تفسير سورة النمل
إبن كثير
إبن كثير
طس تِلْكَ آَيَاتُ الْقُرْآَنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1) هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (3) إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (4) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (5) وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآَنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6) إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8) يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (11) وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آَيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (12) فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آَيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13)
سورة النمل
وهي مكية.
بسم الله الرحمن الرحيم
{ طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1) هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (3) إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (4) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأخْسَرُونَ (5) وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6) }
قد تقدم الكلام في "سورة البقرة" على الحروف المتقطعة (1) في أوائل السُّوَر.
وقوله : { تِلْكَ آيَاتُ } أي : هذه آيات { الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ } أي : بين واضح.
{ هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ } أي : إنما تحصل الهداية والبشارة من القرآن لِمَنْ آمن به واتبعه وصدقه ، وعمل بما فيه ، وأقام الصلاة المكتوبة ، وآتى الزكاة المفروضة ، وآمن (2) بالدار الآخرة والبعث بعد الموت ، والجزاء على الأعمال ، خيرها وشرها ، والجنة والنار ، كما قال تعالى : { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ } [فصلت : 44]. وقال : { لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا } [مريم : 97] ؛ ولهذا قال هاهنا : { إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ } أي : يكذبون بها ، ويستبعدون وقوعها { زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ } أي : حَسَّنَّا لهم ما هم فيه ، ومددنا لهم في غَيهم فهم يَتيهون في ضلالهم. وكان هذا جزاء على ما كذبوا به من الدار الآخرة ، كما قال تعالى : { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } [الأنعام : 110] ، { أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ } أي : في الدنيا والآخرة ، { وَهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأخْسَرُونَ } أي : ليس يخسر أنفسهم وأموالهم سواهم من أهل المحشر.
وقوله : { وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ } أي : { وَإِنَّكَ } يا محمد - قال قتادة : { لَتُلَقَّى } أي : لتأخذ. { الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ } أي : من عند حكيم عليم ، أي : حكيم في أوامره ونواهيه ، عليم بالأمور جليلها وحقيرها ، فخبره هو الصدق المحض ، وحكمه هو العدل التام ، كما قال تعالى : { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلا [لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ] } (3) [الأنعام : 115].
{ إِذْ قَالَ مُوسَى لأهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8) يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) إِلا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (11) وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (12) فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13) }
__________
(1) في ف : "المقطعة".
(2) في ف : "وأيقن".
(3) زيادة من ف ، أ.
وهي مكية.
بسم الله الرحمن الرحيم
{ طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1) هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (3) إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (4) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأخْسَرُونَ (5) وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6) }
قد تقدم الكلام في "سورة البقرة" على الحروف المتقطعة (1) في أوائل السُّوَر.
وقوله : { تِلْكَ آيَاتُ } أي : هذه آيات { الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ } أي : بين واضح.
{ هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ } أي : إنما تحصل الهداية والبشارة من القرآن لِمَنْ آمن به واتبعه وصدقه ، وعمل بما فيه ، وأقام الصلاة المكتوبة ، وآتى الزكاة المفروضة ، وآمن (2) بالدار الآخرة والبعث بعد الموت ، والجزاء على الأعمال ، خيرها وشرها ، والجنة والنار ، كما قال تعالى : { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ } [فصلت : 44]. وقال : { لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا } [مريم : 97] ؛ ولهذا قال هاهنا : { إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ } أي : يكذبون بها ، ويستبعدون وقوعها { زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ } أي : حَسَّنَّا لهم ما هم فيه ، ومددنا لهم في غَيهم فهم يَتيهون في ضلالهم. وكان هذا جزاء على ما كذبوا به من الدار الآخرة ، كما قال تعالى : { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } [الأنعام : 110] ، { أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ } أي : في الدنيا والآخرة ، { وَهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأخْسَرُونَ } أي : ليس يخسر أنفسهم وأموالهم سواهم من أهل المحشر.
وقوله : { وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ } أي : { وَإِنَّكَ } يا محمد - قال قتادة : { لَتُلَقَّى } أي : لتأخذ. { الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ } أي : من عند حكيم عليم ، أي : حكيم في أوامره ونواهيه ، عليم بالأمور جليلها وحقيرها ، فخبره هو الصدق المحض ، وحكمه هو العدل التام ، كما قال تعالى : { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلا [لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ] } (3) [الأنعام : 115].
{ إِذْ قَالَ مُوسَى لأهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8) يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) إِلا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (11) وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (12) فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13) }
__________
(1) في ف : "المقطعة".
(2) في ف : "وأيقن".
(3) زيادة من ف ، أ.
(6/178)
**********************
وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14)
{ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14) }
(6/178)
**********************
يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم (1) مذكرًا له ما كان من أمر موسى ، كيف اصطفاه الله وكلمه ، وناجاه وأعطاه من الآيات العظيمة الباهرة ، والأدلة القاهرة ، وابتعثه إلى فرعون وملئه ، فجحدوا بها وكفروا واستكبروا عن اتباعه والانقياد له ، فقال تعالى : { إِذْ قَالَ مُوسَى لأهْلِهِ } أي : اذكر حين سار موسى بأهله ، فأضل الطريق ، وذلك في ليل وظلام ، فآنس من جانب الطور نارًا ، أي : رأى نارًا تأجج (2) وتضطرم ، فقال { لأهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ } أي : عن الطريق ، { أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } أي : تتدفؤون به. وكان كما قال ، فإنه رجع منها بخبر عظيم ، واقتبس منها نورًا عظيمًا ؛ ولهذا قال تعالى : { فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا } أي : فلما أتاها رأى (3) منظرًا هائلا عظيمًا ، حيث انتهى إليها ، والنار تضطرم في شجرة خضراء ، لا تزداد النار إلا توقدًا ، ولا تزداد الشجرة إلا خضرة ونضرة ، ثم رفع رأسه فإذا نورها متصل بعنان السماء.
قال ابن عباس وغيره : لم تكن نارًا ، إنما كانت نورًا (4) يَتَوَهَّج.
وفي رواية عن ابن عباس : نور رب العالمين. فوقف موسى متعجبًا مما رأى ، فنودي أن بورك من في النار. قال ابن عباس : [أي] (5) قُدّس.
{ وَمَنْ حَوْلَهَا } أي : من الملائكة. قاله ابن عباس ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، وقتادة.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا يونس بن حبيب ، حدثنا أبو داود - [و] (6) هو الطيالسي - حدثنا شعبة والمسعودي ، عن عمرو بن مُرَّة ، سمع أبا عُبَيْدة يحدث ، عن أبي موسى ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله لا ينام ، ولا ينبغي له أن ينام ، يخفض القسط ويرفعه ، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار ، وعمل النهار قبل الليل (7). زاد المسعودي : "وحجابه النور - أو النار - لو كشفها لأحْرَقَتْ سُبُحات وجهه كل شيء أدركه بصره". ثم قرأ أبو عُبَيْدة : { أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا } (8)
__________
(1) في ف ، أ : "صلوات الله وسلامه عليه".
(2) في ف ، أ : "تتأجج".
(3) في ف : "ورأى".
(4) في ف : "وإنما نور".
(5) زيادة من ف ، أ.
(6) زيادة من ف ، أ.
(7) في ف : "عمل الليل بالنهار وعمل النهار بالليل".
(8) ورواه أحمد في مسنده (4/401) من طريق وكيع عن المسعودي بنحوه.
قال ابن عباس وغيره : لم تكن نارًا ، إنما كانت نورًا (4) يَتَوَهَّج.
وفي رواية عن ابن عباس : نور رب العالمين. فوقف موسى متعجبًا مما رأى ، فنودي أن بورك من في النار. قال ابن عباس : [أي] (5) قُدّس.
{ وَمَنْ حَوْلَهَا } أي : من الملائكة. قاله ابن عباس ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، وقتادة.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا يونس بن حبيب ، حدثنا أبو داود - [و] (6) هو الطيالسي - حدثنا شعبة والمسعودي ، عن عمرو بن مُرَّة ، سمع أبا عُبَيْدة يحدث ، عن أبي موسى ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله لا ينام ، ولا ينبغي له أن ينام ، يخفض القسط ويرفعه ، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار ، وعمل النهار قبل الليل (7). زاد المسعودي : "وحجابه النور - أو النار - لو كشفها لأحْرَقَتْ سُبُحات وجهه كل شيء أدركه بصره". ثم قرأ أبو عُبَيْدة : { أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا } (8)
__________
(1) في ف ، أ : "صلوات الله وسلامه عليه".
(2) في ف ، أ : "تتأجج".
(3) في ف : "ورأى".
(4) في ف : "وإنما نور".
(5) زيادة من ف ، أ.
(6) زيادة من ف ، أ.
(7) في ف : "عمل الليل بالنهار وعمل النهار بالليل".
(8) ورواه أحمد في مسنده (4/401) من طريق وكيع عن المسعودي بنحوه.
(6/179)
**********************
وأصل هذا الحديث مخرج في الصحيح لمسلم ، من حديث عمرو بن مُرَّة ، به (1).
وقوله : { وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } أي : الذي يفعل ما يشاء ولا يشبه شيئا من مخلوقاته ، ولا يحيط به شيء من مصنوعاته ، وهو العلي العظيم ، المباين لجميع المخلوقات ، ولا يكتنفه الأرض والسموات ، بل هو الأحد الصمد ، المنزه عن مماثلة المحدثات.
وقوله : { يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } أعلمه (2) أن الذي يخاطبه ويناجيه هو ربه الله العزيز ، الذي عز كل شيء وقهره وغلبه ، الحكيم في أفعاله وأقواله.
ثم أمره أن يلقي عصاه من يده ؛ ليظهر له دليلا واضحا على أنه الفاعل المختار ، القادر على كل شيء. فلما ألقى موسى تلك العصا (3) من يده انقلبت في الحال حَيَّةً عظيمة هائلة في غاية الكبر ، وسرعة الحركة مع ذلك ؛ ولهذا قال : { فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ } والجان : ضرب من الحيات ، أسرعه حركة ، وأكثره اضطرابا - وفي الحديث نَهْيٌ عن قتل جِنَّان (4) البيوت (5) - فلما عاين موسى ذلك { وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ } أي : لم يلتفت من شدة فرقه { يَا مُوسَى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ } أي : لا تخف مما ترى ، فإني أريد أن أصطَفيك رسولا وأجعلك نبيًا وجيهًا.
وقوله : { إِلا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ } هذا استثناء منقطع ، وفيه بشارة عظيمة للبشر ، وذلك أن من كان على [عمل] (6) شيء ثم أقلع عنه ، ورجع وأناب ، فإن الله يتوب عليه ، كما قال تعالى : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } [طه : 82] ، وقال تعالى : { وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا } [النساء : 110] والآيات في هذا كثيرة جدًا.
وقوله : { وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ } هذه آية أخرى ، ودليل باهر على قدرة الله الفاعل المختار ، وصِدْق من جعل له معجزة ، وذلك أن الله - تعالى - أمره أن يُدخل يده في جيب دِرْعِه ، فإذا أدخلها وأخرجها خَرجت بيضاء ساطعة ، كأنها قطعة قمر ، لها لمعان يتلألأ (7) كالبرق الخاطف.
وقوله : { فِي تِسْعِ آيَاتٍ } أي : هاتان ثنتان من تسع آيات أؤيدك بهن ، وأجعلهن برهانا لك إلى فرعون وقومه { إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ }.
وهذه هي الآيات التسع التي قال الله تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ } [الإسراء : 101] كما تقدم تقرير ذلك هنالك.
وقوله : { فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً } أي : بينة واضحة ظاهرة ،
__________
(1) صحيح مسلم برقم (179).
(2) في ف : "اعلم".
(3) في ف ، أ : "العصاة".
(4) في ف ، أ : "حيات".
(5) صحيح البخاري برقم (3298) من حديث ابن عمر ، رضي الله عنهما.
(6) زيادة من أ.
(7) في ف : "تتلألأ"
وقوله : { وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } أي : الذي يفعل ما يشاء ولا يشبه شيئا من مخلوقاته ، ولا يحيط به شيء من مصنوعاته ، وهو العلي العظيم ، المباين لجميع المخلوقات ، ولا يكتنفه الأرض والسموات ، بل هو الأحد الصمد ، المنزه عن مماثلة المحدثات.
وقوله : { يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } أعلمه (2) أن الذي يخاطبه ويناجيه هو ربه الله العزيز ، الذي عز كل شيء وقهره وغلبه ، الحكيم في أفعاله وأقواله.
ثم أمره أن يلقي عصاه من يده ؛ ليظهر له دليلا واضحا على أنه الفاعل المختار ، القادر على كل شيء. فلما ألقى موسى تلك العصا (3) من يده انقلبت في الحال حَيَّةً عظيمة هائلة في غاية الكبر ، وسرعة الحركة مع ذلك ؛ ولهذا قال : { فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ } والجان : ضرب من الحيات ، أسرعه حركة ، وأكثره اضطرابا - وفي الحديث نَهْيٌ عن قتل جِنَّان (4) البيوت (5) - فلما عاين موسى ذلك { وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ } أي : لم يلتفت من شدة فرقه { يَا مُوسَى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ } أي : لا تخف مما ترى ، فإني أريد أن أصطَفيك رسولا وأجعلك نبيًا وجيهًا.
وقوله : { إِلا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ } هذا استثناء منقطع ، وفيه بشارة عظيمة للبشر ، وذلك أن من كان على [عمل] (6) شيء ثم أقلع عنه ، ورجع وأناب ، فإن الله يتوب عليه ، كما قال تعالى : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } [طه : 82] ، وقال تعالى : { وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا } [النساء : 110] والآيات في هذا كثيرة جدًا.
وقوله : { وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ } هذه آية أخرى ، ودليل باهر على قدرة الله الفاعل المختار ، وصِدْق من جعل له معجزة ، وذلك أن الله - تعالى - أمره أن يُدخل يده في جيب دِرْعِه ، فإذا أدخلها وأخرجها خَرجت بيضاء ساطعة ، كأنها قطعة قمر ، لها لمعان يتلألأ (7) كالبرق الخاطف.
وقوله : { فِي تِسْعِ آيَاتٍ } أي : هاتان ثنتان من تسع آيات أؤيدك بهن ، وأجعلهن برهانا لك إلى فرعون وقومه { إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ }.
وهذه هي الآيات التسع التي قال الله تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ } [الإسراء : 101] كما تقدم تقرير ذلك هنالك.
وقوله : { فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً } أي : بينة واضحة ظاهرة ،
__________
(1) صحيح مسلم برقم (179).
(2) في ف : "اعلم".
(3) في ف ، أ : "العصاة".
(4) في ف ، أ : "حيات".
(5) صحيح البخاري برقم (3298) من حديث ابن عمر ، رضي الله عنهما.
(6) زيادة من أ.
(7) في ف : "تتلألأ"
(6/180)
**********************
وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19)
{ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ } وأرادوا معارضته بسحرهم فغلبوا [هنالك] (1) { وانقلبوا صاغرين }.
{ وَجَحَدُوا بِهَا } أي : في ظاهر أمرهم ، { وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ } أي : علموا في أنفسهم أنها حق (2) من عند الله ، ولكن جَحَدوها وعاندوها وكابروها ، { ظُلْمًا وَعُلُوًّا } أي : ظلما من أنفسهم ، سَجِيَّة ملعونة ، { وَعُلُوًّا } أي : استكبارًا عن اتباع الحق ؛ ولهذا قال : { فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ } أي : انظر يا محمد كيف كان عاقبة كُفرهم (3) ، في إهلاك الله إياهم ، وإغراقهم عن آخرهم في صبيحة واحدة.
وفحوى الخطاب يقول : احذروا أيها المكذبون بمحمد ، الجاحدون لما جاء به من ربه ، أن يصيبكم ما أصابهم بطريق الأولى والأحرى ؛ فإن محمدًا ، صلوات الله وسلامه عليه (4) أشرف وأعظم من موسى ، وبرهانه أدل وأقوى من برهان موسى ، بما آتاه الله من الدلائل المقترنة بوجوده في نفسه وشمائله ، وما سبقه من البشارات من الأنبياء به ، وأخذ المواثيق له ، عليه (5) من ربه أفضل الصلاة والسلام.
{ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19) }.
يخبر تعالى عما أنعم به على عبديه ونبييه داود وابنه سليمان ، عليهما من الله السلام ، من النعم الجزيلة ، والمواهب الجليلة ، والصفات الجميلة ، وما جمع لهما بين سعادة الدنيا والآخرة ، والملك والتمكين التام في الدنيا ، والنبوة والرسالة في الدين ؛ ولهذا قال : { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ }.
قال ابن أبي حاتم : ذكر عن إبراهيم بن يحيى بن تمام (6) : أخبرني أبي ، عن جدي قال : كتب عمر بن عبد العزيز : إن الله لم ينعم على عَبد نعمة فحمد الله عليها ، إلا كان حَمْدُه أفضل من نعمته (7) ، لو كنت لا تعرف ذلك إلا في كتاب الله المنزل ؛ قال الله تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ } ، وأي نعمة أفضل مما أوتي داود
__________
(1) زيادة من ف ، أ.
(2) في ف ، أ : "صدق".
(3) في ف ، أ : "أمرهم".
(4) في ف : "صلى الله عليه وسلم".
(5) في ف : "عليهم".
(6) في ف : "هشام".
(7) في ف : "نعمه".
{ وَجَحَدُوا بِهَا } أي : في ظاهر أمرهم ، { وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ } أي : علموا في أنفسهم أنها حق (2) من عند الله ، ولكن جَحَدوها وعاندوها وكابروها ، { ظُلْمًا وَعُلُوًّا } أي : ظلما من أنفسهم ، سَجِيَّة ملعونة ، { وَعُلُوًّا } أي : استكبارًا عن اتباع الحق ؛ ولهذا قال : { فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ } أي : انظر يا محمد كيف كان عاقبة كُفرهم (3) ، في إهلاك الله إياهم ، وإغراقهم عن آخرهم في صبيحة واحدة.
وفحوى الخطاب يقول : احذروا أيها المكذبون بمحمد ، الجاحدون لما جاء به من ربه ، أن يصيبكم ما أصابهم بطريق الأولى والأحرى ؛ فإن محمدًا ، صلوات الله وسلامه عليه (4) أشرف وأعظم من موسى ، وبرهانه أدل وأقوى من برهان موسى ، بما آتاه الله من الدلائل المقترنة بوجوده في نفسه وشمائله ، وما سبقه من البشارات من الأنبياء به ، وأخذ المواثيق له ، عليه (5) من ربه أفضل الصلاة والسلام.
{ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19) }.
يخبر تعالى عما أنعم به على عبديه ونبييه داود وابنه سليمان ، عليهما من الله السلام ، من النعم الجزيلة ، والمواهب الجليلة ، والصفات الجميلة ، وما جمع لهما بين سعادة الدنيا والآخرة ، والملك والتمكين التام في الدنيا ، والنبوة والرسالة في الدين ؛ ولهذا قال : { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ }.
قال ابن أبي حاتم : ذكر عن إبراهيم بن يحيى بن تمام (6) : أخبرني أبي ، عن جدي قال : كتب عمر بن عبد العزيز : إن الله لم ينعم على عَبد نعمة فحمد الله عليها ، إلا كان حَمْدُه أفضل من نعمته (7) ، لو كنت لا تعرف ذلك إلا في كتاب الله المنزل ؛ قال الله تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ } ، وأي نعمة أفضل مما أوتي داود
__________
(1) زيادة من ف ، أ.
(2) في ف ، أ : "صدق".
(3) في ف ، أ : "أمرهم".
(4) في ف : "صلى الله عليه وسلم".
(5) في ف : "عليهم".
(6) في ف : "هشام".
(7) في ف : "نعمه".
(6/181)
**********************
وسليمان ، عليهما السلام ؟
وقوله : { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ } أي : في الملك والنبوة ، وليس المراد وراثَةَ المال ؛ إذ لو كان كذلك لم يخص سليمان وحده من بين سائر أولاد داود ، فإنه قد كان لداود مائةُ امرأة. ولكن المراد بذلك وراثةُ الملك والنبوة ؛ فإن الأنبياء لا تورث أموالهم ، كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم [في قوله] (1) : نحن معشر الأنبياء لا نورث ، ما تركناه صدقة (2) (3).
وقوله (4) : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ } (5) ، أي : أخبر سليمان بنعم الله عليه ، فيما وهبه له من الملك التام ، والتمكين العظيم ، حتى إنه سَخَّر له الإنس والجن والطير. وكان يعرف لغة الطير والحيوان أيضًا ، وهذا شيء لم يُعطَه أحد من البشر - فيما علمناه - مما أخبر الله به ورسوله. وَمَنْ زعم من الجهلة والرّعاع أنّ الحيوانات كانت تنطق كنطق بني آدم قبل سليمان بن داود - كما يتفوه به كثير من الناس - فهو قولٌ بلا علم. ولو كان الأمر كذلك لم يكن لتخصيص سليمان بذلك فائدة ؛ إذ كلهم يسمع كلام الطيور والبهائم ، ويعرف ما تقول ، فليس الأمر كما زعموا ولا كما قالوا ، بل لم تزل (6) البهائم والطيور وسائر المخلوقات من وقت خُلقت إلى زماننا هذا على هذا الشكل والمنوال. ولكن الله ، سبحانه وتعالى ، كان قد أفهم سليمان ، عليه السلام ، ما يتخاطب به الطيور في الهواء ، وما تنطق (7) به الحيوانات على اختلاف أصنافها ؛ ولهذا قال : { عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ } أي : مما يحتاج إليه الملك ، { إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ } أي : الظاهر البين لله علينا.
قال الإمام أحمد : حدثنا قتيبة ، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن ، عن عمرو بن أبي عمرو ، عن المطلب ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "كان داود ، عليه السلام ، فيه غيرة شديدة ، فكان إذا خرج أغلقت الأبواب ، فلم يدخل على أهله أحد حتى يرجع". قال : "فخرج ذات يوم وأغلقت (8) الأبواب ، فأقبلت امرأته تطلع إلى الدار ، فإذا رجل قائم وسط الدار ، فقالت لِمَنْ في البيت : من أين دخل هذا الرجل ، والدار مغلقة ؟ والله لنفتضحن بداود ، فجاء داود ، عليه السلام ، فإذا الرجل قائم وسط الدار ، فقال له داود : من أنت ؟ قال : الذي لا يهاب الملوك ، ولا يمتنع من الحجاب. فقال داود : أنت والله إذًا ملك الموت. مرحبًا بأمر الله ، فتزمل داود ، عليه السلام ، مكانه حتى قبضت نفسه ، حتى فرغ من شأنه وطلعت عليه الشمس ، فقال سليمان ، عليه السلام ، للطير : أظلي على داود ، فأظلت عليه الطير حتى أظلمت عليهما الأرض ،
__________
(1) زيادة من ف ، أ.
(2) في ف ، أ : "ما تركناه فهو صدقة".
(3) رواه البخاري في صحيحه برقم (6727) من حديث عائشة بلفظ : "لا نورث ما تركناه صدقة". قال الحافظ ابن حجر في الفتح (12/8) : وأما ما اشتهر في كتب أهل الأصول وغيرهم بلفظ : "نحن معاشر الأنبياء لا نورث" فقد أنكره جماعة من الأئمة ، وهو كذلك بالنسبة لخصوص لفظ : "نحن" وانظر بقية كلامه وحمله لمعنى الحديث في الفتح.
(4) في ف : "وقال".
(5) بعدها في ف ، أ : "إن هذا لهو الفضل المبين".
(6) في ف : "بل نزل".
(7) في ف : "وما ينطق".
(8) في ف : "وغلقت".
وقوله : { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ } أي : في الملك والنبوة ، وليس المراد وراثَةَ المال ؛ إذ لو كان كذلك لم يخص سليمان وحده من بين سائر أولاد داود ، فإنه قد كان لداود مائةُ امرأة. ولكن المراد بذلك وراثةُ الملك والنبوة ؛ فإن الأنبياء لا تورث أموالهم ، كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم [في قوله] (1) : نحن معشر الأنبياء لا نورث ، ما تركناه صدقة (2) (3).
وقوله (4) : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ } (5) ، أي : أخبر سليمان بنعم الله عليه ، فيما وهبه له من الملك التام ، والتمكين العظيم ، حتى إنه سَخَّر له الإنس والجن والطير. وكان يعرف لغة الطير والحيوان أيضًا ، وهذا شيء لم يُعطَه أحد من البشر - فيما علمناه - مما أخبر الله به ورسوله. وَمَنْ زعم من الجهلة والرّعاع أنّ الحيوانات كانت تنطق كنطق بني آدم قبل سليمان بن داود - كما يتفوه به كثير من الناس - فهو قولٌ بلا علم. ولو كان الأمر كذلك لم يكن لتخصيص سليمان بذلك فائدة ؛ إذ كلهم يسمع كلام الطيور والبهائم ، ويعرف ما تقول ، فليس الأمر كما زعموا ولا كما قالوا ، بل لم تزل (6) البهائم والطيور وسائر المخلوقات من وقت خُلقت إلى زماننا هذا على هذا الشكل والمنوال. ولكن الله ، سبحانه وتعالى ، كان قد أفهم سليمان ، عليه السلام ، ما يتخاطب به الطيور في الهواء ، وما تنطق (7) به الحيوانات على اختلاف أصنافها ؛ ولهذا قال : { عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ } أي : مما يحتاج إليه الملك ، { إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ } أي : الظاهر البين لله علينا.
قال الإمام أحمد : حدثنا قتيبة ، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن ، عن عمرو بن أبي عمرو ، عن المطلب ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "كان داود ، عليه السلام ، فيه غيرة شديدة ، فكان إذا خرج أغلقت الأبواب ، فلم يدخل على أهله أحد حتى يرجع". قال : "فخرج ذات يوم وأغلقت (8) الأبواب ، فأقبلت امرأته تطلع إلى الدار ، فإذا رجل قائم وسط الدار ، فقالت لِمَنْ في البيت : من أين دخل هذا الرجل ، والدار مغلقة ؟ والله لنفتضحن بداود ، فجاء داود ، عليه السلام ، فإذا الرجل قائم وسط الدار ، فقال له داود : من أنت ؟ قال : الذي لا يهاب الملوك ، ولا يمتنع من الحجاب. فقال داود : أنت والله إذًا ملك الموت. مرحبًا بأمر الله ، فتزمل داود ، عليه السلام ، مكانه حتى قبضت نفسه ، حتى فرغ من شأنه وطلعت عليه الشمس ، فقال سليمان ، عليه السلام ، للطير : أظلي على داود ، فأظلت عليه الطير حتى أظلمت عليهما الأرض ،
__________
(1) زيادة من ف ، أ.
(2) في ف ، أ : "ما تركناه فهو صدقة".
(3) رواه البخاري في صحيحه برقم (6727) من حديث عائشة بلفظ : "لا نورث ما تركناه صدقة". قال الحافظ ابن حجر في الفتح (12/8) : وأما ما اشتهر في كتب أهل الأصول وغيرهم بلفظ : "نحن معاشر الأنبياء لا نورث" فقد أنكره جماعة من الأئمة ، وهو كذلك بالنسبة لخصوص لفظ : "نحن" وانظر بقية كلامه وحمله لمعنى الحديث في الفتح.
(4) في ف : "وقال".
(5) بعدها في ف ، أ : "إن هذا لهو الفضل المبين".
(6) في ف : "بل نزل".
(7) في ف : "وما ينطق".
(8) في ف : "وغلقت".
(6/182)
**********************
فقال لها سليمان : اقبضي جناحا جناحا" قال أبو هريرة : يا رسول الله ، كيف فعلت الطير ؟ فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يده ، وغلبت عليه يومئذ المضرَحية (1) (2).
قال أبو الفرج بن الجَوْزيّ : المَضْرَحيّة (3) النسور الحُمر.
وقوله تعالى : { وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ } أي : وجمع لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير يعني : ركب فيهم في أبهة وعظمة (4) كبيرة في الإنس ، وكانوا هم الذين يلونه ، والجن وهم بعدهم [يكونون] (5) في المنزلة ، والطير ومنزلتها فوق رأسه ، فإن كان حرًّا أظلته منه بأجنحتها.
وقوله : { فَهُمْ يُوزَعُونَ } أي : يكف أولهم على آخرهم ؛ لئلا يتقدم أحد عن منزلته التي هي مرتبة له.
قال مجاهد : جعل على كل صنف وزعة ، يردون أولاها على أخراها ، لئلا يتقدموا في المسير ، كما يفعل الملوك اليوم.
وقوله : { حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ } أي : حتى إذا مر سليمان ، عليه السلام ، بمن معه من الجيوش والجنود على وادي النمل ، { قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ }.
أورد (6) ابن عساكر ، من طريق إسحاق بن بشر ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن : أن اسم هذه النملة حرس ، وأنها من قبيلة يقال لهم : بنو الشيصان ، وأنها كانت عرجاء ، وكانت بقدر الذّيب (7).
أي : خافت على النمل أن تحطمها (8) الخيول بحوافرها ، فأمرتهم بالدخول إلى مساكنها (9) ففهم ذلك سليمان ، عليه السلام ، منها (10).
{ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ } أي : ألهمني أن أشكر نعمتك التي مننت بها علي ، من تعليمي منطق الطير والحيوان ، وعلى والدي بالإسلام لك ، والإيمان بك ، { وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ } أي : عملا تحبه وترضاه ، { وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ } أي : إذا توفيتني فألحقني بالصالحين من عبادك ، والرفيق الأعلى من أوليائك.
ومن قال من المفسرين : إن هذا الوادي كان بأرض الشام أو بغيره ، وإن هذه النملة كانت ذات جناحين كالذباب ، أو غير ذلك من الأقاويل ، فلا حاصل لها.
__________
(1) في ف : "المصرحية".
(2) المسند (2/419) وقال الهيثمي في المجمع (8/206) "فيه المطلب بن عبد الله بن حنطب وثقه أبو زرعة وغيره ، وبقية رجاله رجال الصحيح".
(3) في هـ ، ف ، أ : "المصرحية" والمثبت من لسان العرب ، مادة "ضرح".
(4) في ف : "عظيمة".
(5) زيادة من ف.
(6) في ف ، أ : "فأورد".
(7) في ف : "الذئب".
(8) في ف : "يحطمها".
(9) في ف : "مساكنهم".
(10) في ف : "عنها".
قال أبو الفرج بن الجَوْزيّ : المَضْرَحيّة (3) النسور الحُمر.
وقوله تعالى : { وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ } أي : وجمع لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير يعني : ركب فيهم في أبهة وعظمة (4) كبيرة في الإنس ، وكانوا هم الذين يلونه ، والجن وهم بعدهم [يكونون] (5) في المنزلة ، والطير ومنزلتها فوق رأسه ، فإن كان حرًّا أظلته منه بأجنحتها.
وقوله : { فَهُمْ يُوزَعُونَ } أي : يكف أولهم على آخرهم ؛ لئلا يتقدم أحد عن منزلته التي هي مرتبة له.
قال مجاهد : جعل على كل صنف وزعة ، يردون أولاها على أخراها ، لئلا يتقدموا في المسير ، كما يفعل الملوك اليوم.
وقوله : { حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ } أي : حتى إذا مر سليمان ، عليه السلام ، بمن معه من الجيوش والجنود على وادي النمل ، { قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ }.
أورد (6) ابن عساكر ، من طريق إسحاق بن بشر ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن : أن اسم هذه النملة حرس ، وأنها من قبيلة يقال لهم : بنو الشيصان ، وأنها كانت عرجاء ، وكانت بقدر الذّيب (7).
أي : خافت على النمل أن تحطمها (8) الخيول بحوافرها ، فأمرتهم بالدخول إلى مساكنها (9) ففهم ذلك سليمان ، عليه السلام ، منها (10).
{ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ } أي : ألهمني أن أشكر نعمتك التي مننت بها علي ، من تعليمي منطق الطير والحيوان ، وعلى والدي بالإسلام لك ، والإيمان بك ، { وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ } أي : عملا تحبه وترضاه ، { وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ } أي : إذا توفيتني فألحقني بالصالحين من عبادك ، والرفيق الأعلى من أوليائك.
ومن قال من المفسرين : إن هذا الوادي كان بأرض الشام أو بغيره ، وإن هذه النملة كانت ذات جناحين كالذباب ، أو غير ذلك من الأقاويل ، فلا حاصل لها.
__________
(1) في ف : "المصرحية".
(2) المسند (2/419) وقال الهيثمي في المجمع (8/206) "فيه المطلب بن عبد الله بن حنطب وثقه أبو زرعة وغيره ، وبقية رجاله رجال الصحيح".
(3) في هـ ، ف ، أ : "المصرحية" والمثبت من لسان العرب ، مادة "ضرح".
(4) في ف : "عظيمة".
(5) زيادة من ف.
(6) في ف ، أ : "فأورد".
(7) في ف : "الذئب".
(8) في ف : "يحطمها".
(9) في ف : "مساكنهم".
(10) في ف : "عنها".
(6/183)
**********************
وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21)
وعن نَوْف البكالي أنه قال : كان نمل سليمان أمثال الذئاب. هكذا رأيته مضبوطا بالياء المثناة من تحت. وإنما هو بالباء الموحدة ، وذلك تصحيف ، والله أعلم.
والغرض أن سليمان ، عليه السلام ، فهم قولها ، وتبسم ضاحكًا من ذلك (1) ، وهذا أمر عظيم جدا.
وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا يزيد بن هارون ، أنبأنا مِسْعَر ، عن زيد العَمّي ، عن أبي الصديق الناجي قال : خرج سليمان (2) عليه (3) السلام ، يستسقي ، فإذا هو بنملة مستلقية على ظهرها ، رافعة قوائمها إلى السماء ، وهي تقول : اللهم ، إنا خلق من خلقك ، ولا غنى بنا عن سقياك ، وإلا تسقنا تهلكنا. فقال سليمان عليه السلام : ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم.
وقد ثبت في الصحيح - عند مسلم - من طريق عبد الرزاق ، عن مَعْمَر ، عن همام ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم [قال] (4) قَرَصَت نبيا من الأنبياء نملة ، فأمر بقرية النمل فأحرقت ، فأوحى الله إليه ، أفي (5) أن قرصتك نملة أهلكت أمة من الأمم تُسَبِّح ؟ فهلا نملة واحدة!" (6).
{ وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لأعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21) }.
قال مجاهد ، وسعيد بن جبير ، وغيرهما ، عن ابن عباس وغيره : كان الهدهد مهندسا ، يدل سليمان ، عليه السلام ، على الماء ، إذا كان بأرض فلاة طلبه فنظر له الماء في تخوم الأرض ، كما يرى الإنسان الشيء الظاهر على وجه الأرض ، ويعرف كم مساحة بعده من وجه الأرض ، فإذا دلهم عليه أمر سليمان ، عليه السلام ، الجان فحفروا له ذلك المكان ، حتى يستنبط (7) الماء من قراره ، فنزل سليمان ، عليه السلام [يوما] (8) ، بفلاة من الأرض ، فتفقد الطير ليرى الهدهد ، فلم يره ، { فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ }.
حدَّث يوما عبد الله بن عباس بنحو هذا ، وفي القوم رجل من الخوارج ، يقال له : "نافع بن الأزرق" ، وكان كثير الاعتراض على ابن عباس ، فقال له : قف يا بن عباس ، غُلبت اليوم! قال : وَلِمَ ؟ قال : إنك تخبر عن الهدهد أنه يرى الماء في تخوم الأرض ، وإن الصبي ليضع له الحبة في الفخ ، ويحثو على الفخ ترابًا ، فيجيء الهدهد ليأخذها فيقع في الفخ ، فيصيده الصبي. فقال ابن عباس : لولا أن يذهب هذا فيقول : رددت على ابن عباس ، لما أجبته. فقال (9) له : ويحك! إنه إذا نزل القَدَر عَمي البصر ، وذهب الحَذَر. فقال له نافع : والله لا أجادلك في شيء من القرآن
__________
(1) في ف : "من قولها".
(2) في ف ، أ : "سليمان بن داود".
(3) في ف : "عليهما".
(4) زيادة من ف ، أ.
(5) في ف ، أ : "أي".
(6) صحيح مسلم برقم (2241).
(7) في ف : "يستنبطوا".
(8) زيادة من ف ، أ.
(9) في ف ، أ : "ثم قال".
والغرض أن سليمان ، عليه السلام ، فهم قولها ، وتبسم ضاحكًا من ذلك (1) ، وهذا أمر عظيم جدا.
وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا يزيد بن هارون ، أنبأنا مِسْعَر ، عن زيد العَمّي ، عن أبي الصديق الناجي قال : خرج سليمان (2) عليه (3) السلام ، يستسقي ، فإذا هو بنملة مستلقية على ظهرها ، رافعة قوائمها إلى السماء ، وهي تقول : اللهم ، إنا خلق من خلقك ، ولا غنى بنا عن سقياك ، وإلا تسقنا تهلكنا. فقال سليمان عليه السلام : ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم.
وقد ثبت في الصحيح - عند مسلم - من طريق عبد الرزاق ، عن مَعْمَر ، عن همام ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم [قال] (4) قَرَصَت نبيا من الأنبياء نملة ، فأمر بقرية النمل فأحرقت ، فأوحى الله إليه ، أفي (5) أن قرصتك نملة أهلكت أمة من الأمم تُسَبِّح ؟ فهلا نملة واحدة!" (6).
{ وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لأعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21) }.
قال مجاهد ، وسعيد بن جبير ، وغيرهما ، عن ابن عباس وغيره : كان الهدهد مهندسا ، يدل سليمان ، عليه السلام ، على الماء ، إذا كان بأرض فلاة طلبه فنظر له الماء في تخوم الأرض ، كما يرى الإنسان الشيء الظاهر على وجه الأرض ، ويعرف كم مساحة بعده من وجه الأرض ، فإذا دلهم عليه أمر سليمان ، عليه السلام ، الجان فحفروا له ذلك المكان ، حتى يستنبط (7) الماء من قراره ، فنزل سليمان ، عليه السلام [يوما] (8) ، بفلاة من الأرض ، فتفقد الطير ليرى الهدهد ، فلم يره ، { فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ }.
حدَّث يوما عبد الله بن عباس بنحو هذا ، وفي القوم رجل من الخوارج ، يقال له : "نافع بن الأزرق" ، وكان كثير الاعتراض على ابن عباس ، فقال له : قف يا بن عباس ، غُلبت اليوم! قال : وَلِمَ ؟ قال : إنك تخبر عن الهدهد أنه يرى الماء في تخوم الأرض ، وإن الصبي ليضع له الحبة في الفخ ، ويحثو على الفخ ترابًا ، فيجيء الهدهد ليأخذها فيقع في الفخ ، فيصيده الصبي. فقال ابن عباس : لولا أن يذهب هذا فيقول : رددت على ابن عباس ، لما أجبته. فقال (9) له : ويحك! إنه إذا نزل القَدَر عَمي البصر ، وذهب الحَذَر. فقال له نافع : والله لا أجادلك في شيء من القرآن
__________
(1) في ف : "من قولها".
(2) في ف ، أ : "سليمان بن داود".
(3) في ف : "عليهما".
(4) زيادة من ف ، أ.
(5) في ف ، أ : "أي".
(6) صحيح مسلم برقم (2241).
(7) في ف : "يستنبطوا".
(8) زيادة من ف ، أ.
(9) في ف ، أ : "ثم قال".
(6/184)
**********************
أبدًا (1).
وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة أبي عبد الله البَرْزيّ - من أهل "بَرْزَةَ" من غوطة دمشق ، وكان من الصالحين يصوم [يوم] (2) الاثنين والخميس ، وكان أعور قد بلغ الثمانين - فروى ابن عساكر بسنده إلى أبي سليمان بن زيد : أنه سأله عن سبب عَوَره ، فامتنع عليه ، فألح عليه شهورًا ، فأخبره أن رجلين من أهل خراسان نزلا عنده جمعة في قرية برزة ، وسألاه عن وادٍ بها ، فأريتهما إياه ، فأخرجا مجامر وأوقدا فيها بخورًا كثيرًا ، حتى عجعج الوادي بالدخان ، فأخذا يَعْزمان والحيات تقبل من كل مكان إليهما ، فلا يلتفتان إلى شيء منها ، حتى أقبلت حية نحو الذراع ، وعيناها توقدان مثل الدينار. فاستبشرا بها عظيما ، وقالا الحمد لله الذي لم يُخَيب سفرنا من سنة ، وكسرا المجامر ، وأخذا الحية فأدخلا في عينها ميلا فاكتحلا به ، فسألتهما أن يكحلاني ، فأبيا ، فألححت عليهما وقلت : لا بد من ذلك ، وتوعدتهما بالدولة ، فكحلا عيني الواحدة اليمنى ، فحين وقع في عيني نظرت إلى الأرض تحتي مثل المرآة ، أنظر ما تحتها كما تُري المرآة ، ثم قالا لي : سر معنا قليلا فسرت معهما وهما يحدثان ، حتى إذا بعدت عن القرية ، أخذاني فكتفاني ، وأدخل أحدهما يده في عيني ففقأها ، ورمى بها ومضيا. فلم أزل كذلك ملقى مكتوفًا ، حتى مر بي نفر ففَكَّ وَثَاقي. فهذا ما كان من خبر عيني (3).
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا صدقة بن عمرو الغساني ، حدثنا عَبّاد بن مَيْسَرة المِنْقَرِيّ ، عن الحسن قال : اسم هدهد سليمان عليه السلام : عنبر.
وقال محمد بن إسحاق : كان سليمان ، عليه السلام ، إذا غدا إلى مجلسه الذي كان يجلس فيه : تفقد الطير ، وكان فيما يزعمون يأتيه نُوَبٌ من كل صنف من الطير ، كل يوم طائر ، فنظر فرأى من أصناف الطير كلّها من حَضَره إلا الهدهد ، { فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ } أخطأه بصري من الطير ، أم غاب فلم يحضر ؟.
وقوله : { لأعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا } : قال الأعمش ، عن المِنْهَال بن عمرو ، عن سعيد ، عن ابن عباس : يعني نتف ريشه.
وقال عبد الله بن شداد : نتف ريشه وتشميسه. وكذا قال غير واحد من السلف : إنه نتف ريشه ، وتركه مُلْقًى يأكله الذر والنمل.
وقوله : { أَوْ لأذْبَحَنَّهُ } يعني : قتله ، { أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ } أي : بعذر واضح بين.
وقال سفيان بن عيينة ، وعبد الله بن شداد : لما قدم الهدهد قال له الطير : ما خلفك ، فقد نذر سليمان دمك! فقال : هل استثنى ؟ فقالوا : نعم ، قال : { لأعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ } فقال : نجوت إذًا.
__________
(1) رواه الحاكم في المستدرك (2/405) من طريق المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير بنحوه.
(2) زيادة من ف.
(3) تاريخ دمشق (19/130 "المخطوط").
وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة أبي عبد الله البَرْزيّ - من أهل "بَرْزَةَ" من غوطة دمشق ، وكان من الصالحين يصوم [يوم] (2) الاثنين والخميس ، وكان أعور قد بلغ الثمانين - فروى ابن عساكر بسنده إلى أبي سليمان بن زيد : أنه سأله عن سبب عَوَره ، فامتنع عليه ، فألح عليه شهورًا ، فأخبره أن رجلين من أهل خراسان نزلا عنده جمعة في قرية برزة ، وسألاه عن وادٍ بها ، فأريتهما إياه ، فأخرجا مجامر وأوقدا فيها بخورًا كثيرًا ، حتى عجعج الوادي بالدخان ، فأخذا يَعْزمان والحيات تقبل من كل مكان إليهما ، فلا يلتفتان إلى شيء منها ، حتى أقبلت حية نحو الذراع ، وعيناها توقدان مثل الدينار. فاستبشرا بها عظيما ، وقالا الحمد لله الذي لم يُخَيب سفرنا من سنة ، وكسرا المجامر ، وأخذا الحية فأدخلا في عينها ميلا فاكتحلا به ، فسألتهما أن يكحلاني ، فأبيا ، فألححت عليهما وقلت : لا بد من ذلك ، وتوعدتهما بالدولة ، فكحلا عيني الواحدة اليمنى ، فحين وقع في عيني نظرت إلى الأرض تحتي مثل المرآة ، أنظر ما تحتها كما تُري المرآة ، ثم قالا لي : سر معنا قليلا فسرت معهما وهما يحدثان ، حتى إذا بعدت عن القرية ، أخذاني فكتفاني ، وأدخل أحدهما يده في عيني ففقأها ، ورمى بها ومضيا. فلم أزل كذلك ملقى مكتوفًا ، حتى مر بي نفر ففَكَّ وَثَاقي. فهذا ما كان من خبر عيني (3).
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا صدقة بن عمرو الغساني ، حدثنا عَبّاد بن مَيْسَرة المِنْقَرِيّ ، عن الحسن قال : اسم هدهد سليمان عليه السلام : عنبر.
وقال محمد بن إسحاق : كان سليمان ، عليه السلام ، إذا غدا إلى مجلسه الذي كان يجلس فيه : تفقد الطير ، وكان فيما يزعمون يأتيه نُوَبٌ من كل صنف من الطير ، كل يوم طائر ، فنظر فرأى من أصناف الطير كلّها من حَضَره إلا الهدهد ، { فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ } أخطأه بصري من الطير ، أم غاب فلم يحضر ؟.
وقوله : { لأعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا } : قال الأعمش ، عن المِنْهَال بن عمرو ، عن سعيد ، عن ابن عباس : يعني نتف ريشه.
وقال عبد الله بن شداد : نتف ريشه وتشميسه. وكذا قال غير واحد من السلف : إنه نتف ريشه ، وتركه مُلْقًى يأكله الذر والنمل.
وقوله : { أَوْ لأذْبَحَنَّهُ } يعني : قتله ، { أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ } أي : بعذر واضح بين.
وقال سفيان بن عيينة ، وعبد الله بن شداد : لما قدم الهدهد قال له الطير : ما خلفك ، فقد نذر سليمان دمك! فقال : هل استثنى ؟ فقالوا : نعم ، قال : { لأعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ } فقال : نجوت إذًا.
__________
(1) رواه الحاكم في المستدرك (2/405) من طريق المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير بنحوه.
(2) زيادة من ف.
(3) تاريخ دمشق (19/130 "المخطوط").
(6/185)
**********************