قصة أهل الكهف
المصدر : كتاب المدهش لابن الجوزي
كان رقم "كتب في قلوبهم الإيمان" قد علا على كهف قلوب أهل الكهف، فلما نصب ملكهم شرك الشرك، بان لهم خيط الفخ ففروا، وخرجوا من ضيق حصر الحبس إلى الفضاء فضاء لهم، فما راعهم في الطريق إلا راع وافقهم، فرافقهم كلبه، فأخذوا في ضربه لكونه ليسوا من ضربه، فصاح لسلط حاله لا تطردوني لمباينتي جنسكم، فإن معبودكم ليس من جنسكم، أنا في قبضة إيثاركم أسير، أسير إن سرتم، وأحرس إن نمتم، فلما دخلوا دار ضيافة العزلة، اضطجعوا على راحة الراحة من أرباب الكفر، فغلب النوم القوم "ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعاً" وكانت الشمس تحول عن حلتهم لحراسة حلتهم من بلاء بلي، وأعينهم مفتوحة لئلا تذوب بأطباق الأطباق، ويد اللطف تقلب أجسادهم لتسلم من أفن عفن، وجرت الحال في كلبهم، على ما جرت بهم، فكأنه في شرك نومهم قد صيد "بالوصيد".
فخرج الملك بجم جمعه في طلابهم فإذا بهم، فسد الباب وما وعى على وعاء مسك، فأضاع حتى ضاع بيد الملك في بيد الهلك، فانساب راع إلى سبسبهم، ففتح باب الكهف ليحوز الغنم، فهب الهواء فهب الراقد، فترنم أحدهم بلفظ "كم لبثتم" فأجابه الآخر "يوماً" ثم رأى بقية الشمس نقية فاتقى بالورع ورطات الكذب، فعاد يتبع أوب "أو بعض يوم" فلما قفلوا من سفر النوم إلى ديار العادة، زاد تقاضي الطبع بالزاد، فخرج رئيسهم في ثوب متنكر، فضلت معرفته المعاهد، فأقبل يتهم اليقظة، فمد إلى بايع الطعام باعه، فما باعه، وظن أنه قد وجد كنزاً، ولقد وجد كنز "وزدناهم هدى" فحمله القوم إلى الوالي، فقال إنه لمالي، فما لكم ومالي? كنا فتية أكرهنا على فتنة فخرجنا عشية أمس، فنمنا في باطن كهف، فلما انتبهنا خرجت لأبتاع للأتباع قوت القوت، فسار القوم معه في عسكر التعجب، فسمع إخوانه جلبة الخيل، في جلبة الطلب، فتجاوبوا بأصوات التوديع، وقاموا إلى صلاة مودع، فدخل تمليخا فقص عليهم نبأهم، فعادوا إلى مواضع المضاجع، فوافتهم الوفاة، وفات لقاؤهم وسدلت عليهم حجاب الرعب، كف "لو اطّلعت".
إخواني ليس العجب من نائم لم يعرف قدر ما مر من يومه، وإنما العجب من نائم في يقظة عمره.
....:
أما والله لو عـرف الأنـام | لما خُلقوا لما غفلوا وناموا | |
لقد خُلقوا لِما لو أبصـرتـه | عيون قلوبهم ساحوا وهاموا | |
ممات ثم قبر ثـم حـشـر | وتوبيخ وأهـوال عِـظـامُ | |
يوم الحشر قد خُلقت رجالٌ | فصلوا من مخافته وصاموا | |
ونحن إذا أمرنا أو نهـينـا | كأهل الكهف أيقـاظ نـيامُ |