسمه قوي وكان سلمويه يفصده في السنة مرتين ويسقيه بعد كل مرة دواء مسهلاً ويعالجه بالحمية في أوقات فأراد يوحنا بن ماسويه أن يريه غير ما عهد فسقاه دواء قبل الفصد وقال أخاف أن تتحرك عليه الصفراء فعند ما شرب الدواء حمي دمه وحم جسمه وما زال جسمه ينقص والعلل تتزايد إلى أن نحل بدنه ومات بعد عشرين شهراً من وفاة سلمويه وكانت وفاة المعتصم في شهر ربيع الأول سنة سبع وعشرين ومائتين قال يوسف بن إبراهيم قال المعتصم لأبي إسحاق إبراهيم بن المهدي في أول مقدمه من بلد الروم وهو خليفة يا عم أمورك مضطربة عليك منذ أول أيام الفتنة لأنك بليت في أولها مثل ما شمل الناس ثم خصك بعد ذلك من خراب الضياع وتخرم حدودها لاستتارك سبع سنين من الخليفة الماضي ما لو لم يتقدمه شيء من المكروه لقد كانت فيه كفاية ثم ظهر من سوء رأي المأمون بعد ذلك فيك ما طمَّ على كل ما تقدم من المكروه النازل بك فزاد ذلك في أمرك وفكرت فيك فوجدتك تحتاج إلى أن يرد علي في يوم خبرك وما تحتاج إليه لمصالح أمورك ورأيت ذلك لا يتم إلا بتقليدي عن القيام برفع حوائجك إلى خادم خاص بي وقد وقع اختياري لك على خادمين لي يصل كل واحد منهما إلي في مجالس جدي وهزلي بل يصل إلي في مرقدي ومتوضئي وهما مسرور سمانه الخادم وسلمويه بن بنان فاختر أيهما شئت وقلده حوائجك فوقع اختياره على سلمويه‏.‏

    وأحضره أمير المؤمنين فأمره أن يتولى إيصال رسائله إليه في جميع الأوقات قال يوسف فقربني أبو إسحاق بسلمويه وكنت لا أكاد أفارقه وكان خروج أمير المؤمنين عن مدينة السلام آخر خرجاته عن غير ذكر تقدم لخروج إلى ناحية من النواحي وكان الناس قد حضروا الدكة بالشماسية لحلية السروج في يوم الأربعاء لسبع عشرة ليلة خلت من ذي القعدة سنة عشرين ومائتين فأخرجت الخيل ودعا بالجمازات فركبها ونحن لا نشك في رجوعه من يومه ثم أمر الموالي والقواد باللحاق به ولم يخرج معه من أهل بيته أحد إلا العباس بن المأمون وعبد الوهاب بن علي وخلف المعتصم الواثق بمدينة السلام إلى أن صلى بالناس يوم النحر سنة عشرين ومائتين ثم أمر بالخروج إلى القاطول فخرج فوجهني أبو إسحاق بحوائج له إلى باب أمير المؤمنين فتوجهت فلم يزل سيارة مرة بالقاطول ومدينة القاطول ومرة بدير بني الصقر وهو الموضع الذي سمي في أيام المعتصم والواثق بالإيتاخية وفي أيام المتوكل بالمحمدية ثم صار المعتصم إلى سر من رأى فضرب مضاربه فيها وأقام بها في المضارب فإني في بعض الأيام على باب مضرب المعتصم إذ خرج سلمويه بن بنان فأخبرني أن أمير المؤمنين أمره بالمضي إلى الدور والنظر إلى سوار تكين الفورغاني والتقدم إلى متطببه في معالجته من علة يجدها بما يراه سلمويه صواباً وحلف علي أن لا أفارقه حتى نصير إلى الدور ونرجع فمضيت معه فقال لي حدثني في غداة يومنا هذا نصر بن منصور بن بسام أنه كان يساير المعتصم باللّه في هذا البلد يعني بلد سر من رأى وهو أمير قال لي سلمويه قال لي نصر إن المعتصم أمير المؤمنين قال له يا نصر أسمعت قط بأعجب ممن اتخذ في هذا البلد بناء وأوطنه ليت شعري ما أعجب موطنه حزونة أرضه أو كثرة أخافيفه أم كثرة تلاعه وشدة الحر فيه إذا حمي الحصى بالشمس ما ينبغي أن يكون متوطن هذا البلد إلا مضطراً مقهوراً أو ردي التمييز‏.‏

    قال لي سلمويه قال لي نصر بن منصور وأنا واللّه خائف أن يوطن أمير المؤمنين هذا البلد فإن سلمويه ليحدثني عن نصر إذ رمى ببصره نحو المشرق فرأى في موضع الجوسق المعروف بالمصيب أكثر من ألف رجل يضعون أساس الجوسق فقال لي سلمويه أحسب ظن نصر بن منصور قد صح وكان ذلك في رجب سنة إحدى وعشرين ومائتين وصام المعتصم في الصيف في شهر رمضان من هذه السنة وغدى الناس فيه يوم الفطر واحتجم المعتصم بالقاطول يوم سبت وكان ذلك اليوم آخر يوم من صيام النصارى فحضر غداءه سلمويه بن بنان واستأذنه في المصير إلى القادسية ليقيم في كنيستها باقي يومه وليلته ويتقرب فيها يوم الأحد ويرجع إلى القاطول قبل وقت الغداء من يوم الأحد فأذن له في ذلك وكساه ثياباً كثيرة ووهب له مسكاً وبخوراً كثيراً فخرج منكسراً مغموماً وعزم علي بالمصير معه إلى القادسية فأجبته إلى ذلك وكانت عادتنا متى تسايرنا قطع الطريق إما بمناظرة في شيء من الآداب وإما بدعابة من دعابات المتأدبين فلم يجارني شيء من البابين جميعاً وأقبل على الفكرة وتحريك يده اليمنى وشفته تهمس من القول بما لا يعلنه فسبق إلى وهمي أنه رأى من أمير المؤمنين في أمر نفسه شيئاً أنكره ثم أزال ذلك الوهم عني إقدامه على الاستئذان في المصير إلى القادسية والثياب والطيب الذي جيء به فسألته عن سبب قراءته وفكرته فقال لي سمعتك تحكي عن بعض ملوك فارس قولاً في العقل وأنه وجب أن يكون أكثر ما في الإنسان عقله فأعده علي وخبرني باسم ذلك الملك قال له قال أنو شروان إذا لم يكن أكثر ما في الرجل عقله كان أكثر ما فيه برديه فقال قاتله اللَّه فما أحسن ما قال ثم قال أميرنا هذا يعني الواثق حفظه لما يقرأ ويقرأ عليه من الكتب أكثر من عقله وأحسبه قد وقع في الذي يكره وأنا أستدفع اللَّه في المكاره عنه وبكى فسألته عن السبب فقال أشرت على أمير المؤمنين بترك الشرب في عشية أمس ليباكر الحجامة في يومنا هذا على نقاء فجلس وأحضر الأمير هارون وابن أبي داؤد وعبد الوهاب ليتحدث معهم فاندفع هارون في عهد أردشير بن بابك وأقبل يسرد جميع ما فيه ظاهراً حتى أتى على العهد كله فتخوفت عليه حسد أبيه له على جودة الحفظ الذي لم يرزق مثله وتخوفت عليه إمساك أبيه ما حدّ أردشير بن بابك في عهده من ترك إظهار البيعة لولي عهده‏.‏

    وتخوفت عليه ما ذكر أردشير في هذا الباب من ميل الناس نحو ولي العهد متى عرفوا مكانه وتخوفت عليه ما ذكر أردشير من أنه لا يؤمن اضطغان ولي العهد على أسباب والده متى علم أنه الملك بعد أبيه وأنا واللَّه عالم بأن أقل ما يناله في هذا الباب التضييق عليه في معاشه وأنه لا يظهر له بيعة أبداً فاغتمامي بهذا السبب فكان جميع ما تخوف سلمويه علي ما تخوف قال يوسف واستبطأ المعتصم أبو إسحاق إبراهيم بن المهدي في بعض الأمور واستجفاه فكتب إليه كتاباً أمرني بقراءته على سلمويه ومناظرته فيه فإن استصوب الرأي في إيصاله ختمته وأوصلته وإن كره ذلك رددته على أبي إسحاق فقرأته على سلمويه فقال لي قل له قد جرى لك المقدار مع المأمون والمعتصم أعز اللَّه الباقي ورحم الماضي بما يوجب عليك شكر ربك وألاّ تنكرّ عليّ بالخليفتين تنكرهما في وقت من الأوقات لأنك تسميت باسم لم يتسم به أحد قط فكاثر الأحياء فإن كان المقدار استعطف عليك رحمك حتى صرت إلى الأمن من المكروه فليس ينبغي أن تتعجب من تنكر الخليفة وفي وقت من الأوقات أن طعن بعض أعدائك عليك بما كان منك فيظهر بالجفاء اليومين والثلاثة أو نحو ذلك ثم ينعطف عليك ويذكر ماسة رحمك وشابكتها فيؤول أمرك إلى ما تحب ولك أيضاً آفة يجب عليك التحرز منها وهي أنك تجلس مع الخليفة في مجلسه وفيه جماعة من أهله وقواده ووجوه مواليه فهو يجب أن يكون أجل الناس في عيونهم وأملأ لقلوبهم فلا يجري جار من القول إلا ظهرت لنفسك فيه قولاً يتبين نصرتك فيه عليه فلو كنت مثل ابن أبي داؤد أو مثل بعض الكتاب لكان الأمر فيه أسهل عليه لأنه ما كان لتلك الطبقة فهو للخليفة لأنهم من عبيده وما كان لرجل من أهله له السن والقعدد عليه فهو موجب لمن السن والقعدد له وذلك مزر بالخليفة وأنا أرى أن لا أوصل هذا الكتاب وأن يتغافل أعزه اللَّه حتى يتشوق إليه الخليفة فإذا صار إليه تحرز مما كرهته له ففي ذلك غنى عن العتاب والاستبطاء‏.‏

    قال فانصرفت إلى أبي إسحاق بالكتاب ولم أوصله فوجدت سيما الدمشقي عند صاحبنا وقد أبلغه رسالة المعتصم بوصف شوقه إليه وبالأمر بالركوب إليه فأخبرته بما دار بيني وبين سلمويه وركب فاستعمل ما أشار به فلم ينكربعد ذلك منه شيئاً حتى فرق بينهما الموت قال يوسف وجرى بيني وبين سلمويه ذكر يوحنا بن ماسويه فأطنبت في وصفه وذكرت منه ما أعرف من اتساع علمه فقال سلمويه يوحنا آفة من آفات من اتخذه لنفسه واتكل على علاجه وكثرة حفظه للكتب وحسن شرحه ووصفه بما يلجم به المكروه ثم قال لي أول الطب معرفة مقدار الداء حتى يعالج مقدار ما يحتاج إليه من العلاج ويوحنا أجهل خلق اللَّه بمقدار الداء والدواء جميعاً فإن زاول محرور عالجه من الأدوية الباردة والأغذية المفرطة البرد وبما يزيل عنه تلك الحرارة ويعقب معدته وبدنه برداً ويحتاج له إلى المعالجة بالأدوية والأغذية الحارة ثم يفعل في ذلك كفعله في العلة الأولى من الإفراط ليزول عنه البرد ويعتل من حرارة مفرطة فصاحبه أبداً عليل إما من حرارة وإما من برودة والأبدان تضعف عن احتمال هذا التدبير وإنما الغرض في اتخاذ الناس المتطببين لحفظ صحتهم في أيام الصحة ولخدمة طبائعهم في أيام العلة ويوحنا لجهله بمقادير العلل والعلاج غير قائم بهذين البابين ومن لم يقم بهما فليس بمتطبب قال يوسف وأصابت إبراهيم بن بنان أخا سلمويه بن بنان هيضة من خوخ أكله فأكثر منه فكادت تأتي على نفسه فسقاه أخوه سلمويه شهرياراناً كثير السقمونيا فأسهله إسهالاً كثيراً زائداً على المقدار الذي يجب أن يكون ممن شرب مثل ما شرب إبراهيم من الشهرياران وانقطع مع انقطاع فعل الشهرياران فعل الهيضة فقلت له أحسبك امتثلت فيما فعلت بأخيك من إسقائه الدواء المسهل طريقة يزيد بور في ثمامة العبسي فقال ما استعملت له طريقة ولكني استعملت فكري كما استعمل فكره فنتج لي من الرأي ما نتج له قال يوسف وكنت يوماً عند سلمويه وقد أجرينا حديث أيام الفتنة بمدينة السلام أيام محمد الأمين فقال لي لقد نفعنا اللَّه في تلك الأيام بجوار بشر وبشير ابني السميدع وذلك أنا كنا معهما في كل حمى ثم قال لي هل لك أن تركب إلى بشير فتعوده فقد كنت يئست منه أول من أمس ثم أفرق أمس فأجبته إلى الركوب معه وركبنا فلما صرنا إل باب الدرب الذي كان بشير ينزله طلع علينا بولس بن حنون المتطبب الذي هو اليوم متطبب أهل فلسطين وهو منصرف من عند بشير فسأله عن خبره فأجابه بكلمة بالسريانية معناها بئس فقال له سلمويه ألم تخبرني أمس أنه قد أفرق فقال له بولس قد كان ذاك إلا أنه أكل البارحة دماغ جدي فعاوده الإسهال فعطف سلمويه رأس دابته وقال انصرف بنا فليس يبيت بشير في الدنيا فسألته عن السبب فذكر أنه رجل مبطون وأن أول آفته كانت في البطن فساد معدته فتطاولت أيامه في البطن بفساد المعدة إلى أن كان ذلك سبباً لفساد كبده وأن الدماغ الذي أكله سيعلق بمعدته ويغرّي ما بين غضونها فلا يدخلها غذاء ولا دواء إلا زلق انصرفنا ولم يعده سلمويه ولا عدته فما بات حتى توفي‏.‏

    قال يوسف وصحبت بعد وفاة أبي إسحاق أبا دلف فصحبته وقد كان مبطوناً قبل صحبتي إياه بخمسة عشر شهراً وكان مجلس أبي دلف مجمعاً للمتطببين لأنه كان معه من المرتزقة جماعة منهم يوسف بن صليبا وسليمان بن داؤد بن بابان ويوسف القصير البصري ولا أحفظ نسبه وبولس بن حنون متطبب فلسطين وختن كان له من اللجاج والحسن بن صالح بن بهلة الهندي وكان يحضر مجلسه من المتطببين غير المرتزقين جماعة فربما اجتمع في مجلسه منهم عشرون رجلاً فكانوا على سبيل اختلاف في أصل علته فبعضهم كان يرى أن يسقيه الدرياق وبعضهم كان يرى أن يعالجه بالأدوية التي يقع فيها الأبيون مثل المتروديطوس وغيره وكلهم كان مجمعاً على معالجته بالحمية وبالقيء في كل بضع عشرة ليلة لأنه كان متى تقيأ صلحت حاله ثلاثة أيام أو نحوها فأقمت معه عشرة أشهر لا أذكر أني تشاغلت في يوم منها بأمر من أمور الأعمال التي أتقلدها فسلمت من رسول له يستنهضني للمسير إليه وللنظر فيما بين المتطببين من الاختلاف ثم أمر المعتصم حيدر بن كاوس بالعقد لأبي دلف على قزوين وزنجان ونواحيها وإبراهيم بن البحتري بتقليده خراج الناحية ومحمد بن عبد الملك بتقليده ضياعها فقلد أبو دلف ابنه معنا بن القاسم المعونة وقلدني الخراج والضياع وأمرنا بالخروج فأتيت سلمويه مودعاً ومشاوراً فقال لي انقلاعك من بلدك مع رجل منحل بدنه منذ خمسة وعشرين شهراً وجميع من يطيف به معك لا يجمعك وإياهم رحم وإنما هم أهل الجبل وأصبهان وأكثرهم صعاليك ولعلك قد استقصيت على بعضهم بالحضرة وحيث كنت تأمن على نفسك بما لا أحبه لك لأنه إن حدث بالرجل حادث كنت في أرض غربة أسيراً في أيدي من لا مجانسة بينك وبينهم وامتناعك على الرجل بعد أن أجبته إلى أن تتقدمه تسمج ولكن استأجله في الخروج بعد سبعة أيام‏.‏

    وأشرف في هذه الأيام على مطعمه ومشربه حتى لا يصل إلى جوفه في هذا الأسبوع مأكول ومشروب إلا عرفت مبلغ وزنه على الحقيقة ووكل من يعرف وزن ما يخرج منه في هذا الأسبوع من ثقل وبول وأرفع وزن ذلك ليوم بعد يوم إليك وصر إلي بعد هذا الأسبوع بمبلغ وزن جميع ما دخل بطنه من الطعام والشراب وغير ذلك ووزن ما يخرج منه فعنيت بذلك غاية العنايةوتعرفته حتى صح عندي فوجدت ما خرج من بدنه قريباً من ضعف ما دخله من مطعم ومشرب فأعلمت ذلك سلمويه فقال لي لو كان خرج منه بوزن ما دخل بدنه لدل ذلك على سرعة تلفه فكيف ترى الحال كائنة والخارج منه مثل ضعف ما دخل بدنه الهرب من التلبيس بأمر هذا الرجل فإن الشوق قد جذبه فما لبث بعد هذا القول إلا بضع عشرة ليلة حتى توفي أبو دلف قال أبو علي القباني حدثني أبي قال كانت بين جدي الحسين بن عبد اللَّه وبين سلمويه المتطبب مودة فحدثني أنه دخل إليه يوماً إلى داره وكان في الحمام ثم خرج وهو مكمكم والعرق يسيل من جبينه وجاءه خادم بمائدة عليها دراج مشوي وشيء أخضر في زبدية وثلاث رقاقات كزمازك وفي سكرجة خل فأكل الجميع واستدعى ما مقداره درهمان شراباً فمزجه وشربه وغسل يديهبماء ثم أخذ في تغيير ثيابه البخور فلما فرغ أقبل يحادثني فقلت له قبل أن أجيبك إلى شيء عرفني ما صنعت فقال أنا أعالج السل منذ ثلاثين سنة لم آكل في جميعها إلا ما رأيت وهو دراج مشوي وهندبا مسلوقة مطجنة وهذا المقدار من الخبز وإذا خرجت من الحمام احتجت إلى مبادرة بما يسكنها كيلا تعطف على بدني فتأخذ من رطوبته فأشغلها بالغذاء ليكون عطفها عليه ثم أتفرغ لغيره إبراهيم بن فزارون متطبب غسان بن عباد وإبراهيم بن فزارون هو شيخ بني فزارون الكتّاب قال يوسف بن إبراهيم كان إبراهيم بن فزارون قد خرج مع غسان عباد إلى السند فحدثني أن غسان بن عباد مكث بأرض السند من يوم المهرجان يشتهي أن يأكل قطعة لحم باردة فما قدر على ذلك فسألته عن السبب فقال كنا نطجنه فلا يبرد حتى يُرْوحِ فيرمى به قال يوسف وأخبرني إبراهيم بن فزارون أنه ما أكل بأرض السند لحماً استطابه إلا لحوم الطواويس وأنه لم يأكل لحماً قط أطيب من لحم طواويس بلاد السند وحدثني إبراهيم بن عيسى بن المنصور المعروف بابن نزيهة عن غسان بن عباد في لحوم الطواويس بمثل ما حدثني إبراهيم بن فزارون قال يوسف وحدثني إبراهيم بن فزارون أنه رفع إلى غسان بن عباد أن في النهر المعروف بمهران بأرض السند سمكة تشبه الجدي وأنها تصاد ثم يطين رأسها وجميع بدنها إلى موضع مخرج الثفل منها ثم يجعل ما لم يطين منها على الجمر ويمسكها ممسك بيده حتى ينشوي منها ما كان موضوعاً على الجمر وينضج ثم يؤكل ما نضج أو يرمى به وتلقى السمكة في الماء ما لم ينكسر العظم الذي هو صلب السمكة فتعيش وينبت على عظمها اللحم وأن غسان أمر بحفر بركة في داره وملأها ماء وأمر بامتحان ما بلغه قال إبراهيم فكنا نؤتي كل يوم بعدة من هذا السمك فنشويه على الحكاية التي ذكرت لنا ونكسر من بعضه عظم الصلب ونترك بعضه لا نكسره فكان ما يكسر عظمه يموت وما لم يكسر عظمه يسلم وينبت عليه اللحم ويستوي الجلد إلا أن جلدة تلك السمكة تشبه جلد الجدي الأسود وما قشرناه من لحوم السمك التي شويناها ورددناها إلى الماء يكون على غير لون الجلدة الأولى لأنه يضرب إلى البياض‏.‏

    قال يوسف وسألت إبراهيم بن فزارون عن قول من يزعم أن نهر مهران هو نهر النيل فقال لي رأيت نهر مهران وهو يصب في البحر المالح إلا أن علماء الهند والسند أعلموني أن مخرج النيل ومخرج نهر مهران من عين واحدة عظيمة فنهر مهران يشق أرض السند حتى يصب في بحرها المالح والنهر الآخر يشق أرض الهند وجميع أرض السودان حتى يخرج إلى أرض النوبة ثم يصب باقيه في أرض مصر فيرويها ثم يصب باقيه في بحر الروم قال يوسف وحدثني عنبسة بن إسحاق الضبي من أمر العين التي منها يخرج نهر مهران والنيل بمثل ما حدثني به إبراهيم وكان يحدثنا بحديث السمك في كل وقت أيوب المعروف بالأبرش كان له نظر في صناعة الطب ومعرفة بالنقل وقد نقل كتباً من مصنفات اليونانيين إلى السرياني وإلى العربي وهو متوسط النقل وما نقله في آخر عمره فهو أجود مما نقله قبل ذلك إبراهيم بن أيوب الأبرش قال إسحاق بن علي الرهاوي في كتاب أدب الطبيب حدثني عيسى بن ماسة قال رأيت إبراهيم بن أيوب الأبرش وقد عالج إسماعيل أخا المعتز وبرئ فكلمت أمه قبيحة المتوكل أن يجيزه فقال لها لا تجيزيه ليس عندك ما تعطيه حتى أعطيه أنا مثله وإبراهيم واقف بين أيديهما فأمرت قبيحة فأحضرت بدرة دراهم لإبراهيم وأمر المتوكل بإحضار مثل ذلك فأحضرت قبيحة بدرة أخرى فأمر بإحضار مثلها فلم يزالا يأمران بإحضار بدرة وبدرة حتى أحضرت ست عشرة بدرة فأومت قبيحة إلى جاريتها أن تمسك فقال لها إبراهيم سراً لا تقطعي وأنا أرد عليك فقالت له أملأ اللَّه عين الآخر فقال لها المتوكل واللّه لو أعطيته إلى الصباح لأعطيته مثل ذلك فحملت البدر إلى منزل إبراهيم وقال ثابت بن سنان بن ثابت أن الخلافة لما تأدت إلى المعتز باللَّه كان أخص المتطببين عنده إبراهيم بن الأبرش لمكانه من والدته قبيحة وكانت صلاته أبداً واصلة إليه وخلع أبو عبد اللّه المعتز باللَّه بسر من رأى وقبض عليه صالح بن وصيف يوم الاثنين لثلاث بقين من رجب سنة خمس ومائتين وحبسه خمسة أيام ثم قتل وقت العصر من يوم الجمعة لليلتين خلتا من شعبان من السنة المذكورة وله ثلاث وعشرون سنة‏.‏

    قال يوسف بن إبراهيم كان المأمون يستخف يد جبرائيل الكحال ويذكر أنه ما رأى أبداً على عين أخف من يده واتخذ مراود ومكاحل ودستجا ودفعه إليه فكان أول من يدخل إليه في كل يوم عند تسليمه من صلاة الغداة فيغسل أجفانه ويكحل عينيه فإذا انتبه من قائلته فعل مثل ذلك وكان يجري عليه ألف درهم في كل شهر ثم سقطت منزلته بعد ذلك فسألته عن السبب في ذلك فأخبرني أن الحسين الخادم اعتل فلم يمكن ياسراً أخاه عيادته لاشتغاله بالخدمة إلى أن وافى ياسر باب الحجرة التي كان فيها المأمون وقد خرج جبرائيل من عنده بعد أن برد أجفانه وكحل عينيه فسأله ياسر عن خبر المأمون فأخبره أنه أغفى فتغنم ياسر ما أخبره به من نومه فصار إلى حسين فعاده وانتبه المأمون قبل انصراف ياسر من عند حسين ثم انصرف ياسر فسأله المأمون عن سبب تخلفه فقال ياسر أخبرت بنوم أمير المؤمنين فصرت إلى حسين فعدته فقال له المأمون ومن أخبرك برقادي فقال له ياسر جبرائيل الكحال قال جبرائيل فأحضرني المأمون ثم قال يا جبرائيل اتخذتك كحالاً لي أو عاملاً على الإخبار عني اردد علي مكاحلي وأميالي واخرج عن داري فأذكرته خدمتي فقال إن له لحرمة فليقتصر له على إجراء مائة وخمسين درهماً في كل شهر ولا يؤذن له في الدخول فلم يخدم المأمون بعده حتى توفي قال فثيون الترجمان إن ماسويه كان يعمل في دق الأدوية في بيمارستان جندي سابور وهو لا يقرأ حرفاً واحداً بلسان من الألسنة إلا أنه عرف الأمراض وعلاجها وصار بصيراً بانتقاء الأدوية فأخذه جبرائيل بن يختيشوع فأحسن إليه وعشق جارية لداود بن سرابيون فابتاعها جبرائيل بثمانمائة درهم ووهبها لماسويه ورزق منها ابنه يوحنا وأخاه ميخائيل وقال إسحاق بن علي الرهاوي في كتاب أدب الطبيب عن عيسى بن ماسة إن ماسويه أبا يوحنا كان تلميذاً في بيمارستان جندي سابور ثلاثين سنة فلما اتصل به محل جبرائيل من الرشيد قال هذا أبو عيسى قد بلغ السها ونحن في البيمارستان لا نتجاوزه فبلغ ذلك جبرائيل وكان البيمارستان إليه فأمر بإخراجه منه وقطع رزقه فبقي منقطعاً به فصار إلى مدينة السلام ليعتذر إلى جبرائيل ويخضع له فلم يزل على بابه دهراً طويلاً فلم يأذن له فكان إذا ركب دعا له واستعطفه فلا يكلمه فلما ضاق به الأمر صار إلى دار الروم بالجانب الشرقي فقال للقس اكرز لي في البيعة لعله أن يقع لي شيء فأنصرف إلى بلدي فإن أبا عيسى ليس يرضى عني ولا يكلمني فقال له القس أنت في البيمارستان منذ ثلاثين سنة ولا تحسن شيئاً من الطب فقال بلى واللَّه أطب وأكحل وأعالج الجراحات فأخرج له صندوقاً وأعطاه إياه ليداوي وأجلسه بباب الحرم عند قصر الفضل ابن الربيع وهو وزير الرشيد فلم يزل هناك يكسب الشيء بعد الشيء حتى حسنت حاله واشتكت عين خادم للفضل بن الربيع فنفذ إليه جبرائيل بكحالين فعالجوه بأصناف العلاج فلم ينتفع به واشتد وجعه حتى عدم النوم فلما اشتد أرقه وقلقه خرج من القصر هائماً من الضجر والقلق فرأى ماسويه فقال له يا شيخ ما تصنع هنا إن كنت تحسن شيئاً فعالجني وإلا فقم من ههنا فقال له يا سيدي أحسن وأجيد فقال له ادخل معي حتى تعالجني فدخل معه وقلب جفنه وكحله وسكب على رأسه وسعطه فنام الخادم وهدأ فلما أصبح أنفذ إلى ماسويه جونة فيها خبز سميد وجدي ودجاجة وحلوى ودنانير ودراهم وقاله له هذا لك في كل يوم والدراهم والدنانير رزقك مني في كل شهر فبكى ماسويه فرحاً فتوهم الرسول أنه قد استقله فقال له لا تغتم فإنه يزيدك ويحسن إليك فقال له يا سيدي رضيت منه بهذا أن يدرّه على الأيام فلما رجع عرّف الخادم ما كان منه فعجب منه وبرئ الخادم على يديه ولم يمض إلا أيام يسيرة حتى اشتكت عين الفضل فنفذ إليه جبرائيل الكحالين فلم يزالوا يعالجونه فلم ينتفع بهم فأدخل الخادم ماسويه إليه ليلاً فلم يزل يكحله إلى ثلث الليل ثم سقاه دواء مسهلاً فصلح به ثم حضر جبرائيل فقال له الفضل يا أبا عيسى إن هاهنا رجلاً يقال له ماسويه من


    _________________

    *******************************************


    طبقات الأطباء السريانيين 13850807941268563665
    د. محمد الهاشم
    د. محمد الهاشم
    إداري
    إداري


    الجنس : ذكر
    الابراج : القوس
    عدد المساهمات : 106
    نقاط : 6491
    السٌّمعَة : 70
    تاريخ التسجيل : 24/02/2012
    العمر : 56

    طبقات الأطباء السريانيين Empty رد: طبقات الأطباء السريانيين

    مُساهمة من طرف د. محمد الهاشم الخميس 12 أبريل 2012 - 12:43

    من أفره الناس وأعرفهم بالكحل فقال له ومن هذا لعله الذي يجلس بالباب فقال له نعم قال جبرائيل هذا كان أكاراً لي فلم يصلح للكروث فطردته وقد صار الآن طبيباً وما عالج الطب قط فإن شئت فأحضره وأنا حاضر وتوهم جبرائيل أنه يدخل ويقف بين يديه ويتذلل له فأمر الفضل بإحضاره فدخل وسلم وجلس بحذاء جبرائيل فقال له جبرائيل يا ماسويه أصرت طبيباً فقال له لم أزل طبيباً أنا أخدم البيمارستان منذ ثلاثين سنة تقول لي هذا القول ففزع جبرائيل أن يزيد في المعنى فبادر وانصرف في الحال وهو خجل وأجرى الفضل على ماسويه في كل شهر ستمائة درهم وعلوفة دابتين ونزل خمسة غلمان وأمره أن يحمل عياله من جندي سابور وأعطاه نفقة واسعة فحمل عياله ويوحنا ابنه حينئذ وهو صبي فما مضت إلا أيام حتى اشتكت عين الرشيد فقال له الفضل يا أمير المؤمنين طبيبي ماسويه من أحذق الناس بالكحل وشرح له قصته وما كان من أمر خادمه وأمر نفسه فأمر الرشيد بإحضاره فأحضر ماسويه فقال له تحسن شيئاً من الطب سوى الكحل فقال نعم يا أمير المؤمنين وكيف لا أحسن وأنا قد خدمت المرضى بالبيمارستان منذ ثلاثين سنة فأدناه منه ونظر عينيه فقال الحجام الساعة فحجمه على ساقيه وقطر في عينيه فبرئ بعد يومين فأمر بأن يجرى عليه ألفا درهم في الشهر ومعونة في السنة عشرون ألف درهم وعلوفة ونزل وألزمه الخدم مع جبرائيل وسائر من كان في الخدمة من المتطببين وصار نظيراً لجبرائيل بل كان في ذلك الوقت يحضر بحضوره ويصل بوصوله ودونه في الرزق لأن جبرائيل كان له في الشهر عشرة آلاف درهم ومعونة في السنة مائة ألف درهم وصلات دائمة وإقطاعات ثم أنه اعتلت بانو أخت الرشيد فلم يزل جبرائيل يعالجها بأنواع العلاج فلم تنتفع فاغتم بها فقال الرشيد ذات يوم قد كان ماسويه ذكر أنه خدم المرضى بالمارستان وأنه يعالج الطبائع فليدخل إلى عليلتنا لعل عنده فرجاً لها فأحضر جبرائيل وماسويه فقال له ماسويه عرفني حالها وجميع ما دبرتها به إلى وقتنا هذا فلم يزل جبرائيل يصف له ما عالجها به فقال ماسويه التدبير صالح والعلاج مستقيم ولكن أحتاج إلى أن أراها فأمر الرشيد أن يدخلا إليها فدخل وتأملها وجس عروقها بحضرة الرشيد وخرجوا من عنده وقال ماسويه للرشيد يا أمير المؤمنين يكون لك طول العمر والبقاء هذه تقضي بعد غد ما بين ثلاث ساعات إلى نصف الليل فقال جبرائيل كذب يا أمير المؤمنين إنها تبرأ وتعيش فأمر الرشيد بحبس ماسويه ببعض دوره في القصر وقال لأسبرنّ ما قاله وأنذرنا به فما رأينا بعلم الشيخ بأساً فلما حضر الوقت الذي حده ماسويه توفيت فلم يكن للرشيد همة بعد دفنها إلا أن أحضر ماسويه فسأله وأعجب بكلامه وكان أعجمي اللسان ولكنه كان بصيراً بالعلاج كثير التجارب فصيره نظيراً لجبرائيل في الرزق والنزل والعلوفة والمرتبة وعني بابنه يوحنا ووسع النفقة عليه فبلغ المرتبة المشهورة قال يوسف بن إبراهيم عدت جبرائيل بن بختيشوع بالعلث في سنة خمس عشرة ومائتين وقد كان خرج مع المأمون في تلك السنة حتى نزل المأمون في دير النساء فوجدت عنده يوحنا بن ماسويه وهو يناظره في علته وجبرائيل يستحسن استماعه وإجابته ووصفه فدعا جبرائيل بتحويل سنته وسألني النظر فيه وإخباره بما يدل عليه الحساب فنهض يوحنا عند ابتدائي بالنظر في التحويل فلما خرج من الحراقة قال لي جبرائيل ليست بك حاجة إلى النظر في التحويل لأني أحفظ جميع قولك وقول غيرك في هذه السنة وإنما أردت بدفعي التحويل إليك أن ينهض يوحنا فأسألك عن شيء بلغني عنه وقد نهض فأسألك بحق اللَّه هل سمعت يوحنا قط يقول أنه أعلم من جالينوس بالطب فحلفت له أني ما سمعته قط يدعي ذلك فما انقضى كلامنا حتى رأيت الحراقات تنحدر إلى مدينة السلام فانحدر المأمون في ذلك اليوم وكان يوم خميس ووافينا مدينة السلام غداة يوم السبت ودخل الناس كلهم إلى مدينة السلام خلا أبي العباس بن الرشيد فإنه أقام في الموضع المعروف بالقلائين من الجانب الغربي بمدينة السلام وهو بإزاء دار الفضل بن يحيى بباب الشماسية التي صار بعضها في خلافة المعتصم لأبي العباس بن الرشيد فكنت وجماعة ممن يريد المصير إلى أبي العباس ممن منازلهم في قنطرة البردان ونهر المهدي لا نجشم أنفسنا المصير إلى الجسر ثم المصير إلى القلائين لبعد الشقة فنصير إلى قصر الفضل بن يحيى ونقف بإزاء مضرب أبي العباس‏.‏

    وكانت الزبيديات توافينا فتعبر بنا فاجتمعت ويوحنا بن ماسويه عند أبي العباس بعد موافاة المأمون مدينة السلام بثلاثة أيام وجمعتنا الزبيدية عند انصرافنا فسألني عن عهدي بجبرائيل فأعلمته أني لم أره منذ اجتمعنا بالعلث ثم قلت له قد شنعت عنده فقال بماذا فقلت له بلغه أنك تقول أنا أعلم من جالينوس فقال على من ادعى علي هذه الدعوة لعنة اللّه واللّه ما صدق مؤدي هذا الخبر ولا بر فسرى ذلك من قوله ما كان في قلبي وأعلمته أني أزيل عن قلب جبرائيل ما تأدى إليه من الخبر الأول فقال لي افعل نشدتك اللّه وقرر عنده ما أقول وهو ما كنت أقوله فحرف عنده فسألته عنه فقال إنما قلت لو أن بقراط وجالينوس عاشا إلى أن يسمعا قولي في الطب وصفاتي لسألا ربهما أن يبدلهما بجميع حواسهما من البصر والشم والذوق واللمس حساً سمعياً يضيفانه إلى ما معهما من حس السمع ليسمعا حكمي ووصفي فأسألك باللّه أما أديت هذا القول عني إليه فاستعفيته من إلقاء هذا الخبر عنه فلم يعفني فأديت إلى جبرائيل الخبر وقد كان أصبح في ذلك اليوم مفرقاً من علته فتداخله من الغيظ والضجر ما تخوفت عليه منه النكسة وأقبل يدعو على نفسه ويقول هذا جزاء من وضع الصنيعة في غير موضعها وهذا جزاء من اصطنع السفل وأدخل في مثل هذه الصناعة الشريفة من ليس من أهلها ثم قال هل عرفت السبب في يوحنا وأبيه فأخبرته أني لا أعرفهما فقال لي إن الرشيد أمرني باتخاذ بيمارستان وأحضرت دهشتك رئيس بيمارستان جندي سابور لتقليده البيمارستان الذي أمرت باتخاذه فامتنع من ذلك وذكر أن السلطان ليست له عليه أرزاق جارية وإنه إنما يقول بيمارستان جندي سابور وميخائيل ابن أخيه حسبة وتحمل علي بطيمانيوس الجاثليق في إعفائه وابن أخيه فأعفيتهما فقال لي أما إذ قد أعفيتني فإني أهدي إليك هدية ذات قدر يحسن بك قبولها وتكثر منفعتها لك في هذا البيمارستان فسألته عن الهدية فقال لي إن صبياً كان ممن يدق الأدوية عندنا ممن لا يعرف له أب ولا قرابة أقام في البيمارستان أربعين سنة وقد بلغ الخمسين سنة أو جاوزها وهو لا يقرأ حرفاً واحداً بلسان من الألسنة إلا أنه قد عرف الأدواء داء داء وما يعالج به كل داء وهو أعلم خلق اللّه بانتقاء الأدوية واختيار جيدها ونفي رديها فأنا أهديه لك فاضممه إلى من أحببت من تلامذتك ثم قلد تلميذك البيمارستان فإن أموره تخرج على أحسن من مخرجها لو قلدتني هذا البيمارستان فأعلمته أني قد قبلت الهدية وانصرف دهشتك إلى بلده وأنفذ إلي الرجل فأدخل علي في زي الرهبان وكشفته فوجدته على ما حكى لي عنه وسألته عن اسمه فأخبرني أن اسمه ماسويه وكنت في خدمة الرشيد وداؤد بن سرابيون مع أم جعفر وكان المنزل الذي ينزله ماسويه يبعد من منزلي ويقرب من منزل داؤد بن سرابيون وكان في داؤد دعابة وبطالة وكان في ماسويه ضعف من ضعف السفل فيستطيبه كل بطال فما مضى بماسويه إلا يسير حتى صار إلي وقد غير زيه ولبس الثياب البيض فسألته عن خبره فأعلمني أنه قد عشق جارية لداؤد بن سرابيون صقلبية يقال لها رسالة وسألني ابتياعها له فابتعتها له بثمانمائة درهم ووهبتها له فأولدها يوحنا وأخاه ثم رعيت لماسويه ابتياعي له رسالة وطلبه منها النسل وصيرت وُلْدَه كأنهم ولدُ قرابة لي وعنيت برفع أقدارهم وتقديمهم على أبناء أشراف أهل هذه المهنة وعلمائهم ثم رتبت ليوحنا وهو غلام المرتبة الشريفة ووليته البيمارستان وجعلته رئيس تلامذتي فكانت مثوبتي منه هذه الدعوى التي لا يسمع بها أحد إلا قذف من خرَّجه ونوّه باسمه وأطلق لسانه بمثل ما أطلقه به ولمثل ما خرج إليه هذه السفلة كانت الأعاجم تمنع جميع الناس عن الانتقال عن صناعات آبائهم وتحظِّر ذلك غاية الحظر واللّه المستعان‏.‏




    _________________

    *******************************************


    طبقات الأطباء السريانيين 13850807941268563665
    د. محمد الهاشم
    د. محمد الهاشم
    إداري
    إداري


    الجنس : ذكر
    الابراج : القوس
    عدد المساهمات : 106
    نقاط : 6491
    السٌّمعَة : 70
    تاريخ التسجيل : 24/02/2012
    العمر : 56

    طبقات الأطباء السريانيين Empty رد: طبقات الأطباء السريانيين

    مُساهمة من طرف د. محمد الهاشم الخميس 12 أبريل 2012 - 13:04

    يوحنا بن ماسويه

    كان طبيباً ذكياً فاضلاً خبيراً بصناعة الطب وله كلام حسن وتصانيف مشهورة وكان مبجلاً حظياً عند الخلفاء والملوك قال إسحاق بن علي الرهاوي في كتاب أدب الطبيب عن عيسى بن ماسه الطبيب قال أخبرني أبو زكريا يوحنا بن ماسويه أنه اكتسب من صناعة الطب ألف ألف درهم وعاش بعد قوله هذا ثلاث سنين أخر وكان الواثق مشغوفاً ضنيناً به فشرب يوماً عنده فسقاه الساقي شراباً غير صاف ولا لذيذ على ما جرت به العادة وهذا من عادة السقاة إذا قصر في برهم فلما شرب القدح الأول قال يا أمير المؤمنين أما المذاقات فقد عرفتها واعتدتها ومذاقة هذا الشراب فخارجة عن طبع المذاقات كلها فوجد أمير المؤمنين على السقاة وقال يسقون أطبائي وفي مجلسي مثل هذا الشراب وأمر ليوحنا بهذا السبب وفي ذلك الوقت بمائة ألف درهم ودعا بسمانة الخادم فقال له احمل إليه المال الساعة فلما كان وقت العصر سأل سمانة هل حمل مال الطبيب أم لا فقال لا بعد فقال يحمل إليه مائتا ألف درهم الساعة فلما صلوا العشاء سأل عن حمل المال فقيل له لم يحمل بعد فدعا بسمانة وقال احمل إليه ثلاثمائة ألف درهم فقال سمانة لخازن بيت المال احملوا مال يوحنا وإلا لم يبق في بيت المال شيء فحمل إليه من ساعته وقال سليمان بن حسان كان يوحنا بن ماسويه مسيحي المذهب سريانياً قلده الرشيد ترجمة الكتب القديمة مما وجد بأنقره وعمورية وسائر بلاد الروم حين سباها المسلمون ووضعه أميناً على الترجمة وخدم هارون والأمين والمأمون وبقي على ذلك إلى أيام المتوكل قال وكانت ملوك بني هاشم لا يتناولون شيئاً من أطعمتهم إلا بحضرته وكان يقف على رؤوسهم ومعه البراني بالجوارشنات الهاضمة المسخنة الطابخة المقوية للحرارة الغريزية في الشتاء وفي الصيف بالأشربة الباردة والجوارشنات وقال ابن النديم البغدادي الكاتب إن يوحنا بن ماسويه خدم بصناعة الطب المأمون والمعتصم والواثق والمتوكل‏.‏
    وقال يوسف بن إبراهيم كان مجلس يوحنا بن ماسويه أعمر مجلس كنت أراه بمدينة السلام لمتطبب أو متكلم أو متفلسف لأنه كان يجتمع فيه كل صنف من أصناف أهل الأدب وكان في يوحنا دعابة شديدة يحضر بعض من يحضر من أجلها وكان من ضيق الصدر وشدة الحدة على أكثر ما كان عليه جبرائيل بن بختيشوع وكانت الحدة تخرج منه ألفاظاً مضحكة وكان أطيب ما يكون مجلسه في وقت نظره في قوارير الماء وكنت وابن حمدون بن عبد الصمد بن علي الملقب بأبي العيرطرد وإسحاق بن إبراهيم بن محمد بن إسماعيل الملقب ببيض البغل قد توكلنا به بحفظ نوادره وأظهرت له التلمذة في قراءة كتب المنطق عليه وأظهرا له التلمذة بقراءتهما كتب جالينوس في الطب عليه قال يوسف فمما حفظت من نوادره في وقت نظره أن امرأة أتته فقالت له إن فلانة وفلانة وفلانة يَقْرأن عليك السلام فقال لها أنا بأسماء أهل قسطنطينية وعمورية أعلم مني بأسماء هؤلاء الذين سميتهن فأظهري بولك حتى أنظر لك فيه قال يوسف وحفظت عليه أن رجلاً شكى إليه علة كان شفاؤه منها الفصد فأشار به عليه فقال لم أعتد الفصد فقال له ولا أحسب أحداً اعتاده في بطن أمه وكذلك لم تعتد العلة قبل أن تعتل وقد حدثت بك فاختر ما شئت من الصبر على ما أحدثت لك الطبيعة من العلة أو اعتياد الفصد لتسلم منها قال يوسف وشكى إليه رجل بحضرتي جرباً قد أضر به فأمرهبفصد الأكحل من يده اليمنى فأعلمه أنه قد فعل فأمر بفصد الأكحل أيضاً من يده اليسرى فذكر أنه قد فعل فأمره بشرب المطبوخ فقال قد فعلت فأمره بشرب الأصمخيقون فأعلمه أنه قد فعل فأمره بشرب ماء الجبن أسبوعاً وشرب مخيض البقر أسبوعين فأعلمه أنه قد فعل فقال له لم يبق شيء مما أمر به المتطببون إلا وقد ذكرت أنك فعلته وبقي شيء مما لم يذكره بقراط ولا جالينوس وقد رأيناه يعمل على التجربة كثيراً فاستعمله فإني أرجو أن ينجح علاجك إن شاء اللّه فسأله ما هو فقال ابتع زوجي قراطيس وقطعهما رقاعاً صغاراً واكتب في كل رقعه رحم اللّه من دعا لمبتلى بالعافية وألق نصفها في المسجد الشرقي بمدينة السلام والنصف الآخر في المسجد الغربي وفرقها في المجالس يوم الجمعة فإني أرجو أن ينفعك اللَّه بالدعاء إذ لم ينفعك العلاج قال يوسف وصار إليه وأنا حاضر قسيس الكنيسة التي يتقرب فيها يوحنا وقال له قد فسدت علي معدتي فقال له استعمل جوارشن الخوزبي فقال قد فعلت فقال له يوحنا فاستعمل السقمونيا قال قد أكلت منه أرطالاً فأمره باستعمال المقداذيقون فقال قد شربت منه جرة قال له فاستعمل المروسيا فقال قد فعلت وأكثرت فغضب وقال له إن أردت قال يوسف واشتدت على يوحنا علة كان فيها حتى يئس منه أهله ومن عادة النصارى إحضار من يئس منه أهله جماعة من الرهبان والقسيسين والشمامسة يقرؤون حوله ففعل مثل ذلك بيوحنا فأفرق والرهبان حوله يقرؤون فقال لهم يا أولاد الفسق ما تصنعون في بيتي فقالوا له كنا ندعو ربنا في التفضل عليك بالعافية فقال لهم يوحنا قرص ورد أفضل من صلوات جميع أهل النصرانية منذ كانت إلى يوم القيامة اخرجوا من منزلي فخرجوا قال يوسف وشكى بحضرتي إلى يوحنا رجل من التجار جرباً به في أيام الشتاء فقال ليست هذه من أيام علاج ما تجد وإنما علاج دائك هذا في أيام الربيع فتنكب أكل المعفنات كلها وطري السمك ومالحه صغار ذلك وكباره وكل حريق من الأبزار والبقول وما يخرج من الضرع فقال له الرجل هذه أشياء لست أعطى صبراً على تركها فقال له يوحنا فإن كان الأمر على ما ذكرت فأدمن أكلها وحك بدنك فلو نزل المسيح لك خاصة لما انتفعت بدعائه لما تصف به نفسك من الشره قال يوسف وعاتبه النصارى على اتخاذ الجواري وقالوا له خالفت ديننا وأنت شماس فإما إن كنت على سنتنا واقتصرت على امرأة واحدة وكنت شماساً لنا وإما أخرجت نفسك من الشماسية واتخذت ما بدا لك من الجواري فقال إنما أمرنا في موضع واحد أن لا نتخذ امرأتين ولا ثوبين فمن جعل الجاثليق العاض بظر أمه أولى أن يتخذ عشرين ثوباً من يوحنا الشقي في اتخاذ أربع جوار فقولوا لجاثليقكم أن يلزم قانون دينه حتى نلزمه معه وإن خالفه خالفناه قال يوسف وكان بختيشوع بن جبرائيل يداعب يوحنا كثيراً فقال له يوماً في مجلس أبي إسحاق ونحن في عسكر المعتصم بالمدائن في سنة عشرين ومائتين أنت يا أبا زكريا أخي لأبي فقال يوحنا لأبي إسحاق اشهد أيها الأمير على إقراره فواللّه لأقاسمنه ميراثه من أبيه فقال له بختيشوع إن أولاد الزنا لا يرثون ولا يورثون وقد حكم دين الإسلام للعاهر بالحجر فانقطع يوحنا ولم يحر جواباً قال يوسف وكانت دار الطيفوري في دار الروم من الجانب الشرقي بمدينة السلام لصيقة دار يوحنا بن ماسويه وكان للطيفوري ابن قد علم الطب علماً حسناً يقال له دانيل ثم ترهب بعد ذلك فكان يدخل مدينة السلام عند تأدي الخبر إليه بعلة والده أو ما أشبه ذلك وكان ليوحنا طاووس كان يقف على الحائط الذي فيما بين داره ودار الطيفوري فقدم دانيل مدينة السلام ليلاً في الشهر المعروف بآب وهو شهر شديد الحر كثير الرمد فكان الطاووس كلما اشتد عليه الحر صاح فأنبه دانيل وهو في ثياب صوف من ثياب الرهبان فطرده مرات فلم ينفع ذلك فيه ثم رفع مرزبته فضرب بها رأس الطاووس فوقع ميتاً واستتر الخبر عن يوحنا إلى أن ركب ورجع فصادف عند منصرفه طاووسه ميتاً على باب داره فأقبل يقذف بالحدود من قتله فخرج إليه دانيل فقال لا تشتمن من قتله فإني أنا قتلته ولك علي مكانه عدة طواويس فقال له يوحنا بحضرتي ليس يعجبني راهب له سنام وطول ذكر إلا أنه قال ذلك بفحش فقال له دانيل وكذلك ليس يعجبني شماس له عدة نساء واسم رئيسة نسائه قراطيس - وهو اسم رومي لا عربي ومعنى قراطيس عند الروم القرنانة وليس تكون المرأة قرنانة حتى تنكح غير بعلها - فخجل يوحنا ودخل منزله مفعولاً‏.‏
    قال يوسف وحدثني بمصر أحمد بن هارون الشرابي إن المتوكل على اللّه حدثه في خلافة الواثق أن يوحنا بن ماسويه كان مع الواثق على دكان كان للواثق في دجلة ومع الواثق قصبة فيها شص وقد ألقاها في دجلة ليصيد بها السمك فحرم الصيد فالتفت إلى يوحنا وكان على يمينه فقال قم يا مشؤوم عن يميني فقال له يوحنا يا أمير المؤمنين لا تتكلم بمحال يوحنا بن ماسويه الخوزي وأمه رسالة الصقلبية المبتاعة بثمانمائة درهم أقبلت به السعادة إلى أن صار نديم الخلفاء وسميرهم وعشيرهم وحتى غمرته الدنيا فنال منها ما لم يبلغه أمله فمن أعظم محال أن يكون هذا مشؤوماً ولكن إن أحب أمير المؤمنين أن أخبره بالمشؤوم من هو أخبرته فقال ومن هو فقال من ولدته أربع خلفاء ثم ساق اللّه إليه الخلافة فترك خلافته وقصورها وبساتينها وقعد في دكان مقدار عشرين ذراعاً في مثلها في وسط دجلة لا يأمن عصف الريح عليه فيغرقه ثم تشبه بأفقر قوم في الدنيا وشرهم وهم صيادو السمك قال لي أحمد بن هارون قال لي المتوكل فرأيت الكلام قد أنجع فيه إلا أنه أمسك لمكاني قال يوسف وحدثني أحمد بن هارون أن الواثق قال في هذا ليوحنا وهو على هذه الدكان يا يوحنا ألا أعجبك من خلة قال وما هي قال إن الصياد ليطلب السمك مقدار ساعة فيصيد من السمكة ما تساوي الدينار أو ما أشبه ذلك وأنا أقعد مذ غدوة إلى الليل فلا أصيد ما يساوي درهماً فقال له يوحنا وَضَع أمير المؤمنين التعجب في غير موضعه إن رزق الصياد من صيد السمك فرزقه يأتيه لأنه قوته وقوت عياله ورزق أمير المؤمنين بالخلافة فهو غني عن أن يرزق بشيء من السمك ولو كان رزقه جعل في الصيد لوافاه رزقه منه مثل ما يوافي الصياد قال يوسف وحدثني إبراهيم بن علي متطبب أحمد بن طولون أنه كان في دهليز يوحنا بن ماسويه ينتظر رجوع يوحنا من دار السلطان فانصرف وقد أسلم في ذلك الوقت عيسى بن إبراهيم بن نوح بن أبي نوح كاتب الفتح بن خاقان قال إبراهيم فقمت إليه وجماعة من الرهبان فقال لنا اخرجوا يا أولاد الزنا من داري واذهبوا أسلموا فقد أسلم المسيح الساعة على يد المتوكل‏.‏
    قال يوسف وقدم جرجة بن زكريا عظيم النوبة في شهر رمضان سنة إحدى وعشرين ومائتين إلى سر من رأى وأهدى إلى المعتصم هدايا فيها قردة فإني عند يوحنا في اليوم الثاني من شوال من هذه السنة وأنا أعاتبه على تخلفه عن حضور الدار في ذلك الوقت لأني رأيت سلمويه وبختيشوع والجريش المتطببين وقد وصلوا إذ دخل علينا غلام من الأتراك الخاصة ومعه قرد من القرود التي أهداها ملك النوبة لا أذكر أني رأيت أكبر منه جثة وقال له يقول لك أمير المؤمنين زوج هذا القرد من حماحم قردتك وكان ليوحنا قردة يسميها حماحم كان لا يصبر عنها ساعة فوجم لذلك ثم قال للرسول قل لأمير المؤمنين اتخاذي لهذه القردة غير ما توهمه أمير المؤمنين وإنما دبرت تشريحها ووضع كتاب على ما وضع جالينوس في التشريح يكون جمال وضعي إياه لأمير المؤمنين وكان في جسمها قلة تكون العروق فيها والأوراد والعصب دقاقاً فلم أطمع في اتضاح الأمر فيها مثل اتضاحه فيما عظم جسمه فتركتها لتكبر ويغلظ جسمها فأما إذ قد وافى هذا القرد فسيعلم أمير المؤمنين أني سأضع له كتاباً لم يوضع في الإسلام مثله ثم فعل ذلك بالقرد فظهر له منه كتاب حسن استحسنه أعداؤه فضلاً عن أصدقائه قال يوسف ودخل يوحنا على محمد بن أبي أيوب بن الرشيد وكانت به حمى مثلثة وهي التي تأخذ غباً فنظر إلى مائه وجس عرقه وسأله عن خبره كيف كان في أمسه ومبيته وصباحه إلى أن وافاه فأخبره بذلك فقال يوحنا حُمَّاك هذه من أسهل الحميات ما لم يخلط صاحبها لأن أقصى حقها سبعة أدوار وأكثر ذلك يترك في الدور الرابع وإن خلط فيها العليل انتقلت فربما تطاولت به العلة وربما تلفت نفسه فقال ابن أبي أيوب قف بي على ما رأيت فإني لا أخالفك فأمره أن يقتصر على لباب الخبز المغسول بالماء الحار ثلاث غسلات ثم يأكل اللباب إن كانت شهوته للطعام ضعيفة وعلى المزوَّرات من الطعام مثل الماس والقرع والسرمق والخيار وما أشبه ذلك إن كانت شهوته قوية وأن يرفع يده عن الطعام وهو يشتهيه فقال له محمد فهذا ما أمرت بأكله فدلني على ما لا آكل فقال له أول ما أنهاك عن أكله فيوحنا بن ماسويه ثم بغلة الجاثليق فإن حقه على أهل النصرانية واجب ثم الزنبريتان وهما السفينتان اللتان في الجسر في الجانب الشرقي فإن الجسر لا يصلح إلا بهما ثم نهض مغضباً وهو يدعو علي لأني كنت السبب في مصيره إلى محمد بن أبي أيوب قال يوسف واعتل محمد بن سليمان بن الهادي المعروف بابن مشغوف علة تطاولت به وكان أبو العباس بن الرشيد يلزم يوحنا تعاهده وكان محمد بن سليمان ربما يزيد في الحديث أشياء لا يخيل باطلها على سامعها فدخل إليه يوماً وأنا عنده فاستشاره فيما يأخذ فقال يوحنا قد كنت أشير عليك بما تأخذ في كل يوم وأنا أحسبك تحب الصحة والعافية فأما إذ صح عندي أنك تكره العافية وتحب العلة فلست استحل أن أشير عليك بشيء فقال له ابن مشغوف يا جاهل من يكره العافية ويحب العلة فقال له يوحنا أنت والبرهان على ذلك أن العافية في العالم تشبه الحق والسقم يشبه الكذب وأنت تتكلم أكثر دهرك بالكذب فيكون كذبك مادة لسقمك فمتى تبرأ أنت من علة متطاولة وأنت تمدها أكثر دهرك بالكذب الزائد فيها فالزم الصدق ثلاثة أيام ولا تكذب فيها فيوحنا بريء من المسيح إن لم تخرج من هذه العلة قبل انقضاء هذه الثلاثة أيام قال يوسف بن إبراهيم وكان ليوحنا بن ماسويه ابن يقال له ماسويه أمه بنت الطيفوري جد إسرائيل متطبب الفتح بن خاقان وكان ماسويه هذا أشبه خلق اللّه بأبيه في خلقه ولفظه وحركاته إلا أنه كان بليداً لا يكاد يفهم شيئاً إلا بعد مدة طويلة ثم ينسى ذلك في أسرع من اللحظ فكان يوحنا يظهر محبة ابنه تقيَّة من ألسنة الطيفوري وولده وكان أشد بغضاً له منه أسهل الكوسج الذي هتكه بادعائه أنه وضعه في فرج أمه‏.‏
    قال يوسف واعتل في أول سنة سبع عشرة ومائتين صالح بن شيخ بن عميرة بن حيان بن سراقة الأسدي علة أشرف منها فأتيته عائداً فوجدته قد أفرق بعض الإفراق فدارت بيننا أحاديث كان منها أن عميرة جده أصيب بأخ له من أبويه ولم يخلف ولداً فعظمت عليه المصيبة ثم ظهر حبَل بجارية كانت له بعد وفاته فسري عنه بعض ما دخله من الغم وحولها إلى بيته وقدمها على حرم نفسه فوضعت ابنة فتبنى بها وقدمها على ذكور ولده وإناثهم فلما ترعرعت رغب لها في كفء يزوجها منه فكان لا يخطبها إليه خاطب إلا فرّغ نفسه للتفتيش عن حسبه والتفتيش عن أخلاقه فكان بعض من نزع إليه خاطباً لها ابن عم لخالد بن صفوان بن الأهتم التميمي وكان عميرة عارفاً بوجه الفتى وبنسبه فقال يا بني أما نسبك فلست أحتاج إلى التفتيش عنه وإنك لكفء لابنة أخي من جهة الشرف ولكنه لا سبيل إلى عقد عقدة النكاح على ابنتي دون معرفتي بأخلاق من أعقد العقدة له فإن سهل عليك المقام عندي وفي داري سنة أكشف فيها أخلاقك كما أكشف أحساب وأخلاق غيرك فأقم في الرحب والسعة وإن لم يسهل ذلك عليك فانصرف إلى أهلك فقد أمرنا بتجهيزك وحمل جميع ما تحتاج إليه معك إلى موافاتك بصرتك قال صالح بن شيخ حدثني أبي عن جدي أنه كان لا يبيت ليلة إلا أتاه عن ذلك الرجل أخلاق متناقضة فواصف له بأحسن الأمور وواصف له بأسمجها فاضطره تناقض أخباره إلى التكذيب بكلها وأن يترك الأمر على أن مادحه مايله وأن عائبه تحامل عليه فكتب إلى خالد أما بعد فإن فلاناً قدم علينا خاطباً لابنة أخيك فلانة بنت فلان فإن كانت أخلاقه تشاكل حسبه ففيه الرغبة لزوجته والحظ لولي عقد نكاحه فإن رأيت علي بما ترى العمل به في ابن عمك وابنة أخيك فإن المستشار مؤتمن فعلت إن شاء اللَّه فكتب إليه خالد قد فهمت كتابك وكان أبو ابن عمي هذا أحسن أهلي خلقاً وأسمجهم خلقاً وأحسنهم عمن أساء به صفحاً وأسخاهم كفاً إلا أنه مبتل بالعهار وسماجة الخلق وكانت أمه من أحسن خلق اللَّه وجهاً وأعفهم فرجاً إلا أنها من سوء الخلق والبخل وقلة العقل على ما لا أعرف أحداً على مثله وابن عمي هذا فقد تقبل من أبويه مساويهما ولم يتقبل شيئاً من محاسنهما فإن رغبت في تزويجه على ما شرحت لك من خبره فأنت وذاك وإن كرهته رجوت أن يخير اللّه لابنة أخينا إن شاء اللّه قال صالح فلما قرأ جدي الكتاب أمر بإعداد طعام للرجل فلما أدرك حمله على ناقة مهرية ووكل به من أخرجه من الكوفة فأعجبني هذا الحديث وحفظته وكان اختياري في منصرفي من عند صالح بن شيخ على دار هارون بن سليمان بن المنصور فدخلت عليه مسلماً وصادفت عنده ابن ماسويه فسألني هارون عن خبري وعمن لقيت فحدثته بما كان عند صالح بن شيخ فقال لقد كنت في معادن الأحاديث الطيبة الحسان وسألني هل حفظت عنه حديثاً فحدثته بهذا الحديث فقال يوحنا عليه وعليه إن لم يكن شبه هذا الحديث بحديثي وحديث ابني أكثر من شبه ابني بي بليت بطول الوجه وارتفاع قحف الرأس وعرض الجبن وزرقة العين ورزقت ذكاء وحفظاً لكل ما يدور في مسامعي وكانت بنت الطيفوري أحسن أنثى رأيتها أو سمعت بها إلا أنها كانت ورهاء بلهاء لا تعقل ما تقول ولا تفهم ما يقال لها فتقبل ابنها مسامجنا جميعاً ولم يرزق من محاسننا شيئاً ولولا كثرة فضول السلطان ودخوله فيما لا يعنيه لشرّحت ابني هذا حياً مثل ما كان جالينوس يشرح القرود والناس فكنت أعرف بتشريحه الأسباب التي كانت لها بلادته وأريح الناس من خلقته وأكسب أهلها بما أضع في كتابي في صفة تركيب بدنه ومجاري عروقه وأوراده وعصبه علماً ولكن السلطان يمنع من ذلك‏.‏
    وكأني بأبي الحسين يوسف قد حدث الطيفوري وولده بهذا الحديث فألقى لنا شرا ومنازعات ليضحك مما يقع بيننا فكان الأمر على ما توهم واعتل ماسويه بن يوحنا بعد هذا بليال قلائل وقد ورد رسول المعتصم من دمشق أيام كان بها مع المأمون في إشخاص يوحنا إليه فرأى يوحنا فصده ورأى الطيفوري وابناه زكريا ودانيل خلاف ما رأى يوحنا ففصده يوحنا وخرج في اليوم الثاني إلى الشام ومات ماسويه في اليوم الثالث من مخرجه فكان الطيفوري وولده يحلفون في جنازته أن يوحنا تعمد قتله ويحتجون بما حدثتهم به من كلامه الذي كان في منزل هارون بن سليمان ونقلت من كتاب الهدايا والتحف لأبي بكر وأبي عثمان الخالديين قالا حدثنا أبو يحيى قال افتصد المتوكل فقال لخاصته وندمائه اهدوا إلي يوم فصدي فاحتفل كل واحد منهم في هديته وأهدى إليه الفتح بن خاقان جارية لم ير الراؤون مثلها حسناً وظرفاً وكمالاً فدخلت إليه ومعها جام ذهب في نهاية الحسن ودن بلور لم ير مثله فيه شراب يتجاوز الصفات ورقعة فيها مكتوب‏:‏ إذا خرج الإمام من الدواء وأعقب بالسلامة والشفاء وفض الخاتم المهدى إليه فهذا صالح بعد الدواء واستظرف المتوكل ذلك واستحسنه وكان بحضرته يوحنا بن ماسويه فقال يا أمير المؤمنين الفتح واللّه أطب مني فلا تخالف ما أشار به أقول ومن نوادر يوحنا بن ماسويه أن المتوكل على اللَّه قال له يوماً بعت بيتي بقصرين فقال له أخر الغداء يا أمير المؤمنين - أرادالمتوكل تعشيت فضرني لأنه تصحيفها فأجابه ابن ماسويه بما تضمن العلاج وعتب ابن حمدون النديم ابن ماسويه بحضرة المتوكل فقال له ابن ماسويه لو أن مكان ما فيك من الجهل عقلاً ثم قسم على مائة خنفساء لكانت كل واحدة منهن أعقل من أرسطوطاليس ووجدت في كتاب جراب الدولة قال دخل ابن ماسويه المتطبب إلى المتوكل فقال المتوكل لخادم له خذ بول فلان في قارورة وائتِ به إلى ابن ماسويه فأتى به فلما نظر إليه قال هذا بول بغل لا محالة فقال له المتوكل كيف علمت أنه بول بغل قال ابن ماسويه أحضرني صاحبه حتى أراه ويتبين كذبي من صدقي فقال المتوكل هاتوا الغلام فلما مثل بين يديه قال له ابن ماسويه أيش أكلت البارحة قال خبز شعير وماء قراح فقال ابن ماسويه هذا واللَّه طعام حماري اليوم ونقلت من خط المختار بن الحسن بن بطلان أن أبا عثمان الجاحظ ويوحنا بن ماسويه قال اجتمعا بغالب ظني على مائدة إسماعيل بن بلبل الوزير وكان في جملة ما قدم مضيرة بعد سمك فامتنع يوحنا من الجمع بينهما قال له أبو عثمان أيها الشيخ لا يخلو أن يكون السمك من طبع اللبن أو مضاداً له فإن كان أحدهما ضد الآخر فهو دواء له وإن كانا من طبع واحد فلنحسب أنا قد أكلنا من أحدهما إلى أن اكتفينا فقال يوحنا واللَّه مالي خبرة بالكلام ولكن كل يا أبا عثمان وانظر ما يكون في غد فأكل أبو عثمان نصرة لدعواه ففلج في ليلته فقال هذه واللّه نتيجة القياس المحال والذي ضلل أبا عثمان اعتقاده أن السمك من طبع اللبن ولو سامحناه في أنهما من طبع واحد لكان لامتزاجهما قوة ليست لأحدهما وقال الشيخ أحمد بن علي ثابت الخطيب البغدادي عن الحسين بن فهم قال قدم علينا محمد بن سلام صاحب طبقات الشعراء وهو الجمحي سنة اثنتين وعشرين ومائتين فاعتل علة شديدة فما تخلف عنه أحد وأهدى إليه أجلاء أطبائهم فكان ابن ماسويه ممن أهدى إليه فلما جسَّه ونظر إليه وقال ما أرى من العلة ما أرى من الجزع فقال واللَّه ما ذاك لحرص على الدنيا مع اثنتين وثمانين سنة ولكن الإنسان في غفلة حتى يوقظ بعلة ولو وقفت بعرفات وقفة وزرت قبر رسول اللّه # زورة وقضيت أشياء في نفسي لرأيت ما اشتد علي من هذا قد سهل فقال له ابن ماسويه فلا تجزع فقد رأيت في عرقك من الحرارة الغريزية وقوتها ما إن سلمك اللّه من هذه العوارض بلغك عشر سنين أخرى قال الحسين بن فهم فوافق كلامه قدراً فعاش عشر سنين بعد ذلك وحدث الصولي في كتاب الأوراق قال كان المأمون نازلاً على البدندون - نهر من أعمال طرسوس - فجلس يوماً وأخوه المعتصم عليه وجعلا أرجلهما فيه استبراداً له وكان أبرد الماء وأرقه وألذه فقال المأمون للمعتصم أحببت الساعة من أزاذ العراق آكله وأشرب من هذا الماء البارد عليه وسمع صوت حلقة البريد وأجراسه فقيل هذا يزيد بن مقبل بريد العراق فأحضر طبقاً من فضة فيه رطب أزاذ فعجب من تمنيه وما تم له فأكلا وشربا من الماء ونهضا وتودع المأمون وأقال ثم نهض محموماً وفصد فظهرت في رقبته نفخة كانت تعتاده ويراعيها الطبيب إلى أن تنضج وتفتح وتبرأ فقال المعتصم للطبيب وهو ابن ماسويه ما أطرف ما نحن فيه تكون الطبيب المفرد المتوحد في صناعتك وهذه النفخة تعتاد أمير المؤمنين فلا تزيلها عنه وتتلطف في حسم مادتها حتى لا ترجع إليه واللّه لئن عادت هذه العلة عليه لأضربن عنقك فاستطرق ابن ماسويه لقول المعتصم وانصرف فحدّث به بعض من يثق به ويأنس إليه فقال له تدري ما قصد المعتصم قال لا قال قد أمرك بقتله حتى لا تعود النفخة إليه وإلا فهو يعلم أن الطبيب لا يقدر على دفع الأمراض عن الأجسام وإنما قال لك لا تدعه يعيش ليعود المرض عليه فتعالل ابن ماسويه وأمر تلميذاً له بمشاهدة النفخة والتردد إلى المأمون نيابة عنه والتلميذ يجيئه كل يوم ويعرفه حال المأمون وما تجدد له فأمره بفتح النفخة فقال له أعيذك باللّه ما احمرت ولا بلغت إلى حد الجرح فقال له امض وافتحها كما أقول لك ولا تراجعني فمضى وفتحها ومات المأمون رحمه اللّه أقول إنما فعل ابن ماسويه ذلك لكونه عديماً للمروءة والدين والأمانة وكان على غير ملة الإسلام ولا له تمسك بدينه أيضاً كما حكى عنه يوسف بن إبراهيم في أخباره المتقدمة ومن ليس له دين يتمسك به ويعتقد فيه فالواجب أن لا يداينه عاقل ولا يركن إليه حازم وكانت وفاة يوحنا بن ماسويه بسر من رأى يوم الاثنين لأربع خلون من جمادى الآخرة سنة ثلاث وأربعين ومائتين في خلافة المتوكل ومن كلام يوحنا بن ماسويه أنه سئل عن الخير الذي لا شر معه فقال شرب القليل من الشراب الصافي ثم سئل عن الشر الذي لا خير معه فقال نكاح العجوز‏.‏
    وقال أكل التفاح يرد النفس وقال عليك من الطعام بما حدث ومن الشراب بما عتق وليوحنا بن ماسويه من الكتب كتاب البرهان ثلاثون باباً كتاب البصيرة كتاب الكمال والتمام كتاب الحميات مشجر كتاب في الأغذية كتاب في الأشربة كتاب المنجح في الصفات والعلاجات كتاب في الفصد والحجامة كتاب في الجذام لم يسبقه أحد إلى مثله كتاب الجواهر كتاب الرجحان كتاب في تركيب الأدوية المسهلة وإصلاحها وخاصة كل دواء منها ومنفعته كتاب دفع مضار الأغذية كتاب في غير ما شيء مما عجز عنه غيره كتاب السر الكامل كتاب في دخول الحمام ومنافعها ومضرتها كتاب السموم وعلاجها كتاب الديباج كتاب الأزمنة كتاب الطبيخ كتاب في الصداع وعلله وأوجاعه وجميع أدويته والسدد والعلل المولدة لكل نوع منه وجميع علاجه ألفه لعبد اللّه بن طاهر كتاب الصدر والدوار كتاب لم امتنع الأطباء من علاج الحوامل في بعض شهور حملهن كتاب محنة الطبيب كتاب معرفة محنة الكحالين كتاب دخل العين كتاب مجسة العروق كتاب الصوت والبحة كتاب ماء الشعير كتاب المرة السوداء كتاب علاج النساء اللواتي لا يحبلن حتى يحبلن كتاب الجنين كتاب تدبير الأصحاء كتاب في السواك والسنونات كتاب المعدة كتاب القولنج كتاب النوادر الطبية كتاب التشريح كتاب في ترتيب سقي الأدوية المسهلة بحسب الأزمنة وبحسب الأمزجة وكيف ينبغي أن يسقى ولمن ومتى وكيف يعان الدواء إذا احتبس وكيف يمنع الإسهال إذا أفرط كتاب تركيب خلق الإنسان وأجزائه وعدد أعضائه ومفاصله وعظامه وعروقه ومعرفة أسباب الأوجاع ألفه للمأمون كتاب الأبدال فصول كتبها لحنين ابن إسحاق بعد أن سأله المذكور ذلك كتاب الماليخوليا وأسبابها وعلاماتها وعلاجها كتاب جامع الطب مما اجتمع عليه أطباء فارس والروم كتاب الحيلة للبرء‏.‏
    ميخائيل بن ماسويه
    متطبب المأمون وميخائيل هذا هو أخو يوحنا بن ماسويه قال يوسف بن إبراهيم مولى إبراهيم بن المهدي كان هذا المتطبب لا يمتع بالحديث ولا يحتج في شيء يقوله بحجة ولا يوافق أحداً من المتطببين على شيء أحدث من مائتي سنة فلم يكن يستعمل السكنجبين والورد المربى إلا بالعسل ولا يستعمل الجلاب المتخذ بماء الورد ولا يتخذه إلا من الورد المسلوق بالماء الحار ولا يتخذه بالسكر ولا يستعمل شيئاً لم يستعمله الأوائل ولقد سألته يوماً عن رأيه في الموز فقال لم أر له ذكراً في كتب الأوائل وما كانت هذه حاله لم أقدم على أكله ولا على طعامه للناس وكان المأمون به معجباً وله على جبرائيل بن بختيشوع مقدماً حتى كان يدعوه بالكنية أكثر مما يدعوه بالاسم وكان لا يشرب الأدوية إلا مما تولى تركيبه وإصلاحه له وكنت أرى جميع المتطببين بمدينة السلام يبجلونه تبجيلاً لم يكونوا يظهرونه لغيره قال يوسف وحضر في النصف من شوال سنة عشرين ومائتين دار إبراهيم بن المهدي مع جماعة من وجوه المتطببين وكانت شكلة عليلة فوجه المعتصم المتطببين إليها ليرجعوا إليه بخبرها وقد كانوا صاروا إليها قبل ذلك اليوم بيوم فنظروا إلى مائها وجسوا عرقها وعاودوا النظر في اليوم الثاني في أمرها فقالوا كلهم إنها أصبحت صالحة وأنهم لا يشكون في إفراقها فسبق إلى وهمي أنهم أو أكثرهم أحب أن يسر أبا إسحاق بما ذكروا من العافية فلما نهضوا اتبعتهم فسألت واحداً واحداً عما عنده من العلم بحالها فكلهم قال لي مثل مقالته لأبي إسحاق إلا سلمويه بن بنان فإنه قال لي هي اليوم أصعب حالاً منها أمس وقال لي ميخائيل قد ظهر أمس بالقرب من قلبها ورم لم نره في يومنا هذا افترى ذلك الورم ساخ في الأرض أو ارتفع إلى السماء انصرف فأعد لهذه المرأة جهازها فليست تبيت في الأحياء فتوفيت وقت صلاة العشاء الآخرة بعد أن ألقى إلي ميخائيل ما ألقى ساعات عشراً أو نحوها قال يوسف وحدثني ميخائيل بن ماسويه أنه لما قدم المأمون بغداد نادم طاهر بن الحسين فقال له يوماً وبين أيديهم نبيذ قطربلي يا أبا الطيب هل رأيت مثل هذا الشراب قال نعم قال مثله في اللون والطعم والرائحة قال نعم قال أين قال ببوشنج قال فاحمل إلينا منه فكتب طاهر إلى وكيله فحمل منه ورفع الخبر من النهروان إلى المأمون أن لطفاً وافى طاهراً من بوشنج فعلم الخبر وتوقع حمل طاهر له فلم يفعل فقال له المأمون بعد أيام يا أبا الطيب لم يواف النبيذ فيما وافى فقال أعيذ أمير المؤمنين باللَّه من أن يقيمني مقام خزي وفضيحة قال ولم قال ذكرت لأمير المؤمنين شراباً شربته وأنا صعلوك وفي قرية كنت أتمنى أن أملكها فلما ملكني اللّه يا أمير المؤمنين أكثر مما كنت أتمنى وحضر ذلك الشراب وجدته فضيحة من الفضائح قال فاحمل إلينا منه على كل حال فحمل منه فأمر أن يصير في الخزانة ويكتب عليه الطاهري ليمازحه به من إفراط رداءته فأقام سنتين واحتاج المأمون إلى أن يتقيأ فقالوا يتقيأ بنبيذ رديء فقال بعضهم لا يوجد في العراق أردأ من الطاهري وأخرج فوجد مثل


    _________________

    *******************************************


    طبقات الأطباء السريانيين 13850807941268563665
    د. محمد الهاشم
    د. محمد الهاشم
    إداري
    إداري


    الجنس : ذكر
    الابراج : القوس
    عدد المساهمات : 106
    نقاط : 6491
    السٌّمعَة : 70
    تاريخ التسجيل : 24/02/2012
    العمر : 56

    طبقات الأطباء السريانيين Empty رد: طبقات الأطباء السريانيين

    مُساهمة من طرف د. محمد الهاشم الخميس 12 أبريل 2012 - 13:07

    عيسى بن ماسة
    من الأطباء الفضلاء في وقته وكان أحد المتميزين من أرباب هذه الصناعة له طريقة حسنة في علاج المرضى ولعيسى بن ماسة من الكتب كتاب قوى الأغذية كتاب من لا يحضره طبيب مسائل في النسل والذرية كتاب الرؤيا يخبر فيه بالسبب الذي امتنع به من معالجة الحوامل وغير ذلك كتاب في طلوع الكواكب التي ذكرها بقراط كتاب في الفصد والحجامة رسالة في استعمال الحمام‏.‏
    حنين بن إسحاق هو أبو زيد حنين بن إسحاق العبادي بفتح العين وتخفيف الباء والعباد بالفتح قبائل شتى من بطون العرب اجتمعوا على النصرانية بالحيرة والنسبة إليهم عبادي قال الشاعر يسقيكها من بني العباد رشا ** منتسب عيده إلى الأحد
    وكان حنين بن إسحاق فصيحاً لسناً بارعاً شاعراً وأقام مدة في البصرة وكان شيخه في العربية الخليل بن أحمد ثم بعد ذلك انتقل إلى بغداد واشتغل بصناعة الطب قال يوسف بن إبراهيم أول ما حصل لحنين بن إسحاق من الاجتهاد والعناية في صناعة الطب هو أن مجلس يوحنا بن ماسويه كان من أعم مجلس يكون في التصدي لتعليم صناعة الطب وكان يجتمع فيه أصناف أهل الأدب قال يوسف وذلك أني كنت أعهد حنين بن إسحاق الترجمان يقرأ على يوحنا بن ماسويه كتاب فرق الطب الموسوم باللسان الرومي والسرياني بهراسيس وكان حنين إذ ذاك صاحب سؤال وذلك يصعب على يوحنا وكان يباعده أيضاً من قبله أن حنينا كان من أبناء الصيارفة من أهل الحيرة وأهل جندي سابور خاصة ومتطببوها ينحرفون عن أهل الحيرة ويكرهون أن يدخل في صناعتهم أبناء التجار فسأله حنين في بعض الأيام عن بعض ما كان يقرأ عليه مسألة مستفهم لما يقرأ فحرد يوحنا وقال ما لأهل الحيرة ولتعلم صناعة الطب صر إلى فلان قرابتك حتى يهب لك خمسين درهماً تشتري منها قفافاً صغاراً بدرهم وزرنيخاً بثلاثة دراهم واشتر بالباقي قلوساً كوفية وقادسية وزرنخ القادسية في تلك القفاف واقعد على الطريق وصح القلوس الجياد للصدقة والنفقة وبع القلوس فإنه أعود عليك من هذه الصناعة ثم أمر به فأخرج من داره فخرج حنين باكياً مكروباً وغاب عنا حنين فلم نره سنتين وكان للرشيد جارية رومية يقال لها خرشى وكانت ذات قدر عنده محلها منه محل الخوازن وكانت لها أخت أو بنت أخت ربما أتت الرشيد بالكسوة أو بالشيء مما خرشى خازنة عليه فافتقدها الرشيد في بعض الأوقات وسأل خرشى عنها فأعلمته أنها زوجتها من قرابة لها فغضب من ذلك وقال كيف أقدمت على تزويج قرابة لك أصل ابتياعك إياها من مالي فهي مال من مالي بغير إذني وأمر سلاماً الأبرش بتعرف أمر من تزوجها وبتأديبه فتعرف سلام الخبر حتى وقع على الزوج فلم يكلمه حين ظفر به حتى خصاه فبلي بالخصاء بعد أن علقت الجارية منه وولدت الجارية عند مخرج الرشيد إلى طوس وكانت وفاة الرشيد بعد ذلك فتبنت خرشى ذلك الغلام وأدبته بآداب الروم وقراءة كتبهم فتعلم اللسان اليوناني علماً كانت له فيه رياسة وهو إسحاق المعروف بابن الخصي فكنا نجتمع في مجالس أهل الأدب كثيراً فوجب لذلك حقه وذمامه واعتل إسحاق بن الخصي علة فأتيته عائداً فإني لفي منزله إذ بصرت بإنسان له شعرة قد جللته وقد ستر وجهه عني ببعضها وهو يتردد وينشد شعراً بالرومية لأوميرس رئيس شعراء الروم فشبهت نغمته بنغمة حنين‏.‏
    وكان العهد بحنين قبل ذلك الوقت بأكثر من سنتين فقلت لإسحاق بن الخصي هذا حنين فأنكر ذلك إنكاراً يشبه الإقرار فهتفت بحنين فاستجاب لي وقال ذكر ابن رسالة الفاعلة إنه من المحال أن يتعلم الطب عبادي وهو بريء من دين النصرانية إنه رضي أن يتعلم الطب حتى يحكم اللسان اليوناني إحكاماً لا يكون في دهره من يحكمه إحكامه وما اطلع علي أحد غير أخي هذا ولو علمت أنك تفهمني لاستترت عنك لكني عملت على أن حيلتي قد تغيرت في عينك وأنا أسألك أن تستر أمري فبقيت أكثر من ثلاث سنين وإني لأظنها أربعاً لم أره ثم إني دخلت يوماً على جبرائيل بن بختيشوع وقد انحدر من معسكر المأمون قبل وفاته بمدة يسيرة فوجدت عنده حنيناً وقد ترجم له أقساماً قسمها بعض الروم في كتاب من كتب جالينوس في التشريح وهو يخاطبه بالتبجيل ويقول له يا ربن حنين وتفسيره ابن المعلم فأعظمت ما رأيت وتبين ذلك جبرائيل في فقال لي لا تستكثرن ما ترى من تبجيلي في هذا الفتى فواللّه لئن مد له في العمر ليفضحن سرجس وسرجس هذا الذي ذكره جبرائيل هو الرأس عيني وهو أول ما نقل شيئاً من علوم الروم إلى اللسان السرياني وليفضحن غيره من المترجمين وخرج من عنده حنين وأقمت طويلاً ثم خرجت فوجدت حنيناً ببابه ينتظر خروجي فسلم علي وقال لي قد كنت سألتك ستر خبري والآن فأنا أسألك إظهاره وإظهار ما سمعت من أبي عيسى وقوله في فقلت له أنا مسود وجه يوحنا بما سمعت من مدح أبي عيسى لك فأخرج من كمه نسخة ما كان دفعه إلى جبرائيل وقال لي تمام سواد وجه يوحنا يكون بدفعك إليه هذه النسخة وسترك عنه علم من نقلها فإذا رأيته قد اشتد عجبه بها أعلمه أنه إخراجي ففعلت ذلك من يومي وقبل انتهائي إلى منزلي فلما قرأ يوحنا تلك الفصول وهي التي تسميها اليونان الفاعلات كثر تعجبه وقال أترى المسيح أوحى في دهرنا هذا إلى أحد فقلت له في جواب قوله ما أوحى في هذا الدهر ولا في غيره إلى أحد ولا كان المسيح إلا أحد من يوحى إليه فقال لي دعني من هذا القول ليس هذا الإخراج إلا إخراج مؤيد بروح القدس فقلت له هذا إخراج حنين بن إسحاق الذي طردته من منزلك وأمرته أن يشتري قلوساً فحلف بأن ما قلت له محال ثم صدق القول بعد ذلك وأفضل عليه إفضالاً كثيراً وأحسن إليه ولم يزل مبجلاً له حتى فارقت العراق في سنة خمس وعشرين ومائتين هذا جملة ما ذكره يوسف بن إبراهيم‏.‏
    أقول ثم إن حنيناً لازم يوحنا بن ماسويه منذ ذلك الوقت وتتلمذ له واشتغل عليه بصناعة الطب ونقل حنين لابن ماسويه كتباً كثيرة وخصوصاً من كتب جالينوس بعضها إلى اللغة السريانية وبعضها إلى العربية وكان حنين أعلم أهل زمانه باللغة اليونانية والسريانية والفارسية والدراية فيهم مما لا يعرفه غيره من النقلة الذين كانوا في زمانه مع ما دأب أيضاً في إتقان العربية والإشتغال بها حتى صار من جملة المتميزين فيها ولما رأى المأمون المنام الذي أخبر به أنه رأى في منامه كأن شيخاً بهي الشكل جالس على منبر وهو يخطب ويقول أنا أرسطوطاليس انتبه من منامه وسأل عن أرسطو طاليس فقيل له رجل حكيم من اليونانيين فأحضر حنين بن إسحاق إذ لم يجد من يضاهيه في نقله وسأله نقل كتب الحكماء اليونانيين إلى اللغة العربية وبذل له من الأموال والعطايا شيئاً كثيراً ونقلت من خط الحسن بن العباس المعروف بالصناديقي رحمه اللّه قال قال أبو سليمان سمعت يحيى بن عدي يقول قال المأمون رأيت فيما يرى النائم كأن رجلاً على كرسي جالساً في المجلس الذي أجلس فيه فتعاظمته وتهيبته وسألت عنه فقيل هو أرسطوطاليس فقلت أسأله عن شيء فسألته فقلت ما الحسن فقال ما استحسنته العقول فقلت ثم ماذا قال ما استحسنته الشريعة قلت ثم ماذا قال ما استحسنه الجمهور قلت ثم ماذا قال ثم لا ثم فكان هذا المنام من أوكد الأسباب في إخراج الكتب فإن المأمون كان بينه وبين ملك الروم مراسلات وقد استظهر عليه المأمون فكتب إلى ملك الروم يسأله الإذن في إنفاذ ما يختار من العلوم القديمة المخزونة ببلد الروم فأجاب إلى ذلك بعد امتناع فأخرج المأمون لذلك جماعة منهم الحجاج بن مطر وابن البطريق وسلماً صاحب بيت الحكمة وغيرهم فأخذوا مما وجدوا ما اختاروا فلما حملوه إليه أمرهم بنقله فنقل وقد قيل أن يوحنا بن ماسويه ممن نفذ إلى بلد الروم وأحضر المأمون أيضاً حنين بن إسحاق وكان فتي السن وأمره بنقل ما يقدرعليه من كتب الحكماء اليونانيين إلى العربي وإصلاح ما ينقله غيره فامتثل أمره‏.‏
    ومما يحكى عنه أن المأمون كان يعطيه من الذهب زنة ما ينقله من الكتب إلى العربي مثلاً بمثل وقال أبو سليمان المنطقي السجتاني إن بني شاكر وهم محمد وأحمد والحسن كانوا يرزقون جماعة من النقلة منهم حنين بن إسحاق وحبيش بن الحسن وثابت بن قرة وغيرهم في الشهر نحو خمسمائة دينار للنقل والملازمة وقال حنين بن إسحاق إنه سافر إلى بلاد كثيرة ووصل إلى أقصى بلاد الروم لطلب الكتب التي قصد نقلها وقال محمد بن إسحاق النديم في كتاب الفهرست سمعت إسحاق بن شهرام يحدث في مجلس عام أن ببلد الروم هيكلاً قديم البناء عليه باب لم ير قط أعظم منه بمصراعين من حديد كان اليونانيون في القديم عند عبادتهم الكواكب والأصنام يعظمونه ويدعون فيه قال فسألت ملك الروم أن يفتحه لي فامتنع من ذلك لأنه أغلق منذ وقت تنصرت الروم فلم أزل أراسله وأسأله شفاهاً عن حضوري مجلسه فتقدم بفتحه فإذا ذلك البيت من المرمر والصخور العظام ألواناً وعليه من الكتابات والنقوش ما لم أسمع بمثله كثرة وحسناً وفي هذا الهيكل من الكتب القديمة ما يحمل على عدة أجمال وكثر ذلك حتى قال ألف جمل بعض ذلك قد أخلق وبعضه على حاله وبعضه قد أكلته الأرضة قال ورأيت فيه من آلات القرابين من الذهب وغيره أشياء ظريفة قال وأغلق الباب بعد خروجي وامتن علي بما فعل معي وذلك كان في أيام سيف الدولة بن حمدان وزعم أن البيت على ثلاثة أيام من القسطنطينية والمجاورون لذلك البيت قوم من الصابئة والكلدانيين وقد أقرتهم الروم على مذاهبهم وتأخذ منهم الجزية أقول وكان كاتب حنين رجل يعرف بالأزرق وقد رأيت أشياء كثيرة من كتب جالينوس وغيره بخطه وبعضها عليه تنكيت بخط حنين بن إسحاق باليوناني وعلى تلك الكتب علامة المأمون وقال عبيد اللّه بن جبرائيل بن بختيشوع في مناقب الأطباء إن حنيناً لما قوي أمره وانتشر ذكره بين الأطباء واتصل خبره بالخليفة أمر بإحضاره فلما حضر أقطع إقطاعات حسنة وقرر له جار جيد وكان يشعره بزبور الروم وكان الخليفة يسمع بعلمه ولا يأخذ بقوله دواء يصفه حتى يشاور فيه غيره وأحب امتحانه حتى يزول ما في نفسه عليه ظناً منه أن ملك الروم ربما كان عمل شيئاً من الحيلة به فاستدعاه يوماً وأمر بأن يخلع عليه وأحضر توقيعاً فيه إقطاع يشتمل على خمسين ألف درهم فشكر له حنين هذا الفعل ثم قال بعد أشياء جرت أريد أن تصف لي دواء يقتل عدواً نريد قتله ولم يمكن إشهاره ونريده سراً فقال حنين يا أمير المؤمنين إني لم أتعلم إلا الأدوية النافعة وما علمت أن أمير المؤمنين يطلب مني غيرها فإن أحب أن أمضي وأتعلم فعلت ذلك فقال هذا شيء يطول ورغبه وهدده وهو لا يزيد على ما قاله إلى أن أمر بحبسه في بعض القلاع ووكل به من يوصل خبره إليه وقتاً بوقت ويوماً بيوم فمكث سنة في حبسه دأبه النقل والتفسير والتصنيف وهو غير مكترث بما هو فيه فلما كان بعد سنة أمر الخليفة بإحضاره وإحضار أموال يرغبه فيها وأحضر سيفاً ونطعاً وسائر آلات العقوبات فلما حضر قال هذا شيء قد كان ولا بد ما قلته لك فإن أنت فعلت فقد فزت بهذا المال وكان لك عندي أضعافه وإن امتنعت قابلتك بشر مقابلة وقتلتك شر قتلة فقال حنين قد قلت لأمير المؤمنين إني لم أحسن إلا الشيء النافع ولم أتعلم غيره فقال الخليفة فإني أقتلك قال حنين لي رب يأخذ بحقي غداً في الموقف الأعظم فإن اختار أمير المؤمنين أن يظلم نفسه فليفعل فتبسم الخليفة وقال له يا حنين طب نفساً وثق إلينا فهذا الفعل كان منا لامتحانك لأنا حذرنا من كيد الملوك وإعجابنا لننتفع بعلمك فقبل حنين الأرض وشكر له فقال له الخليفة يا حنين ما الذي منعك من الإجابة مع ما رأيته من صدق عزيمتنا في الحالين فقال حنين شيئان يا أمير المؤمنين قال وما هما قال الدين والصناعة قال فكيف قال الدين يأمرنا بفعل الخير والجميل مع أعدائنا فكيف أصحابنا وأصدقائنا ويبعد ويحرم من لم يكن كذا والصناعة تمنعنا من الإضرار بأبناء الجنس لأنها موضوعة لنفعهم ومقصورة على مصالحهم ومع هذا فقد جعل اللّه في رقاب الأطباء عهداً مؤكداً بأيمان مغلظة أن لا يعطوا دواء قتالاً ولا ما يؤذي فلم أر أن أخالف هذين الأمرين من الشريعتين ووطنت نفسي على القتل فإن اللّه ما كان يضيع من بذل نفسه في طاعته وكان يثيبني فقال الخليفة إنهما لشريعتان جليلتان وأمر بالخلع فخلعت عليه وحمل المال بين يديه وخرج من عنده وهو أحسن الناس حالاً وجاهاً أقول وكان لحنين ولدان داؤد وإسحاق وصنف لهما كتباً طبية في المبادئ والتعليم ونقل لهما كتباً كثيرة من كتب جالينوس فأما داؤد فإني لم أجد له شهرة بنفسه بين الأطباء ولا يوجد له من الكتب ما يدل على براعته وعلمه وإن كان الذي يوجد له إنما هو كناش واحد وأما إسحاق فإنه اشتهر وتميز في صناعة الطب وله تصانيف كثيرة ونقل إسحاق من الكتب اليونانية إلى اللغة العربية كتباً كثيرة إلا أن جل عنايته كانت مصروفة إلى نقل الكتب الحكمية مثل كتب أرسطوطاليس وغيره من الحكماء‏.‏
    وأما حنين أبوه فكان مهتماً بنقل الكتب الطبية وخصوصاً كتب جالينوس حتى أنه في غالب الأمر لا يوجد شيء من كتب جالينوس إلا وهي بنقل حنين أو بإصلاحه لما نقل غيره فإن رؤي شيء منها وقد تفرد بنقله غيره من النقلة مثل اسطاث وابن بكس والبطريق وأبي سعيد عثمان الدمشقي وغيرهم فإنه لا يعنى به ولا يرغب فيه كما يكون بنقل حنين وإصلاحه وإنما ذلك لفصاحته وبلاغته ولمعرفته أيضاً بآراء جالينوس ولتمهره فيها ووجدت بعض الكتب الست عشرة لجالينوس وقد نقلها من الرومية إلى السريانية سرجس المتطبب ونقلها من السريانية إلى العربية موسى بن خالد الترجمان فلما طالعتها وتأملت ألفاظها تبين لي بين نقلها وبين الست عشرة التي هي نقل حنين تباين كثير وتفاوت بين وأين الألكن من البليغ والثرى من الثريا وكان حنين أيضاً ماهراً في صناعة الكحل وله تصانيف مشهورة بالجودة فيها وحدثني الشيخ شهاب الدين عبد الحق الصقلي النحوي إن حنين بن إسحاق كان يشتغل في العربية مع سيبويه وغيره ممن كانوا يشتغلون على الخليل بن أحمد وهذا لا يبعد فإنهما كانا في وقت واحد على زمان المأمون وإننا نجد في كلامه وفي نقله ما يدل على فصاحته وفضله في العربية وعلمه بها حتى أن له تصانيف في ذلك وقال سليمان بن حسان إن حنيناً نهض من بغداد إلى أرض فارس وكان الخليل بن أحمد النحوي بأرض فارس فلزمه حنين حتى برع في لسان العرب وأدخل كتاب العين بغداد ثم اختير للترجمة واؤتمن عليها وكان المتخير له المتوكل على اللّه ووضع له كتَّاباً نحارير عالمين بالترجمة وكانوا يترجمون ويتصفح ما ترجموا كاصطفن بن بسيل وموسى بن خالد الترجمان قال وخدم حنين بالطب المتوكل على اللّه وحظيفي أيامه وكان يلبس زناراً وتعلم لسان اليونانيين بالاسكندرية وكان جليلاً في ترجمته وهو الذي أوضح معاني كتب أبقراط وجالينوس ولخصها أحسن تلخيص وكشف ما استغلق منها وأوضح مشكلها وله تواليف نافعة مثقفة بارعة وعمد إلى كتب جالينوس فاحتذى فيها حذو الاسكندرانيين وصنعها على سبيل المسألة والجواب فأحسن في ذلك وقال حنين بن إسحاق عن نفسه إن جميع ما قد كان يملكه من الكتب ذهب حتى لم يبق عنده منها ولا كتاب واحد ذكر ذلك في مقالته في فهرست كتب جالينوس وقال أبو علي القباني كان حنين في كل يوم عند نزوله من الركوب يدخل الحمام فيصب عليه الماء ويخرج فيلتف بقطيفة وقد أعد له هناب من فضة فيه رطل شراب وكعكة مثرودة فيأكلها ويشرب الشراب ويطرح نفسه حتى يستوفي عرقه وربما نام ثم يقوم ويتبخر ويقدم له طعامه وهو فروج كبير مسمن وقد طبخ زيرباجه ورغيف فيه مائتا درهم فيحسو من المرق ثم يأكل الفروج والخبز وينام فإذا انتبه شرب أربعة أرطال شراباً عتيقاً ولم يذق غير هذا طول عمره فإذا اشتهى الفاكهة الرطبة أكل التفاح الشامي والرمان والسفرجل وقال أحمد بن الطيب السرخسي في كتاب اللهو والملاهي قال حنين المتطبب وافاني في بعض الليالي أيام المتوكل رسل من دارالخليفة يطلبوني ويقولون الخليفة يريدك ثم وافت بعدهم طائفة ثم وافاني زرافة فأخرجني من فراشي ومضى بي ركضاً حتى أدخلني إلى الخليفة فقال يا سيدي هوذا حنين قال فقال ادفعوا إلى زرافة ما ضمنا له قال فدفع إليه ثلاثون ألف درهم ثم أقبل علي فقال أنا جائع فما ترى في العشاء فقلت له في ذلك قولاً فلما فرغ من أكله سألت عن الخبر فقيل لي أن مغنياً غناه صوتاً فسأله لمن هو فقال لحنين بن بلوع العبادي فأمر زرافة بإحضار حنين بن بلوع العبادي فقال له يا أمير المؤمنين لا أعرفه فقال لا بد منه وإن أحضرته فلك ثلاثون ألف درهم قال فأحضرني ونسي المتوكل السبب بما كان في رأسه من النبيذ وحضرت وقد جاع فأشرت عليه بأن يقطع النبيذ ويتعشى وينام ففعل أقول كان مولد حنين في سنة مائة وأربع وتسعين للهجرة وتوفي في زمان المعتمد على اللّه وذلك في يوم الثلاثاء أول كانون الأول من سنة ألف ومائة وثمان وثمانين للأسكندر وهو لست خلون من صفر سنة مائتين وأربع وستين للهجرة وكانت مدة حياته سبعين سنة وقيل إنه مات بالذرب‏.‏
    وقال سليمان بن حسان المعروف بابن جلجل إن حنين بن إسحاق مات بالغم من ليلته في أيام المتوكل قال حدثني بذلك وزير أمير المؤمنين الحكم المستنصر باللّه قال قال كنت مع أمير المؤمنين المستنصر فجرى الحديث فقال أتعلمون كيف كان موت حنين بن إسحاق قلنا لا يا أمير المؤمنين قال خرج المتوكل على اللّه يوماً وبه خمار فقعد في مقعده فأخذته الشمس وكان بين يديه الطيفوري النصراني الطبيب وحنين بن إسحاق فقال له الطيفوري يا أمير المؤمنين الشمس تضر بالخمار فقال المتوكل لحنين ما عندك فيما قال فقال حنين يا أمير المؤمنين لا تضر بالخمار فلما تناقضا بين يديه طلب كشفهما عن صحة أحد القولين فقال حنين يا أمير المؤمنين الخمار حال للمخمور والشمس لا تضر بالخمار إنما تضر المخمور فقال المتوكل لقد أحرز من طبائع الالفاظ وتحديد المعاني ما فاق به نظراءه فوجم لها الطيفوري فلما كان في غد ذلك اليوم أخرج حنين من كمه كتاباً فيه صورة المسيح مصلوباً وصور ناس حوله فقال له الطيفوري يا حنين هؤلاء صلبوا المسيح قال نعم فقال له ابصق عليهم قال حنين لا أفعل قال الطيفوري ولم قال لأنهم ليسوا الذين صلبوا المسيح إنما هي صور فاشتد ذلك على الطيفوري ورفعه إلى المتوكل يسأله إباحة الحكم عليه بديانة النصرانية فبعث إلى الجاثليق والأساقفة وسئلوا عن ذلك فأوجبوا اللعنة على حنين فلعن سبعين لعنة بحضرة الملأ من النصارى وقطع زناره وأمر المتوكل أن لا يصل إليه دواء من قبل حنين حتى يستشرف على عمله الطيفوري وانصرف حنين إلى داره فمات من ليلته فيقال مات غماً وأسفاً أقول هذه حكاية ابن جلجل وكذلك أيضاً وجدت أحمد بن يوسف بن إبراهيم قد ذكر في رسالته في المكافأة ما يناسب هذه الحكاية عن حنين والأصح في ذلك أن بختيشوع بن جبرائيل كان يعادي حنين بن إسحاق ويحسده على علمه وفضله وما هو عليه من جودة النقل وعلو المنزلة فاحتال عليه بخديعة عند المتوكل وتم مكره عليه حتى أوقع المتوكل به وحبسه ثم إن اللّه تعالى فرج عنه وظهر ما كان احتال به عليه بختيشوع بن جبرائيل وصار حنين حظياً عند المتوكل وفضله على بختيشوع وعلى غيره من سائر المتطببين ولم يزل على ذلك في أيام المتوكل إلى أن مرض حنين فيما بعد المرض الذي توفي فيه وذلك في سنة أربع وستين ومائتين وتبين لي جملة ما يحكى عن حنين من ذلك وصح عندي من رسالة وجدت حنين بن إسحاق قد ألفها فيما أصابه من المحن والشدائد من الذين ناصبوه العداوة من أشرار أطباء زمانه المشهورين وهذا نص قوله قال حنين بن إسحاق إنه لحقني من أعدائي ومضطهدي الكافرين بنعمتي الجاحدين لحقي الظالمين لي المتعدين علي من المحن والمصائب والشرور ما منعني من النوم وأسهر عيني وأشغلني عن مهماتي وكل ذلك من الحسد لي على علمي وما وهبه اللّه عزّ وجلّ لي من علو المرتبة على أهل زماني وأكثر أولئك أهلي وأقربائي فإنهم أول شروري وابتداء محني ثم من بعدهم الذين علمتهم وأقرأتهم وأحسنت إليهم وأرقدتهم وفضلتهم على جماعة أهل البلد من أهل الصناعة وقربت إليهم علوم الفاضل جالينوس فكافؤوني عوض المحاسن مساوئ بحسب ما أوجبته طباعهم وبلغوا بي إلى أقبح ما يكون من إذاعة أوحش الأخبار وكتمان جليل الأسرار حتى ساءت بي الظنون وامتدت إلي العيون ووضع علي الرصد حتى أنه كان يحصى علي ألفاظي ويكثر اتهامي بما دق منها مما ليس غرض فيه ما أومأوا إليه فأوقعوا بغضتي في نفوس سائر أهل الملل فضلاً عن أهل مذهبي وعملت لي المجالس بالتأويلات الرذلة‏.‏
    ولما اتصل ذلك بي حمدت اللّه حمداً جديداً وصبرت على ما قد دفعت إليه فآلت القضية بي إلى أن بقيت بأسوأ ما يكون من الحال من الإضاقة والضر محبوساً مضيقاً علي مدة من الزمان لا تصل يدي إلى شيء من ذهب ولا فضة ولا كتاب وبالجملة ولا ورقة أنظر فيها ثم إن اللّه عزّ وجلّ نظر إليّ بعين رحمته فجدد لي نعمه وردني إلى ما كنت عارفاً به من فضله وكان سبب رد نعمتي إلي بعض من كان قد التزم عداوتي واختص بها ومن ها هنا صح ما قاله جالينوس إن الأخيار من الناس قد ينتفعون بأعدائهم الأشرار فلعمري لقد كان ذلك أفضل الأعداء وأنا الآن مبتدئ بذكر ما جرى علي مما تقدم ذكره فأقول كيف لا أبغض ويكثر حاسدي ويكثر ثلبي في مجالس ذوي المراتب ويبذل في قتلي الأموال ويعز من شتمني ويهان من أكرمني كل ذلك بغير جرم لي إلى واحد منهم ولا جناية لكنهم لما رأوني فوقهم وعالياً عليهم بالعلم والعمل ونقلي إليهم العلوم الفاخرة من اللغات التي لا يحسنونها ولا يهتدون إليها ولا يعرفون شيئاً منها في نهاية ما يكون من حسن العبارة والفصاحة ولا نقص فيها ولا زلل ولا ميل لأحد من الملل ولا استغلاق ولا لحن باعتبار أصحاب البلاغة من العرب الذين يقومون بمعرفة وجوه النحو والغريب ولا يعثرون على سيئة ولا شكلة ولا معنى لكن بأعذب ما يكون عن اللفظ وأقربه إلى الفهم يسمعه من ليس صناعته الطب ولا يعرف شيئاً من طرقات الفلسفة ولا من ينتحل ديانة النصرانية وكل الملل فيستحسنه ويعرف قدره حتى إنهم قد يغرمون علي ما كان من الذي أنقل الأموال الكثيرة إذا كانوا يفضلون هذ النقل على نقل كل من قبلي وأيضاً فأقول ولا أخطئ أن سائر أهل الأدب وإن اختلفت مللهم محبون لي مائلون إلي مكرمون لي يأخذون ما أفيدهم بشكر ويجازوني بكل ما يصلون إليه من الجميل فأما هؤلاء الأطباء النصارى الذين أكثرهم تعلموا بين يدي نشأوا قدامي هم الذين يرومون سفك دمي على أنهم لا بد لهم مني فمرة يقولون من هو حنين إنما حنين ناقل لهذه الكتب ليأخذ على نقله الأجرة كما يأخذ الصناع الأجرة على صناعتهم ولا فرق عندنا بينه وبينهم لأن الفارس قد يعمل له الحداد بالسيف في المثل بدينار ويأخذ هو من أجله في كل شهر مائة دينار فهو خادم لأدائنا وليس هو عامل بها كما أن الحداد وإن كان يحسن صنعة السيف إلا أنه ليس يحسن يعمل به فما للحداد وطلب الفروسية كذلك هذا الناقل ماله والكلام في صناعة الطب ولم يحكم في عللها وأمراضها وإنما قصده في ذلك التشبيه بنا ليقال حنين الطبيب ولا يقال حنين الناقل والأجود له لو أنه لزم صناعته وأمسك عن ذكر صناعتنا لقد كان يكون أجدى عليه فيما كنا سنوصله إليه من أموالنا ونحسن إليه ما أمكننا وذلك يتم له بترك أخذ المجلس والنظر في قوارير الماء ووصف الأدوية ويقولون إن حنيناً ما يدخل إلى موضع من الدور الخاصة والعامة إلا يهزؤون به ويتضاحكون منه عند خروجه فكنت كلما سمعت شيئاً من هذا ضاق به صدري وهممت أن أقتل نفسي من الغيظ والزرد وما كان لي إليهم سبيل إذ كان الواحد لا يستوي له مقاومة الجامعة عند تظافرهم عليه لكني كنت أضمر وأعلم أن حسدهم هو الذي يدعوهم إلى سائر الأشياء وإن كان لا يخفى عليهم قبحها فإن الحسد لم يزل بين الناس على قديم الأيام حتى من يعتقد الديانة قد يعلم أن أول حاسد كان في الأرض قابيل في قتله لأخيه هابيل لما لم يقبل اللّه قربانه وقبل قربان هابيل وما لم يزل قديماً فليس بعجب أن أكون أنا أيضاً أحد من يؤذى بسببه وقد يقال كفى بالحاسد حسده ويقال إن الحاسد يقتل نفسه قبل عدوه ولقد أكثرت العرب ذكر الحسد في الشعر ونظموا فيه الأبيات منها قول بعضهم إن يحسدوني فإني غير لائمهم قبلي من الناس أهل الفضل قد حسدوا فدام لي ولهم ما بي وما بهم ومات أكثرنا غيظاً بما يجد أنا الذي يجدوني في صدورهم لا أرتقي صعداً منها ولا أرد وقد قال قائل هذا وغيره في مثل هذا مما يطول ذكره مع قلة الفائدة فيه وهذا أيضاً مع أن أكثرهم إذا دهمهم الأمر في مرض صعب فإليّ يصير حتى يتحقق معرفته مني ويأخذ عني له صفة دوائه وتدبيره ويتبين الصلاح فيما أُمر به أن يعمل لا مرة ولا مراراً وهذا الذي يجيئني ويقتدي برأيي هو أشد الناس علي غيظاَ وأكثرهم لي ثلباً وليس أزيدهم على أن أحكم رب الكل بيني وبينهم وإنما سكوتي عنهم لأنهم ليس هم واحداً ولا اثنين ولا ثلاثة بل هم ستة وخمسون رجلاً جملتهم من أهل المذهب محتاجون إلي وأنا غير محتاج إليهم وأيضاً فإن إثرتهم مع كثرتهم قوية بخدمة الخلفاء وهم أصحاب المملكة وأنا فأضعف عنهم من وجهين أحدهما وحدتي والثانية إن الذين يعنون بي من الناس محتاجون إلى الأصل الذي يعنى بأعدائي الذي هو أمير المؤمنين ومع هذا كله لا أشكو إلى أحد ما أنا عليه وإن كان عظيماً بل أبوح بشكرهم في المحافل وعند الرؤساء فإن قيل لي إنهم يثلبونك وينتقصون بك في مجالسهم أدفع ذلك وأرى أني غير مصدق شيء مما يقال لي بل أقول إنا نحن شيء واحد تجمعنا الديانة والبلدة والصناعة فما أصدق أن مثلهم يذكر أحداً من الناس فضلاًعني بسوء فإذا سمعوا عني مثل هذا القول قالوا قد جزع وأعطى من نفسه الصمة وكلما ثلبوني زدت في الشكر لهم وأنا الآن ذاكر ها هنا آخر الآبار التي حفروها لي سوى ما كان لي معهم قديماً خاصة مع بني موسى والجالينوسيين والبقراطيين في أمر البهت الأول وهذه قصة المحنة الأخيرة القريبة وهي أن بختيشوع بن جبرائيل المتطبب عمل على حيلة تمت له علي وأمكنته مني إرادته في وذلك أنه استعمل قونة عليها صورة السيدة مار مريم وفي حجرها سيدنا المسيح والملائكة قد احتاطوا بهما وعملها في غاية ما يكون من الحسن وصحة الصورة بعد أن غرم عليها من المال شيئاً كثيراً ثم حملها إلى أمير المؤمنين المتوكل وكان هو المستقبل لها من يد الخادم الحامل لها وهو الذي وضعها بين يدي المتوكل فاستحسنها المتوكل جداً وجعل بختيشوع يقبلها بين يديه مراراً كثيرة فقال له المتوكل لم تقبلها فقال له يا مولانا إذا لم أقبل صورة سيدة العالمين فمن أقبل فقال له المتوكل وكل النصارى هكذا يفعلون فقال نعم يا أمير المؤمنين وأفضل مني لأني أنا قصرت حيث أنا بين يديك ومع تفضيلنا معشر النصارى فإني أعرف رجلاً في خدمتك وإفضالك وأرزاقك جارية عليه من النصارى يتهاون بها ويبصق عليها وهو زنديق ملحد لا يقر بالوحدانية ولا يعرف آخرة يستتر بالنصرانية وهو معطل مكذب بالرسل فقال له المتوكل من هذا الذي هذه صفته فقال له حنين المترجم فقال المتوكل أوجه أحضره فإن كان الأمر على ما وصفت نكلت به وخلدته المطبق مع ما أتقدم به في أمره من التضييق عليه وتجديد العذاب فقال أنا أحب أن يؤخر مولاي أمير المؤمنين إلى أن أخرج وأقيم ساعة ثم تأمر بإحضاره فقال إني أفعل ذلك فخرج بختيشوع من الدار وجاءني فقال يا أبا زيد أعزك اللّه ينبغي أن تعلم أنه قد أهدي إلى أمير المؤمنين قونة قد عظم عجبه بها وأحسبها من صور الشام وقد استحسنها جداً وإن نحن تركناها عنده ومدحناها بين يديه تولع بنا بها في كل وقت وقال هذا ربكم وأمه مصورين وقد قال لي أمير المؤمنين انظر إلى هذه الصورة ما أحسنها وايش تقول فيها فقلت له صورة مثلها يكون في الحمامات وفي البيع وفي المواضع المصورة وهذا مما لا نبالي به ولا نلتفت إليه فقال وليس هي عندك شيء قلت لا قال فإن تكن صادقاً فابصق عليها فبصقت وخرجت من عنده وهو يضحك ويعطعط بي وإنما فعلت ذلك ليرمي بها ولا يكثر الولع بنا بسببها ويميزنا دائماً ولا سيما إن حرد أحد من ذلك فإن الولع يكون أزيد والصواب إن دعا بك وسألك عن مثل ما سألني أن تفعل كما فعلت أنا فإني قد عملت على لقاء سائر من يدخل إليه من أصحابنا وأتقدم إليهم أن يفعلوا مثل ذلك فقبلت ما وصاني به وجازت علي سخريته وانصرف فما كان إلا ساعة حتى جاءني رسول أمير المؤمنين فأخذني إليه فلما دخلت عليه إذ القونة موضوعة بين يديه فقال لي يا حنين ترى ما أحسن هذه الصورة وأعجبها فقلت واللّه إنه لكما ذكر أمير المؤمنين فقال فأيش تقول فيها فقال أو ليس هي صورة ربكم وأمه فقلت معاذ اللّه يا أمير المؤمنين إن للّه تعالى صورة أو يصور ولكن هذا مثال في سائر المواضع التي فيها الصور فقال فهذه لا تنفع ولا تضر فقلت هو كذلك يا أمير المؤمنين فقال فإن كان الأمرعلى ما ذكرت فابصق عليها فبصقت عليها فللوقت أمر بحبسي ووجه إلى ثوذسيس الجاثليق فأحضره فلما دخل عليه ورأى القونة موضوعة بين يديه وقع عليها قبل أن يدعو له فاعتنقها ولم يزل يقبلها ويبكي طويلاً فذهب الخدم ليمنعوه فأمر بتركه فلما قبلها طويلاً على تيك الحالة أخذها بيده وقام قائماً فدعا لأمير المؤمنين وأطنب في دعائه فرد عليه وأمره بالجلوس فجلس وترك القونة في حجره‏.‏
    فقال له المتوكل أي فعل هذا تأخذ شيئاً كان بين يدي وتتركه في حجرك عن غير إذني فقال له الجاثليق نعم يا أمير المؤمنين أنا أحق بهذه التي بين يديك وإن كان لأميرالمؤمنين أطال اللّه بقاءه أفضل الحقوق غير أن ديانتي لم تدعني أن أدع صورة ساداتي مرمية على الأرض وفي موضع لا يعرف مقدارها بل لعله أن يعرف لها قدره لأن هذه حقها أن تكون في موضع يعرف فيه حقها ويسرج بين يديها أفضل الأدهان من حيث لا تطفأ قناديلها مع ما يبخر به بين يديها من أطاييب البخور في أكثر الأوقات فقال أميرالمؤمنين فدعها في حجرك الآن فقال الجاثليق إني أسأل مولاي أمير المؤمنين أن يجود بها علي ويعمل على أنه قد يقطعني ما مقدار قيمته مائة ألف دينار في كل سنة حتى أقضي من حقها ما يجب علي ثم يسألني أمير المؤمنين ما أحب بعد ذلك فيما أرسل إلي بسببه فقال له قد وهبتها لك وأنا أريد أن تعرفني ما جزاء من بصق عليها عندك فقال له الجاثليق إن كان مسلماً فلا شيء عليه لأنه لا يعرف مقدارها لكن يعرّف ذلك ويلام ويوبخ على مقدار ما فعل حتى لا يعود إلى مثل ذلك مرة أخرى وإن كان نصرانياً وكان جاهلاً لا يفهم ولا معرفة عنده فيلام ويزجر بين الناس ويتهدد بالجروم العظيمة ويعذل حتى يتوب وبالجملة إن هذا فعل لا يقوم عليه إلا جاهل لا يعرف مقدار الديانة فإن كان عاقلاً وقد بصق عليها فقد بصق على مريم أم سيدنا وعلى سيدنا المسيح فقال له أمير المؤمنين فما الذي يجب على من فعل ذلك عندك فقال ما عندي يا أمير المؤمنين إذ كنت لا سلطان لي أن أعاقبه بسوط أو بعصا ولا لي حبس ضنك بل أحرمه وأمنعه من الدخول إلى البيع ومن القربان وأمنع النصارى من ملابسته وكلامه وأضيق عليه ولا يزال مرفوضاً عندنا إلى أن يتوب ويقلع عما كان عليه وينتقل ويتصدق ببعض ماله على الفقراء والمساكين مع لزوم الصوم والصلاة فحينئذ نرجع إلى ما قال كتابنا وهو إن لم تعفوا للخاطئين لم يغفر لكم خطاياكم فنحل حرم الجاني ونرجع إلى ما كنا عليه ثم إن أمير المؤمنين أمر الجاثليق بأن يأخذ القونة وقال له افعل بها ما تريد وأمر له معها ببدرة دراهم وقال له أنفق ما تأخذه على قونتك فلما خرج الجاثليق لبث قليلاً يتعجب منه ومن محبته لمعبوده وتعظيمه إياه ثم قال إن هذا الأمر عجيب‏.‏
    ثم أمر بإحضاري فأحضرت إليه وأحضر السوط والحبال وأمر بي فشددت مجرداً بين يديه وضربت مائة سوط وأمر باعتقالي والتضييق علي ووجه فحمل جميع ما كان لي من رحل وأثاث وكتب وما شاكل ذلك وأمر بنقض منازلي إلى الماء وأقمت في داخل داره معتقلاً ستة أشهر في أسوأ ما يكون من الحال حتى صرت رحمة لمن رآني وكان أيضاً في كل يسير من الأيام يوجه يضربني ويجدد لي العذاب فلم أزل على ما شرحته إلى أن اعتل أمير المؤمنين وذلك في اليوم الخامس من الشهر الرابع من يوم حبسي وكانت علته صعبة جداً فأقعد ولم تمكنه الحركة وأيس منه وأيس هو أيضاً من نفسه ومع ذلك فإن أعدائي الأطباء عنده ليلاً ونهاراً ولا يزايلونه ساعة واحدة وهم يعالجونه ويداوونه ويسألونه في كل وقت في أمري ويقولون له لو أراحنا مولانا أمير المؤمنين من ذلك الزنديق الملحد لأراح منه الدنيا وانكشف عن الدين منه محنة عظيمة فلما طالت مسألتهم له في أمري وكثر ذكرهم لي بين يديه بكل سوء قال لهم فما الذي يسركم أن أفعل به قالوا تريح العالم منه وكان مع ذلك كل من سأل في أمري وتشفع في من أصدقائي يقول بختيشوع يا أمير المؤمنين هذا بعض تلاميذه وهو يعتقد اعتقاده فيقل المعين لي ويكثر المحرك علي وأيست من الحياة فقال لهم أمير المؤمنين وقد لجوا عليه في السؤال فإني أقتله في غد يومنا هذا وأريحكم منه فسر بذلك الجماعة وانصرفوا على ما يحبون فجاءني بعض الخدم وقال لي إنه جرى في أمرك العيش كذا وكذا فسألت اللّه عزّ وجلّ التفضل بما لم تزل أياديه إلي بأمثاله مع ما أنا فيه من كثرة الاهتمام وشغل القلب مما أخاف نزوله بي في غد بغير جرم أستوجبه ولا جناية جنيتها بل بحيلة من احتال علي وطاعتي من اغتالني وقلت اللهم إنك عالم براءتي فأنت أولى بنصرتي وطال بي الفكر إلى أن حملني النوم فإذا بهاتف يحركني ويقول لي قم فاحمد اللّه وأثن عليه فقد خلصك من أيدي أعدائك وجعل عافية أمير المؤمنين على يديك فطب نفساً فانتبهت مرعوباً ثم قلت كلما كثر ذكره في اليقظة لم تنكر رؤيته عند النوم فلم أزل أحمد اللّه وأثني عليه إلى أن جاء وجه الصبح فجاءني الخادم ففتح علي الباب ولم يكن وقته الذي يجيئني فيه فقلت هذا وقت منكر جاءني ما وعدت به البارحة‏.‏
    وقد جاء وقت رضاء أعدائي وشماتتهم بي واستعنت باللّّه فما جلس الخادم إلا هنيهة إذ جاء غلامه ومعه مزين ثم قال تقدم يا مبارك ليؤخذ من شعرك فتقدمت فأخذ من شعري ثم مضى بي إلى الحمام فأمر بغسلي وتنظيفي والقيام علي بالطيب كما أمره مولاي أمير المؤمنين ثم خرجت من الحمام فطرح علي ثياباً فاخرة وردني إلى مقصورته إلى أن حضر سائر الأطباء عند أمير المؤمنين وأخذ كل واحد منهم موضعه فدعاني أمير المؤمنين وقال هاتوا حنيناً فلم تشك الجماعة أنه إنما دعاني لقتلي فأدخلت إليه فنظر إلي ولم يزل يدنيني إلى أن أجلسني بين يديه وقال لي قد غفرت لك ذنبك وأجبت السائل فيك فاحمد اللّه على حياتك وأشر علي بما ترى فقد طالت علتي فأخذت مجسته وأشرت بأخذ خيار شنبر منقى من قصبه وترنجبين لأنه شكا اعتقالاً مع ما كان يوجبه الصورة من استعمال هذا الدواء فقال الأطباء الأعداء نعوذ باللّه يا أمير المؤمنين من استعمال هذا الدواء إذ كان له غائلة ردية فقال لهم أمسكوا فقد أمرت أن آخذ ما يصفه لي ثم إنه أمر بإصلاحه فأصلح وأخذه لوقته ثم قال لي يا حنين اجعلني من كل ما فعلته بك من حل فشفيعك إلي قوي فقلت له مولاي أمير المؤمنين في حل من دمي فكيف وقد مَنَّ علي بالحياة ثم قال تسمع الجماعة ما أقوله فنصتوا إليه فقال اعلموا أنكم انصرفتم البارحة مساء على أني أبكر أقتل حنيناً كما ضمنت لكم فلم أزل أقلق إلى نصف الليل متوجعاً فلما كان ذلك الوقت أغفيت فرأيت كأني جالس في موضع ضيق وأنتم معشر الأطباء بعيدون عني بعداً كثيراً مع سائر خدمي وحاشيتي وأنا أقول لكم ويحكم ما تنظرون إلي في أي موضع أنا هذا يصلح لمثلي وأنتم سكوت لا تجيبوني عما أخاطبكم به فإذا أنا كذلك حتى أشرق علي في ذلك الموضع ضياء عظيم مهول حتى رعبت منه و إذا أنا برجل قد وافى جميل الوجه ومعه آخر خلفه عليه ثياب حسنة فقال السلام عليك فرددت عليه فقال لي تعرفني فقلت لا فقال أنا المسيح فقلقت وتزعزعت وقلت من هذا الذي معك فقال حنين بن إسحاق فقلت اعذرني فلست أقدر أن أقوم أصافحك فقال اعف عن حنين واغفر ذنبه فقد غفر اللّه له واقبل ما يشير به عليك فإنك تبرأ من علتك فانتبهت وأنا مغموم بما جرى على حنين مني ومفكر في قوة شفيعة إلي وأن حقه الآن علي واجب فانصرفوا ليلزمني كما أمرت وليحمل إلي كل واحد منكم عشرة آلاف درهم لتكون دية من سأل في قتله‏.‏
    وهذا المال يلزم من حضر المجلس البارحة وسأل في قتله ومن لم يكن حاضراً فلا شيء عليه ومن لم يحمل ما أمرت بحمله من هذا المال لأضربن عنقه ثم قال لي اجلس أنت والزم رتبتك وخرج الجماعة فحمل كل واحد منهم عشرة آلاف درهم فلما اجتمع سائر ما حملوه أمر بأن يضاف إليه مثله من خزانته فكان زائداً عن مائتي ألف درهم وأن يسلم إلي ففعل ذلك فلما كان آخر النهار وقد أقامه الدواء ثلاثة مجالس أحس بصلاح وخف ما كان يجد فقال يا حنين أبشر بكل ما تحب فقد عظمت رتبتك عندي وزادت طبقتك أضعاف ما كنت عليه عندي فسأعوضك أضعاف ما كان لك وأحوج أعداءك إليك وأرفعك على سائر أهل صناعتك ثم إنه أمر بإصلاح ثلاث دور من دوره التي لم أسكن قط منذ نشأت في مثلها ولا رأيت لأحد من أهل صناعتي مثلها وحمل إليها سائر ما كنت محتاجاً من الأواني والفرش والآلة والكتب وما يشاكل ذلك بعد أن أشهد لي بالدور وتوثق لي بشهادات العدول لأنها كانت خطيرة في قيمتها لأنها تقوم بألوف دنانير فلمحبته لي وميله إلي أحب أن تكون لي ولعقبي ولا تكون علي حجة لمعترض فلما فرغ مما أمر به من الحمل إلى الدور وجميع ما ذكر وتعليقها بأنواع الستور ولم يبق غير المضي إليها أمر بحمل المال الضعف الكثير بين يدي وحملني على خمسة أرؤس من خيار بغلاته الخاصة بمواكبها ووهب لي ثلاثة خدم روم وأمر لي في كل شهر بخمسة عشر ألف درهم وأطلق لي الفائت من رزقي في وقت حبسي فكان شيئاً كثيراً وحمل من جهة الخدم والحرم وسائر الحاشية والأهل ما لا يمكن أن يحصى من الأموال والخلع والإقطاع وحصلت وظائفي التي كنت آخذها خارج الدار من سائر الناس آخذها من داخل الدار وصرت المقدم على سائر الأطباء من أعواني وغيرهم وهذا تم لي لما لحقتني السعادة التامة وهذا ما جرى علي بعداوة الأشرار كما قال جالينوس إن الأخيار من الناس قد ينتفعون بأعدائهم الأشرار ولعمري لقد لحق جالينوس محن عظيمة إلا أنها لم تكن تبلغ إلى ما بلغت بي أنا هذه المحن وإني لأعلم مراراً كثيرة أن أول من كان يعدو إلى باب داري في حاجة تكون له إلى أمير المؤمنين أو أن يسألني عن مرض قد حار فيه أحد أعدائي الذين قد عرفتك ما لحقني منهم‏.‏
    وكنت وحق معبودي العلة الأولى أسارع في قضاء حوائجهم وأخلص لهم المودة ولم أكافئهم على شيء مما صنعوه بي ولا واحداً منهم أخذته بذلك فكان سائر الناس يتعجبون من حسن قضائي حوائجهم بعد ما كانوا يسمعونهم يقولون في عند الناس وخاصة عند مولاي أمير المؤمنين وصرت أنقل لهم الكتب على الرسم بغير عوض ولا جزاء وأسارع إلى جميع محابهم بعد أن كنت إذا نقلت لأحدهم كتاباً أخذت منه وزنه دراهم أقول وجدت من هذه الكتب كتباً كثيرة وكثيراً منها اقتنيته وهي مكتوبة مولد الكوفي بخط الأزرق كاتب حنين وهي حروف كبار بخط غليظ في أسطر متفرقة وورقها كل ورقة منها بغلظ ما يكون من هذه الأوراق المصنوعة يومئذ ثلاث ورقات أو أربع وذلك في تقطيع مثل ثلث البغدادي وكان قصد حنين بذلك تعظيم حجم الكتاب وتكثير وزنه لأجل ما يقابل به من وزنه دراهم وكان ذلك الورق يستعمله بالقصد ولا جرم أن لغلظه بقي هذه السنين المتطاولة من الزمان قال حنين وإنما ذكرت سائر ما تقدم ذكره ليعلم العاقل أن المحن قد تنزل بالعاقل والجاهل والشديد والضعيف والكبير والصغير وأنها وإن كانت لا شك واقعة بهذه الطبقات التي ذكرنا فما سبيل العاقل أن ييئس من تفضل اللّه عليه بالخلاص مما بلي به بل يثق وبحسن ثقته بخالقه ويزيد في تعظميه وتمجيده فالحمد للّه الذي منَّ علي بتجديد الحياة وأظهرني على أعدائي الظالمين لي وجعلني أفضلهم رتبة وأكثرهم حالاً حمداً جديداً دائماً وهذا جملة قول حنين بن إسحاق بلفظه ومن كلام حنين قال الليل نهار الأديب ولحنين بن إسحاق من الكتب كتاب المسائل وهو المدخل إلى صناعة الطب لأنه قد جمع فيه جملاً وجوامع تجري مجرى المبادئ والأوائل لهذا العلم وليس جميع هذا الكتاب لحنين بل إن تلميذه الأعسم حبيشاً تممه ولهذا قال ابن أبي صادق في شرحه له إن حنيناً جمع معاني هذا الكتاب في طروس ومسودات بيض منها البعض في مدة حياته ثم إن حبيش بن الحسن تلميذه وابن أخته رتب الباقي بعده وزاد فيه من عنده زوائد وألحقها بما أثبته حنين في دستوره ولذلك يوجد هذا الكتاب معنوناً بكتاب المسائل لحنين بزيادات حبيش الأعسم والذي يوجد في النسخ من هذا الكتاب أن زيادات حبيش من عند ذكره أوقات الأمراض الأربعة إلى آخر الكتاب‏.‏
    وقال ابن أبي صادق إن زيادات حبيش إنما هي من الكلام في الترياق واستدل على ذلك بأنه قال ثم إن حنين بن إسحاق عمل مقالتين شرح فيهما ما قاله جالينوس في الترياق ولو كان قاله حنين لكان يقول ثم إني عملت مقالتين شرحت فيهما كذا وكذا وقيل أن حنيناً شرع في تأليف هذا الكتاب في أيام المتوكل وقد جعله رئيس الأطباء ببغداد كتاب العشر مقالات في العين وهذا الكتاب يوجد في نسخه اختلاف كثير وليس على مقالاته واحد فإن بعضها توجد مختصرة موجزة في المعنى الذي هي فيه والبعض الآخر قد طول فيه وزاد عما يوجبه تأليف الكتاب والسبب في ذلك أن كل مقالة منه كانت بمفردها من غير التئام لها مع غيرها وذلك لأن حنين يقول في المقالة الأخيرة من هذا الكتاب إني قد كنت ألفت منذ نيف وثلاثين سنة في العين مقالات مفردة نحوت فيها إلى أغراض شتى سألني تأليفها قوم بعد قوم قال ثم إن حبيشاً سألني أن أجمع له ذلك وهو تسع مقالات وأجعله كتاباً واحداً وأن أضيف له للتسع مقالات الماضية مقالة أخرى أذكر فيها كتبهم لعلل العين وهذا ذكر أغراض المقالات التي يضمها هذا الكتاب المقالة الأولى يذكر فيها طبيعة العين وتركيبها والمقالة الثانية يذكر فيها طبيعة الدماغ ومنافعه‏.‏
    المقالة الثالثة يذكر فيها العصب الباصر والروح الباصر وفي نفس الإبصار كيف يكون‏.‏
    والمقالة الخامسة يذكر فيها أسباب الأعراض الكائنة في العين‏.‏
    المقالة السادسة في علامات الأمراض التي تحدث في العين‏.‏
    المقالة السابعة يذكر فيها قوى جميع الأدوية عامة‏.‏
    المقالة الثامنة يذكر فيها أجناس الأدوية للعين خاصة وأنواعها‏.‏
    المقالة التاسعة يذكر فيها مداواة أمراض العين‏.‏
    المقالة العاشرة في الأدوية المركبة الموافقة لعلل العين ووجدت مقالة أخرى حادية عشرة لحنين مضافة إلى هذاا لكتاب يذكر فيها علاج الأمراض التي تعرض في العين بالحديد كتاب في العين على طريق المسألة والجواب ثلاث مقالات ألفه لولديه داؤد وإسحاق وهو مائتان وتسع مسائل اختصار الستة عشر كتاباً لجالينوس على طريق المسألة والجواب اختصره أيضاً لولديه وأكثر ما ألفه من الكتب على طريق المسألة والجواب إنماغرضه بها إلى هذا القصد كتاب الترياق مقالتان اختصاركتاب جالينوس في الأدوية المفردة إحدى عشرة مقالة اختصره بالسرياني وإنما نقل منه إلى العربي الجزء الأول وهو خمس مقالات نقلها لعلي بن يحيى مقالة في ذكر ما ترجم من كتب جالينوس وبعض ما لم يترجم كتبها إلى علي بن يحيى المنجم مقالة في ثبت الكتب التي لم يذكرها جالينوس في فهرست كتبه وصف فيها جميع وقال إن جالينوس يكون صنفها بعد وضعه الفهرست مقالة في اعتذاره لجالينوس فيما قاله في المقالة السابقة من كتاب آراء أبقراط وأفلاطن جمل مقالة جالينوس في أصناف الغلظ الخارج عن الطبيعة على طريق المسألة والجواب جوامع كتاب جالينوس في الذبول على طريق المسألة والجواب جوامع كتاب جالينوس في كتب أبقراط الصحيحة وغير الصحيحة جوامع كتاب جالينوس في الحث على تعلم الطب على طريق المسألة والجواب جوامع كتاب المني لجالينوس على طريق المسألة والجواب ثمار تفسير جالينوس لكتاب الفصول لأبقراط على طريق المسألة والجواب سبع مقالات وكان تأليفه له بالسرياني وإنما نقل منه إلى العربي المقالة الأولى والثانية والثالثة والرابعة وأما الثلاث المقالات الباقية فنقلها إلى العربي عيسى بن صهر بخت ثمار تفسير جالينوس لكتاب تقدمة المعرفة على طريق ا


    _________________

    *******************************************


    طبقات الأطباء السريانيين 13850807941268563665
    د. محمد الهاشم
    د. محمد الهاشم
    إداري
    إداري


    الجنس : ذكر
    الابراج : القوس
    عدد المساهمات : 106
    نقاط : 6491
    السٌّمعَة : 70
    تاريخ التسجيل : 24/02/2012
    العمر : 56

    طبقات الأطباء السريانيين Empty رد: طبقات الأطباء السريانيين

    مُساهمة من طرف د. محمد الهاشم الخميس 12 أبريل 2012 - 13:08

    إسحاق بن حنين
    هو أبو يعقوب إسحاق بن حنين بن إسحاق العبادي كان يلحق بأبيه في النقل وفي معرفته باللغات وفصاحته فيها إلا أن نقله للكتب الطبية قليل جداً بالنسبة إلى ما يوجد من كثرة نقله من كتب أرسطوطاليس في الحكمة وشروحها إلى لغة العرب وكان إسحاق قد خدم من خدم أبوه من الخلفاء والرؤساء وكان منقطعاً إلى القاسم ابن عبيد اللّه وخصيصاً به ومتقدماً عنده يفضي إليه بأسراره ولإسحاق حكايات مستظرفة وأشعار قال إسحاق بن حنين شكا إلي رجل علة في أحشائه فأعطيته معجوناً وقلت له تناوله سحراً وعرفني خبرك بالعشي فجاءني غلامه برقعة من عنده فقرأتها وإذا فيها يا سيدي تناولت الدواء واختلفت لا عدمتك عشرة مجالس أحمر مثل الريق في اللزوجة وأخضر مثل السلق في البقلية ووجدت بعده مغساً في رأسي وهوساً في سرتي فرأيك في إنكار ذلك على الطبيعة بما تراه إن شاء اللّه قال فتعجبت منه وقلت ليس للأحمق إلا جواب يليق بق وكتبت إليه فهمت رقعتك وأنا أتقدم إلى الطبيعة بما تحب وأنفذ إليك الجواب إذا التقينا والسلام ولحق إسحاق في آخر عمره الفالج وبه مات وتوفي ببغداد في أيام المقْتدر باللّه وذلك في شهر ربيع الآخر سنة ثمان وتسعين ومائتين ومن أنا ابن الذين استودع الطب فيهم وسُمُّوا به طفل وكهل ويافع يبصرني أرستطَاليس بارعاً يقوّم مني منطق لا يُدافع وبقراط في تفصيل ما أثبت الألى لنا الضر والأسقام طب مضارع وما زال جالينوس يشفي صدورنا لما اختلفت فيه علينا الطبائع ويحيى بن ماسويه وأهرن قبله لهم كتب للناس فيها منافع رأى أنه في الطب نيلت فلم يكن لنا راحة من حفظها وأصابع ونقلت من خط ابن بطلان في رسالته المعروفة بدعوة الأطباء أن القاسم بن عبيد اللّه وزير المعتضد باللّه بلغه أن أبا إسحاق قد شرب دواء مسهلاً فأحب مداعبته وكان صديقاً له فكتب إليه أبنْ لي كيف أمسيت وكم كان من الحال وكم سارت بك الناقة نحو المنزل الخالي فكتب إليه إسحاق بن حنين بخير كنت مسروراً رضي الحال والبال فأما السير والناقة والمرتبع الخالي فإجلالُك أنسانِيه يا غاية آمالي ولإسحاق بن حنين من الكتب كتاب الأدوية المفردة كناش لطيف ويعرف بكناش الخف كتاب ذكر فيه ابتداء صناعة الطب وأسماء جماعة من الحكماء والأطباء كتاب الأدوية الموجودة بكل مكان كتاب إصلاح الأدوية المسهلة اختصار كتاب إقليدس كتاب المقولات كتاب إيساغوجي وهو المدخل إلى صناعة المنطق إصلاح جوامع الإسكندرانيين لشرح جالينوس لكتاب الفصول لأبقراط كتاب في النبض على جهة التقسيم مقالة في الأشياء التي تفيد الصحة والحفظ وتمنع من النسيان ألفها لعبد اللّه بن شمعون كتاب في الأدوية المفردة كتاب صنعة العلاج بالحديد كتاب آداب الفلاسفة ونوادرهم مقالة في التوحيد‏.‏
    حبيش الأعسم
    هو حبيش بن الحسن الدمشقي وهو ابن أخت حنين بن إسحاق ومنه تعلم صناعة الطب وكان يسلك مسلك حنين في نقله وفي كلامه وأحواله إلا أنه كان يقصر عنه وقال حنين بن إسحاق وقد ذكره في بعض المواضع إن حبيشاً ذكي مطبوع على الفهم غير أنه ليس له اجتهاد بحسب ذكائه بل فيه تهاون وإن كان ذكاؤه مفرطاً وذهنه ثاقباً وحبيش هو الذي تمم كتاب مسائل حنين في الطب الذي وضعه للمتعلمين وجعله مدخلاً إلى هذه الصناعة ولحبيش من الكتب كتاب إصلاح الأدوية المسهلة كتاب الأدوية المفردة كتاب الأغذية كتاب في الاستسقاء
    يوحنا بن بختيشوع
    كان طبيباً متميزاً خبيراً باللغة اليونانية والسريانية ونقل من اليوناني إلى السرياني كتباً كثيرة وخدم بصناعة الطب الموفق باللّه طلحة بن جعفر المتوكل وكان يعتمد عليه كثيراً ويسميه مفرج كربي حدث إبراهيم بن العباس بن طومار الهاشمي قال كان الموفق إذا جلس للشراب يقدم بين يديه صينية ذهب ومغسل ذهب وخرداذي بلور وكوز بلور ويجلس يوحنا بن بختيشوع عن يمينه ويقدم إليه مثل ذلك وكذلك بين يدي غالب الطبيب ثم يقدم إلى جميع الجلساء صواني مدهون وقناني زجاج ونارنج قال وسمعته وقد شكا إلى الموفق ما يجري عليه في ضياعه فتقدم الموفق إلى صاعد بأن يكتب له جميع ما يريد ثم إن يوحنا حضر بعد مدة مديدة فعدد على الموفق إحسانه إليه ومعروفه عنده وأن صاعداً يكدر إحسانه إليه ويكتب إلى العمال كتباً فيما يبطل عليه ضياعه وأملاكه فتقدم إليه الموفق بالانصراف إلى مضربه وأعلمه بكيفية الفكر في هذا ووجه الموفق إلى صاعد فأحضره وقال له أنت تعلم أنه ليس لي في هذه الدنيا من أستريح إليه وأعلم ما في سويداء قلبي وهو مفرج كربي غير يوحنا وأنت دائب الحيلة في تنغيص عيشي بشغل قلبه عن خدمتي فعل اللّه بك وفعل فلم يزل صاعد يحلف له حتى حل سيفه ومنطقته وقال له امض الساعة مع راشد إلى مضرب يوحنا ولا تدع جهداً في أن تتوصل إلى جميع ما يحبه وتوثق له وخذ خطة بأنك قد بلغت له كل ما أراده وانفذ إلي مع راشد قال فمضى وكنت أنا أحد من مضى معهما حتى دخلنا إلى مضرب يوحنا وإذا به قاعد على حصر سامان في قبة له فلما قرب منه صاعد قام له فسلم عليه وعلى راشد وعلي وجلسوا وجلست ثم قال صاعد وحلف له فقال له وما ينفعني وأنت تكتب بضد ما تظهر فأعاد اليمين ووثق له ثم دعا صاعد بمنديل وجعله في حجره وأخذ القرطاس والقلم وجعل يكتب ويخرط الخرائط حتى بلغ ما أراده يوحنا وأخذ خطه وشهادتي ومن حضر وأنفذها مع راشد إلى الموفق باللّه وما احتاج يوحنا بعد ذلك أن يستزيد في شيء من أموره وليوحنا بن بختيشوع من الكتب كتاب فيما يحتاج إليه الطبيب من علم النجوم‏.‏
    بختيشوع بن يوحنا

    كان عالماً بصناعة الطب حظياً من الخلفاء وغيرهم واختص بخدمة المقتدر باللّه وكان له من المقتدر الأنعام الكثير والإقطاعات من الضياع وخدم بعد ذلك الراضي باللّه فأكرمه وأجراه على ما كان باسمه في أيام أبيه المقتدر ومات بختيشوع بن يوحنا في يوم الأربعاء لثلاث بقين من ذي الحجة سنة تسع وعشرين وثلثمائة ببغداد عيسى بن علي كان طبيباً فاضلاً ومشتغلاً بالحكمة وله تصانيف في ذلك وكان قد قرأ صناعة الطب على حنين بن إسحاق وهو من أجل تلاميذه وكان عيسى بن علي يخدم أحمد بن المتوكل وهو المعتمد على اللّه وكان طبيبه قديماً ولما ولي الخلافة أحسن إليه وشرفه وحمله عدة دفعات على دواب وخلع عليه ولعيسى بن علي من الكتب كتاب المنافع التي تستفاد من أعضاء الحيوان كتاب السموم مقالتان عيسى بن يحيى بن إبراهيم كان أيضاً من تلامذة حنين بن إسحاق واشتغل عليه بصناعة الطب الحلاجي ويعرف بيحيى بن أبي حكيم كان من أطباء المعتضد وله من الكتب كتاب تدبير الأبدان النحيفة التي قد علتها الصفرة ألفه للمعتضد ابن صهار بخت واسمه عيسى من أهل جندي سابور وله من الكتاب كتاب قوى الأدوية المفردة ابن ماهان ويعرف بيعقوب السيرافي وله من الكتب كتاب السفر والحضر في الطب الساهر اسمه يوسف ويعرف بيوسف القس عارف بصناعة الطب وكان متميزاً في أيام المكتفي وقال عبيد اللّه بن جبرائيل عنه إنه كان به سرطان في مقدم رأسه وكان يمنعه من النوم فلقب بالساهر من أجل مرضه قال وصنف كناشاً يذكر فيه أدوية الأمراض وذكر في كناشة أشياء تدل على أنه كان به هذا المرض وللساهر من الكتب كناشه وهو الذي يعرف به وينسب إليه وهو مما استخرجه وجربه في أيام حياته وجعله مقسوماً إلى قسمين فالقسم الأول تجري أبوابه على غير ترتيب الأعضاء وهي ستة أبواب


    --------------------
    المصدر:
    طبقات الأطباء – إبن أبي أصيبعة


    _________________

    *******************************************


    طبقات الأطباء السريانيين 13850807941268563665
    سميه الحرابي
    سميه الحرابي
    مشرف
    مشرف


    الجنس : انثى
    الابراج : الجوزاء
    عدد المساهمات : 102
    نقاط : 6886
    السٌّمعَة : 319
    تاريخ التسجيل : 24/07/2011
    العمر : 36
    الموقع : فلسطين

    طبقات الأطباء السريانيين Empty رد: طبقات الأطباء السريانيين

    مُساهمة من طرف سميه الحرابي الخميس 12 أبريل 2012 - 17:43

    طبقات الأطباء السريانيين 0_210


    _________________

    *******************************************
    طبقات الأطباء السريانيين 6717109871930553048

    طبقات الأطباء السريانيين 000-0_10

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس 21 نوفمبر 2024 - 5:18