محمود بن إسماعيل بن إبراهيم الجذبتي
دار النشر / مكتبة نزار مصطفى الباز - الرياض - 1417هـ- 1996م
عدد الأجزاء / 1
-----------------
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
الحمد لله الذي له القوة والقدرة والملك بتقديره تجري السفن والفلك وبحكمته البقاء والهلك قل اللهم مالك الملك لك العظمة والكبرياء والرفعة والثناء والمجد والبهاء تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء منك السراء والضراء وبتقديرك الآلاء والنعماء لك البقاء ولغيرك الفناء تعز من تشاء وتذل من تشاء أحمده على جزيل النعم وأعوذ به من وبيل النقم وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وخلفائه أجمعين خصوصا على صاحبه المصلى في محرابه المقدم على سائر أصحابه البر الشفيق المكنى بعتيق ( الإمام أمير المؤمنين ) أبي بكر الصديق وعلى الزاهد الأواب والفاروق التواب زين الأصحاب حنفي المحراب وقاتل المرتاب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب
وعلى الطاهر من كل شين المخصوص بالابنتين جامع القرآن معدن الجود والإحسان الإمام أمير المؤمنين عثمان بن عفان وعلى ذي النسب الرفيع والجناب المنيع ليث بني غالب ومظهر العجائب وفارس المشارق والمغارب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وعلى الإمامين الهمامين المظلومين المقتولين السعيدين الشهيدين وهما لنبينا بمنزلة السمع والعينين الحسن والحسين وعلى عميه الحمزة والعباس وعلى جميع الصحابة الكرام من المهاجرين والأنصار رضوان الله عليهم أجمعين وسلم تسليما كثيرا كثيرا أما بعد فيقول العبد المفتقر إلى الله الغني الودود الجليل محمود بن الشيخ إسماعيل بن إبراهيم الخيربيتي عفا الله عنهم وعن كافة المسلمين أجمعين لما كان ملاقاة العلماء السلاطين والأمراء والوزراء والأجناد من الأمور المستحسنة شرعا وعند الملاقاة إياهم المحاورة معهم بما يتعلق بهم من مقتضيات الأحوال التي هي من أعلى البلاغة والفصاحة خصوصا حضرة الجناب العالي صاحب القران الأعدل الأعظم الأعلم مستخدم أرباب السيف والقلم كافل مصالح أطوار الأمم افتخار صناديد العرب والعجم عضد الملوك والسلاطين ومغيث الملهوفين والمظلومين ومربي العلماء والمساكين ذي همة فلكية وسيرة ملكية الذي جنابه كعبة الآمال وعتبته مقبل الإقبال وكل من محاسن شيمه أسنة الأقلام وقصر عن شرح معاليه وأياديه ألسنة أبناء الليالي والأيام
شعر ( الكامل )
أبكى وأضحك خصمه ووليه ******بالسيف والقلم الضحوك الباكي
الدر والدرى خافا جوده *******فتحصنا في البحر والأفلاك
سلطان الإسلام والمسلمين الملك الظاهر محمد أبو سعيد جقمق أعلى الله - تعالى - شأنه وضاعف إحسانه وأعز أنصاره وأعوانه وبلغ في الدارين إرادته كما بلغه أبعد غايات العز والإقبال وملكه أزمة أمور الأقاليم كما ملكه أعنة الفضل والأفضال وأسبغ ظلاله على مفاريق الخواص والعوام وجعل أياديه ذخرا للأنام بحق سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وأولاده المعصومين العظام وأصحابه المتقين الكرام أردت امتثال أمر من أمره طاعة وحقه لا يؤدي على ما يجب ولكن على قدر الاستطاعة بأن أجمع لخزانته الشريفة نسخة مشتملة بضبط قواعد السلاطين والقضاة والأمراء والوزراء والولاة ومما لا بد منه للناس من المسائل الشرعية من المشكلات والواقعات وسميتها ( الدرة الغراء في نصيحة السلاطين والقضاة والأمراء ) وأسأل الله تعالى التوفيق في الفاتحة والخاتمة بمنه وجوده إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير وجعلتها عشرة أبواب شاملة كما قال ( تلك عشرة كاملة ) البقرة 196
راجيا من الله تعالى في ذلك الثواب بقدر الوسع والإمكان بفضل الملك المنان وذلك في غرة ذي القعدة سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة الباب الأول في الإمامة الباب الثاني في شروط الإمامة الباب الثالث في حكم الإمام الباب الرابع في قواعد الإمامة وأحوالها الباب الخامس في الوزارة الباب السادس في قواعد الأجناد الباب السابع في المسائل الشرعية المتعلقة بالأمراء والسلاطين الباب الثامن في الحيل الشرعية الباب التاسع في تنبيه المجيب في المسائل الشرعية الباب العاشر في المسائل المتفرقة اللهم اهدنا من عندك وأفض علينا من فضلك وانشر علينا من رحمتك وأنزل علينا من بركاتك وألهمنا القيام بحقك وبارك لنا في الحلال من رزقك وعد علينا في كل حال برفقك وانفعني بما أقول والحاضرين من خلقك برحمتك يا أرحم الراحمين ويا خير الناصرين آمين يا رب العالمين
الباب الأول في الإمامة
اعلم أن الإمام اسم لمن اؤتم به والمراد منه الخلافة وهي رياسة
عامة في الدين والدنيا لا عن دعوى النبوة فيخرج النبوة والقضاء
وفي كتاب التجريد الإمام خلافة شخص للرسول في إقامة قوانين شرعية وحفظ حوزة الإسلام على وجه يجب اتباعه على كافة الأمة وبه اختار جامع الحقائق ثم لا بد للناس من نصب إمام يقوم بمصالحهم من إنصاف المظلوم من الظالم وتنفيذ الأحكام وتزويج الأيتام وقطع المنازعة بين الأنام وإقامة الأعياد والجمع والحدود وأخذ العشور والزكاة والصدقات وصرفها إلى
مصارفها بموجب الشرع وقهر المتغلبة والمتلصصة وقطاع الطريق وقبول الشهادات القائمة على الحقوق وإقامة السياسة على العوام والحراسة لبيضة الإسلام وتجهيز جيوشهم وتقسيم غنائمهم وحفظ أموال بيت المال وأموال الغانمين وأموال اليتامى وإقامة هذه الأمور واجبة وما لا يمكن إقامة الواجب إلا به يكون واجبا واختلفوا في نصب الإمام هل يجب بالسمع أو بالعقل والسمع
أوجبه أهل السنة - وأكثر المعتزلة على الناس بالسمع والعقل
أما العقل فظاهر وأما السمع فقوله عليه السلام من مات وليس له إمام فقد مات ميتة جاهلية ويدل أيضا على وجوب نصب الإمام إجماع الصحابة بعد موت الرسول ولم يقع الاختلاف في نصب الإمام بل الاختلاف وقع في تعيين الإمام
ولا يجوز نصب إمامين في عصر واحد خلافا لبعض الروافض لأنهم يزعمون أن في كل عصر إمامين صامت وناطق فإن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين لم يجوزوا ذلك لأنه روى أن الأنصار قالوا منا أمير
ومنكم أمير قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه لا يصلح سيفان في غمد واحد ولم ينكر عليه أحد من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين فكان كون الإمام واحدا بالإجماع ولو عقدت الإمامة لاثنين فالإمام هو الأول لقوله عليه السلام من بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليعطه إن استطاع فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر
وقال عليه السلام إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما وإن عقدتا معا يستأنف العقد والثاني تحت يد الأول وإن أبى الثاني يقاتل كالباغي وقال في الصحائف يجوز نصب إمامين في عصر واحد إذا تباعد التلاقى بحيث لا يصل المدد من أحدهما إلى الآخر ثم ينبغي أن يكون الإمام ظاهرا في كل عصر ليمكنه القيام بما نصب هو له لأن نصب الإمام لقيام مصالح الناس ولا يصلح ذلك بالمختفى خلافا للروافض فإنهم ينتظرون إلى خروج المهدي
أما شروط الإمامة فبعضها لازم لا تنعقد الإمامة إلا به وبعضها شرط الكمال يصح للترجيح وبعضها مختلف فيه أما اللازم فالذكورة والحرية والبلوغ والعقل والعلم وأصل الشجاعة وهو أن يكون قوي القلب وأن يكون قرشيا أو يكون ممن نصبه القرشي
أما الذكورة فلأن المرأة لا تصلح للقهر والغلبة وجر العساكر وتدبير الحروب وإظهار السياسة غالبا كما أشار إليه النبي عليه السلام بقوله كيف يفلح قوم تملكهم امرأة وأما الحرية و البلوغ و العقل فإن العبد والصبي والمجنون مولى عليهم في تصرفاتهم فمن لم تكن له ولاية على نفسه فكيف تكون له الولاية على غيره وأما العلم فلأن بالعلم تتضح الأشياء الخفية ويتم بالعلم السلطنة والإمارة كما جاء في الخبر إن الله - تعالى - خير سليمان عليه السلام بين العلم والملك فاختار العلم فأعطاه الله تعالى الملك والعلم جميعا وقال الله تعالى ( ولقد آتينا داود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين ) ( النمل 15 ) وقال عليه السلام العلماء مصابيح الجنة وخلفاء الأنبياء عليهم السلام
انحصر قول المفسرين من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين أن المراد من أولى الأمر الأمراء والعلماء فإذا اتصف الأمير بالعلم يكون مرادا بإجماعهم فحقيق على من يقوم مقام النبوة أن يطيع الناس له وقيل لا بد للأمراء من ثلاثة أشياء العلم والمعرفة والعقل فمثل العلم كالنجوم فإنها كثيرة لا غاية لها ولا نهاية ومثل المعرفة كالشمس لأنها أبدا تكون مضيئة ونورها لا ينقطع لا يزيد ولا ينقص وأما العقل فمثله كمثل القمر تارة يزيد وتارة ينقص وينكسف ويدل على شرف العلم أن كل شيء أعطاه الله تعالى لنبيه محمد - عليه السلام - لم يقل فيه قل رب زدني إلا في العلم فقال الله تعالى لنبيه عليه السلام ( وقل رب زدني علما ) ( النساء 59 ) فمن أراد أن يكمل سلطنته وإمارته ينبغي له أن يكون عالما أو يكون حريصا بحب العلماء وحضورهم عنده ويقبل نصيحتهم وأما أصل الشجاعة يكفي للإمامة بحيث يكون بحال يمكنه جر العساكر وإقامة الحدود ومقاتلة العدو وإن لم يقدر أن يقاتل مع العدو بنفسه
وأما نسب قريش فلقوله عليه السلام الأئمة من قريش واللام تفيد العموم حيث لا عهد واتفقت الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين على قبول هذا الحديث والعمل به حين رواه أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - محتجا به على الأنصار
وأما شرط الكمال فهو التقوى يعني ينبغي أن يكون الإمام متقيا عن الحرام والشبهات ويكون ورعا صالحا ليأمن الخلائق على أنفسهم وأموالهم وتميل قلوب الخلائق إليه ولا تنفر عنه لما روى عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال كان رسول الله {صلى الله عليه وسلم} إذا بعث أحدا من أصحابه في بعض أمره قال بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا
فالتقوى شرط الكمال عندناوعند الشافعي رحمه الله هو شرط وكذا كون الإمام معصوما -الجواز والانعقاد وكذا عند الخوارج والمعتزلة فإن عند الشافعي رحمه الله الفاسق ليس بأهل للشهادة والقضاء فأولى ألا يكون أهلا للخلافة وعند المعتزلة الفاسق ليس بمؤمن لأنه يخرج بالفسق عن الإيمان وعند الخوارج يكفر بالفسق فلا يكون أهلا للخلافة وذكر في فتاوى المنية العدالة في الإمامة والإمارة والقضاء شرط الأولوية لا شرط الصحة وأما عند أبي حنيفة وأصحابه رحمهم الله كون الإمام من بني هاشم ليس بشرط وهذا مذهب أهل السنة والجماعة وقال بعض أهل الروافض هو شرط
وأما كونه أفضل أهل زمانه فعند الشيخ أبي منصور الماتريدي ليس بشرط وهو مذهب الحسين بن الفضل البجلي رحمه الله وقال أكثر الروافض لا تنعقد إمامة المفضول مع قيام الفاضل ووافقهم على ذلك بعض أهل السنة وإليه مال الأشعري والصحيح ما أشار إليه الشيخ أبو منصور رحمه الله
أي محفوظا من العصيان - ليس بشرط عندنا خلافا للباطنية
وأما انعقاد الخلافة فبأربعة أشياء إما بتنصيص الله تعالى كما في قوله تعالى ( إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا ) ( البقرة 247 ) أو بتنصيص رسوله عليه السلام كما جاء في بعض الروايات في حق سليمان بتنصيص داود عليه السلام وكما جاء في بعض الروايات في حق أبي بكر الصديق رحمه الله
وأما سبب انعقاد خلافة سليمان بن داود عليه السلام - فما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال نزل كتاب من السماء إلى داود عليه السلام مختوم فيه تسع مسائل أن سل ابنك سليمان فإن هو أخرجهن فهو الخليفة بعدك فدعا داود عليه السلام سبعين قسا وسبعين حبرا وأجلس سليمان بين أيديهم وقال نزل كتاب من السماء فيه تسع مسائل أمرت أن أسألك إياهن فإن أنت أخبرتهن فأنت الخليفة بعدي قال سليمان عليه السلام ليسأل نبي الله عما بدا له وما توفيقي إلا بالله ( هود 88 ) قال ما أقرب الأشياء وما أبعد الأشياء وما آنس الأشياء وما أوحش الأشياء وما القائمان وما المختلفان وما المتباغضان وما الأمر الذي إذا ركبه الرجل حمد آخره وما الأمر الذي إذا ركبه الرجل ذم آخره قال سليمان عليه السلام أما أقرب الأشياء فالآخرة وأما أبعد الأشياء فما فاتك من الدنيا وأما آنس الأشياء فجسد فيه روح وأما أوحش الأشياء فجسد لا روح فيه فأما القائمان فالسماء والأرض وأما المختلفان فالليل والنهار وأما المتباغضان فالموت والحياة كل يبغض صاحبه وأما الأمر الذي إذا ركبه الرجل حمد آخره فالحلم على الغضب وأما الأمر الذي إذا ركبه الرجل ذم آخره فالحدة على الغضب قال ففك الخاتم فإذا هذه المسائل سواء على ما نزل من السماء فقال القسيسون والأحبار لن نرضى بذلك حتى نسأله عن مسألة فإن هو أخبرها فهو الخليفة من بعدك قال سلوه قال سليمان عليه السلام سلوني بتوفيق الله قالوا ما الشيء الذي إذا صلح صلح كل شيء منه وإذا فسد فسد كل شيء منه قال سليمان عليه السلام هو القلب إذا صلح صلح كل شيء منه وإذا فسد فسد كل شيء منه قالوا صدقت أنت الخليفة بعده
ودفع إليه داود عليه السلام قضيب الملك ومامات إلا من الغد فملك خمسمائة سنة وستة أشهر أهل الدنيا كلهم من الجن والإنس والشياطين والدواب والطير والسباع وأعطي علم كل شيء ومنطق كل شيء حتى قال علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء ( النمل 16 ) وقيل تنعقد الخلافة أيضا بتنصيص الإمام السابق على تعيينه كما ثبتت إمامة عمر - رضي الله عنه - باستخلاف أبي بكر - رضي الله عنه - إياه وقد نص أبو بكر رضي الله عنه على خلافة عمر رضي الله عنه من بعده واستخلفه بعدما شاور أجل الصحابة فقالوا وليت علينا فظا غليظا فما أنت قائل لربك إذا سألك عن استخلافه علينا فقال أجلسوني أبالله تخوفونني خاب من تردد عليكم من أمركم بظلم إذن أقول لربي استخلفت عليهم خير عبادك
ولما قال لأبي بكر ابنه رضي الله عنه إن قريشا تكره ولاية عمر - رضي الله عنه - وتحب ولاية عثمان - رضي الله عنه - فقال نعم الرجل عثمان ولكن الوالي عمر وأوصى أبو بكر - رضي الله عنه - إلى عمر - رضي الله عنه - فقال يا عمر احفظ حق الرعية فإن الله - تعالى - يسألك عنه يوم القيامة كي لا تستحي عنه
وقيل تثبت الخلافة باختيار أهل العدل والرأي كما ثبت به إمامة أبي بكر - رضي الله عنه - في بعض الروايات وهو قول أهل السنة والجماعة ولا خلاف في ذلك
وقال الروندي الإمامة تثبت بالوراثة وهذا القول يخالف إجماع الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين
وأما لو استولى مستعد له شوكة على خطة الإسلام فلا تثبت له الإمامة عند أهل السنة والجماعة عند عدم الشرائط المذكورة فيه لكن الطاعة واجبة عليه دفعا للفتنة وقال بعض الروافض الإمامة لا تثبت إلا بتنصيص الإمام ثم ينبغي للإمام أن يكون اعتقاده في تفضيل الخلفاء الأربعة بعد النبيين والمرسلين - صلى الله عليهم أجمعين - على من سواهم من الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - على ما اجتمع عليه أهل السنة والجماعة وهو أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - أفضل الناس بعد رسول الله - {صلى الله عليه وسلم} - ثم بعد أبي بكر عمر الفاروق أفضل ثم بعد عمر عثمان أفضل على قول عامة أهل السنة والجماعة إلا رواية عن أبي حنيفة - رحمه الله - أنه كان يفضل عليا على عثمان رضي الله عنه وهو قول الحسن بن الفضل البلخي رحمه الله والصحيح ما عليه عامة أهل السنة وهو الظاهر من قول أبي حنيفة - رحمه الله - ثم بعد عثمان علي رضي الله عنه أفضل إذ هو خاتم الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم أجمعين لقوله عليه السلام الخلافة بعدي ثلاثون سنة كانت سنتين لأبي بكر وعشرة لعمر واثنى عشر لعثمان وستة لعلي فتمت الخلافة ثلاثين سنة.
شعر ( الرجز )
حولان للصديق عشر للنقي *****ستان للعثمان ست للعلي
وأما القول في أولادهم قال بعضهم لا نفضل من بعدهم أحدا إلا بالعمل والتقوى والأصح أن يفضل أولادهم على ترتيب فضل آبائهم إلا أولاد فاطمة رضوان الله عليهم أجمعين فإنهم يفضلون على أولاد أبي بكر وعمر
وعثمان لقربهم من الرسول عليه السلام وهم العترة الطاهرة والذرية الطيبة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا فأما القول في عموم الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - فهم أفضل الأمة بعد هؤلاء الأربعة بشهادة النبي - عليه السلام - إياهم بالخيرية لقوله عليه السلام خير القرون القرن الذي أنا فيهم إذ هم المختارون بصحبة رسول الله - {صلى الله عليه وسلم} - العاملون بنصرة دين الله فمن السنة أن نعتقد محبتهم على العموم ونكف لساننا عن الطعن والقدح في واحد منهم ولا نذكر ما شجر بينهم بل نكل أمرهم إلى الله - تعالى - ونقول ( تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسئلون عما كانوا يعملون ) ( البقرة 134 )
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} من أحب أصحابي وأزواجي وأهل بيتي ولم يطعن في واحد منهم وخرج من الدنيا على محبتهم كان معي في درجتي يوم القيامة ثم بعد اعتقاد الإمام أن ترتيب الخلفاء الأربعة - رضوان الله عليهم أجمعين - في التفضيل كترتيبهم في الخلافة ينبغي للإمام أن يصرف عمره إلى ما كان عليه أصحاب النبي - عليه السلام - وهو ما قال الأوزاعي رحمه الله خمس كان عليه أصحاب النبي {صلى الله عليه وسلم} لزوم الجماعة واتباع السنة وعمارة المسجد وتلاوة القرآن وجهاد في سبيل الله
وقال عليه السلام أربع إلى الولاة الفئ والجمعة والحدود والصدقات وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال ضمن الإمام أربعا الصلاة والزكاة الحدود والفيء وكما حكى أن شقيقا البلخي دخل على هارون الرشيد - رحمه الله - فقال له هارون الرشيد أنت شقيق الزاهد فقال أنا شقيق ولست بزاهد فقال له أوصني فقال إن الله تعالى قد أجلسك مكان الصديق وإنه يطلب منك مثل صدقه وأعطاك موضع عمر بن الخطاب الفاروق وهو يطلب منك الفرق بين الحق والباطل مثله وأقعدك مكان ذي النورين وإنه يطلب منك حياءه وكرمه وأقعدك موضع علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وإنه يطلب منك العلم والعدل كما يطلب منه فقال له زدني من وصيتك فقال نعم إن لله تعالى دارا تعرف بجهنم وإنه قد جعلك بواب تلك الدار وأعطاك ثلاثة أشياء بيت المال والسوط والسيف وأمرك أن تمنع الخلق من دخول النار بهذه الثلاثة فمن جاءك محتاجا فلا تمنعه من بيت المال ومن خالف أمر دينه - تعالى - فأدبه بهذا السوط ومن قتل نفسا بغير حق فاقتله بالسيف بإذن ولي المقتول فإن لم تفعل ما أمرك الله - تعالى - فأنت تكون الغريم لأهل النار والمتقدم إلى أهل البوار فقال زدني من الوصية فقال إنما مثلك كمثل معين الماء ومثل سائر العلماء كمثل السواقي فإذا كان المعين صافيا لا يضر كدر السواقي وإذا كان المعين كدرا لا ينفع صفاء السواقي والله أعلم وأحكم