تفسير سورة المدثر
إبن كثير
الجزء 8
من الصفحة 260 وحتى الصفحة 273
إبن كثير
الجزء 8
من الصفحة 260 وحتى الصفحة 273
(8/260)
يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7) فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8) فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10)
تفسير سورة المدثر
وهي مكية.
بسم الله الرحمن الرحيم
{ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7) فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8) فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10) }
ثبت في صحيح البخاري [من حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة] (1) عن جابر أنه كان يقول : أول شيء نزل من القرآن : { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ }
وخالفه (2) الجمهور فذهبوا إلى أن أول القرآن نزولا قوله تعالى : { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } كما سيأتي [بيان] (3) ذلك هناك.
قال البخاري : حدثنا يحيى ، حدثنا وَكِيع ، عن علي بن المبارك ، عن يحيى بن أبي كثير قال : سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أول ما نزل من القرآن ، قال : { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ } قلت : يقولون : { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } ؟ فقال أبو سلمة : سألت جابر بن عبد الله عن ذلك ، وقلتُ له مثل ما قلتَ لي ، فقال جابر : لا أحدثك إلا ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "جاورت بحرَاء ، فلما قضيت جواري هبطتُ فنُوديت فنظرت عن يميني فلم أر شيئًا ، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئًا ، ونظرت أمامي فلم أر شيئًا ، ونظرت خلفي فلم أر شيئًا. فرفعت رأسي فرأيت شيئًا ، فأتيت خديجة فقلت : دثروني. وصبوا علي ماء باردا. قال : فدثروني وصبوا علي ماء باردا قال : فنزلت { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ } (4)
هكذا ساقه من هذا الوجه. وقد رواه مسلم (5) من طريق عُقَيل ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة قال : أخبرني جابر بن عبد الله : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث عن فترة الوحي : "فبينا أنا أمشي إذ سمعت صوتًا من السماء ، فرفعت بصري قبَلَ السماء ، فإذا الملك الذي جاءني بحراء قاعد على كرسي بين السماء والأرض ، فَجَثَثْتُ (6) منه حتى هَوَيتُ إلى الأرض ، فجئت إلى أهلي ، فقلت : زملوني زملوني. فزملوني ، فأنزل الله { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ } إلى : { فَاهْجُرْ } -
__________
(1) زيادة من م.
(2) في م : "وخالف".
(3) زيادة من م.
(4) صحيح البخاري برقم (4922).
(5) صحيح مسلم برقم (161).
(6) في م : "فجثيت".
وهي مكية.
بسم الله الرحمن الرحيم
{ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7) فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8) فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10) }
ثبت في صحيح البخاري [من حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة] (1) عن جابر أنه كان يقول : أول شيء نزل من القرآن : { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ }
وخالفه (2) الجمهور فذهبوا إلى أن أول القرآن نزولا قوله تعالى : { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } كما سيأتي [بيان] (3) ذلك هناك.
قال البخاري : حدثنا يحيى ، حدثنا وَكِيع ، عن علي بن المبارك ، عن يحيى بن أبي كثير قال : سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أول ما نزل من القرآن ، قال : { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ } قلت : يقولون : { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } ؟ فقال أبو سلمة : سألت جابر بن عبد الله عن ذلك ، وقلتُ له مثل ما قلتَ لي ، فقال جابر : لا أحدثك إلا ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "جاورت بحرَاء ، فلما قضيت جواري هبطتُ فنُوديت فنظرت عن يميني فلم أر شيئًا ، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئًا ، ونظرت أمامي فلم أر شيئًا ، ونظرت خلفي فلم أر شيئًا. فرفعت رأسي فرأيت شيئًا ، فأتيت خديجة فقلت : دثروني. وصبوا علي ماء باردا. قال : فدثروني وصبوا علي ماء باردا قال : فنزلت { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ } (4)
هكذا ساقه من هذا الوجه. وقد رواه مسلم (5) من طريق عُقَيل ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة قال : أخبرني جابر بن عبد الله : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث عن فترة الوحي : "فبينا أنا أمشي إذ سمعت صوتًا من السماء ، فرفعت بصري قبَلَ السماء ، فإذا الملك الذي جاءني بحراء قاعد على كرسي بين السماء والأرض ، فَجَثَثْتُ (6) منه حتى هَوَيتُ إلى الأرض ، فجئت إلى أهلي ، فقلت : زملوني زملوني. فزملوني ، فأنزل الله { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ } إلى : { فَاهْجُرْ } -
__________
(1) زيادة من م.
(2) في م : "وخالف".
(3) زيادة من م.
(4) صحيح البخاري برقم (4922).
(5) صحيح مسلم برقم (161).
(6) في م : "فجثيت".
(8/261)
*************************
قال أبو سلمة : والرجز : الأوثان - ثم حَميَ الوحيُ وتَتَابع".
هذا لفظ البخاري (1) وهذا السياق هو المحفوظ ، وهو يقتضي أنه قد نزل الوحي قبل هذا ، لقوله : "فإذا الملك الذي جاءني (2) بحراء" ، وهو جبريل حين أتاه بقوله : { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } ثم إنه حصل بعد هذا فترة ، ثم نزل الملك بعد هذا. ووجه الجمع أن أول شيء نزل بعد فترة الوحي هذه السورة ، كما قال الإمام أحمد :
حدثنا حجاج ، حدثنا لَيْث ، حدثنا عُقَيل ، عن ابن شهاب (3) قال : سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن يقول : أخبرني جابر بن عبد الله : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "ثم فتر الوحي عني فترة ، فبينا أنا أمشي سمعتُ صوتًا من السماء ، فرفعت بصري قِبَل السماء ، فإذا الملك الذي جاءني [بحراء الآن] (4) قاعد على كرسي بين السماء والأرض ، فَجُثت (5) منه فَرَقًا ، حتى هَوَيت إلى الأرض ، فجئت أهلي فقلت لهم : زملوني زملوني. فزملوني ، فأنزل الله : { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ } ثم حمي الوحي [بعدُ] (6) وتتابع". أخرجاه من حديث الزهري ، به (7).
وقال الطبراني : حدثنا محمد بن علي بن شعيب السمسار ، حدثنا الحسن بن بشر (8) البَجَلي ، حدثنا المعافى بن عمران ، عن إبراهيم بن يزيد ، سمعت ابن أبي مُلَيْكة يقول : سمعت ابن عباس يقول : إن الوليد بن المغيرة صنع لقريش طعاما ، فلما أكلوا. قال : ما تقولون في هذا الرجل ؟ فقال بعضهم : ساحر. وقال بعضهم ليس بساحر. وقال بعضهم : كاهن. وقال بعضهم : ليس بكاهن. وقال بعضهم : شاعر. وقال بعضهم ليس بشاعر. وقال بعضهم : [بل] (9) سحر يُؤثر. فأجمع رأيهم على أنه سحر يؤثر. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فحزنَ وقَنعَ رأسه ، وتَدَثَّر ، فأنزل الله { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ } (10).
فقوله { قُمْ فَأَنْذِرْ } أي : شمر عن ساق العزم ، وأنذر الناس. وبهذا حصل الإرسال ، كما حصل بالأول النبوة.
{ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ } أي : عظم.
وقوله : { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } قال الأجلح الكندي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : أنه أتاه رجل فسأله عن هذه الآية : { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ }
__________
(1) صحيح البخاري برقم (4926).
(2) في م : "الذي كان".
(3) في أ : "ابن هشام".
(4) زيادة من م ، أ ، والمسند.
(5) في م : "فجثيت".
(6) زيادة من المسند.
(7) المسند (3/325) ، وصحيح البخاري برقم (4926) ، وصحيح مسلم برقم (161).
(8) في أ : الحسن بن بشير".
(9) زيادة من م.
(10) المعجم الكبير للطبراني (11/125) ، وقال الهيثمي في المجمع (7/131) : "وفيه إبراهيم بن يزيد الخوري وهو ضعيف".
هذا لفظ البخاري (1) وهذا السياق هو المحفوظ ، وهو يقتضي أنه قد نزل الوحي قبل هذا ، لقوله : "فإذا الملك الذي جاءني (2) بحراء" ، وهو جبريل حين أتاه بقوله : { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } ثم إنه حصل بعد هذا فترة ، ثم نزل الملك بعد هذا. ووجه الجمع أن أول شيء نزل بعد فترة الوحي هذه السورة ، كما قال الإمام أحمد :
حدثنا حجاج ، حدثنا لَيْث ، حدثنا عُقَيل ، عن ابن شهاب (3) قال : سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن يقول : أخبرني جابر بن عبد الله : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "ثم فتر الوحي عني فترة ، فبينا أنا أمشي سمعتُ صوتًا من السماء ، فرفعت بصري قِبَل السماء ، فإذا الملك الذي جاءني [بحراء الآن] (4) قاعد على كرسي بين السماء والأرض ، فَجُثت (5) منه فَرَقًا ، حتى هَوَيت إلى الأرض ، فجئت أهلي فقلت لهم : زملوني زملوني. فزملوني ، فأنزل الله : { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ } ثم حمي الوحي [بعدُ] (6) وتتابع". أخرجاه من حديث الزهري ، به (7).
وقال الطبراني : حدثنا محمد بن علي بن شعيب السمسار ، حدثنا الحسن بن بشر (8) البَجَلي ، حدثنا المعافى بن عمران ، عن إبراهيم بن يزيد ، سمعت ابن أبي مُلَيْكة يقول : سمعت ابن عباس يقول : إن الوليد بن المغيرة صنع لقريش طعاما ، فلما أكلوا. قال : ما تقولون في هذا الرجل ؟ فقال بعضهم : ساحر. وقال بعضهم ليس بساحر. وقال بعضهم : كاهن. وقال بعضهم : ليس بكاهن. وقال بعضهم : شاعر. وقال بعضهم ليس بشاعر. وقال بعضهم : [بل] (9) سحر يُؤثر. فأجمع رأيهم على أنه سحر يؤثر. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فحزنَ وقَنعَ رأسه ، وتَدَثَّر ، فأنزل الله { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ } (10).
فقوله { قُمْ فَأَنْذِرْ } أي : شمر عن ساق العزم ، وأنذر الناس. وبهذا حصل الإرسال ، كما حصل بالأول النبوة.
{ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ } أي : عظم.
وقوله : { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } قال الأجلح الكندي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : أنه أتاه رجل فسأله عن هذه الآية : { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ }
__________
(1) صحيح البخاري برقم (4926).
(2) في م : "الذي كان".
(3) في أ : "ابن هشام".
(4) زيادة من م ، أ ، والمسند.
(5) في م : "فجثيت".
(6) زيادة من المسند.
(7) المسند (3/325) ، وصحيح البخاري برقم (4926) ، وصحيح مسلم برقم (161).
(8) في أ : الحسن بن بشير".
(9) زيادة من م.
(10) المعجم الكبير للطبراني (11/125) ، وقال الهيثمي في المجمع (7/131) : "وفيه إبراهيم بن يزيد الخوري وهو ضعيف".
(8/262)
*************************
قال : لا تلبسها (1) على معصية ولا على غَدْرَة. ثم قال : أما سمعت قول غيلان بن سلمة الثقفي :
فَإني بحمد الله لا ثوبَ فَاجر... لبستُ ولا من غَدْرَة أتَقَنَّعُ (2)
وقال ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس [في هذه الآية] (3) { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } قال : في كلام العرب : نَقِي الثياب. وفي رواية بهذا الإسناد : فطهر من الذنوب. وكذا قال إبراهيم ، الشعبي ، وعطاء.
وقال الثوري ، عن رجل ، عن عطاء ، عن ابن عباس في هذه الآية : { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } قال : من الإثم. وكذا قال إبراهيم النخعي.
وقال (4) مجاهد : { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } قال : نفسك ، ليس ثيابه. وفي رواية عنه : { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } عملك فأصلح ، وكذا قال أبو رَزِين. وقال في رواية أخرى : { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } أي : لست بكاهن ولا ساحر ، فأعرض عما قالوا.
وقال قتادة : { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } أي : طهرها من المعاصي ، وكانت العرب تسمي الرجل إذا نكث ولم يف بعهد الله إنه لَمُدنَس (5) الثياب. وإذا وفى وأصلح : إنه لمطهر الثياب.
وقال عكرمة ، والضحاك : لا تلبسها على معصية.
وقال الشاعر (6)
إذا المرءُ لم يَدْنَس منَ اللؤم عِرْضُه... فَكُلّ ردَاء يَرْتَديه جَميلُ...
وقال العوفي ، عن ابن عباس : { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } [يعني] (7) لا تك ثيابك التي تلبس من مكسب غير طائب ، ويقال : لا تلبس ثيابك على معصية.
وقال محمد بن سيرين : { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } أي : اغسلها بالماء.
وقال ابن زيد : كان المشركون لا يتطهرون ، فأمره الله أن يتطهر ، وأن يطهر ثيابه.
وهذا القول اختاره ابن جرير ، وقد تشمل الآية جميع ذلك مع طهارة القلب ، فإن العرب تطلق الثياب عليه ، كما قال امرؤ القيس :
أفاطمَ مَهلا بعض هَذا التَدَلُّل... وَإن كُنت قَد أزْمَعْت هَجْري فأجْمِلي...
وَإن تَكُ قَد سَ ـاءتك مني خَليقَةٌ... فَسُلّي ثِيَابي مِن ثيابك تَنْسُلِ (8)
وقال سعيد بن جبير : { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } وقلبك ونيتك فطهر.
__________
(1) في أ : "لا تسلبها".
(2) البيت في تفسير الطبري (29ظ91).
(3) زيادة من م.
(4) في م : "وعن".
(5) في م : "لدنس".
(6) هو دكين بن رجاء ، وانظر : الشعر والشعراء لابن قتيبة (2/612) مستفادًا من حاشية الشعب.
(7) زيادة من م.
(8) ديوان امرئ القيس (ص37) مستفادًا من حاشية الشعب.
فَإني بحمد الله لا ثوبَ فَاجر... لبستُ ولا من غَدْرَة أتَقَنَّعُ (2)
وقال ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس [في هذه الآية] (3) { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } قال : في كلام العرب : نَقِي الثياب. وفي رواية بهذا الإسناد : فطهر من الذنوب. وكذا قال إبراهيم ، الشعبي ، وعطاء.
وقال الثوري ، عن رجل ، عن عطاء ، عن ابن عباس في هذه الآية : { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } قال : من الإثم. وكذا قال إبراهيم النخعي.
وقال (4) مجاهد : { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } قال : نفسك ، ليس ثيابه. وفي رواية عنه : { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } عملك فأصلح ، وكذا قال أبو رَزِين. وقال في رواية أخرى : { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } أي : لست بكاهن ولا ساحر ، فأعرض عما قالوا.
وقال قتادة : { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } أي : طهرها من المعاصي ، وكانت العرب تسمي الرجل إذا نكث ولم يف بعهد الله إنه لَمُدنَس (5) الثياب. وإذا وفى وأصلح : إنه لمطهر الثياب.
وقال عكرمة ، والضحاك : لا تلبسها على معصية.
وقال الشاعر (6)
إذا المرءُ لم يَدْنَس منَ اللؤم عِرْضُه... فَكُلّ ردَاء يَرْتَديه جَميلُ...
وقال العوفي ، عن ابن عباس : { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } [يعني] (7) لا تك ثيابك التي تلبس من مكسب غير طائب ، ويقال : لا تلبس ثيابك على معصية.
وقال محمد بن سيرين : { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } أي : اغسلها بالماء.
وقال ابن زيد : كان المشركون لا يتطهرون ، فأمره الله أن يتطهر ، وأن يطهر ثيابه.
وهذا القول اختاره ابن جرير ، وقد تشمل الآية جميع ذلك مع طهارة القلب ، فإن العرب تطلق الثياب عليه ، كما قال امرؤ القيس :
أفاطمَ مَهلا بعض هَذا التَدَلُّل... وَإن كُنت قَد أزْمَعْت هَجْري فأجْمِلي...
وَإن تَكُ قَد سَ ـاءتك مني خَليقَةٌ... فَسُلّي ثِيَابي مِن ثيابك تَنْسُلِ (8)
وقال سعيد بن جبير : { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } وقلبك ونيتك فطهر.
__________
(1) في أ : "لا تسلبها".
(2) البيت في تفسير الطبري (29ظ91).
(3) زيادة من م.
(4) في م : "وعن".
(5) في م : "لدنس".
(6) هو دكين بن رجاء ، وانظر : الشعر والشعراء لابن قتيبة (2/612) مستفادًا من حاشية الشعب.
(7) زيادة من م.
(8) ديوان امرئ القيس (ص37) مستفادًا من حاشية الشعب.
(8/263)
*************************
وقال محمد بن كعب القرظي ، والحسن البصري : وخُلقَك فَحسّن.
وقوله : { وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ } قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { وَالرُّجْزَ } وهو الأصنام ، فاهجر. وكذا قال مجاهد ، وعكرمة ، وقتادة ، والزهري ، وابن زيد : إنها الأوثان.
وقال إبراهيم ، والضحاك : { وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ } أي : اترك المعصية.
وعلى كل تقدير فلا يلزم تلبسه بشيء من ذلك ، كقوله : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ } [ الأحزاب : 1]{ وَقَالَ مُوسَى لأخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ } [الأعراف : 142].
وقوله : { وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ } قال ابن عباس : لا تعط العطية تلتمس أكثر منها. وكذا قال عكرمة ، ومجاهد ، وعطاء ، وطاوس ، وأبو الأحوص ، وإبراهيم النخعي ، والضحاك ، وقتادة ، والسدي ، وغيرهم.
وروي عن ابن مسعود أنه قرأ : "ولا تمنن أن تستكثر".
وقال الحسن البصري : لا تمنن بعملك على ربك تستكثره. وكذا قال الربيع بن أنس ، واختاره ابن جرير. وقال خصيف ، عن مجاهد في قوله : { وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ } قال : لا تضعف أن تستكثر من الخير ، قال تمنن في كلام العرب : تضعف.
وقال ابن زيد : لا تمنن بالنبوة على الناس ، تستكثرهم بها ، تأخذ عليه عوضا من الدنيا.
فهذه أربعة أقوال ، والأظهر القول الأول ، والله أعلم.
وقوله : { وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ } أي : اجعل صبرك على أذاهم لوجه ربك عز وجل ، قاله مجاهد. وقال إبراهيم النخعي : اصبر عطيتك لله تعالى (1).
وقوله : { فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ } قال ابن عباس ، ومجاهد والشعبي ، وزيد بن أسلم ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك ، والربيع بن أنس ، والسدي ، وابن زيد : { النَّاقُورِ } الصور. قال مجاهد : وهو كهيئة القرن.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أسباط بن محمد ، عن مُطَرِّف ، عن عطية العوفي ، عن ابن عباس : { فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ } فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته ، ينتظر متى يؤمر فينفخ ؟" فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : فما تأمرنا يا رسول الله ؟ قال : "قولوا : حسبنا الله ونعم الوكيل ، على الله توكلنا".
وهكذا رواه الإمام أحمد عن أسباط ، به (2) ورواه ابن جرير عن أبي كُرَيْب ، عن ابن فضيل
__________
(1) في أ : "لله عز وجل".
(2) المسند (1/326) ، وقال الحافظ عند تفسير الآية : 173 من سورة آل عمران : "حديث جيد".
وقوله : { وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ } قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { وَالرُّجْزَ } وهو الأصنام ، فاهجر. وكذا قال مجاهد ، وعكرمة ، وقتادة ، والزهري ، وابن زيد : إنها الأوثان.
وقال إبراهيم ، والضحاك : { وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ } أي : اترك المعصية.
وعلى كل تقدير فلا يلزم تلبسه بشيء من ذلك ، كقوله : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ } [ الأحزاب : 1]{ وَقَالَ مُوسَى لأخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ } [الأعراف : 142].
وقوله : { وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ } قال ابن عباس : لا تعط العطية تلتمس أكثر منها. وكذا قال عكرمة ، ومجاهد ، وعطاء ، وطاوس ، وأبو الأحوص ، وإبراهيم النخعي ، والضحاك ، وقتادة ، والسدي ، وغيرهم.
وروي عن ابن مسعود أنه قرأ : "ولا تمنن أن تستكثر".
وقال الحسن البصري : لا تمنن بعملك على ربك تستكثره. وكذا قال الربيع بن أنس ، واختاره ابن جرير. وقال خصيف ، عن مجاهد في قوله : { وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ } قال : لا تضعف أن تستكثر من الخير ، قال تمنن في كلام العرب : تضعف.
وقال ابن زيد : لا تمنن بالنبوة على الناس ، تستكثرهم بها ، تأخذ عليه عوضا من الدنيا.
فهذه أربعة أقوال ، والأظهر القول الأول ، والله أعلم.
وقوله : { وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ } أي : اجعل صبرك على أذاهم لوجه ربك عز وجل ، قاله مجاهد. وقال إبراهيم النخعي : اصبر عطيتك لله تعالى (1).
وقوله : { فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ } قال ابن عباس ، ومجاهد والشعبي ، وزيد بن أسلم ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك ، والربيع بن أنس ، والسدي ، وابن زيد : { النَّاقُورِ } الصور. قال مجاهد : وهو كهيئة القرن.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أسباط بن محمد ، عن مُطَرِّف ، عن عطية العوفي ، عن ابن عباس : { فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ } فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته ، ينتظر متى يؤمر فينفخ ؟" فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : فما تأمرنا يا رسول الله ؟ قال : "قولوا : حسبنا الله ونعم الوكيل ، على الله توكلنا".
وهكذا رواه الإمام أحمد عن أسباط ، به (2) ورواه ابن جرير عن أبي كُرَيْب ، عن ابن فضيل
__________
(1) في أ : "لله عز وجل".
(2) المسند (1/326) ، وقال الحافظ عند تفسير الآية : 173 من سورة آل عمران : "حديث جيد".
(8/264)
*************************
ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (12) وَبَنِينَ شُهُودًا (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآَيَاتِنَا عَنِيدًا (16) سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (17)
وأسباط ، كلاهما عن مطرف ، به. ورواه من طريق أخرى ، عن العوفي ، عن ابن عباس ، به (1).
وقوله : { فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ } أي : شديد.
{ عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ } أي : غير سهل عليهم. كما قال تعالى { يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ } [القمر : 8].
وقد روينا عن زُرَارة بن أوفى - قاضي البصرة - : أنه صلى بهم الصبح ، فقرأ هذه السورة ، فلما وصل إلى قوله : { فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ } شَهِقَ شهقة ، ثم خر ميتا ، رحمه الله (2).
{ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالا مَمْدُودًا (12) وَبَنِينَ شُهُودًا (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلا إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيدًا (16) سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (17) }
__________
(1) تفسير الطبري (29/95)
(2) رواه أبو نعيم في الحلية (2/258 ، 259).
وقوله : { فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ } أي : شديد.
{ عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ } أي : غير سهل عليهم. كما قال تعالى { يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ } [القمر : 8].
وقد روينا عن زُرَارة بن أوفى - قاضي البصرة - : أنه صلى بهم الصبح ، فقرأ هذه السورة ، فلما وصل إلى قوله : { فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ } شَهِقَ شهقة ، ثم خر ميتا ، رحمه الله (2).
{ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالا مَمْدُودًا (12) وَبَنِينَ شُهُودًا (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلا إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيدًا (16) سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (17) }
__________
(1) تفسير الطبري (29/95)
(2) رواه أبو نعيم في الحلية (2/258 ، 259).
(8/265)
*************************
إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30)
{ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30) }
يقول تعالى متوعدا لهذا الخبيث الذي أنعم الله عليه بنعم الدنيا ، فكفر بأنعم الله ، وبدلها كفرا ، وقابلها بالجحود بآيات الله والافتراء عليها ، وجعلها من قول البشر. وقد عدد الله عليه نعَمه حيث قال : { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا } أي : خرج من بطن أمه وحده لا مال له ولا ولد ، ثم رزقه الله ،
{ مَالا مَمْدُودًا } أي : واسعًا كثيرًا قيل : ألف دينار. وقيل : مائة ألف دينار. وقيل : أرضا يستغلها. وقيل غير ذلك.
وجعل له { وَبَنِينَ شُهُودًا } قال مجاهد : لا يغيبون ، أي : حضورا عنده لا يسافرون في التجارات ، بل مَواليهم وأجراؤهم يتولون ذلك عنهم وهم قعود عند أبيهم ، يتمتع بهم ويتَمَلَّى بهم. وكانوا - فيما ذكره السدي ، وأبو مالك ، وعاصم بن عمر بن قتادة - ثلاثة عشر. وقال ابن عباس ، ومجاهد : كانوا عشرة. وهذا أبلغ في النعمة [وهو إقامتهم عنده ]. (1)
{ وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا } أي : مكنته من صنوف المال والأثاث وغير ذلك ،
{ ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كَلا إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيدًا } أي : معاندا ، وهو الكفر على نعمه بعد العلم.
قال الله : { سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا } قال الإمام أحمد :
حدثنا حسن ، حدثنا ابن لَهِيعة ، عن دَرَّاج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد ، عن رسول الله
__________
(1) زيادة من م ، أ.
يقول تعالى متوعدا لهذا الخبيث الذي أنعم الله عليه بنعم الدنيا ، فكفر بأنعم الله ، وبدلها كفرا ، وقابلها بالجحود بآيات الله والافتراء عليها ، وجعلها من قول البشر. وقد عدد الله عليه نعَمه حيث قال : { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا } أي : خرج من بطن أمه وحده لا مال له ولا ولد ، ثم رزقه الله ،
{ مَالا مَمْدُودًا } أي : واسعًا كثيرًا قيل : ألف دينار. وقيل : مائة ألف دينار. وقيل : أرضا يستغلها. وقيل غير ذلك.
وجعل له { وَبَنِينَ شُهُودًا } قال مجاهد : لا يغيبون ، أي : حضورا عنده لا يسافرون في التجارات ، بل مَواليهم وأجراؤهم يتولون ذلك عنهم وهم قعود عند أبيهم ، يتمتع بهم ويتَمَلَّى بهم. وكانوا - فيما ذكره السدي ، وأبو مالك ، وعاصم بن عمر بن قتادة - ثلاثة عشر. وقال ابن عباس ، ومجاهد : كانوا عشرة. وهذا أبلغ في النعمة [وهو إقامتهم عنده ]. (1)
{ وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا } أي : مكنته من صنوف المال والأثاث وغير ذلك ،
{ ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كَلا إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيدًا } أي : معاندا ، وهو الكفر على نعمه بعد العلم.
قال الله : { سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا } قال الإمام أحمد :
حدثنا حسن ، حدثنا ابن لَهِيعة ، عن دَرَّاج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد ، عن رسول الله
__________
(1) زيادة من م ، أ.
(8/265)
*************************
صلى الله عليه وسلم قال : "ويل : واد في جهنم ، يهوي فيه الكافر أربعين خريفا قبل أن يبلغ قعره ، والصَّعُود : جبل من نار يصعد فيه سبعين خريفا ، ثم يهوي به كذلك فيه أبدا".
وقد رواه الترمذي عن عبد بن حُمَيد ، عن الحسن بن موسى الأشيب ، به (1) ثم قال : غريب ، لا نعرفه إلا من حديث ابن لَهِيعة عن دراج. كذا قال. وقد رواه ابن جرير ، عن يونس ، عن عبد الله بن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، عن دَرَّاج (2) وفيه غرابة ونكارة.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زُرْعَة وعلي بن عبد الرحمن - المعروف بعلان المصري (3) - قال : حدثنا مِنْجاب ، أخبرنا شريك ، عن عمار الدُّهَنِيّ ، عن عطية العوفي ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : { سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا } قال : "هو جبل في النار من نار يكلف أن يصعده ، فإذا وضع يده ذابت ، وإذا رفعها عادت ، فإذا وضع رجله ذابت ، وإذا رفعها عادت".
ورواه البزار وابن جرير ، من حديث شريك ، به (4).
وقال قتادة ، عن (5) ابن عباس : صعود : صخرة [في جهنم] (6) عظيمة يسحب عليها الكافر على وجهه.
وقال السدي : صعودا : صخرة ملساء في جهنم ، يكلف أن يصعدها.
وقال مجاهد : { سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا } أي : مشقة من العذاب. وقال قتادة : عذابا لا راحة فيه. واختاره ابن جرير.
وقوله : { إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ } أي : إنما أرهقناه صعودا ، أي : قربناه من العذاب الشاق ؛ لبعده عن الإيمان ، لأنه فكر وقدر ، أي : تَرَوَّى ماذا يقول في القرآن حين سُئل عن القرآن ، ففكر ماذا يختلق من المقال ، { وَقَدَّرَ } أي : تروى ، { فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ } دعاء عليه ،
{ ثُمَّ نَظَرَ } أي : أعاد النظرة (7) والتروي. { ثُمَّ عَبَسَ } أي : قبض بين عينيه وقطب ، { وَبَسَرَ } أي : كلح وكره ، ومنه قول توبة بن الحُمَير الشاعر :
وَقَد رَابَني منها صُدُودٌ رَأيتُه... وَإعرَاضُها عَن حاجَتي وبُسُورُها...
وقوله : { ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ } أي : صُرف عن الحق ، ورجع القهقرى مستكبرا عن الانقياد للقرآن ،
{ فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ يُؤْثَرُ فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ يُؤْثَرُ } أي : هذا سحر ينقله محمد عن غيره عمن قبله ويحكيه عنهم ؛
ولهذا قال : { إِنْ هَذَا إِلا قَوْلُ الْبَشَرِ } أي : ليس بكلام الله.
__________
(1) المسند (3/75) ، وسنن الترمذي برقم (3164).
(2) تفسير الطبري (29/97).
(3) في م : "البصري".
(4) تفسير الطبري (29/97) ، ورواه الطبراني في المعجم الأوسط برقم (3409) "مجمع البحرين" من طريق منجاب بن الحارث به مرفوعًا. وقال الطبراني : "لم يرفع هذا الحديث عن عمار الدهني إلا شريك ، ورواه سفيان بن عيينة عن عمار الدهني فوافقه".
(5) في م : "وقال".
(6) زيادة من م.
(7) في م : "النظر".
وقد رواه الترمذي عن عبد بن حُمَيد ، عن الحسن بن موسى الأشيب ، به (1) ثم قال : غريب ، لا نعرفه إلا من حديث ابن لَهِيعة عن دراج. كذا قال. وقد رواه ابن جرير ، عن يونس ، عن عبد الله بن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، عن دَرَّاج (2) وفيه غرابة ونكارة.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زُرْعَة وعلي بن عبد الرحمن - المعروف بعلان المصري (3) - قال : حدثنا مِنْجاب ، أخبرنا شريك ، عن عمار الدُّهَنِيّ ، عن عطية العوفي ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : { سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا } قال : "هو جبل في النار من نار يكلف أن يصعده ، فإذا وضع يده ذابت ، وإذا رفعها عادت ، فإذا وضع رجله ذابت ، وإذا رفعها عادت".
ورواه البزار وابن جرير ، من حديث شريك ، به (4).
وقال قتادة ، عن (5) ابن عباس : صعود : صخرة [في جهنم] (6) عظيمة يسحب عليها الكافر على وجهه.
وقال السدي : صعودا : صخرة ملساء في جهنم ، يكلف أن يصعدها.
وقال مجاهد : { سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا } أي : مشقة من العذاب. وقال قتادة : عذابا لا راحة فيه. واختاره ابن جرير.
وقوله : { إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ } أي : إنما أرهقناه صعودا ، أي : قربناه من العذاب الشاق ؛ لبعده عن الإيمان ، لأنه فكر وقدر ، أي : تَرَوَّى ماذا يقول في القرآن حين سُئل عن القرآن ، ففكر ماذا يختلق من المقال ، { وَقَدَّرَ } أي : تروى ، { فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ } دعاء عليه ،
{ ثُمَّ نَظَرَ } أي : أعاد النظرة (7) والتروي. { ثُمَّ عَبَسَ } أي : قبض بين عينيه وقطب ، { وَبَسَرَ } أي : كلح وكره ، ومنه قول توبة بن الحُمَير الشاعر :
وَقَد رَابَني منها صُدُودٌ رَأيتُه... وَإعرَاضُها عَن حاجَتي وبُسُورُها...
وقوله : { ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ } أي : صُرف عن الحق ، ورجع القهقرى مستكبرا عن الانقياد للقرآن ،
{ فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ يُؤْثَرُ فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ يُؤْثَرُ } أي : هذا سحر ينقله محمد عن غيره عمن قبله ويحكيه عنهم ؛
ولهذا قال : { إِنْ هَذَا إِلا قَوْلُ الْبَشَرِ } أي : ليس بكلام الله.
__________
(1) المسند (3/75) ، وسنن الترمذي برقم (3164).
(2) تفسير الطبري (29/97).
(3) في م : "البصري".
(4) تفسير الطبري (29/97) ، ورواه الطبراني في المعجم الأوسط برقم (3409) "مجمع البحرين" من طريق منجاب بن الحارث به مرفوعًا. وقال الطبراني : "لم يرفع هذا الحديث عن عمار الدهني إلا شريك ، ورواه سفيان بن عيينة عن عمار الدهني فوافقه".
(5) في م : "وقال".
(6) زيادة من م.
(7) في م : "النظر".
(8/266)
*************************
وهذا المذكور في هذا السياق هو : الوليد بن المغيرة المخزومي ، أحد رؤساء قريش - لعنه الله - وكان من خبره في هذا ما رواه العوفي ، عن ابن عباس قال : دخل الوليد بن المغيرة على أبي بكر بن أبي قحافة فسأله (1) عن القرآن ، فلما أخبره خرج على قريش فقال : يا عجبا لما يقول ابن أبي كبشة. فوالله ما هو بشعر ولا بسحر ولا بهذْي من الجنون ، وإن قوله لمن كلام الله. فلما سمع بذلك النفرُ من قريش ائتمروا فقالوا : والله لئن صبا الوليد لتصْبُوَنَّ قريش. فلما سمع بذلك أبو جهل بن هشام قال : أنا والله أكفيكم شأنه. فانطلق حتى دخل عليه بيته فقال للوليد : ألم تر قومك قد جمعوا لك الصدقة ؟ فقال : ألستُ أكثرهم مالا وولدا. فقال له أبو جهل : يتحدثون أنك إنما تدخل على ابن أبي قحافة لتصيب من طعامه. فقال الوليد : أقد (2) تحدث به عشيرتي ؟! فلا والله لا أقرب ابن أبي قحافة ، ولا عمر ، ولا ابن أبي كبشة ، وما قوله إلا سحر يؤثر. فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم : { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا } إلى قوله : { لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ }
وقال قتادة : زعموا أنه قال : والله لقد نظرت فيما قال الرجل فإذا هو ليس بشعر ، وإن له لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإنه ليعلو وما يعلى ، وما أشك أنه سحر. فأنزل الله : { فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ } الآية ، { ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ } قبض ما بين عينيه وكلح.
وقال ابن جرير : حدثنا ابن عبد الأعلى ، أخبرنا محمد بن ثور ، عن مَعْمَر ، عن عَبَّاد بن منصور ، عن عكرمة : أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه القرآن ، فكأنه رق له. فبلغ ذلك أبا جهل بن هشام ، فأتاه فقال : أي عم ، إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا. قال : لم ؟ قال : يعطونكه ، فإنك أتيت محمدًا تَتَعَرض لما قبله. قال : قد علمت قريش أني أكثرها مالا. قال : فقل فيه قولا يعلم قومك أنك (3) منكر لما قال ، وأنك كاره له. قال : فماذا أقول فيه ؟ فوالله ما منكم رجل أعلم بالأشعار مني ، ولا أعلم برجزه ولا بقصيده ولا بأشعار الجن ، والله ما يشبه الذي يقوله شيئًا من ذلك. والله إن لقوله الذي يقول لحلاوة ، وإنه ليحطم ما تحته ، وإنه ليعلو وما يعلى. وقال : والله لا يرضى قومك حتى تقول فيه. قال : فدعني حتى أفكر فيه. فلما فكر قال : إن هذا سحر يأثره عن غيره. فنزلت : { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا } [قال قتادة : خرج من بطن أمه وحيدا] (4) حتى بلغ : { تِسْعَةَ عَشَرَ } (5)
وقد ذكر محمد بن إسحاق وغير واحد نحوا من هذا. وقد زعم السدي أنهم لما اجتمعوا في دار الندوة ليجمعوا رأيهم على قول يقولونه فيه ، قبل أن يقدم عليهم وفودُ العرب للحج ليصدّوهُم عنه ، فقال قائلون : شاعر. وقال آخرون : ساحر. وقال آخرون : كاهن. وقال آخرون : مجنون. كما قال تعالى : { انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا } [ الإسراء : 48] كل هذا والوليد يفكر فيما يقوله فيه ، ففكر وقدر ، ونظر وعبس وبسر ، فقال : { إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هَذَا إِلا قَوْلُ الْبَشَرِ }
قال الله عز وجل : { سَأُصْلِيهِ سَقَرَ } أي : سأغمره فيها من جميع جهاته.
__________
(1) في م ، أ : "يسأله".
(2) في أ : "أوقد".
(3) في م : "أنه".
(4) زيادة من تفسير الطبري
(5) تفسير الطبري (29/98).
وقال قتادة : زعموا أنه قال : والله لقد نظرت فيما قال الرجل فإذا هو ليس بشعر ، وإن له لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإنه ليعلو وما يعلى ، وما أشك أنه سحر. فأنزل الله : { فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ } الآية ، { ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ } قبض ما بين عينيه وكلح.
وقال ابن جرير : حدثنا ابن عبد الأعلى ، أخبرنا محمد بن ثور ، عن مَعْمَر ، عن عَبَّاد بن منصور ، عن عكرمة : أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه القرآن ، فكأنه رق له. فبلغ ذلك أبا جهل بن هشام ، فأتاه فقال : أي عم ، إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا. قال : لم ؟ قال : يعطونكه ، فإنك أتيت محمدًا تَتَعَرض لما قبله. قال : قد علمت قريش أني أكثرها مالا. قال : فقل فيه قولا يعلم قومك أنك (3) منكر لما قال ، وأنك كاره له. قال : فماذا أقول فيه ؟ فوالله ما منكم رجل أعلم بالأشعار مني ، ولا أعلم برجزه ولا بقصيده ولا بأشعار الجن ، والله ما يشبه الذي يقوله شيئًا من ذلك. والله إن لقوله الذي يقول لحلاوة ، وإنه ليحطم ما تحته ، وإنه ليعلو وما يعلى. وقال : والله لا يرضى قومك حتى تقول فيه. قال : فدعني حتى أفكر فيه. فلما فكر قال : إن هذا سحر يأثره عن غيره. فنزلت : { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا } [قال قتادة : خرج من بطن أمه وحيدا] (4) حتى بلغ : { تِسْعَةَ عَشَرَ } (5)
وقد ذكر محمد بن إسحاق وغير واحد نحوا من هذا. وقد زعم السدي أنهم لما اجتمعوا في دار الندوة ليجمعوا رأيهم على قول يقولونه فيه ، قبل أن يقدم عليهم وفودُ العرب للحج ليصدّوهُم عنه ، فقال قائلون : شاعر. وقال آخرون : ساحر. وقال آخرون : كاهن. وقال آخرون : مجنون. كما قال تعالى : { انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا } [ الإسراء : 48] كل هذا والوليد يفكر فيما يقوله فيه ، ففكر وقدر ، ونظر وعبس وبسر ، فقال : { إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هَذَا إِلا قَوْلُ الْبَشَرِ }
قال الله عز وجل : { سَأُصْلِيهِ سَقَرَ } أي : سأغمره فيها من جميع جهاته.
__________
(1) في م ، أ : "يسأله".
(2) في أ : "أوقد".
(3) في م : "أنه".
(4) زيادة من تفسير الطبري
(5) تفسير الطبري (29/98).
(8/267)
*************************
ثم قال { وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ } ؟ وهذا تهويل لأمرها وتفخيم.
ثم فسر ذلك بقوله : { لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ } أي : تأكل لحومهم وعروقهم وعَصَبهم وجلودهم ، ثم تبدل غير ذلك ، وهم في ذلك لا يموتون ولا يحيون ، قاله ابن بريدة وأبو سنان وغيرهما.
وقوله : { لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ } قال مجاهد : أي للجلد ، وقال أبو رَزين : تلفح الجلد لفحة فتدعه أسود من الليل. وقال زيد بن أسلم : تلوح أجسادهم عليها. وقال قتادة : { لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ } أي : حراقة للجلد. وقال ابن عباس : تحرق بشرة الإنسان.
وقوله : { عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ } أي : من مقدمي الزبانية ، عظيم خلقهم ، غليظ خلقهم.
وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا إبراهيم بن موسى ، حدثنا ابن أبي زائدة ، أخبرني حريث ، عن عامر ، عن البراء في قوله : { عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ } قال إن رهطا من اليهود سألوا رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خزنة جهنم. فقال : الله ورسوله أعلم. فجاء رجل فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فنزل عليه ساعتئذ : { عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ } فأخبر أصحابه وقال : "ادعهم ، أما إني سائلهم عن تُربَة الجنة إن أتوني ، أما إنها (1) دَرْمكة بيضاء". فجاؤوه فسألوه عن خزنة جهنم ، فأهوى بأصابع كفيه مرتين وأمسك الإبهام في الثانية ، ثم قال : "أخبروني عن تربة الجنة". فقالوا : أخبرهم يا ابن سلام. فقال : كأنها خُبزَة بيضاء. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أما إن الخبز إنما يكون من الدّرمَك". (2)
هكذا وقع عند ابن أبي حاتم عن البراء ، والمشهور عن جابر بن عبد الله ، كما قال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا منده ، حدثنا أحمد بن عَبدَة ، أخبرنا سفيان ويحيى بن حكيم ، حدثنا سفيان ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن جابر بن عبد الله قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد ، غلبَ أصحابك اليوم. فقال : "بأي شيء ؟" قال : سألتهم يَهُود هل أعلمكم نبيكم عدة خزنة أهل النار ؟ قالوا : لا نعلم حتى نسأل نبينا صلى الله عليه وسلم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أفغلب قوم سُئلوا عما لا يدرون فقالوا : لا ندرى (3) حتى نسأل نبينا ؟ عليَّ بأعداء الله ، لكن سألوا (4) نبيهم أن يريهم الله جهرة". فأرسل إليهم فدعاهم. قالوا : يا أبا القاسم ، كم عدد خزنة أهل النار ؟ قال : "هكذا" ، وطبق كفيه ، ثم طبق كفيه ، مرتين ، وعقد واحدة ، وقال لأصحابه : "إن سئلتم عن تربة الجنة فهي الدَّرمك". فلما سألوه فأخبرهم بعدة خزنة أهل النار ، قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما تربة الجنة ؟" فنظر بعضهم إلى بعض ، فقالوا : خبزة يا أبا القاسم. فقال : "الخبز من الدَّرمك".
وهكذا رواه الترمذي عند هذه الآية عن ابن أبي عمر ، عن سفيان ، به (5) وقال هو والبزار :
__________
(1) في م : "إنها كأنها".
(2) ورواه البيهقي في البعث برقم (509) من طريق مسروق بن المرزبان ، عن ابن أبي زائدة به ، وقال : "حديث ابن أبي مطر - أي حريث - ليس بالقوى ، وحديث جابر أصح" وهو الآتي بعده.
(3) في م : "قالوا لا نعلم".
(4) في م ، أ : "لكنهم قد سألوا".
(5) سنن الترمذي برقم (3327).
ثم فسر ذلك بقوله : { لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ } أي : تأكل لحومهم وعروقهم وعَصَبهم وجلودهم ، ثم تبدل غير ذلك ، وهم في ذلك لا يموتون ولا يحيون ، قاله ابن بريدة وأبو سنان وغيرهما.
وقوله : { لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ } قال مجاهد : أي للجلد ، وقال أبو رَزين : تلفح الجلد لفحة فتدعه أسود من الليل. وقال زيد بن أسلم : تلوح أجسادهم عليها. وقال قتادة : { لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ } أي : حراقة للجلد. وقال ابن عباس : تحرق بشرة الإنسان.
وقوله : { عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ } أي : من مقدمي الزبانية ، عظيم خلقهم ، غليظ خلقهم.
وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا إبراهيم بن موسى ، حدثنا ابن أبي زائدة ، أخبرني حريث ، عن عامر ، عن البراء في قوله : { عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ } قال إن رهطا من اليهود سألوا رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خزنة جهنم. فقال : الله ورسوله أعلم. فجاء رجل فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فنزل عليه ساعتئذ : { عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ } فأخبر أصحابه وقال : "ادعهم ، أما إني سائلهم عن تُربَة الجنة إن أتوني ، أما إنها (1) دَرْمكة بيضاء". فجاؤوه فسألوه عن خزنة جهنم ، فأهوى بأصابع كفيه مرتين وأمسك الإبهام في الثانية ، ثم قال : "أخبروني عن تربة الجنة". فقالوا : أخبرهم يا ابن سلام. فقال : كأنها خُبزَة بيضاء. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أما إن الخبز إنما يكون من الدّرمَك". (2)
هكذا وقع عند ابن أبي حاتم عن البراء ، والمشهور عن جابر بن عبد الله ، كما قال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا منده ، حدثنا أحمد بن عَبدَة ، أخبرنا سفيان ويحيى بن حكيم ، حدثنا سفيان ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن جابر بن عبد الله قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد ، غلبَ أصحابك اليوم. فقال : "بأي شيء ؟" قال : سألتهم يَهُود هل أعلمكم نبيكم عدة خزنة أهل النار ؟ قالوا : لا نعلم حتى نسأل نبينا صلى الله عليه وسلم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أفغلب قوم سُئلوا عما لا يدرون فقالوا : لا ندرى (3) حتى نسأل نبينا ؟ عليَّ بأعداء الله ، لكن سألوا (4) نبيهم أن يريهم الله جهرة". فأرسل إليهم فدعاهم. قالوا : يا أبا القاسم ، كم عدد خزنة أهل النار ؟ قال : "هكذا" ، وطبق كفيه ، ثم طبق كفيه ، مرتين ، وعقد واحدة ، وقال لأصحابه : "إن سئلتم عن تربة الجنة فهي الدَّرمك". فلما سألوه فأخبرهم بعدة خزنة أهل النار ، قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما تربة الجنة ؟" فنظر بعضهم إلى بعض ، فقالوا : خبزة يا أبا القاسم. فقال : "الخبز من الدَّرمك".
وهكذا رواه الترمذي عند هذه الآية عن ابن أبي عمر ، عن سفيان ، به (5) وقال هو والبزار :
__________
(1) في م : "إنها كأنها".
(2) ورواه البيهقي في البعث برقم (509) من طريق مسروق بن المرزبان ، عن ابن أبي زائدة به ، وقال : "حديث ابن أبي مطر - أي حريث - ليس بالقوى ، وحديث جابر أصح" وهو الآتي بعده.
(3) في م : "قالوا لا نعلم".
(4) في م ، أ : "لكنهم قد سألوا".
(5) سنن الترمذي برقم (3327).