تفسير سورة عبس
إبن كثير
إبن كثير
عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16)
تفسير سورة عبس
وهي مكية.
بسم الله الرحمن الرحيم
{ عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) كَلا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16) }
ذكر غيرُ واحد من المفسرين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوما يخاطبُ بعض عظماء قريش ، وقد طَمع في إسلامه ، فبينما هو يخاطبه ويناجيه إذ أقبل ابنُ أم مكتوم - وكان ممن أسلم قديما - فجعل يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء ويلح عليه ، وودَّ النبي صلى الله عليه وسلم أن لو كف ساعته تلك ليتمكن من مخاطبة ذلك الرجل ؛ طمعا ورغبة في هدايته. وعَبَس في وجه ابن أم مكتوم وأعرض عنه ، وأقبل على الآخر ، فأنزل الله عز وجل : (عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ) ؟ أي : يحصل له زكاة وطهارة في نفسه. (أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى ) أي : يحصل له اتعاظ وانزجار عن المحارم ، (أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى ) أي : أما الغني فأنت تتعرض له لعله يهتدي ، (وَمَا عَلَيْكَ أَلا يَزَّكَّى ) ؟ أي : ما أنت بمطالب به إذا لم يحصل له زكاة. (وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى ) أي : يقصدك ويؤمك ليهتدى بما تقول له ، (فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى ) أي : تتشاغل. ومن هاهنا أمر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم ألا يخص بالإنذار أحدًا ، بل يساوى فيه بين الشريف والضعيف ، والفقير والغني ، والسادة والعبيد ، والرجال والنساء ، والصغار والكبار. ثم الله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ، وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة.
قال الحافظ أبو يعلى في مسنده : حدثنا محمد - هو ابن مهدي - حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا مَعْمَر ، عن قتادة [عن أنس] (1) في قوله : (عَبَسَ وَتَوَلَّى ) جاء ابن أم مكتوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يكلم أبي بن خلف ، فأعرض عنه ، فأنزل الله : (عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأعْمَى ) فكان النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يكرمه.
قال قتادة : وأخبرني أنس بن مالك قال : رأيته يوم القادسية وعليه درع ومعه راية سوداء -
__________
(1) تنبيه : ما بين المعقوفين ليس في أصل مسند أبي يعلى وتفسير عبد الرزاق. وهل من النسخ ، وأظنه مقحما. والله أعلم.
وهي مكية.
بسم الله الرحمن الرحيم
{ عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) كَلا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16) }
ذكر غيرُ واحد من المفسرين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوما يخاطبُ بعض عظماء قريش ، وقد طَمع في إسلامه ، فبينما هو يخاطبه ويناجيه إذ أقبل ابنُ أم مكتوم - وكان ممن أسلم قديما - فجعل يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء ويلح عليه ، وودَّ النبي صلى الله عليه وسلم أن لو كف ساعته تلك ليتمكن من مخاطبة ذلك الرجل ؛ طمعا ورغبة في هدايته. وعَبَس في وجه ابن أم مكتوم وأعرض عنه ، وأقبل على الآخر ، فأنزل الله عز وجل : (عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ) ؟ أي : يحصل له زكاة وطهارة في نفسه. (أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى ) أي : يحصل له اتعاظ وانزجار عن المحارم ، (أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى ) أي : أما الغني فأنت تتعرض له لعله يهتدي ، (وَمَا عَلَيْكَ أَلا يَزَّكَّى ) ؟ أي : ما أنت بمطالب به إذا لم يحصل له زكاة. (وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى ) أي : يقصدك ويؤمك ليهتدى بما تقول له ، (فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى ) أي : تتشاغل. ومن هاهنا أمر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم ألا يخص بالإنذار أحدًا ، بل يساوى فيه بين الشريف والضعيف ، والفقير والغني ، والسادة والعبيد ، والرجال والنساء ، والصغار والكبار. ثم الله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ، وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة.
قال الحافظ أبو يعلى في مسنده : حدثنا محمد - هو ابن مهدي - حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا مَعْمَر ، عن قتادة [عن أنس] (1) في قوله : (عَبَسَ وَتَوَلَّى ) جاء ابن أم مكتوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يكلم أبي بن خلف ، فأعرض عنه ، فأنزل الله : (عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأعْمَى ) فكان النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يكرمه.
قال قتادة : وأخبرني أنس بن مالك قال : رأيته يوم القادسية وعليه درع ومعه راية سوداء -
__________
(1) تنبيه : ما بين المعقوفين ليس في أصل مسند أبي يعلى وتفسير عبد الرزاق. وهل من النسخ ، وأظنه مقحما. والله أعلم.
(8/319)
--------------------------------------------
يعني ابن أم مكتوم (1).
وقال أبو يعلى وابن جرير : حدثنا سعيد بن يحيى الأموي ، حدثني أبي ، عن هشام بن عروة مما عرضه عليه عن عُرْوَة ، عن عائشة قالت : أنزلت : (عَبَسَ وَتَوَلَّى ) في ابن أم مكتوم الأعمى ، أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول : أرشدني. قالت : وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم من عظماء المشركين. قالت : فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يُعرض عنه ويقبل على الآخر ، ويقول : "أترى بما أقول بأسا ؟". فيقول : لا. ففي هذا أنزلت : (عَبَسَ وَتَوَلَّى ) (2).
وقد روى الترمذي هذا الحديث ، عن سعيد بن يحيى الأموي ، بإسناده ، مثله ، ثم قال : وقد رواه بعضهم عن هشام بن عروة ، عن أبيه قال : أنزلَت (عَبَسَ وَتَوَلَّى ) في ابن أم مكتوم ، ولم يذكر فيه عن عائشة (3).
قلت : كذلك هو في الموطأ (4).
ثم روى ابن جرير وابن أبي حاتم أيضا من طريق العوفي ، عن ابن عباس قوله : (عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأعْمَى ) قال : بينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يناجي عتبةَ بن ربيعة ، وأبا جهل بنَ هشام ، والعباس بن عبد المطلب - وكان يتصدى لهم كثيرا ، ويحرص (5) عليهم أن يؤمنوا - فأقبل إليه رجل أعمى - يقال له عبد الله بن أم مكتوم - يمشي وهو يناجيهم ، فجعل عبد الله يستقرئ النبي صلى الله عليه وسلم آية من القرآن ، وقال : يا رسول الله ، علمنى مما علمك الله. فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعبس في وجهه ، وتولى وكَرهَ كَلامَه ، وأقبل على الآخرين ، فلما قضى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم نجواه ، وأخذ ينقلب إلى أهله ، أمسك الله بعض بصره ، ثم خَفَق برأسه ، ثم أنزل الله : (عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى ) فلما نزل فيه ما نزل ، أكرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلمه وقال له النبي صلى الله عليه وسلم : "ما حاجتك ؟ هل تريد من شيء ؟ " وإذا ذهب من عنده قال : "هل لك حاجة في شيء ؟ ". وذلك لما أنزل الله تعالى : (أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلا يَزَّكَّى ) (6).
فيه غرابة ونكارة ، وقد تُكُلّم في إسناده.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن منصور الرّمادي ، حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثنا الليث ، حدثنا يونس ، عن ابن شهاب قال : قال سالم بن عبد الله ، عن عبد الله بن عمر :
__________
(1) مسند أبي يعلى (5/431) ، وتفسير عبد الرزاق (2/282).
(2) مسند أبي يعلى (8/261) ، وتفسير الطبري (30/32).
(3) سنن الترمذي برقم (3328).
(4) الموطأ (1/203)
(5) في أ : "ويجعل".
(6) تفسير الطبري (30/32) ، ووجه غرابته ما نقله السهيلي في الروض الأنف عن شيخه ابن العربي قال : "قول المفسرين في الذي شغل النبي صلى الله عليه وسلم أنه الوليد بن المغيرة ، وأمية بن خلف ، والعباس كله باطل ، فإن أمية والوليد كانا بمكة ، وابن أم مكتوم كان بالمدينة ما حضر معهما ، ولا حضرا معه وماتا كافرين ، أحدهما قبل الهجرة والآخر في بدر ، ولم يقصد أمية المدينة قط ، ولا حضر عنده مفردا ولا مع آخر" انتهى.
وقال أبو يعلى وابن جرير : حدثنا سعيد بن يحيى الأموي ، حدثني أبي ، عن هشام بن عروة مما عرضه عليه عن عُرْوَة ، عن عائشة قالت : أنزلت : (عَبَسَ وَتَوَلَّى ) في ابن أم مكتوم الأعمى ، أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول : أرشدني. قالت : وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم من عظماء المشركين. قالت : فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يُعرض عنه ويقبل على الآخر ، ويقول : "أترى بما أقول بأسا ؟". فيقول : لا. ففي هذا أنزلت : (عَبَسَ وَتَوَلَّى ) (2).
وقد روى الترمذي هذا الحديث ، عن سعيد بن يحيى الأموي ، بإسناده ، مثله ، ثم قال : وقد رواه بعضهم عن هشام بن عروة ، عن أبيه قال : أنزلَت (عَبَسَ وَتَوَلَّى ) في ابن أم مكتوم ، ولم يذكر فيه عن عائشة (3).
قلت : كذلك هو في الموطأ (4).
ثم روى ابن جرير وابن أبي حاتم أيضا من طريق العوفي ، عن ابن عباس قوله : (عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأعْمَى ) قال : بينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يناجي عتبةَ بن ربيعة ، وأبا جهل بنَ هشام ، والعباس بن عبد المطلب - وكان يتصدى لهم كثيرا ، ويحرص (5) عليهم أن يؤمنوا - فأقبل إليه رجل أعمى - يقال له عبد الله بن أم مكتوم - يمشي وهو يناجيهم ، فجعل عبد الله يستقرئ النبي صلى الله عليه وسلم آية من القرآن ، وقال : يا رسول الله ، علمنى مما علمك الله. فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعبس في وجهه ، وتولى وكَرهَ كَلامَه ، وأقبل على الآخرين ، فلما قضى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم نجواه ، وأخذ ينقلب إلى أهله ، أمسك الله بعض بصره ، ثم خَفَق برأسه ، ثم أنزل الله : (عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى ) فلما نزل فيه ما نزل ، أكرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلمه وقال له النبي صلى الله عليه وسلم : "ما حاجتك ؟ هل تريد من شيء ؟ " وإذا ذهب من عنده قال : "هل لك حاجة في شيء ؟ ". وذلك لما أنزل الله تعالى : (أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلا يَزَّكَّى ) (6).
فيه غرابة ونكارة ، وقد تُكُلّم في إسناده.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن منصور الرّمادي ، حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثنا الليث ، حدثنا يونس ، عن ابن شهاب قال : قال سالم بن عبد الله ، عن عبد الله بن عمر :
__________
(1) مسند أبي يعلى (5/431) ، وتفسير عبد الرزاق (2/282).
(2) مسند أبي يعلى (8/261) ، وتفسير الطبري (30/32).
(3) سنن الترمذي برقم (3328).
(4) الموطأ (1/203)
(5) في أ : "ويجعل".
(6) تفسير الطبري (30/32) ، ووجه غرابته ما نقله السهيلي في الروض الأنف عن شيخه ابن العربي قال : "قول المفسرين في الذي شغل النبي صلى الله عليه وسلم أنه الوليد بن المغيرة ، وأمية بن خلف ، والعباس كله باطل ، فإن أمية والوليد كانا بمكة ، وابن أم مكتوم كان بالمدينة ما حضر معهما ، ولا حضرا معه وماتا كافرين ، أحدهما قبل الهجرة والآخر في بدر ، ولم يقصد أمية المدينة قط ، ولا حضر عنده مفردا ولا مع آخر" انتهى.
(8/320)
---------------------------------
قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (22) كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (23) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (32) فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41) أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42)
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "إن بلالا يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم". وهو الأعمى الذي أنزل الله فيه : (عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأعْمَى ) وكان يؤذن مع بلال. قال سالم : وكان رَجُلا ضريرَ البصر ، فلم يك يؤذن حتى يقول له الناس - حين ينظرون إلى بزوغ الفجر - : أذَّن (1).
وهكذا ذكر عروة بن الزبير ، ومجاهد ، وأبو مالك ، وقتادة ، والضحاك ، وابن زيد ، وغير واحد من السلف والخلف : أنها نزلت (2) في ابن أم مكتوم. والمشهور أن اسمه عبد الله ، ويقال : عمرو. والله أعلم.
وقوله : (كَلا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ ) أي : هذه السورة ، أو الوصية بالمساواة بين الناس في إبلاغ العلم من (3) شريفهم ووضيعهم.
وقال قتادة والسدي : (كَلا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ ) يعني : القرآن ، (فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ ) أي : فمن شاء ذكر الله في جميع أموره. ويحتمل عود الضمير على الوحي ؛ لدلالة الكلام عليه.
وقوله : (فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ ) أي : هذه السورة أو العظة ، وكلاهما متلازم ، بل جميع القرآن (فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ ) أي : معظمة موقرة (مَرْفُوعَةٍ ) أي : عالية القدر ، (مُطَهَّرَةٍ ) أي : من الدنس والزيادة والنقص.
وقوله : (بِأَيْدِي سَفَرَةٍ ) قال ابن عباس ، ومجاهد ، والضحاك ، وابن زيد : هي الملائكة. وقال وهب بن منبه : هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، وقال قتادة : هم القراء. وقال ابن جريج ، عن ابن عباس : السفرة بالنبطية : القراء.
وقال ابن جرير : الصحيح أن السفرة الملائكة ، والسفرة يعني بين الله وبين خلقه ، ومنه يقال : السفير : الذي يسعى بين الناس في الصلح والخير ، كما قال الشاعر :
ومَا أدَعُ السّفَارَة بَين قَومي... وَما أمْشي بغش إن مَشَيتُ (4)
وقال البخاري : سَفَرةٌ : الملائكة. سَفرت : أصلحت بينهم. وجعلت الملائكةُ إذا نزلت بوَحْي الله وتأديته كالسفير الذي يصلح بين القوم (5).
وقوله : (كِرَامٍ بَرَرَةٍ ) أي : خُلقهم كريم حَسَنٌ شريف ، وأخلاقهم وأفعالهم بارة طاهرة كاملة. ومن هاهنا ينبغي لحامل القرآن أن يكون في أفعاله وأقواله على السداد والرشاد.
قال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل ، حدثنا هشام ، عن قتادة ، عن زُرَارة بن أوفى ، عن سعد بن هشام ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة ، والذي يقرؤه وهو عليه شاق له أجران". أخرجه الجماعة من طريق قتادة ، به (6).
{ قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (22) كَلا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (23) فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَتَاعًا لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ (32) }
__________
(1) أصل الحديث في صحيح مسلم برقم (1092).
(2) في م : "أنها أنزلت".
(3) في أ : "بين".
(4) تفسير الطبري (30/35).
(5) صحيح البخاري (8/691) "فتح".
(6) المسند (6/48) وصحيح البخاري برقم (4937) وصحيح مسلم برقم (798) وسنن أبي داود برقم (1454) وسنن الترمذي برقم (2904) وسنن النسائي الكبرى برقم (8047) وسنن ابن ماجة برقم (3779).
وهكذا ذكر عروة بن الزبير ، ومجاهد ، وأبو مالك ، وقتادة ، والضحاك ، وابن زيد ، وغير واحد من السلف والخلف : أنها نزلت (2) في ابن أم مكتوم. والمشهور أن اسمه عبد الله ، ويقال : عمرو. والله أعلم.
وقوله : (كَلا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ ) أي : هذه السورة ، أو الوصية بالمساواة بين الناس في إبلاغ العلم من (3) شريفهم ووضيعهم.
وقال قتادة والسدي : (كَلا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ ) يعني : القرآن ، (فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ ) أي : فمن شاء ذكر الله في جميع أموره. ويحتمل عود الضمير على الوحي ؛ لدلالة الكلام عليه.
وقوله : (فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ ) أي : هذه السورة أو العظة ، وكلاهما متلازم ، بل جميع القرآن (فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ ) أي : معظمة موقرة (مَرْفُوعَةٍ ) أي : عالية القدر ، (مُطَهَّرَةٍ ) أي : من الدنس والزيادة والنقص.
وقوله : (بِأَيْدِي سَفَرَةٍ ) قال ابن عباس ، ومجاهد ، والضحاك ، وابن زيد : هي الملائكة. وقال وهب بن منبه : هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، وقال قتادة : هم القراء. وقال ابن جريج ، عن ابن عباس : السفرة بالنبطية : القراء.
وقال ابن جرير : الصحيح أن السفرة الملائكة ، والسفرة يعني بين الله وبين خلقه ، ومنه يقال : السفير : الذي يسعى بين الناس في الصلح والخير ، كما قال الشاعر :
ومَا أدَعُ السّفَارَة بَين قَومي... وَما أمْشي بغش إن مَشَيتُ (4)
وقال البخاري : سَفَرةٌ : الملائكة. سَفرت : أصلحت بينهم. وجعلت الملائكةُ إذا نزلت بوَحْي الله وتأديته كالسفير الذي يصلح بين القوم (5).
وقوله : (كِرَامٍ بَرَرَةٍ ) أي : خُلقهم كريم حَسَنٌ شريف ، وأخلاقهم وأفعالهم بارة طاهرة كاملة. ومن هاهنا ينبغي لحامل القرآن أن يكون في أفعاله وأقواله على السداد والرشاد.
قال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل ، حدثنا هشام ، عن قتادة ، عن زُرَارة بن أوفى ، عن سعد بن هشام ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة ، والذي يقرؤه وهو عليه شاق له أجران". أخرجه الجماعة من طريق قتادة ، به (6).
{ قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (22) كَلا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (23) فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَتَاعًا لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ (32) }
__________
(1) أصل الحديث في صحيح مسلم برقم (1092).
(2) في م : "أنها أنزلت".
(3) في أ : "بين".
(4) تفسير الطبري (30/35).
(5) صحيح البخاري (8/691) "فتح".
(6) المسند (6/48) وصحيح البخاري برقم (4937) وصحيح مسلم برقم (798) وسنن أبي داود برقم (1454) وسنن الترمذي برقم (2904) وسنن النسائي الكبرى برقم (8047) وسنن ابن ماجة برقم (3779).
(8/321)
--------------------------------
إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا (4) إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10) فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11) وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12) مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13) وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14) وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآَنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ (15) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (16) وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (19) وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20) عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21) إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا (22) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ تَنْزِيلًا (23) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آَثِمًا أَوْ كَفُورًا (24) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (26) إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا (27) نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا (28) إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (29) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30) يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (31)
يقول تعالى ذاما لمن أنكر البعث والنشور من بني آدم : (قُتِلَ الإنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ ) قال الضحاك ، عن ابن عباس : (قُتِلَ الإنْسَانُ ) لعن الإنسان. وكذا قال أبو مالك. وهذا لجنس الإنسان المكذب ؛ لكثرة تكذيبه بلا مستند ، بل بمجرد الاستبعاد وعدم العلم.
قال ابن جرير (1) (مَا أَكْفَرَهُ ) ما أشد كفره! وقال ابن جرير : ويحتمل أن يكون المراد : أي شيء جعله كافرا ؟ أي : ما حمله على التكذيب بالمعاد (2).
وقال قتادة - وقد حكاه البغوي عن مقاتل والكلبي - : (مَا أَكْفَرَهُ ) ما ألعنه.
ثم بين تعالى له كيف خلقه من الشيء الحقير ، وأنه قادر على إعادته كما بدأه ، فقال : (مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ) أي : قدر أجله ورزقه وعمله وشقي أو سعيد. (ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ) قال العوفي ، عن ابن عباس : ثم يسر عليه خروجه من بطن أمه. وكذا قال عكرمة ، والضحاك ، وأبو صالح ، وقتادة ، والسدي ، واختاره ابن جرير (3).
وقال مجاهد : هذه كقوله : { إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا } [الإنسان : 3] أي : بينا (4) له ووضحناه وسهلنا عليه عمله (5) وهكذا قال الحسن ، وابن زيد. وهذا هو الأرجح والله أعلم.
وقوله : (ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ) أي : إنه بعد خلقه له (أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ) أي : جعله ذا قبر. والعرب تقول : "قبرت الرجل" : إذا ولى ذلك منه ، وأقبره الله. وعضبت قرن الثور ،
وأعضبه الله ، وبترت ذنب البعير وأبتره الله. وطردت عني فلانا ، وأطرده الله ، أي : جعله طريدا قال الأعشى :
لَو أسْنَدَتْ مَيتًا إلى نَحْرها (6) عَاش ، وَلم يُنقَل إلى قَابِر (7)
__________
(1) في أ : "ابن جريح"
(2) تفسير الطبري (30/35) ، وقد تصرف الحافظ هنا في كلامه
(3) تفسير الطبري (30/36).
(4) في أ : "أي بيناه"
(5) في أ : "عمله".
(6) في م ، أ : "إلى صدرها".
(7) البيت في تفسير الطبري (30/36).
قال ابن جرير (1) (مَا أَكْفَرَهُ ) ما أشد كفره! وقال ابن جرير : ويحتمل أن يكون المراد : أي شيء جعله كافرا ؟ أي : ما حمله على التكذيب بالمعاد (2).
وقال قتادة - وقد حكاه البغوي عن مقاتل والكلبي - : (مَا أَكْفَرَهُ ) ما ألعنه.
ثم بين تعالى له كيف خلقه من الشيء الحقير ، وأنه قادر على إعادته كما بدأه ، فقال : (مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ) أي : قدر أجله ورزقه وعمله وشقي أو سعيد. (ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ) قال العوفي ، عن ابن عباس : ثم يسر عليه خروجه من بطن أمه. وكذا قال عكرمة ، والضحاك ، وأبو صالح ، وقتادة ، والسدي ، واختاره ابن جرير (3).
وقال مجاهد : هذه كقوله : { إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا } [الإنسان : 3] أي : بينا (4) له ووضحناه وسهلنا عليه عمله (5) وهكذا قال الحسن ، وابن زيد. وهذا هو الأرجح والله أعلم.
وقوله : (ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ) أي : إنه بعد خلقه له (أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ) أي : جعله ذا قبر. والعرب تقول : "قبرت الرجل" : إذا ولى ذلك منه ، وأقبره الله. وعضبت قرن الثور ،
وأعضبه الله ، وبترت ذنب البعير وأبتره الله. وطردت عني فلانا ، وأطرده الله ، أي : جعله طريدا قال الأعشى :
لَو أسْنَدَتْ مَيتًا إلى نَحْرها (6) عَاش ، وَلم يُنقَل إلى قَابِر (7)
__________
(1) في أ : "ابن جريح"
(2) تفسير الطبري (30/35) ، وقد تصرف الحافظ هنا في كلامه
(3) تفسير الطبري (30/36).
(4) في أ : "أي بيناه"
(5) في أ : "عمله".
(6) في م ، أ : "إلى صدرها".
(7) البيت في تفسير الطبري (30/36).
(8/322)
------------------------------
وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20) وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22) وَمِنْ آَيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23) وَمِنْ آَيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24) وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25) وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (26) وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28) بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (29) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33) لِيَكْفُرُوا بِمَا آَتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (34) أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (35) وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ (36) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (37) فَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (38) وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (39) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (40) ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ (42) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (43) مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (44) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (45) وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (46) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47) اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48) وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (49) فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (50) وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (51) فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (52) وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (53) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (56) فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (57) وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآَيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ (58) كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (59) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ (60)
وقوله : (ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ ) أي : بعثه بعد موته ، ومنه يقال : البعث والنشور ، { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ } [الروم : 20] ، { وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا } [البقرة : 259].
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أصبغُ بنُ الفَرج ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث : أن دراجا أبا السمح أخبره ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "يأكل الترابُ كلَّ شيء من الإنسان إلا عَجْبُ ذَنَبه (1) قيل : وما هو يا رسول الله ؟ قال : "مثل حبة خردل منه ينشئون" (2).
وهذا الحديث ثابت في الصحيح من رواية الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، بدون هذه الزيادة ، ولفظه : "كل ابن آدم يَبْلى إلا عَجْبُ الذَّنَب ، منه خلق وفيه يُركَّب" (3).
وقوله : (كَلا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ ) قال ابن جرير : يقول : كلا ليس الأمر كما يقول هذا الإنسان الكافر ؛ من أنه قد أدى حق الله عليه في نفسه وماله ، (لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ ) يقول : لم يُؤد ما فُرض عليه من الفرائض لربه عز وجل.
ثم روى - هو وابن أبي حاتم - من طريق ابن أبي نَجِيح ، عن مجاهد قوله : (كَلا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ ) قال : لا يقضي أحد أبدا كل ما افتُرض عليه. وحكاه البغوي ، عن الحسن البصري ، بنحو من هذا. ولم أجد للمتقدمين فيه كَلامًا سوى هذا. والذي يقع لي في معنى ذلك - والله أعلم - أن المعنى : (ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ ) أي : بعثه ، (كَلا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ ) [أي] (4) لا يفعله الآن حتى تنقضي المدة ، ويفرغ القدر من بني آدم ممن كتب تعالى (5) له أن سيُوجَدُ منهم ، ويخرج إلى الدنيا ، وقد أمر به تعالى كونا وقدرا ، فإذا تناهى ذلك عند الله أنشر الله الخلائق وأعادهم كما بدأهم.
وقد روى ابنُ أبي حاتم ، عن وهب بن مُنَبّه قال : قال عُزَير ، عليه السلام : قال الملك الذي جاءني : فإن القبور هي بطنُ الأرض ، وإن الأرض هي أم الخلق ، فإذا خلق الله ما أراد أن يخلق وتمت هذه القبورُ التي مَدّ الله لها ، انقطعت الدنيا ومات من عليها ، ولفظت الأرض ما في جوفها ، وأخرجت القبورُ ما فيها ، وهذا شبيه بما قلنا من معنى الآية ، والله - سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
وقال : (6) (فَلْيَنْظُرِ الإنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ ) فيه امتنان ، وفيه استدلال بإحياء النبات من الأرض الهامدة على إحياء الأجسام بعدما كانت عَظَاما بالية وترابا متمزقا ، (أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا ) أي : أنزلناه من السماء على الأرض ، (ثُمَّ شَقَقْنَا الأرْضَ شَقًّا ) أي : أسكناه فيها فدخل في تُخُومها وتَخَلَّل في
__________
(1) في أ : "إلا عجز الذنب".
(2) ورواه الحاكم في المستدرك (4/609) من طريق بحر بن نصر ، عن ابن وهب به ، وقال : "حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" قلت : دراج عن أبي الهيثم ضعيف.
(3) صحيح البخاري برقم (4814) ، وصحيح مسلم برقم (2955)
(4) زيادة من م ، أ.
(5) في م : "ممن كتب الله".
(6) في أ : "وقوله".
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أصبغُ بنُ الفَرج ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث : أن دراجا أبا السمح أخبره ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "يأكل الترابُ كلَّ شيء من الإنسان إلا عَجْبُ ذَنَبه (1) قيل : وما هو يا رسول الله ؟ قال : "مثل حبة خردل منه ينشئون" (2).
وهذا الحديث ثابت في الصحيح من رواية الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، بدون هذه الزيادة ، ولفظه : "كل ابن آدم يَبْلى إلا عَجْبُ الذَّنَب ، منه خلق وفيه يُركَّب" (3).
وقوله : (كَلا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ ) قال ابن جرير : يقول : كلا ليس الأمر كما يقول هذا الإنسان الكافر ؛ من أنه قد أدى حق الله عليه في نفسه وماله ، (لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ ) يقول : لم يُؤد ما فُرض عليه من الفرائض لربه عز وجل.
ثم روى - هو وابن أبي حاتم - من طريق ابن أبي نَجِيح ، عن مجاهد قوله : (كَلا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ ) قال : لا يقضي أحد أبدا كل ما افتُرض عليه. وحكاه البغوي ، عن الحسن البصري ، بنحو من هذا. ولم أجد للمتقدمين فيه كَلامًا سوى هذا. والذي يقع لي في معنى ذلك - والله أعلم - أن المعنى : (ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ ) أي : بعثه ، (كَلا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ ) [أي] (4) لا يفعله الآن حتى تنقضي المدة ، ويفرغ القدر من بني آدم ممن كتب تعالى (5) له أن سيُوجَدُ منهم ، ويخرج إلى الدنيا ، وقد أمر به تعالى كونا وقدرا ، فإذا تناهى ذلك عند الله أنشر الله الخلائق وأعادهم كما بدأهم.
وقد روى ابنُ أبي حاتم ، عن وهب بن مُنَبّه قال : قال عُزَير ، عليه السلام : قال الملك الذي جاءني : فإن القبور هي بطنُ الأرض ، وإن الأرض هي أم الخلق ، فإذا خلق الله ما أراد أن يخلق وتمت هذه القبورُ التي مَدّ الله لها ، انقطعت الدنيا ومات من عليها ، ولفظت الأرض ما في جوفها ، وأخرجت القبورُ ما فيها ، وهذا شبيه بما قلنا من معنى الآية ، والله - سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
وقال : (6) (فَلْيَنْظُرِ الإنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ ) فيه امتنان ، وفيه استدلال بإحياء النبات من الأرض الهامدة على إحياء الأجسام بعدما كانت عَظَاما بالية وترابا متمزقا ، (أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا ) أي : أنزلناه من السماء على الأرض ، (ثُمَّ شَقَقْنَا الأرْضَ شَقًّا ) أي : أسكناه فيها فدخل في تُخُومها وتَخَلَّل في
__________
(1) في أ : "إلا عجز الذنب".
(2) ورواه الحاكم في المستدرك (4/609) من طريق بحر بن نصر ، عن ابن وهب به ، وقال : "حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" قلت : دراج عن أبي الهيثم ضعيف.
(3) صحيح البخاري برقم (4814) ، وصحيح مسلم برقم (2955)
(4) زيادة من م ، أ.
(5) في م : "ممن كتب الله".
(6) في أ : "وقوله".
(8/323)
------------------------------
أجزاء الحب المودعَ فيها فنبت وارتفع وظهر على وجه الأرض ، (فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا ) فالحب : كل ما يذكر من الحبوب ، والعنب معروف والقضب هو : الفصفصة التي تأكلها الدواب رطبة. ويقال لها : القَتّ أيضا قال ذلك ابن عباس ، وقتادة ، والضحاك. والسدي.
وقال الحسن البصري : القضب العلف.
(وَزَيْتُونًا ) وهو معروف ، وهو أدْمٌ وعصيره أدم ، ويستصبح به ، ويدهن به. (وَنَخْلا ) يؤكل بلحا بسرا ، ورطبا ، وتمرا ، ونيئا ، ومطبوخا ، ويعتصر منه رُبٌّ وخل. (وَحَدَائِقَ غُلْبًا ) أي : بساتين. قال الحسن ، وقتادة : (َ غُلْبًا ) نخل غلاظ كرام. وقال ابن عباس ، ومجاهد : "الحدائق" : كل ما التف واجتمع. وقال ابن عباس أيضا : (غُلْبًا ) (1) الشجر الذي يستظل به. وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : (وَحَدَائِقَ غُلْبًا ) أي : طوال. وقال عكرمة : (غُلْبًا ) أي : غلاظ الأوساط. وفي رواية : غلاظ الرقاب (2) ، ألم تر إلى الرجل إذا كان غليظ الرقبة قيل : والله إنه لأغلب. رواه ابن أبي حاتم ، وأنشد ابن جرير للفرزدق :
عَوَى فَأثارَ أغلبَ ضَيْغَمِيًا... فَويلَ ابن المَراغَة ما استَثَارا (3)
وقوله : (وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ) أما الفاكهة فهو ما يتفكه به من الثمار. قال ابن عباس : الفاكهة : كل ما أكل رطبا. والأبّ ما أنبتت الأرض ، مما تأكله الدواب ولا يأكله الناس - وفي رواية عنه : هو الحشيش للبهائم. وقال مجاهد ، وسعيد بن جبير ، وأبو مالك : الأب : الكلأ. وعن مجاهد ، والحسن ، وقتادة ، وابن زيد : الأب للبهائم كالفاكهة لبني آدم. وعن عطاء : كل شيء نبت على وجه الأرض فهو أبٌّ. وقال الضحاك : كل شيء أنبتته الأرض سوى الفاكهة فهو أبٌّ.
وقال ابن إدريس ، عن عاصم بن كليب ، عن أبيه ، عن ابن عباس : الأب : نبت الأرض مما تأكله الدواب ولا يأكله الناس. ورواه ابن جرير من ثلاث طرق ، عن ابن إدريس ، ثم قال : حدثنا أبو كُرَيْب وأبو السائب قالا حدثنا ابن إدريس ، حدثنا عبد الملك ، عن سعيد بن جبير قال : عدّ ابن عباس وقال : الأب : ما أنبتت الأرض للأنعام. هذا لفظ أبي كريب ، وقال أبو السائب : ما أنبتت الأرض مما يأكل الناس وتأكل الأنعام.
وقال العوفي ، عن ابن عباس : الأب : الكلأ والمرعى. وكذا قال مجاهد ، والحسن ، وقتادة ، وابن زيد ، وغير واحد.
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام : حدثنا محمد بن يزيد ، حدثنا العوام بن حَوشَب ، عن إبراهيم التَّيمي قال : سُئِلَ أبو بكر الصديق ، رضي الله عنه ، عن قوله تعالى : (وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ) فقال : أي سماء تظلني ، وأي أرض تقلني إن قلتُ في كتاب الله ما لا أعلم (4).
__________
(1) في م : "الغلب".
(2) في م : "الأرقاب".
(3) تفسير الطبري (30/37)
(4) فضائل القرآن لأبي عبيد (ص 227) ، وسبق الكلام عليه في مقدمة التفسير.
وقال الحسن البصري : القضب العلف.
(وَزَيْتُونًا ) وهو معروف ، وهو أدْمٌ وعصيره أدم ، ويستصبح به ، ويدهن به. (وَنَخْلا ) يؤكل بلحا بسرا ، ورطبا ، وتمرا ، ونيئا ، ومطبوخا ، ويعتصر منه رُبٌّ وخل. (وَحَدَائِقَ غُلْبًا ) أي : بساتين. قال الحسن ، وقتادة : (َ غُلْبًا ) نخل غلاظ كرام. وقال ابن عباس ، ومجاهد : "الحدائق" : كل ما التف واجتمع. وقال ابن عباس أيضا : (غُلْبًا ) (1) الشجر الذي يستظل به. وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : (وَحَدَائِقَ غُلْبًا ) أي : طوال. وقال عكرمة : (غُلْبًا ) أي : غلاظ الأوساط. وفي رواية : غلاظ الرقاب (2) ، ألم تر إلى الرجل إذا كان غليظ الرقبة قيل : والله إنه لأغلب. رواه ابن أبي حاتم ، وأنشد ابن جرير للفرزدق :
عَوَى فَأثارَ أغلبَ ضَيْغَمِيًا... فَويلَ ابن المَراغَة ما استَثَارا (3)
وقوله : (وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ) أما الفاكهة فهو ما يتفكه به من الثمار. قال ابن عباس : الفاكهة : كل ما أكل رطبا. والأبّ ما أنبتت الأرض ، مما تأكله الدواب ولا يأكله الناس - وفي رواية عنه : هو الحشيش للبهائم. وقال مجاهد ، وسعيد بن جبير ، وأبو مالك : الأب : الكلأ. وعن مجاهد ، والحسن ، وقتادة ، وابن زيد : الأب للبهائم كالفاكهة لبني آدم. وعن عطاء : كل شيء نبت على وجه الأرض فهو أبٌّ. وقال الضحاك : كل شيء أنبتته الأرض سوى الفاكهة فهو أبٌّ.
وقال ابن إدريس ، عن عاصم بن كليب ، عن أبيه ، عن ابن عباس : الأب : نبت الأرض مما تأكله الدواب ولا يأكله الناس. ورواه ابن جرير من ثلاث طرق ، عن ابن إدريس ، ثم قال : حدثنا أبو كُرَيْب وأبو السائب قالا حدثنا ابن إدريس ، حدثنا عبد الملك ، عن سعيد بن جبير قال : عدّ ابن عباس وقال : الأب : ما أنبتت الأرض للأنعام. هذا لفظ أبي كريب ، وقال أبو السائب : ما أنبتت الأرض مما يأكل الناس وتأكل الأنعام.
وقال العوفي ، عن ابن عباس : الأب : الكلأ والمرعى. وكذا قال مجاهد ، والحسن ، وقتادة ، وابن زيد ، وغير واحد.
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام : حدثنا محمد بن يزيد ، حدثنا العوام بن حَوشَب ، عن إبراهيم التَّيمي قال : سُئِلَ أبو بكر الصديق ، رضي الله عنه ، عن قوله تعالى : (وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ) فقال : أي سماء تظلني ، وأي أرض تقلني إن قلتُ في كتاب الله ما لا أعلم (4).
__________
(1) في م : "الغلب".
(2) في م : "الأرقاب".
(3) تفسير الطبري (30/37)
(4) فضائل القرآن لأبي عبيد (ص 227) ، وسبق الكلام عليه في مقدمة التفسير.
(8/324)
----------------------