قصة قوم لوط
المصدر : كتاب المدهش لابن الجوزي
لما تهاوى قوم لوط في هوة أهوائهم وتنادوا في جهات جهلهم، "أخرِجوا آلَ لوط" بعثت الأملاك لانتزاع ملاك الحياة من أيديهم، فنزلوا من منزل لوط منزل النزيل، وهم في أفسح بيت نبي من الكرم، غير أن حارس حِذْرِه ينادي "وضاق بهم ذرعاً" فخاف من قومه أذاهم "فإذا هم يهرعون" فأخذ يدافع، تارة بمشورة "هؤلاء بناتي" وتارة بتقاة "فاتقوا الله" وتارة بسؤال "ولا تُخْزون" وتارة بتوبيخ "أليسَ منكم" فلما كلَّ كلُّ سلاحه، وأعيته جهات جهاده، أن برمز "لو أن لي بكم قوة" فحجبهم جبريل بحجاب "فطمسنا" وانتاشه من أسر الغنم بلفظ "فأسرِ" فلما علم أن الملأ ملائكة، تشوق إلى تعجيل التعذيب، فنادت عواطف الحلم "أليس الصبح بقريب" فسار بأهله على أعجاز نجائب النجاة، إلا عجوز العجز عن عرفان المعجز فإنها لحقت بالعجزة، فلما لاح مصباح الصباح، احتمل جبريل قرى من جنى على قرى جناحه، فلم ينكسر في وقت رفعهم إناء، ولم يرق في صعود صعودهم ماء، فلما سمع أهل السماء نباح كلابهم أسرعت كف القلى بهم في انقلابهم، فتفكروا بالقلب، كيف جوزوا على قلب الحكمة بالقلب، ثم بعث إليهم سحاب فشصا بالشصائص واحزال ثم ال إليهم، فاكفهرت بالغضب أرجاؤه، وأحومت بالسخط أرجاؤه، وابذعرت فعرت بوارقه، وارتتقت في جو الجوى جوبه، واستقلت على قلل قلاقل الردى أردافه، فارتجز بأرجوزة الرجز قبل أن يهمي فهمهم، في دوى بأدواء في دو دورانه فأظلم، وركد كيده فلم تكد قلوعه تقلع حتى قلعهم حينه حين أثجم، فما أرك ولا دث ولا بغض. بل قطقط فأفرط، وعم عميمه حين أغمط، فتقاطر على قطرهم من قطرة قطر الحجارة، وبغتهم في غرة غرتهم بالغرور حين شن الغارة، تالله لقد ضكضك العذاب، فضعضعهم فتضعضعوا، وانقض بقضه وقضيضه، فقضقض عظام عظامهم، وقطعها فتقطعوا، وسار بهم على طرفسان عقاب العقاب، إلى عوطب العطب فاهرمعوا، وكانوا في كن صافي الصفاة، فمروا إلى مر الملق فانفرنقعوا، وهمس هميسعهم وهل لمثلهم إلا الوهل والوهى، ولات حين مناص فادرنقعوا، وبرقط المخرنشم بعد أن بهنس، وبلطط فبلطح وحزن المبرنشق بعد أن زهزق، فبلسم وكلح، فأجيل على ذلك الجيل، سجل السجيل، فما برح حتى برح، ودار هاتف العبرة، على دارس دارهم ينادي "ولقد تركنا منها آيةً".
فليحذر العازمون على طروق طريقهم من وعيد "وما هي مِنَ الظالمين ببعيد" قبل غصص الجرض، وألم الحرض، عند حلول المرض، حين يعتقل اللسان، ويتحير الإنسان، وتسيل الأجفان، ويزول العرفان، وتنشر الأكفان، فيا عجباً. كيف ألفى لذة العيش الفاني الفان، وقد مر فأمر كل ما كان "كلُّ من عليها فان".
المصدر : كتاب المدهش لابن الجوزي
لما تهاوى قوم لوط في هوة أهوائهم وتنادوا في جهات جهلهم، "أخرِجوا آلَ لوط" بعثت الأملاك لانتزاع ملاك الحياة من أيديهم، فنزلوا من منزل لوط منزل النزيل، وهم في أفسح بيت نبي من الكرم، غير أن حارس حِذْرِه ينادي "وضاق بهم ذرعاً" فخاف من قومه أذاهم "فإذا هم يهرعون" فأخذ يدافع، تارة بمشورة "هؤلاء بناتي" وتارة بتقاة "فاتقوا الله" وتارة بسؤال "ولا تُخْزون" وتارة بتوبيخ "أليسَ منكم" فلما كلَّ كلُّ سلاحه، وأعيته جهات جهاده، أن برمز "لو أن لي بكم قوة" فحجبهم جبريل بحجاب "فطمسنا" وانتاشه من أسر الغنم بلفظ "فأسرِ" فلما علم أن الملأ ملائكة، تشوق إلى تعجيل التعذيب، فنادت عواطف الحلم "أليس الصبح بقريب" فسار بأهله على أعجاز نجائب النجاة، إلا عجوز العجز عن عرفان المعجز فإنها لحقت بالعجزة، فلما لاح مصباح الصباح، احتمل جبريل قرى من جنى على قرى جناحه، فلم ينكسر في وقت رفعهم إناء، ولم يرق في صعود صعودهم ماء، فلما سمع أهل السماء نباح كلابهم أسرعت كف القلى بهم في انقلابهم، فتفكروا بالقلب، كيف جوزوا على قلب الحكمة بالقلب، ثم بعث إليهم سحاب فشصا بالشصائص واحزال ثم ال إليهم، فاكفهرت بالغضب أرجاؤه، وأحومت بالسخط أرجاؤه، وابذعرت فعرت بوارقه، وارتتقت في جو الجوى جوبه، واستقلت على قلل قلاقل الردى أردافه، فارتجز بأرجوزة الرجز قبل أن يهمي فهمهم، في دوى بأدواء في دو دورانه فأظلم، وركد كيده فلم تكد قلوعه تقلع حتى قلعهم حينه حين أثجم، فما أرك ولا دث ولا بغض. بل قطقط فأفرط، وعم عميمه حين أغمط، فتقاطر على قطرهم من قطرة قطر الحجارة، وبغتهم في غرة غرتهم بالغرور حين شن الغارة، تالله لقد ضكضك العذاب، فضعضعهم فتضعضعوا، وانقض بقضه وقضيضه، فقضقض عظام عظامهم، وقطعها فتقطعوا، وسار بهم على طرفسان عقاب العقاب، إلى عوطب العطب فاهرمعوا، وكانوا في كن صافي الصفاة، فمروا إلى مر الملق فانفرنقعوا، وهمس هميسعهم وهل لمثلهم إلا الوهل والوهى، ولات حين مناص فادرنقعوا، وبرقط المخرنشم بعد أن بهنس، وبلطط فبلطح وحزن المبرنشق بعد أن زهزق، فبلسم وكلح، فأجيل على ذلك الجيل، سجل السجيل، فما برح حتى برح، ودار هاتف العبرة، على دارس دارهم ينادي "ولقد تركنا منها آيةً".
فليحذر العازمون على طروق طريقهم من وعيد "وما هي مِنَ الظالمين ببعيد" قبل غصص الجرض، وألم الحرض، عند حلول المرض، حين يعتقل اللسان، ويتحير الإنسان، وتسيل الأجفان، ويزول العرفان، وتنشر الأكفان، فيا عجباً. كيف ألفى لذة العيش الفاني الفان، وقد مر فأمر كل ما كان "كلُّ من عليها فان".